الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيها، ومنعوا من الخروج منها، بينه في غير هذا الموضع، كقوله في المائدة:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (36) يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (37)} وقوله في السجدة: {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا} الآية.
وقوله في آية الحج هذه: {أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22)} حذف فيه القول. والمعنى أعيدوا فيها، وقيل لهم: ذوقوا عذاب الحريق، وهذا القول المحذوف في الحج صرح به في السجدة في قوله تعالى:{كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20)} والمفسرون يقولون: إن لهب النار يرفعهم، حتَّى يكاد يرميهم خارجها، فتضربهم خزنة النار بمقامع الحديد، فتردهم في قعرها، نعوذ بالله منها، ومن كل ما يقرب إليها من قول وعمل.
•
.
اعلم أن خبر إن في قوله هنا: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} محذوف كما ترى.
والذي تدل عليه الآية أن التقدير: إن الذين كفروا، ويصدون عن سبيل الله، نذيقهم من عذاب أليم. كما دل على هذا قوله في آخر الآية:{وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25)} وخير ما يفسر به القرآن القرآن.
فإن قيل: ما وجه عطف الفعل المضارع على الفعل الماضي، في قوله:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ} ؟
فالجواب: من أربعة أوجه: واحد منها ظاهر السقوط.
الأول: هو ما ذكره بعض علماء العربية من أن المضارع، قد لا يلاحظ فيه زمان معين من حال، أو استقبال، فيدل إذ ذاك على الاستمرار، ومنه:{وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} وقوله: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ} قاله أَبو حيان وغيره.
الثاني: أن يصدون خبر مبتدأ محذوف. والتقدير: إن الذين كفروا، وهم يصدون، وعليه فالجملة المعطوفة اسمية لا فعلية، وهذا القول استحسنه القرطبي.
الثالث: أن يصدون مضارع أريد به الماضي، أي: كفروا، وصدوا، وليس بظاهر.
الرابع: أن الواو زائدة، وجملة يصدون خبر إن، أي: إن الذين كفروا يصدون الآية. وهذا هو الذي قدمنا أنَّه ظاهر السقوط، وهو كما ترى، وما ذكره جل وعلا في هذه الآية من أن من أعمال الكفار الصد عن سبيل الله، وعن المسجد الحرام بينه في غير هذا الموضع كقوله تعالى:{وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ} الآية، وقوله تعالى:{هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَهُ} وقوله تعالى: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا} الآية، إلى غير ذلك من الآيات.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ}
قرأه عامة السبعة غير حفص عن عاصم: سواء، بضم الهمزة، وفي إعرابه على قراءة الجمهور هذه برفع سواء وجهان:
الأول: أن قوله: العاكف مبتدأ، والباد معطوف عليه، وسواء خبر مقدم، وهو مصدر أطلق وأريد به الوصف.
فالمعنى: العاكف والبادي سواء، أي: مستويان فيه، وهذا الإِعراب أظهر.
الوجه الثاني: أن سواء مبتدأ، والعاكف فاعل سد مسد الخبر، والظاهر أن مسوغ الابتداء بالنكرة التي هي سواء على هذا الوجه هو عملها في المجرور الذي هو فيه، إذ المعنى سواء فيه العاكف والبادي، وجملة المبتدأ وخبره في محل المفعول الثاني لجعلنا. وقرأ حفص عن عاصم سواء بالنصب، وهو المفعول الثاني لجعلنا التي بمعنى صبرنا، والعاكف فاعل سواء، أي: مستويًا فيه العاكف والبادي. ومن كلام العرب: مررت برجل سواء هو والعدم. ومن قال: إن "جعل" في الآية تتعدى إلى مفعول واحد قال: إن سواء حال من الهاء في جعلناه، أي: وضعناه للناس في حال كونه سواء العاكف فيه والبادي، كقوله:{إِنَّ أَوَّلَ بَيتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ} الآية.
وقال بعض أهل العلم: إن المراد بالمسجد الحرام في هذه الآية الكريمة يشمل جميع الحرم. ولذلك أخذ بعض العلماء من هذه الآية أن رباع مكة لا تملك، وقد قدمنا الكلام مستوفى في هذه المسألة، وأقوال أهل العلم فيها، ومناقشة أدلتهم في سورة الأنفال، فأغنى ذلك عن إعادته هنا. والعاكف: هو المقيم في الحرم، والبادي: الطارئ عليه من البادية، وكذلك غيرها من أقطار الدنيا.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: والبادي قرأه أَبو عمرو وورش، عن نافع بإثبات الياء بعد الدال في الوصل، وإسقاطها في الوقف، وقرأه ابن كثير بإثباتها وصلًا ووقفًا، وقرأه باقي السبعة بإسقاطها، وصلًا ووقفًا.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25)} قد أوضحنا إزالة الإِشكال عن دخول الباء على المفعول في قوله: بإلحاد، ونظائره في القرآن، وأكثرنا على ذلك من الشواهد العربية في الكلام على قوله تعالى:{وَهُزِّي إِلَيكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} فأغنى ذلك عن إعادته هنا.
والإِلحاد في اللغة أصله: الميل، والمراد بالإِلحاد في الآية: أن يميل، ويحيد عن دين الله الذي شرعه، ويعم ذلك كل ميل وحيدة عن الدين، ويدخل في ذلك دخولًا أوليًّا الكفر بالله، والشرك به في الحرم، وفعل شيء مما حرمه، وترك شيء مما أوجبه. ومن أعظم ذلك: انتهاك حرمات الحرم. وقال بعض أهل العلم: يدخل في ذلك احتكار الطَّعام بمكة. وقال بعض أهل العلم: يدخل في ذلك قول الرجل: لا والله، وبلى والله، وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّه كان له فسطاطان: أحدهما: في طرف الحرم، والآخر: في طرف الحل، فإِذا أراد أن يعاتب أهله، أو غلامه فعل ذلك في الفسطاط الذي ليس في الحرم، يرى أن مثل ذلك يدخل في الإِلحاد فيه بظلم.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: الذي يظهر في هذه المسألة، أن كل مُخَالفَةُ بترك واجب، أو فعل محرم تدخل في الظلم المذكور، وأما الجائزات كعتاب الرجل امرأته، أو عبده، فليس من الإِلحاد، ولا من الظلم.
مسألة
قال بعض أهل العلم: من هم أن يعمل سيئة في مكة، أذاقه الله العذاب الأليم بسبب همه بذلك وإن لم يفعلها، بخلاف غير الحرم المكي من البقاع، فلا يعاقب فيه بالهم. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: لو أنَّ رجلًا أراد بإلحاد فيه بظلم وهو بعدن أبين، لأذاقه الله من العذال الأليم. وهذا ثابت عن ابن مسعود، ووقفه عليه أصح من رفعه.
والذين قالوا هذا القول استدلوا له بظاهر قوله تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25)} لأنه تعالى رتب إذاقة العذاب الأليم على إرادة الإِلحاد بالظلم فيه ترتيب الجزاء على شرطه، ويؤيد هذا قول بعض أهل العلم: إن الباء في قوله: بإِلحاد، لأجل أن الإِرادة مضمنة معنى الهم، أي: ومن يهمم فيه بإلحاد. وعلى هذا الذي قاله ابن مسعود وغيره فهذه الآية الكريمة مخصصة لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم - : "ومن هم بسيئة فلم يعملها كُتبت له حسنة" الحديث، وعليه فهذا التخصيص لشدة التغليظ في المخالفة في الحرم المكي، ووجه هذا ظاهر.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: ويحتمل أن يكون معنى الإِرادة في قوله: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ} العزم المصمم على ارتكاب الذنب فيه، والعزم المصمم على الذنب ذنب يعاقب عليه في جميع بقاع الله مكة وغيرها.
والدليل على أن إرادة الذنب إذا كانت عزمًا مصممًا عليه أنَّها كارتكابه حديث أبي بكرة الثابت في الصحيح: "إذا الْتقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قالوا: يا رسول الله، قد عرفنا