الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
674 - (18) باب تحريم فعل الواصلة والمستوصلة ونظائرهما وذم النساء الكاسيات العاريات والنهي عن التزوير في اللباس وغيره والتشبع بما لم يعط
5530 -
(115) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاويةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ. قَالتْ: جَاءَتِ امْرأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِن لِي ابْنَة عُرَيِّسًا. أَصَابَتْهَا حَصْبَةٌ فَتَمَرَّقَ شَعَرُهَا
ــ
674 -
(18) باب تحريم فعل الواصلة والمستوصلة ونظائرهما وذم النساء الكاسيات العاريات والنهي عن التزوير في اللباس وغيره والتشبع بما لم يعط
5425 -
(2086)(151)(حدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر) بن الزبير بن العوام زوجة هشام بن عروة الأسدية المدنية، ثقة، من الثالثة، روى عنها في (4) أبواب (عن) جدتها (أسماء بنت أبي بكر) الصديق رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من خماسياته (قالت) أسماء (جاءت امرأة) لم أر أحدًا من الشراح ذكر اسم هذه المرأة ولا اسم ابنتها (إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت) له (يا رسول الله إن لي ابنة عريسًا) هو تصغير عروس قلبت الواو ياء وزيد عليها ياء التصغير وأدغمت إحداهما في الأخرى، ويقال للذكر والأنثى عروس عند الدخول بها يقال رجل عروس ورجال عرس وامرأة عروس ونساء عرائس، والعرس بالكسر امرأة الرجل ولبوة الأسد "شعر رقبته" والجمع أعراس، وقال مالك بن خويلد الخناعي:
ليث هزبر مدل حول غابته
…
بالرقمتين له أجر وأعراس
كذا في اللسان وفي الصحاح (عند خيسته) بدل (حول غابته) و (أجر) جمع جرو (أصابتها) أي أخذتها وطلعت بها (حصبة) بفتح الحاء وسكون الصاد المهملتين ويقال بفتح الصاد وكسرها ثلاث لغات، والإسكان أشهر، وهي بثر تخرج في الجلد تشبه الجدري أو هي هو، ووقع في رواية فاطمة بنت المنذر عند الطبراني (فأصابتها الحصبة أو الجدري) يقال حصب جلده بكسر الصاد يحصب من باب فرح (فتمرق شعرها) أي
أَفَأَصِلُهُ؟ فَقَال: "لَعَنَ الله الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ"
ــ
تساقط وانتتف شعرها وتمزق، وفي رواية (تمرط) وكلاهما بمعنى واحد يقال مرق الصوف عن الإهاب يمرق مرقًا من باب فرح، وتمرق وأمرق بمعناه ويقال مرط شعره يمرطه إذا نتفه، والمراطة ما سقط منه وتمرط شعره يتمرط تمرطًا إذا تساقط، ووقع في بعض الروايات (تمزق) ومعناه تقطع (أ) يجوز لي أن أصل شعرها بشعر آخر (فأصله) به فالهمزة داخلة على محذوف، والفاء عاطفة ما بعدها على ذلك المحذوف، ووصل الشعر هو أن يضاف إليه شعر آخر يكثر به اهـ مفهم. وللطبراني من طريق محمد بن إسحاق عن فاطمة بنت المنذر (فأصابتها الحصبة أو الجدري فسقط شعرها وقد صحت وزوجها يستحثنا وليس على رأسها شعر أفنجعل على رأسها شيئًا نجملها به)(فقال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب سؤالها لا يجوز لك وصل شعرها بشعر آخر لأنه (لعن الله) سبحانه وتعالى وطرد عن رحمته (الواصلة) أي التي تصل شعر المرأة بشعر آخر (والمستوصلة) أي التي تطلب من يفعل بها ذلك ويقال لها موصولة أيضًا اهـ نووي، وقال محمد ذهني: الواصلة هي التي توصل شعرها بشعر آخر زورًا وكذبًا وهي أعم من أن تفعل بنفسها أو تأمر غيرها بأن يفعله (والمستوصلة) هي التي تطلب هذا الفعل من غيرها وتأمر من يفعل بها ذلك وهي تعم الرجل والمرأة، فالتاء إما باعتبار النفس أو لأن الأكثر أن المرأة هي الآمرة أو الراضية اهـ، قال في المبارق: الرجل والمرأة في ذلك سواء هذا إذا كان المتصل شعر الآدمي لكرامته، وأما غيره فلا بأس بوصله فيجوز اتخاذ النساء القراميل من الوبر اهـ والقراميل جمع قرمل على وزن زبرج وهو ما تربط به النساء شعرهن.
قال القرطبي: وهذا الحديث نص صريح في تحريم وصل الشعر بالشعر وبه قال مالك وجماعة من العلماء ومنعوا الوصل بكل شيء من الصوف والخرق أو غيرها لأن ذلك كله في معنى وصله بالشعر ولعموم نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تصل المرأة شعرها، وقد شذ الليث بن سعد فأجاز وصله بالصوف والخرق وما ليس بشعر وهو محجوج بما تقدم، وأباح آخرون وضع الشعر على الرأس وقالوا إنما نهى عن الوصل خاصة وهذه ظاهرية محضة وإعراض عن المعنى، وقد شذ قوم فأجازوا الوصل مطلقًا وتأولوا الحديث على غير وصل الشعر وهو أن تكون المرأة بغية في شبيبتها فإذا
5426 -
(00)(00) حدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدَةُ. ح وَحَدَّثَنَاهُ ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثنَا أَبِي وَعَبْدَةُ. ح وَحَدَّثَنَا
ــ
أسنت وصلته بالشعر الأسود وهو قول باطل، وقد روي عن عائشة ولم يصح عنها ولا يدخل في هذا النهي ما ربط من الشعر بخيوط الحرير الملونة وما لا يشبه الشعر ولا يكثر وإنما يفعل ذلك للتجمل والزينة اهـ من المفهم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في اللباس باب وصل الشعر [5935 و 5936] وباب الموصولة [5941]، والنسائي في الزينة [5350]، وابن ماجه في النكاح [1997].
وقد دل الحديث على أن وصل المرأة شعرها كبيرة تستحق به اللعن، وقد اختلف العلماء في تفصيل هذا الحكم على أقوال: الأول أنه يحرم الوصل مطلقًا سواء كان بشعر آدمي أو شعر غير آدمي وسواء كان بخرقة أو صوف وهذا القول جعله النووي الظاهر المختار وهو الذي ذكره الحافظ في الفتح كمذهب الجمهور. والثاني الوصل بشعر الآدمي حرام لحرمته وكرامته وكذلك الوصل بشعر نجس من غير الآدمي، وأما الشعر الطاهر من غير الآدمي فيجوز الوصل به بإذن الزوج أو السيد وهو قول لبعض الشافعية كما حكى عنهم النووي. الثالث الوصل بالشعر ممنوع مطلقًا لما فيه من التزوير سواء كان بشعر الآدمي أو بشعر حيوان آخر ولكن لا بأس بوصله بصوف أو خرق أو غيرها وهو قول الليث بن سعد. والرابع الوصل بغير الشعر إنما يحل إذا لم يلتبس بالشعر بحيث لا يظن الناظر أنه من الشعر أما إذا وقع به الالتباس فلا وهو الذي قواه الحافظ في الفتح [10/ 375] والذي يظهر من كتب الحنفية أن الراجح عندهم القول الثاني وهو تخصيص الحرمة بشعر الآدمي اهـ من التكملة.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أسماء رضي الله تعالى عنها فقال:
5426 -
(00)(00)(حدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبدة) بن سليمان الكلابي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (ح وحدثناه) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا أبي) عبد الله (وعبدة) بن سليمان الكلابي (ح وحدثنا
أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ. أَخْبَرَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ. أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ. كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ. نَحْوَ حَدِيثِ أَبِي مُعَاويةَ. غَيرَ أَنَّ وَكِيعًا وَشُعْبَةَ فِي حَدِيثِهِمَا: فَتَمَرَّطَ شَعْرُهَا.
