المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌665 - (9) باب كراهية أكل الثوم ونحوه لمن أراد خطاب الأكابر وحضور المساجد وإكرام الضيف وفضل إيثاره والحث على تشريك الفقير الجائع في طعام الواحد وإن كان دون الكفاية - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ٢١

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌ كتاب الأشربة

- ‌657 - (1) باب تحريم الخمر وما تكون منه وتحريم تخليلها والتداوي بها وبيان أن كل ما يتخذ من النخل والعنب يسمى خمرًا

- ‌659 - (3) باب كل مسكر خمر وحرام وبيان عقوبة من شربه إذا لم يتب منه وبيان المدة التي يشرب إليها النبيذ

- ‌660 - (4) باب جواز شرب اللبن وتناوله من أيدي الرعاء من غير بحث عن كونهم مالكين وجواز شرب النبيذ والحث على تخمير إنائه والأمر بتغطية الإناء وإيكاء السقاء وإغلاق الأبواب وذكر اسم الله عليها وكف الصبيان والمواشي بعد المغرب وإطفاء النار عند النوم

- ‌ كتاب آداب الأطعمة والأشربة

- ‌661 - (5) باب آداب الطعام والشراب والنهي عن الأكل بالشمال والأمر بالأكل باليمين وكراهية الشرب والأكل قائمًا والشرب من زمزم قائمًا

- ‌662 - (6) باب النهي عن التنفس في الإناء واستحبابه خارجه ومناولة الشراب الأيمن فالأيمن ولعق الأصابع والصحفة وأكل اللقمة الساقطة ومن دعي إلى الطعام فتبعه غيره

- ‌ تتمة

- ‌663 - (7) باب من اشتد جوعه تعين عليه أن يرتاد ما يرد به جوعه وجعل الله تعالى قليل الطعام كثيرًا ببركة دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم واستحباب أكل الدباء ووضع النوى خارج التمر وأكل القثاء بالرطب

- ‌664 - (8) باب صفة قعود الآكل، ونهيه عن قرن تمرتين عند أكله مع الجماعة، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يجوع أهل بيت عندهم تمر"، وفضل تمر المدينة، وفضل الكمأة، وفضل الكباث، وفضل التأدم بالخل

- ‌665 - (9) باب كراهية أكل الثوم ونحوه لمن أراد خطاب الأكابر وحضور المساجد وإكرام الضيف وفضل إيثاره والحث على تشريك الفقير الجائع في طعام الواحد وإن كان دون الكفاية

- ‌666 - (10) باب طعام الاثنين يكفي الثلاثة والمؤمن يأكل في معىً واحد والكافر في سبعة أمعاء، وأن الطعام لا يعيب، والنهي عن أكل والشرب في آنية الذهب والفضة

- ‌ كتاب اللباس والزينة

- ‌667 - (11) باب تحريم لبس الذهب والحرير على الرجال وإباحته للنساء

- ‌668 - (12) باب ما يرخَّص فيه من الحرير وحجة من يحرم الحرير على النساء ومن لبس حريرًا سهوًا أو غلطًا نزعه أوَّل ما علم أو تذكَّر وحرمان من لبِسه في الدنيا من لُبْسهِ في الآخرة والرخصة في لُبْس الحرير للعلَّة

- ‌669 - (13) باب النهي عن المعصفر، وفضل لبس ثياب الحبرة، وفضل التواضع في اللباس والفراش وغيرهما، والاقتصار على الغليظ منهما، وجواز اتخاذ الأنماط وكراهة ما زاد على الحاجة في الفراش واللباس

- ‌670 - (14) باب إثم من جر ثوبه خيلاء وإثم من تبختر في مشيه، وتحريم خاتم الذهب على الرجال، ولبس النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه من بعده خاتمًا من ورق نقشه محمد رسول الله واتخاذه لما أراد أن يكتب إلى العجم

- ‌671 - (15) باب طرح الخواتم والفص الحبشي ولبس الخاتم في الخنصر والنهي عن التختم في الوسطى والتي تليها والانتعال وآدابه والنهي عن اشتمال الصماء ومنع الاستلقاء على الظهر

- ‌672 - (16) باب نهي الرجل عن التزعفر واستحباب خضاب الشيب بحمرة أو صفرة وتحريمه بسواد والأمر بمخالفة اليهود في الصبغ وتحريم تصوير الحيوان واتخاذ ما فيه صورة غير ممتهنة

- ‌673 - (17) باب كراهية صحبة الكلب والجرس في السفر وكراهية القلائد والوتر في أعناق الدواب وكراهية ضرب الحيوان ووسمه في الوجه وجواز وسم غير الآدمي في غير الوجه وكراهية القزع والنهي عن الجلوس في الطرقات

- ‌674 - (18) باب تحريم فعل الواصلة والمستوصلة ونظائرهما وذم النساء الكاسيات العاريات والنهي عن التزوير في اللباس وغيره والتشبع بما لم يعط

الفصل: ‌665 - (9) باب كراهية أكل الثوم ونحوه لمن أراد خطاب الأكابر وحضور المساجد وإكرام الضيف وفضل إيثاره والحث على تشريك الفقير الجائع في طعام الواحد وإن كان دون الكفاية

‌665 - (9) باب كراهية أكل الثوم ونحوه لمن أراد خطاب الأكابر وحضور المساجد وإكرام الضيف وفضل إيثاره والحث على تشريك الفقير الجائع في طعام الواحد وإن كان دون الكفاية

5217 -

(2012)(77) حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ (وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى). قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنْ أَبِي أيوبَ الأَنْصَارِيِّ. قَال: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، إِذَا أُتِيَ بِطَعَامٍ، أَكَلَ مِنْهُ وَبَعَثَ بِفَضْلِهِ إِلَيَّ. وإنَّهُ بَعَثَ إِلَيَّ يَوْمًا بِفَضْلَةٍ لَمْ يَأكُلْ مِنْهَا

ــ

665 -

(9) باب كراهية أكل الثوم ونحوه لمن أراد خطاب الأكابر وحضور المساجد وإكرام الضيف وفضل إيثاره والحث على تشريك الفقير الجائع في طعام الواحد وإن كان دون الكفاية

5217 -

(2012)(77)(حدثنا محمَّد بن المثنى وابن بشار واللفظ لابن المثنى قالا حدثنا محمَّد بن جعفر حدثنا شعبة عن سماك بن حرب) بن أوس الذهلي الكوفي، صدوق، من (4) روى عنه في (14) بابا (عن جابر بن سمرة) بن جنادة السوائي الكوفي، الصحابي بن الصحابي رضي الله عنهما (عن أبي أيوب الأنصاري) النجاري خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة المدني رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته، وفيه رواية صحابي عن صحابي (قال) أبو أيوب (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتي بطعام أكل منه وبعث بفضله) أي بما فضل منه (إليّ) لآكله (وكان ذلك أثناء إقامته) صلى الله عليه وسلم في دار أبي أيوب في أوائل هجرته، واستدل به القاضي عياض على أن من أدب الأكل والشرب أن يبقي الآكل والشارب بقية ولكنه مقيد بما إذا كان غيره ينظر أكله ولا سيما من يتبرك بفضله وربما يبعث المضيف إلى الضيف جميع ما عنده ويريد أن لا يطعم أهله إلا مما يفضل بعد أكل الضيف وحينئذ ينبغي للضيف أن يبقي لهم من طعامه، وأما إذا خيف على البقية ضياعها وإسرافها كما هو المعروف في زماننا عند المترفهين فالأحسن أن لا يبقي في الإناء بقية، وهو محمل أحاديث لعق الإناء كما مر، وفيه دلالة على جواز التبرك بفضلة أهل الورع وآثارهم اهـ (وانه بعث إلي يومًا بفضلة) أكل منها غيره ممن كان معه من الخدم ورفيقه أبي بكر ولكن (لم يأكل منها) رسول الله

ص: 254

وإن فِيهَا ثُومًا. فَسَأَلْتُهُ: أَحَرَامٌ هُوَ؟ قَال: "لَا. وَلكِنِّي أكرَهُهُ مِنْ أَجْلِ رِيحِهِ".

قَال: فَإِنِّي أَكْرَهُ مَا كَرِهْتَ.

5218 -

(00)(00) وحدّثنا محمدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ شُعْبَةَ، في هذَا الإِسْنَادِ.

5219 -

(00)(00) وحدّثني حَجَّاجُ

ــ

صلى الله عليه وسلم (لأن فيه ثومًا فسألته) صلى الله عليه وسلم عن سبب ترك أكله فقلت له (أحرام هو؟ ) أي الثوم فـ (قال) لي (لا) أي ليس بحرام أكله (ولكني كرهه) أي أكره أكله (من أجل ريحه) الكريه (قال) أبو أيوب (فإني أكره ما كرهت) يا رسول الله، وهذا صريح في عدم حرمته وأصرح منه ما أخرج البخاري في الصلاة [855] عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من أكل ثومًا أو بصلًا فليعتزلنا" أو قال "فليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته" وإن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بقدر فيه خضروات من بقول فوجد لها ريحًا فسأل فأخبر بما فيها من البقول فقال قربوها إلى بعض أصحابه كان معه فلما رآه كره أكلها قال: "كل فإني أناجي من لا تناجي" فأفاد هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتجنب الثوم من أجل كراهته الطبيعية لريحه، ومن أجل أنه صلى الله عليه وسلم كان يكره أن يناجي ربه أو يخاطب ملائكته وفي فيه رائحة ثوم أو بصل وإلى هذا أشار الراوي في آخر الرواية الآتية "وكان صلى الله عليه وسلم يؤتى"، قال النووي: وهذا الحديث صريح في إباحة الثوم وهو مجمع عليه لكن يكره لمن أراد حضور المسجد أو حضور جمع في غير المسجد أو مخاطبة الكبار، ويلحق بالثوم كل ما له رائحة كريهة، وقد سبقت المسألة مستوفاة في كتاب الصلاة والله أعلم اهـ نووي. وهذا الحديث مما انفرد به الإِمام مسلم رحمه الله تعالى.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي أيوب رضي الله عنه فقال:

5218 -

(00)(00)(وحدثنا محمَّد بن المثنى حديثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن شعبة في هذا الإسناد) أي بهذا الإسناد يعني عن سماك عن جابر عن أبي أيوب، غرضه بيان متابعة يحيى القطان لمحمد بن جعفر.

ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثانيًا فقال:

5219 -

(00)(00)(وحدثني حجاج) بن يوسف الثقفي البغدادي المعروف

ص: 255

ابْنُ الشاعِرِ وَأَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ صَخْرٍ (وَاللَّفْظُ مِنْهُمَا قَرِيبٌ) قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ. حَدَّثَنَا ثَابِت (في رِوَايَةِ حَجَّاجٍ: ابْنُ يَزِيدَ أبُو زَيدٍ الأَحْولُ). حَدَّثَنَا عَاصِمُ عنْ عَبْدِ الله بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَفْلَحَ، مَوْلَى أَبِي أيوبَ، عَنْ أبي أيوبَ؛ أَن النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَزَلَ عَلَيهِ. فَنَزَلَ النبي صلى الله عليه وسلم في السفْلِ

ــ

بـ (ابن الشاعر) ثقة، من (11)(وأحمد بن سعيد بن صخر) الدارمي أبو جعفر النيسابوري، ثقة، من (11)(واللفظ) من كل (منهما قريب) إلى لفظ الآخر (قالا حدثنا) محمَّد بن الفضل السدوسي (أبو النعمان) البصري الملقب بعارم، ثقة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا ثابت) بن يزيد (في رواية حجاج) بن الشاعر حدثنا ثابت (بن يزيد) البصري (أبو زيد الأحول) روى عن عاصم الأحول في الأطعمة، وسليمان التيمي وهلال بن خباب، ويروي عنه (ع) وأبو النعمان عارم بن الفضل وعبد الصمد وصفان وأبو داود، وثقه ابن معين وأبو حاتم، وزاد أبو حاتم: أوثق من عبد الأعلى وأحفظ من عاصم الأحول، وقال النسائي وأبو زرعة: ليس به بأس، وقال ابن عبد البر: صدوق، وقال في التقريب: ثقة ثبت، من السابعة، مات سنة (169) تسع وستين ومائة (حدثنا عاصم) بن سليمان الأحول البصري التميمي، ثقة، من (4) روى عنه في (17) بابا منها أنه روى عن عبد الله بن الحارث في الأطعمة، ويروي عنه ثابت بن يزيد أبو زيد الأحول (عن عبد الله بن الحارث) الأنصاري أبي الوليد البصري نسيب محمَّد بن سيرين، روى عنه في (4) أبواب منها أنه روى عن أفلح مولى أبي أيوب في الأطعمة، ويروي عنه عاصم الأحول (عن أفلح مولى أبي أيوب) الأنصاري كنيته أبو يحيى ويقال أبو عبد الرحمن ويقال أبو كثير المدني، كان من سبي عين التمر الذي سبى خالد بن الوليد له دار بالمدينة، قتل يوم الحرة سنة ثلاث وستين (63) روى عن مولاه أبي أيوب الأنصاري في الأطعمة، وزيد بن ثابت، ويروي عنه (م) وعبد الله بن الحارث وثقه العجلي وابن سعد، وقال في التقريب: ثقة، من (2) مات سنة (63) ثلاث وستين (عن أبي أيوب) الأنصاري رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة أفلح مولى أبي أيوب لجابر بن سمرة (أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل عليه) أي علي أبي أيوب في داره مقدمه المدينة (فنزل النبي صلى الله عليه وسلم في السفل) بضم السين وكسرها مع سكون الفاء أي في سفل دار أبي أيوب أي في الدور الأرضي، وإنما نزل

