المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌من كتاب الرضاع - الفواكه العديدة في المسائل المفيدة - جـ ٢

[أحمد المنقور]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الوصاياوالهبة والفرائض

- ‌من كتاب النكاح

- ‌من كتاب الطلاق

- ‌من كتاب الظهار

- ‌ فصل: وعليه دفع الكسوة لها كل عام مر

- ‌من كتاب الرضاع

- ‌من كتاب الصيد

- ‌من كتاب القضاء

- ‌فصل: وأما الفقيه على الحقيقة

- ‌فائدة:

- ‌فصل: في الفرق بين ألفاظ الحكم المتداولة في السجلات

- ‌فائدة: الحكم بالصحة له شروط:

- ‌فصل: وأما الحكم بالموجب

- ‌فصل: ويجتمع الحكم بالصحة والموجب في أمور:

- ‌فائدة: قال البلقيني: من أحضر كتاب وقف أو بيع

- ‌فائدة:

- ‌من كتاب الشهادات

- ‌فائدة: مختصرة في الشهادة على الخط لابن المنجا

- ‌فصل: في الشهادة على الخط:

- ‌ فوائد:

- ‌فائدة: من "المغني": لو مات رجل وترك داراً

- ‌فصلوالعدل: من استمر على فعل الواجب

- ‌ فصل: وأكثر أهل العلم يرون ثبوت المال لمدعيه بشاهد ويمين

- ‌فصل: قال أحمد: مضت السنة أن يقضي باليمين مع الشاهد الواحد

- ‌فائدة: ذكر أبو العباس في رد اليمين والقضاء بالنكول تفصيلاً حسناً

- ‌من كتاب القسمة

- ‌ تنبيه: محل الخلاف إذا كانت من جنس واحد على الصحيح

- ‌مسألة: رجل له وراث، منهم ولد من أمته

- ‌من كتاب الإقرار

- ‌تنبيه: ظاهر كلام المصنف أنه إذا لم يفسره بالهبة

- ‌فوائد:

- ‌فصل: الجدل في اللغة: اللدد في الخصومة والقدرة عليها

- ‌فصل في ترتيب الخصوم في الجدل:

- ‌مسائل فيها إشكال

- ‌إجازة الحجاوي لتلميذه

- ‌ذيل

الفصل: ‌من كتاب الرضاع

يكون مظاهراً، ويحتمل أن لا يثبت به ظهار، لأن الشرع إنما ورد بصريح لفظه، وهذا ليس بصريح فيه. انتهى. وجدتها على هامش "المحرر" أظنها من "المغني" أو "الشرح".

قال في "الإنصاف": ولا يجزئ إعتاق المغصوب على الصحيح من المذهب. وفيه وجه: أنه يجزئه. وقال في "الفروع": وفي مغصوب وجهان. انتهى.

في "الترغيب": لا يجزئ عتقه عن كفارة، وأما تبرع؛ فيجوز (1)، لجوازه في البيع الفاسد، وقد ذكروا: أن حكمه كمغصوب، قاله شيخنا.

‌من كتاب الرضاع

قال ابن القيم في "تحفة الودود": ويجوز أن ترضع الأم الولد بعد الحولين إلى نصف الثالث أو أكثر. وأحمد أوقات الفطام؛ إذا كان الوقت معتدلاً. وإذا أرادت فطامه؛ فطمته على التدريج، ولا تفاجئه بالفطام وهلة واحدة، بل تعوده إياه، وتمرنه عليه؛ لمضرة الانتقال عن الإلف والعادة مرة واحدة. ومن أنفع الأشياء لهم أن يعطوا دون الشبع؛ ليجود هضمهم، وتعتدل أخلاطهم، وتقل الفضول في أبدانهم، وتصح أجسادهم، وتقل أمراضهم؛ لقلة الفضلات في الغذاء. انتهى.

قال في "الإنصاف": لا يفطم قبل الحولين إلا برضي أبويه ما لم يصبه ضرر. قال في "الرعاية": يحرم رضاعه بعدهما، ولو رضياً به وقال فيها: اللبن طاهر مباح من رجل وامرأة. قال في "الفروع": وظاهر كلام بعضهم؛ يباح من امرأة. قال في "الانتصار" وغيره: القياس تحريمه، ترك للضرورة، ثم أبيح بعد زوالها، وله نظائر. وظاهر كلامه في "عيون المسائل": إباحته مطلقاً. انتهى.

الذي ظهر لنا تحريم لبن الرجل كما جزم به ابن قندس في "حاشية المحرر"، وكذا إباحة الرضاع بعد الحولين، قاله شيخنا.

(1) في نسخة مكتبة الرياض: وإما تبرع؛ فالظاهر إجزاؤه لجوازه.

ص: 70

قوله في "شرح المنتهى": ومن أرضعت ولدها، وهي في حبال أبيه، فاحتاجت لزيادة نفقة؛ لزمه، لأن عليه كفايتها. انتهى.

ظاهره: لها الزيادة، ولو كان رضاعها إياه بأجرة؛ للزوم نقفتها له من غير أجرة الرضاع، ولأن المرضع أشره من غيرها، قاله شيخنا.

قوله: وتجزئ كفارة عن الجميع، أي إذا أطلق.

الظاهر لنا: أنه إذا لم ينو أن هذه الكفارة عن هذه اليمين فقط، كالأحداث إذا اجتمعت.

قوله: وله التفكير قبله.

أي بعد وجود السبب في اليمين والظهار، بخلاف ما إذا علقه على شرط؛ فلابد من وجوده، مثل قوله: إن دخلت الدار، قاله شيخنا.

قال ابن القيم في "إعلام الموقعين": الوجه الثاني: ليس على المرضعة إلا وضع حلمة الثدي في فم الطفل. وحمله ووضعه في حجرها وباقي الأعمال؛ في تعهده

إلى أن قال في "الهدي" عن هذا القول: والله يعلم، والعقلاء قاطبة؛ أن الأمر ليس كذلك، وأن وضع الطفل في حجرها، ليس بمقصود أصلاً -ولا ورد عليه عقد الإجارة- ولا عرفاً، ولا حقيقة، ولا شرعاً. ولو أرضعت الطفل وهو في حجر غيرها أو مهد غيرها لاستحقت الأجرة. ولو كان المقصود القام الثدي المجرد؛ لإستؤجر له كل امرأة لها ثدي ولو لم يكن لها لبن. فهذا هو القياس الفاسد حقاً والفقه البارد. انتهى.

من "المغني": وإن ثاب لامرأة لبن من غير وطء فأرضعت به طفلاً؛ نشر الحرمة في أظهر الروايتين، وهو قول ابن حامد، ومذهب مالك، والثوري، والشافعي، وأبي ثور، وأصحاب الرأي.

الثانية: لا ينشر الحرمة؛ لأنه نادر. انتهى. الظاهر أنه ينشر الحرمة، قاله شيخنا.

ص: 71

ومنه أيضاً: إذا طلق الرجل زوجته، ولها منه لبن، فتزوجت آخر؛ لم تخل من خمسة أحوال:

أحدها: أن لا تحمل من الثاني؛ فهو للأول، سواء زاد أو لم يزده أو انقطع ثم عاد، أو لم ينقطع.

الخامس: انقطع من الأول، ثم ثاب بالحمل من الثاني؛ فقال أبو بكر: هو منهما، واختار أبو الخطاب: أنه من الثاني. انتهى ملخصاً.

ومن "شرح المنتهي" لمؤلفه: وأما كونه لهما إذا انقطع ثم ثاب؛ لأن اللبن كان الأول، فلما عاد قبل الوضع؛ كان الظاهر أن ذلك اللبن الذي انقطع، لكن ثاب للحمل به فوجب أن يضاف إليهما. انتهي.

فظهر من ذلك: إذا حملت المرأة، ثم انقطع لبنها، ثم ثاب ولو بعد مدة لولادتها ورضاعها الذي قبل الحمل؛ أن ذلك اللبن ينشر الحرمة، ويكون للزوج الذي منه الحمل المتقدم، قاله شيخنا.

قوله: مؤنسة لحاجة.

فلا تلزم مع عدم الحاجة، لا سيما إذا طلبتها مضارة لها وعندها جيران، ولا خوف عليها من فسق ونحوه مع عدمها، قاله شيخنا.

من "التحفة للشافعية": ولو قال: هذا الثوب، أو الطعام، أو العبد عليّ حرام ونحوه.

فلغو لا شيء فيه، بخلاف الحليلة، لا مكانه فيها بطلاق وعتق. انتهى

إذا قال الأجنبية: أنت علي حرام؛ لم تحرم إلا إن نوى به الظهار، لأنها عليه حرام ذلك الوقت، قاله البلباني.

قوله في الإحداد: ولا من مالها، أي ليس عليها السكن في بيت أجرته عليها من مالها، وإنما يلزمها إذا كانت الأجرة من متبرع، أو من بيت المال، وإلى فلا يلزم الورثة أن تسكن بلا أجرة، قاله شيخنا.

ص: 72

قوله: خاتم ونحوه.

الظاهر أن المساك والمعاضد، إذا لم يمكن إخراجها إلا بالكسر، لم يلزم، لأنه إفساد مال وقد نهي عنه.

وقوله: ككحلي.

الظاهر أن الشقة السمراء التي ذهب نيلها، أنه يجوز للمعتدة لبسها، بخلاف المصبوغ، والأولى أن تكون غير جديدة مع عدم اشتراطه، قاله شيخنا.

قوله: ما لم يضره في معيشة يحتاجها إلى آخره.

الظاهر أن الكالف، والحشاش، والحطاب، والعامل، والرائس، والدايس، والذاري، والحصاد، والشمال، والصانع ونحوهم إذا كان الصيام يضعف أحدهم عن معيشة أو عن بعضها به جاز له التفكير بالإطعام. ولا يقيد الضرر بأن غداه فيه أو عشاه كما قيل، بل الضرر كل ما يخل بأمره عن حالته الأولى، وقد سأله رجل جلد، أو ادعى أن عليه ديناً، وأنه محترف قصاب، وإذا صام ضعف عن بعض ذلك، فأفتاه بالإطعام، وزاد أيضاً: أنه ربما لا يصبر عن النساء، مع أنه يغيب في الأسفار زمناً طويلاً، ولا يلحقه ضرر، من كلام شيخنا.

