الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال في "المنتهي وشرحه": وإن شهدت إحداهما، أي إحدى البينتين بالملك لأحد المتنازعين، وشهدت الأخرى بانتقاله عنه، كما لو أقام رجل بينة أن هذه الدار لأبي خلفها تركة، وأقامت المرأة بينة أن أباه أصدقها إياها؛ قدمت الناقلة، وحكم بالدار لامرأة؛ لأن بينتها شهدت بالسبب المقتضي لنقل الملك، وقول الابن: إن أباه خلفها تركة؛ لا يعارضها، لأن مستنده استصحاب اليد، وقد تبين قطعه بقيام البينة على سبب النقل لبينة ملك على بينة يد؛ فإن بينة الملك تقدم على بينة اليد التي هي دليل الملك بغير خلاف. انتهى
…
إلى أن قال: فلو كانت البينة لم تتم بكونه خلفها تركة، وإنما هي شهادة مجردة على زيد أنه وقف هذا العقار على بعض ورثته؛ أوجبنا في شهادة البينة قولها، وأن العقار حينئذ ملكه، لكن قام مقام ذلك دعوى الخصم، وشهادة البينة أنه خلفها تركة، وكذلك الزوجة لو تدعي أن زوجها أصدقها هذه الدار، أو باعها لها، وتقيم بذلك بينة، أوجبنا على البينة أن تشهد أنها في ملكه حين أصدقها أو باعها، والله أعلم، كتبه سليمان بن علي، ومن خطه نقلت.
فائدة: من "المغني": لو مات رجل وترك داراً
، فادعى ابنه أنه خلفها ميراثاً، وادعت امرأته أنه أصدقها إياها، وأقام بذلك بينتين؛ حكم بها للمرأة، لأنها تدعي أمراً زائداً خفي على بينة الابن، وسواء شهدت البينة بالشراء وما في معناه أنه باعه ملكه أو ما في يده، أو لم تشهد بذلك، وسواء شهدت بالبيع أو القبض، أو لم تذكر القبض، وبهذا قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا يثبت الملك للمشتري، ولا تزال يد البائع إلا بأن تشهد البينة أنه باعه ملكه أو ما في يده؛ لأن البيع المطلق ليس بحجة، لأنه قد يبيع ما لا يملك.
ولنا: أن بينة البائع أثبتت الملك. فإذا قامت بينة المشتري عليه؛
كانت حجة عليه في إزالة ملكه عنها إلى المشتري؛ فوجب القضاء له بها. انتهى.
ومن جواب للشيخ عبد الوهاب بن عبد الله في ذلك؛ وأما ما ذكرتم عمن قال: إن من ادعى شراء في الماضي لعقار، وشهدت البينة له أنه اشترى ذلك في الماضي من زيد وهو في ملكه؛ لم تسمع البينة، فلا يصدر هذا الكلام إلا من جاهل لا يلتفت إلى قوله؛ لأن كتب أهل الترجيح وأهل الخلاف مصرحة بسماع البينة الشاهدة بسبب الملك، من بيع، وهبة، ووقف وغيرها من أسباب الملك، وإن كان من سنين عديدة. وقد غر هذا المفتي كلامهم في فصل: ولا تصح الدعوى إلا محررة من طريق الحكم وصفته، كما ذكر لي أنه غر غيره من الفقهاء، وذلك قولهم: وإن ادعى أنه له الآن؛ لم تقبل بينة أنه له أمس، وهذا في دعوى الملك المطلق؛ لأنه ذكر في أول الفصل: وأن تكون الدعوى متعلقة بالحال، وأن تطابق الشهادة الدعوى، فقال: وإن ادعى الخ.
هذا في الملك المطلق، وأما الملك المضاف إلى سبب من أسباب الملك؛ فتصح الدعوى به وإن كان متقدماً. لكن لما وقفوا على كلامهم في الفصل المذكور، وعزب عنهم الفرق بين الملك المطلق وما هو عن سبب؛ جنحوا إلى هذا الكلام، وأعرضوا عما صرح به جميع الأصحاب في الدعاوى والبينات؛ ففي الدعاوى قبل الفصل الأخير: ولو أقام رجل بينة أن هذه الدار لأبي، خلفها تركة، وأقامت امرأته بينة أن أباه أصدقها إياها؛ فهي، أي الدار للمرأة، داخلة كانت أو خارجة؛ لأن بينتها تشهد بالسبب المقتضي للملك، وهذا من أفراد المسائل المصرح بها بسماع البينة إذا شهدت بسبب الملك في الماضي، والكتب مشحونة بذلك، وهذا ظاهر جلي لا يخفى إلى على من أعمى الله بصيرته، وليس هذا محل الإطالة لضيق الورقة، فإن رجع وإلا فأوجدنا الخبر لنسوه في "الجواب الشافي"
كتبه عبد الوهاب بن عبد الله.
ومن جواب له أيضاً: وأما إذا ادعى شخص على آخر أن أباه وقف العقار الفلاني عليه وهو في يده، وشهدت بذلك بينة؛ فلا تسمع الدعوى ولا البينة، إلا أن تشهد البينة أنه وقفه وهو في ملكه، ومشى على ذلك جميع أهل الترجيح، صاحب "الإقناع" و "المنتهى" و "الغاية"، وغيرهم، وهذا المذهب. وما اختاره الموفق في "الكافي" ومن وافقه؛ فعنده إذا شهدت أنه باعه وهو في ملكه، أو سلمه إلى المشتري؛ حكم الحاكم بذلك، وهذا على اختيار الموفق، لأن عنده لا يشترط في الشهادة شروط البيع، وهذا خلاف المذهب، والمذهب: من شهد بعقد؛ فلابد من ذكر شروطه، صرح بذلك في "المنتهى"، و "الإقناع" وغيرهما.
قالوا: وإن ادعى أحدهما أنه اشتراها من زيد وهي ملكه، وشهدت له البينة بذلك؛ سمعت الشهادة. وإن لم تقل وهي ملكه؛ لم تسمع، فعلم من ذلك. إن شهدت باليد؛ لم تسمع، كتبه عبد الوهاب بن عبد الله ومن خطه نقلت.
ومن جواب له أيضاً: نعم لا تسمع البينة، ولا يحكم بها حتى تشهد البينة أن الواقف وقف العقار المدعى به، وهو في ملكه على المدعي. فإذا لم تشهد البينة أن الواقف وقف العقار المذكور. وعبارة "المنتهى وشرحه" و "الإقناع وشرحه" كذلك، وكذا صرح به غيرهما في أنه لا يحكم بالشهادة حتى يشهد أنه باع، أو وقف العقار ما ادعى به وهو في ملكه؛ حكم بها، ورفعت يد صاحب اليد، حتى ولو أقام بينة أن العين التي في يده في ملكه؛ لأن بينة الخارج تقدم على بينة الداخل والحالة ما ذكر، كتبه عبد الوهاب بن عبد الله، ونقلته من خطه.
ومن جواب له أيضاً: الجواب: نعم إذا أقام المدعي بينة أنه اشترى العقار المدعي به من زيد وهو في ملكه، أو خلفه موروثه تركة، وذلك في ملكه حين موته؛ سمعت وحكم بها. ونزعت العين المدعى بها من يد المدعي عليه، وسلمت إلى المدعي، حتى ولو أقام من العين بيده بينة أن المدعي به في ملكه، أو أنه اشترى العين المدعى بها من عمرو وهي في ملكه، لأن مع إقامة بينة المدعي والمدعى عليه؛ تقدم بينة الخارج وهو المدعي.
قال في "الإقناع وشرحه" في الدعاوى: وإن ادعى أحدهما أنه اشتراها من زيد وهي ملكه، وشهدت البينة بذلك؛ سمعت. وإن لم تقل وهي ملكه؛ لم تسمع شهادتها، لأنه قد يبيع ملكه وملك غيره. وإذا ادعى الآخر أنه اشتراها من عمرو وهي ملكه، ، وأقام بنية بذلك؛ تعارضتا، حتى ولو أرّخا، قاله في "التنقيح"
…
إلى أن قال: قال في "الفروع": ثم إن كانت العين في أيديهما؛ تحالفا وتناصفاها. وإن كانت في يد ثالث، ولم ينازع؛ أقرع بينهما، فمن قرع صاحبه؛ حلف وأخذها، وإن كانت في يد أحدهما؛ فهي للخارج وهو المدعي، لتقديم بينته على بينة الداخل، ولو أقام رجل بينة أن هذه الدار لأبي، خلفها تركة، وأقامت امرأته بينة أن أباه أصدقها إياها؛ فهي للمرأة، داخلة كانت أو خارجة، لأن بينتها تشهد بالسبب المقتضي لنقل الملك، كبينة ملك على بينة يد، وهذا ظاهر جلي في سماع البينة إذا شهدت بسبب الملك شراءً أو إرثاً، أو غيرهما من أسباب الملك نقلاً. وإن سبق الدعوى وإقامة البينة بمدة، وإنما اقتصرت على نقل ما صرح به في "الإقناع وشرحه" في موضع منه؛ لأجل الاختصار، وإلا فقد صرح بذلك في غير موضع، وكذا في "المنتهي وشرحه" و "الإنصاف" و "الغاية" وغيرهم.
وأما قول القائل: لا تسمع البينة إذا ادعى المدعي ملك المدعى به، وأسند سبب الملك إلى زمن ماض، نحو سنة أو شهر، أو أكثر من ذلك أو أقل،
مثل قول المدعي: اشتريت العين من زي أمس فما قبله وهي في ملكه؛ فالقائل بمنع سماع البينة والحالة ما ذكر؛ قد عدل عن الطريق، وسلك غير سبيل التحقيق، فإنما استدل به من قولهم: وإن ادعى أنه له الآن. الخ. في الدعوى بالملك المطلق، بخلاف ما ذكر بسبب الملك بالانتقال إليه، من أمر آخر بصفة ما ذكر؛ فتسمع، وأوهم القائل بعدم سماع البينة عدم الفرق، قال في "الإقناع وشرحه" في باب طريق الحكم وصفته في فصل: ولا تصح الدعوى إلا محررة، وتعتبر أن تكون الدعوى متعلقة بالحال
…
إلى أن قال: وإن ادعى أنه له الآن؛ لم تسمع بينة أنه كان له أمس، لعدم التطابق. انتهى. أي تطابق الشهادة الدعوى، ومن شرط سماعها تطابقهما، فلو ادعى أنها، أي العين المدعى بها ملكه أمس، وشهدت البينة على وفق الدعوى؛ لم تسمع البينة، لعدم دعواه الملك وقت الدعوى وشهادة البينة، كذلك قال الشيخ منصور في أثناء فصل: القسم الثاني من باب الدعاوى: رد كلام القاضي فيما خالف به "الإقناع".
وأما قوله، يعني القاضي: إنه يثبت الملك في الماضي من غير معارضة؛ فممنوع بأنه إنما يثبت في الماضي تبعاً لثبوته في الحال، ولو انفرد بأن ادعى الملك في الماضي؛ ولم تسمع دعواه ولا بينته. انتهى. وهذا في الملك المطلق، بخلاف نقل الملك بشراء أو نحوه؛ فيشهد الشاهد بما علم من ذلك العقد في الماضي، أو أنه مخلف عن موروثه، ولم يعتبر في شهادته أن يشهد أنه في ملك المدعي حين الدعوى، بخلاف الشهادة بالملك المطلق؛ فيعتبر لقبول الشهادة أن يشهد الشاهد بملك المدعي لما ادعى به وقت الدعوى، لما ذكرنا من اشتراط تطابق الشهادة الدعوى، وهذا فرق لمن له أدنى مسكة في العلم، أظهر من النيرين، وأبين من فلق الصبح لذي عينين، ويحرم على هذا المفتي الإقدام على ما أفتى به من غير سؤال عن الفرق فيما ذكر، والله أعلم، كتبه الفقير إلى الله عبد الوهاب بن
عبد الله، عفا الله عنهما بمنه وكرمه، ومن خطه نقلت بعد مشافهته في المسألة، فزادني فيها إيضاحاً، وكذلك الشيخ عبد الله بن محمد بن ذهلان، بل الله ثراه، فاوضته في المسألة، وعرضت عليه خط الشيخ محمد في جوابه الذي وافق فيه ابن بسام، فوافق وحرر وقرر سماع الدعوى والبينة حيث ذكرت السبب، من إرث أو عقد ونحوهما، وقال: خط الشيخ الأول بعدم القبول على غير الصحيح.
وعبارة "المحرر": وإن أقامت أمه بينة أنه أصدقها إياها الخ.
ففيه دليل على تقدم سبب الدعوى وسماعها، ومن الفاصل بين الحق والباطل للشيخ ابن عطوة. فائدة: الأصل بقاء الحق لمستحقه حتى يثبت ما يقابل انتزاعه منه بطريق جلي ظاهر، مثل ظهور الأول، أو أقوى منه. انتهى.
قوله في "المنتهي وشرحه" لمنصور، بعد قوله في المتن: لم تسمع البينة أنه كان له أمس، أو بيده أمس حتى تبين سبب يد الثاني بنحو غاصبه، وقال الشيخ: وإن قال: ولا أعلم له مزيلاً؛ قبل. انتهى.
فظهر أن قول الشيخ: على قول، وأنه مقابل لما قدمه، وكذا عبارة "الإنصاف" ممثله، من تقرير شيخنا.
قوله في "الإقناع": وإن قال المدعي: اشتريت هذه الجارية الخ.
هذا مقابل لما قدمه أنه لابد من ذكر شروطه، كما هو المذهب، من تقرير شيخنا.
قال في "المغني": فصل" إذا ادعيا عيناً، فقال كل واحد منهما: هذه العين لي، اشتريتها من زيد بمائة، ونقدته إياها، ولا بينة لواحد منهما، فإن أنكرهما زيد؛ حلف وكانت العين له. وإن أقر بها لأحدهما؛ سلمها إليه وحلف للآخر، وإن أقر لكل منهما بنصفها؛ سلمت إليهما، وحلف لكل واحد منهما على نصفها، وإن قال: لا أعلم لمن هي منكما؛
أقرع بينهما، فمن خرجت له القرعة؛ حلف أخذها، ولو حلف البائع أنها له، ثم أقر بها لأحدهما؛ سلمت إليه، ثم إن أقر بها للآخر؛ لزمته غرامتها له. وإن أقام كل واحد منهما بينة بما ادعاه، نظرنا، فإن كانت البينتان مؤرختين بتاريخين مختلفين، مثل أن يدعي أحدهما أنه اشتراها في المحرم، وادعى الآخر أنه اشتراها في صفر، وشهدت بينة كل واحد منهما له بدعواه؛ فهي للأول، لأنه ثبت أنه باعها للأول؛ فزال ملكه عنها، فيكون بيعه في صفر باطلاً لكون باع ما لا يملكه، ويطالب برد الثمن، وإن كانتا مؤرختين تاريخاً واحداً، أو مطلقتين، أو إحداهما مطلقة والأخرى مؤرخة؛ تعارضتا لتعذر الجمع، فينظر في العين، فإن كانت بيد أحدهما؛ أنبنى ذلك على الخلاف في بينة الداخل والخارج، فمن قدم بينة الداخل؛ جعلها لمن هي في يده. ومن قدم بينة الخارج؛ جعلها للخارج، وإن كانت في يد البائع، وقلنا: تسقط البينتان؛ رجع إلى البائع، فإن أنكرهما؛ حلف لهما وكانت له. وإن أقر لأحدهما؛ سلمت إليه وحلف للآخر، وإن أقر لهما؛ فهي بينهما، ويحلف لكل واحد منهما على نصفها، كما لو لم يكن لهما بينة، وإن قلنا: لا تسقط البينتان؛ لم يلتفت إلى إنكاره ولا اعترافه، وهذا قول أكثر أصحاب الشافعي، والقاضي؛ لأنه قد ثبت زوال ملكه، وأن يده لا حكم لها؛ فلا حكم لقوله، فمن قال: يقرع بينهما، فمن خرجت له القرعة؛ فهي له مع يمينه، وهذا قول القاضي، ولم يذكر شيئاً سوى هذا، ومن قال: تقسم بينهما؛ قسمت، وهذا ذكره أبو الخطاب، وقد نص عليه أحمد في رواية الكوسج، في رجل أقام البينة أنه اشترى سلعة بمائة، وأقام الآخر بينة أنه اشتراها بمائتين، فكل واحد منهما يستحق نصف السلعة بنصف الثمن، فيكونا شريكين، وحمل القاضي هذه الرواية على أن العين في
أيديهما، أو على أن البائع أقر لهما جميعاً، وإطلاق الرواية تدل على قول أبي الخطاب، وتمامه فيه.
