المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌672 - (16) باب نهي الرجل عن التزعفر واستحباب خضاب الشيب بحمرة أو صفرة وتحريمه بسواد والأمر بمخالفة اليهود في الصبغ وتحريم تصوير الحيوان واتخاذ ما فيه صورة غير ممتهنة - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ٢١

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌ كتاب الأشربة

- ‌657 - (1) باب تحريم الخمر وما تكون منه وتحريم تخليلها والتداوي بها وبيان أن كل ما يتخذ من النخل والعنب يسمى خمرًا

- ‌659 - (3) باب كل مسكر خمر وحرام وبيان عقوبة من شربه إذا لم يتب منه وبيان المدة التي يشرب إليها النبيذ

- ‌660 - (4) باب جواز شرب اللبن وتناوله من أيدي الرعاء من غير بحث عن كونهم مالكين وجواز شرب النبيذ والحث على تخمير إنائه والأمر بتغطية الإناء وإيكاء السقاء وإغلاق الأبواب وذكر اسم الله عليها وكف الصبيان والمواشي بعد المغرب وإطفاء النار عند النوم

- ‌ كتاب آداب الأطعمة والأشربة

- ‌661 - (5) باب آداب الطعام والشراب والنهي عن الأكل بالشمال والأمر بالأكل باليمين وكراهية الشرب والأكل قائمًا والشرب من زمزم قائمًا

- ‌662 - (6) باب النهي عن التنفس في الإناء واستحبابه خارجه ومناولة الشراب الأيمن فالأيمن ولعق الأصابع والصحفة وأكل اللقمة الساقطة ومن دعي إلى الطعام فتبعه غيره

- ‌ تتمة

- ‌663 - (7) باب من اشتد جوعه تعين عليه أن يرتاد ما يرد به جوعه وجعل الله تعالى قليل الطعام كثيرًا ببركة دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم واستحباب أكل الدباء ووضع النوى خارج التمر وأكل القثاء بالرطب

- ‌664 - (8) باب صفة قعود الآكل، ونهيه عن قرن تمرتين عند أكله مع الجماعة، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يجوع أهل بيت عندهم تمر"، وفضل تمر المدينة، وفضل الكمأة، وفضل الكباث، وفضل التأدم بالخل

- ‌665 - (9) باب كراهية أكل الثوم ونحوه لمن أراد خطاب الأكابر وحضور المساجد وإكرام الضيف وفضل إيثاره والحث على تشريك الفقير الجائع في طعام الواحد وإن كان دون الكفاية

- ‌666 - (10) باب طعام الاثنين يكفي الثلاثة والمؤمن يأكل في معىً واحد والكافر في سبعة أمعاء، وأن الطعام لا يعيب، والنهي عن أكل والشرب في آنية الذهب والفضة

- ‌ كتاب اللباس والزينة

- ‌667 - (11) باب تحريم لبس الذهب والحرير على الرجال وإباحته للنساء

- ‌668 - (12) باب ما يرخَّص فيه من الحرير وحجة من يحرم الحرير على النساء ومن لبس حريرًا سهوًا أو غلطًا نزعه أوَّل ما علم أو تذكَّر وحرمان من لبِسه في الدنيا من لُبْسهِ في الآخرة والرخصة في لُبْس الحرير للعلَّة

- ‌669 - (13) باب النهي عن المعصفر، وفضل لبس ثياب الحبرة، وفضل التواضع في اللباس والفراش وغيرهما، والاقتصار على الغليظ منهما، وجواز اتخاذ الأنماط وكراهة ما زاد على الحاجة في الفراش واللباس

- ‌670 - (14) باب إثم من جر ثوبه خيلاء وإثم من تبختر في مشيه، وتحريم خاتم الذهب على الرجال، ولبس النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه من بعده خاتمًا من ورق نقشه محمد رسول الله واتخاذه لما أراد أن يكتب إلى العجم

- ‌671 - (15) باب طرح الخواتم والفص الحبشي ولبس الخاتم في الخنصر والنهي عن التختم في الوسطى والتي تليها والانتعال وآدابه والنهي عن اشتمال الصماء ومنع الاستلقاء على الظهر

- ‌672 - (16) باب نهي الرجل عن التزعفر واستحباب خضاب الشيب بحمرة أو صفرة وتحريمه بسواد والأمر بمخالفة اليهود في الصبغ وتحريم تصوير الحيوان واتخاذ ما فيه صورة غير ممتهنة

- ‌673 - (17) باب كراهية صحبة الكلب والجرس في السفر وكراهية القلائد والوتر في أعناق الدواب وكراهية ضرب الحيوان ووسمه في الوجه وجواز وسم غير الآدمي في غير الوجه وكراهية القزع والنهي عن الجلوس في الطرقات

- ‌674 - (18) باب تحريم فعل الواصلة والمستوصلة ونظائرهما وذم النساء الكاسيات العاريات والنهي عن التزوير في اللباس وغيره والتشبع بما لم يعط

الفصل: ‌672 - (16) باب نهي الرجل عن التزعفر واستحباب خضاب الشيب بحمرة أو صفرة وتحريمه بسواد والأمر بمخالفة اليهود في الصبغ وتحريم تصوير الحيوان واتخاذ ما فيه صورة غير ممتهنة

‌672 - (16) باب نهي الرجل عن التزعفر واستحباب خضاب الشيب بحمرة أو صفرة وتحريمه بسواد والأمر بمخالفة اليهود في الصبغ وتحريم تصوير الحيوان واتخاذ ما فيه صورة غير ممتهنة

5366 -

(2065)(131) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو الرَّبِيعِ وَقتَيبَةُ بن سَعِيدٍ (قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زيدٍ. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثنَا حَمَّادٌ) عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ التَّزَعْفُرِ. قَال قتَيبَةُ: قَال حَمَّادٌ: يَعْنِي لِلرِّجَالٍ

ــ

672 -

(16) باب نهي الرجل عن التزعفر واستحباب خضاب الشيب بحمرة أو صفرة وتحريمه بسواد والأمر بمخالفة اليهود في الصبغ وتحريم تصوير الحيوان واتخاذ ما فيه صورة غير ممتهنة

5366 -

(2065)(131)(حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (وأبو الربيع) الزهراني سليمان بن داود البصري (وقتيبة بن سعيد قال يحيى أخبرنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري، ثقة، من (8)(وقال الآخران حدثنا حماد عن عبد العزيز بن صهيب) البناني البصري الأعمى، ثقة، من (4)(عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (أن النبي صلى الله عليه وسلنم نهى) الرجل (عن التزعفر) أي عن صبغ الثوب بالزعفران لأنه من صبغ النساء (قال قتيبة) في روايته (قال حماد يعني) النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي عن التزعفر النهي والمنع اللرجال) والأصح أن النهي للتنزيه لا للتحريم، والزعفران شجر معروف صبغه أحمر، وقد سبقت هذه المسألة في هذا الكتاب في باب نهي الرجل عن الثوب المعصفر وهي أن العلماء اختلفوا في لبس الثياب المصبوغة بعصفر فجمهورهم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم أباحوا وهو مذهب الأحناف والشافعي ومالك وفي موظَئه: عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يلبس الثوب المصبوغ بالمشق والمصبوغ بالزعفران، وفي شرحه للزرقاني عملًا بما رواه أعني ابن عمر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصبغ بالورس والزعفران ثيابه حتى عمامته أخرجه أبو داود، ورواه أيضًا عن أم سلمة ولا يعارضه حديث الصحيحين عن أنس نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزعفر الرجل، مر في أن النهي للونه أو لرائحته تردد لأنه للكراهة وفعله لبيان الجواز أو أن النهي محمول على تزعفر الجسد لا على الثوب أو

ص: 424

5367 -

(00)(00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ نُمَيرٍ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ (وَهُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ) عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيبٍ، عَنْ أَنَسٍ. قَال: نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ.

5368 -

(2066)(132) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيى. أَخْبَرَنَا أَبُو خَيثَمَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: أُتِيَ بِأَبِي قُحَافَةَ، أَوْ جَاءَ، عَامَ الْفَتْحِ أَوْ يَوْمَ الْفَتْحِ،

ــ

على المحرم بحج أو عمرة لأنه من الطيب وقد نهي المحرم عنه.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في اللباس باب النهي عن التزعفر للرجال [5846]، وأبو داود في الترجل باب في الخلوق [4179]، والترمذي في الأدب باب ما جاء في كراهية التزعفر والخلوق للرجال [2815]، والنسائي في الزينة باب التزعفر [5256 و 5257].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

5367 -

(00)(00)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمد (الناقد) البغدادي (وزهير بن حرب و) محمد (بن نمير وأبو كريب قالوا حدثنا إسماعيل وهو ابن علية عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس) رضي الله عنه (قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزعفر الرجل) نهي تنزيه. وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة إسماعيل ابن علية لحماد بن زيد.

ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث جابر رضي الله عنه فقال:

5368 -

(066 2)(132)(حدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا أبو خيثمة) زهير بن معاوية

(عن أبي الزبير عن جابر) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (قال) جابر (أتي) بالبناء للمفعول أي جيء (بأبي قحافة) بضم القاف والد الصديق رضي الله عنهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم (أو) قال جابر (جاء) أبو قحافة إلى النبي صلى الله عليه وسلم (عام الفتح أو يوم الفتح) والشك من أبي الزبير، وأبو قحافة اسمه عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن تيم، أسلم يوم فتح مكة، وله صحبة، ومات في المحرم سنة أربع

ص: 425

وَرَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ مِثْلُ الثَّغَامِ أَو الثَّغَامَةِ. فَأمَرَ، أوْ فَأُمِرَ بِهِ إِلَى نِسَائِهِ، قَال:"غَيِّرُوا هذَا بِشَيءٍ"

ــ

عشرة من الهجرة، وهو ابن سبع وتسعين سنة بعد وفاة ابنه أبي بكر الصديق بأشهر (ورأسه) أي أتي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم والحال أن رأسه (ولحيته) بيضاوان (مثل الثغام أو) قال جابر مثل (الثغامة) والثغام وكذا الثغامة بفتح الثاء المثلثة وتخفيف الغين المعجمة مثل سحاب وسحابة نبت ثمره وزهره شديد البياض في الأرميا (وإن أدي) شبه بياض الشيب به قاله أبو عبيد، وقال ابن الأعرابي: شجرة تبيض كانها الثلجة والملح.

وأسند الفاكهي عن ابن مسعود قال لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الغار ذهبت أستخبر وأنظر هل أحد يخبرني عنه فأتيت دار أبي بكر فوجدت أبا قحافة فخرج علي ومعه هراوة فلما رآني اشتد نحوي وهو يقول هذا من الصباة الذين أفسدوا علي ابني، وجاء به أبو بكر رضي الله عنه يوم الفتح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هلا تركت الشيخ في بيته حتى آتيه" فقال: يمشي هو إليك يا رسول الله أحق من أن تمشي، وأجلسه بين يديه ثم مسح على صدره فقال:"أسلم تسلم" كذا في الإصابة [2/ 453].

(فأمر) النبي صلى الله عليه وسلم (أو) قال جابر (فأمر به) أي بالمشي به (إلى نسائه) أي إلى محارمه أو زوجاته، والشك من أبي الزبير والآمر هو النبي صلى الله عليه وسلم فـ (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (غيروا هذا) الشيب الذي نبت به (بشيء) من الخضاب يعني بالحمرة أو الصفرة كما تدل عليه الرواية الآتية وهذا أمر بتغيير الشيب قال به جماعة من الخلفاء والصحابة لكن لم يصر أحد إلى أنه على الوجوب، وإنما هو مستحب، وقد رأى بعضهم أن ترك الخضاب أفضل وبقاء الشيب أولى من تغييره متمسكين في ذلك بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تغيير الشيب على ما ذكروه وبأنه صلى الله عليه وسلم لم يغير شيبه ولا اختضب.

قلت: وهذا القول ليس بشيء أما الحديث الذي ذكروه فليس بمعروف ولو كان معروفًا فلا يبلغ في الصحة إلى هذا الحديث، وأما قولهم إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخضب فليس بصحيح بل قد صح عنه أنه خضب بالحناء وبالصفرة على ما مضى،

ص: 426

5369 -

(00)(00) وحدَّثني أَبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ. قَال: أُتِيَ بِأَبي قُحَافَةَ يَوْم فَتْحِ مَكَّةَ. وَرَأسُهُ وَلحْيَتُهُ كَالثَّغَامَةِ بَيَاضًا. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "غَيِّرُوا هذَا بِشَيءٍ، وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ"

ــ

ويأتي إن شاء الله تعالى اهـ من المفهم. وقد ورد في بعض الأحاديث كراهية تغيير الشيب؛ فروى شعبة بسنده عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم كان يكره تغيير الشيب، وروى الطبراني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه صلى الله عليه وسلم قال:"من شاب شيبة في الإسلام كانت له نورًا يوم القيامة إلا أن ينتفها أو يخضبها" وذكر العيني في عمدة القاري [10/ 289] عن المحب الطبري أنه جمع بين الأحاديث بحمل أحاديث استحباب التغيير على من كانت له شيبته خالصة كشيبة أبي قحافة وحمل أحاديث النهي على من كان أشمط وجمع بينهما الطحاوي بحمل أحاديث النهي على النسخ.

وشارك المؤلف في رواية الحديث أحمد [3/ 316]، وأبو داود في الترجل باب في الخضاب [4204]، والنسائي في الزينة باب النهي عن الخضاب بالسواد [5076]، وابن ماجه في اللباس باب الخضاب بالسواد [3668].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال:

5369 -

(00)(00)(وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو المصري (أخبرنا عبد الله بن وهب عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة ابن جريج لأبي خيثمة (قال) جابر (أتي بأبي قحافة يوم فتح مكة ورأسه ولحيته) أي شعرهما (كالثنامة بياضًا)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم غيروا هذا) البياض (بشيء) من الحمرة أو الصفرة (واجتنبوا) في تغييره (السواد) أي عن السواد أي عن الخضاب الأسود.

وهذا أمر باجتناب السواد وكرهه جماعة منهم علي بن أبي طالب ومالك.

قلت: وهو الظاهر من هذا الحديث وقد علل ذلك بأنه من باب التدليس على النساء وبأنه سواد في الوجه فيكره لأنه تشبه بسيما أهل النار وقد روى أبو داود

ص: 427

5370 -

(2067)(123) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ -وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى - (قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرُونَ: حَدَّثنَا) سُفْيَانُ بْنُ

ــ

أنه صلى الله عليه وسلم قال: "يكون في آخر الزمان قوم يصبغون بالسواد لا يدخلون الجنة ولا يجدون ريحها" أخرجه برقم [4212] غير أنه لم يسمع أن أحدًا من الصحابة قال بتحريم ذلك بل قد روي عن جماعة كثيرة من السلف أنهم كانوا يصبغون بالسواد منهم عمر وعثمان والحسن والحسين وعقبة بن عامر ومحمد بن علي وعلي بن عبد الله بن عباس وعروة بن الزبير وابن سيرين وأبو بردة في آخرين، وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: هو أشكر للزوجة وأرهب للعدو.

(قلت) ولا أدري عذر هؤلاء عن حديث أبي قحافة ما هو فأقل درجاته الكراهة كما ذهب إليه مالك.

