الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
686 - (30) باب لا يخبر بتلعب الشيطان، وفي تأويل الرؤيا، وفيما رأى النبي صلى الله عليه وسلم في نومه
5782 -
(2238)(293) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّهُ قَال لأَعْرَابِيٍّ جَاءَهُ فَقَال: إِنِّي حَلَمْتُ أَنَّ رَأْسِي قُطِعَ، فَأَنَا أَتَّبِعُهُ. فَزَجَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَال:"لَا تُخْبِرْ بِتَلَعُّبِ الشَّيطَانِ بِكَ فِي الْمَنَامِ"
ــ
686 -
(30) باب لا يخبر بتلعب الشيطان، وفي تأويل الرؤيا، وفيما رأى النبي صلى الله عليه وسلم في نومه
5782 -
(2238)(293)(حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث) بن سعد (ح وحدثنا ابن رمح أخبرنا الليث عن أبي الزبير عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنهما (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذان السندان من رباعياته (أنه) صلى الله عليه وسلم (قال لأعرابي جاءه) صلى الله عليه وسلم لم أر من ذكر اسم الأعرابي (فقال) الأعرابي في قص منامه على رسول الله صلى الله عليه وسلم (إني حلمت) أي رأيت في المنام (أن رأسي) أي رأس نفسي (قطع) مني وأخذ (فأنا أتبعه) أي أمشي وراءه ناظرًا إليه (فزجره) أي نهى (النبي صلى الله عليه وسلم الأعرابي عن إخبار مثل منامه (وقال) له النبي صلى الله عليه وسلم في زجره (لا تخبر بتلعب الشيطان بك في المنام) وتشويشه لك لأن الرؤيا تقع لأول تعبير تعبر به وقد ورد في ذلك أحاديث منها ما أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه بسند حسن عن أبي رزين العقيلي مرفوعًا "الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر فإذا عبرت وقعت" ومنها ما أخرجه عبد الرزاق عن أبي قلابة مرسلًا "الرؤيا تقع على ما يعبر به"، مثل ذلك مثل رجل رفع رجله فهو ينتظر متى يضعها" ولكن قيده البخاري بما إذا كان المعبر مصيبًا أما إذا أخطأ في التعبير فلا تقع الرؤيا على تعبيره.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث ابن ماجه في تعبير الرؤيا باب من لعب به الشيطان في منامه فلا يحدث به الناس رقم [3958].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال:
5783 -
(00)(00) وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، رَأَيتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ رَأْسِي ضُرِبَ فَتَدَحْرَجَ، فَاشْتَدَدْتُ عَلَى أَثَرِهِ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِلأَعْرَابِيِّ:"لَا تُحَدِّثِ النَّاسَ بِتَلَعُّبِ الشَّيطَانِ بِكَ فِي مَنَامِكَ"
ــ
5783 -
(00)(00)(وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي (عن الأعمش عن أبي سفيان) طلحة بن نافع القرشي مولاهم الإسكاف الواسطي، صدوق، من (4) روى عنه في (5) أبواب (عن جابر) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بسوقه بيان متابعة أبي سفيان لأبي الزبير (قال) جابر (جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله رأيت في المنام كأن رأسي ضرب) أي قطع (فتدحرج) أي تردى من فوقي (فاشتددت) أي سعيت وجريت (على أثره) أي على عقبه أي وراءه لآخذه يعني رأيت نفسي راكضًا خلف رأسي المقطوع (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأعرابي لا تحدث الناس) أي لا تخبرهم (بتلعب الشيطان) وإرهابه (بك) وتخويفه إياك (في منامك).
قال النووي: قال المازري: يحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أن منامه هذا من الأضغاث بوحي أو بدلالة من المنام دلته على ذلك أو على أنه من المكروه الذي هو تحزين من الشيطان، وأما المعبرون فيتكلمون في كتبهم على قطع الرأس ويجعلونه دلالة على مفارقة الرائي ما هو فيه من النعم أو مفارقة من فوقه ويزول سلطانه ويتغير حاله في جميع أموره إلا أن يكون عبدًا فيدل على عتقه أو مريضًا فعلى شفائه أو مديونًا فعلى قضاء دينه أو من لم يحج فعلى أنه يحج أو مغمومًا على فرحه أو خائفًا فعلى أمنه والله أعلم اهـ، وقال القرطبي: وقيل إن الرائي أسقط من المنام ما لو ذكره لعلم أنه من الأضغاث وإلا فلأهل التعبير في قطع الرأس تأويلات، وقد ذكر ابن قتيبة في كتاب أصول العبارة أن رجلًا قال يا رسول الله إني رأيت أن رأسي قطع فجعلت انظر إليه بإحدى عيني فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:"بأيهما كنت تنظر إليه" فلبث ما شاء الله ثم قبض صلى الله عليه وسلم فعبر الناس أن الرأس كان النبي صلى الله عليه وسلم وأن النظر إليه كان اتباع سنته حكاه الأبي عن القرطبي.
وَقَال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعْدُ، يَخْطُبُ فَقَال:"لَا يُحَدِّثَنَّ أَحَدُكُمْ بِتَلَعُّبِ الشَّيطَانِ بِهِ فِي مَنَامِهِ".
