الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أوليائه الذين وعدهم بالنصر، بل هم حزب الشيطان وأولياؤه، فلو طلبوا النصر من الله بناء على أنه وعدهم إياه، فمثلهم كمثل الأجير الذي يمتنع من عمل ما أجر عليه، ثم يطلب الأجرة، ومن هذا شأنه فلا عقل له.
وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)} العزيز الغالب الذي لا يغلبه شيء، كما قدمناه مرارًا بشواهده العربية.
وهذه الآيات تدل على صحة خلافة الخلفاء الراشدين؛ لأن الله نصرهم على أعدائهم، لأنهم نصروه فأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وأمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر، وقد مكن لهم، واستخلفهم في الأرض، كما قال:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ} الآية.
والحق أن الآيات المذكورة تشمل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل من قام بنصرة دين الله على الوجه الأكمل. والعلم عند الله تعالى.
•
.
في هذه الآيات الكريمة تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم بأن الذي عامله به قومه من التكذيب عومل به غيره مِن الرسل الكرام، وذلك يسليه ويخفف عليه كما قال تعالى:{وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} الآية. وقوله تعالى: {مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ} وقوله: {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ} الآية. إلى غير ذلك من
الآيات. وذكر تعالى في هذه الآيات سبع أمم كل واحدة منهم كذبت رسولها.
الأولى: قوم نوح في قوله: {فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ} والآيات الدالة على تكذيب قوم نوح لا تكاد تحصى في القرآن، لكثرتها ولنقتصر على الأمثلة؛ لكثرة الآيات الدالة على تكذيب هذه الأمم رسلها، كقوله:{كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105)} وقوله: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9)} إلى غير ذلك من الآيات.
الثانية: عاد، وقد بين تعالى في غير هذا الموضع في آيات كثيرة أنهم كذبوا رسولهم هودًا، كقوله تعالى:{كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ (123)} وقوله: {قَالُوا يَاهُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53)} .
الثالثة: ثمود، وقد بين تعالى في غير هذا الموضع تكذيبهم لنبيهم صالح في آيات كثيرة، كقوله تعالى:{كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141)} وقوله: {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا} إلى غير ذلك من الآيات.
الرابعة: قوم إبراهيم، وقد بين تعالى في غير هذا الموضع أنهم كذبوه في آيات كثيرة، كقوله تعالى:{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ} وقوله: {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ} الآية. وكقوله: {أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَاإِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46)} إلى غير ذلك من الآيات.
الخامسة: قوم لوط، وقد بين تعالى في غير هذا الموضع أنهم كذبوه في آيات كثيرة، كقوله:{كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160)} وقوله:
{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ} الآية. إلى غير ذلك من الآيات.
السادسة: أصحاب مدين، وقد بين تعالى أنهم كذبوا نبيهم شعيبًا في غير هذا الموضع في آيات كثيرة، كقوله:{أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ (95)} وقوله: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} إلى قوله: {قَالُوا يَاشُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87)} وقوله: {قَالُوا يَاشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ} الآية. إلى غير ذلك من الآيات.
السابعة: من كذبوا موسى، وهم فرعون وقومه. وقد بين تعالى في غير هذا الموضع أن فرعون وقومه كذبوا موسى في آيات كثيرة كقوله:{لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29)} وقوله: {قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19)} وقوله: {وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132)} إلى غير ذلك من الآيات.
وقوله تعالى في هذه الآية: {فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (44)} قد بين تعالى نوع العذاب الذي عذب به كل أمة من تلك الأمم بعد الإِملاء لها والإِمهال، فبين أنه أهلك قوم نوح بالغرق في مواضع كثيرة، كقوله تعالى:{فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (14)} وقوله: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12)} وقوله: {ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ (120)} إلى غير ذلك من الآيات، وبين في مواضع كثيرة أنه بعد الإِملاء والإِمهال لعاد
أهلكهم بالريح العقيم، كقوله تعالى:{وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6)} الآيات، وقوله تعالى:{وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41) مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (42)} وقوله: {بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} إلى غير ذلك من الآيات.
وبين أنه أهلك ثمود بصيحة أهلكتهم جميعًا، كقوله فيهم:{وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67)} وقوله: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ} الآية إلى غير ذلك من الآيات.
وقوم إبراهيم الذين كذبوه هم نمروذ، وقومه، وقد ذكر المفسرون أن العذاب الدنيوي الذي أهلكهم الله به هو المذكور في قوله تعالى في سورة النحل:{قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (26)} .
وقد بين تعالى أنه أهلك قوم لوط بجعل عالي أرضهم سافلها، وأنه أرسل عليهم مطرًا من حجارة السجيل في مواضع متعددة، كقوله تعالى:{فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ} ونحو ذلك من الآيات.
وقد بين تعالى أنه أهلك أصحاب مدين بالصيحة في مواضع، كقوله فيهم:{وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (94) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ (95)} إلى غير ذلك من الآيات.
وقد بين في مواضع كثيرة أنه أهلك الذين كذبوا موسى، وهم فرعون وقومه بالغرق، كقوله:{وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (24)} وقوله تعالى: {فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78)} الآية، وقوله تعالى:{حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90)} إلى غير ذلك من الآيات.
ومعلوم أن الآيات كثيرة في بيان ما أهلكت به هذه الأمم السبع المذكورة، وقد ذكرنا قليلًا منها كالمثال لغيره، وكل ذلك يوضح معنى قوله تعالى بعد أن ذكر تكذيب الأمم السبع لأنبيائهم:{فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ} أي: بالعذاب، وهو ما ذكرته بعض الآيات الدالة على تفاصيله.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (44)} النكير: اسم مصدر، بمعنى الإِنكار، أي: كيف كان إنكاري عليهم منكرهم، الذي هو كفرهم بي، وتكذيبهم رسلي، وهو ذلك العذاب المستأصل الذي بينا، وبعده عذاب الآخرة الذي لا ينقطع. نرجو الله لنا ولإِخواننا المسلمين العافية من كل ما يسخط خالقنا، ويستوجب عقوبته. والجواب: إنكارك عليهم بذلك العذاب واقع موقعه على أكمل وجه؛ لأن الجزاء من جنس العمل، فجزاء العمل البالغ غاية القبح بالنكال العظيم جزاء وفاق واقع موقعه، فسبحان الحكيم الخبير الذي لا يضع الأمر إلا في موضعه، ولا يوقعه إلا في موقعه.
وقرأ هذا الحرف ورش وحده عن نافع: {فكيف كان نكيري} بياء المتكلم بعد الراء وصلًا فقط. وقرأ الباقون بحذفها اكتفاء بالكسرة عن الياء.