(قلت) وأما الصباغ بالحناء بحتًا وبالحناء والكتم (والكتم بالتحريك نبت يخلط مع الوسمة للخضاب الأسود، وقال الزهري الكتم نبت فيه حمرة) فلا ينبغي أن يختلف فيه لصحة الأحاديث بذلك غير أنه قال بعض العلماء إن الأمر في ذلك محمول على حالين أحدهما عادة البلد فمن كانت عادة موضعه ترك الصبغ فخروجه عن المعتاد شهرة تقبح وتكره، وثانيهما اختلاف حال الناس في شيبهم فرب شيبة نقية هي أجمل، أجمل بيضاء منها مصبوغة وبالعكس فمن قبحه الخضاب اجتنبه ومن حسنه استعمله.

وللخضاب فائدتان إحداهما تنظيف الشعر مما يتعلق به من الغبار والدخان، والأخرى مخالفة أهل الكتاب لقوله صلى الله عليه وسلم:"خالفوا اليهود والنصارى فإنهم لا يصبغون".

(قلت) ولكن هذا الصباغ بغير السواد تمسكًا بقوله صلى الله عليه وسلم: "اجننبوا السواد، والله تعالى أعلم.

ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

5370 -

(2067)(123) (حدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد وزهير بن حرب واللفظ ليحيى قال يحيى أخبرنا وقال الآخرون حدثنا سفيان بن

ص: 428

عُيَينَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَسُلَيمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال:"إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا يَصْبُغُونَ. فَخَالِفُوهُمْ"

ــ

عيينة عن الزهري عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (وسليمان بن يسار) الهلالي مولاهم مولى ميمونة المدني كلاهما (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن اليهود والنصارى لا يصبغون) من باب نصر أي لا يخضبون لحاهم وشعورهم (فخالفوهم) أيها المسلمون بخضاب لحاكم وشعوركم إذا شاب وابيضَّ أي اصبغوا لحاكم مما ليس بسواد لقوله صلى الله عليه وسلم؛ "واجتنبوا السواد" وخلاصة ما قال النووي في هذا الباب في الخضاب أقوال، أصحها أن خضاب الشيب للرجل والمرأة بالحمرة والصفرة مستحب وبالسواد حرام، قال صاحب المحيط: هذا في حق غير الغزاة، وأما من فعل ذلك من الغزاة ليكون أهيب في عين العدو لا للتزين فغير حرام، ولعل ما روي أن عثمان والحسن والحسين خضبوا لحاهم بالسواد كان للمهابة لا للزينة والله أعلم اهـ.

وحاصل الكلام في ذلك أن الخضاب بالسواد يختلف حكمه باختلاف الأغراض على أقوال: الأول: أن يكون الخضاب بالسواد من الغزاة ليكون أهيب في عين العدو وهذا جائز بالاتفاق. والثاني: أن يفعله الرجل للغش والخداع وليري نفسه شابًّا وليس بشاب فهذا ممنوع بالاتفاق، لاتفاق العلماء على تحريم الغش والخداع. والثالث أن يفعله للزينة فهذا فيه اختلاف بين العلماء فأكثرهم على كراهته تحريمًا وروي عن أبي يوسف أنه قال: كما يعجبني أن تتزين لي يعجبها أن أتزين لها. وحديث الباب حجة المانعين لأن الأمر بالاجتناب ها هنا عام مطلق.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 240]، والبخاري في اللباس باب الخضاب [5899]، وأبو داود في الترجل باب الخضاب [4203]، والترمذي في اللباس باب ما جاء في الخضاب [1851]، والنسائي في الزينة باب الإذن في الخضاب [5069 إلى 5072]، وابن ماجه في اللباس باب الخضاب بالحناء [3665].

"دقيقة"

وإنما ذكروا الخضاب في كتاب اللباس لأن الخضاب لباس الشعر يمنعه من

ص: 429

5371 -

(2068)(134) حدّثني سُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا قَالتْ: وَاعَدَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم جِبْرِيلُ عليه السلام، فِي سَاعَةٍ يَأتِيهِ فِيهَا. فَجَاءَتْ تِلْكَ السَّاعَةُ وَلَمْ يَأْتِهِ. وَفِي يَدِهِ عَصًا فَأَلْقَاهَا مِنْ يَدِهِ. وَقَال:"مَا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ، وَلَا رُسُلُهُ" ثُمَّ الْتَفَتَ فَإِذَا جِرْوُ كَلْبٍ تَحْتَ سَرِيرِهِ

ــ

الوسخ والغبار كما أن الثياب لباس البشرة تمنعه من الوسخ والغبار فبينهما مناسبة.

ثم استدل المؤلف على الجزء الرابع من الترجمة بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

5371 -

(2068)(134)(حدثني سويد بن سعيد) بن سهل الهروي الأصل أبو محمد الحدثاني، صدوق، من (10) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم) سلمة بن دينار المخزومي مولاهم المدني، صدوق، من (8) روى عنه في (4) أبواب (عن أبيه) أبي حازم المخزومي سلمة بن دينار الأعرج التمار المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (12) بابا (عن أبي سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (3)(عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته (أنها) أي أن عائشة (قالت واعد) أي عاهد (رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنصب على المفعولية (جبريل عليه السلام) بالرفع على الفاعلية أي واعده أن يأتيه (في ساعة) عيّنها له صلى الله عليه وسلم أن (يأتيه فيها فجاءت) أي مضت (تلك الساعة ولم يأته) صلى الله عليه وسلم جبريل فيها (وفي يده) صلى الله عليه وسلم (عصا فألقاها من يده) أي فألقى النبي صلى الله عليه وسلم تلك العصا ورماها تأسفًا على تخلف جبريل عن الميعاد، ويستفاد من هذا أن الإنسان إذا واعد آخر وأخلف لعذر شرعي فلا يلام عليه (وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما يخلف الله) تعالى (وعده) أي ما يترك وفاء ما وعده لعباده (ولا) يخلف (رسله) من الإنس والملائكة وفاء وعدهم لمن وعدوه فكيف أخلفني جبريل وعده، قال الأبي: لا يقال يدل هذا على وجوب الوفاء بالوعد لأن الوجوب على القول به مشروط بانتفاء المانع (ثم) بعدما رمى عصاه وقال ذلك (التفت) النبي صلى الله عليه وسلم في نواحي البيت (فإذا جرو كلب) أي ولده مختف (تحت سريره) صلى الله عليه وسلم والجرو بكسر الجيم وفتحها وضمها مع سكون الراء فيها

ص: 430

فَقَال: "يَا عَائِشَةُ، مَتَى دَخَلَ هذَا الْكَلْبُ ههُنَا؟ " فَقَالتْ: وَاللهِ، مَا دَرَيتُ. فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ. فَجَاءَ جِبْرِيلُ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"وَاعَدْتَنِي فَجَلَسْتُ لَكَ فَلَمْ تَأْتِ". فَقَال: مَنَعَنِي الْكَلْبُ الَّذِي كَانَ فِي بَيتِكَ. إِنَّا لَا نَدْخُلُ بَيتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ

ــ

ثلاث لغات مشهورات فيها هو الصغير من أولاد الكلب وسائر السباع يجمع على أَجْرٍ وجراء، وجمع الجراء أجرية (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة (يا عائشة متى دخل هذا الكلب هاهنا) أي تحت السرير (فقالت) عائشة (والله ما دريت) ولا علمت في أي وقت دخل هاهنا (فأمر) صلى الله عليه وسلم (به) أي بإخراج ذلك الجرو من البيت (فأخرج) الجرو من البيت (فجاء جبريل) عليه السلام (فقال) له (رسول الله صلى الله عليه وسلم واعدتني) الإتيان (فجلست) انتظارًا (لك فلم تأت) إليّ فلم أخلفتني موعدي (فقال) جبريل عليه السلام (منعني) أي حجزني عن الإتيان إليك يا محمد (الكلب الذي كان في بيتك إنا) معاشر الملائكة (لا ندخل بيتًا فيه كلب ولا صورة) حيوان، وظاهر الحديث يدل على عموم الملائكة فيؤخذ منه أنه لا يدخل أي ملك في البيت الذي فيه كلب أو صورة، وقيل يستثنى من ذلك الحفظة فإنهم لا يفارقون الشخص في حال من الأحوال وبذلك جزم ابن وضاح والخطابي وآخرون، لكن قال القرطبي: الظاهر العموم والمخصص يعني الدال على كون الحفظة لا يمتنعون من الدخول ليس نصًّا، قال الحافظ: ويؤيده أنه من الجائز أن يطلعهم الله تعالى على عمل العبد ويسمعهم قوله وهم بباب الدار التي هوفيها مثلًا، وحمله بعضهم على ملائكة الرحمة، وذهب الداودي وابن وضاح إلى أن المراد ملائكة الوحي فقط وعلى هذا يلزم اختصاص النهي بعهد النبي صلى الله عليه وسلم لأن الوحي انقطع بعده وبانقطاعه انقطع نزولهم وهذا قول شاذ، هذا ملخص ما في فتح الباري.

قوله (لا ندخل بيتًا فيه كلب) قال الحافظ في الفتح [10/ 381] والمراد بالبيت المكان الذي يستقر فيه الشخص سواء كان بناء أو خيمة أم غير ذلك، والظاهر العموم في كل كلب لأنه نكرة في سياق النهي، وذهب الخطابي وطائفة إلى استثناء الكلاب التي أذن في اتخاذها وهي كلاب الصيد والماشية والزرع، وجنح القرطبي إلى ترجيح العموم وكذا قال النووي واستدل لذلك بقصة الجرو قال فامتنع جبريل من دخول البيت الذي

ص: 431

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كان فيه الجرو مع ظهور العذر فيه، قال: فلو كان العذر لا يمنعهم من الدخول لم يمتنع جبريل من الدخول اهـ ويحتمل أن يقال لا يلزم من التسوية بين ما علم به أو لم يعلم فيما لم يؤمر باتخاذه أن يكون الحكم كذلك فيما أذن في اتخاذه اهـ، قال القرطبي: واختلف في المعنى الذي في الكلب حتى منع الملائكة من دخول البيت الذي هو فيه، فقيل لكونها نجسة العين ويتأيد ذلك بما ورد في بعض طرق الحديث عن عائشة عند مسلم فأمر بنضح موضع الكلب، وقيل لكونها تأكل النجاسات أو لأنها من الشياطين والملائكة أضداد لهم أو لقبح رائحته لأجل النجاسة التي تتعلق بها فإنها تكثر أكل النجاسات وتتلطخ بها. وأما الصورة فيراد بها التماثيل من ذوات الأرواح ويستثنى من ذلك الصورة المرقومة كما نص عليه في الحديث على ما يأتي وإنما لم تدخل الملائكة البيت الذي فيه التمثال لأن متخذها في بيته قد تشبه بالكفار الذين يتخذون الصور في بيوتهم ويعظمونها فكرهت الملائكة ذلك منه فلم تدخل بيته هجرانًا له وغضبًا عليه اهـ من المفهم. قال النووي: قوله (ولا صورة) قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: تصوير صورة الحيوان حرام شديد التحريم وهو من الكبائر لأنه متوعد عليه بهذا الوعيد الشديد المذكور في الأحاديث وسواء صنعه بما يمتهن أو بغيره فصنعته حرام بكل حال لأن فيه مضاهاة لخلق الله تعالى، وأما اتخاذ المصور فيه صورة حيوان فإن كان معلقًا على حائط أو ثوبًا ملبوسًا أو عمامة أو نحو ذلك مما لا يعد ممتهنًا فهو حرام ولا فرق في هذا كله بين ما له ظل وما لا ظل له هذا ملخص ما في مذهبنا، وبمعناه قال جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وهو مذهب الثوري ومالك وأبي حنيفة وغيرهم، وإن كان في بساط يداس أو مخدة أو وسادة أو نحوها مما يمتهن فليس بحرام، ولكن هل يمنع دخول ملائكة الرحمة في ذلك البيت، فيه كلام تذكره قريبًا، وقال بعض السلف: إنما ينهى عما كان له ظل ولا بأس بالصور التي ليس لها ظل وهذا مذهب باطل فإن الستر الذي أنكر النبي صلى الله عليه وسلم الصورة فيه لا يشك أحد أنه مذموم وليس لصورته ظل مع باقي الأحاديث المطلقة في كل صورة، وقال الزهري: النهي في الصورة على العموم وكذلك استعمال ما هي فيه ودخول البيت الذي هي فيه سواء كانت رقمًا في ثوب أو غير رقم وسواء كانت في حائط أو ثوب أو بساط ممتهن أو غير ممتهن عملًا بظاهر الأحاديث لا سيما حديث النمرقة الذي ذكره مسلم رحمه الله تعالى وهذا مذهب قوي، وقال آخرون:

ص: 432

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يجوز منها ما كان رقمًا في ثوب سواء امتهن أم لا وسواء علق في حائط أم لا، وكرهوا ما كان له ظل أوكان مصورًا في الحيطان وشبهها سواء كان رقمًا أو غيره واحتجوا بقوله في بعض أحاديث الباب (وإلا ما كان رقمًا في ثوب) وهذا مذهب القاسم بن محمد وأجمعوا على منع ما كان له ظل ووجوب تغييره، قال القاضي: إلا ما ورد في اللعب بالبنات لصغار البنات والرخصة في ذلك لكن كره مالك شراء الرجل ذلك لابنته وادعى بعضهم أن إباحة اللعب لهن بالبنات منسوخ بهذه الأحاديث. وأما تصوير صورة الشجر ورحال الإبل وغير ذلك مما ليس فيه صورة حيوان فليس بحرام وكذلك اتخاذ ما فيه ذلك والله أعلم اهـ نووي.

هذا حكم الصورة في الأصل أما اتخاذ الصورة الشمسية للضرورة أو الحاجة كحاجتها في جواز السفر وفي التأشيرات وفي البطاقات الشخصية أو مواضع يحتاج فيها إلى معرفة هوية المرء فينبغي أن يكون مرخصًا فيه فإن الفقهاء رحمهم الله تعالى استثنوا مواضع الضرورة من الحرمة، قال الإمام محمد في السير الكبير: كان تحققت له الحاجة إلى استعمال السلاح الذي فيه تمثال فلا بأس باستعماله، وأعقبه السرخسي في شرحه [2/ 278] بقوله لأن مواضع الضرورة مستثناة من الحرمة، كما في تناول الميتة، وذكر السرخسي أيضًا أن المسلمين يتبايعون بدراهم الأعاجم التي فيها التماثيل بالتيجان وبالنوط العصري الذي فيه تماثيل الملوك ولا يمنع أحد عن المعاملة بذلك، وقال في موضع آخر من شرحه [3/ 212] لا بأس بأن يحمل الرجل في حال الصلاة دراهم العجم التي فيها صورة ملكهم أو صورة حيوان كالأسد والنمر وكذا النوط العصري كالفئات السعودية العصرية لضرورة الاستعمال هان كان فيها تمثال ملكهم على سريره وعليه تاجه، وقد ثبت بالأحاديث الصحيحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز لعائشة رضي الله تعالى عنها اللعب بالبنات، وإن الفقهاء أباحوا للمرأة أن تكشف عن وجهها عند أداء الشهادة التي عليها.