5784 -
(00)(00) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ. قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ. قَال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، رَأَيتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ رَأْسِي قُطِعَ. قَال: فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَال: "إِذَا لَعِبَ الشَّيطَانُ بِأَحَدِكُمْ فِي مَنَامِهِ، فَلَا يُحَدِّثْ بِهِ النَّاسَ". وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ: "إِذَا لُعِبَ بِأَحَدِكُمْ" وَلَمْ يَذْكُرِ الشَّيطَانَ
ــ
(وقال) جابر رضي الله عنه أيضًا (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم بعد) أي بعد ما أخبره الأعرابي منامه (يخطب) الناس ويعظهم (فقال) في خطبته (لا يحدثن) أي لا يخبرن (أحدكم) أحدًا من الناس (بتلعب الشيطان به) وتخويفه إياه (في منامه) النهي فيه نهي إرشاد إلى المصالح.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال:
5784 -
(00)(00)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو سعيد الأشج) عبد الله بن سعيد بن حصين الكندي الكوفي، ثقة، من (10)(قالا حدثنا وكيع عن الأعمش عن أبي سفيان) طلحة بن نافع الواسطي، صدوق، من (4)(عن جابر) بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة وكيع لجرير بن عبد الحميد (قال) جابر (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله رأيت في المنام كأن رأسي قطع) وأخذ مني (قال) جابر (فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال إذا لعب الشيطان بأحدكم في منامه فلا يحدث به) أي بذلك المنام (الناس وفي رواية أبي بكر إذا لعب) بالبناء للمجهول (بأحدكم ولم يذكر) أبو بكر (الشيطان).
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث ابن عباس أو أبي هريرة رضي الله عنهم فقال:
5785 -
(2239)(294) حَدَّثَنَا حَاجِبُ بْنُ الْوَلِيدِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، عَنِ الزُّبَيدِيِّ. أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُبَيدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ؛ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَوْ أَبَا هُرَيرَةَ كَانَ يُحَدِّثُ؛ أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم. ح وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِيُّ، (وَاللَّفْظُ لَهُ) ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ؛
ــ
5785 -
(2239)(294)(حدثنا حاجب بن الوليد) بن ميمون الشامي نزيل بغداد، صدوق، من (10) روى عنه في (3) أبواب تقريبًا (حدثنا محمد بن حرب) الخولاني الأبرش الحمصي كاتب محمد بن الوليد الزبيدي، ثقة، من (9) روى عنه في (5) أبواب (عن) محمد بن الوليد بن عامر (الزبيدي) بالزاي والموحدة مصغرًا أبي الهذيل الحمصي القاضي، ثقة، من (7) روى عنه في (8) أبواب، قال الزبيدي (أخبرني) محمد بن مسلم (الزهري) المدني (عن عبيد الله بن عبد الله) بن عتبة بن مسعود الهذلي المدني الأعمى أحد الفقهاء السبعة في المدينة، ثقة، من (3) روى عنه في (8) أبواب (أن ابن عباس أو) قال عبيد الله أن (أبا هريرة) رضي الله عنهم والشك من الزهري فيما قاله عبيد الله، كذا وقع الشك في رواية الزبيدي وكذلك روي عن معمر أنه كان يقول أحيانًا عن أبي هريرة وأحيانًا يقول عن ابن عباس لكن انتهت روايته في الأخير إلى ابن عباس وكان يجزم بها وجزم أكثر أصحاب الزهري بكونه من مرويات ابن عباس وصنيع البخاري يقتضي ترجيح رواية من جزم بكونه من مسندات ابن عباس لأنه ذكر هذا الحديث في الأيمان والنذور تعليقًا فقال: وقال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر فجزم بأن الراوي ابن عباس راجع فتح الباري [12/ 433] وليس هذا من الاضطراب الذي يقدح في صحة الحديث لأن أكثر المحققين رجحوا كونه مرويًّا عن ابن عباس وبعد الترجيح لا يبقى اضطراب ولأن جهالة الصحابي لا يضر في قبول الحديث لكون الصحابة كلهم عدولًا والله سبحانه وتعالى أعلم (كان) أحد الصحابيين (يحدث أن رجلًا) من المسلمين لم أر من ذكر اسمه (أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا السند من سداسياته (ح وحدثني حرملة بن يحيى) بن عبد الله (التجيبي) المصري (واللفظ) الآتي (له) أي لحرملة، وأما حاجب بن الوليد فروى معناه (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم الفهمي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي الأموي (عن ابن شهاب) الزهري
أَنَّ عُبَيدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يُحَدِّثُ؛ أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أَرَى اللَّيلَةَ فِي الْمَنَامِ ظُلَّةً تَنْطِفُ السَّمْنَ وَالْعَسَلَ. فَأَرَى النَّاسَ يَتَكَفَّفُونَ مِنْهَا بِأَيدِيهِمْ. فَالْمُسْتَكْثِرُ وَالْمُسْتَقِلُّ. وَأَرَى سَبَبًا وَاصِلًا مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ. فَأَرَاكَ أَخَذْتَ بِهِ فَعَلَوْتَ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ مِنْ بَعْدِكَ فَعَلا، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَعَلا. ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَانْقَطَعَ بِهِ