ص: 256

وَأَبُو أَيوبَ في الْعُلْو. قَال فَانْتَبَهَ أبُو أيوبَ لَيلَةً فَقَال: نَمْشِي فَوْقَ رأسِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم! فَتَنَحَّوْا. فَبَاتُوا في جَانِب. ثُمَّ قَال للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم. فَقَال النبي صلى الله عليه وسلم: "السُّفْلُ أَرْفَقُ" فَقَال: لَا أعْلُو سَقِيفَةً أَنْتَ تَحْتَهَا. فَتَحَوَّلَ النبي صلى الله عليه وسلم في الْعُلْو وَأَبُو أيوبَ في السُّفْلِ. فَكَانَ يَصْنَعُ للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم طَعَامًا. فَإِذَا جِيءَ بِهِ إِلَيهِ سَأَلَ عَنْ مَوْضِعِ أَصَابِعِهِ. فَيَتَتَبَّعُ مَوْضِعَ أَصَابِعِهِ

ــ

النبي صلى الله عليه وسلم أولًا في السفل لأنه أرفق له صلى الله عليه وسلم وبالزائرين له كما في النووي (وأبو أيوب) ساكن (في العلو) أي في علو داره (قال) أفلح مولى أبي أيوب (فانتبه) أي استيقظ (أبو أيوب) من نومه اليلة) من الليالي (فقال) أبو أيوب (نمشي) بأرجلنا (فوق رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنحوا) أي تنحى أبو أيوب وأهله وتباعدوا وتحولوا عن مرقدهم فوق رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم (فباتوا) أي ناموا في الليل (في جانب) أي في طرف من العلو بعيد عن مقابل رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم) بعد ما أصبح (قال) أبو أيوب (للنبي صلى الله عليه وسلم اطلع أنت يا رسول الله إلى العلو ونحن ننزل إلى السفل (فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي أيوب (السفل أرفق) أي أسهل بنا يعني بذلك من جهة الصعود إلى العلو وبما يلحق في تكرار ذلك من المشقة ومع ذلك فتجشمها النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى صدق أبي أيوب في احترامه وعزمه على أن لا يسكن العلو بوجه فلو لم يجبه إلى ذلك لانتقل منه أبو أيوب إلى موضع آخر وربما تكثر عليه المشقة والحرج فآثر موافقته على المشقة اللاحقة في الصعود اهـ من المفهم (فقال) أبو أيوب (لا أعلو سقيفة) أي لا أنزل علو سقف (أنت تحتها) يا رسول الله (فتحول النبي صلى الله عليه وسلم أي انتقل من السفل الذي كان فيه ونزل (في العلو وأبو أيوب) نزل (في السفل فكان) أبو أيوب (يصنع) أي يطبخ ويصلح (للنبي صلى الله عليه وسلم طعامًا) فيأكل النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من ذلك الطعام ويتركون لأبي أيوب بقية (فإذا جيء به) أي بذلك الطعام الفاضل (إليه) أي إلى أبي أيوب (سأل) من أتى إليه بذلك الفاضل (عن موضع أصابعه) صلى الله عليه وسلم أي عن موضع أصابه أصابع النبي صلى الله عليه وسلم عند أكلهم منه (فـ) إذا أخبره الآتي بالطعام موضع أصابعه صلى الله عليه وسلم (يتتبع) ويطلب (موضع أصابعه)

ص: 257

فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا فِيهِ ثُومٌ. فَلَمَّا رُدَّ إِلَيهِ سَأَلَ عَنْ مَوْضِعِ أَصَابعِ النبي صلى الله عليه وسلم. فَقِيلَ لَهُ: لَمْ يَأكُل. فَفَزعَ وَصَعِدَ إِلَيهِ. فَقَال: أَحَرَامٌ هُوَ؟ فَقَال النبي صلى الله عليه وسلم: "لَا. وَلكِنِّي أَكْرَهُهُ" قَال: فَإِني أَكْرَهُ مَا تَكْرَهُ، أَوْ مَا كَرِهْتَ.

قَال: وَكَانَ النبِي صلى الله عليه وسلم يُؤْتَى

ــ

صلى الله عليه وسلم فيأكل منه يعني إذا أتى إلى أبي أيوب بفضلة الطعام الذي أكل منه النبي صلى الله عليه وسلم يسأل رضي الله عنه عن موضع أصابعه الشريفة ويأكل منه تبركًا به ففيه التبرك بآثار أهل الخير في الطعام وغيره والله أعلم اهـ نووي.

(فصنع) أبو أيوب (له) صلى الله عليه وسلم يومًا (طعامًا فيه ثوم فلما رد) بضم الراء رد الطعام الفاضل بعد أكل النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه (إليه) أي إلى أبي أيوب (سأل) أبو أيوب (عن موضع أصابع النبي صلى الله عليه وسلم عند الأكل منه (فقيل له) أي لأبي أيوب (لم يأكل) منه النبي صلى الله عليه وسلم (ففزع) أبو أيوب وفجع عن عدم أكله صلى الله عليه وسلم لخوفه أن يكون حدث منه أمر أوجب الامتناع من طعامه (وصعد) أبو أيوب (إليه) صلى الله عليه وسلم في العلو (فقال) أبو أيوب للنبي صلى الله عليه وسلم (أحرام هو؟ ) أي الثوم أم لا، فلم تركت أكل الطعام؟ (فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا) أي ليس الثوم حرامًا أكله (ولكني) أي ولكن أنا (أكرهه) أي أكره أكل الثوم فـ (قال) أبو أيوب (فإني كره ما تكره) يا رسول الله (أو) قال أبو أيوب فإني أكره (ما كرهت) يا رسول الله، والشك من أفلح أو ممن دونه ففيه منقبة عظيمة لأبي أيوب رضي الله عنه فإنه مشعر بكمال اتباع محبوبه ومن حق المحب أن يتبع محبوبه فيما يحب ويكره كما قال تعالى:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} الآية (قال) أبو أيوب (وكان النبي صلى الله عليه وسلم يؤتى) بالبناء للمجهول أي تأتي إليه الملائكة والوحي كما جاء في الحديث الآخر (فإني أناجي من لا تناجي وإن الملائكة تتأذى بما يتأذى به بنو آدم) وكان النبي صلى الله عليه وسلم يترك الثوم دائمًا لأنه يتوقع مجيء الملائكة والوحي كل ساعة اهـ نووي فيخاطبهم فيكره أن تكون رائحة الثوم في فيه.

وقال العيني في العمدة [3/ 216] والذي ذكرنا من كراهة دخول المسجد بعد أكل الثوم، في الثوم النبي لأجل رائحته، وأما الثوم المطبوخ منه فلا يكره لما روى

ص: 258

5220 -

(2013)(78) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ فُضَيلِ بْنِ غَزْوَانَ، عَنْ أَبِي حَازِم الأشْجَعِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقَال: إِنِّي مَجْهُودٌ. فَأرْسَلَ إِلَى بَعْضِ نِسَائِهِ. فَقَالتْ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ! مَا عِنْدِي إلا مَاءٌ

ــ

أبو داود عن علي رضي الله عنه قال: نهى عن أكل الثوم إلا مطبوخًا، ورُوي أيضًا من حديث معاوية بن قرة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن هاتين الشجرتين وقال:"من أكلهما فلا يقربن مسجدنا" وقال: "إن كنتم لا بد أكليهما فأميتوهما طبخًا" فظهر أن أكله نيئًا يكره للجميع ويكره معه دخول المسجد، أما إذا كان مطبوخًا فلا بأس بأكله اهـ.

ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة أعني إكرام الضيف. بإيثاره بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

5220 -

(2013)(78)(حدثني زهير بن حرب حدثنا جرير بن عبد الحميد) الضبي الكوفي (عن فضيل بن غزوان) بن جرير الضبي الكوفي (عن أبي حازم) سلمان (الأشجعي) الكوفي مولى عزة، ثقة، من (3)(عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم (إني مجهود) أي مصاب بالجهد وهو المشقة والحاجة وسوء العيش والجوع، قال ابن الملقن: إن في المعجم الأوسط للطبراني أنه أبو هريرة راوي الحديث اهـ تنبيه المعلم (فأرسل) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إلى بعض نسائه) لم أر من ذكر اسمها واسم التي بعدها فقال لها: هل عندكم شيء من طعام؟ (فقالت) تلك المرأة (والذي بعثك بالحق) أي أقسم لك بالإله الذي أرسلك بالدين الحق (ما عندي) شيء من الطعام (إلا ماء) نشربه (ثم أرسل) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إلى أخرى) من نسائه (فقالت) هذه الثانية (مثل ذلك) أي مثل ما قالت الأولى يعني قولها ما عندي إلا ماء، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جميع نسائه واحدة بعد واحدة (حتى قلن كلهن مثل ذلك) أي مثل ما قالت الأولى يعني قولها (لا) أي ما عندي شيء (والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء) كررت أداة النفي للتأكيد، قال القرطبي: "وقول

ص: 259

ثُمَّ أَرْسَلَ إلى أُخْرَى. فَقَالتْ مِثْلَ ذلِكَ. حَتَّى قُلْنَ كُلُّهُنَّ مِثْلَ ذلِكَ: لَا. وَالذي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا عِنْدِي إلا مَاءٌ. فَقَال:"مَنْ يُضِيفُ هذَا، اللَّيلَةَ، رحمه الله" فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الأنصَارِ فَقَال: أنا. يَا رَسُولَ الله، فَانْطَلَقَ

ــ

أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليس عندنا إلا ماء" يدل على شدة حالهم وضيق معيشتهم وكان هذا والله أعلم في أول الأمر، وأما بعد ذلك لما فتحت خيبر فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحبس لأهله قوت سنتهم، ويحتمل أن يكون بعد ذلك وأن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن يتصدقن بما كان عندهن ويؤثرن غيرهن بذلك ويبقين على ما يفتح الله تعالى ولا يطلبن من النبي صلى الله عليه وسلم لسقوط ذلك عنه بالذي دفع لهن اهـ من المفهم (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (من يضيف هذا) المجهود، من أضاف الرباعي أي من يعطي الضيافة لهذا الرجل المجهود هذه (الليلة) المستقبلة، فمن اسم موصول في محل الرفع على الابتداء خبره جملة رحمه الله تعالى أي جازاه على إحسانه إليه بالرحمة الواسعة، بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه وأهله فلما لم يجد في بيته شيئًا يواسيه به رغب غيره في مساعدته وهذا حكم المواساة في الشدائد أن يساعد الرجل المجهودين بنفسه فإن لم يستطع حولهم إلى غيره (فقام رجل من الأنصار) قال الخطيب: هذا الرجل ثابت بن قيس بن شماس، وقيل أبو طلحة ولا أراه أبا طلحة زيد بن سهل بل رجل آخر يكنى أبا طلحة، وفي (م) فيما سيأتي أن الرجل يقال له أبو طلحة وقيل عبد الله بن رواحة اهـ تنبيه المعلم، والصواب كما سيأتي في رواية ابن فضيل أنه أبو طلحة الأنصاري رضي الله عنه ولفظها: فقام رجل من الأنصار يقال له أبو طلحة، واستظهر الخطيب كما حكى عنه الحافظ في الفتح أنه غير أبي طلحة زيد بن سهل المشهور وفإنّه استبعد ذلك من وجهين؛ أحدهما أن أبا طلحة زيد بن سهل رجل مشهور لا يحسن أن يقال فيه فقام رجل يقال له أبو طلحة، والثاني أن سياق القصة يشعر بأنه كان من المعسرين حتى احتاج إلى إطفاء السراج مع أن أبا طلحة زيد بن سهل كان من أكثر الأنصار مالًا. ويمكن الجواب عن الأول أن شهرة أبي طلحة لا تمنع من أن يقال فيه رجل من الأنصار، وعن الثاني بأن المال غادٍ ورائح فلا يمنع كون أبي طلحة من المياسير أن تمر عليه ليلة وفي طعامه قلة والله سبحانه وتعالى أعلم (فقال) ذلك الرجل القائم (أنا) مضيفه (يا رسول الله فانطلق) أي ذهب هذا الرجل القائم

ص: 260

بِهِ إلى رَحْلِهِ. فَقَال لامْرَأَتِهِ: هَل عِنْدَكِ شَيءٌ؟ قَالتْ: لَا. إلا قُوتُ صبْيَانِي. قَال: فَعَلِّلِيهِمْ بِشَيءِ. فَإذَا دَخَلَ ضَيفُنَا فَأَطْفِئِي السِّرَاجَ وَأَرِيهِ أَنَّا نَأْكُلُ. فَإِذَا أَهْوَى لِيَأكُلَ فَقُومِي إِلَى السِّرَاجِ حَتى تُطْفِئِيهِ. قَال: فَقَعَدُوا وَأَكَلَ الضيفُ

ــ

(به) أي بذلك المجهود (إلى رحله) أي منزله ورحل الإنسان هو منزله من حجر أو مدر أو شعر أو وبر اهـ نووي (فقال) الرجل المضيف (لامرأته) إن كان الرجل المضيف أبا طلحة زيد بن سهل وهو الصواب كما مر آنفًا فامرأته هي أم سليم سهلة بنت ملحان أم أنس بن مالك، وإن كان أبا طلحة الثاني فذكرت المختلعات منه في التوضيح وإن كان عبد الله بن رواحة فلا أعرف اسم زوجته اهـ من التنبيه (هل عندك شيء) من الطعام (قالت) امرأته (لا) أي ما عندنا شيء منه (إلا قوت صبياني) وعشاؤهم (قال) الرجل لامرأته (فعلليهم) أي فعللي الصبيان (بشيء) من العلل والأسباب أي اذكري لهم سببًا يهيجهم ويحثهم على النوم كقولها لهم جاء عندنا هذه الليلة ضيف عظيم يحترم أو هائل يضرب الصبيان أو لم أهيئ لكم العشاء فناموا حتى أهيئ لكم العشاء وهذا محمول على أن الصبيان لم يكونوا محتاجين إلى الأكل بحيث يضرهم ترك الأكل إذ لو كانوا محتاجين لوجب تقديمهم على الضيف ويدل على ذلك ثناء الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم عليهم، وأما الرجل والمرأة فرضيا بذلك وآثرا على أنفسهما اهـ من الأبي (فهذا دخل ضيفنا) البيت (فاطفئي السراج) والصواب ما في رواية البخاري (فأصبحي السراج) أي أوقدي السراج (وأريه) أي أري الضيف من الإراءة أي أريه (أنا نأكل) معه، وذلك لأن الضيف إن علم أن مضيفه لا يأكل ربما امتنع من الأكل أو أكل قليلًا وذلك من فرط إيثاره رضي الله عنه وحسن سياسته (فهذا أهوى) الضيف يده ومدها وأمالها إلى الطعام (ليأكلـ) ـه، وفي اللغة يقال أهوى بيده أمالها لشيء يأخذه (فقدمي إلى السراج حتى تطفئيه) وفي رواية للبخاري (هيئي طعامك وأصبحي سراجك ونومي صبيانك إذا أرادوا عشاء، فهيأت طعامها وأصبحت سراجها ونؤمت صبيانها ثم قامت كأنها تصلح سراجها فأطفأته فجعلا يريانه أنهما يأكلان فباتا طاويين)(قال) أبو هريرة راوي الحديث (فقعدوا) أي فقعد الرجل وامرأته والصواب (فقعدا) بألف التثنية كما تدل عليه رواية البخاري وسياق الكلام أو المراد بالجمع ما فوق الواحد أي جلسنا معه بلا أكل (وأكل الضيف

ص: 261

فَلَمَّا أصْبَحَ غَدَا عَلَى النبي صلى الله عليه وسلم. فَقَال: "قَدْ عَجِبَ الله من صَنِيعِكُمَا بِضَيفِكُمَا اللَّيلَةَ".

5221 -

(00)(00) حدثنا أبُو كُرَيبٍ، مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ فُضَيلِ بْنِ غَزْوَانَ، عَنْ أبي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأنْصَارِ بَاتَ بِهِ

ــ

فلما أصبح) الرجل المضيف (غدا) أي بكر (على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم (قد عجب الله) سبحانه وتعالى عجبًا يليق به عز وجل، والعجب هنا صفة ثابتة لله تعالى نثبتها ونعتقدها لا نكيفها ولا نمثلها ليس كمثله شيء وهو السميع البصير (من صنيعكما بضيفكما الليلة) أي البارحة، والمقصود أن الله تعالى رضي عملكما وجازاكما عليه.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [3798] ، وأبو داود [3748] ، والترمذي [1976] ، وابن ماجه [3675].

قال النووي: وهذا الحديث مشتمل على فوائد كثيرة منها ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته من الزهد في الدنيا والصبر على الجوع وضيق حال الدنيا، ومنها أنه ينبغي لكبير القوم أن يبدأ في مواساة الضيف ومن يطرقهم بنفسه فيواسيه من ماله أولًا بما يتيسر إن أمكنه ثم يطلب له على سبيل التعاون على البر والتقوى من أصحابه، ومنها المواساة في حال الشدائد، ومنها فضيلة إكرام الضيف وإيثاره، ومنها منقبة لهذا الأنصاري وامرأته رضي الله عنهما، ومنها الاحتيال في إكرام الضيف إذا كان يمتنع منه رفقًا بأهل المنزل لقوله أطفئي السراج وأريه فإنه لو رأى قلة الطعام وأنهما لا

يأكلان لامتنع من الأكل إلى غير ذلك اهـ منه.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

5221 -

(00)(00)(حدثنا أبو كريب محمَّد بن العلاء) الهمداني الكوفي (حدثنا وكيع) بن الجراح بن مليح الرؤاسي الكوفي (عن فضيل بن غزوان) بن جرير الضبي الكوفي (عن أبي حازم) سلمان الأشجعي الكوفي (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة وكيع لجرير بن عبد الحميد في الرواية عن فضيل بن غزوان (أن رجلًا من الأنصار) هو أبو طلحة زيد بن سهل كما مر (بات به) أي عنده

ص: 262

ضَيفٌ، فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إلا قُوتُهُ وَقُوتُ صِبْيَانِهِ. فَقَال لامْرَأَتِهِ: نَوِّمِي الصِّبْيَةَ وَأَطْفِئِي السِّرَاجَ وَقَرِّبِي لِلضَّيفِ مَا عِنْدَكِ. قَال: فَنَزَلَتْ هذِهِ الآيَةُ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9].

5222 -

(00)(00) وحدّثناه أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: جَاءَ رَجُلٌ إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم لِيُضِيفَهُ. فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا يُضِيفُهُ. فَقَال: "أَلا رَجُلٌ يُضِيفُ هذَا، رحمه الله" فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أَبُو طَلْحَةَ. فَانطَلَقَ بِهِ إلى رَحْلِهِ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْو حَدِيثِ جَرِيرٍ. وَذَكَرَ فِيهِ نُزُولَ الآيَةِ كَمَا ذَكَرَهُ وَكِيعٌ

ــ

(ضيف) من فقراء المسلمين (فلم يكن عنده إلا قوته وقوت صبيانه فقال لامرأته) أم سليم (نومي الصبية) جمع صبي وصبية (وأطفئي السراج وقربي) أي قدمي (للضيف ما عندك) من الطعام (قال) أبو هريرة (فنزلت هذه الآية) المذكورة فيه وفي امرأته يعني قوله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} .

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

5222 -

(00)(00)(وحدثناه أبو غريب حدثنا) محمَّد (بن فضيل) بن غزوان (عن أبيه) فضيل بن غزوان (عن) سلمان الأشجعي (أبي حازم) الكوفي (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة محمَّد بن فضيل لجرير بن عبد الحميد (قال) أبو هريرة (جاء رجل) مجهود (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليضيفه) أي ليطعمه (فلم يكن عنده) صلى الله عليه وسلم (ما يضيفه) أي ما يطعمه (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن عنده (ألا) حرف استفتاح وتنبيه (رجل) مبتدأ (يضيف) أي يطعم (هذا) المجهود خبره رحمه الله تعالى كما مر أو الهمزة للاستفهام ولا نافية أي أما فيكم رجل يضيف هذا فيرحمه الله تعالى:(فقام رجل من الأنصار يقال له أبو طلحة) زيد بن سهل فأخذه (فانطلق) أي ذهب (به إلى رحله وساق) أي ذكر محمَّد بن فضيل (الحديث) السابق (بنحو حديث جرير وذكر) محمَّد بن فضيل (فيه) أي في الحديث (نزول الآية) السابقة (كما ذكره) أي كما ذكر نزول الآية (وكيع) بن الجراح،

ص: 263

5223 -

(2014)(79) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي لَيلَى، عَنِ الْمِقْدَادِ،

ــ

أي فنزلت هذه الآية السابقة مدحًا للأنصاري وامرأته وثناء عليهما حيث نوما صبيانهما لعدم احتياجهم وإن كانوا طالبين الطعام على عادة الصبيان فعلى هذا لم يتركا الواجب عليهما بل أحسنا وأجملا رضي الله تعالى عنهما، وأما الضيف فآثراه على أنفسهما مع احتياجهما وخصاصتهما وهذه منقبة عظيمة لهما ولهذا مدحهما الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ففيه فضيلة الإيثار والحث عليه، وقد أجمع العلماء على فضيلة الإيثار بالطعام ونحوه من أمور الدنيا وحظوظ النفس، وأما القربات فالأفضل أن لا يؤثر بها لأن الحق فيها لله تعالى والله أعلم اهـ ذهني. وقوله (فنزلت هذه الآية) وهذا هو الأصح في سبب نزول هذه الآية، وعند ابن مردويه من طريق محارب بن دثار عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما (أهدي لرجل رأس شاة فقال إن أخي وعياله أحوج منا إلى هذا فبعث به إليه فلم يزل يبعث به واحد إلى آخر حتى رجعت إلى الأول بعد سبعة بنزلت الآية) ويحتمل أن تكون الآية نزلت بسبب ذلك كله، وقوله:{وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} أي حاجة وهو من خصاص البيت وهو ما بين عيدانه من الفرج والفتوح كما في روح المعاني وذلك يدل على إفلاس صاحب البيت اهـ والله أعلم.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث المقداد بن الأسود رضي الله عنهما فقال:

5223 -

(2014)(79)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا شبابة بن سوار) المدائني الفزاري مولاهم، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا سليمان بن المغيرة) القيسي مولاهم أبو سعيد البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (9) أبواب (عن ثابت) بن أسلم بن موسى البناني مولاهم البصري، ثقة، من (4)(عن عبد الرحمن بن أبي ليلى) يسار الأنصاري الأوسي الكوفي، ثقة، من (2) روى عنه في (9) أبواب (عن المقداد) بن الأسود البهراني الكندي حلفًا، وكان في الأصل ابنًا لعمرو بن ثعلبة وقد لحق أبوه بحضرموت وقدم المقداد إلى مكة فتبناه الأسود بن عبد يغوث فنسب إليه فلما نزلت (ادعوهم لآبائهم) قيل له المقداد بن عمرو، واشتهرت شهرته بابن الأسود، أسلم

ص: 264

قَال: أَقْبَلْتُ أَنَا وَصَاحِبَانِ لِي. وَقَدْ ذَهَبَتْ أَسْمَاعُنَا وَأبْصَارُنَا مِنَ الْجَهْدِ. فَجَعَلْنَا نَعْرِضُ أَنْفُسَنَا عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. فَلَيسَ أَحَدْ مِنْهُمْ يَقْبَلُنَا. فَأَتَينَا النبي صلى الله عليه وسلم فَانْطَلَقَ بنَا إلى أَهْلِهِ. فَإِذَا ثَلاثَةُ أَعْنُزٍ. فَقَال النبي صلى الله عليه وسلم: "احْتَلِبُوا هذا اللبَنَ بَينَنَا". قَال: فَكُنا نَحتَلِبُ فَيَشْرَبُ كُل إِنْسَانٍ منا نَصِيبَهُ. وَنَرْفَعُ لِلنَّبِي صلى الله عليه وسلم نَصِيبَهُ. قَال: فَيَجِيءُ مِنَ الليلِ فَيُسَلِّمُ تَسْلِيمًا

ــ

قديمًا، وزوجه النبي صلى الله عليه وسلم ابنة عمه ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب، وهاجر الهجرتين، وشهد بدرًا وما بعدها رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (قال) المقداد (أقبلت) أي جئت (أنا وصاحبان لي) لم أر من ذكر اسمهما إلى مجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (وقد ذهبت أسماعنا وأبصارنا) أي ضعفت حتى قاربت الذهاب (من الجهد) بفتح الجيم بمعنى المشقة والتعب والجوع أي قاربت الذهاب لأجل شدة الجوع وذهاب الأسماع والأبصار كناية عن شدة الجوع، والمراد كاننا لا نسمع ولا نرى شيئًا لأجل شدة الجوع (فجعلنا نعرض أنفسنا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أي نتعرض لهم ليطعمونا وذلك لشدة ما بهم من الجوع والضعف (فليس أحد منهم يقبلنا) أي يطعمنا لكونهم مقلين لا يجدون ما يواسونهم به، قال القرطبي: وظاهر حالهم أن ذلك الامتناع ممن تعرضوا له إنما كان لأنهم ما وجدوا شيئًا يطعمونهم إياه كما اتفق للنبي صلى الله عليه وسلم حيث طلب من جميع بيوت نسائه فلم يجد عندهن شيئًا وإن الوقت كان شديدًا عليهم (فأتينا) معاشر الثلاثة (النبي صلى الله عليه وسلم فانطلق) أي ذهب (بنا) النبي صلى الله عليه وسلم (الي أهله) ومنزلهم (فإذا ثلاثة أعنز) حاضرة جمع عنز نظير كنزٍ وأكنزٍ وهو الأنثى من المعز ويجمع أيضًا على عنوز وعناز بكسر العين كذا في القاموس (فقال) لنا (النبي صلى الله عليه وسلم احتلبوا) لنا هذه الأعنز واقسموا (هذا اللبن) الذي حلبتموه منها (بيننا) أي بيني وبينكم لكل على حدة (قال) المقداد (فكنا) معاشر الثلاثة (نحتلب) اللبن من تلك الأعنز (فيشرب كل إنسان منا نصيبه ونرفع) أي نخبؤ وندخر (للنبي صلى الله عليه وسلم نصيبه) من اللبن بعد القسمة (قال) المقداد (فيجيء) النبي صلى الله عليه وسلم (من) المسجد بعد صلاة العشاء في أوائل (الليل فيسلم) علينا عند الدخول (تسليمًا) متوسطًا بين الرفع والمخافتة بحيث

ص: 265

لَا يُوقِظُ نَائِمًا. وَيُسْمِعُ الْيَقظَانَ. قَال ثُمَّ يَأتِي الْمسْجِدَ فَيُصَلِّي. ثُمَّ يَأتِي شَرَابَهُ فَيَشْرَبُ. فَأَتَانِي الشيطَانُ ذَاتَ لَيلَةٍ، وَقَدْ شَرِبتُ نَصِيبِي. فَقَال: مُحَمَّدٌ يَأْتِي الأنصَارَ فَيُتْحِفُونَهُ، ويصِيبُ عِنْدَهُمْ. مَا بِهِ حَاجَة إلى هذِهِ الْجُرْعَةِ. فَأَتَيتُهَا فَشَرِبْتُهَا. فَلَمَّا أَنْ وَغَلَت

ــ

(لا يوقظ نائمًا ويسمع اليقظان) أي المتيقظ، وهذا فيه آداب السلام على الأيقاظ في موضع فيه نيام أو من في معناهم وأنه يكون سلامًا متوسطًا بين الجهر والمخافتة بحيث يسمع الأيقاظ ولا يهوش على غيرهم، قال القرطبي: فيه دليل على مشروعية السلام عند دخول البيت وقد استحبه مالك وأن ذلك مما ينبغي أن يكون برفق واعتدال (قال) المقداد (ثم) بعد السلام علينا (يأتي) النبي صلى الله عليه وسلم (المسجد) أي مصلاه في البيت (فيصلي) ما قدر له (ثم يأتي شرابه) الذي خبأنا له (فيشربـ) ـه، قال المقداد (فأتاني الشيطان ذات ليلة) أي ليلة من الليالي (و) الحال أني (قد شربت نصيبي) من اللبن المقسوم بيننا (فقال) الشيطان في وسوسته لي (محمَّد يأتي الأنصار) أي يذهب إلى بيوتهم بعد العشاء (فيتحفونه) أي فيتحف الأنصار محمدًا صلى الله عليه وسلم أي يكرمونه ويضيفونه (ويصيب) أي يصيب ويشرب ويطعم (عندهم) أي عند الأنصار يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم ربما يتحفه الأنصار بشيء يسد جوعه فلو شربت نصيبه أمكن له أن يعالج جوعه ويدفعه بما يتحفه الأنصار و (ما به) أي بمحمد (حاجة إلى هذه الجرعة) القليلة، هي بضم الجيم وفتحها حكاهما ابن السكيت وغيره والفعل منه جرعت بفتح الجيم وكسر الراء من باب سمع اهـ أبي، وقال القرطبي: الجرعة بضم الجيم الشربة الواحدة وبالفتح المصدر المحدود اهـ (فأتيتها) أي فأتيت تلك الجرعة التي خبانا له صلى الله عليه وسلم (فشربتها فلما أن وغلت) أن زائدة بعد لما ووغلت بالغين المعجمة المفتوحة من باب وعد، وقال في القاموس: الوغول على وزن الدخول، الدخول في الشيء والاختفاء فيه يقال وغل في الشيء وغولًا إذا دخل فيه اهـ فكل من دخل في شيء فهو واغل فيه، ومنه قول امرئ القيس:

فاليوم أشرب غير مستحقب

إثمًا من الله ولا واغل

يقال وغلت أغل وغولًا ووغلًا وهو ثلاثي، فأما أوغل رباعيًّا فهو بمعنى السير

ص: 266

في بَطنِي، وَعَلِمْتُ أَنَّهُ لَيسَ إِلَيهَا سَبِيلٌ. قَال نَدَّمَنِي الشيطَانُ. فَقَال: ويحَكَ، مَا صَنَعْتَ؟ أَشَرِبْتَ شَرَابَ مُحَمَّدٍ؟ فَيَجِيءُ فَلَا يَجِدُهُ فَيَدْعُو عَلَيكَ فَتَهْلِكُ. فَتَذهَبُ دُنْيَاكَ وَآخِرَتُكَ. وَعَلَيَّ شَمْلَةٌ. إِذَا وَضَعْتُهَا عَلَى قَدَمَي خَرَجَ رَأْسِي، وإذَا وَضَعْتُهَا عَلَى رَأْسِي خَرَجَ قَدَمَايَ. وَجَعَلَ لَا يَجِيئُنِي النومُ. وَأَمَّا صَاحِبَايَ فَنَامَا وَلَمْ يَصْنَعَا مَا صَنَعْتُ. قَال: فَجَاءَ النبي صلى الله عليه وسلم فسلمَ كَمَا كَانَ يُسَلمُ. ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ فَصَلَّى. ثُمَّ أَتَى شَرَابَهُ

ــ

الشديد والإمعان فيه قاله الأصمعي ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق" أي فسر فيه برفق رواه أحمد [3/ 199] أي فلما دخلت تلك الجرعة (في بطني) وتمكنت فيها (وعلمت أنه) أي أن الشأن والحال (ليس) لي (إليها) أي إلى إخرا بها (سبيل) أي طريق (قال) المقداد (ندمني) أي أدخل علي بوسوسته (الشيطان) الندامة على شرب تلك الجرعة (فقال) لي الشيطان في وسوسته (ويحك) يا مقداد أدركك الله بالرحمة والعفو والغفران (ما صنعت) أي أي شيء صنعت، صنعت شيئًا عظيمًا (أشربت شراب محمَّد) ونصيبه من اللبن (فيجيء) أي فيأتي من المسجد (فلا يجده) أي فلا يجد شرابه (فيدعو عليك) بالهلاك (فتهلك فتذهب دنياك و) تحبط (آخرتك) فتكون ممن خسر الدنيا والآخرة (و) كانت (علي شملة) أي كساء صغير وفوطة صغيرة، قال القرطبي: الشملة كساء صغير يشتمل به أي يلتحف به على كيفية مخصوصة قد ذكرناها في كتاب الصلاة اهـ من المفهم. (إذا وضعتها) أي وضعت تلك الشملة (على قدمي) بتشديد الياء مثنى قدم أي على قدمين لي (خرج رأسي) من تحتها (وإذا وضعتها على رأسي خرج قدماي) لفرط صغرها (وجعل) بمعنى كان الثانية أي وكان الشأن (لا يجيئني النوم) أي لا يأتيني ولا يأخذني لشدة ندامتي أو لبرودة جسمي لفقد اللباس الذي يعمه ويشمله (وأما صاحباي فناما ولم يصنعا ما صنعت) من شرب نصيب النبي صلى الله عليه وسلم من اللبن (قال) المقداد (فجاء النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما تأخر في المسجد بعد العشاء لتعليم الناس فدخل البيت (فسلم) علينا (كما كان يسلم) علينا في بقية الليالي أي تسليمًا متوسطًا لا يوقظ النائم ويسمع اليقظان (ثم أتى المسجد) قال القرطبي: يعني به والله أعلم مسجد بيته أي حيث كان يصلي النوافل اهـ أي أتى مصلاه في البيت (فصلى) ما قدر له من صلاة الليل (ثم أتى شرابه) أي موضعه الذي نخبؤ له فيه نصيبه

ص: 267

فَكَشَفَ عَنْهُ فَلَمْ يَجِدْ فِيهِ شَيئًا. فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ. فَقُلتُ: الآنَ يَدْعُو عَلَي فَأَهْلِكُ. فَقَال: "اللهم أَطْعِمْ مَنْ أَطْعَمَنِي. وَأَسْقِ مَنْ أَسْقَانِي" قَال: فَعَمَدْتُ إِلَى الشَّمْلَةِ فَشَدَدْتُهَا عَلَيَّ. وَأَخَذْتُ الشَّفْرَةَ فَانْطَلَقْتُ إِلَى الأعنُزِ أَيهَا أَسْمَنُ فَأَذْبَحُهَا لِرَسُول ِالله صلى الله عليه وسلم. فَإِذَا هِيَ حَافِلَةٌ. وإذَا هُنَّ حُفَّلٌ كُلُّهُن. فَعَمَدْتُ إلى إِنَاءٍ لِآلِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم مَا كَانُوا يَطْمَعُونَ أَنْ يَحْتلِبُوا فِيهِ. قَال: فَحَلبْتُ فِيهِ حَتَّى عَلَتْهُ رُغْوَةٌ

ــ

(فكشف عنه) أي كشف الغطاء عن إناء شرابه (فلم يجد فيه) أي في إنائه (شيئًا) من اللبن (فرفع رأسه إلى السماء فقلت) في قلبي (الآن) أي في هذا الوقت الحاضر (يدعو علي فأهلك) بدعائه (فقال) في دعائه (اللهم أطعم من أطعمني) أي يطعمني (وأسق من أسقاني) أي يسقيني، قال النووي: فيه الدعاء للمحسن والخادم ولمن يفعل خيرًا، وفيه دلالة على ما جبل عليه النبي صلى الله عليه وسلم من العفو والحلم والصبر وإحسان القول وترك الانتقام فإنه لم يسأل عن اللبن ولا ذكر من شربه بسوء (قال) المقداد (فعمدت) أي قصدت (إلى) "تشمير (الشملة) التي علي (فشددتها علي) أي ربطتها على حقوي (وأخذت الشفرة) بفتح المعجمة وسكون الفاء أي السكين (فانطلقت إلى) موضع (الأعنز) لأنظر (أيها أسمن فاذبحها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا هي) أي السمينة منها (حافلة) أي مملوء ضرعها باللبن، وجمعها حفل كما سيأتي وذلك ببركة النبي صلى الله عليه وسلم، وأصل الحفل الاجتماع يقال حفل الماء أو اللبن إذا اجتمع، والضرع الحافل ما اجتمع فيه اللبن (وإذا هن) أي الأعنز (حفل) جمع حافلة أي مملوءات الضروع باللبن (كلهن) أي جميعهن، والمعنى لما فهم المقداد منه صلى الله عليه وسلم الدعاء وطلب أن يفعل الله ذلك معه في الحال عرف أن الله يجيبه ولا يرد دعوته لا سيما عند شدة الحاجة والفاقة فقدم لينظر له شيئًا تكون به إجابة دعوته فوجد الأعنز حفلًا أي ممتلئات الضروع باللبن كما قال (فعمدت) أي قصدت (إلى إناء لآل محمَّد صلى الله عليه وسلم أي لأهله (ما كانوا يطمعون) أي يرجون (أن يحتلبوا فيه) لكبره مع قلة اللبن عندهم (قال) المقداد فأخذت ذلك الإناء (فحلبت) اللبن (فيه) أي في ذلك الإناء (حتى علته) أي علت ذلك الإناء وارتفعت على فيه (رغوة) أي زيد لملئه من اللبن، والرغوة بفتح الراء وكسرها وضمها مع سكون الغين المعجمة ثلاث لغات مشهورات زيد اللبن

ص: 268

فَجِئْتُ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقَال: "أَشَرِبْتُمْ شَرَابَكُمُ اللَّيلَةَ؟ " قَال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، اشْرَبْ. فَشَرِبَ ثُمَّ نَاوَلَنِي. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، اشْرَبْ. فَشَرِبَ ثُمَّ نَاوَلَنِي. فَلَمَّا عَرَفتُ أَن النبِي صلى الله عليه وسلم قَدْ رَويَ، وَأَصَبْتُ دعْوَتَهُ، ضَحِكْتُ حَتَّى ألْقِيتُ إِلَى الأرضِ. قَال فَقَال النبِي صلى الله عليه وسلم:"إِحْدَى سَوآتِكَ يَا مِقْدَادُ"

