الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
678 - (22) باب استحباب وضع اليد على موضع الألم عند الدعاء، والتعوذ من شيطان الصلاة، واستحباب التداوي من كل داء، والتداوي من الحمى، والتداوي باللدود، والتداوي بالعود الهندي، والتداوي بالحبة السوداء
5596 -
(2164)(218) حدَّثني أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يحْيَى. قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أَخْبَرَنِي نَافِعُ بْنُ جُبَيرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيِّ؛ أَنهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَجَعًا، يَجِدُهُ في جَسَدِهِ مُنْذُ أَسْلَمَ. فَقَال لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "ضَعْ يَدَكَ عَلَى الَّذِي تَأَلَّمَ مِنْ جَسَدِكَ. وَقُلْ: بِاسْمِ اللهِ، ثَلَاثًا. وَقُلْ، سَبعَ مَرَّاتٍ: أَعُوذُ بِاللهِ
ــ
678 -
(22) باب استحباب وضع اليد على موضع الألم عند الدعاء، والتعوذ من شيطان الصلاة، واستحباب التداوي من كل داء، والتداوي من الحمى، والتداوي باللدود، والتداوي بالعود الهندي، والتداوي بالحبة السوداء
5596 -
(2164)(218)(حدثني أبو الطاهر وحرملة بن يحيى) التجيبي المصري (قالا أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس) بن يزيد الأموي الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري المدني (أخبرني نافع بن جبير بن مطعم) النوفلي أبو محمد المدني، ثقة فاضل، من (3) روى عنه في (10) أبواب تقريبًا (عن عثمان بن أبي العاص) بن بشر بن عبد بن دهمان بن عبد الله بن همام بن أبان (الثقفي) أبي عبد الله البصري الصحابي المشهور رضي الله عنه، روى عنه في (3) أبواب، مات في ولاية معاوية. وهذا السند من سداسياته (أنَّه) أي أن عثمان بن أبي العاص (شكا) أي أخبر على سبيل الشكوى (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعًا) أي ألمًا (يجده في جسده منذ أسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ضع يدك) أي كفك وأصبعك (على الَّذي) أي على الموضع الَّذي (تألم) وتوجع (من جسدك) وجسمك أو من جسد غيرك إذا رقيت غيرك (وقل) أتبرك (باسم الله) سبحانه (ثلاثًا) أي ثلاث مرات (وتل) أيضًا (سبع مرات أعوذ) أي أتحصن وأتحفظ (بالله) أي بذات الله
وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ".
5597 -
(2165)(219) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ الْبَاهِلِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيرِيِّ،
ــ
وأسمائه (و) صفاته من (قدرته) وإرادته وجلاله وجماله وجميع كمالاته (من شر) وضرر وألم (ما أجد) هـ الآن في جسمي (و) من شر ما (أحاذر) وأخاف وقوعه في المستقبل.
قال القرطبي: هذا أمر إرشاد وتعليم لما ينفع من وضع يد الراقي على المريض ومسحه بها وأن ذلك لم يكن مخصوصًا بالنبي صلى الله عليه وسلم بل ينبغي أن يفعل ذلك كل راق وقد تأكد أمر ذلك بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ذلك بأنفسهم وبغيرهم كما قد ذكر في الأحاديث فلا ينبغي للراقي أن يعدل عنه إلى المسح بحديد أو بغيره فإن ذلك لم يفعله أحد ممن سبق ذكره ففعله تمويه لا أصل له.
ومما ينبغي للراقي أن يفعله النفث والتفل وقد قلنا إنهما نفخ مع ريق وإن ريق التفل أكثر وقد قيل إن ريق النفث أكثر وقيل هما متساويان، والأول أصح عند أهل اللغة وقد كثر ذلك في الأحاديث المتقدمة وغيرها فلا يعدل عنه وكذلك تكرار التسمية ثلاثًا وتكرار العدد سبعًا كما جاء في هذا الحديث فينبغي للراقي أن يحافظ إذ قد علمه النبي صلى الله عليه وسلم وأمر به فكل ذلك فيه أسرار يدفع الله بها الأضرار اهـ من المفهم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الطب باب كيف الرقى [3891]، والترمذي في الطب رقم الباب [29] رقم الحديث [2801]، وابن ماجة في الطب باب ما عوَّذ به النبي صلى الله عليه وسلم وما عوَّذ به [3567].
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه فقال:
5597 -
(2165)(219)(حَدَّثَنَا يحيى بن خلف الباهلي) أبو سلمة البصري المعروف بالجوباري بجيم مضمومة وواو ساكنة ثم موحدة، صدوق، من (10) روى عنه في (3) أبواب (حَدَّثَنَا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (11) بابا (عن سعيد) بن إياس (الجريري) مصغرًا، ثقة، من (5) روى عنه في
عَنْ أَبي الْعَلَاءِ؛ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ الشَّيطَانَ قَدْ حَال بَينِي وَبَينَ صَلَاتِي وَقِرَاءَتِي. يَلْبِسُهَا عَلَيَّ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "ذَاكَ شَيطَانٌ يُقَال لَهُ: خِنْزِبٌ. فَإذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنْهُ،
ــ
(10)
أبواب (عن أبي العلاء) العامري يزيد بن عبد الله بن الشخير البصري كما سيذكره باسمه في السند الأخير ثقة، من (2) روى عنه في (5) أبواب (أن عثمان بن أبي العاص) الثقفي البصري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن الشيطان قد حال) وحجز بوسوسة (بيني وبين) إكمال (صلاتي وقراءتي) من عطف الجزء على الكل أي نكدني فيها ومنعني لذتها والفراغ للخشوع فيها حالة كونه (يلبسها) أي يخلط صلاتي وقراءتي (علي) أي يدخل فيها اللبس علي وشككني فيها وهو بكسر الباء من باب ضرب أي يخلطها ويحدث لي الالتباس والإشكال فيها بقوله هل ركعت أو سجدت أم لا؟ أو هل قرأت الفاتحة أم لا؟ حتَّى لا أدري كم ركعت وهل قرأت أم لا؟ قوله (جاء يلبسها علي) هو بكسر الباء لأن ماضيه لبس بفتحها كما قال الله تعالى:{وَلَلَبَسْنَا عَلَيهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} وهو الخلط وأما لبست الثوب فهو على العكس من ذلك (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك) الَّذي يلبس على المصلي هو (شيطان يقال له خنزب) قال النووي: بخاء معجمة مكسورة ثم نون ساكنة ثم زاي مكسورة أو مفتوحة ويقال أيضًا بفتح الخاء والزاي حكاه القاضي ويقال أيضًا بضم الخاء وفتح الزاي حكاه ابن الأثير في النهاية وهو غريب اهـ وقال القرطبي: هو بالحاء المهملة وبفتحها عند الجياني وبكسرها عند الصدفي وفي الصحاح الخنزاب هو الغليظ القصير وأنشد قول الأغلب العجلي يهجو سجاح:
قد أبصرت سجاح من بعد العمى
…
تاح لها بعدك خنزاب وزى
وجاء في حاشية اللسان مادة (وزى) قوله خنزاب بالخاء المعجمة كذا بالطبعات جميعها وهو تحريف صوابه حنزاب بالحاء المهملة كما في الصحاح والتهذيب، والخنزاب القصير الغليظ (والوزى) الشديد فيمكن أن يسمى الشيطان خنزبًا لأنه يتراءى غليظًا قصيرًا وحذفت الألف لما صار علمًا فكثيرًا ما تغير الأعلام عن أصولها اهـ من المفهم (فإذا أحسسته) وعلمته (فتعوذ) أي فتحصن ولذ (بالله) والتجئ إليه (منه) أي من
وَاتْفُلْ عَلَى يَسَارِكَ ثَلَاثًا" قَال: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذهَبَهُ اللهُ عَنِّي.
5598 -
(00)(00) حدَّثناه مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا سَالِمُ بْنُ نُوحٍ. ح وَحدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. كِلاهُمَا عَنِ الْجُرَيرِيِّ، عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ؛ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَ بِمِثْلِهِ. وَلَمْ يَذْكُرْ في حَدِيثِ سَالِمِ بْنِ نُوحٍ: ثَلَاثًا.
5599 -
(00)(00) .. وحدَّثني مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ
ــ
وسوسته وشره وضرره وتلبيسه عليك (واتفل) من بابي نصر وضرب أي وابزق (على يسارك ثلاثًا) تحقيرًا له (قال) عثمان بن أبي العاص (ففعلت ذلك) الَّذي أمرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأذهبه الله) سبحانه وتعالى أي ذلك الشيطان وطرده (عني) وكفاني وسوسته، وفيه استحباب التعويذ من الشيطان عند وسوسته مع التفل عن يساره ثلاثًا والتفل نفخ لطيف مع ريق يسير، قال في النهاية: التفل نفخ معه أدنى بزاق وهو أكثر من النفث اهـ والنفث نفخ لطيف بلا ريق كذا قالوا والله أعلم اهـ من ذهني.
وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى لم أره لغيره.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:
5598 -
(00)(00)(حدثناه محمد بن المثنى حَدَّثَنَا سالم بن نوح) بن أبي عطاء العطار أبو سعد البصري، صدوق، من (9) روى عنه في (7) أبواب (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا أبو أسامة كلاهما) أي كل من سالم وأبي أسامة رويا (عن) سعيد (الجريري) البصري، غرضه بيان متابعتهما لعبد الأعلى (عن أبي العلاء) يزيد بن عبد الله بن الشخير البصري (عن عثمان بن أبي العاص) رضي الله عنه (أنَّه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرا) أي فذكر سالم وأبو أسامة (بمثله) أي بمثل ما حدث عبد الأعلى، وفي بعض النسخ بل في أغلبها فذكر بالإفراد وهو تحريف (ولم يذكر) ابن المثنى (في حديث سالم بن نوح) وروايته لفظة (ثلاثًا).
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه فقال:
5599 -
(00)(00)(وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيرِيِّ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بن عَبْدِ اللهِ بنِ الشّخِّيرِ، عَنْ عُثمَانَ بنِ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيِّ. قَال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثلِ حَدِيثهِمْ.
5600 -
(2166)(220) حدَّثنا هَارُونُ بن مَعْرُوفٍ وَأَبُو الطَّاهِرِ وَأَحْمَدُ بْنُ عِيسَى. قَالُوا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخبَرَنِي عَمْرٌو، (وَهُوَ ابْنُ الْحَارِثِ)، عَنْ عَبدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّهُ قَال: "لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ
ــ
(11)
(حَدَّثَنَا عبد الرزاق) بن همام (أخبرنا سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي (عن سعيد) ابن إياس (الجريري) البصري (حَدَّثَنَا يزيد بن عبد الله بن الشخير) بكسر المعجمتين ثانيتهما مشددة أبي العلاء العامري البصري، ثقة، من (2) روى عنه في (5) أبواب (عن عثمان بن أبي العاص الثقفي) البصري رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة سفيان الثوري لعبد الأعلى وسالم بن نوح وأبي أسامة (قال) عثمان (قلت يا رسول الله) الحديث (ثم ذكر) سفيان (بمثل حديثهم) أي حديث عبد الأعلى وسالم بن نوح وأبي أسامة والله أعلم.
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما فقال:
5600 -
(2166)(220)(حَدَّثَنَا هارون بن معروف) المروزي نزيل بغداد، ثقة، من (10) روى عنه في (7) أبواب (وأبوالطاهر) أحمد بن عمرو بن سرح المصري (وأحمد بن عيسى) بن حسان المصري المعروف بالتستري، صدوق، من (15)(قالوا حَدَّثَنَا ابن وهب أخبرني عمرو وهو ابن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري، ثقة، من (7) روى عنه في (13) بابا (عن عبد ربه بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي الزبير) المكي محمد بن مسلم الأسدي (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري المدني رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال لكل داء) ومرض (دواء) وشفاء و (الداء) بفتح الدال لا غير المرض و (الدواء بفتح الدال ما يعالج به وقد تكسر داله وهي لغة الكلابيين
فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللهِ عز وجل"
ــ
كما نبه عليه النووي والفتح أفصح وهذه الكلمة صادقة العموم لأنها خبر من الصادق البشير عن الخالق القدير {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ الْلَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)} فالداء والدواء خلقه والشفاء والهلاك فعله وربط الأسباب بالمسببات حكمته وحكمه على ما سبق به علمه فكل ذلك بقدر لا معدل عنه ولا وزر وما أحسن قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الترمذي عن أبي خزامة بن يعمر قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله أرأيت رقى نسترقيها ودواء نتداوى به، هل ترد من قدر الله شيئًا؟ قال:"هي من قدر الله" أخرجه الترمذي [2065، 2148] وقال: هذا حديث حسن صحيح. وکفي بهذا بيانًا لکن للبصراء لا للعميان اها من المفهم، وربما يستشکل هذا بأن كثيرًا من المرضى يداوون ولا يبرؤون، وأجاب عنه القاضي عياض رحمه الله تعالى بأن عدم البرء إنما يكون لعدم العلم بحقيقة المداواة لا لعدم الدواء وكذلك الأمراض التي يقال فيها إنها ليس لها علاج فإن ذلك لعدم العلم بطريق العلاج لا لأن الدواء غير موجود اهـ (فإذا أصيب) ووفق ووجد (دواء الداء) بالإضافة (برأ) الداء أي زال وانكشف ذلك الداء (بإذن الله عز وجل وإرادته ومشيئته تعالى، قال القرطبي: ومعناه أن الله سبحانه وتعالى إذا شاء الشفاء يسر دواء ذلك الداء ونبه عليه مستعمله فيستعمله على وجهه وفي وقته فيشفى ذلك المرض وإذا أراد إهلاك صاحب المرض أذهل عن دوائه أو حجبه بمانع يمنعه فهللث صاحبه و کل ذلك بمشيئته وحکمنه کما سبق في علمه، ولقد أحسن من قال من الشعراء في شرح الحال:
والناس يلحون الطبيب وإنما
…
غلط الطبيب إصابة المقدور
اهـ من المفهم.
وقال النووي رحمه الله تعالى: في هذا الحديث إشارة إلى استحباب الدواء وهو مذهب أصحابنا وجمهور السلف وعامة الخلق، وفيه رد على من أنكر التداوي من غلاة الصوفية وقال كل شيء بقضاء وقدر فلا حاجة إلى التداوي، وحجة العلماء هذه الأحاديث ويعتقدون أن الله تعالى هو الفاعل وأن التداوي أيضًا من قدر الله وهذا كالأمر بالدعاء وكالأمر بقتال الكفار وبالتحصن ومجانبة الإلقاء باليد إلى التهلكة مع أن الأجل لا يتغير والمقادير لا تتأخر ولا تتقدم عن أوقاتها ولا بد من وقوع المقدرات وقد وردت في الأمر بالتداوي أحاديث كثيرة من أصرحها ما أخرجه أصحاب السنن الأربعة عن
5601 -
(2167)(221) حدَّثنا هَارُونُ بن مَعْرُوفٍ وَأَبُو الطَّاهِرِ. قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرٌو؛ أَنَّ بُكَيرًا حدَّثَهُ؛ أَنَّ عَاصِمَ بنَ عُمَرَ بنِ قَتَادَةَ حدَّثَهُ؛ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ عَادَ الْمُقَنَّعَ ثُمَّ قَال: لَا أَبْرَحُ حَتَّى تَحْتَجِمَ. فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ فِيهِ شِفَاءً"
ــ
أسامة بن شريك الثعلبي قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وجاءت الأعراب فقالوا: يا رسول الله أنتداوى؟ فقال: "نعم، يا عباد الله تداووا فإن الله عز وجل لم يضع داء إلَّا وضع له شفاء غير داء واحد "قالوا: وما هو؟ قال: "الهرم" اهـ فاستثنى الهرم من جملة الأدواء وإن لم يكن داء بنفسه لكن تلازمه الأدواء وهو مفض بصاحبه إلى الهلاك اهـ مفهم.
وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى لكنه أخرجه أحمد [3/ 335].
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث جابر الأول بحديث آخر له رضي الله عنه فقال:
5601 -
(1672)(221)(حَدَّثَنَا هارون بن معروف) المروزي (وأبو الطاهر) المصري (قالا حَدَّثَنَا ابن وهب أخبرني عمرو) بن الحارث المصري (أن بكيرًا) ابن عبد الله بن الأشج المخزومي المدني ثم المصري، ثقة، من (5)(حدثه أن عاصم بن عمر بن قتادة) بن النعمان الأنصاري الأوسي أبا عمر المدني، ثقة، من (4)(حدثه) أي حدث لبكير (أن جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته (عاد المقنع) بضم الميم وفتح القاف وتثديد النون المفتوحة على صيغة اسم المفعول ابن سنان التابعي، قال الحافظ ابن حجر: لا أعرفه إلَّا في هذا الحديث. أي زاره من مرضه (ثم قال) جابر (لا أبرح) أي لا أزال جالسًا عندك ولا أخرج من عندك (حتَّى تحتجم) أي حتَّى تخرج دمك الفاسد بالمحجم (فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن فبه) أي إن في الاحتجام (شفاء) أي عافية لمن زاد دمه وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال "إن أفضل ما تداويتم به الحجامة" وقد مر عن المؤلف في المساقاة وأخرجه البخاري أيضًا برقم [5696]، وقال الحافظ في الفتح [10/ 151]:
5602 -
(2168)(222) حدَّثني نَضرُ بن عَلِيٍّ الجَهْضَمِي. حَدَّثَنِي أَبِي. حَدَّثَنَا عَبدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيمَانَ، عَنْ عَاصِمٍ بنِ عُمَرَ بنِ قَتَادَةَ. قَال: جَاءَنَا جَابِرُ بن عَبْدِ اللهِ، في أَهْلِنَا. وَرَجُلٌ يَشْتَكِي
ــ
قال أهل المعرفة: الخطاب في هذا الحديث لأهل الحجاز ومن كان في معناهم من أهل البلاد الحارة لأن دماءهم رقيقة وتميل إلى ظاهر الأبدان لجذب الحرارة الخارجة لها إلى سطح البدن ويؤخذ من هذا أن الخطاب لغير الشيوخ لقلة الدم في أبدانهم، وقد أخرج الطبري بسند صحيح عن ابن سيرين قال: إذا بلغ الرجل أربعين سنة لم يحتجم، قال الطبري: وذلك أنَّه يصير من حينئذ في انتقاص من عمره وانحلال من قوة جسده فلا ينبغي أن يزيده وهيا بإخراج الدم اهـ وهو محمول على من لم تتعين حاجته إليه وعلى من لم يعتد به.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في الطب باب الحجامة من الداء [5697].
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث جابر الأول بحديث آخر له أيضًا رضي الله عنه فقال:
5602 -
(2168)(222)(حدثني نصر بن علي) بن نصر بن علي بن صهبان الأزدي أبو عمر البصري (الجهضمي) نسبة إلى الجهاضمة محلة في البصرة، ثقة ثبت، من (10) روى عنه في (16) بابا (حدثني أبي) علي بن نصر بن علي بن صهبان الأزدي أبو الحسن البصري الجهضمي، ثقة، من (9) روى عنه في (11) بابا (حَدَّثَنَا عبد الرحمن بن سليمان) بن عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر الأنصاري أبو سليمان المدني المعروف بابن الغسيل لأن جد أبيه حنظلة بن أبي عامر كسيل الملائكة، روى عن عاصم بن قتادة في الطب، وحمزة بن أبي أسيد وعكرمة، ويروي عنه (خ م د ق) وعلي بن نصر الجهضمي ووكيع وأبو نعيم، وثقه النسائي والدارقطني وابن معين وأبو زرعة، وقال النسائي في موضع آخر: ليس به بأس، وقال في التقريب: صدوق، من السادسة، مات (172) اثنتين وسبعين ومائة (عن عاصم بن عمر بن قتادة) بن النعمان الأوسي المدني، ثقة، من (4)(قال) عاصم (جاءنا جابر بن عبد الله) الأنصاري رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته (في أهلنا ورجل) منا لم أر من ذكر اسم هذا الرجل (يشتكي) أي
خُرَاجًا بِهِ أَو جِرَاحًا. فَقَال: مَا تَشتَكِي؟ قَال: خُرَاجٌ بِي قَد شَقَّ عَلَيَّ. فَقَال: يَا غُلَامُ، ائْتِنِي بِحَجَّامِ. فَقَال لَهُ: مَا تَصْنَعُ بِالْحجَّامِ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ؟ قَال: أُرِيدُ أَنْ أُعَلِّقَ فِيهِ مِحْجَمًا. قَال: وَاللهِ، إِنَّ الذُّبَابَ لَيُصِيبُني، أَوْ يُصِيبُنِي الثَّوْبُ، فَيُؤذِينِي، وَيشُقُّ عَلَيَّ. فَلَمَّا رَأَى تَبَرُّمَهُ مِنْ ذَلِكَ قَال: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنْ كَانَ فِي شَيءٍ مِن أَدْويَتِكُمْ خَيرٌ، فَفِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ،
ــ
يمرض (خراجًا) كان (به) والخراج بضم الخاء وتخفيف الراء على وزن غراب هو ورم قرح يخرج بالبدن وهو يخرج بالدابة وبغيرها من الحيوان والجمع أخرجة وخرجان كذا في تاج العروس (أو) قال عاصم يشتكي ذلك الرجل (جراحًا) أي ألم جراحة كانت به، والشك من عبد الرحمن أو ممن دونه (فقال) له جابر (ما تشتكي) أي أي شيء تشتكي وتمرض يا رجل (قال) الرجل لجابر (خراج بي قد شق) واشتد (علي) ألمه (فقال) جابر لغلام عندنا (يا فلام ائتني بحجام فقال) الرجل المريض (له) أي لجابر (ما تصنع) وتستفيد (بالحجام يا أبا عبد الله) كنية جابر (قال) جابر (أريد أن أعلق) وأجعل (فيه) أي في خراجك (محجمًا) أي آلة حجامة والمحجم بكسر الميم وفتح الجيم هي الآلة تمص ويجمع بها موضع الحجامة (قال) الرجل (والله إن الذباب ليصيبني) ويأكلني إذا شق جسمي (أو يصيبني الثوب فيرذيني ويشق علي) تعليق المعجم علي يعني أنني أتالم من إصابة الذباب أو الثوب في موضع القرح فكيف أتحمل إن علقت فيها المعجم فإنه أكثر إيذاءً بالنسبة إلى الذباب والثوب (فلما رأى) جابر (تبرمه) أي تبرم الرجل وتضجره وسآمته ويأسه (من ذلك) أي من تعليق المعجم عليه (قال) جابر تشجيعًا له وتطميعًا في الحجامة (إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن كان في شيء من أدويتكم) وعلاجكم (خير) أي شفاء (فـ) يكون ذلك الشفاء (في شرطة معجم) أي ففي شقة مشراط أي ففي شقة الحديدة التي يشق بها موضع الحجامة ليخرج منه الدم وهي الموسى والشرطة بفتح الشين وسكون الراء أي ضربة مشراط.
قوله (أعلق فيه محجمًا) والمحجم بكسر الميم وفتح الجيم مع سكون الحاء هو الآلة التي يمص بها ويجمع بها موضع الحجامة اهـ سنوسي. قوله (إن الذباب ليصيبني) يعني إنه يعض أي يعض خراجي قبل الحجامة وكذلك الثوب يصيبني أي يصيب خراجي قبل الحجامة فيؤذيني الثوب وأنا غير متحمل إذاية الذباب والثوب وحدها فكيف أتحملها
أَوْ شَرْبَةٍ مِنْ عَسَلٍ، أَوْ لَذْعَةٍ بِنَارٍ". قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَويَ" قَال: فَجَاءَ بِحَجَّامِ فَشَرَطَهُ، فَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ
ــ
مع إذاية الحجامة أي فأنا غير متحمل بعض الإذاية فكيف أتحملها مع إذاية الحجامة (فلما رأى) جابر وعلم (تبرمه) وملالته من الحجامة وكراهيته إياها يقال تبرم عن الشيء إذا مل منه وأعرض (من ذلك) أي من تعليق الحجامة. قوله (ففي شرطة معجم) أي فيكون ذلك الخير والشفاء في شرطة معجم أي في استفراغ الدم الفاسد بالحجم، والشرطة بفتح الشين ضربة مشراط أي ففي وضع المشراط والموسى على محل الحجم وشقه بها لإخراج الدم الفاسد، والمحجم هنا بفتح الميم موضع الحجامة وخص الحجامة بالذكر مع أن الفصد والعلق كذلك لأن غالب إخراجهم الدم يكون بالحجامة اهـ مناوي.
وفي المرقاة: شرطة معجم بكسر الميم وفتح الجيم وهي الآلة التي يجتمع فيها دم الحجامة عند المص ويراد هنا الحديدة التي يشرط ويشق بها موضع الحجامة لإخراج الدم والشرطة فعلة من شرط الحاجم يشرط من باب نصر إذا نزع وهو الضرب على موضع الحجامة ليخرج الدم منه كذا ذكره الطيبي (أو) يكون في (شربة من عسل) ليس المراد المرة بل المصدر أي شرب عسل (أو) يكون في (لذعة بنار) أي كية بنار (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم و) لكن (ما أحب) أنا (أن أكتوي) وأحرق جسمي (قال) عاصم بن عمر (فجاء) الغلام (بحجام فشرطه) أي فشرط الحجام ذلك الرجل (فذهب عنه) أي عن الرجل (ما يجد) أولًا من الألم وزال عنه فشفي. قوله (أو شربة من عسل) وسيأتي ما ورد في فوائد العسل والبحث فيه في باب التداوي بسقي العسل إن شاء الله تعالى. وقوله (أو لذعة بنار) بفتح اللام وسكون الذال المعجمة بعدها عين مهملة وهي المرة من اللذع وهو الخفيف من حرق النار، وقد فسره أكثر الشراح بالكي ويؤيده ما أخرجه البخاري عن ابن عباس "الشفاء في ثلاث شربة عسل وشرطة معجم وكية نار" ويجمع بينه وبين قوله صلى الله عليه وسلم "وما أحب أن كتوي" أو "أنهى أمتي عن الكي" أنَّه وإن كان طريقًا للعلاج والشفاء ولكنني لا أستحبه ولا أوصي أمتي بممارسته لما فيه من المضار والمفاسد.
قال النووي: وهذا من بديع الطب عند أهله لأن الأمراض الامتلائية إما دموية أو
5603 -
(2169)(223) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ أَنَّ أُمّ سَلَمَةَ اسْتَأذَنَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم في الْحِجَامَةِ. فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَبَا طَيبَةَ أَنْ يَحْجُمَهَا. قَال: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَال: كَانَ أَخَاهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ، أَوْ
ــ
صفراوية أو سوداوية أو بلغمية فإن كانت دموية فشفاؤها إخراج الدم وإن كانت الثلاثة الباقية فشفاؤها بالإسهال بالمسهل المناسب لكل خلط منها اهـ نووي. فنبه صلى الله عليه وسلم بالحجامة على إخراج الدم ويدخل فيه الفصد ووضع العلق وغيرهما مما في معناهما اهـ أبي. قوله صلى الله عليه وسلم (وما أحب أن أكتوي) .. إلخ إشارة إلى أنَّه يؤخر العلاج به حتَّى تدعو الضرورة إليه اهـ سنوسي، والمعنى وما أحب أن أعالج المرض بالكي ومعنى المكي هو أن تحمى حديدة على النار ثم توضع على الموضع المصاب من الجسد وكان الأقدمون يباشرون المكي بقضبان حديدية تجهز بقبضة خشبية وبعد أن تحمى هذه القضبان على النار حتَّى تصير بلون أحمر مبيض أو أحمر قاتم تكوى بها النواحي المختلفة، ولقد أكثر العرب قبل الإسلام من استعمال المكي كواسطة علاجية ولاسيما من قبل الأعراب حيث تندر الأطباء والأدوية وكان أكثرهم يستعملون هذا الطريق بدون استطباب وبدون مراجعة الخبراء والأطباء كآخر حيلة للاستشفاء، ومن هنا ورد المثل العربي السائر: آخر الدواء المكي.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الطب باب الدواء بالعسل [5683]، وباب من اكتوى أو كوى غيره [5754] لكنه أخرج الجزء المرفوع منه فقط.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًّا لحديث جابر الأول بحديث آخر لجابر أيضًا رضي الله عنه فقال:
5603 -
(2169)(223)(حَدَّثَنَا قتيبة بن سعيد حَدَّثَنَا ليث) بن سعد المصري (ح وحدثنا محمد بن رمح أخبرنا الليث عن أبي الزبير عن جابر) رضي الله عنه (أن أم سلمة) رضي الله تعالى عنها. وهذان السندان من رباعياته (استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحجامة فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا طيبة) غلامًا للأنصار غلام محيصة بن مسعود اسمه نافع، وقيل دينار، وقيل ميسرة (أن يحجمها) فحجمها (قال) أبو الزبير (حسبت أنَّه) أي أن جابرًا (قال كان) أبو طيبة (أخاها من الرضاعة أو) كان أبو طيبة
غُلَامًا لَمْ يَحْتَلِمْ.
5604 -
(2170)(224) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَال يَحْيَى -وَاللَّفْظُ لَهُ-: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى أُبَيّ بنِ
ــ
غلامًا لم يحتلم) أي لم يبلغ، قال القرطبي: واستئذان أم سلمة النبي صلى الله عليه وسلم في الحجامة دليل على أن المرأة لا ينبغي لها أن تفعل في نفسها شيئًا من التداوي أو ما يشبهه إلَّا بإذن زوجها لإمكان أن يكون ذلك الشيء مانعًا له من حقه أو منقصًا لغرضه منها وإذا كانت لا تشرع في شيء من التطوعات التي يتقرب بها إلى الله تعالى إلَّا بإذن منه كان أحرى وأولى أن لا تتعرض لغير القرب إلَّا بإذنه اللهم إلَّا أن تدعو إلى ذلك ضرورة من خوف موت أو مرض شديد فهذا لا يحتاج فيه إلى إذن لأنه قد التحق بقسم الواجبات المتعينة، وأيضًا فإن الحجامة وما يتنزل منزلتها مما يحتاج فيها إلى محاولة الغير فلا بد فيها من استئذان الزوج لنظره فيمن يصلح وفيما يحل من ذلك ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا طيبة أن يحجمها لما علم بينهما من السبب المبيح كما قال الراوي حيث إنه كان أخاها من الرضاعة أو غلامًا لم يحتلم ولا شك في أن مراعاة هذا هي الواجبة متى وجد ذلك فإن لم يوجد من يكون كذلك ودعت الضرورة إلى معالجة الكبير الأجنبي جاز دفعًا لأعظم الضررين وترجيحًا لأخف الممنوعين. وفي هذا الحديث من الفقه ما يدل على أن ذا المحرم يجوز أن يطلع من ذات محرمه على بعض ما يحرم على الأجنبي وكذلك الصبي فإن الحجامة غالبًا إنما تكون من بدن المرأة فيما لا يجوز لأجنبي الاطلاع عليه كالقفا والرأس والساقين اهـ من المفهم.
وشارك المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث جابر الأول بحديث آخر له رضي الله عنه فقال:
5604 -
(2170)(224)(حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى) التميمي (وأبو بكر بن أبي شيبة وأبو غريب قال يحيى واللفظ له أخبرنا وقال الآخران حَدَّثَنَا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان) طلحة بن نافع الواسطي (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته (قال) جابر (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بن
كَعْبٍ طَبِيبًا. فَقَطَعَ مِنْهُ عِرْقًا. ثُمَّ كَوَاهُ عَلَيهِ
ــ
كعب) بن قيس بن عبيد الأنصاري الخزرجي أبي المنذر المدني رضي الله عنه (طبيبًا) لم أو من ذكر اسمه (فقطع) ذلك الطبيب (منه) أي من أبي (عرقًا ثم كواه) أي كوى ذلك الطبيب أبيًا (عليه) أي على ذلك العرق، وفي هذا الكلام تقديم وتأخير، والتقدير بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بن كعب طبيبًا حين رمي أبي يوم الأحزاب على أكحله فرقأ الدم منه ثم كواه الطبيب عليه أي على أكحله فقطع منه أي من أبي عرقًا أي دم عرقه فبرأ، وفي الرواية الآتية إسقاط قوله (فقطع منه عرقًا) وهي أوضح وأصوب لأن الطبيب لم يقطع عرقه، ويحتمل أن يكون الكلام على حذف مضاف أي فقطع منه دم عرق أي أزال عنه بالغسل ثم كواه على فم العرق، والأكحل عرق معروف من المقاتل قال الخليل هو عرق الحياة يقال في كل عضو منه شعبة لها اسم على حدة فإذا قطع في اليد لم يرقإ الدم، وقيل إنه يقال له في اليد أكحل وفي الفخذ النسا وفي الظهر الأبهر اهـ من المفهم.
قال القرطبي: (وكونه صلى الله عليه وسلم بعث إلى أبي طبيبًا فكواه) دليل على أن الواجب في عمل العلاج أن لا يباشره إلَّا من كان معروفًا خبيرًا بمباشرته ولذلك أحال النبي صلى الله عليه وسلم على الحارث بن كلدة ووصف له النبي صلى الله عليه وسلم الدواء وكيفية العمل على ما يأتي (وكي النبي صلى الله عليه وسلم لأبي وسعد فيما سيأتي) دليل على جواز المكي والعمل به إذا ظن الإنسان منفعته ودعت الحاجة إليه فيحمل نهيه صلى الله عليه وسلم عن المكي على ما إذا أمكن أن يستغني عنه بغيره من الأدوية فمن فعله في محله وعلى شرطه لم يكن ذلك مكروهًا في حقه ولا منقصًا له من فضله ويجوز أن يكون من السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنّة بغير حساب رواه أحمد ومسلم من حديث عمران بن حصين، كيف لا وقد كوى النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ الَّذي اهتز له عرش الرحمن وأبي بن كعب المخصوص بأنه أقرأ الأمة للقرآن، وقد اكتوى عمران بن حصين فمن اعتقد أن هؤلاء لا يصلحون أن يكونوا من السبعين ألفًا ففساد كلامه لا يخفى وعلى هذا البحث فيكون قوله صلى الله عليه وسلم في السبعين ألفًا أنهم هم الذين لا يكتوون إنما يعني به الَّذي يكتوي وهو يجد عنه غنى والله أعلم اهـ من المفهم.
5605 -
(00)(00) وحدَّثنا عُثْمَانُ بن أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ. كِلَاهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرَا: فَقَطَعَ مِنْهُ عِرْقًا.
5606 -
(00)(00) وحدَّثني بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، (يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرٍ)، عَنْ شُعْبَةَ. قَال: سَمِعْتُ سُلَيمَانَ. قَال: سَمِعْتُ أَبَا سُفْيَانَ. قَال: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ. قَال: رُمِيَ أُبَيٌّ يَوْمَ الأَحْزَابِ عَلَى أَكْحَلِهِ. فَكَوَاهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم
ــ
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الطب باب في قطع العرق وموضع الحجم [3864] وباب في المكي [3866].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:
5655 -
(00)(00)(وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حَدَّثَنَا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (ح وحدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي النيسابوري (أخبرنا عبد الرحمن) بن مهدي بن حسان الأزدي البصري، ثقة، من (9)(أخبرنا سفيان) بن سعيد الثوري (كلاهما) أي كل من جرير وعبد الرحمن بن مهدي رويا (عن الأعمش بهذا الإسناد) يعني عن أبي سفيان عن جابر، غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة جرير وسفيان لأبي معاوية (و) لكن (لم يذكرا) أي لم يذكر جرير وسفيان لفظة (فقطع منه عرقًا).
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال:
5606 -
(00)(00)(وحدثني بشر بن خالد) الفرائضي البصري، ثقة، من (10)(حدثنا محمد يعني ابن جعفر عن شعبة قال) شعبة (سمعت سليمان) بن مهران الأعمش، غرضه بيان متابعة شعبة لمن روى عن الأعمش (قال) سليمان (سمعت أبا سفيان) طلحة بن نافع الواسطي (قال) أبو سفيان (سمعت جابر بن عبد الله قال) جابر (رمي) بالبناء للمجهول نائب فاعله (أبي) بضم الهمزة وفتح الباء وبالياء المشددة أي رمي أبي بن كعب (يوم) غزوة (الأحزاب) يعني يوم الخندق بسهم عرب وطعن (على كحله) قال في المنجد: عرق في وسط الذراع يفصد ونضربه الأطباء العصريون بالإبرة عند العلاج (فكواه رسول الله صلى الله عليه وسلم أي أمر بكيه. قوله (رمي أبي يوم الأحزاب)
5607 -
(2171)(225) حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا زُهَيرٌ. حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ. ح وَحدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخبَرَنَا أَبُو خَيثَمَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: رُمِيَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ
ــ
صحيح رواية هذه اللفظة أعني لفظة أبي بضم الهمزة وفتح الباء الموحدة وياء التصغير ورواها العذري والسمرقندي أبي بفتح الهمزة وكسر الباء على إضافته إلى ياء المتكلم والأول هو الصحيح بدليل الرواية التي نص فيها على أنَّه أبي بن كعب ولأن أبا جابر لم يدرك يوم الأحزاب وإنما استشهد يوم أحد اهـ من المفهم.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى خامسًا لحديث جابر الأول بحديث آخر له رضي الله عنه فقال:
5607 -
(2171)(225)(حَدَّثَنَا أحمد) بن عبد الله (بن يونس) بن قيس التميمي الكوفي، ثقة، من (10)(حَدَّثَنَا زهير) بن معاوية بن حديج بن الرحيل بالتصغير فيهما ابن زهير بن خيثمة أبو خيثمة الجعفي الكوفي، ثقة، من (7)(حَدَّثَنَا أبو الزبير عن جابر) بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما (ح وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (أخبرنا أبو خيثمة) الجعفي (عن أبي الزبير) المكي (عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنهما. وهذان السندان من رباعياته (قال) جابر (رمي) بالبناء للمفعول ونائبه (سعد بن معاذ) بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن النبيت بن مالك بن الأوس الأنصاري الأوسي الأشهلي سيد الأوس، وأمه كبشة بنت رافع لها صحبة ويكنى أبا عمرو شهد بدرًا باتفاق، ورمي بسهم يوم الخندق فعاش بعد ذلك شهرًا حتَّى حكم في بني قريظة وأجيبت دعوته في ذلك، ثم انتقض جرحه فمات، أخرج ذلك البخاري وذلك سنة خمس، وقال المنافقون لما خرجت جنازته: ما أخفها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الملائكة حملته" وفي الصحيحين وغيرهما من طرق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ وروى ابن إسحاق في قصة الخندق عن عائشة قالت: كنت في حصن بني حارثة وأم سعد بن معاذ معي فمر سعد بن معاذ علينا وعليه درع له مقلصة وقد خرجت منها ذراعه كلها وفي يده حربته يرفل بها ويقول:
لَبِّثْ قليلًا يشهد الهيجا حمل
…
لا بأس بالموت إذا حان الأجل
فِي أَكْحَلِهِ. قَال: فَحَسَمَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ بِمِشْقَصٍ. ثُمَّ وَرِمَتْ فَحَسَمَهُ الثَّانِيَةَ.
5608 -
(2172)(226) حدَّثني أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ صَخْرٍ الدَّارِمِيُّ. حَدَّثَنَا حَبَّانُ بْنُ هِلَالٍ. حَدَّثَنَا وُهَيبٌ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بن طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم احْتَجَمَ
ــ
فقالت له أمه: الحق يا بني فقد تأخرت، فقلت: يا أم سعد لوددت أن درع سعد أسبغ مما هي قال: فأصابه السهم حيث خافت عليه، وقال الَّذي رماه: خذها وأنا ابن العرقة، فقال: عرق الله وجهك في النار، وابن العرقة اسمه حبان بن عبد مناف من بني عامر بن لؤي، والعرقة أمه وقيل إن الَّذي أصاب سعدًا أبو أمامة الجشمي اهـ من الإصابة أي رمي (في كحله قال) جابر (فحسمه النبي صلى الله عليه وسلم أي كواه ليقطع دمه وأصل الحسم القطع (بيده) الشريفة (بمشقص) متعلق بحسم أي بحديد طويل غير عريض كنصل السهم، وقيل هو سكين أو مقراض صغير (ثم ورمت) يده (فحسمه) أي كواه المرة (الثانية).
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الطب باب في المكي [3866]، والترمذي في السير باب ما جاء في النزول على الحكم [1582].
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى سادسًا لحديث جابر الأول بحديث ابن عباس رضي الله عنهم فقال:
5608 -
(2172)(226)(حدثني أحمد بن سعيد بن صخر الدارمي) أبو جعفر السرخسي ثم النيسابوري، ثقة، من (11)(حَدَّثَنَا حبان) بفتح المهملة وتشديد الموحدة (ابن هلال) الباهلي أبو حبيب البصري، ثقة، من (9)(حَدَّثَنَا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي أبو بكر البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (12)(حَدَّثَنَا عبد الله بن طاوس) بن كيسان اليماني (عن أبيه) طاوس بن كيسان (عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته (أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم) حجمه أبو طيبة غلام لمحيصة بن مسعود الأنصاري اسمه نافع على الصحيح، وقيل دينار، وقيل ميسرة، وذكر ابن الحذاء في رجال الموطأ أنَّه عاش مائة وثلاثًا وأربعين سنة راجع فتح الباري
وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أَجْرَهُ. وَاسْتَعَطَ.
5609 -
(2173)(227) وحدَّثناه أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. (قَال أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. وَقَال أَبُو كُرَيبٍ - وَاللَّفْظُ لَهُ -: أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ)، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ الأَنْصَارِيُّ. قَال: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: احْتَجَمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ لَا يَظْلِمُ أَحَدًا أَجْرَهُ
ــ
والإصابة [4/ 114 و 115](وأعطى) النبي صلى الله عليه وسلم (الحجام أجره) أي أجرة حجمه. وقوله (واستعط) معطوف على احتجم أي استعمل السعوط في أنفه، والسعوط بفتح السين هو الدواء الَّذي يقطر في الأنف، قال النووي: بأن استلقى على ظهره وجعل بين كتفيه ما يرفعهما لينحدر رأسه الشريف وقطر في أنفه ما تداوى به ليصل إلى دماغه ليخرج ما فيه من الداء بالعطاس، وقال القرطبي: والسعوط بفتح السين دواء يصب في الأنف وقد أسعطت الرجل فاستعط هو بنفسه والمسعط بضم الميم والعين بينهما مهملة ساكنة هو الإناء الَّذي يجعل فيه السعوط اهـ من المفهم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في أبواب كثيرة منها في الطب باب أي ساعة يحتجم [5694] وباب الحجم في السفر والإحرام [5695]، وأبو داود في البيوع باب كسب الحجام [3423]، وابن ماجة في أبواب منها في التجارات باب كسب الحجام [2180] وقد مر للمؤلف في كتاب المساقاة باب حل أجرة الحجامة.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى سابعًا لحديث جابر الأول بحديث أنس بن مالك رضي الله عنهما فقال:
5609 -
(2173)(227)(وحدثنا أبو بكر بن أبو شيبة وأبو كريب قال أبو بكر حَدَّثَنَا وكيع وقال أبو غريب واللفظ له أخبرنا وكيع عن مسعر) بن كدام بن ظهير بن عبيدة الهلالي أبي سلمة الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (9) أبواب (عن عمرو بن عامر الأنصاري) الكوفي روى عن أنس بن مالك في الطب، ويروي عنه (ع) ومسعر وسفيان وشعبة، وثقه أبو حاتم والنسائي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الخامسة (قال) عمرو (سمعت أنس بن مالك يقول احتجم رسول إله صلى الله عليه وسلم وكان) صلى الله عليه وسلم (لا يظلم أحدًا) ممن استأجره أي لا ينقص (أجره) أي أجر عمله له بل يوفيه كاملًا.
5610 -
(2174)(228) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى (وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ) عَنْ عُبَيدِ اللهِ. أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَال: "الْحُمَّى مِنْ فَيحِ جَهَنَّمَ
ــ
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في الإجارة باب خراج الحجام [2280].
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الرابع من الترجمة بحديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:
5610 -
(2174)(228)(حَدَّثَنَا زهير بن حرب ومحمد بن الْمُثَنَّى قالا حَدَّثَنَا يحيى "وهو ابن سعيد" القطان (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص العمري المدني (أخبرني نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الحمى) بضم المهملة وفتح الميم المشددة وبالقصر (من فيح جهنم) أي من سطوع حر جهنم وفورانها حقيقة أرسلت إلى الدنيا نذيرًا للجاحدين وبشيرًا للمقرين لأنها كفارة لذنوبهم أو من باب التشبيه أي حرارتها شبيهة بحرارة جهنم شبه اشتعال حرارة الطبيعة في كونها مذيبة للبدن ومعذبة له بنار جهنم ففيه تنبيه للنفوس على شدة حر جهنم أعاذنا الله تعالى منها ومن سائر المكاره بمنه وكرمه آمين، والأول أولى قال الطيبي: من ليست بيانية حتَّى يكون تنبيهًا لقوله: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} فهي إما ابتدائية أي إن الحمى نشأت وحصلت من فيح جهنم وحرارتها أو تبعيضية أي إن الحمى بعض من فيح جهنم وحرارتها، قال: ويدل على هذا التأويل ما في الصحيح (اشتكت النار إلى ربها فقالت رب أكل بعضي بعضًا، فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف) وكما أن حرارة الصيف من فيحها كذلك الحمى، والحمى حرارة غريبة تشتعل في القلب وتنتشر منه بتوسط الروح والدم في العروق إلى جميع البدن، وهي قسمان عرضية وهي الحادثة عن ورم أو حركة أو إصابة حرارة الشمس أو القبض الشديد ونحوها، ومرضية وهي ثلاثة أنواع وتكون عن مادة ثم منها ما يسخن جميع البدن فإن كان مبدأ تعلقها بالروح فهي حمى يوم لأنها تقلع غالبًا في يوم ونهايتها إلى ثلاث وإن كان تعلقها بالأعضاء الأصلية فهي حمى دق وهي أخطرها وإن كان تعلقها
فَابْرُدُوهَا بِالْمَاءِ".
5611 -
(00)(00) وحدَّثنا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ. ح وَحدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيرٍ ومُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ. قَالا: حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَال:"إِنَّ شِدَّةَ الْحُمَّى مِنْ فَيحِ جَهَنَّمَ، فَابْرُدُوهَا بِالْمَاءِ"
ــ
بالأخلاط سميت عفنية وهي بعدد الأخلاط الأربعة وتحت هذه الأنواع المذكورة أصناف كثيرة بسبب الإفراد والتركيب اهـ من الإرشاد. قوله (من فيح جهنم) وفيح جهنم شدة حرارتها وأصله من فاحت القدر إذا غلت وقد يعبر عنه بالفور كما جاء في الرواية الأخرى ولفح النار إصابة شدة حرها و (جهنم) اسم علم من أسماء نار الآخرة مؤنث ولذلك لم ينصرف (فابردوها) بهمزة وصل وبضم الراء يقال بردت الحمى أبردها بردًا من باب نصر وقتل أسكنت حرارتها وأطفات لهبها كما في الرواية الأخرى فأطفئوها بالماء، وقد أخطأ من قال أبردوها بقطع الهمزة، وذكر النووي وغيره عن الجوهري أنها لغة رديئة، وفي الرواية الأخرى فأطفئوها بالهمزة رباعيًّا من أطفأ أي أزيلوا حرارتها (بالماء) أي ببرودة الماء البارد والله أعلم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 21]، والبخاري في الطب [5723]، وابن ماجة في الطب [3517].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:
5611 -
(00)(00)(وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير حَدَّثَنَا أبي) عبد الله (ومحمد بن بشر) بن الفرافصة العبدي الكوفي (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا عبد الله بن نمير ومحمد بن بشر قالا حَدَّثَنَا عبيد الله) بن عمر بن حفص (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما (عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذان السندان من خماسياته، غرضه بسوقهما بيان متابعة عبد الله بن نمير ومحمد بن بشر ليحيى القطان (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (أن شدة) حرارة (الحمى من فيح جهنم) أي من شدة حرارة جهنم وغليانها (فابردوها) أي أزيلوا شدة حرارتها (بالماء) أي ببرودة الماء. وقوله (الحمى من فيح جهنم) الفيح بفتح الفاء وسكون الياء والفوح كلاهما بمعنى شدة الحرارة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وسطوعها ووهجها أما كون الحمى من فيح جهنم فقد حمله بعض العلماء على الحقيقة وفسروا الحديث بأن اللهب الحاصل من جسم المحموم قطعة من جهنم قدر الله ظهورها بأسباب تقتضيها ليعتبر العباد بذلك كما أن أنواع الفرح واللذة من نعيم الجنّة أظهرها في هذه الدار عبرة ودلالة.
