الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثاني: أن يكون خبر مبتدأ محذوف، أي: اللازم ذلك أو الواجب ذلك.
الثالث: أن يكون في محل نصب بفعل محذوف، أي: اتبعوا ذلك، أو امتثلوا ذلك، ومما يشبه هذه الإِشارة في كلام العرب قول زهير:
هذا وليس كمن يعيى بخطته
…
وسط الندى إذا ما قائل نطقا
قاله القرطبي وأبو حيان.
والضمير المؤنث في قوله: {فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} قال القرطبي: هو عائد إلى الفعلة التي يتضمنها الكلام، ثم قال: وقيل: إنه راجع إلى الشعائر بحذف مضاف، أي: فإن تعظيمها، أي: الشعائر فحذف المضاف لدلالة الكلام عليه، فرجع الضمير إلى الشعائر. اهـ.
وقال الزمخشري في الكشاف: {فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)} أي: فإن تعظيمها من أفعال ذوي تقوى القلوب، فحذفت هذه المضافات. ولا يستقيم المعنى إلَّا بتقديرها؛ لأنه لابد من راجع من الجزاء إلى من يرتبط به. اهـ منه.
•
قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ}
.
أمر الله جل وعلا نبيه صلى الله عليه وسلم أن يبشر المخبتين، أي: المتواضعين للَّه المطمئنين الذين من صفتهم: أنهم إذا سمعوا ذكر الله، وجلت قلوبهم، أي: خافت من الله جل وعلا، وأن يبشر الصابرين على ما أصابهم من الأذى. ومتعلق التبشير محذوف لدلالة
المقام عليه، أي: بشرهم بثواب الله وجنته. وقد بين في موضع آخر: أن الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم: هم المؤمنون حقًا، وكونهم هم المؤمنين حقًا يجعلهم جديرين بالبشارة المذكورة هنا. وذلك في قوله تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} الآية، وأمره في موضع آخر أن يبشر الصابرين على ما أصابهم مع بيان بعض ما بشروا به، وذلك في قوله تعالى:{وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)} .
واعلم أن وجل القلوب عند ذكر الله، أي: خوفها من الله عند سماع ذكره لا ينافي ما ذكره جل وعلا من أن المؤمنين تطمئن قلوبهم بذكر الله، كما في قوله تعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)} ووجه الجمع بين الثناء عليهم بالوجل الذي هو الخوف عند ذكره جل وعلا، مع الثناء عليهم بالطمأنينة بذكره، والخوف والطمأنينة متنافيان هو ما أوضحناه في كتابنا: دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب، وهو أن الطمأنينة بذكر الله تكون بانشراح الصدر بمعرفة التوحيد، وصدق ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، فطمأنينتهم بذلك قوية؛ لأنها لم تتطرقها الشكوك، ولا الشبه. والوجل عند ذكر الله تعالى يكون بسبب خوف الزيغ عن الهدى، وعدم تقبل الأعمال، كما قال تعالى عن الراسخين في العلم:{رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60)} وقال تعالى: {تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك".