الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البعبعة، بل هذا أقرب، ثم قال: وإن ادعى الضرر؛ قلنا: فالتحريم للضرر، لا لكونه دخاناً، أو الإسكار؛ فكذلك، وقد برهنا فيما تقدم على عدم الإسكار، وعدم الضرر، ومن ادعاهما، فعليه البيان.
وملخص ما تقدم أن تناوله لمن لا يضره جائز، ولمن يضره حرام، ووجه الجواز أن الأصل فيه الإباحة حيث لا ضرر فيه؛ فيعمل بالأصل. وأما إطلاق تحريمه، فخطأ واضح وهجم فاضح، قال الله تعالى:{وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ} (1) ولولا خوف الإطالة وخشية الملالة؛ لأرهقنا قواضب اليراع، وأرعفنا معاطسها لقطع النزاع، إلا أن فيما أوردنا كفاية لمريد الصواب، وبلاغاً لأولي الألباب. انتهى. وتمامه فيه.
والذي تحرر لنا فيه أنه إلى التحريم أقرب، والكراهة فلا شك فيها، والله أعلم.
من كتاب الصيد
الذبح لدفع أذى الجن، وسمى (2)؛ أبيحت. وإن قصدهم بدمها؛
(1) 16/ 16
(2)
وعلى هامش الأصل: قوله: الذبح لدفع الجن وسمي أبيحت إلى آخره.
أقول: لا يخفى ما في ضمن هذا الكلام من المضادة لقوله: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً} لأن هذا استعاذة بالجن، والاستعاذة عبارة، فمن استعاذ بغير الله؛ فقد عبده مع الله، وتفريقه بين الذبح للجن لأجل الاستعانة بهم. وبين الذبح لهم لدفع شرهم؛ تفريق من غير فارق. فكما أن الاستعانة نوع من أنواع العبادة، فكذلك الاستعاذة مثلها سواء، ولأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً؛ فعلى هذا تكون الذبيحة حراما، لأنها ذبيحة شرك، والتسمية عبادة، وهي في هذا الموضع لا تؤثر؛ لأنها من مشرك، وعبادات المشرك حابطة والعياذ بالله، والله أعلم، وصلى الله على محمد وسلم.
حرم الفعل أي الذبح؛ لأنه إعانة على محرم.
قال ابن عطوة: قوله: أبينت حشوته إلى آخره.
أي بأن تفارقه كلها لا بعضها، ولا خرقها.
وإذا ذبح ناقة فندت، ثم وقعت، فإن أدرك فيها حياة مستقرة فذبحها به فلا كلام. وإن ماتت قبله، فإن كان قد قطع الحلقوم والمريء فكذلك تباح، وإلا حرمت، وإن أصابها وقت ضربها بشيء في شيء منها؛ صح.
ومن ترك التسمية؛ حرمت الذبيحة، وضمن الذابح إن كانت للغير، سواء كان عديمة أو مليئاً، فاسقاً أو عدلاً، من تقرير شيخنا.
قال في "الإنصاف": قال الشيخ: إذا ذبح فخرج منه الدم الأحمر الذي يخرج من المذبوح في العادة؛ حل أكله. ومنه: قال أبو العباس: فعل القرية اللازم بالنذر؛ لا ثواب فيه، إذ سببه مكروه أو محرم، وهو النذر. انتهى.
من جواب له أيضاً: وقد سئل عمن ذبح شاة فقطع الحلقوم، والودجين، لكن فوق الجوزة.
فأجاب: ظاهر كلام الأصحاب الإباحة بقطع ذلك من غير تفصيل. انتهى
من "التحفة للشافعية": ومن ذبح تقرباً إلى الله تعالى، لدفع شر الجن (1) عنه لم يحرم، ولقصدهم حرم، وكذلك للكعبة. انتهى.
(1) قوله: ومن ذبح تقرباً إلى الله لدفع شر الجن إلى آخره.
