الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بينه في آيات كثيرة، وقد قدمنا في سورة البقرة، والنحل كثرة الاستدلال بهذا البرهان في القرآن على البعث، وذكرنا الآيات الدالة على ذلك كقوله تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ (39)} وقوله تعالى: {وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (19)} أي: من قبوركم أحياء بعد الموت، وقوله تعالى:{وَأَحْيَينَا بِهِ بَلْدَةً مَيتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (11)} أي: خروجكم من القبور أحياء بعد الموت، وقوله تعالى:{حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57)} وقوله {فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ (50)} وقوله تعالى: {فَأَحْيَينَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ (9)} وقوله تعالى: {فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (11)} .
ومن ذلك قوله هنا: {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} بدليل قوله بعده: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى} - إلى قوله - {وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (7)} .
•
.
قال بعض أهل العلم: الآية الأولى التي هي: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيطَانٍ مَرِيدٍ (3)} نازلة في الأتباع الجهلة الذين يجادلون بغير علم، اتباعًا لرؤسائهم، من شياطين
الإِنس والجن، وهذه الآية الأخيرة في الرؤساء الدعاة إلى الضلال المتبوعين في ذلك، ويدل لهذا أنه قال في الأولى:{وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيطَانٍ} وقال في هذه. {ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} فتبين بذلك أنه مضل لغيره، متبوع في الكفر والضلال، على قراءة الجمهور بضم ياء "يضل". وأما على قراءة ابن كثير، وأبي عمرو بفتح الياء، فليس في الآية دليل على ذلك، وقد قدمنا معنى جدال الكفرة في الله بغير علم، فأغنى عن إعادته هنا.
وقال بعض العلماء في قوله في هذه الآية الكريمة: {بِغَيرِ عِلْمٍ} أي: بدون علم ضروري حاصل لهم بما يجادلون به: {وَلَا هُدًى} أي: استدلال، ونظر عقلي يهتدي به العقل للصواب:{وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (20)} أي: وحي نير واضح يعلم به ما يجادل به، فليس عنده علم ضروري، ولا علم مكتسب بالنظر الصحيح العقلي، ولا علم من وحي، فهو جاهل محض من جميع الجهات.
وقوله: {ثَانِيَ عِطْفِهِ} حال من ضمير الفاعل المستكن في: {وَيُجَادِلُ} أي: يخاصم بالباطل في حال كونه ثاني عطفه، أي: لاوي عنقه عن قبول الحق استكبارًا وإعراضًا. فقوله: {ثَانِيَ} اسم فاعل ثنى الشيء إذا لواه، وأصل العطف الجانب، وعطفا الرجل جانباه من لدن رأسه إلى وركيه، تقول العرب: ثنى فلان عنك عطفه تعني أعرض عنك؛ وإنما عبر العلماء هنا بالعنق فقالوا: {ثَانِيَ عِطْفِهِ} لاوي عنقه مع أن العطف يشمل العنق وغيرها؛ لأن أول ما يظهر فيه الصدود عنق الإِنسان يلويها، ويصرف وجهه عن الشيء بِلَيِّها، والمفسرون يقولون: إن اللام في قوله: {لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ} ونحوها من الآيات مما لم تظهر فيه العلة الغائية، كقوله:
{فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} الآية، ونحو ذلك لام العاقبة، والبلاغيون يزعمون أن في ذلك استعارة تبعية، في معنى الحرف. وقد وعدنا بإيضاح ذلك في سورة القصص.
ونقول هنا: إن الظاهر في ذلك أن الصواب فيه غير ما ذكروا، وأن اللام في الجميع لام التعليل، والمعنى واضح لا إشكال فيه كما نبه عليه الحافظ ابن كثير رحمه الله في مواضع من تفسيره.
وإيضاح ذلك أن الله هو الذي قدر على الكافر في أزله أن يجادل في الله بغير علم في حال كونه لاوي عنقه إعراضًا عن الحق، واستكبارًا، وقد قدر عليه ذلك ليجعله ضالًّا مضلًا؛ وله الحكمة البالغة في ذلك، كقوله:{إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ} أي: لئلا يفقهوه؛ وكذلك: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ} الآية، أي: قدر الله عليهم أن يلتقطوه، لأجل أن يجعله لهم عدوًا وحزنًا؛ وهذا واضح لا إشكال فيه كما ترى.
وما ذكره جل وعلا في هذه الآية من إعراض بعض الكفار عن الحق واستكبارهم أوضحه في آيات آخر من كتاب الله، كقوله تعالى:{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا} وقوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5)} وقوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61)} وقوله تعالى عن لقمان في وصيته لابنه: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ} الآية، أي: لا تمل وجهك عنهم، استكبارًا عليهم، وقوله تعالى عن فرعون:{وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ} فقوله: {فَتَوَلَّى