قال في "المستوعب": في تعارضهما في العقود: إذا ادعى اثنان عيناً، كل واحد يدعي أنه اشتراها من عمرو وهي ملكه، وأقام كل واحد منهما البينة بدعواه، نظرنا، فإن اختلف تاريخهما؛ فهي لمن شهدت له بالتاريخ المتقدم، فإن لم يكن لهما تاريخ، أو كانت أحداهما بتاريخ والأخرى بلا تاريخ؛ فلا تعارض في الشراء، ولأنه يحتمل أن يكون أحدهما قد اشتراها منه، ثم ملكها البائع، ثم باعها من الآخر، وإنما تعارضهما في ملكهما في الحال، وقد سبق بيان حكم تعارض البينتين، وإن كان تاريخهما واحداً؛ تعارضتا، وقد سبق حكم تعارضهما، فإن ادعى أحدهما أنه اشتراها من زيد وهي ملكه، وادعى الآخر أنه اشتراها من عمرو وهي ملكه، وأقام كل واحد منهما البينة بدعواه؛ تعارضت البينتان، سواء اتفق تاريخهما أو اختلف، أو لم يكن لهما تاريخ، أو كان لإحداهما تاريخ، والأخرى لا تاريخ لها، فإن ادعى إنسان أن عمراً باعه هذه الدار وهي ملكه، وادعى آخر مثله، وأقام كل واحد منهما البينة بدعواه، وجهل تاريخهما؛ أقرع بينهما. فمن خرجت قرعته أنها له؛ حكم له بها، وكذلك إن أقامت امرأة بينة أنه ابتاعها من الزوج، ونقد الثمن، وقبضها ولم تؤرخ الشهود؛ فإنه يقرع بينهما، فإن خرجت قرعة الرجل؛ قضي له بالدار، وكان للمرأة على زوجها قيمة الدار، وإن خرجت قرعة المرأة، كانت الدار لها، ولزم الزوج أن يرد على المشتري ما ثبت أنه قبضه منه بالثمن، ذكره ابن أبي موسى، فإن ادعى عمرو عبداً بيد زيد، وأقام البينة أنه اشتراه من خالد، وأقام زيد البينة أنه اشتراه من عمرو؛ تعارضتا.
وقد ذكر في "المجرد" أن البينة بينة الداخل، وهو زيد، ولم يناقض به أصلنا في تقديم بينة الخارج؛ لأنا نقول ذلك إذا كانت الداخلة لا تقيد إلا ما تقيد اليد، وهذه تقيد اليد والشراء. قال: وقد قيل أن بينة الخارج أولى؛ لجواز أن يكون الخارج قد اشتراه من زيد ولم يقبضه، ويحتمل أن يكون قد اشتراه زيد من عمرو وقبضه منه.
قال المؤلف: والصحيح عندي أنه تتعارض البينتان، وتسقطان، وتكونان كمن لا بينة لهما، ويقضى به لصاحب اليد مع يمينه. انتهى.
ومنه أيضاً في تعارض الدعوتين والبينتين في أعيان المال، فنقول: إذا ادعيا عيناً من المال، كالدار، والعبد، والأمة، والماشية أو غير ذلك، وهي في يد أحدهما، ولا بينة لواحد منهما؛ فهي لمن هي في يده مع يمينه، فإن كان لكل واحد منهما بينة مطلقة التاريخ؛ ففيها ثلاث روايات:
إحداها: تقوم بينة الخارج، وهو من ليست العين في يده، سواء شهدت بينة كل واحد منهما بالملك له مطلقاً، أو شهدت بينة أحدهما كذلك، وشهدت بينة الآخر أن العين له نتجت في ملكه، فإن شهدت بينة كل واحد منهما أنها له نتجت في ملكه، فحكى ابن أبي موسى أنها تقدم بينة الخارج قولاً واحداً، والصحيح أنه تتعارض البينتان فتسقطان، وتكونان كمن لا بينة لهما، وكذلك يخرج الحكم فيما إذا اتفق تاريخ البينتين، فإن اختلف تاريخهما؛ فصاحب الملك القديم بمنزلة من شهدت له بينة بأن العين له نتجت في ملكه، سواء أكان هذا؛ الداخل أو الخارج، وقد مضى شرح ذلك، فإن أقام من هي بيده بينة أنها ملكه، وأقام الخارج بينة أنها ملكه، وأنها في يد من هي في يده وديعة، أو بعقد إجارة؛ فالخارج ها هنا هو الداخل، وأن اليد للخارج؛ لأن بينته أثبتت أن يد
من هي في يده نائبة عن يده، وقائمة مقامها، فاليد له، والحكم كما ذكرنا في حكم الداخل والخارج، فإن كانت في أيديهما، أو لم تكن في يد واحد منهما، ولا في يد غيرهما، ولا بينة لواحد منهما؛ تحالفا، وكانت بينهما نصفين، فإن كانت بحالها ولأحدهما بينة؛ قضي بها لصاحب البينة، فإن كان لكل واحد منهما بينة تاريخها واحد، أو لا تاريخ لواحدة منهما؛ تعارضت البينتان، وسقطتا: وكانتا كمن لا بينة لهما، وقضى بالعين لهما نصفين، بعد أن يحلف كل واحد منهما بإسقاط دعوى الآخر في النصف المحكوم له به، سواء أشهدت بينة كل واحد منهما بالملك مطلقاً، أو شهدت احداهما له كذلك، وشهدت بينة الآخر أنها له نتجت في ملكه؛ فالحكم واحد، ذكره "الخرقي". فإن اختلف تاريخهما؛ فالحكم كما لو شهدت بينة أحدهما بأن العين له نتجت في ملكه، وشهدت بينة الآخر أنها ملكه مطلقاً، فإن قلنا: تقدم بينة النتاج؛ قضينا بها لأقدمهما تاريخاً؛ لأن الآخر لا يستحق الملك إلا من جهة صاحب الملك القديم، فما لم تشهد بينة بالملك له من جهته؛ لا تقبل، وإن قلنا: لا تقدم بينة النتاج، ويكونان سواء؛ فيكون الحكم ههنا كذلك، فإن وقتت إحدى البينتين، ولو توقت الأخرى؛ فهما سواء، ذكره القاضي، فإن كانت العين بيد ثالث، ولا بينة لواحد منهما؛ رجع إلى من العين بيده، فإن ادعاها لنفسه؛ فالقول قوله مع يمينه، وإن أقر بها لأحدهما بعينه، ولا بينة للآخر؛ فهي للمقر له مع يمينه، وهل يحلف القر للآخر؛ فيه وجهان:
وإن أقر بها لأحدهما بعينه، وأقام الآخر بينة أنها له؛ قضي بها لصاحب البينة، وإن أقر بها لأحدهما بعينه، ولكل منهما بينة؛ فالحكم في ذلك كالحكم فيما إذا كانت في يد أحدهما، ولكل واحد منهما بينة؛ فيكون المقر له بمنزلة الداخل، وهو من العين في يده، والآخر بمنزلة
الخارج، وقد سبق بيان ذلك، وإن أقر بها لأحدهما لا بعينه، بأن قال: هي لأحدهما ولا أعرفه عيناً، أو كنت أعرفه وأنسيته؛ أقرع بينهما؛ فمن خرجت قرعته؛ حلف أنها له وحكم له بها. انتهى.
من "المغني": فإن شهدت البينة بدار معينة أو غيرها له، وصدقها؛ فلا كلام. وإن كذبها، وقال: ليس هذا لي، وإنما بيدي لغيري؛ لم يقبل إلا أن يعزيه إلى أحد بعينه، فإن كان الذي أقر له به حاضراً، نظرت. فإن كذبه في إقراره؛ سقط، وقضى من المال دينه، وإن صدقه، نظرت. فإن كان له بينة؛ فذكر القاضي أنه لا يقبل قولهما، ويقضي الدين منه؛ لأن البينة شهدت لصاحب اليد بالملك، فضمنت شهادتها وجوب القضاء فيه، فإذا لم تقبل شهادتهما في حق نفسه؛ قبلت فيما تضمنه، لأنه حق غيره، ولأنه متهم في إقراره لغيره، لأنه قد يفعل ذلك ليخلص ماله ويعود إليه فيلحقه تهمة؛ فلم تبطل البينة بقوله، وفيه وجه آخر: يثبت الإقرار وتسقط البينة؛ لأنها تشهد بالملك لمن لا يدعيه وينكره. انتهى.
ومن جواب لابن بسام، لشيخه محمد بن أحمد بن إسماعيل: واعلم أني فهمت منك مسألة وقت الدرس، وهي ما إذا ادعى شخص على آخر عقاراً بيده، لقد مات مورثه وهو في ملكه، فقال المدعى عليه: ملكي بيدي، فهات بينة أني غاصب أو غير ذلك، أو أنا غير رشيد، وأقام ولي البينة: لقد موروث وليي هذا، وهو في ملكه، فقال: ذلك قبضي، وأسباب انتقاله أكثر، إما بيع في دين، أو كحظ، أو أنفقه أو غير ذلك؛ فالمفهوم وقت الدرس أن القول قول صاحب اليد، وقد لاح مفهوم لمحبك القاصر غير ذلك، وراجعت ابن خيخ بسؤال. وأجاب بنقل من "الفروع" و "الإنصاف" أنه إذا ثبت أنه مخلف تركة عن موروثه؛
لزم صاحب اليد بيان سبب انتقاله، لا إن كان لجده إلى موته، ثم لورثته، ولم يثبت أنه مخلف عن موروثه تركة، وأما إذا ثبت أنه مخلف عن موروثه؛ فلا إشكال في لزوم بيان سبب انتقاله، وكذلك فتاوى الشيخ حسين بن زيد، وزامل بن سلطان، وجميع فقهاء أهل العارض على هذا المعنى، وطالعت "شرح المنتهى" وإذا أنه ناقل كلام صاحب "الإنصاف" و "الفروع" أنه إذا ثبت أنه مخلف عن مورثه؛ لزمه بيان سبب زوال يده، وليست كمسألة: وإن ادعى أنه له الآن؛ لم تسمع بينة أنه كان له أمس أو في يده الخ.