وأما التلفزيون والفيديو فلا شك في حرمة استعمالها بالنظر إلى ما يشتملان عليه من المنكرات الكثيرة من الخلاعة والمجون والكشف عن النساء المتبرجات أو العاريات وإلى غير ذلك من أسباب الفسوق اللاتي يشتملان عليها ولأنهما من أكبر الملاهي

ص: 433

5372 -

(00)(00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ. أَخْبَرَنَا الْمَخْزُومِيُّ. حَدَّثَنَا وُهَيبٌ، عَنْ أبي حَازِمٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ، أَنَّ جِبْرِيلَ وَعَدَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَأْتِيَهُ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَلَمْ يُطَوِّلْهُ كَتَطْويلِ ابْنِ لأبِي حَازِمٍ.

5373 -

(2069)(135) حدثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ،

ــ

المحرمة التي ألهت الناس عن عباداتهم وأشغالهم الدنيوية حتى سهروا فيها طول الليل وناموا عن صلاة الصبح وهما من أكبر المصائب والآفات الدينية والله سبحانه وتعالى أعلم.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 142]، وابن ماجه في اللباس باب الصور في البيت [3695].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

5372 -

(00)(00)(حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي أخبرنا) المغيرة بن سلمة القرشي (المخزومي) أبو هشام البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (6) أبواب، مات سنة (200) مائتين (حدثنا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي مولاهم أبو بكر البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (12) بابا (عن أبي حازم) سلمة بن دينار المخزومي مولاهم (بهذا الإسناد) يعني عن أبي سلمة عن عائشة. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة وهيب بن خالد لعبد العزيز بن أبي حازم (أن جبريل وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتيه فذكر) وهيب بن خالد (الحديث) السابق (ولم يطوله) أي ولم يطول وهيب الحديث كتطويل) عبد العزيز (بن أبي حازم).

ثم استشهد المؤلف لحديث عائشة بحديث ميمونة بنت الحارث رضي الله تعالى عنهما فقال:

5373 -

(2069)(135)(حدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (ابن وهب) المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري

ص: 434

عَنِ ابْنِ السَّبَّاقِ؛ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسِ قَال: أَخْبَرَتْنِي مَيمُونَةُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَصْبَحَ يَوْمًا وَاجِمًا. فَقَالتْ مَيمُونَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَقَدِ اسْتَنْكَرْتُ هَيئَتَكَ مُنْذُ الْيَوْمِ. قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ جِبْرِيلَ كَانَ وَعَدَنِي أَنْ يَلْقَانِي اللَّيلَةَ. فَلَمْ يَلْقَنِي. أَمَ وَاللهِ، مَا أَخْلَفَنِي" قَال: فَظَلَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَهُ ذلِكَ عَلَى ذلِكَ. ثُمَّ وَقَعَ فِي نَفْسِهِ جِرْوُ كَلْبٍ تَحْتَ فُسْطَاطٍ لَنَا

ــ

(عن) عبيد (بن السباق) بمهملة وموحدة مشددة الثقفي المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (2) بابين الزكاة واللباس (أن عبد الله بن عباس) رضي الله عنهما (قال أخبرتني) خالتي (ميمونة) بنت الحارث الهلالية، زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سباعياته، ومن لطائفه أن فيه رواية صحابي عن صحابي وتابعي عن تابعي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبح يومًا واجمًا) أي حزينًا مهمومًا ساكتًا، قال أهل اللغة: الواجم هو الساكت الذي يظهر عليه أثر الهم والكأبة، وقيل هو الحزين، وفي النهاية الواجم الذي أسكته الهم وعلته الكآبة يقال وجم يجم وجومًا إذا حزن واهتم (فقالت ميمونة يا رسول الله) والله (لقد استنكرت) أي أنكرت (هيئتك) وحالك وشأنك وصفتك (منذ اليوم) أي في هذا اليوم ومنذ هنا حرف جر بمعنى في متعلق باستنكرت لوقوعها بعد الماضي فـ (قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم في جوابها (أن جبريل) عليه السلام (كان وعدني أن يلقاني) ويأتيني (الليلة) أي في هذه الليلة البارحة (فلم يلقني) أي فلم يأتني (أم) وفي نسخة المشارق (أما) بإثبات الألف وحذفت الألف منها هنا للتخفيف في سرعة الكلام وهي حرت تنبيه واستفتاح أي انتبهي واستمعي ما أقول لك (والله ما أخلفني) في وعده قط قبل هذا فلذلك أخذني الهم أو المراد أن هذا ليس إخلافًا منه للوعد بل لا بد أن يكون وعده مقيدًا بامر فقد وإلا فلا يتصور منه إخلاف في الوعد (قال) ابن عباس قالت ميمونة (فظل رسول الله صلى الله عليه وسلم أو (قال) الراوي يعني ميمونة (فظل رسول الله) أي دام (يومه) أي طول نهاره (ذلك على ذلك) الهم (ثم وقع في نفسه) الشريفة أي خطر في قلبه (جرو كلب) أي كون ولد كلب (تحت فسطاط لنا) أي تحت ستارة بيتنا، وأصل الفسطاط عمود الأخبية التي يقام عليها، والمراد به هنا بعض حجال البيت وستائره التي تجعل على السرير، وفي

ص: 435

فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ. ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِهِ مَاءَ فَنَضَحَ مَكَانَهُ. فَلَمَّا أَمْسَى لَقِيَهُ جِبْرِيلُ. فَقَال لَهُ: "قَدْ كُنْتَ وَعَدْتَنِي أَنْ تَلْقَانِي الْبَارِحَةَ" قَال: أَجَلْ. وَلكِنَّا لَا نَدْخُلُ بَيتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صورَةٌ. فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يَوْمَئِذٍ، فَأَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلابِ. حَتى إِنَّهُ يَأْمُرُ بِقَتْلِ كَلْبِ الْحَائِطِ الصَّغِيرِ،

ــ

رواية ابن وهب عند أبي داود (تحت بساط لنا)، وفي رواية شعيب عند النسائي "تحت نضد لنا" وهو بفتح الضاد السرير الذي تنضد عليه الثياب أي يجعل بعضها فوق بعض وهو أيضًا متاع البيت المنضود كذا فسره السيوطي في زهر الربى، ومعنى الروايات الثلاث متقارب فإنه يحتمل أن يكون البساط مصنوعًا مما يصنع منه الفسطاط وهو الخباء الكبير فصح عليه إطلاق البساط والفسطاط والنضد اهـ من التكملة، فرأى الجرو تحت الفسطاط (فأمر به) أي أمر بإخراج الجرو (فأخرج) الجرو من البيت (ثم أخذ) صلى الله عليه وسلم (ليده ماء فنضح) أي رش الماء (مكانه) أي مكان الجرو، استدل بهذا من قال بأن الكلب نجس العين ولكن الحديث ليس صريحًا في ذلك لأن النضح يمكن أن يكون احتياطًا لما يخاف من الكلب أنه بال أو أصاب المكان شيء من لعابه (فلما أمسى) صلى الله عليه وسلم أي دخل مساء ذلك اليوم (لقيه) صلى الله عليه وسلم (جبريل) الأمين عليه السلام، وهذا الحديث صريح في أن إتيان جبريل تأخر يومًا كاملًا والذي يظهر من حديث عائشة السابق ولا سيما من رواية ابن ماجه أن الجرو أخرج في نفس اليوم ولقيه جبريل عليه السلام فورًا بعد إخراجه فإما أن تكون قصة حديث عائشة وقصة حديث ميمونة مختلفتين واما أن يكون أحد الرواة وهم في تفصيل القصة وقد مر غير مرة أن وهم الراوي في مثل هذه الجزلْيات لا يقدح في صحة أصل الحديث والله أعلم (فقال له) أي لجبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم (قد كنت) يا جبريل (وعدتني) أي أخبرتني (أن تلقاني) أي أن تأتيني (البارحة) أي الليلة الماضية قريبًا فأين ميعادك يا جبريل (قال) جبريل عليه السلام (أجل) أي نعم وعدتك الإتيان إليك في البارحة (ولكنا لا ندخل بيتًا فيه كلب ولا صورة) حيوان وفي بيتك كلب ولذلك أخلفتك (فأصبح) أي دخل (رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصباح (يومئذ) أي يوم إذ جاءه جبريل فأخبره بوجود الكلب في بيته صلى الله عليه وسلم وهو اليوم الثاني من يوم التخلف (فأمر بقتل الكلاب حتى إنه) صلى الله عليه وسلم كان (يأمر بقتل كلب الحائط الصغير).

ص: 436

وَيَتْرُكُ كَلْبَ الْحَائِطِ الْكَبِيرِ

ــ

وقوله: (حتى إنه يأمر بقتل كلب الحائط الصغير) عبّر بالمضارع دون الماضي لقصد المبالغة بتصور تلك الحال الماضية حتى تكون نصب الفكر كأنها مشاهدة في الحال ليكون ذلك حاملًا على الامتثال. وقوله يترك معطوف على يأمر على معنى أنه لم يأمر بقتل كلب الحائط الكبير وهو مستفاد من وصف الحائط بالصغير وفيه دليل لمن عمل بالمفهوم وفيه نظر اهـ سنوسي. والمراد بالحائط هنا البستان.

(ويترك كلب الحائط الكبير) وفرّق بينهما لأن الكبير تدعو الحاجة إلى حفظ جوانبه لسعته ولا يتمكن الناظور من المحافظة على ذلك بخلاف الصغير، والأمر بقتل الكلاب منسوخ وسبق إيضاحه في كتاب البيوع حيث بسط مسلم أحاديثه هناك اهـ نووي.

قال القرطبي: (قوله فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ فأمر بقتل الكلاب) كذا رواه جميع الرواة "فأصبح فأمر" مرتبًا بفاء التسبيب فيدل ذلك على أن أمره بقتل الكلاب في ذلك اليوم كان لأجل امتناع جبريل من دخول بيته، ويحتمل أن يكون ذلك لمعنى آخر غير ما ذكرناه وهو أن ذلك إنما كان لينقطعوا عما كانوا ألفوه من الإنس بالكلاب والاعتناء بها واتخاذها في البيوت والمبالغة في إكرامها وإذا كان كذلك كثرت وكثر ضررها بالناس من الترويع والجرح وكثر تنجيسها للديار والأزقة فامتنع جبريل من الدخول لأجل ذلك ثم أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بقتل الكلاب فانزجر الناس عن اتخاذها وعما كانوا اعتادوه منها والله أعلم، وفيه من الفقه أن الكلاب يجوز قتلها لأنها من السباع لكن لما كان في بعضها منفعة وكانت من النوع المستأنس سومح فيما لا يضر منها اهـ من المفهم.

قوله (حتى إنه يأمر بقتل كلب الحائط الصغير) .. الخ هذا يدل على جواز اتخاذ ما ينتفع به من الكلاب في حفظ الحوائط وغيرها ألا ترى أن الحائط الكبير لما كان يحتاج إلى حفظ جوانبه ترك له كلبه ولم يقتله بخلاف الحائط الصغير منها فإنه أمر بقتل كلبه لأنه لا يحتاج الحائط الصغير إلى كلب فإنه ينحفظ من غير كلب لقرب جوانبه اهـ من المفهم.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 335]، وأبو داود في اللباس [4157]، والنسائي في الصيد [4283].

ص: 437

5374 -

(2070)(136) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَإِسْحَاقُ بن إِبْرَاهِيمَ (قَال يَحْيَى وإسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا) سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال:"لَا تَدْخُلُ الْمَلائكَةُ بَيتًا فِيهِ كلْبٌ وَلَا صُورَةٌ".

5375 -

(00)(00) حدّثني أبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا طَلْحَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى

ــ

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث عائشة بحديث أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنهما فقال:

5374 -

(2070)(136)(حدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد) ابن محمد بن بكير بن سابور أبو عثمان البغدادي (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (قال يحيى وإسحاق أخبرنا وقال الآخران حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عبيد الله) بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي الأعمى أبي عبد الله المدني، ثقة، من (3)(عن ابن عباس) رضي الله عنهما (عن أبي طلحة) زيد بن سهل الأنصاري رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن فيه رواية صحابي عن صحابي وتابعي عن تابعي (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب ولا صورة) حيوان.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في اللباس باب من كره القعود على الصور [5859] وفي غيره، وأبو داود في اللباس باب في الصور [4153] إلى 4155]، والترمذي في الأدب [2804]، والنسائي في الزينة [5347 إلى 5355]، وابن ماجه في اللباس باب الصور في البيت 3693 [].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي طلحة رضي الله عنه فقال:

5375 -

(00)(00)(حدثني أبو الطاهر) الأموي المصري (وحرملة بن يحيى) التجيبي المصري (قالا أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة) بن مسعود الهذلي المدني (أنه سمع ابن عباس يقول سمعت أبا طلحة يقول سمعت رسول الله صلى

ص: 438

اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا تَدْخُلُ الْمَلائِكَةُ بَيتًا فِيهِ كَلْبْ وَلَا صُورَةٌ".

5376 -

(00)(00) وحدّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَ حَدِيثِ يُونُسَ، وَذِكْرِهِ الأَخْبَارَ فِي الإِسْنَادِ

ــ

الله عليه وسلم يقول لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب ولا صورة) وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة يونس بن يزيد لسفيان بن عيينة.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه فقال:

5376 -

(00)(00)(وحدثناه إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد قالا أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن عبيد الله عن ابن عباس عن أبي طلحة، غرضه بيان متابعة معمر ليونس وساق معمر (مثل حديث يونس وذكره) بالجر معطوف على حديث، والضمير عائد على يونس وهو من إضافة المصدر إلى فاعله، وقوله (الأخبار) مفعول به للذكر، وقوله (في الإسناد) متعلق بالذكر والمعنى: وساق معمر الحديث مثل ما ساق يونس، وذكر الأخبار أي السماع والعنعنة في الإسناد مثل ما ذكرهما يونس في آخر السند أي ذكر معمر العنعنة والسماع في الموضع الذي ذكرهما فيه يونس والمعنى: وساق معمر الحديث مثل ما ساقه يونس متنًا وسندًا والله أعلم. وفي قوله الأخبار اكتفاء قال النووي: قال العلماء: سبب امتناع الملائكة من دخول بيت فيه صورة كونها معصية فاحشة وفيها مضاهاة لخلق الله تعالى وبعضها في صورة ما يعبد من دون الله تعالى وسبب امتناعهم من بيت فيه كلب كثرة أكله النجاسات ولأن بعضها يسمى شيطانًا كما جاء به الحديث والملائكة ضد الشياطين ولقبح رائحة الكلب والملائكة تكره الرائحة القبيحة ولأنها منهي عن اتخاذها فعوقب متخذها بحرمانه دخول الملائكة بيته وصلاتها فيه واستغفارها له وتبريكها عليه وفي بيته ودفعها أذى الشيطان، وأما هؤلاء الملائكة الذين لا يدخلون بيتا فيه كلب أو صورة فهم ملائكة يطوفون بالرحمة والتبريك والاستغفار .. إلخ اهـ نووي.

ص: 439

5377 -

(00)(00) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنْ بُكَيرٍ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ، صَاحِبِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّهُ قَال: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "إنَّ الْمَلائكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيتًا فِيهِ صُورَةٌ".

قَال بُسْرْ: ثُمَّ اشْتَكَى زيدٌ بَعْدُ. فَعُدْنَاهُ فَإِذَا عَلَى بَابِهِ سِتْرٌ فِيهِ صُورَةٌ. قَال: فَقُلْتُ لِعُبَيدِ اللهِ الْخَوْلانِيِّ، رَبِيبِ مَيمُونَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَلَمْ يُخْبِرْنَا زيدٌ

ــ

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي طلحة رضي الله عنه فقال:

5377 -

(00)(00)(حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث) بن سعد المصري (عن بكير) بن عبد الله بن الأشج المخزومي مولاهم المدني ثم المصري، ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابا (عن بسر بن سعيد) الحضرمي مولاهم المدني، ثقة، من (2) روى عنه في (8) أبواب (عن زيد بن خالد) الجهني المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه، روى عنه في (5) أبواب (عن أبي طلحة) زيد بن سهل الأنصاري رضي الله عنه (صاحب) أي ملازم (رسول الله صلى الله عليه وسلم سفرًا وحضرًا وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة زيد بن خالد لابن عباس، ومن لطائفه أن فيه رواية صحابي عن صحابي وتابعي عن تابعي (أنه) أي أن أبا طلحة (قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة) حيوان، قال بكير بن الأشج (قال) لنا (بسر) ابن سعيد (ثم اشتكى) ومرض (زيد) بن خالد (بعد) أي بعدما روى لنا هذا الحديث قال بسر (فعدناه) أي فعدنا زيدا من مرضه (فإذا على بابه) أي على باب دار زيد (ستر فيه صورة) حيوان (قال) بسر (فقلت لعبيد الله) بن الأسود (الخولاني) وهو معي (رببب ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنها، قال الحافظ في التهذيب [7/ 3] المراد بقوله (ربيب ميمونة أنها ربته فقيل كان مولاها لا أنه ابن زوجها) أخرج عنه الجماعة إلا الترمذي وابن ماجه اهـ.

أي قلت لعبيد الله بن الأسود حين رأينا على بابه صورة حيوان (ألم يخبرنا زيد) بن

ص: 440

عَنِ الصُّوَرِ يَوْمَ الأَوَّلِ؟ فَقَال عُبَيدُ اللهِ: أَلَمْ تَسْمَعْهُ حِينَ قَال: إلا رَقْمًا فِي ثَوْبِ.

5378 -

(00)(00) حدَّثنا أَبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ؛ أَنَّ بُكَيرَ بْنَ الأَشَجِّ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ بُسْرَ بْنَ سَعِيدٍ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ زَيدَ بْنَ خَالِدِ الْجُهَنِيَّ حَدَّثَهُ، وَمَعَ بُسْرِ عُبَيدُ اللهِ الْخَوْلانِيُّ، أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال:"لَا تَدْخُلُ الْمَلائِكَةُ بَيتًا فِيهِ صُورَةٌ"

ــ

خالد النهي (عن الصور يوم الأول) بالإضافة من إضافة الموصوف إلى صفته أي في اليوم الأول والوقت الماضي فكيف يجعل سترًا فيه صورة على بابه (فقال) لي (عبيد الله) بن الأسود (ألم تسمعه) يا بسر أي ألم تسمع زيدًا (حين قال) لنا في تحديثه لنا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة"(إلا رقمًا) ونقشًا (في ثوب) فإنه جائز أي إلا إن كانت تلك الصورة رقمًا وكتابة في ثوب، قال النووي: وهذا يحتج به من يقول بإباحة ما كان رقمًا مطلقًا وجوابنا وجواب الجمهور عنه أنه محمول على رقم صورة وغيره مما ليس بحيوان وقد قدمنا أن هذا جائز عندنا اهـ أقول ترد ما قاله المحتج الأحاديث المروية الآتية عن عائشة رضي الله تعالى عنها فانظر، ومن المعلوم أن مسلك مسلم رحمه الله تعالى أن يأتي بالحديث المنسوخ أولًا ثم بناسخه والله أعلم اهـ.

وقال الطحاوي: يحتمل قوله إلا رقمًا في ثوب أراد به رقمًا يوطأ ويمتهن كالبسط والوسائد اهـ.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي طلحة رضي الله عنه فقال:

5378 -

(00)(00)(حدثنا أبو الطاهر أخبرنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري، ثقة، من (7) روى عنه في (13) بابا (أن بكير) ابن عبد الله (ابن الأشج) المخزومي المصري (حدثه) أي حدث لعمرو بن الحارث (أن بسر بن سعيد) الحضرمي المدني (حدثه) أي حدّث لبكير (أن زيد بن خالد الجهني حدّثه) أي حدّث لبسر بن سعيد (ومع بسر) بن سعيد (عبيد الله) بن الأسود (الخولاني) نسبة إلى خولان قبيلة أي حدث زيد لبسر (أن أبا طلحة) الأنصاري (حدثه) أي حدث لزيد بن خالد (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تدخل الملائكة بيتًا فيه صورة) حيوان غير ممتهنة. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة عمرو بن الحارث لليث بن سعد

ص: 441

قَال بُسْرٌ: فَمَرِضَ زيدُ بْنُ خَالِدٍ. فَعُدْنَاهُ. فَإِذَا نَحْنُ فِي بَيتِهِ بِسِتْرٍ فِيهِ تَصَاويرُ. فَقُلْتُ لِعُبَيدِ اللهِ الْخَوْلانِيِّ: أَلَمْ يُحَدِّثْنَا فِي التَّصَاويرِ؟ قَال: إِنَّهُ قَال: إلا رَقْمًا فِي ثَوْبِ. أَلَمْ تَسْمَعْهُ؟ قُلْتُ: لَا. قَال: بَلَى. قَدْ ذَكَرَ ذلِكَ.

5379 -

(00)(00) حدَّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، أَبِي الْحُبَابِ، مَوْلَى بَنِي النَّجَّارِ، عَنْ زيدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ الأنْصَارِيِّ. قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَا تَدْخُلُ الْمَلائِكَةُ بَيتًا فِيهِ كلْبٌ وَلَا تَمَاثِيلُ".

قَال فَأَتَيتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ: إِنَّ هذَا

ــ

(قال بسر) بن سعيد (فمرض زيد بن خمالد) بعد ما حدثنا هذا الحديث (فعدناه) من مرضه ومعي عبيد الله الخولاني (فإذا نحن) راؤون (في بيته بستر فيه تصاوير) حيوان (فقلت لعبيد الله الخولاني ألم يحدثنا) زيد بن خالد النهي (في التصاوير) فكيف يتركها في بيته (قال) عبيد الله (إنه) أي إن زيدًا (قال) في حديثه (إلا رقمًا في ثوب ألم تسمعه) أي ألم تسمع زيدًا حين قال ذلك (قلت) لعبيد الله (لا) أي ما سمعته قال ذلك (قال) عبيد الله (بلى قد ذكر) زيد (ذلك) الاستثناء يعني إلا رقمًا في ثوب.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه فقال:

5379 -

(00)(00)(حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (أخبرنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (عن سهيل بن أبي صالح) السمان (عن سعيد بن يسار أبي الحباب) كنية لسعيد بدل أول من سعيد، وقوله (مولى بني النجار) بدل ثان منه المدني، وقيل مولى ميمونة، وقيل مولى شقران مولى عثمان، ثقة، من (3) روى عنه في (7) أبواب (عن زيد بن خالد الجهني) المدني رضي الله عنه (عن أبي طلحة الأنصاري) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سعيد بن يسار لبسر بن سعيد (قال) أبو طلحة (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب ولا تماثيل) أي صور حيوان.

(قال) سعيد بن يسار (فأتيت عائشة) رضي الله تعالى عنها (فقلت) لها (إن هذا)

ص: 442

يُخْبِرُنِي؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: "لَا تَدْخُلُ الْمَلائكَةُ بَيتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا تَمَاثِيلُ" فَهَلْ سَمِعْتِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ ذلِكَ؟ فَقَالتْ: لَا. وَلكِنْ سَأُحَدِّثُكُمْ مَا رَأَيتُهُ فَعَلَ، رَأَيتُهُ خَرَجَ فِي غَزَاتِهِ. فَأَخَذْتُ نَمَطًا فَسَتَرْتُهُ عَلَى الْبَابِ. فَلَمَّا قَدِمَ فَرَأَى النَّمَطَ، عَرَفْتُ الْكَرَاهِيَةَ فِي وَجْهِهِ. فَجَذَبَهُ حَتَّى هَتَكَهُ أَوْ قَطَعَهُ. وَقَال: "إِنَّ اللهَ لَمْ يَأْمُرْنَا أَنْ نَكْسُوَ الْحِجَارَةَ

ــ

يعني زيد بن خالد الجهني (يخبرني) عن أبي طلحة الأنصاري (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب ولا تماثيل فهل سمعت) بالكسر خطابًا لمؤنث (رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك) الذي حدثنيه زيد بن خالد عن أبي طلحة (فقالت) عائشة لسعيد بن يسار (لا) أي ما سمعته صلى الله عليه وسلم حدث ذلك الذي ذكرته (ولكن سأحدثكم) أيها الحاضرون عندي من سعيد ومن معه (ما رأيته) صلى الله عليه وسلم (فعل) في مثل هذه التماثيل (رأيته خرج) من المدينة (في) بعض (غزاته) وهي غزوة تبوك كما رواه (ذ) لما خرج (أخذت نمطًا) كان عندي، وهو ضرب من البسط له خمل رقيق لأزين به البيت استعدادًا لقدومه من السفر (فسترته) أي فجعلت ذلك النمط ستارة (على الباب) قال القرطبي: أي سترت به الباب أو جعلته سترًا على الباب اهـ مفهم. وهذا النمط هو الذي عبّر عنه في الرواية الأخرى بـ (الدرنوك) ويقال بضم الدال وفتحها وهو الستر الذي كان فيه تماثيل الخيل ذوات الأجنحة، وقوله (على الباب) يراد بالباب هنا باب السهوة المذكورة في الرواية الأخرى وهي بيت صغير يشبه المخدع، وقال الأصمعي: هي شبه الطاق يجعل فيه الشيء، وقيل شبه الخزانة الصغيرة وهذه الأقوال متقاربة اهـ من المفهم (فلما قدم) رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفره (فرأى النمط) على الباب (عرفت الكراهية) والغضب (في وجهه) الشريف (فجذبه) أي جذب النمط وأخذه بسرعة وشدة (حتى هتكه) أي حتى قطعه وأتلف الصورة التي فيه وهو بمعنى قطعه (أو) قالت عائشة حتى (قطعه) والشك من الراوي عنها أي حتى قطع ما فيه من الصور قطعًا قطعًا، وهذا يدل على أن ما صنع على غير الوجه المشروع لا مالية له ولا حرمة وأن من كسر شيئًا منها وأتلف تلك الصورة لم يلزمه ضمان اهـ من المفهم (وقال) صلى الله عليه وسلم (إن الله) سبحانه وتعالى (لم يأمرنا أن نكسو الحجارة

ص: 443

وَالطِّينَ" قَالتْ: فَقَطَعْنَا مِنهُ وسَادَتَينِ وَحَشَوْتُهُمَا لِيفًا. فَلَمْ يَعِبْ ذلِكَ عَلَيَّ

ــ

والطين) كسوة أي المركب منهما وهو الجدران وغيرها، قال النووي: استدلوا بهذا على أنه يمنع من ستر الحيطان وتنجيد البيوت بالثياب وهو منع كراهة تنزيه لا تحريم هذا هو الصحيح، وقال الشيخ أبو الفتح نصر المقدسي من أصحابنا: هو حرام وليس في هذا الحديث ما يقتضي تحريمه لأن حقيقة اللفظ أن الله تعالى لم يأمرنا بذلك وهذا يقتضي أنه ليس بواجب ولا مندوب ولا يقتضي التحريم اهـ (قالت) عائشة (فقطعنا) معاشر أهل البيت (منه) أي من ذلك النمط (وسادتين) أي مخدتين (وحشوتهما) أي ملأت جوفهما (ليفًا) أي ليف النخل أو ليف الشجر المعروف بهذا الاسم (فلم يعب) من عاب يعيب عيبأ من باب باع أي لم يعب صلى الله عليه وسلم (ذلك) أي قطعه واتخاذ الوسادتين منه (علي) أي لم يعده ممنوعًا فسكت عني واستدل به على جواز اتخاذ الوسائد اهـ.

قوله (فلما رأى النمط عرفت الكراهية في وجهه) إنما عرفت الكراهية في وجهه لأنه تلون وجهه ووقف ولم يدخل كما جاء في الطريق الآخر (ولما رأت تلك الحال خافت فقدمت في اعتذارها التوبة، ثم سألت عن الذنب فإنها لم تعرفه فعند ذلك جبذ النمط فهتكه) فحصل من مجموع هذه القرائن أن اتخاذ الثياب التي فيها التماثيل حرام رقمًا كان فيها أو صبغًاوهو مذهب ابن شهاب فإنه منع الصور على العموم واستعمال ما هي فيه ودخول البيت الذي هي فيه رقما كانت أو غيره في ثوب أو حائط يمتهن أو لا يمتهن تمسكًا بعمومات هذا الباب وبما ظهر من هذا الحديث وذهب آخرون إلى جواز كل ما كان رقمًا في ثوب يمتهن أو لا معلقًا كان أو لا وهو مذهب القاسم بن محمد تمسكًا بحديث زيد بن خالد حين قال (إلا ما كان رقمًا في ثوب) وذهب آخرون إلى كراهة ما كان منها معلقًا وغير ممتهن لأن ذلك مضاهاة لمن يعظم الصور ويعبدها كالنصارى وكما كانت الجاهلية تفعل.

والحاصل من مذاهب العلماء في الصور أن كل ما كان منها ذا ظل فصنعته واتخاذه حرام ومنكر يجب تغييره ولا يختلف في ذلك إلا ما ورد في لعب البنات لصغار البنات وفيما لا يبقى من الصور كصور الفخار ففي كل واحد منهما قولان غير أن المشهور في لعب البنات جواز اتخاذها للرخصة في ذلك لكن كره مالك شراء الرجل لها لأولاده لأنه ليس من أخلاق أهل المروءات والفضل غير أن المشهور فيما لا يبقى المنع، وأما ما كان رقمًا أو صبغًا مما ليس له ظل فالمشهور فيه الكراهة اهـ من المفهم.