ــ
(أن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة) الهذلي المدني (أخبره) أي أخبر للزهري (أن ابن عباس) رضي الله عنهما ولم يذكر الشك هنا كما ذكر في السند الأول كان يحدث) عبيد الله (أن رجلًا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا السند أيضًا من سداسياته (فقال) الرجل (يا رسول الله إني أرى الليلة) أي رأيت في الليلة البارحة (في المنام ظلة) بضم الظاء المشالة أي سحابة تظلل من تحتها وكل ما أظل ما تحته من سقيفة ونحوها يسمى ظلة قاله الخطابي، وزاد ابن ماجه من طريق ابن عيينة (بين السماء والأرض)(تنطف) بكسر الطاء ويجوز ضمها أيضًا يقال نطف الماء إذا سال، والنطفة القطرة من الماء ومعناه أي تقطر (السمن والعسل) قليلًا قليلًا (فأرى الناس) أي فرأيت الناس (يتكففون) أي يأخذون (منها) أي من تلك الظلة (بأيديهم) أي بأكفهم من القطرات التي تقطرها، قال الخليل: يقال تكفف إذا بسط كفه ليأخذ، وفي رواية الترمذي "يستقون" قال القرطبي: ويحتمل أن يكون معناه "يأخذون من ذاك كفايتهم" وهذا أليق بقوله "فالمستكثر من ذلك والمستقل" وتعقبه الحافظ في الفتح [12/ 434](فـ) من الناس (المستكثر) أي الآخذ من من ذلك كثيرًا (و) منهم (المستقل) أي الآخذ منه قليلًا وفي رواية لأحمد "فمن بين مستكثر ومستقل"(وأرى) أي ورأيت في تلك المنام (سببًا) أي حبلًا (واصلًا) أي ممدودًا فالواصل بمعنى الموصول (من السماء إلى الأرض فأراك) أي فرأيتك يا رسول الله (أخدت به) أي أمسكت بذلك السبب وتعلقت به (فعلوت) أي فصعدت وارتفعت إلى علوه (ثم أخذ) وتمسك (به) أي بذلك الحبل (رجل) من المسلمين (من بعدك فعلا) أي فصعد به ذلك الرجل وهو أبو بكر الصديق رضي الله عنه (ثم أخذ) واستمسك (به) أي بذلك الحبل (رجل آخر فعلا) أي صعد به إلى السماء وهو عمر بن الخطاب رضي الله عنه (ثم أخذ به رجل آخر) أي ثالث لهما فعلا به (فانقطع به)
ثُمَّ وُصِلَ لَهُ فَعَلا.
قَال أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، بِأَبِي أَنْتَ. وَاللَّهِ لَتَدَعَنِّي فَلأَعْبُرَنَّهَا. قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"اعْبُرْهَا" قَال أَبُو بَكْرٍ: أَمَّا الظُّلَّةُ فَظُلَّةُ الإِسْلامِ. وَأَمَّا الَّذِي يَنْطِفُ مِنَ السَّمْنِ وَالْعَسَلِ فَالْقُرْآنُ حَلاوَتُهُ وَلِينُهُ، وَأَمَّا مَا يَتَكَفَّفُ النَّاسُ مِنْ ذَلِكَ فَالْمُسْتَكْثِرُ مِنَ الْقُرْآنِ وَالْمُسْتَقِلُّ. وَأَمَّا السَّبَبُ الْوَاصِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ فَالْحَقُّ الَّذِي أَنْتَ عَلَيهِ. تَأْخُذُ بِهِ فَيُعْلِيكَ اللَّهُ بِهِ. ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ مِنْ بَعْدِكَ فَيَعْلُو بِهِ. ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَيَعْلُو بِهِ
ــ
الحبل وهو عثمان بن عفان رضي الله عنه (ثم وصل) الحبل المنقطع أي شد بعضه إلى بعض (له) أي لرجل آخر غير الثالث (فعلا) به ذلك الآخر وهو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وفي تنبيه المعلم قوله (ثم أخذ به رجل من بعدك) هو الصديق والآخر بعده هو عمر والثالث هو عثمان والرابع علي رضي الله عنهم اهـ (قال أبو بكر) الصديق رضي الله عنه (يا رسول الله بأبي) وأمي كما في بعض الرواية (أنت) مفديٌّ من كل مكروه (والله لتدعني) أي أقسمت لك بالله لتتركني واللام موطئة للقسم واقعة في جوابه (فلأعبرنها) بضم الباء من باب نصر، والفاء فيه عاطفة على ما قبلها ولا يصح ما قاله القرطبي هنا من أن الفاء زائدة واللام فيه لام كي إلا على رواية (فلأعبرها) بلا نون توكيد، وفيه من الفقه جواز الحلف على الغير وإبرار الحالف فإنه صلى الله عليه وسلم أجاب طلبته وأبر قسمه حيث (قال) له (رسول الله صلى الله عليه وسلم اعبرها) أي فسرها فـ (قال أبو بكر) في تفسيرها (أما الظلة) التي تنطف السمن والعسل (فـ) هي (ظلة الإسلام) وأحكامه النازلة من السماء (وأما الذي ينطف) ويمطر (من السمن والعسل فالقرآن حلاوته) من حيث المعنى فهو بدل من القرآن (ولينه) من حيث اللفظ أي سهولته (وأما ما يتكفف الناس) ويأخذون (من ذلك) الذي ينطف (فـ) هو ما يأخذه (المستكثر من القرآن والمستقل) منه (وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فـ) هو (الحق الذي أنت عليه تأخذ به) أي بذلك الحق (فيعليك الله) تعالى (به) أي بذلك الحق الذي أخذته (ثم يأخذ به) أي بذلك الحق (رجل من بعدك فيعلو) الحق ويعز (به) أي بذلك الرجل وهو أبو بكر (ثم يأخذ به) أي بذلك الحق (رجل آخر) غير الأول (فيعلو) الحق (به) أي بذلك
ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَيَنْقَطِعُ بِهِ ثُمَّ يُوصَلُ لَهُ فَيَعْلُو بِهِ. فَأَخْبِرْنِي، يَا رَسُولَ اللهِ، بِأَبِي أَنْتَ، أَصَبْتُ أَمْ أَخْطَأْتُ؟ قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"أَصَبْتَ بَعْضًا وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا" قَال: فَوَاللَّهِ، يَا رَسُولَ اللهِ، لَتُحَدِّثَنِّي مَا الَّذِي أَخْطَأْتُ؟ قَال:"لَا تُقْسِمْ"
ــ
الرجل الثاني وهو عمر (ثم يأخذ به) أي بذلك الحق (رجل آخر) ثالث لهما وهو عثمان (فينقطع) ذلك الحق (به) أي بذلك الرجل الثالث أي يضعف الحق في يده لوقوع القتل عليه (ثم يوصل) ذلك الحق الذي انقطع في يد ثالث وضعف (له) أي رجل آخر رابع لهم (فيعلو) الحق ويعز (به) أي بذلك الرابع وهو علي رضي الله عنه، ثم قال أبو بكر (فأخبرني يا رسول الله بأبي) وأمي (أنت) مفدي من المكاره والمساوئ (أصبت) بتقدير همزة التعيين أي هل وافقت الصواب في تعبيري هذه الرؤيا (أم أخطات) أي أخطات عن الصواب أي عين لي موافقتي أو خطئي فـ (قال) له (رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبت بعضًا وأخطأت بعضًا) أي وافقت الصواب في تفسير بعض الرؤيا وأخطات في ترك تفسير بعضها فإن الرائي قال (رأيت ظلة تنطف السمن والعسل) ففسر الصديق رضي الله عنه كلًّا من السمن والعسل بالقرآن حلاوته ولينه وهذا إنما هو تفسير العسل وترك تفسير السمن وتفسيره السنة فكان حقه أن يقول القرآن والسنة وإلى هذا أشار الطحاوي اهـ نووي. ثم (قال) الصديق (فوالله) أي فأقسمت لك بالله (يا رسول الله) إلا (لتحدثني ما الذي أخطات فيه) وما الذي أصبت فيه (قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تقسم) قال السنوسي: قال بعضهم: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإبرار القسم في الحديث الذي أخرجه مسلم فيما مر برقم [2069]، ولم يبر قسم أبي بكر لأن المعنى هنا لا تعد للقسم وما ذلك إلا لما رأى من المصلحة في ترك ذلك والإبرار إذا منع منه مانع خرج من الحض عليه اهـ وقال القرطبي: ففيه دلالة على أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإبرار المقسم ليس بواجب وإنما هو مندوب إليه إذا لم يعارضه ما هو أولى منه اهـ. قال النووي: وفي هذا الحديث جواز عبر الرؤيا وأن عابرها قد يصيب وقد يخطئ وأن الرؤيا ليست لأول عابر على الإطلاق وإنما ذلك إذا أصاب وجهها اهـ وقال القرطبي: وإنما لم يبين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الخطأ لأبي بكر لأن بيانه ليس من الأحكام التي أمر بتبليغها ولا أرهقت إليه حاجة ولعله لو عين ما أخطأ فيه لأفضى
5786 -
(00)(00) وَحَدَّثَنَاهُ ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَال: جَاءَ رَجُلٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مُنْصَرَفَهُ مِنْ أُحُدٍ. فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي رَأَيتُ هَذِهِ اللَّيلَةَ فِي الْمَنَامِ ظُلَّةً تَنْطِفُ السَّمْنَ وَالْعَسَلَ ، بِمَعْنَى حَدِيثِ يُونُسَ
ــ
ذلك إلى الكلام في الخلافة ومن تتم له ومن لا تتم له فتنفر لذلك نفوس وتتألم قلوب وتطرأ منه مفاسد، فسدّ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الباب والله أعلم بالصواب اهـ مفهم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في التعبير باب من لم ير الرؤيا لأول عابر [7046] وباب رؤيا الليل [7000]، وأبو داود في السنة باب في الخلفاء [4632] و 5633]، والترمذي في الرؤيا [2293]، وابن ماجه في الرؤيا باب تعبير الرؤيا [3964 و 3965].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:
5786 -
(00)(00)(وحدثناه) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) المكي (حدثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سفيان ليونس (قال) ابن عباس رضي الله عنهما (جاء رجل النبي صلى الله عليه وسلم منصرفه) صلى الله عليه وسلم (من) غزوة (أحد) أي وقت رجوعه من غزوة أحد (فقال) الرجل (يا رسول الله إني رأيت هذه الليلة) البارحة (في المنام ظلة تنطف السمن والعسل) فساق سفيان (بمعنى حديث يونس).
قوله (منصرفه من أحد) بفتح الفاء على أنه ظرف أو منصوب بنزع الخافض والتقدير وقت انصرافه ورجوعه من أحد وهذا مما يدل على أن الحديث من مراسيل الصحابة سواء كان مرويًّا عن ابن عباس أو عن أبي هريرة لأن كلا منهما لم يكن في ذلك الوقت بالمدينة، أما ابن عباس فكان صغيرًا مع أبويه بمكة، وأما أبو هريرة فإنما قدم المدينة زمن خيبر سنة سبع من الهجرة والله سبحانه وتعالى أعلم.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في هذا الحديث فقال:
5787 -
(00)(00) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَوْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال عَبْدُ الرَّزَّاقِ: كَانَ مَعْمَرٌ أَحْيَانًا يَقُولُ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَأَحْيَانًا يَقُولُ: عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَال: إِنِّي أَرَى اللَّيلَةَ ظُلَّةً ، بِمَعْنَى حَدِيثِهِمْ.