إذا كان الواحد ابنان به لزمتهما نفقته بشرطه. فان كان أحدهما معسراً، لزم الجميع الآخر، بخلاف غير عمودي النسب، كما أشار إليه منصور في "شرح المنتهى"، وهو موافق للمفهوم، قاله شيخنا.

ومن جواب لسليمان بن علي: القن المغصوب؛ عتقه صحيح بغير نزاع، مع كونه لا يجزئ عن الكفارة. انتهى. ومن خطة نقلت.

سئل ابن عطوة: إذا لم تحض المرأة إلا واحدة أو اثنتين، ما حكمها؟

فأجاب: هذه مسألة مشكلة تحتاج إلى نظر وتحرير؛ فإن الأصحاب صرحوا: بأن انقطاع حيض المتوفى عنها زوجها ريبة، وأنها لا تزال في

ص: 73

عدة حتى تزول الريبة، وأطلقوا ذلك من غير قيد، وصرحوا أن عدة المتوفى عنها زوجها لا يعتبر فيها وجود حيض، وهذا يشبه التناقض حيث اعتبروا عدم انقطاعه في العدة، وعدم الانقطاع يلزم منه وجوده، ولم يعتبر في العدة وجوده، ومن ثم قلنا: إنه يشبه التناقض.

والذي يظهر عدم التناقض، إذ عدم اعتبار وجود الحيض في عدة الوفاة من حيث كونه شرطاً، وهذا ليس بشرط فيها، وانقطاعه المعتبر عدمه فيها؛ من حيث كونه مانعاً، والمانع عكس الشرط، إذ الشرط هو الذي يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم. والمانع هو الذي يلزم من وجوده عدم الحكم. وحيث ثبت أن وجود الحيض مانع من الحكم بانقضاء العدة بأربعة أشهر وعشر، فلعله من حيث كونه مظنة لوجود الحمل؛ فلا تتزوج مع الشك في انقضاء العدة، فيجب وجود الحيض لاستبراء الرحم؛ لأن انقطاع الحيض مظنة للحمل، أو محتمل له، ومع الاحتمال يتعين وجود الحيض، فأن ارتفاعه محتمل أن يكون لأجل الحمل، والعقم، والإياس، والرضاع، ومع الاحتمالات الشك حاصل، والشك في العدة مانع من تزويجها لحصول الريبة، والمرتابة هي التي تشك، هل في جوفها حمل، أم لا؟ ثم قال: وإذا وجد الحيض في العدة؛ فلا إشكال في ذلك لعدم الريبية المنتفية بوجود الحيض الدال على براءة الرحم. ولو كانت حيضة واحدة، وإنما تعتبر الثلاث إذا كانت العدة به، وهذه العدة بغيره، فكان وجوده كافياً كما لو أسلم على خمس نسوة، فإنه يمسك عن وطء واحدة منهن حتى تستبرئ المفارقة والمتوفي عنها، ثم ذهب آخر الكلام، ذكر شيخنا أنه وقف على عبارة حاصلها: إذا عدم القاضي والحاكم في البلد؛ ففي "الوسيط" أنها أي المرأة تستقل بالفسخ في صبيحة اليوم الرابع. انتهى.

ومن "إغاثة اللهفان" لابن القيم: إذا ادعت المرأة أنه لم ينفق عليها،

ص: 74

ولم يكسها مدة مقامها معه، أو سنين عديدة، والحس والعرف يكذبها؛ لم يحل للحاكم أن يسمع دعواها، ولا تطالبه برد الجواب، فإن الدعوي إذا ردها الحس والعادة المعلومة، كانت كاذبة. ومن ها هنا قال أصحاب مالك: إذا كان رجل حائزاً داراً، متصرفاً فيها من سنين طويلة بالبناء، والهدم، والإجارة، والعبارة، وينسبها إلى نفسه، ويضيفها إلى ملكه، وإنسان حاضر يراه، ويشاهد أفعاله طول هذه المدة، وهو مع ذلك لا يعارضه فيها، ولا يذكر أن له حقاً، ولا مانع يمنعه من المطالبة من خوف سلطان أو نحو ذلك، ولا بينه وبين المتصرف في الدار قرابة، ولا شركة في ميراث، وما أشبه ذلك مما يتسامح به القرابات، وذوا الصهر بينهم في إضافة أحدهم أموال الشركة إلى نفسه، بل كان عرياً من ذلك كله، ثم جاء بعد هذه المدة يدعيها لنفسه، ويزعم أنها له، ويريد أن يقيم بينة بذلك، فدعواه غير مسموعة فضلاً عن بينة، وتقر الدار بيد حائزها قالوا: لأن كل دعوى تكذبها العادة، وينفيها العرف؛ فإنها مرفوضة غير مسموعة، وتمامه فيه.

قوله: وإن أجابه إلى صورة ما حلف عليه دون معناه؛ فحسن. إلى آخره.

مثله: من حلف على آخر: أن تدخل معنا بمعنى العزيمة على طعام؛ فأجابه للدخول، لا الأكل، قاله شيخنا.

قوله: أو ظن المحلوف عليه خلاف نية الحالف إلى آخره.

هذا على قول أبي العباس، والمذهب أنه يحنث، قاله شيخنا.

من "شرح المؤلف"(1) حروف القسم: باء، وليها مظهر، نحو أقسم بالله لأفعلن، واسم مضمر: نحو، الله أقسم به لأفعلن. انتهى.

ومن "الشرح الكبير" المستحيل نوعان: أحدهما: مستحيل عقلاً،

(1) وفي نسخة مكتبة الرياض: من "شرح المنتهي».

ص: 75

كقتل الميت، وإحيائه، وشرب ماء الكوز ولا ماء فيه. وإن حلف ليقتلن فلاناً وهو ميت؛ فهو كالمستحيل عادة، فإنه يتصور أن يحييه الله، ثم يقتله. وإحياء الميت وقتله في المستحيل عقلاً، وإحياء الميت متصور عقلاً، وإنما هو مستحيل عادة. وإن أراد قتله في حال موته؛ فهو من المستحيل عقلاً. انتهى.

ومن كلام الشيخ حسين بن عثمان الشافعي: المرجع في الأيمان إلى العرف، وفي الطلاق إلى اللغة، ما لم تطرد قرينة تقوي العرف؛ فحينئذ يحمل عليه. انتهى.

إذا استوى في الحضانة اثنان، صارت للأصلح للقاصر بقدر نفقة المثل، ولو طلب الآخر دونها؛ لم يلتفت إليه.

وإذا كانت الأم ثقة مصلحة للبنت؛ فهي أولى بها من غير محرم، لأنه يجعلها عند ثقة، فالأم أولى، قاله شيخنا.

(ومن جواب للشيخ سليمان بن علي: والوثيقة إذا علم أنها خط رجل من أهل العلم، وهي على عقد؛ صح ذلك وجب العمل بذلك إذا كملت الشروط، أو ذكر معنى ذلك، كقوله: عقد صحيح، أو بالشروط المعتبرة. انتهى.

يقول كاتبه أحمد بن يحيى بن عطوة: أن كبار نجد المطاعين في قراهم، الحاكمين عليهم، إذا اتفق كل واحد منهم هو وعدول قريته ووجوههم على بيع تركة وقضاء دين على الوجه الشرعي؛ أن الصادر منهم في ذلك أصح وأولى وألزم وأثبت مما يصدر عن قضاتهم الذين عليهم، وعلى من تقليدهم دينهم وأموال المسلمين؛ ما يستحق خراب الشريعة، لا أكثر الله منهم، ولا من يمضي أقوالهم، أسأل الله أن يطفئ شرهم عن مذهبنا وعن المسلمين، نقلته من خطه، ثم وقفت على خطه فوجدته كذلك.

قال بعض أئمة الشافعية: تصرفات الحاكم على أربعة أقسام:

ص: 76

منها ما هو حكم قطعاً، وذلك في الحكم بالصحة والموجب.

ومنها ما ليس بحكم قطعاً، كسماع الدعوى والجواب وسماع الشهود ونحو ذلك.

ومنها ما فيها تردد، والأرجح أنه ليس بحكم، كما إذا باع، أو زوج أولى.

ومنها ما فيه تردد ويقرب أنه حكم، وذلك ما كان بين خصمين من فسخ بيع أو نكاح، بحيث يتعاطى الفسخ بنفسه. انتهى).

ومن "مجموع بن رميح": إذا وجد الإيجاب والقبول في النكاح؛ انعقد ولو من هازل وملجأ، وهو الذي يزوج، ولا وجه مخافة غير الزوج.

وإذا غاب الزوج وعلم خبره؛ فليس لزوجته فسخ، إلا أن تعذر الاتفاق عليها من ماله، قاله الموضح. إنما يجب التربص مع وجود نفقة وعدم تضرر بترك الوطء، قاله ابن عبدوس. انتهى.

الكاهن: هو الذي له رئي من الجن يأتيه بالأخبار. وأما العراف فهو الذي يحدس ويتخرص، كالمنجم. انتهى.

هذه منظومة لطيفة بديعة عجيبة ظريفة جامعة أحكام عقد الأنكحة، يحتاجها العاقد حسب المصلحة.

يندب لمن تاق وكان قادر

نكاح بكر ذات دين ظاهر

تكن ولوداً غير ذات ريبة

وتكره قرابة القريبة

ولا التي بمالها منانة

ولا على مفارق حنانة

ولا لفتوت بل تكن ذات نسب

وذات عقل وجمال وأدب

قوله: لو حلف لا يبيع، فباع بيعاً فاسداً، لم يحنث إلى آخره.