ص: 444

5381 -

(00)(00) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عَزْرَةَ، عَنْ حُمَيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: كَانَ لنَا سِتْرٌ فِيهِ تِمْثَالُ طَائِرٍ. وَكَانَ الدَّاخِلُ إِذَا دَخَلَ اسْتَقْبَلَهُ

ــ

قول عائشة: (فقطعنا منه وسادتين) .. إلخ يحتمل أن يكون هذا التقطيع أزال شكل تلك الصورة وأبطلها فيزول الموجب للمنع ويحتمل أن تكون تلك الصور أو بعضها باقيًا لكنها لما امتهنت بالقعود عليها سامح فيها وقد ذهب إلى كل احتمال منهما طائفة من العلماء والحق أن كل ذلك محتمل وليس أحد الاحتمالين بأولى من الآخر ولا معين لأحدهما فلا حجة في الحديث على واحد منهما، وإنما الذي يفيده هذا الحديث جواز اتخاذ النمارق والوسائد في البيوت اهـ من المفهم.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في اللباس باب ما وطئ من التصاوير [5954 و 5955]، وأبو داود [4154]، والنسائي في الزينة باب التصاوير [5352 إلى 5355] وفي غيره، وابن ماجه في اللباس باب الصور فيما يوطأ [3697].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

5381 -

(00)(00)(حدثني زهير بن حرب حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) المعروف بابن علية (عن داود) بن أبي هند دينار القشيري مولاهم أبي بكر البصري، ثقة، من (5) روى عنه في (8) أبواب (عن عزرة) بن عبد الرحمن بن زرارة الخزاعي الكوفي الأعور، ثقة، من (6) روى عنه في (3) أبواب (عن حميد بن عبد الرحمن) الحميري البصري الفقيه، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن سعد بن هشام) بن عامر الأنصاري المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة سعد بن هشام لسعيد بن يسار (قالت) عائشة (كان لنا) أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم (ستر) على باب سهوة (فيه) أي في ذلك الستر (تمثال طائر) أي صورة طائر أي صورة خيل لها أجنحة كما في بعض الروايات، قال النووي: وهذا محمول على أنه كان قبل تحريم اتخاذها فيه صورة فلهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل ويراه ولا ينكره قبل هذه المرة الأخيرة اهـ (وكان الداخل) في بيتنا (إذا دخله) أي إذا دخل البيت (استقبله) أي استقبل الداخل ذلك الستر تعني يراه

ص: 445

فَقَال لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "حَوِّلِي هذَا. فَإِنِّي كُلَّمَا دَخَلْتُ فَرَأَيتُهُ ذَكَرْتُ الدُّنْيَا" قَالتْ: وَكَانَتْ لَنَا قَطِيفَةٌ كُنَّا نَقُولُ عَلَمُهَا حَرِيرٌ. فَكُنَّا نَلْبَسُهَا.

5382 -

(00)(00) حَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ وَعَبْدُ الأعْلَى، بِهذَا الإِسْنَادِ

ــ

أول ما يرى من البيت (فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم حوِّلي) أي انقلي (هذا) الستر عن هذا المكان إلى مكان آخر (فإني كلما دخلت) البيت (فرأيته) أي فرأيت هذا الستر (ذكرت الدنيا) أي تذكرت زخارف الدنيا وزينتها حتى تميل قلبي إليها (قالت) عائشة فحولته عن ذلك المكان (وكانت لنا) أيضًا (قطيفة) أي كساء له زئبر، والزئبر ما يعلو الثوب الجديد مثل ما يعلو الخز اهـ مفهم (كنا نقول) فيما بيننا (علمها) الذي خيط على أطرافها (حرير) أي خرقة حرير (فكنا) أهل البيت (نلبسها) أي نلبس تلك القطيفة، وفيه جواز لبس الثوب الذي فيه علم من حرير.

واعلم أنه قد وقع في بعض الروايات أنه صلى الله عليه وسلم أمر عائشة رضي الله تعالى عنها بتحويل الستر، ووقع في بعضها أنه صلى الله عليه وسلم تقدم بنفسه فنزعه، ويجمع بينهما بأنه عليه الصلاة والسلام أمر عائشة أولًا بالتحويل ثم بدا له فتقدم ونزعه بنفسه، أما قول عائشة في بعض الروايات فأمرني فنزعته فيمكن أن يكون من باب التوسع حيث استعدت للنزع بعدما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بذلك فعبرت عن استعدادها بالنزع فعلًا ومثل هذه الاختلافات كثير في الأحاديث المروية عن عدة من الرواة ولا يلزم بذلك ترك أصل الحديث ولا حمله على تعدد الواقعات.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

5382 -

(00)(00)(حدثنيه محمد بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا) محمد بن إبراهيم (بن أبي عدي) السلمي البصري، ثقة، من (9)(وعبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (11) بابا، كلاهما رويا (بهذا الإسناد) يعني عن داود، عن عزرة، عن حميد، عن سعد بن هشام، عن عائشة رضي الله تعالى عنها، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة ابن أبي عدي وعبد الأعلى لإسماعيل ابن علية

ص: 446

قَال ابْنُ الْمُثَنَّى: وَزَادَ فِيهِ -يُرِيدُ عَبْدَ الأَعْلَى- فَلَمْ يَأْمُرْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِقَطعِهِ.

5383 -

(00)(00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالتْ: قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ سَفَرٍ. وَقَدْ سَتَرْتُ عَلَى بَابِي دُرْنُوكًا فِيهِ الْخَيلُ ذَوَاتُ الأَجْنِحَةِ. فَأَمَرَنِي فَنَزَعْتُهُ

ــ

في الرواية عن داود (قال ابن المثنى وزاد فيه) أي في الحديث (يريد) ابن المثنى بقوله وزاد زاد (عبد الأعلى) على إسماعيل ومحمد بن أبي عدي لفظة قالت عائشة (فلم يأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطعه) أي بتقطيع ذلك الستر قطعًا قطعًا بل أمرنا بتحويله عن مكانه.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

5383 -

(00)(00)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا حدثنا أبو أسامة عن هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عروة بن الزبير لسعد بن هشام (قالت) عائشة (قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر) وكان ذلك السفر سفر تبوك كما رواه البيهقي، وقد ورد عند النسائي وأبي داود أنه كان سفر تبوك أو خيبر كذا نقله الحافظ في الفتح (وقد سترت على بابي) أي باب سهوتي (درنوكًا) بضم الدال والنون، وحكي فتح الدال مع ضم النون حكاهما القاضي وآخرون، والمشهور ضمهما أي جعلت درنوكًا ستارة على بابي، قال في القاموس: الدرنوك بوزن عصفور ضرب من الثياب أو البسط له خمل قمير يجمع على درانيك (فيه) أي في ذلك الدرنوك (الخيل ذوات الأجنحة) أي صورتها (فأمرني) أي فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بنزعها (فنزعته) أي فنزعت ذلك الدرنوك عن الباب.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

ص: 447

5384 -

(00)(00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثنَا عَبْدَةُ. ح وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثنَا وَكِيعٌ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَلَيسَ فِي حَدِيثِ عَبْدَةَ: قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ.

5385 -

(00)(00) حدَّثنا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ. حَدَّثنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا مُتَسَترَةٌ بِقِرَامٍ فِيهِ صُورَةٌ. فَتَلَوَّنَ وَجْهُهُ. ثمَّ تَنَاوَلَ السِّتْرَ فَهَتَكَهُ. ثُمَّ قَال: "إِنَّ مِنْ أَشَدِّ

ــ

5384 -

(00)(00)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبدة) بن سليمان الكلابي الكوفي، ثقة، من (8)(ح وحدثناه أبو كريب حدثنا وكيع) كلاهما رويا (بهذا الإسناد) يعني عن هشام عن أبيه عن عائشة، غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة عبدة ووكيع لأبي أسامة (وليس في حديث عبدة) وروايته لفظة (قدم) رسول الله صلى الله عليه وسلم (من سفر).

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

5385 -

(00)(00)(وحدثني منصور بن أبي مزاحم) بشير التركي أبو نصر البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (4)(حدثنا إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (14) بابا (عن الزهري عن القاسم بن محمد) بن أبي بكر الصديق (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة القاسم بن محمد لمن روى عن عائشة (قالت) عائشة (دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا متسترة بقرام) أي متخذة سترًا من قرام على باب سهوتي، وفي بعض النسخ (مستترة) والقرام بكسر القاف وتخفيف الراء هو الستر الرقيق، وقيل القرام ثوب من صوف غليظ جدًّا يفرش في الهودج كذا في لسان العرب [12/ 474] وفي النهاية القرام الستر الرقيق، وقيل الصفيق من صوف ذي ألوان، وقيل القرام الستر الرقيق وراء الستر الغليظ (فيه) أي في ذلك القرام (صورة) حيوان (فتلون) أي تغير لون (وجهه) صلى الله عليه وسلم من البياض إلى الحمرة (ثم تناول) أي أخذ (الستر فهتكه) أي قطعه قطعًا قطعًا (ثم قال) صلى الله عليه وسلم (إن من أشد

ص: 448

النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الَّذِينَ يُشَبِّهُونَ بِخَلْقِ اللهِ".

5386 -

(00)(00) وحدَّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ؛ أن عَائِشَةَ حَدَّثَتْهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيهَا. بِمِثْلِ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: ثُمَّ أهْوَى إِلَى الْقِرَامِ فَهَتَكَهُ بِيَدِهِ.

5387 -

(00)(00) حدّثناه يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ. ح وَحَدثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهذَا الإِسْنَادِ

ــ

الناس) وأقبحهم (عذابًا يوم القيامة الذين يشبهون) صناعتهم (بخلق الله) تعالى أي بمخلوقه من الحيوان.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديثها سادسًا فقال:

5386 -

(00)(00)(وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب عن القاسم بن محمد أن عائشة) رضي الله تعالى عنها (حدثته) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة يونس لإبراهيم بن سعد (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها) وساق يونس (بمثل حديث إبراهيم بن سعد غير أنه) أي لكن أن يونس (قال) في روايته لفظة (ثم أهوى) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي مال ومد بيده (إلى القرام) فأخذه (فهتكه) أي قطعه (بيده) الشريفة صلى الله عليه وسلم.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سابعًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

5387 -

(00)(00)(حدثناه يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب جميعًا) أي كل من الثلاثة رووا (عن ابن عيينة ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد قالا أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر) كلاهما أي كل من سفيان ومعمر رويا (عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن القاسم عن عائشة، وهذان السندان الأول منهما من

ص: 449

وَفِي حَدِيثِهِمَا: "إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا" لَمْ يَذْكُرَا: مِنْ.

5388 -

(00)(00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ (وَاللَّفْظُ لِزُهَيرٍ) حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ تَقُولُ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ سَتَرْتُ سَهْوَةً لِي بِقِرَامٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ. فَلَمَّا رَآهُ هَتَكَهُ وَتَلَوَّنَ وَجْهُهُ وَقَال:

ــ

خماسياته والثاني من سداسياته، غرضه بسوقهما بيان متابعة ابن عيينة ومعمر لإبراهيم بن سعد (و) لكن (في حديثهما) أي في حديث سفيان ومعمر لفظة (إن أشد الناس عذابًا) و (لم يذكرا) أي ولم يذكر سفيان ومعمر لفظة (من) كما قال إبراهيم بن سعد (إن من أشد الناس) .. إلخ.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثامنًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

5388 -

(00)(00)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب جميعًا عن ابن عيينة واللفظ لزهير) قال زهير (حدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي المدني، ثقة، من (4)(عن أبيه) القاسم بن محمد (أنه سمع عائشة تقول) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبد الرحمن بن القاسم للزهري (دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سترت سهوة لي) قال النووي: السهوة بفتح السين المهملة، قال الأصمعي: هي شبيهة بالرف أو الطاق يوضع عليه الشيء، قال أبو عبيد: وسمعت غير واحد من أهل اليمن يقولون السهوة عندنا بيت صغير منحدر في الأرض وسمكه مرتفع من الأرض يشبه الخزانة الصغيرة يكون فيها المتاع، قال أبو عبيد: وهذا عندي أشبه ما قيل في السهوة، وقال الخليل: هي أربعة أعواد أو ثلاثة يعرض بعضها على بعض ثم يوضع عليها شيء من الأمتعة، وقال ابن الأعرابي: هي الكوة بين الدارين، وقيل بيت صغير يشبه المخدع، وقيل هي كالصفة تكون بين يدي البيت، وقيل شبيه دحلة في جانب البيت والله أعلم اهـ (بقرام) أي بستر رقيق (فيه تماثيل) أي صور حيوان (فلما رآه) أي فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم القرام (هتكه) أي قطعه قطعًا (وتلون وجهه) أي تغير لونه (وقال) لي

ص: 450

"يَا عَائِشَةُ، أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا عِنْدَ اللهِ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللهِ".

قَالتْ عَائِشَةُ: فَقَطَعْنَاهُ فَجَعَلْنَا مِنْهُ وسَادَة أَوْ وسَادَتَينِ.

5389 -

(00)(00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ الْقَاسِمِ. قَال: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ يُحَدِّثُ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهُ كَانَ لَهَا ثَوْبٌ فِيهِ تَصَاويرُ. مَمْدُودٌ إِلَى سَهْوَةِ. فَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي إِلَيهِ. فَقَال:"أَخِّرِيهِ عَنِّي". قَالتْ: فَأَخَّرْتُهُ فَجَعَلْتُهُ وَسَائِدَ

ــ

(يا عائشة أشد الناس عذابًا عند الله يوم القيامة) هم (الذين يضاهون) أي يشبهون صناعتهم (بخلق الله) تعالى أي يصورون الحيوان، قال في النهاية: المضاهاة المشابهة وقد يهمز قرئ بهما اهـ والمراد المصورون صور ذوي الأرواح فإنهم يعملون عملًا يوهم أنهم يخلقون صورهم.

فقوله صلى الله عليه وسلم (يا عائشة أشد الناس) .. الح قال في المبارق: قال النووي: هذا محمول على من فعل الصورة أو على من قصد بها مضاهاة خلق الله واعتقد ذلك فهو كافر يزيد بزيادة قبح كفره وإلا فمن لم يقصد ذلك فهو صاحب كبيرة فكيف يكون أشد الناس عذابًا إلى هنا كلامه لكن الأولى أن يحمل على التهديد لأن قوله صلى الله عليه وسلم: "عند الله" تلويح إلى أنه يستحق أن يكون كذا لكنه محل العفو اهـ.

(قالت عائشة: فقطعناه) أي شققنا ذلك القرام (فجعلنا منه) أي من ذلك القرام المشقوق (وسادة أو) قالت عائشة فجعلنا منه (وسادتين) والشك من الراوي عنها.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة تاسعًا فقال:

5389 -

(00)(00)(حدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر) غندر (حدثنا شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم قال) عبد الرحمن (سمعت) والدي (القاسم) بن محمد (يحدث عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة شعبة لسفيان بن عيينة (أنه) أي أن الشأن والحال (كان لها ثوب فيه تصاوير) حيوان (ممدود إلى سهوة) أي مسدول على باب سهوة (فكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي إليه) أي متوجهًا إلى ذلك الثوب (فقال) يومًا لعائشة (أخريه) أي أخرى هذا الثوب وأزيليه (عني) فإنها تشغلني عن صلاتي (قالت) عائشة (فأخرته) أي أخرت ذلك الثوب وأخذته عن موضعه فقطعته (فجعلته وسائد) جمع وسادة وهي المخدة فلا يعارض ما مر

ص: 451

590 -

(00)(00) وحدّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَامِرٍ. ح وَحَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ. جَمِيعًا عَنْ شُعْبَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ

ــ

آنفًا من قوله (فجعلنا منه وسادة أو وسادتين) ما هنا من قوله وسائد لأن المراد بالوسادة الجنس الصادق بالواحد وما فوق.