5788 -
(00)(00) وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ، وَهُوَ ابْنُ كَثِيرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم: كَانَ مِمَّا يَقُولُ لأَصْحَابِهِ: "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ رُؤْيَا
ــ
5787 -
(00)(00)(وحدثنا محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة) بن مسعود (عن ابن عباس أو) عن (أبي هريرة) وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة معمر ليونس (قال عبد الرزاق كان معمر أحيانًا يقول عن ابن عباس وأحيانًا يقول عن أبي هريرة أن رجلًا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني أرى الليلة ظلة) أي رأيت الليلة البارحة، وساق معمر (بمعنى حديثهم) أي بمعنى حديث الزبيدي ويونس وسفيان.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا فقال:
5788 -
(00)(00)(وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن مهران (الدارمي) السمرقندي، ثقة، من (11) روى عنه في (14) بابا (حدثنا محمد بن كثير) العبدي أبو عبد الله البصري أخو سليمان بن كثير، روى عن أخيه سليمان بن كثير في الرؤيا وسفيان وشعبة والثوري، ويروي عنه (ع) وعبد الله الدارمي والذهلي والبلخي والبحراني وأبو حاتم وعلي بن المديني، قال ابن معين: لم يكن ثقة، وقال أحمد: ثقة، وقال ابن حبان: كان ثقة فاضلًا، له في (م) فرد حديث في الرؤيا، وقال في التقريب: ثقة، من كبار العاشرة، مات سنة (223) ثلاث وعشرين ومائتين عن مائة (100) سنة (حدثنا) أخي (سليمان وهو ابن كثير) العبدي أبو محمد العبدي، قال في التقريب: لا بأس به، من (7) روى عنه في (2) بابين (عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مما يقول لأصحابه من رأى منكم رؤيا
فَلْيَقُصَّهَا أَعْبُرْهَا لَهُ" قَال: فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ، رَأَيتُ ظُلَّةً. بِنَحْو حَدِيثِهِمْ.
5789 -
(2240)(295) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "رَأَيتُ ذَاتَ لَيلَةٍ، فِيمَا يَرَى النَّائِمُ، كَأَنَّا فِي دَارِ عُقْبَةَ بْنِ رَافِعٍ، فَأُتِينَا بِرُطَبٍ مِنْ رُطَبِ ابْنِ طَابٍ
ــ
فليقصها) أي فليخبرها علي (أعبرها) أنا (له) أي أفسر تلك الرؤيا لذلك الرائي. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سليمان بن كثير لمن روى عن الزهري (قال) ابن عباس (فجاء رجل) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقال يا رسول الله رأيت ظلة) الحديث، وساق سليمان بن كثير (بنحو حديثهم) أي بنحو حديث الزبيدي ويونس وسفيان ومعمر.
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقال:
5789 -
(2240)(295)(حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) الحارثي البصري، ثقة، من (9)(حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (عن ثابت) بن أسلم (البناني) البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (13) بابا (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (قال) أنس (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت ذات ليلة) أي ليلة من الليالي، ولفظ (ذات) مقحم أو مضاف إلى ما بعده من إضافة الشيء إلى نفسه (فيما يرى) أي في الرؤيا التي يراها (النائم) لا في اليقظة (كأنا) معاشر المسلمين مجتمعون (في دار عقبة بن رافع) وهو من أنصار الصحابة، وله حديث أخرجه أبو يعلى بسند فيه ابن لهيعة عن محمود بن لبيد عن عقبة بن رافع رفعه "إذا أحب الله عبدًا حماه الدنيا .. الخ" رواه غير ابن لهيعة فسمى الصحابي قتادة بن النعمان رضي الله عنه والله أعلم اهـ من الإصابة [2/ 482] (فأتينا) بضم الهمزة وكسر التاء على صيغة المبني للمجهول أي أتانا آت (برطب من رطب ابن طاب) قال النووي: هو نوع معروف من الرطب يقال له رطب ابن طاب وتمر ابن طاب
فَأَوَّلْتُ الرِّفْعَةَ لَنَا فِي الدُّنْيَا وَالْعَاقِبَةَ فِي الآخِرَةِ، وَأَنَّ دِينَنَا قَدْ طَابَ"
ــ
وعذق ابن طاب وعرجون ابن طاب وهي مضاف إلى ابن طاب رجل من أهل المدينة، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم (فأولت الرفعة) أي ففسرت تلك الرؤيا بحصول الرفعة والعزة (لنا في الدنيا) وقوله (والعاقبة) بالنصب معطوف على الرفعة أي وأولتها بحسن العاقبة والخاتمة لنا (في الآخرة) بالفوز بجنات النعيم، قال القرطبي: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من لفظ عقبة العاقبة ومن رافع الرفعة (و) أولتها أيضًا بـ (أن ديننا قد طاب) أي كمل واستقرت أحكامه وتمهدت قواعده، وقال القاضي عياض: وتأول الرطب بالدين لأنه حلوفي القلوب سهل لأن الشريعة سمحة كملت بعد تدريج كما أن الرطب حلو سهل كمل بعد تدريج من الطلع إلى أن صار رطبًا، قال القرطبي: وتأويله صلى الله عليه وسلم دليل على أن تأويل الرؤيا وتفسيرها قد يؤخذ من اشتقاق كلماتها فإنه صلى الله عليه وسلم أخذ من عقبة حسن العاقبة ومن رافع الرفعة ومن رطب ابن طاب لذاذة الدين وكماله. وقد قال علماء أهل التعبير إن له أربعة طرق أحدها: ما يشتق من الأسماء كما ذكرناه آنفًا، وثانيها ما يعبر بمثاله ويفسر بشكله كدلالة معلم الكتاب على القاضي والسلطان وصاحب السجن ورئيس السفينة وعلى الوصي والوالد، وثالثها ما يفسره المعنى المقصود من ذلك الشيء المرئي كدلالة السفر على السفر وفعل السوق على المعيشة وفعل الدار على الزوجة والجارية، ورابعها التعبير بما تقدم له ذكر في القرآن أو السنة أو الشعر أو كلام العرب وأمثالها وكلام الناس وأمثالهم أو خبر معروف أو كلمة حكمة وذلك كنحو تعبير الخشب بالمنافق لقوله تعالى:{كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} وكتعبير الفأر بفاسق لأنه صلى الله عليه وسلم سماه فويسقًا وكتعبير القارورة بالمرأة لقوله صلى الله عليه وسلم "رفقًا بالقوارير، يعني ضعفة النساء وتتبع أمثلة ما ذكر يطول اهـ من المفهم. وكتعبير رؤية الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والخلفاء الراشدين مثلًا رضي الله تعالى عنهم أجمعين بما كان في أيامهم وخاص قصصهم كذا في شرح الأبي.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الأدب باب ما جاء في الرؤيا [5025].
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بحديث ابن عمر رضي الله عنهم فقال:
5790 -
(2241)(296) وَحَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ. أَخْبَرَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا صَخْرُ بْنُ جُوَيرِيَةَ، عَنْ نَافِعٍ؛ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال:"أَرَانِي فِي الْمَنَامِ أَتَسَوَّكُ بِسِوَاكٍ، فَجَذَبَنِي رَجُلانِ، أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الآخَرِ، فَنَاوَلْتُ السِّوَاكَ الأَصْغَرَ مِنْهُمَا. فَقِيلَ لِي: كَبِّرْ، فَدَفَعْتُهُ إِلَى الأَكْبَرِ"
ــ
5790 -
(2241)(296)(وحدثنا نصر بن علي) بن نصر بن صهبان الأزدي أبو عمرو البصري (الجهضمي) ثقة ثبت، من (10) روى عنه في (16) بابا (أخبرني أبي) علي بن نصر بن علي الأزدي الجهضمي الكبير أبو الحسن البصري، ثقة، من كبار (9) روى عنه في (11) بابا (حدثنا صخر بن جويرية) التميمي مولاهم أبو نافع البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (5) أبواب (عن نافع) مولى ابن عمر (أن عبد الله بن عمر حدثه) أي حدث لنافع وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أراني في المنام) أي أرى نفسي، وقوله (أتسوك) مضارع تسوك من باب تفعل الخماسي أي أرى نفسي في المنام مسوكًا (بسواك فجذبني) أي غمزني ودفعني (رجلان) من قدامي من الجانبين طلبًا للسواك مني (أحدهما أكبر من الآخر فناولت) أي أعطيت (السواك الأصغر منهما) أي من الرجلين دون الأكبر أي مددت وبسطت بيدي إلى الأصغر منهما لإعطاء السواك له (فقيل لي) في ذلك المنام والقائل له هو الملك (كبر) أي قدم الأكبر منهما في الإعطاء (فدفعته) أي دفعت السواك (إلى الأكبر) منهما وأعطيته له امتثالًا لأمر الملك، قال الأبي: فيه أن السنة تقديم الأكبر لأن رؤيا الأنبياء عليهم السلام حق وقد أمر بذلك في اليقظة اهـ، وقال ابن بطال: فيه تقديم ذي السن في السواك ويلتحق به الطعام والشراب والمشي والكلام، وقال المهلب: هذا ما لم يترتب القوم في الجلوس فإذا ترتبوا فالسنة حينئذ تقديم الأيمن كذا في فتح الباري [1/ 357].
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الوضوء باب دفع السواك إلى الأكبر [246] وسيذكره المؤلف أيضًا في الزهد باب مناولة الأكبر.
ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أنس بحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما فقال:
5791 -
(2242)(297) حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَرَّادٍ الأَشْعَرِيُّ وَأَبُو كُرَيبٍ، مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ ، (وَتَقَارَبَا فِي اللَّفْظِ)، قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال: "رَأَيتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ. فَذَهَبَ وَهَلِي إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ
ــ
5791 -
(2242)(297)(حدثنا أبو عامر عبد الله بن براد) بن يوسف بن أبي بردة بن أبي موسى (الأشعري) الكوفي، صدوق، من (10) روى عنه في (3) أبواب تقريبًا (وأبو كريب محمد بن العلاء) الهمداني الكوفي (وتقاربا في اللفظ قالا حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة القرشي الكوفي (عن بريد) بن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى أبي بردة الصغير الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي بردة جده) عامر بن أبي موسى الأشعري، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي موسى) الأشعري عبد الله بن قيس الكوفي الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال رأيت في المنام أني أهاجر) وأنتقل (من مكة إلى أرض بها نخل) وهذا يدل على أن هذه الرؤيا وقعت له وهو بمكة قبل الهجرة وأن الله تعالى أطلعه بها على ما يكون من حاله وحال أصحابه يوم أحد وبأنهم يصاب من صدورهم معه وأن الله تعالى يثبتهم بعد ذلك ويجمع كلمتهم ويقيم أمرهم ويعز دينهم وقد كمل الله تعالى له ذلك بعد بدر الثانية وهي المرادة في هذا الحديث على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى اهـ من المفهم (فذهب وهلي) بفتح الهاء أي وهمي وظني واعتقادي أي مال ظني (إلى أنها) أي إلى أن تلك الأرض (اليمامة) وهي المنطقة المعروفة من نجد أرض الحجاز وهي المسماة الآن بالرياض (أو هجر) بفتحتين وهي مدينة معروفة وهي قاعدة البحرين وهي من مساكن عبد القيس وقد سبقوا غيرهم إلى الإسلام وأفاد ياقوت أن هجر أيضًا بلد باليمن فهذا أولى بالتردد بينهما وبين اليمامة لأن اليمامة بين مكة والمدينة كذا في مناقب فتح الباري [7/ 228] اهـ نووي، قوله (وهلي) والوهل بفتح الهاء ما يقع في خاطر الإنسان ويهم به وقد يكون في موضع آخر بمعنى الغلط وليس مرادًا هنا بوجه لأنه لم يجزم بأنها واحدة منهما وإنما جوز ذلك إذ ليس في المنام ما يدل على التعيين وإنما أُرِيَ أرضًا ذات نخل فخطر له ذانك الموضعان لكونهما من أكثر البلاد
فَإِذَا هِيَ الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ. وَرَأَيتُ فِي رُؤْيَاى هَذِهِ أَنِّي هَزَزْتُ سَيفًا. فَانْقَطَعَ صَدْرُهُ. فَإِذَا هُوَ مَا أُصِيبَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ. ثُمَّ
ــ
نخلًا ثم إنه لما هاجر إلى المدينة تعينت له تلك الأرض فأخبر عنها بعد هجرته إليها بقوله (فإذا هي) أي تلك الأرض التي رأيتها في المنام (المدينة) المنورة (يثرب) بدل من المدينة أو عطف بيان لها أو صفة لها أي المسماة في الجاهلية بيثرب فسماها الله تعالى المدينة وسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم طيبة وطابة لطيب قريحة أهلها وضمائرهم والله أعلم، وإذا فجائية دخلت على الجملة الاسمية والتقدير فذهب وهلي إلى أنها اليمامة أو هجر ففاجأني كون تلك الأرض المدينة يثرب، ففيه ما يدل على أن الرؤيا قد تقع موافقة لظاهرها من غير تأويل وأن الرؤيا قبل وقوعها لا يقطع الإنسان بتأويلها وإنما هي ظن وحدس إلا فيما كان منها وحيًا للأنبياء كما وقع لإبراهيم عليه الصلاة والسلام في قوله لابنه {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} فإن ذلك لا يكون إلا عن يقين يحصل لهم قطعًا خلافًا لمن قال من أهل البدع إن ذلك كان منه ظنًّا وحسبانًا وهو قول باطل لأنه لم يكن ليقدم على معصوم قطعًا محبوب شرعًا وطبعًا بمنام لا أصل له ولا تحقيق فيه اهـ من المفهم، ولكن ما رآه صلى الله عليه وسلم في المنام هو أنه سيهاجر إلى أرض بها نخل وكان هذا القدر قطعيًّا لكونه وحيًا وقد وقع ما أخبر به، أما تعيين تلك الأرض فلم يوح إليه في ذلك حينئذ شيء فأولها على طريق الظن والاجتهاد باليمامة أو بهجر فتبين بعد ذلك أنها غيرهما.
قوله (يثرب) وهي اسم قديم للمدينة وقد ورد في الحديث النهي عن تسميتها بيثرب لكراهة لفظ التثريب ولأنه من تسمية الجاهلية فقيل يحتمل أن تسميته صلى الله عليه وسلم في حديث الباب بيثرب كان قبل النهي عنه، وقيل لبيان الجواز وإن النهي للتنزيه لا للتحريم وقيل خوطب به من يعرفها به ولهذا جمع بينه وبين اسمه الشرعي فقال المدينة يثرب اهـ من النووي.