وتلك مسألة مفهومة جداً، وأنتم مقيمون على هذه المسألة، ويعلم الله ما هيب كلام أهل العلم.
وصورتها: إذا كان في يدك عين، وادعيت عليك أن هذه العين خلفها أبي تركة؛ وأقمت بذلك بينة؛ فقولكم: إن القول قول صاحب اليد. وكذلك إذا ادعى شخص على آخر في عين بيده أن زيداً باعه إياها وهي ملكه؛ تقولون: القول قول صاحب اليد، إلا أن يقيم بينة نحو غاصبة، ويذكر السبب.
والمسألتان لا إشكال فيهما بحمد الله، صريح في "المغني" و "شرح المنتهى" و "الإنصاف" و "المبدع". قال في "المغني" في الفصل الثامن والثلاثين في كتاب الدعاوى والبينات: فصل: وإذا كان في يد زيد دار، فادعاها عمرو إلى آخر الفصل، أن البينة إذا شهدت بالملك مع السبب، فالظاهر استمراره، وقال في "المبدع" فرع: من ادعى داراً بيده، وأقام المدعي بينة أنه اشتراها من عمرو وهي ملكه، وسلمها إليه؛ فهي للمدعي، وكذا دعوى وقفها عليه، أوهبتها له، إلى غير ذلك من العبارات. انتهى.
ومنه: فصل: وإن اختلفا في دار بيد أحدهما، فأقام المدعي بينة أن
هذه الدار كانت ملكه أمس، أو منذ شهر، فهل تسمع هذه البينة ويقضى بها؟
على وجهين: أحدهما: تسمع ويحكم بها؛ لأنها تثبت الملك في الماضي، وإذا ثبت استديم حتى يعلم زواله.
والثاني: لا تسمع، قاله القاضي، وهو الصحيح لأن الدعوى لا تسمع ما لم يدعي الملك في الحال؛ فلا تسمع بينة على ما لم يدعه، لكن إن انضم إلى شهادتهما بيان سبب يد الثاني، وتعريف تقديمها، فقالا: نشهد أنها ملكه أمس، فغصبها هذا منه، أو سرقها، أو ضلت منه فالتقطها هذا، ونحو ذلك؛ سمعت وقضى بها. انتهى.
ومنه: فصل: وإذا كان في يد زيد دار، فادعاها عمرو وأقام بينة أنه اشتراها من خالد بثمن مسمى نقده إياه، أو أن خالداً وهبه تلك الدار؛ لم تقبل بينة بهذا حتى تشهد أن خالداً باعه إياها، أو وهبها له وهو يملكها، أو تشهد أنها دار عمرو اشتراها من خالد، أو تشهد أنه باعها، أو وهبها له وسلمها إليه، وإنما لم تسمع البينة بمجرد الشراء والهبة، لأن الإنسان قد يبيع ما لا يملكه، ويهبه؛ فلا تقبل شهادتهم به، فإن انضم إلى ذلك الشهادة للبائع بالملك، أو شهدوا للمشتري بالملك، أو شهدوا بالتسليم؛ فقد شهدوا بتقديم إليه، أو بالملك للمدعي، أو لمن باعه.
فالظاهر أنه ملكه؛ لأن اليد تدل على الملك، وهذا مذهب الشافعي، وإنما قبلناها وهي شهادة بملك ماض؛ لأنها شهدت بالملك مع السبب، والظاهر استمراره، بخلاف ما إذا لم يذكر السب. انتهى.
من "الروض وشرحه": لو شهدت بينة لواحد بملكه أو يده أمس؛ لم تسمع، كما لا تسمع دعواه حتى تشهد بالملك في الحال، أو تقول:
ولا أعلم له مزيلاً، ولم يزل ملكه، وتكفي الشهادة بأنه، أي المدعي للدار اشتراها من مالك لها، وإن لم تشهد بملك المدعي لها الآن.
قال الأذرعي: لعل هذا منزل على ما إذا دلت الشهادة على ملك المدعي لما ادعاه في الحال، وإلا فمطلق الشهادة بالاستقلال إليه من زيد وهو يملكها؛ ليس فيه تعرض لملك المدعي لها الآن. انتهى.
ومنه أيضاً، بعد كلام سبق: وإنما شرط أن يقول كل منهما: وهي ملكه، لأن من ادعى مالاً بيد شخص، وقال. اشتريته من فلان؛ لم تسمع دعواه حتى يقول: اشتريته وهو ملكه، أو ما يقوم مقامه.
ويشترط في دعوى الشراء من غير ذي اليد أني يقول المشتري: اشتريتها منه وهي ملكه، أو تسلمتها منه، أو سلمها إليه، كالشهادة يشترط فيها أن يقول الشاهد: اشتراها من فلان وهي ملكه، أو اشتراها وتسلمها منه، أو سلمها إليه، لا في دعوى الشراء من ذي يد؛ فلا يشترط فيها ذلك، بل يكتفي بأن اليد تدل على الملك. وإن شهد اثنان للمدعي فيما ذكر بأنه باعه ما ادعاه، وآخر أن البائع يملكه حينئذ، أي حين البيع؛ جاز، وإن أثبت، أي أقام أحدهما بينة الشراء للدار من مالك لها، وأقام آخر بينة بأنه اشتراها من المثبت الأول؛ كفى في شهادة بينة، فلا يحتاج أن يقول للمثبت الأول: وإنه يملكها أو ما يقوم مقامه، كما لا يحتاج أن يقوله لصاحب اليد، لأن البينة هنا تدل على الملك كاليد، وحكم للآخر ببينة. انتهى.
ومنه: إذا عرفت ضيعة بثلاثة حدود؛ كفى ذكرها، ويؤخذ مما هنا أن العقار إذا عرف بواحد منها؛ كفى، وبه صرح في "الكفاية" تبعاً للقاضي، ويؤيده ما مر، أن شهرته إذا أغنت عن تحديده؛ لم يجب. انتهى.
قوله: وإن ادعاه، أي الملك مستنداً لما قبل يده، أي يد من العين الآن
بيده، الذي هو الخارج أو لا؛ فبينة داخل، قاله شيخنا.
قوله: فحكم التعارض بحاله، وإقراره صحيح. يعني فإذا تعارضت البينتان وسقطتا، فأقربهما لأحدهما؛ فهي له، لخلاف ما قبل التعارض، لأن المقر له يكون كداخل، قاله شيخنا.
قوله: وإن أقام الخارج بينة أنها ملكه، وأقام الآخر الداخل بينة أنه باعها منه، أو أنه وقفها عليه، قدمت الثانية ولو لم ترفع بينة الخارج يده، أي يد المدعى عليه الذي هو الداخل، لأنه أقام البينة أنه مشتريها من الخارج؛ فكانت له، وكذلك لو أقام الخارج بينة أنها ملكه، وأقام الداخل بنية أنه اشتراها منه وهي بيد الخارج، قاله شيخنا.
ومن "شرح المنتهي" لمؤلفه: وإن ادعاه، أي ادعى الملك مستنداً لما قبل رفع يده؛ فبينة داخل، قال في "الترغيب": ولو يكن للمنكر بينة حاضرة، فرفعنا يده، فجاءت بينته، أي بينة المنكر، فادعى ملكاً مطلقاً؛ فبينة خارج. وإن ادعاه مستنداً لما قبل رفع يده؛ فبينة داخل انتهى. من "القندسية".
قوله: ولم ترفع يده، يعني إذا كانت العين في دي الذي أقام بينة بالشراء؛ فإنها تقر في يده، ولا تؤخذ منه، لأنه قد حكم بأن بينته مقدمة، بخلاف الحكم في مسألة الداخل، وقد عرف أن بينة الخارج مقدمة. وأما في هذه المسألة؛ فإن بينة المشتري مقدمة، سواء كان داخلاً، مثل أن تكون العين بيده، أو كان خارجاً مثل أن تكون العين بيد من أقام بينة الملك. انتهى.
قال في "الفروع": قال شيخنا: الشاهد يشهد بما سمع، وإذا قامت بينة تعيين ما دخل في اللفظ؛ قبل، كما لو أقر لفلان عندي كذا، وأن داري الفلانية المحدودة بكذا لفلان، ثم قامت بينة بأن هذا هو
المسمى، والموصوف، أو المحدود؛ فإنه يجوز باتفاق الأئمة. انتهى.
من "جمع الجوامع": من جواب للسبكي، بعد كلام سبق: إذا علم أن ذلك مخلف عن والدها لها، ولإخوتها ووالدتها؛ فالقول قولها أن نصيبها باق على ملكها حتى تقوم بينة بانتقاله عنها بطريق شرعي. انتهى. ومن "رسالة" لابن بسام: واعلم أني فهمت وقت الدرس مسألة، وهي: إذا ادّعيت على آخر في عقار بيده أنه مات مورثي وهو ملكه، وقال: ملكي بيدي؛ أن القول قول صاحب اليد، وهي ظاهرة لا إشكال فيها بوجه من الوجوه الشرعية في جميع كتب الترجيح؛ لأنه ادعى الملك وسببه، بخلاف دعواه ملكاً مطلقاً، والله أعلم.