أقول: هذان ضدان لا يجتمعان، وهما التقرب إلى الله قصد دفع شر الجن؛ لأن التقرب إلى الله بالذبح عبادة تختص بالهدى، والأضاحي، ونحو ذلك، والذبح لقصد دفع شر الجن عبادة لهم، وهي شرك بالله عز وجل، فلا تجتمع عبادة الله وعبادة ما سواه على حد سواء، بل بينهما أعظم مباينة ومباعدة، كما يعلم ذلك من وقف على حدود ما انزل الله على رسوله، والله أعلم. أملاه شيخنا الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقري حفظه الله تعالى.
قال في "شرح المنتهى": ويكره الصيد حال كونه لهواً، وفي كلام ابن عقيل: ما يدل على أنه يحرم. انتهى.
قال في "الإنصاف": قوله: فإن خشي موته ولم يجد ما يذكيه؛ أرسل الصائد له عليه حتى يقتله في أحد الروايتين، واختاره الخرقي، و "الهداية" و "المذهب"? ? ? إلى أن قال: فان أشلى (1) الجارح عليه، فقتله؛ حل أكله في أصح الروايتين. وتمامه فيه.
قوله: ولو نذر الصدقة بقدر من المال، فأبرأ غريمه إلى آخره، أي لا يصح الإبراء، ولا يجزئه عن نذره، قاله شيخنا.
قوله في الأيمان: وإن أشار إليه؛ حنث إلى آخره.
الظاهر أن المقدم كلام أبي الخطاب؛ لتقديمه في الطلاق، ولأنه العرف.
وقوله: حقباً إلى آخره.
أقل زمان هذا، بخلاف ما إذا عرفه بالألف واللام.
وقوله: ولا يدخل هذه الدار من بابها.
فدخلها من غيره؛ لم يحنث.
وقوله في "الشرح": ويحتمل إلى آخره.
الظاهر أن العمل على كلامه في "الشرح"، لأن سبب اليمين مقدم، من تقرير شيخنا.
قوله: وباقلاء وحمص أخضرين، ونحوهما.
الظاهر أن نحو ذلك، كبطيخ، وباذنجان، والبصل فيحتمل الجواز، ويحتمل المنع، لأنه مكروه، والعادة خلاف ذلك، فيحتمل المنع مطلقاً، إلا أن يقال: العبرة بالغالب، قاله شيخنا.
قوله: القرى لا الأبصار.
(1) أشلي إشلاءً الكلب على الصيد أغراه.
كل نجد قرى، قاله شيخنا.
ومن "المغني"، فصل: قال أحمد: الضيافة على كل من المسلمين، كل من نزل به ضيف؛ كان عليه أن يضيفه، لما روي عقبة بن عامر، متفق عليه (1)، وعن احسد رواية أخرى: أن الضيافة على أهل القرى دون الأمصار انتهى.
قوله في الذكاة: أو طغي على الماء. أي طفح.
وقوله: أو طرفه بعينه، أو مصع بذنبه، هل ذلك بجميعه أو بعضه.
يكفي؟ الظاهر أن البعض يكفي. وقوله آخر الصيد: أو دبق.
وهو الدبس.
وقوله في الضبع: إن عرفه بأكل الميتة، فكجلالة.
أي فبحبس، ويطعم الطاهر ثلاثاً.
وقوله في المضطر: أكل عادته من الحرام، لا ماله عنه غني كحلوى، وله الشبع منه؛ لأنه العادة، بخلاف المينة؛ فلا يشبع، من تقرير شيخنا.
قال في "الإنصاف": اختلفوا في الثمار، والزروع، والبقول. إذا كان سقيها بالماء النجس، وعلفها بالنجاسات، فقال أبو حنيفة، والشافعي: هي مباحة، وقال أحمد: يحرم أكلها، ويحكم بنجاستها. انتهى.
ومن "الروض وشرحه": ولا يحنث ناس، وجاهل، بأن ما أتى به هو المحلوف عليه، ومكره في يمين بالله، وطلاق، وعنق، ولا تنحل اليمين بالإتيان بالمحلوف عليه ناسياً أو جاهلاً، أو مكرهاً؛ لأنا إذا لم نحنثه؛ لم نجعل يمينه متناولة لما وجد، إذ لو تناولته؛ لحنث. انتهى.
