الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإظهار دينه، وفي الآخرة بإعلاء درجته، والانتقام ممن كذبه، ونحو ذلك، كما قال تعالى:{إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51)} .
فإن قيل: قررتم أن الضمير في ينصره عائد إليه صلى الله عليه وسلم، وهو لم يجر له ذكر، فكيف قررتم رجوع الضمير إلى غير مذكور؟
فالجواب: هو ما قاله غير واحد من أنَّه صلى الله عليه وسلم وإن لم يجر له ذكر، فالكلام دال عليه؛ لأن الإيمان في قوله في الآية التي قبلها
: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ} الآية، هو الإيمان بالله، وبمحمد صلى الله عليه وسلم، والانقلاب عن الدين المذكور في قوله:{انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ} انقلاب عما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {ثُمَّ لَيَقْطَعَ} قرأه أَبو عمرو، وابن عامر، وورش عن نافع بكسر اللام على الأصل في لام الأمر، وقرأه الباقون بإسكان اللام تخفيفًا.
•
قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ}
إلى قوله: {إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} .
قد قدمنا الآيات الموضحة لذلك في مواضع من هذا الكتاب المبارك، فأغنى ذلك عن إعادته هنا.
•
المطبوعة: "قبلها تليها".
(1)
ما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة، من أنواع عذاب أهل النار - أعاذنا الله وإخواننا المسلمين منها، ومن كل ما قرب إليها من قول وعمل - جاء مبينًا في آيات أخر من كتاب الله، فقوله هنا:{قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَار} أي: قطع الله لهم من النار ثيابًا، وألبسهم إياها تتقد عليهم، كقوله فيهم:{سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ} والسرابيل: هي الثياب التي هي القمص، كما قدمنا إيضاحه، وكقوله:{لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ} : جمع غاشية: وهي غطاء كاللحاف، وذلك هو معنى قوله هنا:{قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ} .
وقوله تعالى هنا: {يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19)} ذكره أيضًا في غير هذا الموضع كقوله: {ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (48) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49)} والحميم: الماء البالغ شدة الحرارة، وكقوله تعالى:{وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوي الْوُجُوهَ} الآية.
وقوله هنا: {يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20)} أي: يذاب بذلك الحميم إذا سقوه فوصل إلى بطونهم كل ما في بطونهم من الشحم والأمعاء وغير ذلك، كقوله تعالى:{وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (15)} والعرب تقول: صهرت الشيء فانصهر، فهو صهير، أي: أذبته فذاب، ومنه قول ابن أحمر يصف تغذية قطاة لفرخها في فلاة من الأرض:
تروي لقى ألْقي في صَفْصَفٍ
…
تَصْهره الشَّمس فما يَنْصَهِرْ
أي: تذيبه الشمس، فيصبر على ذلك، ولا يذوب.
وقوله: {وَالْجُلُوُد (20)} الظاهر أنَّه معطوف على "ما" من قوله: {يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ} التي هي نائب فاعل يصهر، وعلى هذا
الظاهر المتبادر من الآية فذلك الحميم يذيب جلودهم، كما يذيب ما في بطونهم، لشدة حرارته.
إذا المعنى: يصهر به ما بطونهم، وتصهر به الجلود؛ أي: جلودهم، فالألف واللام قامتا مقام الإِضافة. وقال بعض أهل العلم: والجلود مرفوع بفعل محذوف معطوف على تصهر، وتقديره: وتحرق به الجلود. ونظير ذلك في تقدير العامل المحذوف الرافع الباقي معموله مرفوعًا بعد الواو قول لبيد في معلقته:
فعلا فروعُ الأيهقَانِ وأطفَلت
…
بالْجَلَهتَينِ ظباؤُهَا ونَعامُهَا
يعني: وباض نعامها، لأن النعامة لا تلد الطفل، وإنَّما تبيض، بخلاف الظبية فهي تلد الطفل، ومثاله في المنصوب قول الآخر:
إذا ما الغانياتُ برزْنَ يومًا
…
وزجَّجْنَ الحواجِبَ والعُيونَا
ترى منَّا الأيور إذارأَوْهَا
…
قِيامًا راكِعينَ وساجِدينَا
يعني زججن الحواجب، وأكحلن العيون، وقوله:
ورَأيت زوجَك في الوَغَى
…
متقلِّدًا سيفًا ورُمْحًا
أي: وحاملًا رمحًا، لأن الرمح لا يتقلد، وقول الآخر:
تراه كأنَّ الله يجدعُ أنفَه
…
وعينيه إنْ مولاه ثابَ له وفرْ
يعني: ويفقأ عينيه، ومن شواهده المشهورة قول الراجز:
علَفْتها تِبْنًا وماءً باردًا
…
حتَّى شتت همالةً عيناها
يعني: وسقيتها ماءً باردًا. ومن أمثلة ذلك في القرآن قوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} الآية، أي: وأخلصوا الإِيمان،