من "الإنصاف": ولا يقبل التزكية، والجرح، والتعديل، والتعريف، والرسالة، إلا قول عدلين، هذا المذهب بلا ريب، قاله في "الفروع" وغيره
…
إلى أن قال: فعلى المذهب يكون ذلك شهادة تفتقر إلى العدد والعدالة، ويعتبر فيها من الشروط ما يعتبر في الشهادة على الإقرار بذلك الحق. فإن كان مما يتعلق بالحدود والقصاص؛ اعتبر فيه الحرية، ولم يكف إلا شاهدان ذكران. وإن كان مالاً؛ كفى فيه رجل وامرأتان، ولم تعتبر الحرية
…
إلى أن قال: قال القاضي: تعديل المرأة، هل هو مقبول مبنى على أصل؟ وهو هل الجرح والتعديل شهادة أو خبر؟
على قولين: فإن قلنا: هو خبر؛ قبل تعديلهن. وإن قلنا: بقول "الخرقي": إنه شهادة، فهل يقبل تعديلهن؟
مبني على أصل آخر، وهو هل يقبل شهادتهن فيما لا يقصد به المال ويطلع عليه الرجال كالنكاح؟
وفيه روايتان: إحداهما تقبل. فيقبل تعديلهن. انتهى.
قال في "شرح المنتهى" لمؤلفه: ويعمل حاكم في عدالة بينة وجرحها بعلمه بغير خلاف. انتهى.
قوله: ولا يقبل الجرح والتعديل من النساء. الخ.
الذي يظهر قبوله فيما لهن فيه مدخل، كالمال وما يقصد به المال، وفيما لا يطلع عليه الرجال غالباً، كالرضاع، والولادة ونحو ذلك، لأنه فرع على الشهادة، وشهادتهن مقبولة في ذلك، وهو ظاهر تعبير "المنتهى" بأن يفهم من تعبير "المنتهى"، قاله شيخنا.
قال في "الرعاية": ولا يقبل تزكية غيرهم، أي أصحاب المسائل، إلا من عدل، ثقة، ذي خبرة باطنة، يعرف الجرح والتعديل، ولا يتهم بعصبية ولا غيرها
…
إلى أن قال: ويقبل شهادة من ثبتت عدالته عنده أو عند غيره، ولا يكتفي ممن عدله دون غيره، بل ثبتت عدالته مطلقاً، أو زكي عنده وسمعه، وإن لم يكن مرتباً في شرف (1) أو غيره. انتهى.
قال في "المغني": فصل: قال أصحابنا: ولا يقبل التعديل إلا من أهل الخبرة الباطنة، والمعرفة المتقادمة، وهذا مذهب الشافعي؛ لخبر عمر، ولأن عادة الناس إظهار الطاعات، وإسرار المعاصي، فإذا لم يكن ذا خبرة باطنة؛ فربما اغتر بحسن ظاهره، وهو فاسق في الباطن، وهذا يحتمل أن يريدوا به أن الحاكم إذا علم أن المعدل لا خبرة له؛ لم تقبل شهادته بالتعديل، كما فعل عمر، ويحتمل أنهم أرادوا أنه لا يجوز للمعدل الشهادة بالعدالة إلا أن يكون له خبرة باطنة. فأما الحاكم إذا شهد عنده العدل بالتعديل، ولم يعرف حقيقة الحال؛ فله أن يقبل الشهادة من غير كشف، وأن استكشف الحال، كما فعل عمر؛ فلا بأس. انتهى.
قوله: لخبر عمر، وهو، فقال لهما: لست أعرفكما، ولا يضركما
(1) في الأصل: (سوق).
إن لم أعرفكما؛ جيئا بمن يعرفكما، فجاءا برجل، فقال عمر: هل تعرفهما؟ قال: نعم، قال: أصحبتهما في السفر الذي تبين فيه جواهر الرجال؟ قال: لا، قال: عاملتهما في الدراهم والدنانير التي يقطع فيهما الرحم؟ قال: لا، كنت جاراً لهما تعرف صباحهما ومساهما؟ قال: لا، قال: يا ابن أخي لست تعرفهما؛ جيئا بمن يعرفكما، وهذا بحث يدل على أنه لا يكتفي بدونه. انتهى.
فالذي يظهر وتحرر أنه لابد من معرفة الحاكم بحال المزكي، أي عدالته.
ويشترط أن يكون المزكي ذا خبرة بالمزكى، كما صرح به في "المنتهى" فإن علم الحاكم إنه لا خبرة له؛ لم يقبله، وإن جهله، أي هو ذا خبرة به، أم لا؟ مع علمه بعدالته قطعا. فإن شاء سأله عن معرفة خبرته بالشاهد، وإن شاء تركه؛ فمعنى قوله في "شرح الإقناع": ويحتمل عن "الشرح" زيادة تعليل، هل يلزم الحاكم أن يعلم أن الشاهد المزكي يعلم خبرة الشاهد المزكى، أم لا يلزمه ذلك؟
بل يلزم المزكي معرفة المزكى فقط بلا تردد، قاله شيخنا. وعبارة "المنتهى" صريحة بذلك.
قوله: ومن سأله الحاكم عن تزكية من شهد له؛ أخبره بحاله وجوباً الخ.
تقدير العبارة عن تزكية من شهد لمدع على آخر، وعبارة "المنتهى": ومن سأله حاكم عن تزكية من شهد عنده؛ أخبره وجوباً بالواقع الخ.
فالذي يظهر. إذا شهد عند حاكم شاهد، وجهل عدالته، وسأل من يعرف حاله؛ لزمه إخبار بالواقع، سواء كان المشهود له أو غيره من جهة جرحه.
وأما التزكية؛ فغير المشهود له، ولاسيما إذا كان إن لم يخبر المسئول
بعدالة مع علمه بها؛ لم تقبل الشهادة، فيفضي إلى ذهاب حق المدعي، قاله شيخنا.
قوله: وإن أقامت المرأة شاهدين يشهدان بطلاقها، ولم يعرف الحاكم عدالتهما الخ.
ظاهرة أن شهود الطلاق والخلع كشهود المال في اشتراط العدالة ظاهراً وباطناً، بخلاف عقد النكاح؛ فإنه مسامح فيه، وفيه نص فقط، قاله شيخنا.
قوله: يعرض جارح بزنا، كأن يقول: رأيته يباشر امرأة لا تحل له، أو يقبلها، ونحو ذلك، قاله شيخنا.
قوله: أو يظلم الناس الخ.
الذي يظهر: ولو لم يحدد المال الذي ظلمهم به، بخلاف الدعوى والشهادة، لأن القصد جرحه وإسقاط عدالته، لا أخذ مال منه، قاله شيخنا.
ومن "الإنصاف": قال في: "المغني": رد شهادة الفاسق باجتهاده؛ فقبولها نقض له، ثم قال: وإن قال الحاكم المعزول: كنت حكمت في ولايتي لفلان بحق كذا؛ قبل، هذا المذهب
…
إلى أن قال: فعلى المذهب، من شرط قبول قوله؛ أن لا يتهم، ذكره أبو الخطاب وغيره، ونقله الزركشي. انتهى.
الذي يظهر جواز تزكية الزوج لزوجته فيما تقبل فيه شهادة النساء على المقدم، لا على مقابلة، وهو قول ابن نصر الله، قاله شيخنا.
لا يجوز للحاكم الحكم بشهادة ولده الخ. قاله شيخنا.
قوله: فلو حكم بهذه الشهادة، لم يتغير الحكم بعد موته الخ.
الذي يظهر أنه إذا شهد شاهد عند حاكم، وهو إمام مسجد، أن زيداً وقف داره على ولده ونحوه، ثم بعده على من أم في هذا المسجد، وهو أحد البينة،
أنه يصح، لأنه قد وقعت الشهادة صحيحة إذا، ولأنه قد لا يموت الولد إلا بعد عزل الإمام أو موته. وكذا مثله إذا شهد شاهد: لقد وقف زيد على أولاده، ثم أولادهم، فإن انقرضوا فعلى أولادي، أي أولاد الشاهد؛ فالوقت ثابت على أولاد زيد في الصورتين، ومحل النزاع والتردد، إذا انتقل إلى الأمام، وهو الإمام حينئذ، وإذا انتقل إلى أولاده بعد أولاد زيد، وفيه تردد.
والظاهر قبولها، ولأنه ثبت كونه وفقا، ويثبت تبعا ما لا يثبت استقلالاً، قاله شيخنا.
قال في "الشرح الكبير": والمانع من قبول الشهادة ما يحصل للشاهد به تقع حال أدائها الخ.