قوله (فكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي إليه) قال القرطبي: وهذا الستر هو الذي كان يصلي إليه وكانت صورة تعرض له في صلاته كما قال البخاري "فإنه لا تزال تصاويره تعرض لي في صلاتي" ويفيد مجموع هذه الروايات أن هتك الستر إنما كان بعد تكرار دخول النبي صلى الله عليه وسلم ورؤيته له وصلاته إليه فلما بين له حكمه امتنع مرة من دخول البيت حتى هتكه، وقد فعل سلمان الفارسي رضي الله عنه نحو هذا لما تزوج الكندية وجاء ليدخل بها فوجد حيطان البيت قد سترت فلم يدخل وقال منكرًا لذلك: أمحموم بيتكم أم تحولت الكعبة في كندة؟ فازيل كل ذلك. ودعا ابن عمر أبا أيوب فرأى سترًا على الجدار فقال: ما هذا؟ فقال: غلبنا عليه النساء، فقال: من كنت أخشى عليه فلم أكن أخشى عليك، والله لا أطعم لك طعامًا، فرجع. ذكره البخاري تعليقًا [9/ 249] وقد أفاد حديث عائشة رضي الله تعالى عنها المنع من ستر حيطان البيوت ومما يجر إلى الميل إلى زينة الدنيا ومن اتخاذ الصور المرقومة ومن الصلاة إلى ما يشغل عنها اهـ من المفهم.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة عاشرًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

5390 -

(00)(00)(وحدثناه إسحاق بن إبراهيم وعقبة بن مكرم) بصيغة اسم المفعول العمي البصري، ثقة، من (11) روى عنه في (9) أبواب كلاهما (عن سعيد بن عامر) الضبعي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (4) أبواب (ح وحدثناه إسحاق بن إبراهيم أخبرنا أبو عامر) القبسي (العقدي) عبد الملك بن عمرو البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (جميعًا) أي كل من سعيد وأبي عامر رويا (عن شعبة بهذا الإسناد) يعني عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة، غرضه بيان متابعتهما لمحمد بن جعفر.

ص: 452

5391 -

(00)(00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَيَّ وَقَدْ سَتَرْتُ نَمَطًا فِيهِ تَصَاويرُ. فَنَحَّاهُ. فَاتَّخَذْتُ مِنْهُ وسَادَتَينِ.

5392 -

(00)(00) وحدّثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ؛ أَن بُكَيرًا حَدَّثَهُ؛ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمنِ بْنَ الْقَاسِمِ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ، عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّهَا نَصَبَتْ سِتْرًا فِيهِ تَصَاويرُ. فَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم

ــ

ثم ذكر المؤلف المتابعة حادي عشرها في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

5391 -

(00)(00)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن سفيان) الثوري (عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه) القاسم بن محمد (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سفيان لشعبة بن الحجاج (قالت) عائشة (دخل النبي صلى الله عليه وسلم علي) في بيتي (وقد سترت نمطًا فيه تصاوير) حيوان على سهوة بيتي (فنحاه) أي فنحى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك النمط الذي جعلته ستارة على سهوة بيتي أي بعده وأزاله ورفعه عن محله ورماه (فـ) أخذته وقطعته (اتخذت) أي جعلت (منه) أي من ذلك النمط (وسادتين) يتكئ إليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم والنمط بالتحريك ستر رقيق فيه تصاوير الخيل ذوات الأجنحة كما مر.

ثم ذكر المؤلف المتابعة ثاني عشرها في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

5392 -

(00)(00)(وحدثنا هارون بن معروف) المروزي أبو علي الضرير نزيل بغداد، ثقة، من (10)(حدثنا) عبد الله (بن وهب حدثنا عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري، ثقة، من (7) روى عنه في (13) بابا (أن بكيرًا) ابن عبد الله بن الأشج المخزومي مولاهم أبا عبد الله المدني ثم المصري، ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابا (حدثه) أي حدث لعمرو بن الحارث (أن عبد الرحمن بن القاسم حدثه) أي حدث لبكير (أن أباه) القاسم بن محمد (حدثه) أي حدث لعبد الرحمن (عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة بكير لمن روى عن عبد الرحمن بن القاسم (أنها نصبت) أي مدت ووضعت (سترًا فيه تصاوير) حيوان على باب سهوتها (فدخل) عليها (رسول الله صلى الله عليه وسلم

ص: 453

فَنَزَعَهُ. قَالتْ: فَقَطَعْتُهُ وسَادَتَينِ. فَقَال رَجُلٌ فِي الْمَجْلِسِ حِينَئِذٍ، يُقَالُ لَهُ رَبِيعَةُ بْنُ عَطَاءٍ، مَوْلَى بَنِي زُهْرَةَ: أَفَمَا سَمِعْتَ أَبَا مُحَمَّدٍ يَذْكُرُ أَنَّ عَائِشَةَ قَالتْ: فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَرْتَفِقُ عَلَيهِمَا؟ قَال ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا. قَال: لكِنِّي قَدْ سَمِعْتُهُ.

يُرِيدُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ.

5393 -

(00)(00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَاتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً

ــ

فنزعه) أي أخذ ذلك الستر بعنف وسرعة عن باب السهوة ورماه على الأرض (قالت) عائشة (فـ) أخذت ذلك الستر الذي رماه على الأرض و (قطعته) قطعتين، وجعلته (وسادتين) قال بكير بن عبد الله (فقال رجل في المجلس) أي في مجلس عبد الرحمن بن القاسم (حينئذ) أي حين إذ حدث لنا عبد الرحمن بن القاسم هذا الحديث (يقال له) أي لذلك الرجل (ربيعة بن عطاء مولى بني زهرة) أي قال لعبد الرحمن بن القاسم (أفما سمعت) أباك (أبا محمد) كنية القاسم بن محمد (يذكر أن عائشة قالت فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتفق) أي ينتفع ويتكئ (عليهما) أي على الوسادتين، والارتفاق الاتكاء والاعتماد عليهما يقال ارتفق الرجل إذا اتكأ على مرفق يده أو على المخدة والمراد هنا الأخير والله أعلم (قال) عبد الرحمن (ابن القاسم) للرجل السائل (لا) أي لم أسمع أبي يقول هذه الجملة (قال) الرجل الكني) أنا (قد سمعته) أي سمعت أباك يذكر هذه الجملة (يريد) ذلك الرجل السائل بقوله سمعته يعني بضميره (القاسم بن محمد) بن أبي بكر الصديق والد عبد الرحمن بن القاسم والله أعلم.

ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالث عشرها في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

5393 -

(00)(00)(حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك) بن أنس (عن نافع) مولى ابن عمر (عن القاسم بن محمد عن عائشة) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة نافع لعبد الرحمن بن القاسم (أنها اشترت نمرقة) بضم النون والراء ويقال بكسرهما، ويقال بضم النون وفتح الراء ثلاث لغات ويقال لها نمرق بلا هاء وهي وسادة صغيرة، وقيل هي مرفقة وجمعها نمارق اهـ نووي، قال القرطبي: يجوز أن تكون أرادت

ص: 454

فيِهَا تَصَاويرُ. فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ عَلَى الْبَابِ فَلَمْ يَدْخُلْ. فَعَرَفْتُ، أَوْ فَعُرِفَتْ، فِي وَجْهِهِ الْكَرَاهِيَةُ فَقَالتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ وإِلَى رَسُولِهِ. فَمَاذَا أَذْنَبْتُ؟ فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"مَا بَالُ هذِهِ النُّمْرُقَةِ؟ " فَقالتِ: اشْتَرَيتُها لَكَ. تَقْعُدُ عَلَيهَا وَتَوَسَّدُهَا. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:

ــ

بالنمرقة هنا الستر الذي تقدم ذكره وسمته نمرقة لأنه آل أمره إلى النمرقة كما يسمى العنب خمرًا نظرًا إلى مآله والنمارق في أصل الوضع الوسائد والمرافق، ومنه قوله تعالى:{وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15)} وقول الشاعر:

كهول وشبان حسان وجوههم

على سرر مصفوفة ونمارق

غير أن هذا التأويل يبعده قولها في بقية الخبر لما قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "ما بال هذه النمرقة؟ فقالت مجيبة: اشتريتها لك تقعد عليها وتوسدها" فهذا يصرح بأن هذه النمرقة غير الستر وأن هذا حديث آخر غير ذلك وحينئذ يستفاد منه أن الصورة لا يجوز اتخاذها في الثياب وإن كانت ممتهنة وهو أحد القولين كما قدمناه اهـ من المفهم، أي اشترت لرسول الله صلى الله عليه وسلم نمرقة (فيها تصاوير) حيوان (فلما رآها) أي رأى تلك النمرقة (رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب فلم يدخل) البيت، قالت عائشة (فعرفت) بضمير المتكلم (أو) قال القاسم (فعرفت) بالبناء للمجهول مع تاء التأنيث الساكنة (في وجهه) صلى الله عليه وسلم (الكراهية) والغضب أي أثرها وهو تغير لون الوجه من البياض إلى الحمرة (فقالت) عائشة (يا رسول الله أتوب إلى الله) تعالى من ذنبي (و) أعتذر (إلى رسوله) صلى الله عليه وسلم من سوء أدبي أي أرجع من المخالفة إلى رضاهما، وفي إعادة الجار دلالة على استقلال الرجوع إلى كل منهما (فماذا أذنبت) أي فأي ذنب ارتكبت يا رسول الله، وفيه أدب عظيم من عائشة رضي الله تعالى عنها حيث بدأت بالتوبة قبل السؤال عن الذنب وذلك لأنها تيقنت من أسارير وجهه صلى الله عليه وسلم أن هناك شيئًا ساءه فبادرت إلى التوبة أولًا ثم سألت عن الذنب (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بال هذه النمرقة) التي عليها تصاوير حيوان (فقالت: اشتريتها لك تقعد عليها وتوسدها) أي تتوسدها بحذف إحدى التاءين، مضارع توسد من باب تفعل أي تتكئ عليها (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم

ص: 455

"إِنَّ أَصْحَابَ هذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ. وَيُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُم" ثُمَّ قَال: "إِن الْبَيتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لَا تَدْخُلُهُ الْمَلائكَةُ".

5394 -

(00)(00) وحدّثناه قُتَيبَةُ وَابْنُ رُمْحٍ، عَنِ اللَّيثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا الثَّقَفِيُّ. حَدَّثَنَا أَيُّوبُ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ. حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ جَدِّي، عَنْ أَيُّوبَ. ح وَحَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ زيدٍ. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ

ــ

إن أصحاب هذه الصور يعذبون) يوم القيامة وهم يشملون من يعملها ومن يستعملها ولكن يؤيد الأول قوله ويقال لهم أحيوا ما خلقتم (ويقال لهم) من جهة الله تعالى أي تقول لهم ملائكة العذاب (أحيوا ما خلقتم) وهذا أمر تعجيز نظير قوله تعالى: {قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ} أي انفخوا الروح فيما صورتم (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن البيت الذي فيه الصور) أي صور الحيوان (لا تدخله الملائكة) أي ملائكة الرحمة على الأصح كما مر.

ثم ذكر المؤلف المتابعة رابع عشرها في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

5394 -

(00)(00)(وحدثناه قتيبة) بن سعيد (و) محمد (بن رمح) بن المهاجر المصري (عن الليث بن سعد) الفهمي المصري (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا) عبد الوهاب بن عبد المجيد (الثقفي) البصري (حدثنا أيوب) السختياني (ح وحدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد) بن عبد الوارث العنبري البصري، صدوق، من (11) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا أبي) عبد الصمد بن عبد الوارث التميمي العنبري البصري، صدوق، من (9) روى عنه في (16) بابا (عن جدي) عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان التميمي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (8) أبواب (عن أيوب) السختياني (ح وحدثنا هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي) ثقة، من (10) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني أسامة بن زيد) الليثي المدني، صدوق، من (7) روى عنه في (8) أبواب (ح وحدثني أبو بكر) محمد (ابن إسحاق) الصاغاني الخراساني الأصل البغدادي، ثقة، من (11) روى عنه في (8)

ص: 456

حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ الْخُزَاعِيُّ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَخِي الْمَاجِشُونِ عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ. كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ، بِهذَا الْحَدِيثِ. وَبَعْضُهُمْ أتَمُّ حَدِيثًا لَهُ مِنْ بَعْضٍ. وَزَادَ فِي حَدِيثِ ابْنِ أَخِي الْمَاجِشُونِ: قَالتْ فَأَخَذْتُهُ فَجَعَلْتُهُ مِرْفَقَتَينِ. فَكَانَ يَرْتَفِقُ بِهِمَا فِي الْبَيتِ.

5395 -

(2072)(138) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ. ح وَحَدَّثنَا ابْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثنَا يَحْيَى

ــ

أبواب (حدثنا أبو سلمة) منصور بن سلمة بن عبد العزيز بن صالح (الخزاعي) الحافظ البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (3) أبواب (أخبرنا عبد العزيز بن) عبد الله (أخي) أبي سلمة (الماجشون) أبو عبد الله التيمي مولاهم المدني، ثقة، من (7) روى عنه في (10) أبواب (عن عبيد الله بن عمر) بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري المدني، ثقة، من (5)(كلهم) أي كل من هؤلاء الأربعة المذكورين يعني ليث بن سعد في السند الأول وسنده من خماسياته، وأيوب في السند الثاني وهو من سداسياته، والثالث وهو من سباعياته، وأسامة بن زيد في الرابع، وهو من سداسياته وعبيد الله بن عمر في الخامس، وهو من سباعياته رووا (عن نافع عن القاسم) بن محمد (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها (بهذا الحديث) السابق الذي رواه مالك عن نافع، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الأربعة لمالك بن أنس (وبعضهم) أي وبعض هؤلاء الأربعة المتابعين لمالك (أتم) أي أطول (حديثًا له)(من) حديث (بعض) آخر منهم (وزاد) الخزاعي (في حديث) عبد العزيز (بن أخي الماجشون) لفظة (قالت) عائشة (فأخذنه) أي أخذت ذلك الستر الذي هو النمرقة (فـ) قطعته و (جعلته مرفقتين) أي مخدتين (فكان) صلى الله عليه وسلم (يرتفق بهما) أي يتكئ عليهما (في البيت) بمرفقه، وفيه دليل على أن الثوب الذي فيه صورة إذا اتخذ منه ما يفرش في موضع ممتهن فإنه يجوز استعماله وهو قول جمهور أهل العلم اهـ تكملة.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث عائشة الأول بحديث ابن عمر رضي الله عنهم فقال:

5395 -

(2072)(138)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا علي بن مسهر) القرشي الكوفي، ثقة، من (8)(ح وحدثنا ابن المثنى حدثنا يحيى) بن سعيد بن فروخ

ص: 457

(وَهُوَ الْقَطَّانُ). جَمِيعًا عَنْ عُبَيدِ اللهِ. ح وَحَدَّثنَا ابْنُ نُمَيرٍ (وَاللَّفْظُ لَهُ). حَدَّثنَا أَبِي. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ؛ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَخبَرَهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال:"الَّذِينَ يَصْنَعُونَ الصُّوَرَ يُعَذَبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. يُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ".