5427 -
(00)(00) وحدّثني أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ. أَخْبَرَنَا حَبَّانُ. حَدَّثَنَا وُهَيبٌ. حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ؛ أَنَّ امْرأَةً أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم. فَقَالتْ: إِنِّي زَوَّجْتُ
ــ
أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني (حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي (ح وحدثنا عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (أخبرنا أسود بن عامر) الشامي أبو عبد الرحمن الملقب بشاذان، ثقة، من (9) روى عنه في (6) أبواب (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (كلهم) أي كل من عبدة بن سليمان وعبد الله بن نمير ووكيع وشعبة رووا (عن هشام بن عروة بهذا الإسناد) يعني عن فاطمة عن أسماء (نحو حديث أبي معاوية) غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الأربعة لأبي معاوية (غير أن) أي لكن أن (وكيعًا وشعبة في حديثهما) لفظة (فتمرط شعرها) بدل قول أبي معاوية فتمرق شعرها والمعنى واحد كما مر.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديثها فقال:
5427 -
(00)(00)(وحدثني أحمد بن سعيد) بن صخر (الدارمي) نسبة إلى دارم بن مالك بطن كبير من تميم النيسابوري، ثقة متقن، من (11) روى عنه في (8) أبواب (أخبرنا حبان) بفتح المهملة وشد الموحدة ابن هلال الباهلي البصري، ثقة ثبت حجة مأمون، من (9) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (12) بابا (حدثنا منصور) بن عبد الرحمن بن طلحة ابن الحارث العبدري الحجبي المكي ابن صفية بنت شيبة، ثقة، من (5) روى عنه في (3) أبواب (عن أمه) صفية بنت شيبة بن عثمان بن أبي طلحة العبدرية المدنية، لها رؤية، روى عنها في (5) أبواب (عن أسماء بنت أبي بكر) الصديق رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة صفية بنت شيبة لفاطمة بنت المنذر (أن امرأة أتت) وجاءت (النبي صلى الله عليه وسلم فقالت) له صلى الله عليه وسلم (إني زوجت
ابْنَتِي. فَتَمَرَّقَ شَعْرُ رَأْسِهَا. وَزَوْجُهَا يَسْتَحْسِنُهَا. أَفَأَصِلُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَنَهَاهَا.
5533 -
(117) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ (وَاللَّفْظُ لَهُ). حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ. قَال: سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ مُسْلِمٍ
ــ
ابنتي) أي أردت تزويج ابنتي (فتمرق) انتتف (شعر رأسها) بمرض الحصبة (وزوجها يستحسنها) فلا يصبر عنها ويطلب تعجيلها إليه ولا ينتظر إلى نبات شعرها فنريد أن نبعثها إليه موصولة الشعر فهل يجوز وصل شعرها بشعر آخر كذا فسره النووي، ويحتمل أن يعود ضمير يستحسنها إلى شعور المرأة والمعنى أنه يريد ويستحسن كثرة شعورها ونريد أن نصل شعرها بشعر آخر (أ) يجوز وصل شعرها (فأصلـ) ـه بشعر آخر (يا رسول الله، فنهاها) رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وصل شعر بنتها. قوله (وزوجها يستحسنها) هكذا وقع في كثير من النسخ بإسكان الحاء وبعدها سين مكسورة ثم نون من الاستحسان، والمعنى أي يستحسنها فلا يصبر عنها ويطلب تعجليها إليه، ووقع في كثير منها (يستحثنيها) بكسر الحاء وبعدها شاء مثلثة ثم نون ثم ياء مثناة من تحث من الحث وهو سرعة المشي، وفي بعضها (يستحثها) بعد الحاء ثاء مثلثة فقط والله أعلم. وفي هذا الحديث أن الوصل حرام سواء كان لمعذورة أو عروس أو غيرهما كما في النووي اهـ ذهني.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أسماء بحديث عائشة رضي الله تعالى عنهما فقال:
5428 -
(2087)(152)(حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا حدثنا أبو داود) الطيالسي سليمان بن داود الجارود البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (14) بابا (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة واللفظ له حدثنا يحيى بن أبي بكير) اسمه نسر القيسي العبدي البغدادي، ثقة، من (9) روى عنه في (6) أبواب (عن شعبة) بن الحجاج (عن عمرو بن مرة) بن عبد الله بن طارق بن الحارث الهمداني المرادي الجملي أبو عبد الله الأعمى الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابا (قال) عمرو (سمعت الحسن بن مسلم) بن يناق بفتح التحتانية وتشديد النون آخره
يُحَدِّثُ، عَنْ صَفيَّةَ بِنْتِ شَيبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ جَارِيةً مِنَ الأَنْصَارِ تَزَوَّجَتْ. وَأَنَّهَا مَرِضَتْ فَتَمَرَّطَ شَعْرُهَا. فَأَرَادُوا أَنْ يَصِلُوهُ. فَسَأَلُوا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ ذلِكَ؟ فَلَعَنَ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ.
5429 -
(00)(00) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا زَيدُ بْنُ الْحُبَابِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ نَافِعٍ. أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ يَنَّاقَ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيبَةَ،
ــ
قاف المكي، ثقة، من (5) روى عنه في (4) أبواب (يحدّث عن صفية بنت شيبة) بن عثمان العبدرية المدنية (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذان السندان من سباعياته (أن جارية) أي بنتًا شابة (من الأنصار تزوجت وأنها مرضت فتمرط شعرها) من باب تفعل الخماسي وثلاثيه مرط على وزن نصر من المرط وهو نتف الشعر يقال مرط الشعر مرطًا من الباب الأول إذا نتفه كذا في القاموس معناه هنا تساقط وتمزق والله أعلم اهـ ذهني (فأرادوا) أي فأراد أهلها (أن يصلوه) أي أن يصلوا شعرها بشعر آخر (فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن) حكم (ذلك) أي عن حكم وصل شعرها بشعر آخر (فلعن) رسول الله صلى الله عليه وسلم (الواصلة والمستوصلة) تقدم بسط الكلام فيهما آنفًا فدل لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهما على حرمة الوصل.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في اللباس باب الوصل في الشعر [5934] وفي النكاح باب لا تطيع المرأة زوجها في معصية [5205]، والنسائي في الزينة باب المستوصلة [5097] وباب المتنمصات [5101].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:
5429 -
(00)(00)(حدثني زهير بن حرب حدثنا زيد بن الحباب) بضم أوله المهمل وبموحدتين أبو الحسين العكلي نسبة إلى عكل بطن من تميم الكوفي، صدوق، من (9) روى عنه في (11) بابا (عن إبراهيم بن نافع) المخزومي أبي إسحاق المكي، ثقة، من (7) روى عنه في (3) أبواب (أخبرني الحسن بن مسلم بن يناق) بفتح القاف غير مصروف للعلمية والعجمة، ويحتمل كونه صيغة مبالغة من الأنيق وهو الشيء الحسن المعجب فسهلت همزته ياء وعلى هذا اسم عربي مصروف (عن صفية بنت شيبة) العبدرية
عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ زَوَّجَتِ ابْنَة لَهَا. فَاشْتَكَتْ فَتَسَاقَطَ شَعْرُهَا. فَأَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالت: إِنَّ زَوْجَهَا يُرِيدُهَا. أَفَأَصِلُ شَعَرَهَا؟ فَقَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لُعِنَ الْوَاصِلاتُ".
5430 -
(00)(00) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ نَافِعٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، وَقَال:"لُعِنَ الْمُوصِلاتُ".
5431 -
(2088)(153) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنَا زُهيرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمدُ بْنُ الْمُثَنَّى (وَاللَّفْظُ لِزُهَيرٍ) قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى (وَهُوَ الْقَطَّانُ) عَنْ عُبَيدِ اللهِ
ــ
(عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة إبراهيم بن نافع لعمرو بن مرة (أن امرأة من الأنصار زوجت ابنة لها) لم أر من ذكر اسمها واسم زوج البنت (فاشتكت) البنت أي مرضت (فتساقط شعرها فأتت) المرأة (النبي صلى الله عليه وسلم فقالت أن زوجها يريدها) أي يريد استلامها (أفأصل شعرها، فقال) لها (رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الواصلات) أي لعن الله الواصلات.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:
5430 -
(00)(00)(وحدثنيه محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (حدثنا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسان الأزدي البصري (عن إبراهيم بن نافع) المخزومي المكي (بهذا الإسناد) يعني عن الحسن عن صفية عن عائشة، غرضه بيان متابعة عبد الرحمن لزيد بن الحباب (و) لكن (قال) عبد الرحمن (لعن الموصلات) اسم فاعل من أوصل الرباعي، بدل قول زيد لعن الواصلات اسم فاعل وصل الثلاثي.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أسماء بحديث ابن عمر مع الاستدلال به على الواشمة والمستوشمة رضي الله عنهما فقال:
5431 -
(2088)(153)(حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي) عبد الله (ح وحدثنا زهير بن حرب ومحمد بن المثنى واللفظ لزهير قال حدثنا يحيى) بن سعيد (وهو القطان) التميمي البصري كلاهما أي كل من ابن نمير ويحيى القطان رويا (عن عبيد الله)
أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم لَعَنَ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ
ــ
ابن عمر بن حفص العمري المدني (أخبرني نافع عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما. وهذان السندان من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الواصلة والمستوصلة والواشمة) أي التي تفعل الوشم في نفسها أو في غيرها (والمستوشمة) أي الآمرة بفعل الوشم فيها أو في غيرها، والوشم أن تغرز إبرة أو نحوها في ظهر الكف أو المعصم أو الشفة أو غير ذلك من بدن المرأة حتى يسيل الدم ثم تحشو ذلك الموضع بالكحل أو النورة أو النيلة أو الحبر فيخضر ويفعل ذلك لنقش صور أو نقوش، وفاعلة هذا تسمى واشمة، والمفعول بها ذلك موشومة فإن طلبت فعل ذلك بها أو بغيرها كبنتها الصغيرة فهي مستوشمة، والوشم حرام بنص هذا الحديث على الفاعلة والمفعول بها باختيارها والطالبة له وقد يفعل بالبنت وهي طفلة فتأثم الفاعلة ولا تأثم البنت لعدم تكليفها حينئذ كذا في شرح النووي. والحديث حجة على من حمل النهي فيه على التنزيه لأن دلالة اللعن علي التحريم من أقوى الدلالات، وأما ما أخرجه الطبري بسند صحيح عن قيس بن أبي حازم قال:(دخلت مع أبي على أبي بكر الصديق فرأيت يد أسماء موشومة). فأجاب عنه الطبري بأنها صنعته قبل النهي فاستمر في يدها ولا يظن أنها فعلته بعد النهي لثبوت النهي عن ذلك، وأجاب عنه الحافظ في الفتح [1/ 3770] بأنه يحتمل أنها لم تسمع النهي وإنما روي عنها في الحديث السابق النهي عن الوصل فقط وليس في حديثها ذكر الوشم أو كانت بيدها جراحة فداوتها فبقي الأثر مثل الوشم في يدها، ثم ذكر النووي أن الموضع الذي وشم يصير نجسًا فإن أمكن إزالته بعلاج أو بجرح وجب إزالته إلا إذا خيف منه التلف أو فوات عضو أو منفعته أو شين فاحش في عضو ظاهر فلا يجب إزالته وإذا تاب لم يبق عليه إثم وإن لم يخف شيئًا من ذلك لزمه إزالته ويعصي بتأخيره اهـ من المرقاة، ولكن هذا مذهب الشافعية أما الحنفية فقالوا إذا جمد الدم والتأم الجرح بقي محله أخضر فإذا غسل طهر لأنه أثر يشق زواله لأنه لا يزول إلا بسلخ الجلد أو جرحه فإذا كان لا يكلف بإزالة الأثر الذي يزول بماء حار أو صابون أو أشنان فعدم التكلف هنا من باب أولى فإن ادعى أن بقاء اللون دليل على بقاء العين رد بأن الصبغ والاختضاب كذلك فيلزم عدم طهارته ولما جرح صلى الله عليه وسلم في أحد جاءت فاطمة رضي الله تعالى عنها فأحرقت حصيرًا وكمدت به حتى التصق بالجرح فاستمسك
5432 -
(00)(00) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ بَزِيعٍ. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ. حَدَّثَنَا صَخْرُ بْنُ جُوَيرِيَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الله، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، بِمِثْلِهِ.