فظهر أن العبرة وقت الأداء، وأنها تقبل شهادته، أي الإمام، ولو آل إليه بعد، قاله شيخنا.
من "الإنصاف": ومن ثبتت عدالته مرة، فهل يحتاج إلى تجديد البحث عن عدالته مرة أخرى؟
على وجهين: يعني مع تطاول المدة، وهما روايتان: إحداهما: يحتاج إلى تجديد البحث عن عدالته مع تطاول المدة، ويجب، وهو المذهب.
والثاني: لا يجب، بل يستحب، صححه في "التصحيح" و "النظم"، وقدمه في "المحرر" و "الرعاية الصغرى" و "الحاوي الصغير". انتهى.
الذي ظهر لنا صحة التزكية قبل أداء الشهادة وبعدها، من تقرير شيخنا.
من "الروض وشرحه": فأما إن كانت العين في البلد، وإحضارها متيسر؛ فإنها تحضر لتقوم البينة على عينها
…
إلى أن قال: وما يعسر
إحضاره لثقل فيه، أو إثبات له في جدار، وأرض، وضر قلعه؛ وصفه المدعي إن أمكن وصفه، ثم نائب القاضي، أو نائبه يسمع الشهادة على عينه. فإن لم يمكن وصفه؛ حضر القاضي أو نائبه للدعوى على عينه. انتهى.
ومنه: فإن دعي إلى تحمل شهادة، في نكاح، أو دين، أو غيره؛ لزمته الإجابة، وهل يأثم بالامتناع إذا وجد غيره ممن يقوم مقامه؟
فيه وجهان: أحدهما: يأثم؛ لأنه قد تعين بدعائه، ولأنه منهي عن الامتناع بقوله تعالى:{وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ} (1)
…
إلى أن قال: اشتقاق الشهادة من المشاهدة، لأن الشاهد يخبر عما يشاهده، وقيل: لأن الشاهد يخبره بجعل الحاكم كالمشاهد للمشهود عليه، ويسمى بينة؛ لأنه يبين ما التبس، ويكشف الحق فيما اختلف فيه. انتهى.
قال في "المبدع": وإن انتقل الشاهد، فجرحه أهل بلده الخ.
هذا فيما إذا لم يكن الجرح بأخذ مال ونحوه، وهو قادر على رده فلم يرده، قاله شيخنا.
قوله: وتعديل الخصم وحده لشاهد عليه الخ.
هذا فيما إذا لم يكن فسقه ظاهر، فإن كان ظاهر الفسق؛ لم يجز للحاكم قبول شهادته، لأنه لا يحكم بشهادة فاسق، فإن صدقه الخصم؛ فهو إقرار منه.
قوله: لزم البحث عنها مع طول المدة الخ.
الظاهر أن مشهور العدالة ممن لاشك في عدالته إذا كان في بلد الحاكم إنه لا يشترط البحث، لكون الحاكم عارفاً عدالته دائماً، من تقرير شيخنا.
(1) 2/ 282.
ومن "الروض وشرحه": ومن عرف عدالته، وقد شهد عنده قبله؛ لم يحتج إلى تعديل. وإن طلبه الخصم أو عرف فسقه؛ رده ولم يحتج إلى بحث، وإن جهله، أي جهل حاله؛ استزكاه، أي طلب تزكيته وجوبا، وإن لم يطعن فيه الخصم، وإن قال الخصم: هو عدل، لكنه أخطأ في شهادته؛ فلابد من الاستزكاء، لأنه حق لله، ولا يجوز له الحكم بشهادته وإن رضي الخصم، لأنه الحكم بشهادته يتضمن تعديله، والتعديل لا يثبت بقول واحد
…
إلى أن قال: فلو صدقه فيما شهد به؛ حكم بإقراره، واستغنى عن البحث عن الشاهد. انتهى.
ومن "الروض وشرحه" أيضاً: لو عدلوا عنده في غير محل ولايته؛ لم يعمل بها، أي بشهادتهم إذا عاد إلى محل ولايته؛ فهو كما لو سمع البينة خارج ولايته. انتهى.
ومنه: ويقضى على الغائب بشاهد ويمينين، أحدهما لتكمل الحجة، والأخرى بعدها لنفي المسقط من إبراء أو غيره. انتهى.
ومنه: فإذا قدم الغائب، أو بلغ الصبي وقد حكم بالبينة؛ فهو على حجته في إقامتها بالأداء والإبراء أو جرح الشهود. انتهي.
ومنه: أيضاً: ومن الكبائر الوقوع في أهل العلم، وحملة القرآن؛ لشدة احترامهم، وهذا مستثنى من قولهم: الغيبة صغيرة. انتهى.
ومنه: يشترط في الاستفاضة أن يسمع الشاهد من جمع كثير يقع في نفسه صدقهم، ويؤمن تواطؤهم على الكذب، ولا تشترط عدالتهم، وحريتهم، وذكوريتهم، ولا يكفي الشاهد بالاستفاضة أن يقول: سمعت الناس يقولون: كذا، وإن كانت شهادته مبنية عليها، بل يقول: أشهد أن له، أو أنه ابنه مثلاً؛ لأنه قد يعلم خلاف ما سمع من الناس، قال ابن أبي الدم: ولا يذكر من غير سؤال الحاكم مستند شهادته، من سماع، أو رؤية، أو يد، أو تصرف، فلو ذكره بأن قال: أشهد بالسماع
أن هذا ملك زيد، أو أشهد أنه ملكه، لأني رأيته يتصرف فيه مدة طويلة؛ لم يقبل على الأصح؛ لأن ذكره يشعر بعدم جزمه بالشهادة، ويوافقه ما يأتي في الدعاوى، من أنه لو صرح في شهادته بالملك- لأنه لا يعتمد إلا على الاستصحاب- لم تقبل شهادته، كما لا تقبل شهادة الرضاع، على امتصاص الثدي، وحركة الحلقوم. والأوجه كما قال الزركشي: حمله لما علل ابن أبي الدم، من أن ذكر المستند من سماع وغيره؛ ليس بقادح إلا على ما إذا ظهر بذكره تردد في الشهادة، فإن ذكره تقوية أو حكاية؛ قبلت شهادته. انتهى.
ومن "بدائع الفوائد لابن القيم": ومن مسائل البرزاطي: إذا قال المشهود عليه: أشهد على نفسي بما في هذا الكتاب، ولم أعلم ما فيه، ولم يقرأ علي، وليس في الكتاب أنه قرئ عليه، هل يمنع ذلك من الحكم به؟ وهل يجوز للشاهد أن يقول للمشهود عليه: اشهد عليك بجميع ما نسب إليك في هذا الكتاب من غير أن يعرفه ويشهد به؟
أجاب ابن الزاغوني: لا، إلا أن يقرأ عليه، أو يقول المشهود عليه: قرئ علي، أو يقول: فهمت جميع ما فيه وعرفته، فإذا شهد الشاهد أنه أقر بفهم جميع ما في الكتاب؛ لم يلتفت إلى إنكاره.
وأجاب أبو الخطاب: لا يشهد الشاهد إلا أن يقول: أشهد علي بجميع ما في هذا الكتاب، وقد فهمته.
قلت: وعلى هذا كثير من كتب الأوقاف المطولة التي وقعها امرأة، أو أعجمي، أو تركي، أو عامي لا يعرف مقاصد الشروط؛ لا يجب القيام بكثير من الشروط التي تضمنته، لأن الواقف لم يقصدها، ولا فهمها.
وقد صرح كثير من الواقفين بذلك بعد الوقف؛ فيكون إذاً كالوقف الذي لا تعلم شروطه. انتهى.
ومن جواب لابن ملا علي الواعظ الحنفي: لا يثبت جرح الشاهد
بفعل مختلف فيه بين الأئمة إذا فعله مقلداً لمن يراه؛ إذ لا يفسق إجماعاً ولو كان لمخالفه ولاية الإنكار عليه على إحدى الروايتين. انتهى.
ومن "تبصرة" ابن فرحون المالكي: الرضي في التزكية، هو الذي لا يخدع، ولا يلبس عليه، ولا يطمع في غفلته وخدعته. ومنع مطرف، وابن الماجشون من التزكية قبل الشهادة. قال القاضي عبد الوهاب: المطلق: أن يقيم بينة بأن هذا الشيء له ملك، وغير المطلق أن يقول: هذا العبد ملكه ولد في ملكه، وأما شاهد التعديل؛ فالمبرز الناقد الفطن الذي لا يخدع في غفلة، ولا يخفى عليه شرط التعديل؛ فلا تقبل التزكية من الجاهل بوجه العدالة إذا كان عالماً بوجوه العدالة وإن كان في نفسه عدلاً مقبولاً في غير ذلك، وليس على القاضي أن يسأل المزكي عن تفسير العدالة إذا كان عالماً بوجوهها، وينبغي لكاتب الوثائق أن يبدأ باسم المشتري على البائع؛ لقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} (1) من "روضة ابن عطوة": وإذا شهدوا على دابة؛ فلا يمتحنهم القاضي بإدخالها في دواب، وتكليف الشهود إخراجها من بينهم، وإن سأله الخصم ذلك أو لم يسأله، قاله ابن فرحون في "تبصرته". انتهى.
قوله: ولو لم يذكر بمحضر من خصمين الخ.
على هامشه، هذا ينبني على أن الشهادة لا تفتقر إلى حضور الخصمين، فأما التزكية؛ فلا. انتهى.
إذا ولى شيخ البلد قاضياً، فخرج القاضي من بلد المولي؛ لم يجز له الحكم، فإذا عاد إليه؛ فله الحكم بالولاية السابقة، وهو الذي يعمل به من عرفنا قديماً وحديثاً، قاله شيخنا.
قال في "النكت على المحرر" لابن مفلح: قوله: وإن ردت شهادته
(1) 10/ 111.
لتهمة رحم، أو زوجية، أو عداوة، أو جلب نفع، أو دفع ضرر، ثم زال المانع فأعادها؛ لم تقبل على الأصح، وذكر في "الكافي" أنه الأولى، وقدمه في "الرعاية"، لأن ردها باجتهاده؛ فلا ينقض ذلك باجتهاده، ولأن المردودة بالتهمة؛ كالمردودة بالفسق، نص عليه.
قال في رواية أحمد بن سعيد في شهادة الفاسق: إذا ردت مرة، ثم تاب وأصلح، فأقامها بعد ذلك؛ لم يجز، لأنه حكم قد مضى، ولم أجد فيه خلافاً إلا قوله في "الرعاية الكبرى": لم يقبل على الأصح، وهو مذهب الأئمة الثلاثة. انتهى.
فائدة: قال في "الآداب الكبرى" لابن مفلح: قال في "شرح مسلم" لابن هبيرة: في قوله صلى الله عليه وسلم: "ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة".
قال: والستر المندوب إليه هنا؛ فالمراد به الستر على ذوي الهيئات ونحوهم، ممن ليس هو معروفاً بالأذى والفساد، وأما المعروف بذلك؛ فيجب ألا يستر عليه، بل ترفع قصته إلى ولي الأمر إن لم يخف من ذلك مفسدة؛ لأن الستر على هذا يطمعه في الإيذاء والفساد، وانتهاك الحرمات، وجسارة غيره على مثل فعله، وهذا كله في ستر معصية وقعت وانقضت، أما معصية رآه عليها وهو بعد متلبس بها، فتجب المبادرة بإنكاره عليه، ومنعه منها على من قدر على ذلك، ولا يحل تأخيرها. فإن عجز؛ لزمه رفعها لولي الأمر إذا لم يترتب على من قدر على ذلك مفسدة، وأما جرح الرواة، والشهود، والأمناء على الصدقات والأوقاف والأيتام ونحوهم؛ فيجب جرحهم عند الحاجة؛ ولا يحل الستر عليهم إذا رأى منهم ما يقدح في أهليتهم، وليس هذا من الغيبة المحرمة، بل من النصيحة الواجبة، وهذا مجمع عليه. انتهى.
ومنها أيضاً: يجوز ذكر الراوي بلقبه الذي يكرهه، إذا كان المراد
تعريفه لا تنقيصه للحاجة، كما يجوز الجرح للحاجة، كذا قال.
ويمتاز الجرح بالوجوب؛ فإنه من النصيحة الواجبة بالإجماع. انتهى.
وفي "رياض الصالحين"، و "كتاب البركة" للشافعية مثله: قال النووي في "رياض الصالحين": الرابع: تحذير المسلمين من الشر، ونصحهم، وذلك من وجوه.
منها: جرح المجروحين من الرواة والشهود، وذلك جائز بإجماع المسلمين، بل واجب للحاجة.
ومن "كتاب البركة" بعد كلام له سبق: وجرح المجروح من الرواة والشهود؛ فيجب كل ذلك. انتهى.
ومن "شرح الأربعين" للشيخ معين الدين بن صفي الدين الشافعي: قال بعد كلام سبق: وجرح الشهود والأمناء، فيجب عند الحاجة، ولا يحل الستر عليهم. انتهى.
إذا شهد بحق عند مفت، ثم رجع؛ فلا غرم عليه، لأن إفتاءه ليس لازماً، بخلاف الحاكم، قاله شيخنا.
قوله: يجب كتابة الشهادة لمن يحملها.
ويتأكد الوجوب في حق رديء الحفظ، من تقرير شيخنا.
ومن جواب لأبي المواهب: لابد في جرح الشاهد من رجلين يشهدان بالجارح، ولا يكفي واحد، فلو شهد زيد بجرحه بأمر، وعمرو بجرحه بأمر آخر؛ لم يكن ذلك مفسداً لشهادته، ما لم يقم على كل جرح شاهدان، والله أعلم، كتبه أبو المواهب الحنبلي، ومن خطه نقلت، وكذا قرر شيخنا، ونقله الشيخ عبد الرحمن عن البلباني.
قوله: وأدخل القاضي الفقهاء في أهل الأهواء الخ.
هل هم الفقهاء السبعة، أم الفقهاء مطلقاً فيشمل فقهاء الزمان الآن؟
قال في "مختصر خليل للمالكية": فيما يمنع الشهادة بعض العاقلة بفسق شهود القتل، أو الديان المعسر لربه، ولا مفت على مستفتيه إن كان مما ينوي فيه، وإلا رفع، ولا عالم على مثله. انتهى.
فظهر أن معنى قول القاضي، وابن عقيل: الفقهاء: إنهم العلماء، قاله شيخنا.
قوله: فينقضه الإمام أو نائبه الخ.
وقد تقدم أن الناقض له حاكمه، والظاهر يرجع إلى حال الحاكم، فإن كان فقيهاً محققاً؛ فالأولى بالعمل أنه الذي ينقضه فقط، ولا ينقضه غيره، قاله شيخنا.
لا يكون جرح الشاهد إلا بعد لفظ الشهادة عند الحاكم، لاحتمال التوبة قبل أدائها، قاله شيخنا.
قوله: والقول على الله بلا علم الخ.
منه المفتي بلا دليل إذا لم يكن مجتهداً، قاله شيخنا.
قوله: لا يحلف في مختلف فيه لا يعتقده الخ.
الظاهر أن هذا فيما إذا كان أحدهما يعتقد جوازه، إما لكونهما مجتهدين، أو كل منهما له مذهب، أما إن كان على مذهب واحد، وهو غير صحيح فيه؛ فلا بأس بالحلف، ولا كراهة، فيحلف في مثل الربا على رأس المال فقط، قاله شيخنا.
ومن "روضة ابن عطوة": قال في أهل الاستفاضة: وإن لم ينقلوا عن قوم معينين إلا قولهم: سمعنا وبلغنا، ولو عينوهم؛ لم يكن سماعاً، وكانت شهادة على شهادة. انتهى.
ومنها: سألت شيخنا، هل يجوز امتحان الشاهد فيما شهد به، بأن
يجعل مع المشهود به ما يشابهه، ثم يطلب من الشاهد تمييزه، أم لا؟
فأجاب: الظاهر جوازه، لبيان ما شهد به.
قلت: وفي قوله هذا نظر. ومسألته عمن لا يحسن الفاتحة وغيرها من الواجبات، هل تصح شهادته واستنابته في الحج؟
فأجاب: مع القدرة على تعلمها لا تقبل شهادته، وتصح استنابته في الحج؛ لأنه يصح عن نفسه. انتهى.
والذي يظهر لنا: لا يصح، لأن من شروطها العدالة، إلا أن يعينه الموصي، أو على أن العدالة لا تشترط، قاله شيخنا.
ومن "روضة ابن عطوة": إذا رمى السلطان مالاً على الزرع، فربما احتسب رجل من أهل الخير، فيكتب أسماء الناس وما يوظف عليهم، ليقص كذلك ويدفع إلى السلطان.
لا ينبغي، ويترك غيره يتولاه، وإذا كتب إلى العمال بغرضهم، أو بغرض العمال؛ فهو حرام، لأنه معونة على المعصية، بل هو معصية، ولا يجوز نظر هذه الأرومة، ولا قراءتها للدلالة والإعانة على جباية الحرام بالكتابة، ولا يجوز. ولو طلب الجماعة رجلاً منهم يجمع هذا المال ويدفعه عنهم، فهذا إن كان لا يدخل عليهم غيرهم فيه؛ فلا ينبغي فعله، بل يؤدي ما عليه من وظيفة ويسلم من هذا، وإن فعل ذلك، فليس يجرحه. وأما لو كان غيرهم يدخل في هذا المغرم؛ فلا يحل الدخول في مثل هذا، وقد وقع ذلك لبعض من يظن أنه فعل ذلك على وجه الإعانة للجماعة، وهو خطأ، قاله البرزلي.