وحمله الآخرون على التشبيه والمعنى أن حر الحمى شيه بحر جهنم تنبيهًا للنفوس على شدة حر النار وأن هذه الحرارة الشديدة شبيهة بفيحها، وقد ذكر الحافظ في الفتح كلا التفسيرين ورجح الأول، ويحتمل أن الحمى نوع من جزاء السيئات يجازى به المؤمن في حياته فتعجل له بها العقوبة فتكون كفارة لسيئاته فتكون قطعة من عذاب جهنم تعجل للمؤمن لئلا يصاب بها في الآخرة، ويؤيده ما أخرجه البزار عن عائشة مرفوعًا (الحمى حظ كل مؤمن من النار) وإسناده حسن كما في مجمع الزوائد [2/ 306] وقد ورد هذا اللفظ مقرونًا بلفظ حديث الباب فيما أخرجه الطبراني في الكبير عن أبي ريحانة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحمى من فيح جهنم وهي نصيب المؤمن من النار" ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: ولكن فيه شهر بن حوشب وفيه مقال، ووثقه جماعة، وأخرج أحمد والطبراني في الكبير، عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الحمى كير من جهنم فما أصاب المؤمن منها كان حظه من جهنم" وفي إسناده أبو حصين الفلسطيني، قال فيه الهيثمي: لم أر له راويًا غير محمد بن مطرف، ولكنه يعضده ما سبق ذكره آنفًا من حديث عائشة وأبي ريحانة رضي الله عنهما والله أعلم.
قوله (فأبردوها) بهمزة وصل في أوله وضم الراء على أنَّه أمر من برد يبرد من باب نصر وهو الضبط الراجح الَّذي اختاره النووي والقاضي عياض والقرطبي والحافظ ابن حجر وغيرهم، وقيل إنه بهمزة قطع مفتوحة وراء مكسورة من أبرد الرباعي ولكن ذكر النووي وغيره عن الجوهري أنها لغة رديئة بل خطأ القرطبي هذا الضبط باتًا فلا شك أن الأفصح هو الأول ويقول الحماسي:
إذا وجدتُ لهيب الحب في كبدي
…
أقبلت نحو سقاء القوم أبْتَرِد
هبني بردت ببرد الماء ظاهره
…
فمن لنار على الأحشاء تتقد
(بالماء) ذكر المازري رحمه الله تعالى عن بعض أطباء عصره أنَّه حمل حديث
5612 -
(00)(00) وحدَّثني هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ. أَخبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. حَدَّثَنِي مَالِكٌ. ح وَحدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن رَافِعٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيكٍ. أَخبَرَنَا الضَّحَّاكُ، (يَعْنِي ابْنَ عُثْمَانَ)، كِلَاهُمَا عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ
ــ
الباب على الاغتسال أو على الانغماس في الماء وجعل يستهزئ بحديث الباب والعياذ بالله بأن الأطباء أي أطباء ذلك العصر مجمعون على أن اغتسال المحموم بالماء البارد مهلك ثم رد عليه المازري بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمر بالاغتسال ولا بالانغماس وإنما قال ابردوها بالماء ولم يبين الصفة فيمكن أن يراد به رش الماء على جيب المحموم كما سيأتي في حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها.
ومن المعلوم أن استعمال الماء بصور مختلفة حتَّى في صورة الاغتسال أو السباحة مما قد اعترف الأطباء قديمًا وحديثًا بأنه نافع في كثير من الحميات وقد حقق كثير من الأطباء القدامى أن الماء البارد ينفع في كثير من أنواع الحمى كحمى اليوم وحمى الدق والحميات الصفراوية وأما الطب الحديث فقد أجمع خبراؤه اليوم على أن استعمال الماء البارد من أقوى الوسائل تأثيرًا في إزالة الحمى وأنهم يصفون للمحموم أن يرش الماء على جيبه أو توضع خرقات مبلولة على جبينه بل وأن يمسح جميع بدنه بمناشف مبلولة بماء مثلوج وقد ثبتت هذه الطرق من أنفع المعالجات لإزالة فورة الحمى، من الفتح [10/ 176].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:
5612 -
(00)(00)(وحدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي السعدي مولاهم أبو جعفر (الأيلي) ثم المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) المصري (حدثني مالك) بن أنس إمام الفروع (ح وحدثنا محمد بن رافع) القشيري (حَدَّثَنَا) محمد بن إسماعيل بن مسلم (بن أبي فديك) مصغرًا يسار الديلي المدني، صدوق، من (8)(أخبرنا الضحاك يعني ابن عثمان) بن عبد الله الأسدي الحزامي أبو عثمان المدني، صدوق، من (7)(كلاهما) أي كل من مالك والضحاك رويا (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذان السندان من خماسياته، غرضه بيان متابعة مالك والضحاك لعبيد الله بن عمر (أن
رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "الْحُمَّى مِنْ فَيحِ جَهَنَّمَ. فَأَطْفِؤُهَا بِالْمَاءِ".
5613 -
(00)(00) حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الْحَكَمِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا رَوْحٌ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عُمَرَ بنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيدٍ، عَنْ أَبِيهِ،
ــ
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحمى) أي حرارتها (من فيح جهنم) أي من غليان حرارة جهنم إذا حصلت لأحدكم (فاطفئوها) كما تطفأ حرارة النار (بالماء) البارد، قوله (فأطفئوها) بالهمزة رباعيًّا من أطفأ أي أسكنوا حرارتها بالماء البارد.
قال الإمام المازري: واعلم أن علم الطب من أكثر العلوم احتياجًا إلى التفصيل حتَّى إن المريض يكون الشيء الواحد دواءً له في ساعة ثم يصير داء له في الساعة التي تليها لعارض يعرض له من غضب يحمي مزاجه مثلًا فيتغير علاجه ومثل ذلك كثير فإذا فرض وجود الشفاء لشخص بشيء في حالة ما لم يلزم منه وجود الشفاء به له أو لغيره في سائر الأحوال والأطباء مجمعون على أن المرض الواحد يختلف علاجه باختلاف السن والزمان والعادة والغذاء المتقدم والتأثير المالوف وقوة الطباع ذكره الحافظ في الفتح [10/ 176] وحينئذ فلا شك في صحة ما قاله: صلى الله عليه وسلم أن الحمى تعالج بالماء ولكن الَّذي ينبغي لكل أحد في وقائع جزئية أن يرجع إلى طبيب حاذق فيعالج مرضه في ضوء مواصفاته الشخصية لأن المعالجات تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص والأحوال.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:
5613 -
(00)(00)(حَدَّثَنَا أحمد بن عبد الله بن الحكم) بن أبي فروة الهاشمي المعروف بابن الكردي البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (حَدَّثَنَا محمد بن جعفر حَدَّثَنَا شعبة ح وحدثني هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي المعروف بالحمال، ثقة، من (15) روى عنه في (9) أبواب (واللفظ له حَدَّثَنَا روح) بن عبادة بن العلاء بن حسان القيسي البصري، ثقة، من (9)(حَدَّثَنَا شعبة عن عمر بن محمد بن زيد) ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب العمري المدني ثم العسقلاني، ثقة، من (6) روى عنه في (10) أبواب (عن أبيه) محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر، ثقة، من (3) روى عنه في
عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "الْحُمَّى مِنْ فَيحِ جَهَنَّمَ. فَأَطْفِؤُهَا بِالْمَاءِ".
5614 -
(2175)(229) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال:"الْحُمَّى مِنْ فَيحِ جَهَنَّمَ. فَابْرُدُوهَا بِالْمَاءِ"
ــ
(5)
أبواب (عن) جده عبد الله (بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما. وهذان السندان من سداسياته، غرضه بسوقهما بيان متابعة محمد بن زيد لنافع (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحمى من فيح جهنم فأطفئوها بالماء) البارد.
وقد وقع في بعض الطرق عن ابن عباس (فابردوها بماء زمزم) كما أخرجه أحمد والنسائي وابن حبان والحاكم من طريق عفان عن همام، فزعم بعض العلماء مثل ابن حبان أن مطلق رواية الباب محمولة على هذا القيد وأن الحمى لا تبرد إلَّا بماء زمزم وتعقبه الحافظ في الفتح [10/ 1176] بأن ما ورد مقيدًا بماء زمزم خطاب لأهل مكة لتيسر ماء زمزم عندهم، وفيه من البركة ما ليس في غيره وما ورد في حديث الباب مطلق لغير أهل مكة اهـ.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث عائشة رضي الله عنهم فقال:
5614 -
(2175)(229)(حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو غريب قالا حَدَّثَنَا) عبد الله (بن نمير عن هشام) بن عروة (عن أبيه عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء) قد تقدم ما فيه من الكلام.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الطب [5723] والترمذي في الطب [2074]، وابن ماجة في الطب [3516].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:
5615 -
(00)(00) وحدَّثنا إِسْحَاقُ بن إِبْرَاهِيمَ. أَخبَرَنَا خَالِدُ بن الْحَارِثِ وَعَبْدَةُ بْنُ سُلَيمَانَ. جَمِيعًا عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
5616 -
(2176)(230) وحدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بن أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيمَانَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ فَاطِمَةَ، عَنْ أَسْمَاءَ؛ أَنَّهَا كَانَتْ تُؤْتَى بِالْمَرْأَةِ الْمَوْعُوكَةِ. فَتَدْعُو بِالْمَاءِ فَتَصُبَّهُ في جَيبِها. وَتَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "أَبْرُدُوهَا بِالْمَاءِ" وَقَال: "إِنَّهَا مِنْ فَيحِ جَهَنَّمَ"
ــ
5615 -
(00)(00)(وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه (وأخبرنا خالد بن الحارث) بن عبيد بن سليم الهجيمي أبو عثمان البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (وعبدة بن سليمان) الكلابي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (جميعًا) أي كل من خالد وعبدة رويا (عن هشام) بن عروة، غرضه بيان متابعة خالد وعبدة لعبد الله بن نمير (بهذا الإسناد) يعني عن أبيه عن عائشة، وساقا (مثله) أي مثل حديث عبد الله بن نمير.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن عمر بحديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهم فقال:
5616 -
(2176)(230)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا عبدة بن سليمان) الكلابي الكوفي (عن هشام عن) زوجته وابنة عمه (فاطمة) بنت المنذر بن الزبير التابعية المدنية، وكانت أكبر من زوجها بثلاث عشرة سنة كما في التهذيب [12/ 444] وماتت وقد قاربت التسعين (عن) جدتها (أسماء) بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته (أنها) أي أن أسماء كانت توتى) بالبناء للمجهول (بالمرأة الموعوكة) أي المحمومة المضطربة لشدة حرارة الحمى بها، يقال وعك المرء بالبناء للمفعول إذا أصابته الحمى (فتدعو) أي تطلب أسماء (بالماء) البارد (فتصبه) أي فتصب ذلك الماء (في جيبها) أي في جيب المرأة الموعوكة، والجيب بفتح الجيم وسكون الياء هو ما ينفتح من النحر إلى أسفل الصدر (وتقول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابردوها بالماء وقال) النبي صلى الله عليه وسلم (إنها من فح جهنم) وهذا الَّذي فعلته هو طريق من طرق العمل بحديث الباب وقد ثبتت فائدته بالتجارب الحديثة.
5617 -
(00)(00) وحدَّثناه أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ وَأَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ نُمَيرٍ:"صَبَّتِ الْمَاءَ بَينَهَا وَبَينَ جَيبِهَا" وَلَمْ يَذْكُرْ في حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ: "أَنَّهَا مِنْ فَيحِ جَهَنَّمَ".
قَال أَبُو أَحْمَدَ: قَال إِبْرَاهِيمُ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ بِشْرٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ
ــ
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه في الطب باب الحمى من فيح جهنم [5724]، والترمذي في الطب باب ما جاء في تبريد الحمى بالماء [2074]، وابن ماجة في الطب باب الحمى من فيح جهنم فأبردوها [3519].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أسماء رضي الله تعالى عنها فقال:
5617 -
(00)(00)(وحدثنا أبو غريب حَدَّثَنَا ابن نمير وأبو أسامة عن هشام) غرضه بيان متابعة ابن نمير وأبي أسامة لعبدة بن سليمان (بهذا الإسناد) يعني عن فاطمة عن أسماء (و) لكن (في حديث ابن نمير) وروايته لفظة (صبت) أسماء (الماء) البارد (بينها) أي بين جسم المرأة الموعوكة (وبين جيبها) أي وبين جيب قميصها وطوقه (ولم يذكر) أبو غريب (في حديث أبي أسامة) وروايته لفظة (أنها) أي أن الحمى (من فيح جهنم) وهذا بيان لمحل المخالفة بين الروايتين (قال أبو أحمد) محمد بن عيسى الجلودي (قال) لنا (إبراهيم) بن محمد بن سفيان أبو إسحاق النيسابوري راويَةُ المؤلف (حَدَّثَنَا الحسن بن بشر) السلمي النيسابوري قاضيها، صدوق، من (11) الحادية عشرة مات سنة (244) أربع وأربعين ومائتين، لم يصح أن مسلمًا روى عنه قط، وإنما روى عنه تلميذه أبو إسحاق بن سفيان الراوي عن مسلم في مواضع علا فيها إسناده في الطلاق والوصايا والإمارة والطب وغيرها اهـ تقريب (حَدَّثَنَا أبو أسامة) حماد بن أسامة (بهذا الإسناد) يعني عن هشام عن فاطمة عن أسماء مثله، غرضه بيان متابعة الحسن بن بشر لأبي غريب فحصل له العلو في الإسناد لأنه كان في درجة الإمام مسلم رحمه الله تعالى.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث ابن عمر بحديث رافع بن خديج رضي الله عنهم فقال:
5618 -
(2177)(231) حدَّثنا هَنَّادُ بْنُ السِّرِيِّ. حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَص، عَنْ سَعِيدٍ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ، عَنْ جَدِّهِ رَافِعٍ بْنِ خَدِيجٍ. قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ الْحُمَّى فَوْرٌ مِنْ جَهَنَّمَ. فَابْرُدُوهَا بِالْمَاءِ".
5619 -
(00)(00) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ وَأَبُو بَكْرٍ بْنُ نَافِعٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمْنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبَايَةَ بنِ رِفَاعَةَ
ــ
5618 -
(2177)(231)(حَدَّثَنَا هنَّاد بن السري) بن مصعب الدارمي الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (6)(حَدَّثَنَا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي مولاهم الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (12) بابا (عن سعيد بن مسروق) الثوري والد سفيان الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (6) أبواب (عن عباية بن رفاعة) بن رافع بن خديج الأنصاري الزرقي أبي رفاعة المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (3) أبواب (عن جده رافع بن خديج) بن رافع بن عدي الأنصاري الأوسي الصحابي المشهور رضي الله عنه، روى عنه في (5) أبواب (قال) رافع (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الحمى فور) أي غليان (من) نار (جهنم فابردوها بالماء) البارد.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الطب باب الحمى من فيح جهنم [5226]، والترمذي في الطب باب ما جاء في تبريد الحمى بالماء [2073]، وابن ماجة في الطب باب الحمى من فيح جهنم [3518].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث رافع بن خديج رضي الله عنه فقال:
5619 -
(00)(00)(حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن المثنى ومحمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي، صدوق، من (10)(وأبو بكر) محمد بن أحمد (بن نافع) العبدي البصري، صدوق، من (10)(قالوا حَدَّثَنَا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسان الأزدي البصري، ثقة، من (9)(عن صفيان) بن سعيد الثوري، ثقة حجة، من (7)(عن أبيه) سعيد بن مسروق الثوري الكوفي، ثقة، من (6)(عن عباية بن رفاعة) بن رافع
حَدَّثَنِي رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ. قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "الْحُمَّى مِنْ فَوْرِ جَهَنَّمَ. فَابْرُدُوهَا عَنْكُمْ بِالْمَاءِ". وَلَمْ يَذْكُرْ أَبُو بَكْرٍ: "عَنْكُمْ" وَقَال: قَال: أَخْبَرَنِي رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ.
5620 -
(2178)(232) حدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ. حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: لَدَدْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم في مَرَضِهِ
ــ
(حدثني) جده (رافع بن خديج) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سفيان الثوري لأبي الأحوص (قال) رافع بن خديج (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الحمى من فور جهنم) وغليانها (فابردوها) أي فابردوا حرارتها (عنكم) أيها المحمومون (بالماء) البارد (و) لكن (لم يذكر أبو بكر) بن أبي شيبة لفظة (عنكم وقال) أبو بكر لفظة (قال) عباية بن رفاعة (أخبرني رافع بن خديج) بدل قول غيره (حدثني رافع بن خديج).
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الخامس من الترجمة بحديث عائشة الثاني رضي الله تعالى عنها فقال:
5620 -
(2178)(232)(حدثني محمد بن حاتم) بن ميمون البغدادي (حَدَّثَنَا يحيى بن سعيد) القطان (عن سفيان) بن سعيد الثوري (حدثني موسى بن أبي عائشة) المخزومي الهمداني مولاهم أبو الحسن الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (2) الصلاة والطب (عن عبيد الله بن عبد الله) بن عتبة بن مسعود الهذلي أبي عبد الله المدني الأعمى، ثقة، من (3) أحد الفقهاء السبعة في المدينة (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته (قالت) عائشة (لددنا) أي أسقينا (رسول الله صلى الله عليه وسلم الدواء في أحد جانبي فمه (في مرضه) الَّذي مات فيه، قال أهل اللغة: اللدود بفتح اللام هو الدواء الَّذي يصب في أحد جانبي فم المريض ويسقاه أو يدخل هناك بإصبع وغيرها ويحنك به ويقال منه لددته ألده، وحكى الجوهري أيضًا ألدَدْتُهُ رباعيًّا، والتدت أنا، ويقال للدود أيضًا لديد بالياء اهـ من النووي، واللدود بفتح اللام هو الدواء الَّذي يصب في أحد جانبي فم المريض بغير اختياره والفعل منه اللدود بضم اللام، وأما سبب هذا اللد فمصرح به في حديث أخرجه ابن سعد من طريق محمد بن
فَأَشَارَ أَنْ لَا تَلُدُّونِي. فَقُلْنَا: كَرَاهِيَةَ الْمَرِيضِ لِلدَّوَاءِ. فَلَمَّا أَفَاق قَال: "لَا يَبْقَى أَحَدٌ مِنْكُمْ إلا لُدَّ. غَيرُ الْعَبَّاسٍ. فَإِنَّهُ لَمْ يَشْهَدْكُمْ"
ــ
الصباح عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت: كانت تأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخاصرة فاشتدت به فأغمي عليه فلددناه، وأخرج عبد الرزاق بإسناد صحيح عن أسماء بنت عميس قالت (إن أول ما اشتكى كان في بيت ميمونة فاشتد مرضه حتَّى أغمي عليه فتشاورن في لده فلدوه فلما أفاق قال:"هذا فعل نساء جئن من هنا" وأشار إلى الحبشة، وكانت أسماء منهن - وكانت هاجرت إلى الحبشة - فقالوا: كنا نتهم بك ذات الجنب فقال: "ما كان الله ليعذبني به، ذكر الروايتين الحافظ في الفتح [8/ 148](فأشار) رسول الله صلى الله عليه وسلم إلينا بيده الشريفة عندما أردنا لده بـ (أن لا تلدوني) أي لا تصبوا الدواء في أحد جانبي فمي قهرًا بلا اختياري (فقلنا) أي قال بعضنا لبعض هذا الامتناع (كراهية المريض للدواء) أي لتناول الدواء، قال عياض: ضبطناه بالرفع فيكون خبر مبتدأ محذوف أي هذا الامتناع كراهية .. إلخ، ويحتمل نصبه على أنَّه مفعول لأجله لفعل محذوف والتقدير نهانا من لده لأجل كراهية المريض للدواء، ويحتمل نصبه على المصدرية لفعل محذوف أي كرهه كراهية المريض الدواء (فلما أفاق) من إغمائه بعدما لددناه (قال لا يبقى أحد منكم) أي ممن لدني الدواء (إلا لد) أي صب في فمه هذا الدواء (غير العباس) بن عبد المطلب (فإنه) لا يلد لأنه (لم يشهدكم) أي لم يحضر معكم حين لددتموني، قال الحافظ: والذي يظهر أنَّه أراد بذلك تأديبهم لئلا يعودوا إليه فكان ذلك تأديبًا لا قصاصًا ولا انتقامًا وهذا ظاهر لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن من دأبه الانتقام لنفسه فكان دأبه أن يعفو ويصفح ويؤخذ من هذا الحديث أن الإشارة المفهمة تعطى حكم اللفظ في الأوامر والنواهي، وأما سبب نهيه صلى الله عليه وسلم عن اللد مع أنَّه كان لا يمتنع من التداوي فالأصح أن اللدود غير ملائم لمرضه لأن أهل البيت ظنوا أن به ذات الجنب فأرادوا التداوي بما يلائمه مع أنَّه لم يكن به ذات الجنب وهو الَّذي حققه الحافظ ورجحه.
"تتمة"
إن امتناعه صلى الله عليه وسلم من اللدود لم يكن تحريمًا له ولا بيانًا لكراهيته الشرعية وإنما كان هذا الامتناع لأسباب خاصة في تلك الواقعة فلا يصح به الاستدلال
5621 -
(2179)(232) حَدَّثَنَا يَحْيَى بن يَحْيَى التَّمِيمِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ
ــ
على كراهية اللدود مطلقًا كما توهمه ترجمة من ترجم لهذا الحديث بكراهية اللدود ومن المعلوم أن التراجم في هذا الجامع ليست من وضع الإمام مسلم وإنما وضعها من بعده من الشراح والمصححين للمتن بحسب ما ظهر لهم وفهموه من الحديث والله أعلم.
قال القرطبي: (قولها لددنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أي وضعنا في فمه اللدود بفتح اللام وهو ما يجعل في أحد جانبي الفم والوجور بفتح الواو هو ما يصب في وسط الفم. وقوله (لا تلدوني) نهي ظاهر في المنع فكان ينبغي لهم أن ينتهوا عن ذلك غير أنهم تأولوا أن ذلك من باب ما علم من أحوال المرضى من كراهتهم الدواء فخالفوه فعاقبهم بأن اقتص منهم ففعل بهم ما فعلوا به فكان فيه دليل على مشروعية القصاص في كل شيء يتأتى فيه القصاص كما قال تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيكُمْ} [البقرة: 194] وقال بعض أصحابنا: فيه ما يدل على قتل الجماعة بواحد لأنهم لما تمالئوا وتعاونوا على لده اقتص من جميعهم، وفيه بعد لإمكان مراعاة الفرق فإنه يمكن أن يقال جاز ذلك فيما لا إراقة دم فيه لخفته في مقصود الشرع ولا يجوز ذلك في الدماء لحرمتها وعظم أمرها في مقصود الشرع فلا يصح حمل أحدهما على الآخر وإنما الَّذي يستنبط منه أن الحاضر في الجناية المعين عليها كالناظور الَّذي هو الطليعة كالمباشر له فيقتص من الكل لكن فيما لا دم فيه على ما قررناه، وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم على هذا المعنى بقوله:"إلَّا العباس فإنه لم يشهدكم" وفيه من الفقه منع إكراه المريض على الطعام والشراب والدواء كما قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "لا تكرهوا مرضاكم على الطعام والشراب" فإن الله تعالى يغذيهم" رواه الترمذي وابن ماجة اهـ من المفهم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 53]، والبخاري في الطب باب اللدود [2/ 57]، وفي الديات باب قتل الرجل بالمرأة [6886].
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء السادس من الترجمة بحديث أم قيس بنت محصن رضي الله تعالى عنها فقال:
5621 -
(2179)(232) (حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى التميمي وأبو بكر بن أبي شيبة
وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ - وَاللَّفْظُ لِزُهَيرٍ - قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أُمِّ قَيسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ، أُخْتِ عُكاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ. قَالتْ: دَخَلْتُ بِابْنٍ لِي عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ. فَبَال عَلَيهِ. فَدَعَا بِمَاءٍ فَرَشَّهُ.
قَالتْ: وَدَخَلْتُ عَلَيهِ بِابْنٍ لِي. قَدْ أَغْلَقْتُ عَلَيهِ مِنَ الْعُذْرَةِ
ــ
وعمرو) بن محمد بن بكير البغدادي أبو عثمان (الناقد وزهير بن حرب و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (واللفظ لزهير قال يحيى أخبرنا وقال الآخرون حَدَّثَنَا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله) بن عتبة بن مسعود الهذلي المدني (عن أم قيس) أمية (بنت محصن) بكسر الميم وفتح الصاد الأسدية، أسلمت قديمًا، وهاجرت إلى المدينة، وبايعت (أخت عكاشة بن محصن) رضي الله عنهما. وأخرج النسائي عنها قالت توفي ابن لي فجزعت فقلت للذي يغسله لا تغسل ابني بالماء البارد فتقتله فذكر عكاشة ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ما لها طال عمرها! قال: فلا نعلم امرأة عمرّت ما عمرت اهـ من الإصابة [4/ 463] وهذا السند من خماسياته (قالت) أم قيس (دخلت بابن لي على رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكل الطعام فبال) الابن (عليه) صلى الله عليه وسلم (فدعا) أي طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم (بماء) ينضح على مصابه فأتي به (فرشه) أي فرش ذلك الماء على المحل الَّذي أصيب بالبول، وقد مر هذا الجزء من الحديث في الطهارة من هذا الجامع مع بيان معنى الرش وحكمه هناك والمقصود من الحديث هنا ما بعده، وهو قوله (قالت) أم قيس أيضًا (ودخلت عليه) صلى الله عليه وسلم (بابن لي قد أعلقت) وغمزت وعصرت (عليه) أي على حلقه (من العذرة) أي لأجل إزالة العذرة عنه. قولها (قد أعلقت عليه) أي أزلت عنه العلوق وهي الآفة والدامية، والإعلاق معالجة عذرة الصبي. قوله (من العذرة) أي من أجل عذرته وهو وجع يحصل في الحلق يقال عذرت المرأة الغلام إذا كانت له عذرة أي غمزته بإصبعها وعصرته لإزالتها عنه، قال القسطلاني: العذرة بضم العين وسكون المعجمة وجع الحلق ويسمى سقوط اللهاة بفتح اللام وهي اللحمة التي في أقصى الحلق اهـ وهكذا فسره الحافظ أيضًا في الفتح [10/ 168] وفسره ابن الأثير في النهاية بقوله (وهي وجع الحلق يهيج من الدم) وقال الذهبي في كتابه الطب النبوي: العذرة وجع الحلق
فَقَال: "عَلَامَهْ تَدْغَرْنَ أَوْلَادَكُنَّ بِهَذَا الْعلَاقِ؟ عَلَيكُنَّ بِهَذَا الْعُودِ الْهِنْدِيِّ، فَإِنَّ فِيهِ سَبْعَةَ أَشْفِيَةٍ. مِنْهَا ذَاتُ الْجَنْبِ. يُسْعَطُ مِنَ الْعُذرَةِ، وَيُلَدُّ مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ"
ــ
وقيل العذرة دم يهيج في حلق الإنسان وتتأذى منه اللحمتان اللتان تسميهما الأطباء اللوزتين في أعلى الحلق على فم الحلقوم والنساء تسميها ببنات الأذن يعالجنها بالأصابع لترتفع إلى مكانها وهذه التفاسير كلها توافق في الطب أمراض الحلق التي تترافق باحتقان دموي سواء أكانت التهاب لوزات أم التهاب لهاة أم التهاب بلعوم، وأما الإعلاق فهو علاج العذرة بالعلاق بفتح العين وهو غمز اللهاة بالإصبع وكان أهل المدينة يلجاون في معالجة العذرة إلى غمز الحلق بالإصبع أو إلى فتل خرقة فتلًا شديدًا ثم تدخل في أنف المريض فتطعن البلعوم الأنفي فينفجر - منه دم وهو يسمى إعلاقًا وغمزًا وعذرًا ودغرًا وغدرًا (فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (علامه) وما استفهامية والهاء للوقف أي لأجل ما (تدغرن) وتغمزن أيها النساء (أولادكن) أي حلوق أولادكن والدغر غمز الحلق بالإصبع وعصرها ليخرج منها الدم الفاسد لما فيه من إضرارهم بالالام، أي وقد أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بابن لي (قد أعلقت عليه) أي قد غمزت وعصرت وحككت على حلقه لعلاجه من العذرة أي من وجع حلقه برفع حنكه بإصبعي فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:"علامه" أي لأي شيء (تدغرن) بالدال المهملة والغين المعجمة خطاب للنسوة أي لم تغمزن حلوق أولادكن (بهذا العلاق) بكسر العين أي بهذا الغمز المؤلم لهم (عليكن) يا معشر النساء أي الزمن يا معشر النساء في معالجة أولادكن من العذرة (بهذا العود الهندي) أي باستعمال هذا العود في معالجتهم (فإن فيه) أي إن في هذا العود (سبعة أشفية) أي سبعة أدوية لأمراض سبعة (منها) أي من تلك الأمراض السبعة (ذات الجنب) أي مرض يسمى ذات الجنب ومنها العذرة (يسعط) أي يصب هذا العود في الأنف للعلاج (من العذرة ويلد) أي يصب هذا العود في هذا العود في أحد جانبي الفم للعلاج (من ذات الجنب) أي استعملن هذا العود في العلاج من العذرة ولا تؤلمن أولادكن بغمز حلوقهم. قوله (يسعط من العذرة) أي يستعمل استعاطًا بأن يدخل الدواء في الأنف (ويلد من ذات الجنب) أي يسقاه المريض في أحد شقي فمه، وهو تنبيه إلى طريقة لسقي المريض دواءه عندما لا يتمكن من الجلوس أو من تناوله بيده أو عندما يثير ذلك ألمًا شديدًا لديه وذلك بصب الدواء شيئًا فشيئًا في جانب فمه ليتمكن من بلع المقدار المطلوب من غير شرق أي استعملن هذا العود الهندي وهو خشب يؤتى به من
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بلاد الهند طيب الرائحة قابض فيه مرارة يسيرة (وذات الجنب) هو التهاب غلاف الرئة فيعرض منه سعال وحمى ونخس في الجنب يزداد عند التنفس اهـ منجد، قال القسطلاني (منها ذات الجنب) أي قرحة صاحبة الجنب ومعناه باليونانية ورم الجنب من داخله وهو من الأمراض الخطرة لأنه يحدث بين القلب والكبد وهو من سيّئ الأسقام، وينقسم إلى قسمين حقيقي وغير حقيقي فالأول ورم حار يعرض في الغشاء المستبطن الأضلاع ويعرض منه خمسة أشياء الحمى والسعال والوجع الناخس وضيق النفس والنبض المنشاري (والنبض بسكون الباء وفتحها حركة القلب والعروق في الحيوان وتكون سريعة وبطيئة) اهـ منجد، والثاني ألم يعرض في نواحي الجنب عن رياح غليظة مؤذية تحتقن بين الصفاقات فتحدث وجعًا قريبًا من ذات الجنب الحقيقي والعلاج المذكور في هذا الحديث إنما هو لهذا القسم الثاني لأن العود الهندي هو الَّذي يداوى به الريح الغليظ، قال المسيحي: العود حار يابس قابض يحبس البطن ويقوي الأعضاء الباطنة ويطرد الريح ويفتح السدد ويذهب فضل الرطوبة قال ويجوز أن ينفع من ذات الجنب الحقيقي إذا كانت ناشئة عن مادة بلغمية ولاسيما في وقت العلة وخص ذات الجنب بالذكر دون البواقي لأنه أصعبها لأنه قلما يسلم منه من ابتلي به اهـ منه.
(والعود الهندي) هو خشب يؤتى به من بلاد الهند طيب الرائحة قابض فيه مرارة يسيرة وقشره كأنه جلد موشىً ويصلح إذا مضغ أو يمضمض بطبيخه لطيب النكهة وإذا شرب منه قدر مثقال نفع من لزوجة المعدة وضعفها وسكن لهيبها وإذا شرب بالماء نفع من وجع الكبد ووجع الجنب وقرحة الأمعاء .. الخ اهـ عيني. قوله (يسعط من العذرة) أي يدق دقًا ناعمًا ثم يسعط به، وهل يسعط به منفردًا أو مع غيره؟ يُسئل عن ذلك أهل الخبرة والتجربة ولا بد من النفع إذ لا يقول صلى الله عليه وسلم إلَّا حقًّا اهـ أبي. قال في المرقاة: بأن يؤخذ ماؤه فيسعط به لأنه يصل إلى العذرة فيقبضها فإنه حار ويابس اهـ. قال القرطبي (فإن فيه سبعة أشفية) بين منها في الحديث اثنين فقط ويسكت عن الخمسة وقد ذكر الأطباء في كتبهم أن فيه من الأشفية أكثر مما في هذا الحديث قال المازري: رأيت في كتبهم يعني الأطباء أنَّه يدر البول والطمث وينفع من السموم ويحرك شهوة الجماع ويقتل الدود وحب القرع إذا شرب بالعسل ويذهب بالكلف إذا طلي عليه وينفع من ضعف الكبد والمعدة وبردهما ومن حمى الورد والربع وينفع من النافض لطوخًا
5622 -
(00)(00) وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بن يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ، أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ. قَال: أَخبَرَنِي عُبَيدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ،
ــ
بالزيت قبل نفض الحمى ولمن به فالج واسترخاء وهو صنفان بحري وهندي فالبحري هو القسط الأبيض يؤتى به من بلاد المغرب ونص بعضهم على أن البحري أفضل من الهندي وهو أقل حرارة منه، قال إسحاق بن عمران: هما حاران يابسان في الدرجة الثالثة والهندي أشد حرًّا في الجزء الثالث، وقال ابن سينا: القسط حار في الثالثة يابس في الثانية [قلت] ويسمى الكست كما قال الراوي وحينثذ يشكل هذا بما ذكر من قول الأطباء إن البحري من العود يسمى القسط يؤتى به من بلاد المغرب فكيف يكون هنديًا ويؤتى به من المغرب إلَّا أن يريدوا مغرب الهند. فإن قيل: فإذا كان في العود الهندي هذه الأدوية الكثيرة فما وجه تخصيص منافعه بسبع مع أنها أكثر من ذلك ولأي شيء لم يفصلها، فالجواب عن الأول بعد تسليم أن لأسماء الأعداد مفهوم مخالفة أن هذه السبع المنافع هي التي علمها النبي صلى الله عليه وسلم بالوحي وتحققها وغيرها من المنافع علمت بالتجربة فتعرض لما علمه بالوحي دون غيره وعن الثاني إنه إنما فصل منها ما دعت الحاجة إليه وسكت عن غيره لأنه لم يبعث لبيان تفاصيل الطب ولا لتعليم صفته وإنما تكلم بما تكلم به منه ليرشد إلى الأخذ فيه والعمل به وأن في الوجود عقاقير وأدوية ينتفع بها وعين منها ما دعت حاجتهم إليها في ذلك الوقت وبحسب أولئك الأشخاص والله سبحانه وتعالى أعلم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الطب باب السعوط بالقسط الهندي والبحري [5692] وباب اللدود [5713]، وباب العذرة [5715] وباب ذات الجنب [5718]، وأبو داود في الطب باب في العلاق [3877]، والترمذي في الطهارة باب في نضح بول الغلام [711]، وابن ماجة في الطب باب دواء العذرة والنهي عن الغمز [3506 و 3507].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أم قيس رضي الله تعالى عنها فقال:
5622 -
(00)(00)(وحدثني حرملة بن يحيى أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس بن يزيد أن ابن شهاب أخبره قال أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود) الهذلي
أَن أُمّ قَيسٍ بِنْتَ مِحْصَنٍ، وَكَانَتْ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ اللَّاتِي بَايَعْنَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَهِيَ أُختُ عُكَّاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ، أَحَدِ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيمَةَ. قَال: أَخْبَرَتْنِي أَنَّهَا أَتَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِابْني لَهَا، لَمْ يَبْلُغْ أَنْ يَأْكُلَ الطَّعَامَ، وَقَدْ أَعْلَقَتْ عَلَيهِ مِنَ الْعُذرَةِ - (قَال يُونُسُ: أَعْلَقَتْ غَمَزَت، فَهِيَ تَخَافُ أَنْ يَكُونَ بِهِ عُذْرَة) قَالتْ: فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "عَلَامَهْ تَدْغَرْنَ أَوْلَادَكُنَّ بِهَذَا الإِعْلَاقِ؟ عَلَيكُمْ بِهذَا الْعُودِ الْهِنْدِيِّ - (يَعْنِي بِهِ الْكُسْتَ) فَإن فِيهِ سَبْعَةَ أَشْفِيَةٍ، مِنْهَا ذَاتُ الجَنْبِ"
ــ
المدني (أن أم قيس بنت محصن) وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة يونس بن يزيد لسفيان بن عيينة (وكانت) أم قيس (من المهاجرات الأول اللاتي بايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي أخت عكاشة بن محصن أحد بني أسد بن خزيمة) رضي الله عنهما، وهي التي ورد بسببها حديث من كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها" فكان رجل تبعها في الهجرة وكان يسمى مهاجر أم قيس اهـ مرقاة (قال) عبيد الله (أخبرتني أنها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بابن لها لم يبلغ أن يأكل الطعام وقد أعلقت) أي والحال أنها قد أعلقت وغمزت (عليه) أي على حلق ابن لها (من العذرة) أي لأجل علاج العذرة وسقوط اللهاة منه (قال يونس) بن يزيد بالسند السابق في تفسير أعلقت يقال (أعلقت) المرأة غلامها إذا (غمزت) وعصرت عذرته (فهي تخاف أن يكون) وتسقط (به) أي منه (عذرة) أي لهاة (قالت) أم قيس (فقال) لي (رسول الله صلى الله عليه وسلم علامه) أي لأي شيء ولأي فائدة (تدغرن) بفتح التاء وسكون الدال وفتح الغين المعجمة من باب فتح أي تغمزن حلوق (أولادكن) وتؤذينهم (بهذا الأعلاق) والغمز الَّذي كان عادة لكن (عليكم) أي الزموا في علاج عذرتهم (بـ) استعاط (هذا العود الهندي) في أنوفهم فإنه شفاء لعذرتهم، وذكر الضمير في قوله عليكم نظرأ إلى كونهن بمعنى الأشخاص وأنث في الرواية السابقة بقوله عليكن نظرًا إلى كونهن بمعنى الأنفس ذكره في القسطلاني، قال الراوي أو من دونه (يعني به) النبي صلى الله عليه وسلم بالعود الهندي (الكست) بضم الكاف وسكون السين المهملة (فإن فيه) أي إن في العود الهندي (سبعة أشفية) أي سبعة أدوية لسبعة أدواء (منها) أي من تلك السبع (ذات الجنب) أي قروح
قَال عُبَيدُ اللهِ: وَأَخبَرَتْنِي أَنَّ ابْنَهَا ذَاكَ بَال في حَجْرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ عَلَى بَوْلِهِ، وَلَمْ يَغْسِلْهُ غَسْلًا.
5623 -
(2180)(234) حدَّثِنا مُحَمَّدُ بن رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنْ عُقَيلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. أخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَة بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ أَخْبَرَهُمَا؛ أَنَّه سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"إِنَّ فِي الْحَبَّةِ السَّوداءِ شِفَاءَ مِنْ كُلِّ دَاءٍ. إلا السَّامَ"
ــ
تحدث في داخل الجنب (قال عبيد الله) بن عبد الله بالسند السابق (وأخبرتني) أم قيس أيضًا (أن ابنها ذاك) الَّذي غمزت عذرته (بال في حجر) أي في مقدم ثوب (رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء فنضحه) أي فنضح ذلك الماء ورشه (على بوله) أي على مصاب بوله رشًا خفيفًا بلا سيلان (ولم يغسله) أي لم يغسل مصاب بوله (غسلًا) مع سيلان لكون بوله نجاسة مخففة فاكتفى في تطهيره بالنضح والرش، وقد مر بيان معنى النضح والغسل في أوائل الكتاب والله أعلم.
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء السابع من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
5623 -
(2180)(234)(حَدَّثَنَا محمد بن رمح بن المهاجر) المصري (أخبرنا الليث) بن سعد المصري (عن عقيل) بن خالد بن عقيل الأموي المصري (عن ابن شهاب أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني (وسعيد بن المسيب) بن حزن المخزومي المدني (أن أبا هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أخبرهما) أي أخبر لأبي سلمة وسعيد بن المسيب (أنَّه) أي أن أبا هريرة (سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أن في الحبة السوداء شفاء) أي عافية وتحصنًا (من كل داء) أي من كل مرض من الرطوبة والبلغم وذلك لأنه حار يابس فينفع في الأمراض التي تقابله اهـ. وفي العيني: هو الكمون الأسود ويسمى الكمون الهندي ومن منافعه أنَّه يجلو ويشفي من الزكام إذا قلي واشتم، ويقتل الدود إذا أكل على الريق وإذا شرب منه مثقال نفع من البهر (الدفع) وضيق النفس ويحدر الطمث المحتبس اهـ باختصار (إلا السام) أي
وَالسَّامُ: الْمَوْتُ. وَالْحَبَّةُ السَّوْدَاءُ: الشُّونِيزُ.
5624 -
(00)(00) وَحَدَّثَنِيه أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ. قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. ح وحدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ. ح وحدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا
ــ
إلَّا الداء الَّذي يكون عنه الموت في علم الله تعالى، وفي رواية لابن ماجة "إلَّا أن يكون الموت"(والسام) بتخفيف الميم (الموت والحبة السوداء الشونيز) بفتح الشين المعجمة، وحكى ضمها ويقال له الشينيز أيضًا وهو اسمها الفارسي ويقال إن أصله شش هينز وهو الكمون الأسود أو الخردل أو ثمرة البطم بضم الموحدة وسكون المهملة الحبة الصفراء والعرب تسمي الأصفر أسود، وفي العيني هو الخضراء والعرب تسمي الأخضر أسود والأسود أخضر اهـ[قلت] وهذا التفسير الَّذي فسروا به الحبة السوداء كله غير مطابق ولعله تفسير ممن لم يرها ولم يعرفها والتفسير الموافق لحقيقتها هي الحلبة السوداء نزرعها في فصل الخريف مع الحلبة ولها رائحة طيبة ومنافعها لا تحصى كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وفي اللغة الأرمية الشرقية (حبسودا) وفي الغربية (أسمودي) وهي في الحبشة تزرع مع الحلبة كثيرًا كل سنة ولعل الشونيز لغة فارسية كما مر آنفًا.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الطب باب الحبة السوداء [5687]، والترمذي في الطب باب ما جاء في الحبة السوداء [2041] وباب ما جاء في الكمأة والعجوة [2070]، وابن ماجة في الطب باب الحبة السوداء [3490].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
5624 -
(00)(00)(وحدثنيه أبو الطاهر وحرملة قالا أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة يونس بن يزيد لعقيل بن خالد (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو) بن محمد بن بكير بن سابور (الناقد) أبو عثمان البغدادي (وزهير بن حرب و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (قالوا حَدَّثَنَا سفيان بن عيينة ح وحدثنا عبد بن حميد) الكسي البصري (أخبرنا
عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخبَرَنَا مَعْمَرٌ. ح وحدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ. أَخبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ. أَخبَرَنَا شُعَيبٌ. كُلُّهُم عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. بِمِثلِ حَدِيثِ عُقَيلٍ. وَفِي حَدِيثِ سُفْيَانَ ويونُسَ: الْحَبَّةُ السَّوْدَاءُ. وَلَمْ يَقُل: الشُّونِيزُ.
5625 -
(00)(00) وحدَّثنا يَحْيَى بن أَيُّوبُ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَابْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، (وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ)، عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال:"مَا مِن دَاءِ إلا فِي الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ مِنْهُ شِفَاءٌ. إلا السَّامَ"
ــ
عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (ح وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن مهران (الدارمي) السمرقندي (أخبرنا أبو اليمان) الحكم بن نافع القضاعي الحمصي مشهور بكنيته (أخبرنا شعيب) بن أبي حمزة دينار الأموي مولاهم أبو بشر الحمصي، ثقة، من (7) كلهم) أي كل من سفيان ومعمر وشعيب رووا (عن الزهري) غرضه بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لعقيل بن خالد (عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وساقوا (بمثل حديث عقيل) بن خالد (و) لكن (في حديث سفيان ويونس) وروايتهما (الحبة السوداء) شفاء من كل داء (ولم يقل) كل منهما أي لم يذكرا لفظة والحبة السوداء (الشونيز).
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
5625 -
(00)(00)(وحدثنا يحيى بن أيوب) المقابري البغدادي (وقتيبة بن سعيد و) علي (بن حجر) السعدي المروزي (قالوا حَدَّثَنَا إسماعيل وهو ابن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (عن العلاء) بن عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني، صدوق، من (5)(عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني، ثقة، من (3)(عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبد الرحمن بن يعقوب لأبي سلمة وسعيد بن المسيب (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما من داء) ولا مرض (إلا) كان (في الحبة السوداء منه) أي من ذلك المرض (شفاء) أي دواء (إلا السام) أي إلَّا المرض الَّذي علم الله سبحانه وتعالى في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
سابق علمه أنَّه يكون فيه السام أي الموت كما مر هذا التقدير في الرواية الأولى.
"تتمة"
قال القاضي عياض: ذكر جالينوس من منافع الشونيز أنَّه يحلل النفخ ويقتل ديدان البطن إذا أكل أو وضع على البطن ويشفي من الزكام إذا قلي وصر في خرقة واشتم وينفع من العلة التي يتقشر منها الجلد ويقلع الثآليل والخيلان جمع خال وهو شامة سوداء في البدن وقد تكون في الخد ويدر الطمث الكائن عن الأخلاط الغليظة اللزجة وينفع من الصداع إذا طلي به الجبين ويقلع البثور والجرب ويحلل الأورام البلغمية إذا شمه مع الخل وينفع من الماء العارض في العين إذا استعط مسحوقًا مع دهن الأريسا وينفع من انصباب النفس ويتمضمض به من وجع الأسنان ويدر البول واللبن وينفع من نهشة الدبيلى - الدبيلة؛ خراج ودمل كبير تظهر في الجوف فتقتل صاحبها غالبًا - وإذا بخر به طرد الهوام.
وقال غير جالينوس: من خاصَّته إذهاب حمى البلغم والسوداء ويقتل حب القرع وإذا علق في عنق المزكوم نفعه وينفع من حمى الربع، قال بعضهم: ولا يبعد منفعة الحار من أدواء حارة لخواص فيها كوجود ذلك في أدوية كثيرة فيكون الشونيز منها لعموم قوله صلى الله عليه وسلم ويكون أحيانًا مفردًا وأحيانًا مركبًا. [قلت] وعلى هذا القول الآخر تحمل كلية الحديث على عمومها لماحاطتها ولا يستثنى من الأدواء شيء إلَّا الداء الَّذي يكون منه الموت في علم الله تعالى وعلى القول الأول يكون ذلك العموم محمولًا على الأكثر والأغلب والله تعالى أعلم اهـ من المفهم.
وجملة ما ذكره المؤلف من الأحاديث في هذا الباب ستة عشر (16): الأول حديث عثمان بن أبي العاص ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثاني حديثه أيضًا ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثالث حديث جابر ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة، والرابع حديثه أيضًا ذكره للاستشهاد، والخامس حديثه أيضًا ذكره للاستشهاد، والسادس حديث أم سلمة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والسابع حديث جابر أيضًا للاستشهاد، والثامن حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد، والتاسع حديث أنس ذكره للاستشهاد، والعاشر
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والحادي عثر حديث عائشة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني عثر حديث أسماء ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث عثر حديث رافع بن خديج ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع عشر حديث عائشة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الخامس من الترجمة، والخامس عشر حديث أم قيس ذكره للاستدلال به على الجزء السادس من الترجمة، والسادس عشر حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء السابع من الترجمة وذكر فيه متابعتين.
***