الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وما أثنى الله به على المؤمنين المفلحين في هذه الآية أشار له في غير هذا الموضع، كقوله:{وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72)} ومن مرورهم به كرامًا إعراضهم عنه، وعدم مشاركتهم أصحابه فيه، وقوله تعالى:{وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ} الآية.
•
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4)}
.
في المراد بالزكاة هنا وجهان من التفسير معروفان عند أهل العلم.
أحدهما: أن المراد بها زكاة الأموال، وعزاه ابن كثير للأكثرين.
الثاني: أن المراد بالزكاة هنا: زكاة النفس، أي: تطهيرها من الشرك، والمعاصي بالإِيمان باللَّه، وطاعته وطاعة رسله عليهم الصلاة والسلام. وعلى هذا فالمراد بالزكاة هنا كالمراد بها في قوله:{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)} وقوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14)} الآية. وقوله: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا} وقوله: {خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً} الآية. وقوله: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} على أحد التفسيرين. وقد يستدل لهذا القول الأخير بثلاث قرائن:
الأول: أن هذه السورة مكية بلا خلاف، والزكاة إنما فرضت بالمدينة كما هو معلوم، فدل على أن قوله:{وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4)} نزل قبل فرض زكاة الأموال المعروفة، فدل على أن المراد به غيرها.
القرينة الثانية: هي أن المعروف في زكاة الأموال: أن يعبر عن
أدائها بالإيتاء، كقوله تعالى:{وَآتُوا الزَّكَاةَ} وقوله: {وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ} ونحو ذلك. وهذه الزكاة المذكورة هنا، لم يعبر عنها بالإِيتاء، بل قال تعالى فيها:{وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4)} فدل على أن هذه الزكاة: أفعال المؤمنين المفلحين، وذلك أولى بفعل الطاعات، وترك المعاصي من أداء مال.
الثالثة: أن زكاة الأموال تكون في القرآن عادة مقرونة بالصلاة، من غير فصل بينهما، كقوله:{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} وقوله: {وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ} وقوله: {وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ} وهذه الزكاة المذكورة هنا فصل بين ذكرها وبين ذى الصلاة بجملة: {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3)} .
والذين قالوا: المراد بها زكاة الأموال قالوا: إن أصل الزكاة فرض بمكة قبل الهجرة، وأن الزكاة التي فرضت بالمدينة سنة اثنتين هي ذات النصب، والمقادير الخاصة.
وقد أوضحنا هذا القول في الأنعام في الكلام على قوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} وقد يستدل لأن المراد بالزكاة في هذه الآية غير الأعمال التي تزكى بها النفوس من دنس الشرك والمعاصي، بأنا لو حملنا معنى الزكاة على ذلك، كان شاملًا لجميع صفات المؤمنين المذكورة في أول هذه السورة، فيكون كالتكرار معها، والحمل على التأسيس والاستقلال أولى من غيره، كما تقرر في الأصول. وقد أوضحنا في سورة النحل في الكلام على قوله تعالى:{فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} الآية.
والذين قالوا: هي زكاة الأموال، قالوا: فاعلون، أي: