الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والآية تدل على أن محل العقل في القلب، ومحل السمع في الأذن، فما يزعمه الفلاسفة من أن محل العقل الدماغ باطل، كما أوضحناه في غير هذا الموضع، وكذلك قول من زعم أن العقل لا مركز له أصلًا في الإِنسان؛ لأنه زماني فقط، لا مكاني فهو في غاية السقوط والبطلان كما ترى.
•
قوله تعالى: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)}
.
قد قدمنا الآيات الموضحة لمعنى هذه الآية في سورة بني إسرائيل في الكلام على قوله: {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى} الآية. مع بعض الشواهد العربية، فأغنى ذلك عن إعادته هنا.
•
قوله تعالى: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ}
.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن الكفار يطلبون من النبي صلى الله عليه وسلم تعجيل العذاب الذي يعدهم به طغيانًا وعنادًا.
والآيات الدالة على هذا المعنى كثيرة في القرآن، كقوله تعالى:{وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ (16)} وقوله: {يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (54)} وقوله: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ} الآية.
وقد أوضحنا الآيات الدالة على هذا المعنى في مواضع متعددة من هذا الكتاب المبارك في سورة الأنعام في الكلام على قوله: {مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ} وفي يونس في الكلام على قوله: {أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ} إلى غير ذلك من المواضع.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ} الظاهر أن المراد بالوعد هنا: هو ما أوعدهم به من العذاب الذي يستعجلون نزوله.
والمعنى: هو منجز ما وعدهم به من العذاب إذا جاء الوقت المحدد لذلك، كما قال تعالى:{وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (53)} وقوله تعالى: {أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (8)} وقوله تعالى: {أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (51)} وبه تعلم أن الوعد يطلق في القرآن على الوعد بالشر.
ومن الآيات الموضحة لذلك قوله تعالى: {قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (72)} فإنه قال في هذه الآية في النار: (وعدها الله) بصيغة الثلاثي الذي مصدره الوعد، ولم يقل: أوعدها.
وما ذكر في هذه الآية من أن ما وعد به الكفار من العذاب واقع لا محالة، وأنه لا يخلف وعده بذلك جاء مبينا في غير هذا الموضع، كقوله تعالى في سورة ق:{قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} الآية. والصحيح أن المراد بقوله: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} أن ما أوعده الكفار به من العذاب لا يبدل لديه، بل هو واقع لا محالة، وقوله تعالى:{كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (14)} أي: وجب وثبت فلا يمكن عدم وقوعه بحال، وقوله تعالى:{إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ (14)} كما أوضحناه في كتابنا: دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب في سورة الأنعام، في الكلام على قوله تعالى:{قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} الآية. وأوضحنا أنما أوعد
به الكفار لا يخلف بحال، كما دلت عليه الآيات المذكورة. أما ما أوعد به عصاة المسلمين، فهو الذي يجوز ألا ينفذه وأن يعفو، كما قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} الآية.
وبالتحقيق الذي ذكرنا: تعلم أن الوعد يطلق في الخير والشر كما بينا، وإنما شاع على ألسنة كثير من أهل التفسير من أن الوعد لا يستعمل إلا في الوعد بخير، وأنه هو الذي لا يخلفه الله، وأما إن كان المتوعد به شرًا، فإنه وعيد وإيعاد. قالوا: إن العرب تعد الرجوع عن الوعد لؤمًا، وعن الإِيعاد كرمًا، وذكروا عن الأصمعي أنه قال: كنت عند أبي عمرو بن العلاء، فجاءه عمرو بن عبيد فقال: يا أبا عمرو، هل يخلف الله الميعاد؟ فقال: لا، فذكر آية وعيد، فقال له: أمن العجم أنت؟ إن العرب تعد الرجوع عن الوعد لؤمًا، وعن الإِيعاد كرمًا، أما سمعت قول الشاعر:
ولا يرهب ابن العم والجار سطوتي
…
ولا انثنى عن سطوة المتهدد
فإني وإن أوعدته أو وعدته
…
لمخلف إيعادي ومنجز موعدي
فيه نظر من وجهين.
الأول: هو ما بيناه آنفًا من إطلاق الوعد في القرآن على التوعد بالنار، والعذاب، كقوله تعالى:{النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا} وقوله تعالى: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ} لأن ظاهر الآية الذي لا يجوز العدول عنه: ولن يخلف الله وعده في حلول العذاب الذي يستعجلونك به بهم؛ لأنه مقترن بقوله: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ} فتعلقه به هو الظاهر.