5433 -
(2089)(154) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ (وَاللَّفْظُ
ــ
الدم كذا في رد المحتار لابن عابدين، وقال أبو داود في السنن: الواشمة هي التي تجعل الخيلان في وجهها بكحل أو مداد والمستوشمة المعمول بها اهـ وذكر الوجه للغالب وأكثر ما يكون في الشفة اهـ عيني.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في اللباس باب وصل الشعر [5937] وباب الموصولة [5940] و [5942] وباب المستوشمة [5947]، وأبو داود [4168]، والترمذي [2784]، والنسائي في الزينة باب لعن الواشمة [5251]، وباب لعن الواصلة [5249] وباب المستوصلة [5095]، وابن ماجه في النكاح باب الواصلة والواشمة [1996].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:
5432 -
(00)(00)(وحدثنيه محمد بن عبد الله بن بزيع) بفتح الموحدة وكسر الزاي أبو عبد الله البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا بشر بن المفضل) بن لاحق الرقاشي بالقاف مولاهم أبو إسماعيل البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابا (حدثنا صخر بن جويرية) التميمي مولاهم أبو نافع البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (5) أبواب (عن نافع عن عبد الله) بن عمر رضي الله عنهما، غرضه بيان متابعة صخر لعبيد الله بن عمر، وساق صخر (عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله) أي بمثل حديث عبيد الله بن عمر.
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا على باقي الجزء الأول من الترجمة بحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال:
5433 -
(2089)(154) (حدثنا إسحاق بن إبراهيم وعثمان بن أبي شيبة واللفظ
لإِسْحَاقَ). أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الله. قَال: لَعَنَ اللهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالنَّامِصَاتِ وَالْمُتَنمِّصَاتِ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ
ــ
لإسحاق أخبرنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي، ثقة، من (8)(عن منصور) بن المعتمر السلمي أبي عتاب الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (19) بابا (عن إبراهيم) ابن يزيد النخعي الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (11) بابا (عن علقمة) بن قيس بن عبد الله بن علقمة النخعي الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) روى عنه في (4) أبواب (عن عبد الله) بن مسعود الهذلي الكوفي رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (قال) ابن مسعود (لعن الله) تعالى (الواشمات) أي الفاعلات للوشم (والمستوشمات) أي المفعولات بهن الوشم (والنامصات) أي الناتفات لشعور الوجه من الناس (والمتنمصات) أي الطالبات لنتف شعور وجوههن كلاهما من النمص بفتح النون وسكون الميم وهو نتف الشعر يقال نمصت المرأة الشعر أي نتفته والنامصة هي التي تنتف شعر الوجه من غيرها كما في القاموس وتاج العروس، والمتنمصة هي التي تأمر غيرها بنتف شعر وجهها عنها وأكثر ما تفعله النساء في الحواجب وأطراف الوجه ابتغاء الجمال والزينة، وقال محمد ذهني: والنامصة هي التي تقلع الشعر بالمنماص من الوجه، والمنماص ما يقلع به الشعر والمتنمصة هي التي فعل بها ذلك باختيارها وطلبها، وفي النهاية النامصة هي التي تنتف الشعر من وجهها والمتنمصة هي التي تأمر من يفعل بها ذلك، وفي الدر النثير: هي التي تنتف الشعر من الجبين اهـ. والحاصل كلاهما منهي عنهما حرام بنص هذا الحديث لأن الشارع لعنهما واللعن منه إما دعاء عليهما وإما بيان لاستحقاقهما له والله أعلم. قال النووي: إلا إذا نبت للمرأة لحية أو شوارب أهـ، أما إذا نبت للمرأة لحية أو شوارب أو عنفقة فأخذها حلال عند الحنفية والشافعية ونقل النووي عن الطبري أنه حرمه أيضًا.
(والمتفلجات) جمع متفلجة وهي المرأة التي تبرد بالمبرد ما بين أسنانها الثنايا والرباعيات لتحدث انفراجًا بين أسنانها المصمتة المنضمة إيهامًا للناس بأنها صغيرة السن من الفلج وهي الفرجة بين الثنايا والرباعيات وكانت العجائز ومن قاربتهن في السن يفعلنه لإظهار صغرهن لأن هذه الفرجة اللطيفة بين الأسنان تكون للبنات الصغار فإذا تفلجت امرأة كبيرة السن أوهمت أنها صغيرة في السن، ويقال له أيضًا (الوشر) أي لعن
لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ. قَال: فَبَلَغَ ذلِكَ امْرأَةَ مِنْ بَنِي أَسَدٍ. يُقَالُ لَهَا: أُمُّ يَعْقُوبَ. وَكَانَتْ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ. فَأَتَتْهُ فَقَالتْ: مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكَ؛ أَنَّكَ لَعَنْتَ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ. فَقَال عَبْدُ الله: وَمَا لِيَ لَا أَلعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ وَهُوَ فِي كِتَابِ اللهِ
ــ
الله هذه المذكورات الفاعلات ما ذكر طلبًا (للحسن) والجمال (المغيرات خلق الله) أي صورتهن التي خلقهن الله عليها (قال) علقمة (فبلغ ذلك) أي لعن عبد الله لهذه المذكورات (امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب) قال العيني: لم يدر اسمها ومراجعتها عبد الله بن مسعود تدل على أن لها إدراكًا لكن لم يذكرها أحد في الصحابيات اهـ (وكانت تقرأ القرآن فأتته فقالت) له أي قالت أم يعقوب لعبد الله (ما حديث بلغني عنك) يا عبد الله من (أنك لعنت الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله) وصورتهن التي خلقهن الله تعالى عليها (فقال عبد الله) بن مسعود للمرأة السائلة المعترضة عليه لعنه لهذه المذكورات (ومالي) أي وأي شيء ثبت لي حالة كوني (لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهن (وهو) أي والحال أن الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم فيما فعل وفيما ترك الذي من جملته لعن هذه المذكورات مذكور (في كتاب الله) عز وجل يعني القرآن كما سي سيشرحه قريبًا بقوله: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} أراد به أن ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم، أو نهى عنه فإنه من جملة أوامر الله تعالى ونواهيه لأن كتاب الله أمرنا بإطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه، قال القرطبي: وقول ابن مسعود للمرأة (ومالي لا ألعن من لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم دليل على جواز الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في إطلاق اللعن علي من لعنه النبي صلى الله عليه وسلم معينًا كان أو غير معين لأن الأصل أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يلعن إلا من يستحق ذلك غير أن هذا يعارضه قوله صلى الله عليه وسلم "اللهم ما من مسلم سببته أو جلدته أو لعنته وليس لذلك بأهل فاجعل ذلك له كفارة وطهورًا" رواه مسلم [2601]، وهذا يقتضي أنه صلى الله عليه وسلم قد يلعن من ليس بأهل للعنة وقد أشكل هذا على كثير من العلماء وراموا الانفصال عن ذلك بأجوبة متعددة ذكرها القاضي عياض
فَقَالتِ الْمَرْأَةُ: لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَينَ لَوْحَي الْمُصْحَفِ فَمَا وَجَدْتُهُ فَقَال: لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيهِ. قَال الله عز وجل {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]. فَقَالتِ الْمَرْأَةُ: فَإِنِّي أَرَى شَيئًا مِنْ هذَا عَلَى امْرَأَتِكَ الآنَ
ــ
في كتاب الشفاء وأشبه ما ينفصل به عن ذلك أن قوله ليس لذلك بأهل في علم الله وأعني بذلك أن هذا الذي لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما لعنه لسبب صدر منه يقتضي إباحة لعنه لكنه قد يكون منهم من يعلم الله تعالى من مآل حاله أنه يقلع عن ذلك السبب ويتوب منه بحيث لا يضره فهذا هو الذي يعود عليه سب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه ولعنه له بالرحمة والطهور والكفارة ومن لا يعلم الله ذلك منه فإن دعاءه صلى الله عليه وسلم زيادة في شقوته وتكثير للعنته والله تعالى أعلم اهـ من المفهم.
وقوله (وهو في كتاب الله) فهمت المرأة من هذا القول أن لعن المذكورات في الحديث منصوص عليه في القرآن (فقالت المرأة لقد قرأت ما بين لوحي المصحف) أي دفتيه وجلديه في الجانبين (فما وجدته) أي ما وجدت لعن هذه المذكورات في كتاب الله (فقال) لها عبد الله (لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه) بإشباع كسرة التاء في الموضعين إلى تولد الياء عنها وهي لغة معروفة فيما إذا اتصل بتاء خطاب الواحدة المؤنثة ضمير غائب وهي الرواية هنا ومعنى قرأتيه تدبرتيه اهـ مفهم، وقال الطيبي: اللام الأولى موطئة للقسم، والثانية لجواب القسم الذي سد مسد جواب الشرط والمعنى لو قرأتيه بالتدبر والتأمل لعرفت ذلك اهـ مرقاة. وإنما قلت لك ذلك لأنه قد (قال الله عز وجل: في كتابه العزيز ({وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}) ولو كنت تأملت هذه الآية لعرفت ما قلته لك، قال القرطبي: ووجه استدلاله على ذلك بالآية أنه فهم منها تحريم مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم فيما يأمر به وينهى عنه، وأن مخالفه مستحق للعنة وهؤلاء المذكورات في الحديث مستحقات للعنة اهـ من المفهم (فقالت المرأة) لعبد الله (فإني أرى شيئًا من هذا) الأمر الذي لعنت عليه (على امرأتك الآن) أي في هذا الزمن القريب تعني أنها رأت على امرأته في وقت قريب من وقت كلامها معه حتى كأنه في حكم الوقت الحاضر المعبّر عنه بـ الآن (شيئًا) من تلك الأمور المذكورات في الحديث وأقرب ما يكون ذلك الشيء التنميص وهو الذي يزول بنبات الشعر عن قريب ولو كان ذلك وشمًا أو تفليجًا لما زال، وامرأة عبد الله اسمها زينب بنت عبد الله بن معاوية
قَال: اذْهَبِي فَانْظُرِي. قَال: فَدَخَلَتْ عَلَى امْرَأَةِ عَبْدِ الله فَلَمْ تَرَ شَيئا. فَجَاءَتْ إِلَيهِ فَقَالتْ: مَا رَأَيتُ شَيئًا. فَقَال: أَمَا لَوْ كَانَ ذلِكَ، لَمْ نُجَامِعْهَا
ــ
الثقفية قاله الذهبي (قال) عبد الله للمرأة (اذهبي) إلى امرأتي (فانظري) ذلك عليها إن رأيتيه يعني أنه لما رأى على امرأته شيئًا من ذلك نهاها فانتبهت عنه وسعت في إزالته حتى زال (قال) علقمة (فدخلت) أم يعقوب (على امرأة عبد الله) اسمها زينب بنت عبد الله الثقفية (فلم تر) أم يعقوب على امرأة عبد الله (شيئًا) من ذلك المنكر، فصدق قوله فعله (فجاءت) أم يعقوب (إليه) أي إلى عبد الله (فقالت) له (ما رأيت) على أهلك (شيئًا) من ذلك، وهكذا يتعين على الرجل أن ينكر على زوجته مهما رأى عليها شيئًا محرمًا ويمتنع من وطئها كما قال علقمة (فقال) عبد الله لأم يعقوب (أما) حرف استفتاح وتنبيه أي انتبهي واستمعي يا أم يعقوب ما أقول لك (لو كان ذلك) المنكر على امرأتي (لم نجامعها) أي لم نطأها ولم نستمتع بها، وهذا ظاهر هذا اللفظ، ويحتمل بمعنى لم نجتمع معها في دار ولا بيت فإما بهجران أو بطلاق كما قال تعالى:{وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} وإذا كان هذا لأجل حق الزوج فلأن يكون لحق الله تعالى أحرى وأولى اهـ من المفهم، قال النووي: قوله (لم نجامعها) قال جماهير العلماء: معناه لم نصاحبها ولم نجتمع نحن ولا هي بل كنا نطلقها ونفارقها، قال القاضي: ويحتمل أن معناه لم أطأها وهذا ضعيف، والصحيح ما سبق فيحتج به على أن من عنده امرأة مرتكبة معصية كالوصل أو ترك الصلاة أو غيرهما ينبغي له أن يطلقها والله أعلم اهـ نووي، حتى قال بعضهم: وإن كان فقيرًا لا يقدر أن يعطي مهرها والموت مدينًا أهون من أن يعاشر معها والله أعلم اهـ ذهني، قال محمد ذهني: أيضًا قوله عليه السلام: "والمتفلجات" .. الخ بكسر اللام المشددة جمع متفلجة؛ وهي التي تطلب الفلج وهو بالتحريك فرجة ما بين الثنايا والرباعيات والفرق بين السنين على ما في النهاية، والمراد بهن النساء اللاتي تفعل ذلك بأسنانهن رغبة للتحسين، وقال بعضهم: هي التي تباعد ما بين الثنايا والرباعيات بترقيق الأسنان بالمبرد، وقال القرطبي: والمتفلجات جمع متفلجة وهي التي تفعل الفلج في أسنانها أي تعانيه حتى ترجع المصمتة خلقة فلجاء صنعة، وفي غير كتاب مسلم (الواشرات) وهي جمع واشرة وهي التي تشر أسنانها أي تصنع فيها أشرًا؛ وهي التحزيزات التي تكون في أسنان الشبان تفعل ذلك المرأة الكبيرة تشبهًا بالشابة، وقد وقع في رواية الهوزني أحد رواة مسلم مكان
5434 -
(00)(00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمنِ (وَهُوَ ابْنُ مَهْدِيٍّ). حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ. حَدَّثنَا مُفَضَّلٌ (وَهُوَ ابْنُ مُهَلْهِلٍ)
ــ
الواشمة والمستوشمة (الواشية والمستوشية) بالياء المثناة تحت مكان الميم وهي من الوشي أي تشي المرأة نفسها بما تفعله فيها من التنميص والتفليج والأشر وغير ذلك وبالميم أشهر وهذه الأمور كلها قد شهدت الأحاديث بلعن من يفعلها وبأنها من الكبائر، واختلف في المعنى الذي لأجله نهى عنها فقيل لأنها من باب التدليس، وقيل من باب تغيير خلق الله الذي يحمل الشيطان عليه ويأمر به كما قال تعالى مخبرًا عنه:{وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} وهو الذي أومأ إليه في الحديث بقوله المغيرات خلق الله، وفيه تصريح بأن الوصل والوشم والنمص وغيرها من جملة تغيير خلق الله الذي يفعله الإنسان بإغواء من الشيطان والذي نهى الله عنه في كتابه المجيد، وقال القرطبي في تفسيره [5/ 392] ثم قيل هذا المنهي عنه إنما هوفيما يكون باقيًا لأنه من باب تغيير خلق الله تعالى فأما ما لا يكون باقيًا كالكحل والتزين به للنساء فقد أجازه العلماء مالك وغيره، وكرهه مالك للرجال وأجاز مالك أيضًا أن تشي المرأة يديها بالحناء. والحاصل أن كل ما يفعل في الجسم من زيادة أو نقص من أجلالزينة بما يجعل الزيادة أو النقصان مستمرًا مع الجسم وبما يبدو منه أنه كان في أصل الخلقة هكذا فإنه تلبيس وتغيير منهي عنه، وأما ما تزينت به المرأة لزوجها من تحمير الأيدي أو الشفاة أو العارضين بما لا يلتبس بأصل الخلقة فإنه ليس داخلًا في النهي عند جمهور العلماء. وأما قطع الإصبع الزائدة ونحوها فإنه ليس تغييرًا لخلق الله وإنه من قبيل إزالة عيب أو مرض فأجازه أكثر العلماء خلافًا لبعضهم كالطبري اهـ.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [5939]، وأبو داود [4169]، والنسائي [5098]، وابن. ماجه [1998].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:
5434 -
(00)(00)(حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قال حدثنا عبد الرحمن وهو ابن مهدي حدثنا سفيان) الثوري (ح وحدثنا محمد بن رافع) القشيري (حدثنا يحيى بن آدم) بن سليمان الأموي الكوفي (حدثنا مفضل وهو ابن مهلهل) السعدي الكوفي،
كِلاهُمَا عَنْ مَنْصُورٍ، فِي هذَا الإِسْنَادِ، بِمَعْنَى حَدِيثِ جَرِيرٍ. غَيرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ سُفْيَانَ: الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ. وَفِي حَدِيثِ مُفَضَّلٍ: الْوَاشِمَاتِ وَالْمَوْشُومَاتِ.
5435 -
(00)(00) وحدّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، الْحَدِيثَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. مُجَرَّدًا عَنْ سَائِرِ الْقِصَّةِ. مِنْ ذِكْرِ أُمِّ يَعْقُوبَ.
5436 -
(00)(00) وحدّثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ (يَعْنِي ابْنَ حَازِمٍ)
ــ
ثقة، من (7)(كلاهما) أي كل من سفيان ومفضل رويا (عن منصور) بن المعتمر السلمي الكوفي (في هذا الإسناد) أي بهذا الإسناد يعني عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله، وفي بمعنى الباء عدل إليها فرارًا من ثقل تكرار حرفي جر متحدي اللفظ والمعنى، غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة سفيان ومفضل لجرير بن عبد الحميد كما ذكره بقوله وساقا (بمعنى حديث جرير) بن عبد الحميد (غير) أي لكن (أن في حديث سفيان) وروايته لفظة (الواشمات والمستوشمات) كحديث جرير (وفي حديث مفضل الواشمات والموشومات) بدل المستوشمات.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثانيًا فقال:
5435 -
(00)(00)(وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن المثنى وابن بشار قالوا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن منصور) بن المعتمر، غرضه بيان متابعة شعبة لجرير أيضًا (بهذا الإسناد) يعني عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله، وساق شعبة (الحديث) السابق بلفظه حالة كونه (عن النبي صلى الله عليه وسلم مجردًا عن سائر القصة) وجميعها حالة كون القصة (من ذكر أم يعقوب).
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثالثًا فقال:
5436 -
(00)(00)(وحدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي الأبلي، صدوق، من (9)(حدثنا جرير يعني ابن حازم) بن زيد بن عبد الله الأزدي البصري، ثقة، من (6) روى
حدَّثَنَا الأعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الله، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، بِنَحْو حَدِيثِهِمْ.
437 5 - (2090)(155) وحدّثني الْحَسَنُ بْنُ عَليٍّ الْحُلْوَانِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي أبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ الله يَقُولُ: زَجَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَصِلَ الْمَرْأَةُ بِرَأْسِهَا شَيئًا
ــ
عنه في (19) بابا (حدثنا الأعمش عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس (عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة الأعمش لمنصور، وقوله (بنحو حديثهم) بضمير الجمع تحريف من النساخ، والصواب (بنحو حديثه) بالإفراد أي ساق الأعمش بنحو حديث منصور.
قال النووي: وهذا الإسناد مما استدركه الدارقطني على مسلم وقال: الصحيح عن الأعمش إرساله قال ولم يسنده عنه غير جرير وخالفه أبو معاوية وغيره فرووه عن الأعمش عن إبراهيم مرسلًا قال: والمتن صحيح من رواية منصور عن إبراهيم يعني كما ذكره في الطرق السابقة وهذا الإسناد فيه أربعة تابعيون بعضهم عن بعض وهم جرير والأعمش وإبراهيم وعلقمة وقد رأى جرير رجلًا من الصحابة وسمع أبا الطفيل وهو صحابي والله أعلم.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث أسماء بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهم فقال:
437 5 - (2090)(155)(حدثني الحسن بن علي) بن محمد بن علي الهذلي الخلال (الحلواني) أبو علي المكي، ثقة، من (11)(ومحمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11)(قالا أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا ابن جريج) المكي (أخبرني أبو الزبير) المكي (أنه سمع جابر بن عبد الله) بن عمرو بن حرام الأنصاري الخزرجي رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته (يقول) جابر (زجر) أي نهى (النبي صلى الله عليه وسلم أن تصل المرأة برأسها) أي بشعر رأسها (شيئًا) من الشعور سواء كان من آدمي أو من غيره كالصوف والوبر وسواء كان شعرًا أو غيره
5438 -
(2091)(156) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، عَنْ حُمَيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ عَوْفٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاويَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ، عَامَ حَجَّ، وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ، وَتَنَاوَلَ قُصَّةَ مِنْ شَعَرِ كَانَتْ فِي يَدِ حَرَسِيٍّ. يَقُولُ:
ــ
كخيوط الحرير، وحديث جابر هذا مطلق محمول على ما تقدم من المقيد وهو الوصل بشعر الآدمي فلا يمتنع الوصل بالوبر أو الصوف أو الخرقة أو اتخاذ القرامل وهي خيوط من حرير لأن جواز ذلك مروي عن عدة من الصحابة رضي الله عنهم منهم ابن عباس وأم سلمة وعائشة رضي الله عنهم نقله العيني في عمدة القاري [10/ 302] وهذا الحديث انفرد به المؤلف عن أصحاب الأمهات.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث أسماء بحديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم فقال:
5438 -
(2091)(156)(حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال قرأت على مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف) الزهري المدني (أنه سمع معاوية بن أبي سفيان) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته (عام حج) معاوية أي في عام حج فيه آخر حجة حجها في خلافته، ووقع في رواية سعيد بن المسيب عند البخاري في الأنبياء (قدم معاوية بن أبي سفيان المدينة آخر قدمة قدمها .. الخ) وذكر الحافظ في الفتح [9/ 516] أن ذلك كان في سنة إحدى وخمسين (51) وهي آخر حجة حجها في خلافته (وهو) أي والحال أن معاوية قائم (على المنبر) النبوي خطيبًا (و) قد (تناول) ورفع بيده (قصة) أي حزمة وقطعة (من شعر) تصل بها النساء شعورهن (كانت) تلك القصة (في يد حرسي) أي شرطي من أعوانه، والقصة بضم القاف وتشديد الصاد شعر مقدم الرأس المقبل على الجبهة، وقيل شعر الناصية، وقال العيني في العمدة [7/ 467] والمراد منها هنا قطعة وقبضة من شعر مأخوذ من قصصت الشعر إذا قطعته (والحرسي) الشرطي منسوب إلى الحرس بفتح الحاء والراء وهو واحد الحراس، وزاد الطبراني هنا من طريق عروة عن معاوية (وجدت هذه عند أهلي وزعموا أن النساء يزدنه في شعورهن) ذكره الحافظ في لباس الفتح [10/ 375] وفي رواية سعيد بن المسيب الآتية (ما كنت أرى أن أحدًا يفعله إلا اليهود) أي سمع حميد معاوية حالة كونه (يقول)
يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ، أَينَ عُلَمَاؤُكُمْ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَنْهى عَنْ مِثْلِ هذِهِ. وَيَقُولُ:"إِنَّمَا هَلَكَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ حِينَ اتَّخَذَ هذِهِ نِسَاؤُهُم"
ــ
على المنبر النبوي (يا أهل المدينة أين علماءكم) قال النووي: هذا السؤال من معاوية للإنكار عليهم بإهمالهم إنكار هذا المنكر وغفلتهم عن تغييره، وفي حديث معاوية هذا اعتناء الخلفاء وسائر ولاة الأمور بإنكار المنكر وإشاعة إزالته وتوبيخ من أهمل إنكاره ممن توجه ذلك عليه اهـ قال القرطبي: وقول معاوية هذا رضي الله عنه على جهة التذكير لأهل المدينة بما يعلمونه واستعانة على ما رام تغييره من ذلك لا على جهة أن يعلمهم بما لم يعلموا فإنهم أعلم الناس بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم لا سيما في ذلك العصر، ويحتمل أن يكون ذلك فيه لأن عوام أهل المدينة أول من أحدث الزور كما قال في الرواية الأخرى (إنكم قد أحدثتم زي سوء) يعني الزور فنادى أهل العلم ليوافقوه على ما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم من النهي عن ذلك فينزجر من أحدث ذلك من العوام، وقد فسر معاوية الزور المنهي عنه في هذا الحديث بالخرق التي يكثر النساء بها شعورهن بقوله (ألا وهذا الزور) وزاده قتادة وضوحًا و (الزور في غير هذا الحديث) قول الباطل والشهادة بالكذب وأصل التزوير التمويه بما ليس بصحيح اهـ من المفهم. وذكر الحافظ في الفتح [6/ 516] أن الصحابة كانوا قليلين في المدينة إذ ذاك ومن بقي منهم أو التابعون إنما سكتوا عن الإنكار إما لعدم بلوغهم الخبر أو لأنهم رأوا في ذلك كراهة تنزيه كذا قال الحافظ، ويحتمل أيضًا أن يكون بعضهم قد وقع منه الإنكار ولكنه لم يشتهر ثم استظهر الحافظ في الفتح أن خطبة معاوية هذه وقعت في غير يوم الجمعة لأن قوله أين علماؤكم يدل على أنهم كانوا غائبين حينئذ ويبعد من العلماء أن يغيبوا يوم الجمعة. ولكن فيه نظر لأن قوله أين علماؤكم لا يدل على كونهم غائبين وإنما يقال مثل هذا للتنبيه والتوبيخ وإن كانوا حاضرين والله أعلم اهـ (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن) اتخاذ النساء (مثل هذه) القصة ووصلها بشعورهن (و) سمعته صلى الله عليه وسلم أيضًا (يقول إنما هلكت) وعذبت (بنو إسرائيل حين اتخذ هذه) القصة (نساوهم) ووصلنها بشعورهن ويظهر من هذا المذكور أن ذلك كان محرمًا عليهم وأن نساءهم ارتكبوا ذلك المحرم فأقرهن على ذلك رجالهم فاستوجب الكل العقوبة والهلاك بذلك وبما ارتكبوه من المعاصي العظائم اهـ مفهم، وفيه معاقبة العامة بظهور المنكر. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 87]، والبخاري في اللباس [5932
5439 -
(00)(00) حدَّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، ح وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ. غَيرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ مَعْمَرٍ:"إِنَّمَا عُذِّبَ بَنُو إِسْرَائِيلَ".
5445 -
(00)(00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ. قَال: قَدِمَ مُعَاويَةُ الْمَدِينَةَ
ــ
و5938] وفي الأنبياء [3468 و 3488]، وأبو داود في الترجل [4167]، ، والنسائي في الزينة [5092 و 5093]، والترمذي [2781].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث معاوية رضي الله عنه فقال:
5439 -
(00)(00)(حدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا سفيان بن عيينة (ح) وحدثني حرملة بن يحيى) بن عبد الله التجيبي (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأموي الأيلي ((ح) وحدثنا عبد بن حميد أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (كلهم) أي كل من سفيان ويونس ومعمر رووا (عن الزهري) وساقوا (بمثل حديث مالك غير) أي لكن (أن في حديث معمر) وروايته لفظة (إنما عذب بنو إسرائيل) بدل قول مالك إنما هلكت بنو إسرائيل، غرضه بسوق هذه الأسانيد الثلاثة بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لمالك.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث معاوية رضي الله عنه فقال:
5440 -
(00)(00)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا غندر) محمد بن جعفر (عن شعبة (ح) وحدثنا ابن المثنى وابن بشار قال حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة) بن عبد الله المرادي الكوفي، ثقة، من (5)(عن سعيد بن المسيب) بن حزن القرشي المخزومي أبي محمد المدني، ثقة، من (2) سيد التابعين (قال) سعيد (قدم معاوية المدينة) آخر قدمة قدمها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سعيد بن
فَخَطَبَنَا وَأَخْرَجَ كُبَّةً مِنْ شَعَرٍ. فَقَال: مَا كُنْتُ أُرَى أَنَّ أَحَدًا يَفْعَلُهُ إلا الْيَهُودَ. إِنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم بَلَغَهُ فَسَمَّاهُ الزُّورَ.
5441 -
(00)(00) وحدّثني أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. قَالا: أَخْبَرَنَا مُعَاذٌ (وَهُوَ ابْنُ هِشَامٍ). حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ؛ أَنَّ مُعَاويَةَ قَال ذَاتَ يَوْمِ: إِنَّكُمْ
ــ
المسيب لحميد بن عبد الرحمن (فخطبنا) معاوية على المنبر النبوي بدليل الرواية السابقة (وأخرج) معاوية وهو قائم على المنبر (كبة) أي خصلة وحزمة مجموعة (من شعر) أي أخذها من يد حرسيٍّ وأظهرها للناس رافعًا بها يده، والكبة بضم الكاف وتشديد الباء الموحدة الشعر المكفوف بعضه على بعض، وفي اللغة الكبة بضم الكاف الجماعة، وفي النهاية ومنه حديث ابن مسعود أنه رأى جماعة ذهبت فرجعت فقال إياكم وكبة السوق فإنها كبة الشيطان أي جماعة السوق اهـ والمراد هنا قطعة من شعر والله أعلم. وفي الأبي: الكبة من الشعر الملتف بعضه على بعض اهـ ذهني (فقال) معاوية (ما كنت) أولًا (أرى) وأظن (أن أحدًا) من الناس (يفعله) أي يفعل هذا الشعر المجموع الموصول بشعور النساء (إلا اليهود) أي إلا نساءهم ذ (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه) أي بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم وصل هذا الشعر المجموع بشعور النساء (فسماه) أي فسمى النبي صلى الله عليه وسلم وصله بـ (الزور) بضم الزاي أي الكذب لأن المرأة تريد بذلك أن تظهر ما ليس بواقع.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث معاوية رضي الله عنه فقال:
5441 -
(00)(00)(وحدثني أبو غسان المسمعي) مالك بن عبد الواحد البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (9) أبواب (ومحمد بن المثنى قال أخبرنا معاذ وهو ابن هشام) الدستوائي (حدثني أبي) هشام بن أبي عبد الله الدستوائي البصري (عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري (عن سعيد بن المسيب أن معاوية) بن أبي سفيان رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة قتادة لعمرو بن مرة (قال) معاوية (ذات يوم) أي يومًا من الأيام فلفظ ذات مقحم زائد للتأكيد (إنكم) يا أهل المدينة
قَدْ أَحْدَثْتُمْ زِيَّ سَوْءٍ. وَإِنَّ نَبِيَّ الله صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الزُّورِ. قَال: وَجَاءَ رَجُلٌ بِعَصًا عَلَى رَأْسِهَا خِرْقَةٌ. قَال مُعَاويَةُ: أَلا وَهذَا الزُّورُ. قَال قَتَادَةُ: يَعْنِي مَا يُكَثِّرُ بِهِ النِّسَاءُ أَشْعَارهُنَّ مِنَ الْخِرَقِ
ــ
(قد أحدثتم) وابتدعتم واخترعتم (زي سوء) بفتح السين وسكون الواو والزي بكسر الزاي وتشديد الياء الهيئة والصفة والسوء مصدر بمعنى اسم الفاعل والإضافة فيه من إضافة الموصوف إلى صفته أي إنكم أحدثتم هيئة سيئة وصفة شنيعة في نسائكم (وإن نبي الله صلى الله عليه وسلم نهى عن) هذا (الزور) والتلبيس الذي فعلتموه أي نساؤكم، وفي النهاية الزور الكذب والباطل والتهمة، وفي الدر الزور الكذب والباطل قلت وفسر قوله ونهى عن الزور بوصل الشعر (قال) سعيد بن المسيب (وجاء رجل) أي دخل المسجد وهو يخطب (بعصا على رأسها خرقة) ملفوفة عليها فـ (قال معاوية) رضي الله عنه (ألا) حرف استفتاح وتنبيه أي قال معاوية للناس انتبهوا وانظروا إلى هذا الداخل (وهذا) الذي فعله الرجل بعصاه هو (الزور) أي الباطل والتلبيس مثل وصل المرأة شعرها بشعر آخر (قال قتادة) عن سعيد (يعني) معاوية بقوله (إن نبي الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الزور)(ما يكثر) بضم الياء وتشديد المثلثة المكسورة من التكثير (به النساء أشعارهن) أي وصلًا توهم به النساء كثرة شعورهن (من الخرق) أي من خرق الحرير والخز والصوف التي توصلها بشعرها تلبيسًا على الناس (وقوله يعني ما يكثر به النساء أشعارهن من الخرق) احتج به من منع الوصل بغير الشعر أيضًا لكن قال الحافظ في الفتح [10/ 375]، وذهب الليث ونقله أبو عبيدة عن كثير من الفقهاء أن الممتنع من ذلك وصل الشعر بالشعر وأما إذا وصلت شعرها بغير الشعر من خرقة وغيرها فلا يدخل في النهي، وأخرج أبو داود بسند صحيح عن سعيد بن جبير قال: لا بأس بالقرامل. وبه قال أحمد، والقرامل جمع قرمل بضم القاف وسكون الراء نبات طويل الفروع لين، والمراد به هنا خيوط من حرير أو صوف يعمل ضفائر تصل به المرأة شعرها وفصل بعضهم بين ما إذا كان ما وصل به الشعر من غير الشعر مستورًا بعد عقده مع الشعر بحيث يظن أنه من الشعر وبين ما إذا كان ظاهرًا فمنع الأول قوم فقط لما فيه من التدليس وهو قوي. [قلت] وبه تجتمع الأحاديث ويؤيده تسمية النبي صلى الله عليه وسلم إياه بالزور فدل على أن العلة التدليس والله أعلم اهـ تكملة.
5442 -
(2092)(157) حدّثني زُهيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا. قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِها النَّاسَ
ــ
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة وهو ذم الكاسيات العاريات بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
5442 -
(2092)(157)(حدثني زهير بن حرب حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي، ثقة، من (8)(عن سهيل) بن أبي صالح السمان، صدوق، من (6)(عن أبيه) أبي صالح السمان ذكوان الزيات (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صنفان) أي نوعان من الناس وسوّغ الابتداء بالنكرة وصفه بصفة محذوفة كما قدرناه كائنان (من أهل النار) يعذبان بها في الآخرة لشدة جريمتهم (لم أرهما) الآن، قال المناوي: أي لم يوجدا في عصري لطهارة ذلك العصر بل حدثا بعده اهـ أي وجدا بعد عصره صلى الله عليه وسلم وهذا لا شك من معجزاته صلى الله عليه وسلم فإنه إخبار عما سيقع قبل وقوعه وهو كما أخبر وقع والله أعلم اهـ ذهني.
وعبارة القرطبي هنا قوله (لم أرهما) أي لم يوجد في عصره صلى الله عليه وسلم منهما أحد لطهارة أهل ذلك العصر الكريم ويتضمن ذلك أن ذينك الصنفين سيوجدان وكذلك كان فإنه خلف بعد تلك الأعصار قوم يلازمون السياط المؤلمة التي لا يجوز أن يضرب بها في الحدود قصدًا لتعذيب الناس فإن أمروا بإقامة حد أو تعزير تعدوا المشروع في ذلك في الصفة والمقدار، وربما أفضى بهم الهوى وما جبلوا عليه من الظلم إلى هلاك المضروب أو تعظيم عذابه وهذا أحوال الشرط بالمغرب والعوانية في هذه البلاد، وبالجملة فهم سخط الله عاقب الله بهم شرار خلقه غالبًا نعوذ بالله من سخطه في الدنيا والآخرة اهـ من المفهم كما ذكره بقوله أحدهما (قوم) ظلمة فسقة من الولاة (معهم سياط) جمع سوط وهو آلة للضرب معروف (كأذناب البقر) في طولها وغلظها كما هي في الحبشة معروفة من جلود مقددة مضفورة لها لسانان فأكثر تشق الجلد وتخرج الدم في أول مرة (يضربون بها) أي بتلك السياط (الناس) ظلمًا في أصلها أو بالزيادة فيها قدرًا وصفة في الحدود والتعزيرات، قال الساعاتي في بلوغ الأماني [17/ 302] تسمى تلك
وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، مُمِيلاتٌ مَائِلاتٌ،
ــ
السياط في ديار الغرب بالمقارع جمع مقرعة وهي جلد طرفها مشدود عرضها كالإصبع، قوله (يضربون بها الناس) ممن اتهم في شيء ليصدق في إقراره، وقيل هم أعوان والي الشرطة المعروفون بالجلادين فإذا أمروا بالضرب تعدوا المشروع في الصفة والمقدار، وقيل المراد بهم في الحديث الطوافون على أبواب الظلمة ومعهم المقاريع يطردون بها الناس وكل ذلك حصل في زماننا نسأل الله السلامة من شرهم، قال القاضي عياض: يحتمل أن ضربهم الناس ظلمًا هو السبب في تعذيبهم بالنار، ويحتمل أن تعذيبهم لمعاص أخر من كفر وغيره وذكر ضربهم كالصفة والتعريف لهم اهـ من الأبي [5/ 411].
(و) ثانيهما (نساء كاسيات) أي ساترات بعض أبدانهن (عاريات) أي كاشفات بعضها لإظهار جمالها وزينتها للناس وإمالة لقلوبهم إليها، وقيل (كاسيات) أي لابسات ثيابًا رقيقة لا تستر لون جسمها (عاريات) أي كاشفات لون جسمها لأن ثيابها لا تمنع إدراك لونهن، وقيل (كاسيات) للأثواب الظاهرة (عاريات) عن لباس التقوى، وقيل (كاسيات) لنعم الله تعالى (عاريات) عن شكرها.
قال القرطبي: قيل في هذا الكلام قولان أحدهما: أنهن كاسيات بلباس الأثواب الرقاق الرفيعة التي لا تستر حجم عورتها أو تبدي من محاسنها مع وجود الأثواب الساترة عليها ما لا يحل لها أن تبديه كما تفعل البغايا المشتهرات بالفسق. وثانيهما: أنهن كاسيات من الثياب عاريات عن لباس التقوى الذي ذكره الله تعالى بقوله: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيرٌ} .
[قلت] ولا بعد في إرادة القدر المشترك بين هذين النوعين إذ كل واحد منهما عرو وإنما يختلفان بالإضافة اهـ من المفهم.
(مميلات) إليهن قلوب الرجال بما تظهره من جمالهن وزينتهن (مائلات) في مشيتهن يمنة ويسرة متبخترات فيها، قال القرطبي: كذا جاءت الرواية في هاتين الكلمتين (مميلات مائلات) بتقديم مميلات على مائلات وكلاهما من الميل بالمثناة من تحت ومعنى ذلك أنهن يملن في أنفسهن تثنيًا وتصنعًا وتبخترًا ليملن إليهن قلوب الرجال فيميلون إليهن ويفتنهم وعلى هذا فكان حق مائلات أن يقدم على مميلات لأن ميلهن في أنفسهن مقدم في الوجود على إمالتهن قلوب الرجال إليهن، ولكن صح ذلك لأن
رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا. وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا"
ــ
الصفات المجتمعة لا يلزم ترتيبها ألا ترى أنها تعطف بالواو، والواو جامعة غير مرتبة إلا أن الأحسن تقديم مائلات على مميلات لأنه سببه كما ذكر آنفًا وليكون الوضع موافقًا للطبع اهـ من المفهم مع زيادة. وقيل (مائلات) يمشطن المشطة المائلة وهي مشطة البغايا، و (مميلات) يمشطن غيرهن تلك المشطة، وقيل (مميلات) قلوب الرجال إلى الفحشاء، و (مائلات) إلى ارتكاب الزنا أو دواعيه، وفسره ابن حبان بقوله المائلات من التبختر والمميلات من السمن. إلى غير ذلك من الأقوال (رؤوسهن) أي شعورهن مبتدأ خبره (كأسنمة البخت) وقوله (المائلة) بالجر صفة للأسنمة أي يعظمن شعورهن بالخرق حتى تشبه أسنمة الإبل كذا في المناوي. والأسنمة جمع سنام، وسنام كل شيء أعلاه. والبخت بضم الباء وسكون الخاء جمع بخت وهي جمال طوال الأعناق كما في النهاية لابن الأثير اهـ مفهم، قال النووي: والمعنى أنهن يكبرن رؤوسهن ويعظمنها بلف عمامة أو عصابة أو نحوهما عليها، وقد ظهرت في عصرنا هذا الفاسد بتتبع اليهود والنصارى نساء يعقدن شعورهن المسترسلة على أقفيتهن أو في أوساط رؤوسهن بما يشابه سنام البعير سواء بسواء كأن النبي صلى الله عليه وسلم شبه رؤوسهن بأسنمة البخت وهذا من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم إذ وقع من النساء ما أخبر به قبل أربعة عشر قرنًا. وقريب من هذا الخبر بل أوضح منه ما أخرجه أحمد والحاكم والطبراني عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "سيكون في آخر أمتي رجال يركبون على سروج كأشباه الرحال ينزلون على أبواب المساجد نساؤهم كاسيات عاريات على رؤوسهن كأسنمة البخت العجاف العنوهن فإنهن ملعونات" هذا لفظ أحمد في مسنده [2/ 223]، ولا يبعد أن يكون المراد من الذين يركبون على سروج ينزلون على أبواب المساجد هم الذين يركبون السيارات وينزلون منها على أبواب المساجد للصلاة والله سبحانه تعالى أعلم اهـ تكملة.
(لا يدخلن) أولئك النساء (الجنة) أصلًا إن استحللن ذلك وإلا فبعد المجازاة على فعلهن لأنه من الكبائر إن لم يتبن (ولا يجدن ريحها) أي رائحة الجنة (وإن ريحها) أي والحال أن رائحتها (ليوجد من مسيرة كذا وكذا) أي من مسافة كذا وكذا من الأسماء
5443 -
(2093)(158) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَعَبْدَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ امْرَأَةً قَالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَقُولُ: إِنَّ زَوْجِي أَعْطَانِي مَا لَمْ يُعْطِنِي؟ فَقَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَم يُعْطَ، كَلابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ"
ــ
المبهمة المركبة في محل جر مضاف إليه مبني على جر الجزأين منع من ظهوره اشتغال المحل بسكون البناء الأصلي بني الأول لافتقاره إلى الثاني والثاني لوقوعه موقع عشر من الأعداد المركبة اهـ شيخنا. وذكر الفعل لأن الريح تذكر وتؤنث.
وقوله (من مسيرة كذا وكذا) أي من مسيرة أربعين عامًا كما في بعض الرواية، وفي الموطإ "ريحها يوجد من مسيرة خمسمائة سنة" اهـ ذهني.
وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف عن أصحاب الأمهات وسيذكره أيضًا في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها في: (باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء).
ثم استدل المؤلف على الجزء الأخير من الترجمة بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:
5443 -
(2093)(158)(حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا وكيع وعبدة) بن سليمان الكلابي الكوفي، ثقة، من (8) كلاهما (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) رضي الله عنهم. وهذا السند من خماسياته (أن امرأة قالت يا رسول الله أقول) لضرتي مثلًا (إن زوجي أعطاني) ذاكرًا لـ (ما لم يعطني) إغاظة وإغارة لضرتي، والمرأة هي أسماء بنت أبي بكر الصديق وزوجها الزبير بن العوام، وضرتها في حفظي أنها أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط قاله شيخنا اهـ من مبهمات مسلم، فهل يجوز لي ذلك أم لا؟ (فقال) لها (رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبع) أي المتكبر المفتخر الذي يظهر شبعه (بما لم يعط كلابس ثوبي زور) فلا يجوز لك ذلك القول.
قوله (أقول إن زوجي) الخ، ويظهر من حديث أسماء الآتي أنها تخاطب بذلك القول ضرتها لتظهر أنها أكثر قدرًا وحظوة عند زوجها منها فتقول لها إن زوجي أعطاني كذا مع أنه لم يعطه إياها. (قوله المتشبع بما لم يعط) بالبناء للمجهول، قال الزمخشري في الفائق: المتشبع أي المتشبه بالشبعان وليس به واستعير للمتحلي بفضيلة لم يرزقها، وقال النووي: معناه المكثر بما ليس عنده بأن يظهر أن عنده ما ليس عنده من علم أو
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
جاه أو مال يستكثر بذلك عند الناس ويتزين بالباطل فهو مذموم. وقال أبو عبيدة "المتشبع" أي المتزين بما ليس عنده يتكثر بذلك ويتزين بالباطل كالمرأة تكون عند الرجل ولها ضرة فتدعي من الحظوة عند زوجها أكثر مما عنده تريد بذلك غيظ ضرتها، وكذلك هذا في الرجال ويدخل فيه كل من يظهر خصلة لا توجد فيه (كلابس ثوبي زور) أي كمن يزور على الناس فيلبس لباس ذوي التقشف ويظهر بزي أهل الصلاح وليس منهم وأضيف الثوبان إلى الزور لأنهما ليسا لأجله وثني باعتبار الرداء والإزار، وقال بعضهم: أما تثنية الثوبين فلأن الحلة ثوبان فإذا لبس ثوبي زور فكأنه متصف بالزور من رأسه إلى قدمه. وقال الداودي: في التثنية إشارة إلى أنه كالذي قال الزور مرتين مبالغة في التحذير من ذلك، ويحتمل أن تكون التثنية إشارة إلى أنه حصل بالتشبع حالتان مذمومتان فقدان ما يتشبع به وإظهار الباطل هذا ملخص ما في شرح النووي وفتح الباري [9/ 318] وقال ابن التين: معناه أن المرأة تلبس ثوب وديعة أو عارية ليظن الناس أنهما لها فلباسها لا يدوم وتفتضح بكذبها. وقال الداودي: أيضًا إنما كره ذلك لأنها تدخل بين الضرة وزوجها البغضاء فيصير كالسحر الذي يفرق بين المرء وزوجه اهـ عيني. والحاصل أن التشبع لا يخلو عن الرياء والنفاق وإلحاق الغم والقلق والإضجار والأذى لضرتها وهذه الخصال كلها حرام والله أعلم.
وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف عن أصحاب الأمهات. وقال الدارقطني: في العلل حديث هشام عن أبيه عن عائشة إنما يرويه هكذا معمر ومبارك بن فضالة ويرويه غيرهما عن فاطمة عن أسماء وهو الصحيح، قال: وإخراج مسلم حديث هشام عن أبيه عن عائشة لا يصح والصواب حديث عبدة ووكيع وغيرهما عن هشام عن فاطمة عن أسماء حكاه النووي.
ولكن لِمَ لا يجوز أن يكون الحديث مرويًّا عن عائشة وأسماء جميعًا لا سيما إذا كان رواة كل من الطريقين ثقات وإخراج مسلم كلا الحديثين دليل على أن كليهما صحيح عنده، وذكر الحافظ في الفتح [9/ 318] أن معمرًا ومبارك بن فضالة لهما متابع عند الجوزقي ويظهر من كلام الحافظ أنه يرجح تصحيح كلا الحديثين وأنه رواه عبدة بكلا الوجهين والله سبحانه وتعالى أعلم.
5444 -
(2094)(159) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا عَبْدَةُ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ فَاطِمَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالتْ: إِنَّ لِي ضَرَّةً. فَهلْ عَلَيِّ جُنَاحٌ أَنْ أَتَشَبَّعَ مِنْ مَالِ زَوْجِي بِمَا لَمْ يُعْطِنِي؟ فَقَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَم يُعْطَ، كَلابِسِ ثَوْبَي زُورٍ"
ــ
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث أسماء رضي الله تعالى عنهما فقال:
5444 -
(2094)(159)(حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا عبدة) بن سليمان (حدثنا هشام) بن عروة (عن) زوجته (فاطمة) بنت المنذر (عن) جدتها (أسماء) بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، قالت أسماء (جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وتلك المرأة هي أسماء نفسها راوية الحديث كما مر في حديث عائشة (فقالت) تلك المرأة للنبي صلى الله عليه وسلم (إن لي ضرة) أي زوجة زوجي وشريكتي فيه، سميت بذلك لاستضرار كل منهما بالأخرى يقال تزوجت المرأة على ضرة بضم الضاد وكسرها إذا تزوجتها على أخرى اهـ من الأبي (فهل علي جناح) أي ذنب في (أن أتشبع) أي أن أتكبر وأفتخر وأتكثر بالأخذ (من مال زوجي بما لم يعطني) هو أم لا (فقال) لي (رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم عليك جناح لأني أقول لك (المتشبع) أي المتكثر والمتزين والمتجمل (بما لم يعط كلابس ثوبي زور) قال القرطبي: سألته هل يجوز لها أن تظهر لضرتها أن زوجها قد مكنها أو أعطاها من ماله أكثر مما تستحقه أو أكثر مما أعطى ضرتها افتخارًا عليها وإيهامًا لها أنها عنده أحظى منها فأجابها صلى الله عليه وسلم بما يقتضي المنع فقال: "المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور" وأصل التشبع تفعل من الشبع وهو الذي يظهر الشبع وليس بشبعان وكثيرًا ما تأتي هذه الصيغة بمعنى التعاطي كالتكبر والتصنع. ويفهم من هذا الكلام أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى المرأة عن أن تتظاهر وتتكاثر بما لم يعطها زوجها لأنه شبه فعلها ذلك بما يُنتهى عنه وهو أن يلبس الإنسان ثوبين زورًا واختلف المتأولون هل الثوبان محمولان على الحقيقة أو على المجاز؟ على قولين فعلى الأول يكون معناه أنه شبهها بمن أخذ ثوبين لغيره بغير إذنه فلبسهما مظهرًا أن له ثيابًا ليس مثلها للمظهر له وقيل: بل شبهها بمن يلبس ثياب الزهاد وليس بزاهد.
5445 -
(00)(00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أبُو أُسَامَةَ. ح وَحَدَّثنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاويَةَ. كِلاهُمَا عَنْ هِشَامٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ
ــ
والحاصل من التأويلات الجارية في هذا الحديث وفي الذي قبله أن تشبع المرأة على ضرتها بما لم يعطها زوجها محرم، لأنه شبه بمحرم وإنما كان ذلك محرمًا لأنه تصرف في ملك الغير بغير إذنه ورياء وأذى للضرة من نسبة الزوج إلى أنه آثرها عليها وهو لم يفعل وكل ذلك محرم اهـ من المفهم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 345]، والبخاري [5219]، وأبو داود [4997].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال:
5445 -
(00)(00)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا أبو معاوية كلاهما) أي كل من أبي أسامة وأبي معاوية رويا (عن هشام بهذا الإسناد) يعني عن فاطمة عن أسماء، غرضه بيان متابعتهما لعبدة بن سليمان.
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب تسعة أحاديث: الأول حديث أسماء الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثاني حديث عائشة الأول ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والثالث حديث ابن عمر ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع حديث ابن مسعود ذكره للاستشهاد والاستدلال به على بعض الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والخامس حديث جابر ذكره للاستشهاد به لحديث أسماء الأول، والسادس حديث معاوية ذكره للاستشهاد له وذكر فيه ثلاث متابعات، والسابع حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والثامن حديث عائشة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة، والتاسع حديث أسماء الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم.
وصلت إلى هنا في تاريخ 29/ 9 / 1426 هـ
***