5396 -

(00)(00) حدَّثنا أَبُو الرَّبِيعِ وَأَبُو كَامِلٍ. قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. ح وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثنَا إِسْمَاعِيلُ، يَعْنِي ابْنَ عُلَيَّةَ. ح وَحَدَّثنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثنَا

ــ

التميمي البصري (وهو القطان) ثقة، من (9)(جميعًا) أي كل من علي ويحيى رويا (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص (ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفي (واللفظ له حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدثنا عبيد الله) بن عمر (عن نافع أن ابن عمر أخبره) وهذان السندان من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الذين يصنعون) أي يفعلون صناعة (الصور يعدبون يوم القيامة) حالة كونهم (يقال لهم) في حالة تعذيبهم (أحيوا ما خلقتم) وصورتم أي انفخوا فيه الروح ليكون حيًّا وهم لا يقدرون على ذلك، وهذا الأمر لإظهار عجزهم وتقريعهم وإخزائهم عند أهل المحشر لا لأنه يمكن لهم إحياء ما صوروا والله أعلم. قال في المرقاة:(أحيوا) أي انفخوا الروح فيما صورتم فعدل إليه تهكمًا بهم وبمضاهاتهم الخالق في إنشاء الصور والأمر بأحيوا تعجيز لهم كما مر آنفًا فدل على أن التصوير حرام وهو مشعر بأن استعمال الصور ممنوع لأنه سبب ذلك وباعث عليه مع ما فيه من أنه زينة الدنيا اهـ. قال الكرماني: قوله (ويقال لهم أحيوا ما خلقتم) ظاهره أنه من تكليف ما لا يطاق وليس كذلك وإنما القصد طول تعذيبه وإظهار عجزه عما كان تعاطاه ومبالغة في توبيخه وبيان قبح فعله اهـ.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في اللباس [5951] وفي التوحيد [7559]، والنسائي في الزينة [5361].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:

5396 -

(00)(00)(حدثنا أبو الربيع) الزهراني سليمان بن داود البصري (وأبو كامل) الجحدري فضيل بن حسين البصري (قالا حدثنا حماد) بن زيد بن درهم الأزدي البصري، ثقة، من (8)(ح وحدثني زهير بن حرب حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم (يعني ابن علية ح وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا)

ص: 458

الثَّقَفِيُّ. كُلُّهُمْ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، بِمِثْلِ حَدِيثِ عُبَيدِ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

5397 -

(2073)(139) حدَّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ". وَلَمْ يَذكُرِ الأَشَجُّ: إِنَّ

ــ

عبد الوهاب بن عبد المجيد (الثقفي) البصري كلهم) أي كل من حماد وإسماعيل وعبد الوهاب رووا (عن أيوب) السختياني (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذه الأسانيد الثلاثة كلها من خماسياته، غرضه بسوقها بيان متابعة أيوب لعبيد الله بن عمر (عن النبي صلى الله عليه وسلم وساق أيوب (بمثل حديث عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ثم استشهد المؤلف خامسًا لحديث عائشة الأول بحديث ابن مسعود رضي الله عنهما فقال:

5397 -

(2073)(139)(حدثنا عثمان بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي (ح وحدثني أبو سعيد الأشج) الكندي عبد الله بن سعيد بن حصين الكوفي (حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح مصغرًا الهمداني الكوفي، ثقة، من (4) روى عنه في (5) أبواب (عن مسروق) ابن الأجدع بن مالك الهمداني الكوفي، ثقة فقيه مخضرم، من (2) روى له في (11) بابا (عن عبد الله) بن مسعود الهذلي الكوفي الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذان السندان من سداسياته (قال) عبد الله (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورون) صورة حيوان تام الأعضاء لأن الأوثان التي كانت تعبد كانت بصورة الحيوان التام (ولم يذكر) أبو سعيد (الأشج) في روايته لفظة (إن) المفيدة لتأكيد الكلام وإسقاطها أولى قياسًا لأن الكلام إنما يلقى هنا إلى خالي الذهن لا إلى

ص: 459

5398 -

(00)(00) وحدّثناه يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي مُعَاويةَ. ح وَحَدَّثنَاهُ ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثنَا سُفْيَانُ. كِلاهُمَا

ــ

الشاك ولا إلى المنكر فليس المقام مقام التأكيد كما هو معلوم عند أهل المعاني يعني أن رواية جرير عن الأعمش بزيادة كلمة إن، وأما الأشج فروى عن شيخه بغير زيادتها والله أعلم. قال القرطبي: قوله (أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورون) مقتضى هذا الكلام أن لا يكون في النار أحد يزيد عذابه على المصورين وهذا يعارضه النصوص الكثيرة من القرآن والأحاديث منها قوله تعالى: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} ، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم:"أشد الناس عذابًا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه" رواه الطبراني في المعجم الكبير [1/ 182 - 183]، والبيهقي في الشعب [1778]، وانظر الترغيب والترهيب برقم [222]، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم "أشد الناس عذابًا يوم القيامة إمام ضلالة" رواه أحمد [3/ 22]، والترمذي [1329] عن أبي سعيد الخدري بلفظ "أشد الناس عذابًا يوم القيامة إمام جائر" وفي إسناده عطية العوفي وهو ضعيف ومثل هذا كثير ووجه الجمع بينها أن الناس الذين أضيف إليهم أشد العذاب لا يراد بهم كل نوع من الناس بل بعضهم المشاركون في ذلك المعنى المتوعد عليه بالعذاب ففرعون أشد المدعين للإلهية عذابًا ومن يقتدي به في ضلالة كفر أشد ممن يقتدى به في ضلالة بدعة ومن صور صور ذوات الأرواح أشد عذابًا ممن يصور ما ليس بذي روح إن جرينا على قول من رأى تحريم تصوير ما ليس بذي روح وهو مجاهد وإن لم نجر عليه فيجوز أن يعني بالمصورين الذين يصورون الأصنام للعبادة كما كانت الجاهلية تفعل وكما تفعل النصارى فإن عذابهم يكون أشد ممن يصورها لا للعبادة وهكذا يعتبر هذا الباب والله تعالى أعلم اهـ من المفهم.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في اللباس باب عذاب المصورين يوم القيامة [5950]، والنسائي في الزينة باب أشد الناس عذابًا [5364].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال:

5398 -

(00)(00)(وحدثناه يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب كلهم عن أبي معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي (ح وحدثناه) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (حدثنا سفيان) بن عيينة (كلاهما) أي كل من أبي

ص: 460

عَنِ الأَعْمَشِ، بِهذَا الإِسْنَادِ، وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى وَأَبِي كُرَيبٍ، عَنْ أَبِي مُعَاويةَ:"إِنَّ مِنْ أَشَدِّ أَهْلِ النَّارِ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، عَذَابًا، الْمُصَوِّرُونَ".

وَحَدِيثُ سُفْيَانَ كَحَدِيث وَكِيعٍ.

5399 -

(00)(00) وحدّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ. حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ صُبَيحٍ. قَال: كُنْتُ مَعَ مَسْرُوقٍ فِي بَيتٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ مَرْيَمَ

ــ

معاوية وسفيان بن عيينة رويا (عن الأعمش بهذا الإسناد) يعني عن أبي الضحى عن مسروف عن ابن مسعود، غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة أبي معاوية وسفيان بن عيينة لجرير بن عبد الحميد ووكيع بن الجراح (و) لكن (في رواية يحيى) بن يحيى (وأبي كريب عن أبي معاوية) لفظة (أن من أشد أهل النار يوم القيامة عذابًا المصورون) بزيادة من الجارة وبلفظ أهل النار (وحديث سفيان) بن عيينة وروايته (كحديث وكيع) وروايته بلا فرق بينهما.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال:

5399 -

(00)(00)(وحدثنا نصر بن علي) بن نصر بن علي بن صهبان الأزدي البصري (الجهضمي) ثقة ثبت، من (10)(حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد) العمي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (3) أبواب (حدثنا منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (19) بابا (عن) أبي الضحى (مسلم بن صبيح) الهمداني الكوفي، ثقة، من (4)(قال) مسلم بن صبيح (كنت مع مسروق) بن الأجدع الهمداني، ثقة مخضرم (في بيت فيه تماثيل مريم) بنت عمران أي صورها، وورد عند البخاري من رواية سفيان أن البيت كان ليسار بن نمير المدني الكوفي، وكانت التماثيل في صفته، ويسار بن نمير كان مولى لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وخازنه، وله رواية عن عمر وغيره، روى عنه أبو وائل وأبو إسحاق السبيعي وهو موثق كما في فتح الباري [10/ 383] فإن قيل كيف تحمل هذه التماثيل في بيته فالجواب أن الظاهر أنه اشترى هذا البيت من نصراني صنع هذه التماثيل ويمكن أن يكون قد محا وجوهها وبقي

ص: 461

فَقَال مَسْرُوقٌ: هذَا تَمَاثِيلُ كِسْرَى. فَقُلْتُ: لَا. هذَا تَمَاثِيلُ مَرْيَمَ. فَقَال مَسْرُوقٌ: أَمَا إِنِّي سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ".

5400 -

(2074)(140) قَال مُسْلِمٌ: قَرَاتُ عَلَى نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيِّ،

ــ

سائر الجسد فرآه أبو الضحى ومسروق ويمكن أيضًا أنه تحمل هذه التماثيل لكونها في موضع ممتهن فإنها كانت في الصفة، والاحتمال الثالث أن تكون التماثيل منقوشة على الصفة غير متجسدة وكان يسار بن نمير يرى جوازها كما يراه القاسم بن محمد والله تعالى أعلم (فقال مسروق هذا) أي هذا المصور الذي نراه (تماثيل كسرى) أي صور كسرى وهو لقب كل من ملك الفرس، والتماثيل جمع تمثال بكسر التاء وسكون الميم وهو الصورة والمراد هنا صورة الحيوان، وقوله (هذا تماثيل كسرى) كذا وقع في النسخ الموجودة لدينا بتذكير اسم الإشارة ولكن نقله الحافظ في الفتح [10/ 383](هذه تماثيل كسرى) بالتأنيث وهو القياس في الاستعمال ويمكن تأويله كما أولناه آنفًا، قال أبو الضحى (فقلت) لمسروق (لا) أي ليست هذه تماثيل كسرى بل (هذا) الذي نراه (تماثيل مريم) أم عيسى المسيح عليهما السلام (فقال مسروق أما) حرف استفتاح وتنبيه أي انتبه واستمع ما أقول لك (إني سمعت عبد الله بن مسعود يقول) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة منصور للأعمش (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورون) الذين يصورون أشكال الحيوانات التي تعبد من دون الله فيحكونها بتخطيط أو تشكيل عالمين بالحرمة قاصدين ذلك لأنهم يكفرون به فلا يبعد دخولهم مدخل فرعون، أما من لا يقصد ذلك فإنه يكون عاصيًا بتصويره فقط اهـ من الإرشاد.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى سادسًا لحديث عائشة الأول بحديث ابن عباس رضي الله عنهم فقال:

5400 -

(2074)(140) قال أبو إسحاق النيسابوري إبراهيم بن محمد بن سفيان راوية المؤلف رحمه الله تعالى (قال) لنا الإمام أبو الحسين النيسابوري (مسلم) بن الحجاج القشيري مؤلف هذا الجامع (قرأت على نصر بن علي الجهضمي) البصري وهو

ص: 462

عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى بْنِ عَبْدِ الأَعْلَى. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أبِي الْحَسَنِ. قَال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ. فَقَال: إِنِّي رَجُلٌ أُصَوِّرُ هذِهِ الصُّوَرَ. فَأَفْتِنِي فِيهَا. فَقَال لَهُ: ادْنُ مِنِّي. فَدَنَا مِنْهُ. ثُمَّ قَال: ادْنُ مِنِّي. فَدَنَا حَتَّى وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ. قَال: أُنَبِّئُكَ بِمَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "كُلُّ مُصَوِّرٍ فِي النَّارِ. يَجْعلُ

ــ

بمعنى أخبرني نصر بن علي الجهضمي (عن عبد الأعلى بن عبد الأعلى) السامي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (11) بابا (حدثنا يحيى بن أبي إسحاق) الحضرمي مولاهم البصري النحوي، صدوق، من (5) روى عنه في (6) أبواب (عن سعيد بن أبي الحسن) يسار أخي الحسن البصري الأنصاري، مولاهم مولى زيد بن ثابت، مات قبل الحسن بسنة، ومات الحسن سنة عشر ومئة (110) روى عن ابن عباس في اللباس، وأمه خيرة في الفتن، وأبي هريرة ويروي عنه (ع) ويحيى بن أبي إسحاق وخالد الحذاء وأخوه الحسن وسليمان التيمي، وثقه أبو زرعة والنسائي. وقال العجلي: بصري تابعي ثقة، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة، وقال الذهبي: مات سنة (100) على الصحيح (قال) سعيد بن أبي الحسن (جاء رجل) من المسلمين لم أر من ذكر اسمه (إلى ابن عباس فقال) له الرجل (إني رجل أصور هذه الصور) الحيوانية (فأفتني) أي فأجبني (فيها) أي في حكم صناعتها هل هي حلال أم حرام؟ (فقال) ابن عباس (له) أي للرجل المستفتي (ادن مني) أي اقرب مني أمر من دنا يدنو من باب دعا إذا قرب إلى الشيء (فدنا) أي قرب الرجل (منه) أي من ابن عباس (ثم قال) ابن عباس للرجل مرة ثانية (ادن مني فدنا) الرجل منه أي بالغ في الدنو إليه (حتى وضع) ابن عباس (يده على رأسه) أي على رأس الرجل، قال القرطبي: وقول ابن عباس لمستفتيه عن الصور ادن مني ثلاثًا ووضعه يده على رأسه مبالغة في استحضار ذهنه وفهمه وفي تسميعه وتعظيمه لأمر ما يلقيه إليه، وفيه أن من ابتلي بمنكر وجاء يستفتي فيه فإنه يعامل برفق وشفقة.

فـ (قال) له ابن عباس (أنبئك) أي أخبرك (بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كل مصور) بكسر الواو المشددة أي كل مصور صور ذوات الأرواح بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: "يقال لهم أحيوا ما خلقتم"(في النار) أي في العذاب الأخروي (يجعل) الله سبحانه وتعالى بفتح الياء على

ص: 463

لَهُ، بِكُلِّ صُورَةٍ صَوَّرَهَا، نَفْسًا فَتُعَذِّبُهُ فِي جَهَنَّمَ".

وَقَال: إِنْ كُنْتَ لَا بُدَّ فَاعِلًا، فَاصْنَعِ الشَّجَرَ وَمَا لَا نَفْسَ لَهُ. فَأقَرَّ بِهِ نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ

ــ

البناء للفاعل وفاعله الضمير العائد على الله تعالى وأضمر مع عدم سبق المرجع لعلمه أي يخلق الله سبحانه (له) أي لأجل تعذيب ذلك المصور (بـ) ـعدد (كل صورة صورهما) في الدنيا (نفسًا) مفعول يجعل بمعنى يخلق ولهذا تعدى إلى مفعول واحد هنا (فتعدبه) أي فتعذب ذلك المصور النفس المخلوقة لأجل تعذيبه (في) نار (جهنم) والعياذ بالله تعالى منها بأن يخلق له على صورة حيات وعقارب تأكله، قال القاضي عياض: يحتمل أن الصورة التي صورها هي التي تعذبه بعد أن يجعل فيها روح فالباء بمعنى في، ويحتمل أن يجعل له بعدد ما صور في الدنيا شخص يعذبه فالباء للسبب كذا في شرح الأبي اهـ. (وقال) له ابن عباس (إن كنت لا بد) ولا غنى لك من أن تكون (فاعلًا) للتصوير لحاجتك إلى مؤنة نفسك وعيالك (فاصنع) أي فصور (الشجر وما لا نفس) أي لا روح (له) من الجمادات كالأحجار والعمائر والبيوت، وفي رواية البخاري في البيوع "فربا الرجل ربوة شديدة واصفر وجهه فقال: ويحك إن أبيت إلا أن تصنع فعليك بهذا الشجر وكل شيء ليس فيه روح"، وقوله (فأقر به) أي بهذا الحديث (نصر بن علي) حين قرأت عليه ولم ينكره معطوف على قوله أولًا قرأت على نصر بن علي فهذه الجملة مقول أيضًا لقوله قال مسلم الإمام والله سبحانه وتعالى أعلم.

ودل الحديث على جواز تصوير ما ليس فيه روح وهو حجة على مجاهد رحمه الله تعالى في تحريمه لصورة شجر أيضًا وقيد هو الجواز بشجر غير مثمر ولكن قول ابن عباس "وما لا نفس له وكل شيء ليس فيه روح" يدل على عموم الجواز في كل غير ذي روح والذي يدل عليه من الحديث المرفوع ما رواه أحمد في مسنده عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم حكى قول جبرئيل عليه السلام "إنها ثلاث لن يلج ملك ما دام فيها أبدًا واحد منها كلب أو جنابة أو صورة روح" اهـ تكملة.

وعبارة النووي: قوله (يجعل له) هو بفتح الياء والفاعل هو الله تعالى أضمر للعلم به، قال القاضي في رواية ابن عباس: يحتمل أن معناها أن الصورة التي صورها هي تعذبه بعد أن يجعل فيها روح وتكون الباء في (بكل) بمعنى في قال: ويحتمل أن يجعل

ص: 464

5401 -

(00)(00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بن أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن مُسْهِرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: كنْتُ جَالِسًا عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ. فَجَعَلَ يُفْتِي وَلَا يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. حَتَّى سَألَه رَجُلٌ فَقَال: إِنِّي رَجُلٌ أُصَوِّرُ هذِهِ الصُّوَرَ. فَقَال لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: ادْنُهْ. فَدَنَا الرَّجُلُ. فَقَال ابْنُ عَبَّاسٍ: سَمِعْت رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ صَوَّرَ صُورَةً فِي الدُّنْيَا كُلِّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَلَيس بِنَافِخٍ"

ــ

له بعدد كل صورة ومكانها شخص يعذبه وتكون الباء بمعنى لام السبب وهذه الأحاديث صريحة في تحريم تصوير الحيوان وأنه غليظ التحريم اهـ. وفي المرقاة (يجعل) بصيغة المبني للمفعول فعلى هذه يلزم أن يكون نفسًا مرفوعًا كما وقع في بعض نسخ المصابيح والله أعلم. قوله (فتعذبه) بصيغة التأنيث أي تلك النفس وإسناد التعذيب إليها مجاز لأنها السبب والباعث على تعذيبه والله أعلم. قال في المرقاة: وفي بعض النسخ بالياء أي فيعذبه الله اهـ ذهني. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في اللباس [5963]، والنسائي في الزينة [5358].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال:

5401 -

(00)(00)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا علي بن مسهر) القرشي الكوفي، ثقة، من (8)(عن سعيد بن أبي عروبة) مهران اليشكري البصري، ثقة، من (6)(عن النضر بن أنس بن مالك) الأنصاري أبي مالك البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (قال) النضر كنت جالسًا عند ابن عباس فجعل يفتي) ويجيب للناس استفتاءهم (ولا يقول) في فتواه (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أي لا يرفع فتواه ولا يسندها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة النضر بن أنس لسعيد بن أبي الحسن (حتى سأله) أي حتى سال ابن عباس (رجل) مصور (فقال) الرجل له (إني رجل أصور هذه الصور) الحيوانية (فقال له ابن عباس ادنه إلي) أمر من الدنو، والهاء للسكت كما في قه أمر من الوقاية أي اقرب إلي (فدنا الرجل) إلى ابن عباس (فقال) له (ابن عباس سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من صور صورة) ذي روح بقرينة قوله حتى ينفخ .. الخ (في الدنيا كلف) أي أجبر (أن ينفخ فيها) أي في تلك الصورة (الروح يوم القيامة وليس بنافخ) أي بقادر على النفخ فيها،

ص: 465

5402 -

(00)(00) حدَّثنا أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. قَالا: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ

ــ

وفي المشارق أي وليس بنافخ فيها أبدًا، قال ابن فرشته: هذا يدل على أن تصويرها حرام بل الوعيد فيها أشد مما في القتل لأنه ذكر في القتل فجزاؤه جهنم خالدًا فيها والخلود مؤول بطول المدة عند أهل السنة وها هنا لا يستقيم ذلك لأنه غيا العذاب بما لا يمكن وهو نفخ الروح فيها فيكون محمولًا على المستحيل أو على استحقاقه العذاب المؤبد اهـ.

وأجاب عنه الحافظ في الفتح [10/ 394] بأنه يتعين تأويل الحديث على أن المراد به الزجر الشديد بالوعيد بعذاب الكافر ليكون أبلغ في الارتداع وظاهره غير مراد وهذا في حق العاصي بذلك، وأما من فعله مستحيلًا فلا إشكال فيه.

قلت: ويمكن تأويل رواية سعيد بن أبي الحسن بان المراد من قوله (حتى ينفخ فيها) حتى يأمره بنفخ الروح كما هو مصرح في الروايات الأخرى وهذا الأمر يكون للتعجيز كما تقدم، وليس المراد أن عذابه يستمر إلى أن يقع منه نفخ الروح فعلًا وهو لا يستطيع ذلك فيستمر إلى الأبد والله سبحانه أعلم.

قال القرطبي: قوله (كلف أن ينفخ فيها) من هنا رأى ابن عباس أن تصوير ما ليس له روح يجوز هو والاكتساب به وهو مذهب جمهور السلف والخلف وخالفهم في ذلك مجاهد فقال: لا يجوز تصوير شيء من ذلك كله سواء كان له روح أو لم يكن متمسكًا في ذلك بقول الله تعالى في الحديث القدسي "ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقًا كخلقي فليخلقوا ذرة وليخلقوا حبة وليخلقوا شعيرة" فعم بالذم والتهديد والتقبيح كل من تعاطى تصوير شيء مما خلقه الله تعالى، وقد دل هذا الحديث على أن الذم والوعيد إنما علق بالمصورين من حيث تشبهوا بالله تعالى في خلقه وتعاطوا مشاركة فيما انفرد الله تعالى به من الخلق والاختراع وهذا يوضح حجة مجاهد اهـ من المفهم. وقوله أيضًا (كلف أن ينفخ فيها) أي ألزم ذلك وطوقه ولا يقدر على الامتثال فيعذب على كل حال.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال:

5402 -

(00)(00)(حدثنا أبو غسان المسمعي) مالك بن عبد الواحد البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (9) أبواب (ومحمد بن المثنى قالا حدثنا معاذ بن هشام)

ص: 466

حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ؛ أَنَّ رَجُلًا أَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ. فَذَكَرَ عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم، بِمِثْلِهِ.

5403 -

(2075)(141) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ وَأَبُو كُرَيبٍ. وَأَلْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ. قَالُوا: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيلٍ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ. قَال: دَخَلْتُ مَعَ أَبِي هُرَيرَةَ فِي دَارِ مَرْوَانَ

ــ

الدستوائي البصري، صدوق، من (9) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا أبي) هشام بن أبي عبد الله سنبر الدستوائي البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (7) أبواب (عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، من (4)(عن النضر بن أنس أن رجلًا أتى ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة قتادة لسعيد بن أبي عروبة (فذكر) ابن عباس الحديث (عن النبي صلى الله عليه وسلم وساق قتادة (بمثله) أي بمثل ما حدّث سعيد بن أبي عروبة عن النضر بن أنس.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله سابعًا لحديث عائشة الأول بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال:

5403 -

(2075)(141)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير وأبو كريب) محمد بن العلاء (وألفاظهم متقاربة قالوا حدثنا) محمد (بن فضيل) بن غزوان الضبي مولاهم أبو عبد الرحمن الكوفي، صدوق، من (9) روى عنه في (20) بابا (عن عمارة) بن القعقاع بن شبرمة الضبي الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي زرعة) هرم بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي الكوفي، ثقة، من (3) رأى عليًّا يروي عنه (ع) وعمارة بن القعقاع وإبراهيم النخعي وخلق (قال) أبو زرعة (دخلت مع أبي هريرة في دار مروان) بن الحكم بن العاص بن أمية بن عبد شمس الأموي، وفي الرواية الآتية "دخلت أنا وأبو هريرة دارًا تبنى بالمدينة لسعيد بن العاص أو لمروان، قال: فرأى مصورا يصور في الدار" وسعيد هذا هو سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس الأموي صحابي صغير، ولد قبل بدر، وكان له عند موت النبي صلى الله عليه وسلم (9) تسع سنين، وكان هو ومروان بن الحكم يتعاقبان إمرة المدينة لمعاوية رضي الله عنهما ولعل صاحب الدار سواء كان مروان أو سعيد بن العاص لا يرى حرمة الصورة المنقوشة في الجدار التي ليس لها ظل وليس في فعل أحدهما حجة

ص: 467

فَرَأَى فِيهَا تَصَاويرَ. فَقَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "قَال اللهُ عز وجل: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخلُقُ خَلْقًا كَخَلْقِي؟ فَلْيَخْلُقوا ذَرَّةً. أَوْ لِيَخْلُقُوا حبَّةً. أَوْ لِيَخْلُقُوا شَعِيرَةً".

5404 -

(00)(00) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ،

ــ

أمام الأدلة المذكورة سابقًا في هذا الباب (فرأى) أبو هريرة (فيها) أي في سقف تلك الدار (تصاوير) جمع تصوير بمعنى مصور. وهذا السند من خماسياته (فقال) أبو هريرة زجرًا لهم عن صناعة التصوير (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله عز وجل في حديثه القدسي (ومن أظلم) أي ومن أشد ظلمًا (ممن ذهب) وقصد أن (يخلق خلقًا) ويصور (كخلقي) أي على مثال مخلوقي أي فعل الصورة وحدها لا من كل الوجوه إذ لا قدرة لأحد على خلق مثل خلقه تعالى فالتشبيه في الصورة وحدها، وظاهره يتناول ماله ظل وما ليس له ظل فلذا أنكر أبو هريرة رضي الله عنه ما نقش في سقف البيت اهـ قسطلاني (فليخلقوا) أي فليوجدوا إن قدروا (ذرة) بفتح الذال المعجمة وتشديد الراء؛ أي نملة صغيرة أي فليخلقوا ذرة فيها روح تتصرف بنفسها كهذه الذرة التي هي خلق الله تعالى، وتحتمل الذرة أن تكون بمعنى الجزء الصغير من الشيء الذي يظهر في الشمس الداخلة من الكوة (أو ليخلقوا) وأو هنا وفيما بعده للتنويع أو بمعنى الواو أي وليوجدوا (حبة) من قمح بقرينة، وقوله (أو ليخلقوا شعيرة) وهو قرينة تدل على أن المراد هنا حبة من قمح اهـ إرشاد، قال النووي: معناه فليخلقوا ذرة فيها روح تتصرف بنفسها كهذه الذرة التي هي خلق الله تعالى كذلك فليخلقوا حبة حنطة أو شعيرة فليوجدوا حبة فيها طعم تؤكل وتزرع وتنبت ويوجد فيها ما يوجد في حبة الحنطة والشعير ونحوهما من الحب الذي يخلقه الله تعالى وهذا أمر تعجيزهم تارة بتكليفهم خلق حيوان وهو أشد وتارة بتكليفهم خلق جماد وهو أهون ومع ذلك لا قدرة لهم عليه اهـ قسطلاني.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في اللباس باب نقض الصور [5953] وفي التوحيد باب قول الله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96)} [7559].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

5404 -

(00)(00)(وحدثنيه زهير بن حرب حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط

ص: 468

عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ. قَال: دَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو هُرَيرَةَ دَارًا تُبْنَى بِالْمَدِينَةِ، لِسَعِيدٍ أَوْ لِمَرْوَانَ. قَال: فَرَأَى مُصَوِّرًا يُصَوِّرُ فِي الدَّارِ. فَقَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، بِمِثْلِهِ. وَلَمْ يَذْكُرْ "أَوْ لِيَخْلُقُوا شَعِيرَةً".

5405 -

(2076)(142) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ بلالٍ، عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَدْخُلُ الْمَلائكَةُ بَيتًا فِيهِ تَمَاثِيلُ أَوْ تَصَاويرُ"

ــ

الضبي الكوفي (عن عمارة) بن القعقاع الضبي الكوفي (عن أبي زرعة) هرم بن عمرو بن جرير البجلي الكوفي (قال) أبو زرعة (دخلت أنا وأبو هريرة دارًا تبنى بالمدينة لسعبد) بن العاص (أولمروان) بن الحكم. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة جرير لابن فضيل (قال) أبو زرعة (فرأى) أبو هريرة شخصًا (مصورًا) بكسر الواو المشددة (يصور) صورة حيوان (في) سقف (الدار فقال) أبو هريرة زجرًا له عن التصوير (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث وساق جرير (بمثله) أي بمثل حديث ابن فضيل (و) لكن (لم يذكر) جرير لفظة (أو ليخلقوا شعيرة) والله أعلم.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثامنًا لحديث عائشة الأول بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنهما فقال:

5405 -

(2076)(142)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا خالد بن مخلد) البجلي مولاهم أبو الهيثم الكوفي القطوانن نسبة إلى قطوان موضع بالكوفة، صدوق، من كبار (10) روى عنه في (9) أبواب (عن سليمان بن بلال) التيمي المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (13) بابا (عن سهيل) بن أبي صالح السمان القيسي مولاهم أبي يزيد المدنن، صدوق، من (6) روى عنه في (13) بابا (عن أبيه) أبي صالح ذكوان السمان المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تدخل الملائكة بيتًا فيه تماثيل) أي صور ذوات الأرواح المعبودة كصورة عيسى ومريم (أو) قال أبو هريرة بيتًا فيه (تصاوير) حيوان عبدت أم لا؟ والشك من الراوي أو ممن دونه، ويحتمل كون أو بمعنى الواو العاطفة ويكون من عطف العام على الخاص. قال القرطبي:(قوله بيتًا فيه تماثيل أو تصاوير)

ص: 469

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يحتمل أن يكون هذا شكًّا من بعض الرواة، ويحتمل أن يريد بالتماثيل ما كان قائم الشخص وبالصور ما كان رقمًا وتكون (أو) بمعنى الواو أو تكون للتنويع والله تعالى أعلم اهـ من المفهم.

وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى اهـ من تحفة الأشراف.

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب اثنا عشر حديثًا، الأول حديث أنس بن مالك ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث جابر ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة، والرابع حديث عائشة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والخامس حديث ميمونة بنت الحارث ذكره للاستشهاد به لحديث عائشة، والسادس حديث أبي طلحة ذكره للاستشهاد له ثانيًا وذكر فيه خمس متابعات، والسابع حديث عائشة الثاني ذكره للاستشهاد به لحديثها الأول ثالثًا وذكر فيه أربع عشرة متابعة، والثامن حديث ابن عمر ذكره للاستشهاد به رابعًا لحديثها الأول وذكر فيه متابعة واحدة، والتاسع حديث عبد الله بن مسعود ذكره للاستشهاد به خامسًا لحديثها الأول وذكر فيه متابعتين، والعاشر حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد به سادسًا لحديثها وذكر فيه متابعتين، والحادي عشر حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد به سابعًا لحديثها الأول وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني عشر حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستشهاد به ثامنًا لحديثها الأول والله سبحانه وتعالى أعلم.

***

ص: 470