ــ

الذي يعلوه عند الحلب أو الصب ويقال له الرغاوة أو الرغاية أيضًا (فجئت) باللبن المحلوب (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (أشربتم شرابكم الليلة) فقلت له: نعم (قال) المقداد: فـ (قلت يا رسول الله اشرب) هذا اللبن (فشرب) منه (ثم ناولني) أي أعطاني الفاضل منه (فقلت) له (يا رسول الله اشرب) منه مرة ثانية (فشرب) منه مرة ثانية (ثم ناولني) أي أعطاني الفاضل (فلما عرفت) وتيقنت (أن النبي صلى الله عليه وسلم قد روي) وشبع من اللبن، يقال روي يروى من باب رضي يرضى إذا كان في الشرب، وروى يروي من باب رمى يرمي إذا كان في إخبار الحديث وروايته، وفي هذا الحديث من دلائل النبوة ما لا يخفى أي فلما عرفت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد روي من اللبن (وأصبت) أي وفقت وحصلت (دعوته) بقوله وأسق من أسقاني (ضحكت) ضحكًا كثيرًا فرحًا بما فعلت ووفقت (حتى ألقيت) أي رميت (إلى الأرض) وسقطت عليها لكثرة ضحكي، وقوله (حتى ألقيت) بالبناء للمفعول في أكثر النسخ، وفي بعضها (القيت إلى الأرض) بالبناء للفاعل أي حتى ألقيت نفسي إلى الأرض من شدة الضحك، وسبب ضحكه سروره وزوال حزنه وذلك أنه كان عنده حزن شديد خوفًا من أن يدعو عليه النبي صلى الله عليه وسلم لكونه أذهب نصيبه وتعرض لأذاه فلما علم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد روي وكان قبل ذلك دعا لمن أرواه بقوله:"اللهم أطعم من أطعمني وأسق من أسقاني" تبين للمقداد أنه صار معرضًا لدعاء النبي صلى الله عليه وسلم له لا عليه ففرح بذلك وضحك لانقلاب ما كان يخافه إلى ما يسره ولظهور معجزة النبي صلى الله عليه وسلم بين يديه، ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم منه ذلك كره ذلك وقال له إحدى .. إلخ (قال) المقداد (فقال) لي (النبي صلى الله عليه وسلم إحدى سوآتك يا مقداد) وإحدى خبر لمبتدإ محذوف تقديره أي فقال لي النبي صلى الله

ص: 269

فقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، كَانَ مِنْ امْرِي كَذَا وَكَذَا. وَفَعَلْتُ كَذَا. فَقَال النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:"مَا هذِهِ إلا رَحْمَة مِنَ الله. أَفَلا كُنْتَ آذَنْتَنِي، فَنُوقِظَ صَاحِبَينَا فَيُصِيبَانِ مِنْهَا" قَال فَقُلتُ: وَالذي بَعَثَكَ بِالْحَق، مَا أُبَالِي إِذَا أَصَبْتَهَا وَأصَبْتُهَا مَعَكَ، مَنْ أَصَابَهَا مِنَ النَّاسِ

ــ

عليه وسلم هذه الضحكة الشديدة حالة سيئة من جملة حالاتك التي تسوء وتعيب لك يا مقداد منكرًا لها عليه لأن كثرة الضحك تميت القلب كما قاله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر أخرجه الترمذي [4217] قال المقداد (فقلت) له صلى الله عليه وسلم في جواب ما قاله لي (يا رسول الله كان من أمري كذا وكذا وفعلت كذا) من شرب نصيبه من اللبن (فقال) لي (النبي صلى الله عليه وسلم ما هذه إلا رحمة) ونعمة صادرة (من الله) تعالى أي فلما أخبره المقداد بما جرى له وبما أجاب الله من دعوته قال النبي صلى الله عليه وسلم "ما هذه إلا رحمة من الله" معترفًا بفضل الله تعالى وشاكرًا لنعمته ومقرًا بمنته فله الحمد أولًا وآخرًا وباطنًا وظاهرًا اهـ من المفهم.

وحاصل ما في هذا المقام من قوله: (ضحكت حتى سقطت على الأرض إلى قوله هذه رحمة من الله) أن ضحكه رضي الله عنه كان من كمال سروره وزوال حزنه لأنه لما شرب نصيبه صلى الله عليه وسلم خاف أشد الخوف من دعائه صلى الله عليه وسلم ولما قال صلى الله عليه وسلم: اللهم أطعم من الخ، وعلم رضي الله عنه أن دعاءه صلى الله عليه وسلم مستجاب زال حزنه وخوفه وسر أشد سرور ولهذا ضحك إلى أن يسقط على الأرض، ولما قال صلى الله عليه وسلم: إحدى سوآتك يا مقداد؛ أي إنك فعلت سوأة من الفعلات السيئة فما هي أي فما سببها أخبره خبره فقال صلى الله عليه وسلم: "ما هذه إلا رحمة من الله تعالى" اهـ خلاصة ما قاله الشراح والله أعلم.

ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم (أ) وقعت لك هذه النعمة العظيمة من درور اللبن من الأعنز الهزال (فلا كنت آذنتني) أي أعلمتني هذه النعمة (فنوقظ صاحبينا) النائمين (فيصيبان) أي فيشربان (منها) أي من هذه النعمة نعمة اللبن معنا (قال) المقداد (فقلت) له صلى الله عليه وسلم (والذي بعثك بالحق ما أبالي) ولا أكترث (إذا أصبتها) أي شربتها أنت (وأصبتها) أي شربتها أنا (معك من أصابها) أي لا أبالي من شربها ومن لم يشربها (من الناس) إذا شربت أنت وأنا أي ما يسرني شرب غيرك ولا يحزنني عدم شربه.

ص: 270

5224 -

(00)(00) وحدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيلٍ.

حَدَّثنَا سُلَيمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، بِهذَا الإِسْنَادِ.

5225 -

(2015)(80) وحدّثنا عُبَيدُ الله بْنُ مُعَاذِ الْعَنْبَرِيُّ وَحَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَاويُّ ومحمدُ بْنُ عَبْدِ الأعْلَى. جَمِيعًا عَنِ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيمَانَ (وَاللَّفْظُ لابْنِ مُعَاذٍ). حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ. حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ (وَحَدَّثَ أَيضًا)، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ

ــ

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 3] ، والترمذي في الاستئذان باب كيف السلام [9/ 27].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:

5224 -

(00)(00)(وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (أخبرنا النضر بن شميل) المازني أبو الحسن البصري ثم الكوفي، نزيل مرو، ثقة، من (9)(حدثنا سليمان ابن المغيرة) القيسي البصري، ثقة، من (7)(بهذا الإسناد) يعني عن ثابت، عن ابن أبي ليلى، عن المقداد (مثله) غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة النضر بن شميل لشبابة بن سوار.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث عبد الرحمن ابن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم فقال:

5225 -

(2015)(80)(وحدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري وحامد بن عمر) بن حفص بن عمر بن عبيد الله بن أبي بكرة الثقفي (البكراوي) أبو عبد الرحمن البصري قاضي كرمان، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (ومحمد بن عبد الأعلى) القيسي البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (3) أبواب (جميعًا) أي كل من الثلاثة رووا (عن المعتمر بن سليمان) التيمي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (واللفظ لابن معاذ) قال ابن معاذ (حدثنا المعتمر حدثنا أبي) سليمان بن طرخان التيمي البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (13) بابا (عن أبي عثمان) النهدي عبد الرحمن بن مل الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) روى عنه في (11) بابا، قال المعتمر بن سليمان: حدثنا أبي سليمان بن طرخان، عن أبي عثمان النهدي (وحدث) أبي سليمان بن طرخان عن غير أبي عثمان (أيضًا) أي كما حدث عن أبي عثمان (عن عبد الرحمن بن أبي بكر)

ص: 271

قَال: كُنا مَعَ النبي صلى الله عليه وسلم ثَلاثِينَ وَمِائَةَ. فَقَال النبي صلى الله عليه وسلم: "هَلْ مَعَ أَحَدٍ مِنْكُمْ طَعَامٌ؟ " فَإِذَا مَعَ رَجُلٍ صَاعٌ مِنْ طَعَامِ أَوْ نَحْوُهُ. فَعُجِنَ. ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ، مُشْرِكٌ مُشْعَانٌ طَويلٌ، بِغَنَمِ يَسُوقُهَا. فَقَال النبِي صلى الله عليه وسلم:"أَبيعٌ أَمْ عَطِيَّةٌ -أَوْ قَال- أَمْ هِبَةٌ؟ " فَقَال: لَا. بَل بَيعٌ. فَاشْتَرَى مِنْهُ شَاةٌ. فَصُنِعَتْ. وَأَمَرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِسَوَادٍ

ــ

الصديق التيمي المدني رضي الله عنهما شقيق عائشة رضي الله تعالى عنها، كنيته أبو محمَّد وقيل أبو عبد الله، كان اسمه عبد الكعبة فغير رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه وسماه عبد الرحمن أخر إسلامه إلى ما قبيل الفتح، وقيل أسلم في هدنة الحديبية وشهد اليمامة والفتوح، وكان شجاعًا راميًا، له ثمانية أحاديث اتفقا على ثلاثة سمع النبي صلى الله عليه وسلم في الأطعمة، وعن أبي بكر في الأطعمة، ويروي عنه (ع) وأبو عثمان النهدي في الأطعمة، وعمرو بن أوس في الحج، وابنه عبد الله وابن أخيه القاسم بن محمَّد، مات سنة (53) ثلاث وخمسين في طريق مكة فجأة وحمل إلى مكة ودفن فيها (قال) عبد الرحمن (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثين ومائة) نفر (فقال النبي صلى الله عليه وسلم لمن عنده (هل مع أحد منكم) أيها الحاضرون (طعام) يطعمه لنا (فهذا مع رجل) من الحاضرين لم أر من ذكر اسمه (سماع من طعام) أي من دقيق (أو نحوه) أي أو نحو صاع أي قريبه، وأو للتنويع لا للشك (فعجن) ذلك الصالح أي خلط عجينًا ليخبز (ثم جاء رجل مشرك مشعان) بضم الميم وسكون الشين وتشديد النون اسم فاعل من اشعان الشعر اشعينانًا إذا انتفش وتفرق؛ أي منتفش الشعر ومتفرقه لعدم تعهده (طويل) جدًّا فوق الطول المعتاد، وقوله (بغنم) متعلق بجاء أي جاء مع غنم (يسوقها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لصاحب الغنم (1) هي (بيع) أي مبيعات تبيعها لنا (أم عطية) أي معطيات تعطيها لنا (أو قال) النبي صلى الله عليه وسلم أو الراوي (أم) هي (هبة) أي موهوبات تهبها لنا بدل قوله أم عطية (قال) الرجل (لا) أي ليست عطية أو هبة (بل) هي (بيع) لمن يشتريها، وقوله (أم عطية أو هبة) استدل به البخاري على جواز قبول الهدية من المشرك لأن الظاهر من هذا السؤال أن الرجل إن جعله عطية قبلها النبي صلى الله عليه وسلم منه وإلا لما سأله عن كونها عطية (فاشترى منه) أي من الرجل النبي صلى الله عليه وسلم (شاة فصنعت) الشاة أي ذبحت وطبخت (وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسواد

ص: 272

الْبَطْنِ أَنْ يُشْوَى. قَال: وَايمُ الله، مَا مِنَ الثلاثِينَ وَمِائَةٍ إلا حَزَّ لَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حُزَّةً حُزة مِنْ سَوَادِ بَطْنِهَا. إِنْ كَانَ شَاهِدًا، أَعْطَاهُ. وَإِنْ كَانَ غَائِبًا، خَبَأَ لَهُ.

قَال وَجَعَلَ قَصْعَتَينِ. فَأَكَلْنَا مِنْهُمَا أَجْمَعُونَ. وَشَبِعْنَا. وَفَضَلَ في الْقَصْعَتَينِ. فَحَمَلْتُهُ

ــ

البطن) وسواد البطن الكبد أو كل ما في البطن من كبد وغيرها وفيه بعد، وجملة قوله (أن يشوى) بدل من سواد البطن أي أمر بشيها وقليها (قال) عبد الرحمن بن أبي بكر (وأيمن الله) أي اسم الله قسمي، قال القرطبي: قوله (وأيمن) قسم بيمن الله وبركته، وألفه ألف وصل وفيه لغات قد ذكرت فيما مر وهذا قول سيبويه، وقال الفراء: ألفه ألف قطع وهي عنده جمع يمين والذي قاله سيبويه أولى سماعًا وقياسًا بدليل الحذف الذي دخل الكلمة في اللغات التي رويت فيها اهـ من المفهم (ما) من أحد (من الثلاثين ومائة إلا حز) أي قطع (له رسول الله صلى الله عليه وسلم حزة حزة) أي قطعة قطعة (من سواد بطنها) أي من كبدها، يقال حز يحز من باب شد وذب إذا قطع، والحزة بضم الحاء المهملة وتشديد الزاي القطعة، وفي هذا الحديث معجزتان للنبي صلى الله عليه وسلم أحدهما في الكبد والثاني في الشاة وفي تكثير الطعام اهـ مفهم (أن كان) أحد منهم (شاهدًا) أي حاضرًا وقت التوزيع (أعطاه) النبي صلى الله عليه وسلم نصيبه (وإن كان غائبًا خبا له) أي أخفاه له أي لذلك الغائب والمراد عزل نصيبه والاحتفاظ به حتى يجيء ويحضر ذلك الغائب، قال الأبي: وفي الحديث معجزتان إحداهما تكثير سواد البطن حتى وسع عددهم والأخرى تكثير الصالح ولحم الشاة حتى وسعهم أجمعين فشبعوا اهـ أقول ولم يفن بل بقي وفضل حتى حمل على البعير سبحان من أظهر المعجزة على يد حبيبه صلى الله عليه وسلم، وفيه أيضًا مواساة الرفقة فيما يعرض لهم من طرفة وغيرها والله أعلم (قال) عبد الرحمن (وجعل) رسول الله صلى الله عليه وسلم الطعام (قصعتين) أي جفنتين (فأكلنا منهما) أي من القصعتين كلهم (أجمعون وشبعنا) يحتمل أن يكونوا اجتمعوا على قصعتين فيكون فيه معجزة أخرى لكونهما وسعتا أيدي القوم، ويحتمل أن يريد أنهم أكلوا كلهم في الجملة أعم من الاجتماع والافتراق كذا في فتح الباري [5/ 232](وفضل) عنهم (في القصعتين) شيء فاضل (فحملته) أي فحملت ذلك الفاضل

ص: 273

عَلَى الْبَعِيرِ. أَوْ كَمَا قَال.