هل مثله من حلف لا يبيع كذا، فباعه بيعاً فاسداً؛ لأن عدم الفاسد

ص: 77

كوجوده، أم لا؟ الجواب: إن كان قصده البيع الشرعي؛ لم يحنث. وإن كان قصده صورة البيع؛ حنث، قاله شيخنا.

حلف ليبيعن أم ولده، هل يحنث، أم يبيع صورة فقط؟ الظاهر حنثه، قاله شيخنا.

قوله: يحرم على اللائط أم الملوط وأخته الخ.

الظاهر: إذا كان ابن عشر سنين؛ فلا يشترط البلوغ للحوق النسب الابن عشرة، قاله شيخنا.

أو من خط ابن عطوة: وممن حرم الدخان ونهى عنه من علماء مصر، شيخ الإسلام أحمد السنهوزي البهوتي الحنبلي، وشيخ المالكية، إبراهيم اللفاني، ومن علماء المغرب، أبو الغيث القشاش المالكي، ومن علماء دمشق، نجم الدين بن بدر الدين، ابن مفسر القرآن، العربي الغزي العامري الشافعي، ومن علماء اليمن، إبراهيم بن جمعان، وتلميذه أبو بكر الأهدل، ومن علماء الحرمين، المحقق عبد الملك العصامي (1). وتلميذه محمد بن علان (2)، والسيد عمر البصري. وفي الديار الرومية الشيخ الأعظم، محمد الخواجه، وعيسى الشهاوي الحنفي، ومكي ابن فروخ المكي، والسيد سعد البلخي المدني، كل هؤلاء من علماء الأمة، وأكابر الأئمة، أفتوا بتحريمه، ونهوا عن تعاطيه. انتهى.

وأجاب الشيخ خالد بن أحمد المالكي: لا تجوز إمامة من يشرب التنباك، ولا يجوز الاتجار به، ولا بما يسكر. انتهى.

سئل الشيخ أبو سهل، محمد ابن الواعظ الحنفي، قال: وبدأت بمسألة الدخان الذي عمت به البلوى في هذه الأزمان، فالذي تفيده الأدلة قطعاً، كراهته، وحرمته؛ ظناً. وكراهته لا يتوقف فيها إلا مخذول.

(1) وفي نسخة مكتبة الرياض: العاصمي.

(2)

وفي نسخة مكتبة الرياض: علوان.

ص: 78

مكابر لقاطع الحق، معاند؛ فكل منتن مكروه، كالبصل، وهذا الدخان الخبيث أولى، ومنع شاربه من دخول المسجد، ومن حضور الجامع أولى.

ويترتب على شاربه من الضرر في بدنه، وعقله، وماله. وقد شوهد موت، وغشي، وأمراض عسرة، كالسعال المؤدي إلى مرض السل، وقد ذكر الأطباء أنه يحدث من الدخان، مع صفرة الوجه.

والحاصل أن القول بتحريمه ثبت عن كثير من السلف والمعتمدين في الحجاز، واليمن، ومصر، والشام، وديار الروم، وألفوا في ذلك رسائل وتمامه فيه.

سئل السيد عمر بن عبد الرحيم الحسيني: عن التنباك، هل هو حرام أو حلال؟

فأجاب: التوقف فيه عن القطع بأحد الطرفين أسلم للدين، وآمن من الخطر عند المحاسبة في يوم الدين. لكن الذي تقتضيه قواعد أئمتنا؛ تحريمه إن أدى إلى الإسكار. وإن أضر بالعقل البدن؛ حرم لإضراره، وكذا: لو اعترف شخص أنه لا يجد فيه نفعاً بوجه من الوجوه، فينبغي أن يحرم عليه، لا من حيث الاستعمال، بل من حيث إضاعة المال؛ إذ لا فرق في حرمة إضاعته بين إلقائه في البحر، أو إحراقه بالنار، أو غير ذلك من وجوه الإتلاف، وحله فيما عدا ذلك؛ لأن المعتمد: الأصل في الأعيان الحل، لا سيما من استعملها لتداو.

وما أشار إليه السائل من اجتماع شيء كالهباء. فإن فرض اجتماع شيء له جرم في كل مرة؛ فيحتمل القول بتحريمه إلحاقاً له بالتراب والفحم حيث لا تداوي، ويظهر في عالم يقتدى به تناولها لنحو تداو؛ وأنه يجب عليه إخفاء التناول، واعتقاد الحل المطلق المؤدي إلى احتمال الوقوع في الحرام، ثم مما ينبغي التنبيه عليه، إذ لا فرق في حرمة المضر، سواء كان مما

ص: 79

نحن فيه أو غيره، بين كون ضرره دفعياً أو تدريجياً؛ فإن التدريجي هو الأكثر وقوعاً، وبالجملة فاللائق بذي المروءة والدين: اجتنابه حيث لا ضرورة تدعو إليه، لقوله صلى الله عليه وسلم:"دع ما يريبك إلى ما لا يريبك". وما أظن عاقلاً يرتاب فيما ذكر. انتهى.

ظاهر كلام مرعي إباحته، وكلام منصور في آداب النساء كراهته، والظاهر أن الكراهة لا شك فيها، والتحريم ففيه شك. لأن إسكاره من حيثية الدخان، بتضييق المسام، لا من شيء فيه، ومعلوم أن كل من شرب دخاناً كائناً ما كان؛ أسكره بمعنى أشرقه، وأذهب عقله بتضييق أنفاسه ومسامه عليه، لا سكر اللذة والطرب، قاله شيخنا.

قال أبو العباس: إذا شككنا في المطعوم أو المشروب، هل يسكر أم لا؟

لم يحرم بمجرد الشك، ولم يقم الحد على شاربه. انتهى.

ومن رسالة لبعضهم، وهو الشيخ العلامة قدوة الأنام، أبو الحسن المصري الحنفي: الآثار النقلية الصحيحة، والدلائل العقلية الصريحة؛ تعلن بتحريم الدخان، وكان حدوثه في حدود الألف، وأول خروجه بأرض اليهود، والنصارى، والمجوس، وأتى به رجل يهودي يزعم أنه حكيم إلى أرض المغرب، ودعا الناس إليه، وأول من جلبه إلى البر الرومي رجل اسمه الاتكلين من النصارى، وأول من أخرجه ببلاد السودان المجوس، ثم جلب إلى مصر، والحجاز، وسائر الأقطار، وقد نهى الله عن كل مسكر. وإن قيل: إنه لا يسكر؛ فهو يخدر ويفتر الأعضاء شاربه الباطنة والظاهرة. والمراد بالإسكار مطلق المغطي للعقل وإن لم يكن معه الشدة المطربة، ولا ريب أنها حاصلة لمن يتعاطاه أول مرة، وإن لم يسلم أنه يسكر؛ فهو يخدر ويفتر، وقد روى الإمام أحمد، وأبو داود، عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "نهى عن

ص: 80

كل مسكر ومفتر".

قال العلماء: المفتر ما يورث الفتور والخدر في الأطراف، وحسبك بهذا الحديث دليلاً على تحريمه، وأنه يضر بالبدن، والروح، ويفسد القلب، ويضعف القوى، ويغير اللون بالصفرة. والأطباء مجمعون على أنه مضر، ويضر بالبدن، والمروءة، والعرض، والمال؛ لأن فيه التشبه بالفسقة، لأنه لا يشر به غالباً إلا الفساق، والأنذال. ورائحة فم شار به خبيثة، وممن حرمه من العلماء، أحمد السنهوزي البهوتي الحنبلي المصري، وإبراهيم اللقاني، وأبو الغيث القشاش، ونجم الدين ابن بدر الدين الغزي العامري الشافعي، وإبراهيم بن جمعان، وتلميذه أبو بكر الأهدل الشافعيان، وعبد الملك العصامي، وتلميذه محمد بن علان، والسيد عمر البصري، ومحمد الخواجه، وعيسى الشهاوي، ومحمد الخاصري اليمني الحنفي، ومكي بن فروخ، والسيد سعد البلخي المدني، ومحمد البرزنجي (1) المدني الشافعي، وقال: رأيت من يتعاطاه عند النزع يقولون له: قل لا إله إلا الله، فيقول: هذا تتن حار. انتهى. وتمامه فيه.

ومن رسالة لعبد القادر بن محمد بن يحيى الحسيني الطبري المكي الشافعي، الخطيب والإمام ببلد الله الحرام، مسماها "رفع الاشتباك عن تناول التنباك": قال بعد كلام له سبق: قد ظهر في هذه الأزمنة القريبة نبات يسمى التنباك، وطابه، وتتن، وهو أنواع باختلاف البلدان التي ينبت فيها، ويختلف لونه، وطبعه، وطعمه بذلك، وكان أصل خروجه في الحرمين الشريفين من بلاد المغرب، والهند، وذلك أجود أنواعه، ثم أنبت في الحرمين ونواحيها، ثم عم في غالب الأقطار، واشتهر استعماله

(1) وفي نسخة مكتبة الرياض: الزرعي.

ص: 81

وتناوله، واختلف فيه العلماء، وورد فيه أسئلة من البصرة والأحسا، محكي فيها ما وقع من المفتين بها من الجزم بالتحريم، مسؤول في غضونها بيان وجه الصواب، ثم وقع الآن ما حمل على تصنيف هذه الرسالة بما بلغني عن بعض أهل العلم أنه اعترض على تناوله، وتكلم فيه بالتحريم، واستدل على ذلك بآيات من القرآن، وسلك في تقريره مسلك المجتهدين؛ من الاستدلال بالقرآن، واستنباط الأحكام منه، على طريق أهل ذلك الشأن، واستدل على ذلك بقوله:{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} (1).