وقال فيها أيضاً: من رمى عليهم السلطان مالاً، فتعاونوا في جمعه على وجه الإنصاف. إذا خافوا؛ جاز، لأنها ضرورة، قال: ولا يدخل في التوظيف على أحد، وإنما يحضر صامتاً حتى يوظف الجماعة، وأما أن
دخل في التوظيف؛ فلا ينبغي، لأنه قد يجور فيه، فيكون ظالماً لمن أخطأ عليه.
وقال فيها أيضاً: هل لأحد أن يمنع نفسه من الأخذ إذا خلص له بجاه أو نحوه؟
لا ينبغي له ذلك إلا أن يحاسبهم السلطان به، وقيل: يجوز، وإلى هذا ذهب مالك، ولا يلزم أحداً أن يدخل نفسه في الظلم مخافة أن يضاعف الظلم على غيره، وظاهر هذا مخالف لما قاله الشيخان، قاله البرزلي.
قوله في "الإقناع": وإن كان المدعى به عيناً غائبة، أو تالفة الخ.
صريح أنه لابد من تحرير الدعوى فيمن ادعى أن زيداً غصب ثمرة نخله، وأن تشهد به البينة بعد تحريره وعلمه بسائر صفاته، من كميته، ونوعه، وجودته، وكبره، وحداثته وضدهما، وغير ذلك، من تقرير شيخنا.
قوله: وتحرم دعواه ثانياً وتحليفه كالبريء.
الذي يظهر أنه إذا حلف؛ انقطعت الخصومة؛ إلا أن يقيم المدعي بينة؛ فالبينة الصادقة خير من اليمين الكاذبة، قاله شيخنا.
قال في "المغني" فصل: ولو ادعى رجلان على آخر أنه رهنهما عبده، وقال كل واحد منهما: رهنه عندي دون صاحبي، فأنكرهما جميعا؛ فالقول قوله مع يمينه، وإن أنكر أحدهما، وصدق الآخر؛ سلم إلى من صدقه وحلف للآخر، وإن قال: لا أعلم من المرتهن منهما؛ حلف على ذلك، والقول قول من هو في يده منهما مع يمينه، وإن كان في أيديهما؛ حلف كل واحد منهما على نصفه، وصار رهناً عنده، وإن كان في يد غيرهما؛ أقرع، فمن قرع منهما صاحبه؛ حلف وأخذه، كما لو ادعيا ملكه.
ولو قال: رهنته عند أحدهما، ثم الآخر، ولا أعلم السابق؛ فكذلك،
وإن قال: هذا هو السابق بالعقد والقبض؛ سلم إليه وحلف للآخر، وإن نكل والعبد في يد الأول، أو يد غيره؛ فعليه قيمته للثاني، كما لو قال: هذا العبد لزيد، وغصبته من عمرو؛ إنه يسلم إلى زيد، ويغرم قيمته لعمرو. وإن نكل والعبد في يد الثاني؛ أقر في يده وغرم قيمته للأول، لأنه أقر له بعد ما فعل ما حال بينه وبين من أقر له؛ فلزمته قيمته كما قلنا.
وقال القاضي: إذا اعترف به لغير من هو في يده، فهل يرجح صاحب اليد، أو المقر له؟
على وجهين. ولو اعترف لأحدهما وهو في يديهما؛ ثبتت يد المقر له في النصف، وفي النصف الآخر وجهان. انتهى.
الظاهر أن الرهن عند التحالف فيه؛ كالاختلاف في الدعوى في عين سواء، لأنه يدعي فيه أن دينه مقدم فيه، وفي الدعوى بالملك يدعي رقبته؛ فلا فرق، قاله شيخنا.
والذي تقرر لنا فيهما أنهما إن أقاما بينتين مطلقتين، أو إحداهما مطلقة؛ إن حكم المسألة حكم ما إذا ادعيا رقبة العين، كما في الدعاوى من بينة خارج، وداخل، وتساقط وغير ذلك، قاله شيخنا.
قال في "الرعاية" في الجرح: وعنه تكفي الشهادة بأن كلا منهما فاسق أو غير عدل، وقيل: أن اتحد مذهب الجارح والحاكم، أو عرف الجارح أسباب الجرح؛ قبل إجماله، وإلا فلا. انتهى.
قال في "الإنصاف" بعد قوله: لابد من ذكر شروطه، قال في "الفروع": ولعل ظاهره إذا اتحد مذهب الشاهد والحاكم لا يجب التبيين. انتهى.
ومنه أيضا: وقيل: إن اتحد مذهب الجارح والحاكم، أو عرف الجارح أسباب الجرح؛ قبل إجماله، وإلا فلا.
فقال الزركشي: وهو حسن. انتهى.
قال في "الغاية": من شهد بعقد؛ اعتبر ذكر شروطه
…
إلى أن قال: ما لم يتحد مذهب وحاكم، بحثه بعضهم. انتهى.
وهذا قد يتصور العمل به فيما إذا كان الشاهد فقهياً، مذهبه مذهب الحاكم، لكن الاحسن في هذا الزمن اشتراط ذكر الشروط في الشهادة، وهو الصحيح من المذهب، قاله شيخنا.
قوله: أو ضربهم عند الشافعية.
يفرق بين ضرب وضرب، قاله شيخنا.
قوله: قاله في "الروضة": وفيه شيء.
أشار إلى أن هذا الكلام فيه مقال، وهو دون قوله: فيه نظر.
الذي يظهر إنه إذا أقام المدعي البينة بالعين التي في يد شخص أنها له، وصاحب اليد مقر بها لغيره، فنزعها صاحب البينة؛ فيغرم المقر قيمتها للمقر له، لإقراره له بها. وإن الذي أقام عليها البينة لا يستحقها، بل هي لغيره، وأما إن كان صاحب اليد دفعها للمقر له، ثم أقام المدعي البينة فانتزعها منه؛ فالظاهر لا رجوع للمقر له بشيء على المقر، لأنه أقر له بها ودفعها إليه، فمعنى قوله: فيه شيء، أي إجماله للعبارة، لأنه يتصور في بعض صور المسألة أنه لا يلزمه شيء، وفيها ثقل عند الشيخ محمد، من كلام الشيخ منصور هذا، وإلى الآن، وهذا ما ظهر، قاله شيخنا.
الذي يظهر أن قول المدعي: إذا قال له الحاكم: إن كان لك بينة الخ. أنا مكرم بينتي، أو شهودي؛ أنه كقوله: لا أقيمها، فإن كانت في المجلس، وإلا؛ فله إقامتها، قاله شيخنا.
قوله: إن أقر أن بيده مثلها الخ.
الذي يظهر ولو لم يكن الذي بيده ملكاً له، كوديعة، ونحوها كرهن، لقوله: بيده، قاله شيخنا. إذا قامت بينة أن زيداً باع داره من
إذا قامت بينة أن زيداً باع داره من عمرو وهي في ملكه، وأقام خالد بينة أن زيداً أقر له بها وهي بيده؛ قدمت سابقة التاريخ، وإلا تعارضتا.
وقول المقر: إنها لخالد من مدة كذا بعد بيعه على عمرو؛ فلا يقبل، لكن إذا تعارضت البينتان؛ قبل إقراره بها لمن أراد، قاله شيخنا.
قوله: وإن ادعى رجلان داراً في يد ثالث أنها شركة بينهما بالسوية؛ فالمقر به بينهما نصفان الخ.
هذا إذا كانت الشركة بسبب واحد، كإرث، أو اطلقا لفظ الشركة. أما إذا قال أحدهما: لي نصفها من سبب كذا؛ فلفلان النصف الآخر من سبب كذا؛ فإنه إن أقر لأحدهما؛ لم يشاركه الآخر في النصف، بخلاف ما إذا أطلقا الملك، أو كان سببه واحد، قاله شيخنا.
ومن جواب لبعضهم: وإن الشاهد إذا تاب قبل الحكم، وكملت التوبة بشروطها؛ صح، لكن الشروط شديدة، وتوبة شهود الزمان، الغالب عليها الفساد؛ لأن قصدهم فيها معروف لطلب تصحيح شهادته.
والتوبة: الإقلاع عن الذنب، وإصلاح العمل بالفعل، لا بالقول. انتهى.
ومن "النكت": قوله: وهو الندم، والإقلاع، والعزم ألا يعود، ولو كان فسقه بترك الواجبات؛ لم تحصل توبته إلا بفعل ما فاته منها، كمن ترك الصلاة شهراً.
قوله: وذكر الشيخ وغيره: يعتبر رد المظلمة، أو بدلها، أو نية الرد متى قدر. فإن كانت المظلمة لميت في مال؛ رده إلى وارثه. وإن لم يكن له وارث؛ فإلى بيت المال
…
إلى أن قال: والظاهر صحة توبته في الدنيا مع بقاء حق المظلوم عليه، لعجزه عن الخلاص، كالدين، فتقبل شهادته، وتصح إمامته. انتهى.
ومن "الشرح الكبير" الثالث: ما ليس بمال ولا يقصد به المال،