5226 -

(2016)(81) حدثنا عُبَيدُ الله بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ وَحَامِدُ بْنُ عُمَرَ الْبَكْرَاويُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الْقَيسِيُّ. كُلُّهُمْ عَنِ الْمُعْتَمِرِ (وَاللَّفْظُ لابْنِ مُعَاذٍ) حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيمَانَ قَال: قَال أَبِي: حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ؛ أَنَّهُ حَدّثَهُ عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ؛ أَنَّ أَصْحَابَ الصُّفَةِ كَانُوا نَاسًا فُقَرَاءَ. وإنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال مَرَّةً: "مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ اثْنَينِ،

ــ

(على البعير) أي على بعيري (أو) القول (كما قال) عبد الرحمن هذا شك من أبي عثمان النهدي فيما قال عبد الرحمن كقوله فوزعته على الناس والله أعلم.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 197] ، والبخاري في الأطعمة [5382].

ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما فقال:

5226 -

(2016)(81)(حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري وحامد بن عمر البكراوي ومحمد بن عبد الأعلى القيسي كلهم عن المعتمر واللفظ لابن معاذ حدثنا المعتمر بن سليمان قال) المعتمر (قال أبي) سليمان بن طرخان (حدثنا أبو عثمان أنه) أي أن أبا عثمان (حدثه عبد الرحمن بن أبي بكر) الصديق رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته وهو بنفس السند السابق وإن كان الحديثان مختلفين (أن أصحاب الصفة) وسكانها من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصفة سقيفة مظللة في مؤخر المسجد النبوي كانت منزلًا للغرباء والمهاجرين وكانوا ضيف الإِسلام وكانوا يحتطبون في النهار ويسوقون الماء لأبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقرؤون القرآن في الليل ويصلون هكذا وصفهم البخاري وغيره، وقال غيره: إن الصفة كانت مكانًا في مؤخر المسجد النبوي مظللًا أعد لنزول الغرباء فيه ممن لا مأوى له ولا أهل وكانوا يكثرون فيه ويقلون بحسب من يتزوج منهم أو يموت أو يسافر، وقد سرد أسماءهم أبو نعيم في الحلية فزادوا على المائة كانوا ناسًا فقراء) لا مال ولا أهل ولا منزل (وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مرة) أي يومًا من الأيام (من كان عنده طعام اثنين

ص: 274

فَلْيَذْهَبْ بِثَلاثةٍ. وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ أَرْبَعَةٍ، فَلْيَذْهَبْ بِخَامِسٍ، بِسَادِسٍ". أَوْ كَمَا قَال، وَإِن أَبَا بَكْرٍ

ــ

فليذهب بثلاثة) كذا في جميع نسخ مسلم، والصواب ما في رواية البخاري (فليذهب بثالث) لموافقتها لسياق باقي الحديث إذ قال (ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس بسادس) وقال القرطبي: إن حمل ما في رواية مسلم على ظاهره فسد المعنى لأن الذي عنده طعام اثنين إذا ذهب معه بثلاثة لزم أن يأكله في خمسة وحينئذ لا يكفيهم ولا يسد رمقهم بخلاف ما إذا ذهب بواحد فإنه يأكله في ثلاثة ويتحمَّل الاثنان أكله ولا يجحف بهما، قال النووي: وللذي في مسلم وجه أيضًا وهو محمول على موافقة البخاري تقديره فليذهب بمن يتم من عنده ثلاثة أو بتمام ثلاثة اهـ. والحاصل أن الراوي أخبر أنه صلى الله عليه وسلم كان يوزع أصحاب الصفة لكونهم فقراء على الصحابة ويقول لهم من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث، الحديث معناه أن طعام الاثنين يغدي الثلاثة ويزيل الضعف عنهم لا أنه يشبعهم فإن الشبع مذموم كما قال صلى الله عليه وسلم:"أكثركم شبعًا في الدنيا أطولكم جوعًا يوم القيامة" والمقصود من الطعام أن يكون غذاء كما قال صلى الله عليه وسلم: "بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه" قال بعض العرفاء: الطعام ينبغي أن يحمل الإنسان لا أن يحمله الإنسان اهـ من المبارق (ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس) ومن كان عنده طعام خمسة فليذهب (بسادس) على سياق ما قبله أو المعنى من كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس إن لم يكن عنده ما يقتضي أكثر من ذلك وإلا فليذهب بسادس مع خاص (أو) الحديث (كما قال) النبي صلى الله عليه وسلم إن كان الشك من عبد الرحمن أو كما قال عبد الرحمن إن كان الشك من أبي عثمان مثلًا كقوله من كان عنده طعام خمسة فليذهب بسادس، ومن كان عنده طعام ستة فليذهب بسابع. قال القرطبي: وفي ذلك كانت المواساة واجبة لشدة الحال والحكم كذلك مهما وقعت شدة بالمسلمين والله الكافي والواقي اهـ من المفهم. وإنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ليتمرنوا على المواساة فيما بينهم ولم يزد كل رجل على واحد لأن الناس كانوا في قلة المال فلو أدخل معهم أكثر من واحد ربما ضاق عليهم الأمر، وفيه أن الأمير يجوز له أن يفعل مثل ذلك لسد حاجة الجائعين ولا خلاف في أن إطعام الجائع فرض على كل من استطاع ذلك فلو تطوع بذلك الأثرياء فبها ونعمت وإن لم يتطوعوا جاز للأمير أن يكرههم على ذلك، قال عبد الرحمن (وإن) والدي (أبا بكر)

ص: 275

جَاءَ بِثَلاثَةٍ. وَانْطلَقَ نَبِي الله صلى الله عليه وسلم بِعَشَرَةٍ. وَأَبُو بَكْرِ بِثَلاثَةٍ. قَال: فَهُوَ وَأَنَا وَأَبِي وَأُمِّي -وَلَا أَدْرِي هَلْ قَال: وَامْرَأتِي وَخَادِمٌ بَينَ بَيتِنَا وَبَيتِ أَبِي بَكْرٍ- قَال: وَإِن أَبَا بَكْرٍ تَعَشى عِنْدَ النبِي صلى الله عليه وسلم. ثُمَّ لَبِثَ حَتى صُلِّيَتِ الْعِشَاءُ. ثُمَّ رَجَعَ فَلَبِثَ حَتَّى نَعَسَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم. فَجَاءَ بَعْدَمَا مَضى مِنَ الليلِ مَا شَاءَ الله

ــ

الصديق رضي الله عنه (جاء) إلى بيتنا (بثلاثة) أنفار (وانطلق نبي الله صلى الله عليه وسلم بعشرة) وفي هذا بيان لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الأخذ بأفضل الأمور والسبق إلى السخاء والجود فإن عيال النبي صلى الله عليه وسلم كانوا قريبًا من عدد ضيفانه هذه الليلة وقد أخذ معه أضعاف من أخذه أصحابه من الأضياف (و) انطلق (أبو بكر بثلاثة) كرر هذا مع ذكره آنفًا توطئة لما بعده (قال) عبد الرحمن (فهو) ضمير شأن في محل الرفع مبتدأ أول (وأنا) مبتدأ ثان والواوفيه تحريف من النساخ (وأبي وأمي) معطوفان على أنا وخبر المبتدإ الثاني محذوف لدلالة السياق عليه تقديره فهو أي فالشأن أنا وأبي وأمي أهل بيتنا، قال أبو عثمان النهدي (ولا أدري) أي لا أعلم (هل قال) عبد الرحمن وزاد على المذكورين (وامرأتي وخادم) خدمته مشتركة (بين بيتنا وبيت أبي بكر) فيكون أهل دار أبي بكر مع هذين خمسة (قال) عبد الرحمن (وإن أبا بكر) الصديق (تعشى) أي أكل العشاء بفتح العين وهو ما يؤكل أوائل الليل وأواخر النهار (عند النبي صلى الله عليه وسلم ثم لبث) أبو بكر أي مكث عند النبي صلى الله عليه وسلم (حتى صليت العشاء ثم) بعد صلاة العشاء (رجع) أبو بكر عند النبي صلى الله عليه وسلم (فلبث) عنده (حتى نعس رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء) إلى بيته (بعد ما مضى من الليل ما شاء الله) تعالى مضيه هذا التأويل الذي ذكرناه أوضح ما في المقام، وقيل في كلامه هنا تكرار فذكر أولًا أن أبا بكر تعشى عند النبي صلى الله عليه وسلم ثم لبث حتى العشاء ثم رجع أي إلى بيته ثم ذكر نفس الواقعة مرة ثانية لإيضاح مدة لبثه عند النبي صلى الله عليه وسلم وأنه لبث إلى أن نعس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومضى من الليل ما شاء الله، ووقع في بعض الشروح اضطراب في تفسيره راجع فتح الباري [6/ 596] قال النووي: وفي هذا جواز ذهاب من عنده ضيفان إلى أشغاله ومصالحه إذا كان له من يقوم بأمورهم ويسد مسده كما كان لأبي بكر هنا عبد الرحمن رضي الله عنهما وفيه ما كان

ص: 276

قَالتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: مَا حَبَسَكَ عَنْ أَضْيَافِكَ، أَوْ قَالتْ: ضَيفِكَ؟ قَال: أَوَ مَا عَشيتِهِمْ؟ قَالتْ: أَبَوْا حَتَّى تَجِيءَ. قَدْ عَرَضُوا عَلَيهِمْ فَغَلَبُوهُمْ. قَال: فَذَهَبْتُ أَنَا فَاخْتَبَأْتُ. وَقَال: يَا غُنْثَرُ، فَجَدَّعَ

ــ

عليه أبو بكر من الحب للنبي صلى الله عليه وسلم والانقطاع إليه وإيثاره في ليله ونهاره على الأهل والأولاد والضيفان وغيرهم اهـ منه.

قوله (وإن أبا بكر تعشى) إلخ وفي رواية سعيد الجريري عند البخاري في الأدب (إن أبا بكر تضيف رهطًا فقال لعبد الرحمن دونك أضيافك فإني منطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأفرغ من قراهم قبل أن أجيئ فانطلق عبد الرحمن فأتاهم بما عنده فقال اطعموا فقالوا: أين رب منزلنا؟ قال: اطعموا، قالوا: ما نحن بآكلين حتى يجيئ رب منزلنا، قال: اقبلوا عنا قراكم فإنه إن جاء ولم تطعموا لنلقين منه، فعرفت أنه يجد علي فلما جاء أبو بكر رضي الله عنه (قالت له) أي لأبي بكر (امرأته) أي زوجته هي أم رومان بضم الراء وفتحها حكاه السهيلي وابن عبد البر في الاستيعاب واسمها دعد ويقال زينب اهـ تنبيه المعلم (ما حبسك) ومنعك (عن) الرجوع إلى (أضيافك أو قالت) عن (ضيفك) بالشك فيما قالته من اللفظين إما من عبد الرحمن أو ممن دونه (قال) أبو بكر (أ) تقول لي ما حبسك (وما عشيتهم) بكسر التاء خطابًا لها أي أتسالني عن تأخري والحال أنك ما أعطيتهم العشاء (قالت) امرأته أعطيتهم العشاء فـ (أبوا) أي امتنعوا من أكله (حتى تجيء) أنت وتأكل معهم فإنه (قد عرضوا) أي قد عرض الخدم أو الأهل طعام العشاء (عليهم) وقربوا إليهم (فـ) أبوا حتى (غلبوهم) أي غلب أضيافك الخدم في الإباء من أكل العشاء حتى تحضر تعني عرضوا عليهم الطعام فابوا وغلبوا عليهم (قال) عبد الرحمن (فذهبت أنا) من عند الأضياف (فاختبأت) أي اختفيت عنه خوفًا من أن يغضب علي أو يسبني أو يضربني وفي رواية الجريري عند البخاري (فقال: يا عبد الرحمن! فسكت، ثم قال: يا عبد الرحمن! فسكت، فقال: يا غنثر! أقسمت عليك إن كنت تسمع صوتي لما جئت) وسيجيء تمام الكلام في الرواية الآتية (وقال) أبو بكر (يا غنثر) بضم الغين وسكون النون وفتح المثلثة وحكي ضم المثلثة أيضًا وحكى عياض عن بعض شيوخه فتح الغين والثاء ومعناه الثقيل الوخم وقيل الجاهل وقيل السفيه وقيل اللئيم وقيل هو ذباب أزرق شبهه به لتحقيره مأخوذ من الغثر ونونه زائدة، ورواه الخطابي عنتر بالعين المهملة والتاء المثناة وهو الذباب (فجدعـ) ـني أي دعا علي بالجدع وهو قطع الأنف وغيره من

ص: 277

وَسبَّ. وَقَال: كُلُوا. لَا هَنِيئًا. وَقَال: وَاللهِ، لَا أَطْعَمُهُ أَبَدًا. قَال: فَايمُ الله، مَا كُنا نَأْخُذُ مِنْ لُقْمَةٍ إِلا رَبَا مِنْ أَسْفَلِهَا أكْثَرُ مِنْهَا. قَال: حَتى شَبِعْنَا وَصَارَتْ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَتْ قَبْلَ ذلَكَ. فَنَظَرَ إِلَيهَا أَبُو بَكْرٍ فَإِذَا هِيَ كَمَا هِيَ أَوْ

ــ

الأعضاء (وسبـ) ـني أي شتمني وإنما فعل أبو بكر هذا لما ظن أن عبد الرحمن قصر في حق الأضياف، وفيه جواز سب الوالد للولد على وجه التأديب والتمرين على أعمال الخير (وقال) أبو بكر للضيفان (كلوا) أكلًا (لا هنيئًا) أي غير هنيئ ولا طيب ولا سهل حيث قصر أهلي بتأخير عشائكم أو حيث أفرطتم وتعديتم على أهل المنزل بالتحكم عليهم بالإباء من العشاء حتى يأتي رب المنزل والمعنى فلما تبين لأبي بكر أنه لم يكن من عبد الرحمن تقصير في حق الضيفان وأنه إنما كان ذلك امتناعًا من الأضياف أدبهم بقوله لهم كلوا لا هنيئًا وحلف لا يطعمه (وقال والله لا أطعمه أبدًا) وذلك أن هؤلاء الأضياف تحكموا على أهل المنزل ولا يلزم حضور رب المنزل مع الضيف إذا أحضر ما يحتاجون إليه فقد يكون في مهم من أشغاله لا يمكنه تركه فهذا منهم جفاء لكن حملهم على ذلك صدق رغبتهم في التبرك بمؤاكلته وحضوره معهم فأبوا حتى يجيء وانتظروه فجاء فصدر منه ذلك فتكدر الوقت وتشوش الحال عليهم أجمعين وكانت نزغة شيطان فازال الله تعالى ذلك النكد بما أبداه من الكرامة والبركة في ذلك الطعام فعاد ذلك النكد سرورًا وانقلب الشيطان مدحورًا، وعند ذلك عاد أبو بكر رضي الله عنه إلى مكارم الأخلاق فأحنث نفسه وأكل مع أضيافه وطيب قلوبهم وحصل مقصودهم لقوله صلى الله عليه وسلم:"من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو خير" رواه أحمد والنسائي وابن ماجه اهـ من المفهم.

(قال) عبد الرحمن (فايم الله) أي اسم الله قسمى (ما كنا نأخذ من لقمة إلا ربا) وازداد (من أسفلها أكثر منها) أي من تلك اللقمة المأخوذة، بنصب أكثر على الحالية من أسفل إذا قلنا إنه فاعل الربا ومن زائدة أي إلا ربا أسفل منها حالة كونه أكثر منها وبرفعه على الفاعلية، وفيه كرامة للصديق رضي الله عنه وأن كرامات الأولياء حق (قال) عبد الرحمن وأكلنا منها (حتى شبعنا وصارت (تلك الجفنة (أكثر) طعامًا (مما كانت) عليه (قبل ذلك) أي قبل الأكل منها، قال عبد الرحمن (فنظر إليها أبو بكر) رضي الله عنه (فإذا هي) أي تلك القصعة (كما هي) أي كائنة على ما هي عليه قبل الأكل منها (أو) هي

ص: 278

أَكْثَرُ. قَال لامْرَأَتِهِ: يَا أُخْتَ بَنِي فِرَاسٍ! مَا هذَا؟ قَالتْ: لَا. وَقُرَّةِ عَينِي، لَهِيَ الآنَ أَكْثَرُ مِنْهَا قَبْلَ ذلِكَ بِثَلاثِ مِرَارٍ. قَال: فَأكَلَ مِنْهَا أَبُو بَكْرِ وَقَال: إِنمَا كَانَ

ــ

(أكثر) مما كانت عليه قبل الأكل ثم (قال) أبو بكر (لامرأته) أم رومان (يا أخت بني فراس) بن غنم بن مالك بن كنانة خاطبها بذلك لأنها من نسله (ما هذا) الأمر الخارق للعادة من زيادة الجفنة وعدم نقصانها بالأكل منها (قالت) امرأته في جواب سؤاله و (لا) إما نافية أي لا أدري ما سبب هذا الأمر الخارق (و) أقسمت بـ (قرة عيني) ومسرة قلبي (لهي) أي هذه القصعة (الآن) أي بعد الأكل منها (أكثر) طعامًا (منها) أي من طعامها (قبل ذلك) أي قبل الأكل منها، وقوله (بثلاث مرار) وثلاثة أضعاف متعلق بأكثر وإما زائدة لتأكيد القسم كقوله تعالى:{لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1)} وما في معناه وكقول امرئ القيس:

فلا وأبيك ابنة العامري

لا يدعي القوم أني أفر

قال القرطبي: والأولى أن يقال إنها أقسمت بما رأت من قرة عينها ومسرة قلبها بكرامة الله تعالى لزوجها وقرة العين ما يسر به الإنسان مأخوذ من القر وهو البرد اهـ منه، قال النووي: قال أهل اللغة قرة العين يعبر بها عن المسرة ورؤية ما يحبه الإنسان ويوافقه قيل إنما قيل ذلك لأن عينه تقر لبلوغه أمنيته فلا يستشرف لشيء فيكون مأخوذًا من القرار وقيل مأخوذ من القر بالضم وهو البرد أي أن عينه باردة لسرورها وعدم مقلقها، قال الأصمعي وغيره: أقر الله عينه أي أبرد دمعته لأن دمعة الفرح باردة ودمعة الحزن حارة ولهذا يقال في ضده أسخن الله عينه والمراد قسمها بإكرام الله إياهم بهذه البركة العظيمة فكأنها قالت أقسم بإكرام الله إيانا بهذه البركة الذي من لازمه قرة عيننا ومسرة قلبنا لهي الآن أكثر منها قبل ذلك بثلاث مرات والمقسم به إكرام الله إياهم بهذه البركة فيكون المقسم به صفة من صفات الله تعالى فلا يعارضه حديث النهي عن الحلف بغير الله تعالى، وقيل إنها أرادت بقرة العين رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحمل على أن ذلك كان قبل النهي عن الحلف بالمخلوق أو على أنه جرى ذلك على لسانها كعادة العرب بلا قصد يمين والله أعلم.

(قال) عبد الرحمن (فأكل منها) أي من الجفنة (أبو بكر) في البداية لأجل تحليلهم شيئًا لأنهم حلفوا أيضًا على أن لا يأكلوا حتى يأكل أبو بكر (وقال) أبو بكر (إنما كان

ص: 279

ذلِكَ مِنَ الشيطَانِ. يعني يَمِينَهُ. ثُمَّ أَكَلَ مِنْهَا لُقمَةً. ثُمَّ حَمَلَهَا إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَأَصْبَحَتْ عِنْدَهُ. قَال: وَكَانَ بَينَنَا وَبَينَ قَوْمٍ عَقْدٌ فَمَضَى الأَجَلُ. فَعَرَّفْنَا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا. مَعَ كُل رَجُلٍ مِنْهُم أُنَاسٌ. الله أَعْلَمُ كَمْ مَعَ كُلِّ رَجُلٍ

ــ

ذلك) القسم الذي وقع مني نزغة (من الشيطان يعني) أبو بكر بقوله إنما كان ذلك (يمينه) على أن لا يأكل (ثم) لما رأى البركة الظاهرة عاد إلى الأكل و (أكل منها لقمة) لتحصل له تلك البركة كذا فسره في فتح الباري (ثم) بعد ما أكل منها مرة ثانية للتبرك (حملها) أي حمل تلك الجفنة أبو بكر (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصبحت) الجفنة (عنده) صلى الله عليه وسلم، ولعلهم لم يأكلوها في الليل لكون ذلك وقع بعد مضي مدة من الليل، وفيه عرض الطعام الذي ظهرت فيه البركة على الكبار وقبولهم ذلك، قال النووي: قوله (فأكل منها أبو بكر فقال إنما كان ذلك من الشيطان .. إلخ) فيه أن من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فعل ذلك وكفر عن يمينه كما جاءت به الأحاديث الصحيحة، وفيه حمل المضيف المشقة على نفسه في إكرام ضيفانه وإذا تعارض حنثه وحنثهم حنث نفسه لأن حقهم عليه آكد اهـ (قال) عبد الرحمن (وكان بيننا) أي بين المسلمين (وبين قوم) من المشركين (عقد) هدنة ومصالحة على ترك القتال مدة (فمضى الأجل) أي قرب مضي أجل المدة وتمامه (فعرفنا) بفاء ثم عين ثم راء ثم فاء من التعريف أي فرقنا العسكر اثنتي عشرة فرقة فجعلنا (اثنا عشر رجلًا) عرفاء ورؤساء لهم، والمراد أنه لما انقضى أجل الهدنة تجهزوا لقتالهم فجعلنا اثنى عشر رجلًا عرفاء لهم لتنظيم العسكر وضبطه وكان (مع كل رجل منهم) أي من العرفاء (أناس الله) لا غيره (أعلم كم مع كل رجل) منهم أي من العرفاء هكذا (فعرفنا) من التعريف في أكثر النسخ، ووقع في بعض النسخ (ففرقنا) بدل عرفنا وهو رواية البخاري في المناقب، ومعناه واضح أي فرقنا العسكر على اثنتي عشرة فرقة برئاسة اثني عشر رجلًا، وفيه جواز تفريق العرفاء على العساكر ونحوهم. وفي النهاية "العرافة حق والعرفاء في النار" والعرفاء جمع عريف وهو القيم بأمور القبيلة أو الجماعة من الناس يلي أمورهم ويتعرف الأمير منهم أحوالهم فعيل بمعنى فاعل، سموا عرفاء لأنهم يعرفون الإِمام بأحوال جماعتهم ونقباء لأنهم ينقبون عن أخبار أصحابهم اهـ مفهم. والعرافة عمله، وقوله العرافة حق أي فيها مصلحة

ص: 280

إِلَّا أَنهُ بَعَثَ مَعَهُمْ فَأَكَلُوا مِنْهَا أَجْمعُونَ. أَوْ كَمَا قَال.

5227 -

(00)(00) حدّثني محمدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثنَا سَالِمُ بْنُ نُوع الْعَطَّارُ، عَنِ الْجُرَيرِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ

ــ

للناس ورفق في أمورهم وأحوالهم، وقوله العرفاء في النار تحذير من التعرض للرياسة لما في ذلك من الفتنة وأنه إذا لم يقم بحقه آثم واستحق النار، قوله (اثنا عشر رجلًا) هكذا في أكثر النسخ بالألف على لغة من يلزم المثنى بالألف في الأحوال الثلاثة ويعربه إعراب المقصور كقوله تعالى:{إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} على قراءة تشديد نون إن، وكقوله:

إن أباها وأبا أباها

قد بلغا في المجد غايتاها

وفي قليل منها (اثني عشر رجلًا) بالياء على اللغة المشهورة (قال) عبد الرحمن كما هو موجود في رواية القرطبي (إلا أنه بعث معهم) استدراك على قوله فأصبحت عنده أي فأصبحت الجفنة عنده صلى الله عليه وسلم لم يأكلوا منها لكن أنه صلى الله عليه وسلم بعثها معهم أي مع الخدم إلى أولئك الجيش الذين فرقوا اثنتي عشرة فرقة (فأكلوا منها) أي من تلك الجفنة كلهم (أجمعون أو) القول (كما قال) عبد الرحمن نحو قوله فأكل منها معظمهم أو أكثرهم أو أغلبهم أو بعضهم والشك من أبي عثمان النهدي فيما قاله عبد الرحمن، قال الحافظ: وظهر بذلك أن تمام البركة في الطعام المذكور كانت عند النبي صلى الله عليه وسلم لأن الذي وقع فيها في بيت أبي بكر ظهور أوائل البركة فيها وأما انتهاؤها إلى أن تكفي الجيش كلهم فما كان إلا بعد أن صارت عند النبي صلى الله عليه وسلم اهـ.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 197] ، والبخاري [3581].

ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما فقال:

5227 -

(00)(00)(حدثني محمَّد بن المثنى حدثنا سالم بن نوح) بن أبي عطاء (العطار) أبو سعيد البصري، صدوق له أوهام، من (9) روى عنه في (7) أبواب (عن) سعيد بن إياس (الجريري) مصغرًا أبي مسعود البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (10) أبواب (عن أبي عثمان) النهدي (عن عبد الرحمن بن أبي بكر) الصديق رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة الجريري لسليمان بن طرخان.

ص: 281

قَال: نَزَلَ عَلَينَا أَضْيَافٌ لَنَا. قَال: وَكَانَ أبي يَتَحَدَّثُ إلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مِنَ الليلِ. قَال: فَانْطَلَقَ وَقَال: يَا عَبدَ الرَّحْمن، افْرُغْ مِنْ أَضْيَافِكَ. قَال: فَلَمَّا أَمْسَيتُ جِئْنَا بِقِرَاهُمْ. قَال: فَأَبَوْا. فَقَالُوا: حَتى يَجِيءَ أَبُو مَنْزِلِنَا فَيَطْعَمَ مِنْهُ. قَال: فَقُلْتُ لَهُمْ: إنهُ رَجُلٌ حَدِيدٌ. وَإِنَّكُمْ إن لَمْ تَفْعَلُوا خِفْتُ أَنْ يُصِيبَنِي قَال: فَأبَوْا. فَلَمَّا جَاءَ لَمْ يَبْدَأْ بِشَيءٍ أوَّلَ مِنْهُمْ. فَقَال: أَفَرَغْتُم مِنْ أَضْيَافكم؟ قَال قَالُوا: لَا. وَاللهِ! مَا فَرَغْنَا

ــ

(قال) عبد الرحمن (نزل علينا) معاشر أهل بيت أبي بكر (أضياف لنا قال) عبد الرحمن (وكان أبي) أبو بكر دائمًا (يتحدث) ويسمر (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أي عنده صلى الله عليه وسلم (من) أوائل (الليل قال) عبد الرحمن (فانطلق) أبي وذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (وقال) لي عند الذهاب (يا عبد الرحمن أفرغ) أي كن فارغًا (من) أداء قرى (أضيافك) وعشائهم قبل رجوعي إلى البيت أي عشهم وأكمل حقوقهم قبل رجوعي من عند النبي صلى الله عليه وسلم (قال) عبد الرحمن (فلما أمسيت) أي دخلت في المساء وهو ما بين صلاة العصر إلى نصف الليل (جئنا) إلى الأضياف (بقراهم) والقرا بكسر القاف مقصورًا ما يصنع للضيف من مأكول ومشروب اهـ سنوسي، وفي القاموس: القرى بوزن رضا والقراء بوزن سحاب إضافة الشخص يقال قرى الضيف قرى وقراء من الباب الثاني اهـ (قال) عبد الرحمن (فأبوا) علينا القرى وامتنعوا من أكله (فقالوا) لا نأكل (حتى يجيء أبو منزلنا) وصاحبه (فيطعم معنا) يريدون التبرك بمؤاكلته والمؤانسة به (قال) عبد الرحمن (فقلت لهم) أي للأضياف (إنه) أي إن رب المنزل (رجل حديد) أي حار أي فيه قوة وصلابة ويغضب لانتهاك الحرمات والتقصير في حق الضيف ونحوه اهـ نووي (وإنكم) أيها الأضياف (أن لم تفعلوا) الأكل ولم تقبلوا القرى منا حتى يحضر رب المنزل (خفت) أنا في نفسي (أن يصيبني) وينالني (منه) أي من رب المنزل (أذى) من سب وتجديع ودعاء علي (قال) عبد الرحمن (فأبوا) على الاعتذار إليهم وقبول عذري (فلما جاء) أبو بكر من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم (لم يبدأ) في كلامه (بشيء أول منهم) أي من سؤاله عن قراهم وعشائهم (فقال) لنا أبو بكر في سؤاله عنهم (أفرغتم) أي هل فرغتم يا أهل البيت (من) تعشية (أضيافكم) وأداء قراهم (قال) عبد الرحمن (قالوا) أي قال أهل البيت (لا والله مما فرغنا) من عشائهم

ص: 282

قَال: أَلمْ آمُرْ عَبْدَ الرَّحْمنِ! قَال: وَتَنَحَّيتُ عَنْهُ. فَقَال: يَا عَبْدَ الرَّحْمنِ. قَال: فَتَنَحَّيتُ. قَال: فَقَال: يَا غُنْثَرُ، أَقْسَمْتُ عَلَيكَ إِنْ كُنْتَ تَسْمَعُ صَوْتِي إِلا جِئْتَ. قَال: فَجِئْتُ فَقُلْتُ: وَاللهِ، مَا لِي ذَنْبٌ. هؤُلاءِ أَضْيَافُكَ فَسَلْهُمْ. قَدْ أَتَيتُهُمْ بِقِرَاهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يَطْعَمُوا حَتى تَجِيءَ. قَال: فَقَال: مَا لكُمْ أَلا تَقْبَلُوا عَنَّا قِرَاكُمْ

ــ

وأداء حقوقهم (قال) أبو بكر لأهل البيت (ألم آمر) أنا (عبد الرحمن) بالفراغ من تعشيتهم قبل رجوعي من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البيت (قال) عبد الرحمن (وتنحيت) أنا أي اختفيت واستترت في ناحية البيت (عنه) أي عن أبي بكر خوفًا من سبه وجدعه وجعل يناديني (فقال يا عبد الرحمن قال) عبد الرحمن (فتنحيت أي اختفيت منه في ناحية البيت (قال) عبد الرحمن فجعل يسبني ويجدعني (فقال) أبو بكر في سبه لي (يا غنثر) أي يا لئيم أو يا سفيه (أقسمت عليك) أي أقسمت بالله لأجل حضورك إلى (أن كنت تسمع صوتي) على أن لا تفعل شيئًا من الاختفاء والشرود (إلا جئت) أي إلا مجيئك إلى وإجابة ندائي (قال) عبد الرحمن (فجئت) حين أقسم على (فقلت) له يا والدي (والله ما لي ذنب) ولا تقصير في حقهم (هؤلاء) الحاضرون (أضيافك فسلهم) عن قراهم هل قرب إليهم أم لا؟ وإني والله (قد أتيتهم بقراهم فأبوا) علي (أن يطعموا) عشاءهم (حتى تجيء) وتحضر معهم (قال) عبد الرحمن (فقال) أبو بكر للأضياف (ما لكم) أي أي شيء ثبت لكم في إبائكم من قبول القرى وأي سبب أحوجكم إلى (أن لا تقبلوا عنا قراكم) وعشاءكم (قال) عبد الرحمن (فقال أبو بكر فوالله لا أطعمه) أي لا أطعم ولا آكل هذا الطعام (الليلة) أي في هذه الليلة (قال) عبد الرحمن (فقالوا) أي فقال الأضياف (فوالله لا نطعمه حتى تطعمه) معنا (قال) أبو بكر (فما رأيت) والكاف في قوله (كالشر) بمعنى مثل، وفي قوله (كالليلة) بمعنى في الظرفية، و (قط) ظرف مستغرق لما مضى من الزمان ضد عوض؛ والمعنى فما رأيت مثل الشر الواقع بنا في هذه الليلة في زمن من الأزمنة الماضية علينا (ويلكم) أيها الأضياف أي ألزمكم الويل والهلاك (مالكم) أي أي شيء ثبت لكم في إبائكم من القرى وأي سبب أحوجكم إلى (أن لا تقبلوا عنا قراكم) أي إلى عدم قبوله، قال القاضي عياض: فعلوا ذلك الإباء أدبًا ورفقًا بأبي بكر لأنهم ظنوا أن لا يفضل له شيء من عشاء إذا أكلوا، والحق على الضيف أن لا يمتنع مما أراده المضيف من تعجيل الطعام أو تكثيره وغير ذلك من أموره إلا أن يعلم أنه

ص: 283

قَال: فَقَال أبُو بَكْرٍ: فَوَاللهِ، لَا أَطْعَمُهُ الليلَةَ. قَال: فَقَالُوا: فَوَاللهِ، لَا نَطْعَمُهُ حَتَّى تَطْعَمَهُ. قَال: فَمَا رَأَيتُ كَالشرِّ كَالليلَةِ قَطُّ. وَيلَكُمْ، مَا لكُمْ أَنْ لَا تَقْبَلُوا عَنا قِرَاكُمْ؟ قَال: ثُمَّ قَال: أمَّا الأُولَى فَمِنَ الشيطَانِ. هَلُمُّوا قِرَاكُمْ. قَال: فَجِيءَ بِالطَّعَامِ فَسَمَّى فَأَكَلَ وَأَكَلُوا. قَال: فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا عَلَى النبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَال: يَا رَسُولَ الله! بَرُّوا وَحَنِثْتُ. قَال: فَأَخْبَرَهُ فَقَال: "بَلْ أَنْتَ أبَرُّهُمْ وَأَخْيَرُهُمْ"

ــ

تكلف فيمنعه برفق، ومتى شك لم يتعرض له فقد يكون للمضيف عذر لا يمكنه إبداؤه فتلحقه المشقة لمخالفة الأضياف كما جرى في قضية أبي بكر هذه اهـ (قال) عبد الرحمن (ثم قال) أبو بكر (أما) اليمين (الأولى) يعني يمين نفسه يعني قوله (فوالله لا أطعمه الليلة) والثانية يمين الأضياف بعد يمينه (فمن) نزغة (الشيطان) ووسوسته، قال القاضي عياض: وقيل معناه أما اللقمة الأولى فلقمع الشيطان وإرغامه ومخالفته في مراده باليمين وهو إيقاع الوحشة بينه وبين أضيافه فأخزاه أبو بكر بالحنث الذي هو خير اهـ نووي، ثم قال لأهله (هلموا) أي احضروا وقربوا (قراكم) أي قرى أضيافكم وعشاءهم (قال) عبد الرحمن (فجيء) أبو بكر وأتي (بالطعام) الذي أعد للأضياف (فسمى) الله أي ذكر التسمية أي فقال بسم الله الرحمن الرحيم (فأكل) هو (وأكلوا) أي أكل الأضياف (قال) عبد الرحمن (فلما أصبح) أبو بكر (غدا) أي بكر (على النبي صلى الله عليه وسلم فقال) له (يا رسول الله بروا) أي بر الأضياف في يمينهم على أن يطعموا حتى تطعم (وحنثت) أنا في يميني (قال) عبد الرحمن (فأخبره) أي فأخبر أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم خبر ما جرى بينه وبين الأضياف (فقال) له النبي صلى الله عليه وسلم (بل أنت أبرهم) أي أكثرهم برًا وخيرًا (وأخيرهم) أي أكثرهم خيرًا وطاعة، قال النووي: معناه (بروا) في أيمانهم لأنهم لم يأكلوا حتى أكل معهم فبروا في يمينهم (وحنثت) في يميني حيث أكل معهم (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم (بل أنت أبرهم) أي أكثرهم طاعة وخير منهم لأنك حنثت في يمينك حنثًا مندوبًا إليه محثوثًا عليه فأنت أفضل منهم أي لم يكن حنثك إلا لرعاية حق الضيف، وقد مر في الأيمان: أن الرجل إذا حلف على يمين ثم رأى غيرها خيرًا منها فالذي ينبغي له أن يحنث ويكفر عن يمينه، وفيه فضيلة ظاهرة للصديق رضي الله عنه، وقوله (وأخيرهم) هكذا هو في جميع النسخ بالألف وهي لغة غير

ص: 284

قَال: وَلَمْ تَبلُغْنِي كفَّارةٌ

ــ

فصيحة استعمالًا وفصيحة قياسًا.

(قال) أبو عثمان أو غيره من الرواة (ولم تبلغني كفارة) أي تكفير أبي بكر عن يمينه تلك بعد حنثه أو قبله والمعنى أنني لم أطلع على أن الصديق رضي الله عنه كفر عن يمينه ولا يلزم منه أنه رضي الله عنه لم يكفر في نفس الأمر فلا يصح الاستدلال به على عدم وجوب الكفارة في يمين اللجاج والغضب ولا ما ذكر بعضهم أن القصة وقعت قبل نزول الكفارة راجع فتح الباري [6/ 600].

وشارك المؤلف في هذه الرواية أحمد [1/ 197 - 198]، والبخاري [6140]، وأبو داود [3271].

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب خمسة أحاديث الأول حديث أبي أيوب الأنصاري ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثاني حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثالث حديث المقداد بن الأسود ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع حديث عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ذكره للاستشهاد، والخامس حديث عبد الرحمن بن أبي بكر الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم.

***

ص: 285