وقوله: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} (2) فقضيت منه العجب، وأخذتني سورة الغضب؛ إذ ليس هو من فرسان هذا الميدان الوعر، ولا ممن قدر على تفجير الماء من الصخر، فإن هذه المرتبة عقبة كؤود، وذروة منعت الناس من الصعود، ولله در القائل، وهو ابن الفارض حيث يقول:

ورمت مراماً دونه كم تطاولت

أعناقها قوم إليه فجذت

أتيت بيوتاً لم تنل من ظهورها

وأبوابها عن قرع مثلك سدت

وأين السهى عن أكمه عن مراده

سها عمها لكن أمانيك غرت

فحداني على هذا الخبر الفظيع، والنبأ الشنيع؛ أن أكشف قناع المسألة ولثامها، وأميط عن مطية الشبه برقعها وزمامها؛ لئلا يقع اغترار بتلك المقالة ولا يستسهل مرتبة الاجتهاد من لم يتصف بهذه الحالة، والله ولي السرائر، المطلع على الباطن والظاهر

إلى أن قال: فأجوده طعماً، وطبعاً، وريحاً، ونفعاً ما يجلب من الهند، وربما بيع رطله بعشرين دينار بمكة.

(1) 44/ 11.

(2)

44/ 10.

ص: 82

ومنه: المغربي الكنكي، والنسبة في ذلك إلى أماكنه، ثم ذكر القدرة وصنعتها.

وأما ما ظهر من منافعه؛ فكثير، من ذلك تسكين صنوف الرياح، ونفخ المعدة، كما شهدت به التجربة، وقد شاهدت نفعه في رياح كانت تتعهدني في كل عام في وقت مخصوص، فقطعها بإذن الله.

ومن ذلك إذهاب الربو (1) إلى أن قال: وقال بعضهم: الأصل: الحظر في الأشياء إلا ما أباحه الشرع، أي دل على إباحته. فان لم يوجد؛ استمسك بالأصل وهو الحظر، وقال بعض بضده، وهو أن الحكم الإباحة، إلا ما حظره الشرع، أي دل على أنه محظور، أي حرام.

والصحيح والتفصيل، وهو أن المضار، وهي مؤلمات القلب من ضرب وشتم، أو القلب والجسد؛ على التحريم، والمنافع على الإباحة، بمعنى أن الأصل فيها ذلك، قال الله في معرض الامتنان:{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً} (2). ولا يمتن إلا بالجائز، هذا ملخص كلام الأصوليين. وأما الفقهاء وهم العمدة في هذا الشأن؛ فقد ذكروا ضوابط لما يحل تناوله، وما لا يحل، بعد أن ذكروا حكم ما يحل وما لا يحل أكله من الحيوانات. وأجود عبارة في ذلك مذهبة للريب، عبارة الإمام النووي في "روضته" كل ما ضر أكله، كالزجاج، والحجر، والسم؛ يحرم أكله. وكل

(1) وقد ذكر أستاذنا الشيخ ابن مانع في حاشية له على غاية المنتهى ج 3 ص? ? ? ما يلي:

وأقول:

إن القول بإباحة الدخان؛ ضرب من الهذيان، فلا يعول عليه الإنسان، لضرره الملموس وتخديره المحسوس، ورائحته الكريهة، وبذل المال بما لا فائدة فيه؛ فلا تغتر بأقوال المبيحين، فكل يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(2)

2/ 29.

ص: 83

طاهر لا ضرر في أكله؛ يحل أكله، إلا المستقذرات الطاهرات كالمني والمخاطب؛ فإنها حرام على الصحيح

إلى أن قال: ويجوز شرب دواء فيه قليل سم، إذا كان الغالب السلامة، واحتيج إليه.

قال الإمام: ولو تصور شخص لا يضره أكل السموم الظاهرة، لم تحرم عليه. قال الروياني: النبات الذي يسكر وليس فيه شدة مطربة؛ يحرم أكله، وان كان ينتفع به في دواء أو غيره؛ حل التداوي به. انتهى.

وقال المحقق أحمد بن حجر في "شرح المنهاج": ولا يحرم من الطاهر إلا نحو حجر، وتراب. ومنه مدر، طفل (1) لمن يضره، وعليه يحمل إطلاق جمع متقدمين حرمته، بخلاف من لا يضره، كما قاله جمع تقدمون، واعتمده السبكي وغيره. وسم وإن قل إلا لمن لا يضره، ونبت ولبن جوز إنه سم. أو من غير مأكول ومسكر، ككثير أفيون، وحشيش، وجوزة، وعنب، وزعفران، وجلد دبغ، ومستقذر أصالة؛ بالنسبة لغالب ذوي الطباع السليمة، كمخاط، ومني، وبصاق، وعرق إلا لعارض، كغسالة يد، ولحم - مثلاً- أتنن. انتهى.

ومن ذلك يعلم إباحة هذا النبات؛ إذ هو في حد ذاته طاهر غير مسكر، ولا مضر، ولا مستقذر، ثم تجري فيه الأحكام، كغيره. فمن لم يحصل له ضرر باستعماله في بدنه أو عقله؛ فهو جائز له، ومن ضره؛ حرم عليه استعماله، كمن يضر به استعمال العسل، نحو الصفراوي، ومن نفعه في دفع مضر، كمرض؛ وجب عليه استعماله. وثبوت هذه الأحكام بموجب العارض، ويكون في حد ذاته مباحاً، كما لا يخفى، جرياً على قواعد الشرع وعموماته التي يندرج تحتها، حيث كان حادثاً غير موجود زمن الشارع، ولم يوجد فيه نص بخصوصه، وقد وقع

(1) الطفل: سقط النار، والطفيل: الماء الكدر يبقى في الحوض.