(1) ولفظه: عن عقبة بن عامر انه قال: قلنا يا رسول الله: إنك تبعثا فتنزل بقوم فما يقروننا، فما ترى؟ فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فأقبلوا، فإن لم يفعلوا؛ فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم، متفق عليه.
من "الشرح الكبير": ولي المرأة، مثل ابن العم، والحاكم، هل له أن يلي طرفيه بنفسه
…
إلى أن قال: وهل يفتقر إلى ذكر الإيجاب والقبول، أم يكتفي بجرد الإيجاب فيه، وجهان:
أحدهما: يحتاج أن يقول: زوجت نفسي فلانة، وقبلت النكاح؛ لأن ما افتقر إلى الإيجاب؛ افتقر إلى القبول، كسائر العقود. انتهى.
وفي القاعدة الثانية والستين: ما يفيد اشتراطه؛ فليعاود.
ومن أثناء جواب لأبي العباس: مثل الأعراب الذين يعتصمون برؤوس الجبال والمغارات، ويقطعون الطريق، وكالأخلاف الذين يخالفون لقطع الطريق بين الشام والعراق، ويسمون ذلك النهيضة، فإنهم يقاتلون كما ذكرنا، لكن ليس قتالهم بمنزلة قتال الكفار، إذا لم يكونوا كفاراً؛ فلا تؤخذ أموالهم، إلا أن يكونوا أخذوا أموال المسلمين بغير حق؛ فإن عليهم ضمانها، فيؤخذ منهم بقدر ما أخذوا وإن لم يعلم عين الأخذ، وكذلك لو علم؛ فالردء والمباشر سواء كما قلناه، لكن إذا عرف عينه؛ كان قرار الضمان عليه، ويرد ما يؤخذ منهم على أرباب الأموال فان تعذر الرد عليهم؛ كان للمصالح، من رزق طائفة المقاتلة، لهم وغيرهم. انتهى.
وقال مالك لما سئل عن الوالي: إذا قام عليه قائم يطلب عليه ما ييده هل يجب علينا أن ندفع عنه؟ قال: أما مثل عمر بن عبد العزيز: فنعم، وأما غيره، فلا، ودعه ينتقم الله من ظالم بظالم، ثم ينتقم الله من كليهما، وقال أيضاً: يقتل ثلث العامة لمصلحة إصلاح الثلثين، وما قاله أبو المعالي عن مالك؛ فصحيح. انتهى.
وإذا قتل إنسان ولم يعلم قاتله، وأقر آخر أنه سطا فيه سطوة، ولم يعلم هل هي مما يمكن موته منها، أم لا؟
رجع في تفسيرها إليه، لكن إن كان مع جماعة متظاهرين على الظلم؛
فلو ليه القصاص منهم جميعاً، أو من أحدهم على انفراده، أو أخذ الدية؛ لقولهم ردء وطليع؛ كمباشر، كتبه أحمد بن محمد، ومن خطه قلت.
ومن كتاب القضاء: قال ابن قندس في "حاشية المحرر":
فائدة: قال أبو العباس في "السياسة الشرعية في حكم الراعي والرعية": ويجب أن يعرف أن ولاية الناس من أعظم واجبات الدين، بل لا قيام للدين والدنيا إلا بها، فان بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض، ولابد لهم عند الاجتماع من رئيس، حتى قال صلى الله عليه وسلم:"إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم" رواه أبو داود، من حديث أبي سعيد، وأبي هريرة. وروى الإمام أحمد في "المسند" عن عبد الله بن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا يحل لثلاثة أن يكونوا بفلاة من الأرض إلا أمروا عليهم أحدهم" فأوجب صلى الله عليه وسلم تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر تنبيها بذلك على سائر أنواع الاجتماع، ولأن الله أوجب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة، وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد، والعدل، وإقامة الحج، والجمع، والأعياد، ونصرة المظلوم، وإقامة الحدود، ولا يتم إلا بالقوة والإمارة، ولهذا روي: إن السلطان ظل الله في الأرض يأوي إليه كل مظلوم، ويقال: إن سنة من إمام جائر؛ أصلح من ليلة واحدة بلا سلطان، والتجربة تبين هذا؛ ولهذا كان السلف كالفضيل، وأحمد، وغيرهما يقولون: لو كانت لنا دعوة مجابة لدعونا بها للسلطان. وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله يرضى لكم ثلاثاً: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمرك". رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: "ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم: إخلاص
العمل لله، ومناصحة ولاة الأمور، ولزوم جماعة (1) المسلمين، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم". رواه أهل السنن، وهذان الحديثان حسنان.
وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم: "أن الدين النصيحة ثلاثاً، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم". فالواجب اتخاذ الإمارة ديناً، وقربة يتقرب بها إلى الله ورسوله؛ فإن التقرب إلى الله بها بطاعته وطاعة رسوله من أفضل القربات. وإنما يفسد فيها حال الأكثر من الناس ابتغاء الرئاسة والمال بها، وقد روى كعب عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم؛ بأفسد لها من حرص المرء عني المال والشرف لدينه". قال الترمذي: حديث حسن صحيح، فأخبر أن حرص المرء على المال والرئاسة يفسد دينه مثل أو أكثر من فساد الذئبين الجائعين لزريبة الغنم.
فإن الناس أربعة أقسام: قوم يريدون العلو على الناس والفساد في الأرض، وهو معصية الله، وهم الملوك والرؤساء المفسدون، كفرعون وحزبه، وهؤلاء شر الخلق، قال الله تعالى:"إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين"(2).وعنه صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر، ولا يدخل النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان، فقال رجل: يا رسول الله إني أحب أن يكون ثوبي حسناً ونعلي حسناً أفمن الكبر ذلك؟ قال: لا، الكبر: بطر الحق وغمط الناس" فبطر الحق: جحده ودفعه. وغمط الناس: احتقارهم وازدراؤهم. وهذه حالة من يريد العلو والفساد.
(1) وفي نسخة: دعوة.
(2)
28/ 4.
والقسم الثاني: الذين يريدون الفساد بلا علو، كالسراق والمجرمين من سفلة الناس ونحوهم.
والثالث: الذين يريدون العلو بلا فساد، كالذين عندهم دين يريدون أن يعلو به على الناس.
الرابع: فهم أهل الجنة، الذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فساداً، مع أنهم قد يكونون أعلى من غيرهم، قال الله تعالى:{وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (1). فكم ممن يريد العلو في الأرض ولا يزيده ذلك إلا سفلاً، وكم ممن جعل من الأعلين، وهو لا يريد العلو ولا الفساد؛ وذلك لأن إرادة العلو على الخلق ظلم، لأن الناس من جنس واحد، فإرادة الإنسان أن يكون هو الأعلى ونظيره تحته ظلم له، ثم مع انه ظلم؛ فالناس يبغضون من هو كذلك، ويعادونه؛ لأن العادل منهم يحب أن يكون مقهوراً لنظيره، وغير العادل منهم يؤثر أن يكون هو القاهر، ثم انه مع هذا لا بد لهم في العقل والدين من أن يكون بعضهم فوق بعض، كما قدمناه. كما أن الجسد لا يصلح إلا برأس، قال تعالى:{وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ} (2)، فجاءت الشريعة بصرف السلطان والمال في سبيل الله. فإذا كان المقصود بالسلطان والمال هو التقرب إلى الله وإقامة دينه وإنفاق ذلك في سبيله؛ كان ذلك صلاح الدين والدنيا. وان انفرد السلطان عن الدين، أو الدنيا عن السلطان؛ فسدت أحوال الناس. وإنما يتميز أهل طاعته عن أهل معصيته؛ بالنية والعمل الصالح، كما في الحديث الصحيح:"إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم؛ وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم". انتهى ملخصاً (من كلام الشيخ ابن تيمية في السياسة الشرعية في حكم الراعي والرعية" رحمه الله تعالى).
(1) 3/ 139.
(2)
6/ 165.