ص: 84

الاختلاف في نظيره من الكفتة والقات لما حدثاً، وظهر بقطر اليمن، واختلف في حكم ذلك؛ فأفتى بعضهم بالحرمة، وبعضهم بالإباحة، وألفوا في ذلك رسائل، ورفعوها إلى عالم مكة في وقته شيخ مشايخنا، أحمد بن حجر، وطلبوا منه التقريظ عليها مع تباينها؛ فبذل جهده في تحرير المسألة، وصنف فيها رسالة وافية، ملخصاً هو ما أشرنا إليه في حكم هذا النبات المسمى بالتنباك، من جواز استعمالهما (1) لمن لا يضران ببدنه، وعقله، وحرمته لمن يضران ببدنه وعقله. وأما اختلاف المفتين بالحل والتحريم، وجمع بإطلاق الحل على ما ثبت عند قائله من نحوهما، غير مسكرين ولا مضرين، وإلا فلو ثبت عنده إسكارهما أو أضرارهما؛ القال بالحرمة جزماً، وحمل إطلاق التحريم على ما ثبت عند قائله من كونهما مسكرين أو مضرين، وإلا فلو ثبت عنده عدم ذلك؛ لقال بالحل جزماً، إلا أنه استحسن عدم استعمالهما، مع القول بجوازه إذا اتنفى عنهما الإسكار والإضرار، واستحسانه هذا محمول على غير الحالة التي قد يقال بالوجوب فيها، كما إذا أخبره طبيبان عارفان: أن استعمالهما ينفع في بعض الأمراض التي يجدها، وكذا إذا عرف المستعمل ذلك من نفسه، كما هو ظاهر، ونظير هذا الاختلاف ما وقع في القرن التاسع لما ظهرت القهوة، وحدثت بعد أن لم تعرف قبل ذلك، من اختلاف العلماء في حلها وحرمتها، بناء على اختلاف الأسئلة المرفوعة إليهم فيها؛ فانه ذكر في بعضها أنها مسكرة مغيرة للعقل، وفي بعضها حذف ذلك، فلما شهدت التجربة، وقضى العيان بعدم إسكارها وتغييرها؛ رجع جمع ممن أفتى بالتحريم إلى القول بالحل، وأصر بعضهم، كشيخ الإسلام، أحمد بن عبد الحق السنباطي، وأكثر الشعراء في ذلك الزمن من مدحها وذمها، وتطرق بعض الذم إليه، فمن ذلك قول بعض المكيين ..

(1) أي الكفتة والقات، وهما نوعان من النبت.

ص: 85

أهل مصر قد تعدوا

والبلا منهم تأتى

حرموا القهوة ظلماً

زادهم ظلماً ومقتاً

إن طلبت النص قالوا

ابن عبد الحق أفتى

وبرزت الأوامر السلطانية بإبطالها من الأقطار، وطال الاختلاف في شأنها مدة طويلة ثم استقر الأمر على ظهورها وشربها من غير إنكار

إلى أن قال: اعلم أن إطلاق التحريم في محل التقييد خطأ، كما هو مقرر عند المحصلين. إن أراد التحريم على من يضره استعمال ذلك. وإن أراد الإطلاق على الإطلاق؛ فهو الخطأ الصراح، والورطة التي لا تباح؛ لما قررناه سابقاً من أحكام الشريعة، وأقوال علمائها، فإن ادعى أن فيه إسكاراً أو إضراراً في طبيعته يقتضي التحريم؛ فيقال: إن كنت استعملته ووجدت منه ذلك؛ فيحتمل أنه ليس مزاجك، لأنه مضر بذوي اليبوسة هذا بالنسبة إلى الضرر. وأما بالنسبة إلى الإسكار؛ فتغييره لك بخصوصك لا يقضي على الجم الغفير الذين لم يجدوا منه إسكاراً، والمشاهدة والحس شاهدان بذلك، أو تقول: إنه مستقذر؛ فيطلب منك الدليل على دعواك. وإن لم تكن استعملته؛ فمن أين لك إسكاره أو إضراره. فإن قال: معتمده السماع؛ قيل له: هل بلغ ما سمعته حد التواتر، مع أن عدم إسكاره وإضراره من المعلوم؛ لنقلهما عن الجم الغفير، والعدد الكثير الذي تحيل العادة تواطؤهم على الكذب، من المستعملين لهذا النبات في جل الأمصار. ومن نازع فيه؛ فهو مكابر لا محالة. فإن أراد دخان هذا النبات هو الدخان المذكور في صدر الرسالة؛ فهو ضرب من الهذيان، ونوع من البرسام الذي يعتري الإنسان

إلى أن قال: فكيف يقاس عليه، هيهات دون ذلك خرط القتاد، أو سف الرماد، ثم قال: إلا إن كان ذلك من قبيل قياس؛ فطيش، حيث قاس البحر على التيس؛ فقيل له: ما وجه القياس، فقال:

ص: 86