(ورأيت في رؤياى هذه) التي رأيت فيها الهجرة (أني هززت) أي حركت وسللت (سيفًا) أي سيفي ذا الفقار كما في طبقات ابن سعد مرسلًا عن عروة أني حركت وأردت إخراجه من غلافه (فانقطع صدره) أي ظبته ورأسه وطرفه الفوقاني في الغلاف (فإذا هو) أي انقطاع صدر السيف أي تأويله (ما أصيب من المؤمنين) بالقتل والجراح (يوم أحد ثم
هَزَزْتُهُ أُخْرَى فَعَادَ أَحْسَنَ مَا كَانَ. فَإِذَا هُوَ مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْفَتْحِ وَاجْتِمَاعِ الْمُؤْمِنِينَ. وَرَأَيتُ فِيهَا أَيضًا بَقَرًا، وَاللَّهُ خَيرٌ. فَإِذَا هُمُ النَّفَرُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ. وَإِذَا الْخَيرُ مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْخَيرِ بَعْدُ، وَثَوَابُ الصِّدْقِ الَّذِي آتَانَا اللَّهُ بَعْدُ، يَوْمَ بَدْرٍ"
ــ
هززته) مرة (أخرى) أي حركته وأخرجته (فعاد) السيف أي صار (أحسن ما كان) عليه أولًا بلا انقطاع ولا ثلم (فإذا هو) أي عوده أحسن ما كان عليه تأويله (ما جاء) نا (الله به من الفتح) للبلاد (واجتماع المؤمنين) على الحق (ورأيت فيها) أي في تلك الرؤيا (أيضًا) أي كما رأيت هز السيف (بقرًا) تنحر كما في رواية أبي الأسود عن عروة (بقرًا تذبح)(فإذا) هي أي تلك البقرة المذبوحة تأويلها (هم النفر) أي الجماعة المقتولون (من المؤمنين يوم أحد). قوله (والله خير) مبتدأ وخبر أي ثواب الله خير للنفر المقتولين بالشهادة من بقائهم في الدنيا ولمن أصيب بهم بأجر المصيبة، وقيل المعنى صنع الله خير وهو قتلهم يوم أحد، وفي أكثر النسخ تقديم هذه الجملة على موضعها والحق ما ذكرناه من تأخيرها عما قبلها. قوله (والله خير) قال الأبي نقلًا عن القاضي عياض: هذه الجملة من بعض الرؤيا وأنها كلمة ألقيت إليه في ذلك المنام وسمعها في رؤياه بدليل قوله (وإذا الخير ما جاء الله به .. إلخ) وظاهره أنه رؤيا واحدة غير منفصلة ولعل هذه الكلمة إنما ألقيت إليه صلى الله عليه وسلم عندما رأى بقرًا تنحر لأن تأويل نحر البقر هو ما يصاب به المسلمون يوم أحد من الشهادة فأعقب الله تعالى رؤية البقر في ذلك المنام بكلمة فيها تسلية لخواطر المسلمين، وقد ورد في رواية لأبي إسحاق (وإني رأيت والله خيرًا رأيت بقرًا) فإن صحت هذه الرواية فهي أوضح وقد رجحها الحافظ في الفتح والله أعلم.
والمعنى ورأيت فيها أي في تلك الرؤيا أي رأيت فيها بعيني بقرًا تذبح وسمعت بأذني في تلك الرؤيا لفظة "والله خير"(فإذا هم) ذكر الضمير باعتبار الخير أي فإذا البقر التي رأيتها في المنام هم النفر والجماعة الذين قتلوا من المؤمنين يوم أحد (وإذا الخير) الذي رأيته في ذلك المنام هو (ما جاء الله به من الخير) وأعطاه إياه (بعد) بالضم لقطعه عن الإضافة أي بعد يوم أحد (وثواب الصدق) بالرفع معطوف على ما الموصولة الواقعة خبرًا للخير عطف تفسير، والتقدير وإذا الخير الذي رأيته في المنام هو ما جاء الله به من الخير بعد يوم أحد وثواب صدق المؤمنين (الذي) صفة للثواب أي الذي (آتانا الله بعد يوم بدر) الثانية، وبالجر معطوف على قوله من الخير أي ومن ثواب الصدق يعني بذلك
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الخير والله أعلم ما صنع الله لهم بعد أحد وذلك أنهم لم يجبنوا عن الجهاد ولا ضعفوا ولا استكانوا لما أصابهم يوم أحد لكن جددوا نياتهم وقووا إيمانهم وعزماتهم واجتمعت على ذلك جماعاتهم وصحت في ذلك رغباتهم فخرجوا على ما بهم من الضعف والجراح فغزوا غزوة حمراء الأسد مستظهرين على عدوهم بالقوة والجلد ثم فتح الله تعالى عليهم ونصرهم في غزوة بني النضير ثم في غزوة ذات الرقاع ثم لم يزل الله تعالى يجمع المؤمنين ويكثرهم ويفتح عليهم إلى بدر الثانية وكانت في شعبان من السنة الرابعة من الهجرة وبعد تسعة أشهر ونصف شهر من أحد فما فتح الله عليهم به في هذه المدة هو المراد هنا اهـ من المفهم.
ولا يصح حمل (بدر) في هذا الحديث على غزوة بدر الأولى الكبرى لتقدم بدر الكبرى على أحد بزمان طويل لأنه صلى الله عليه وسلم خرج إلى بدر الأولى في شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة وكانت أحد في السنة الثالثة في النصف من شوالها ولذلك قال علماؤنا إن يوم بدر في هذا الحديث هو يوم بدر الثاني وكان من أمرها أن قريشًا لما أصابت في أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ما أصابت وأخذوا في الرجوع نادى أبو سفيان يسمع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: موعدكم يوم بدر في العام المقبل فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه أن يجيبه بنعم، فلما كان العام المقبل وهي السنة الرابعة من الهجرة خرج في شعبانها إلى بدر الثانية فوصل إلى بدر وأقام هناك ينتظر أبا سفيان وخرج أبو سفيان في أهل مكة حتى بلغ عسفان ثم إنهم غلبهم الخوف فرجعوا واعتذروا بأن العام عام جدب وكان عذرًا محتاجًا إلى عذر فأخزى الله المشركين ونصر المؤمنين، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل منصورًا وبما يفتح الله عليه مسرورًا إلى أن أظهر الله تعالى دينه على الأديان وأخمد كلمة الكفر والطغيان اهـ من المفهم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع كثيرة منها في التعبير باب تعبير الرؤيا [7033]، وابن ماجه في تعبير الرؤيا [3968].
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث أنس بحديث ابن عباس رضي الله عنهم فقال:
5792 -
(2243)(298) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ التَّمِيمِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ. أَخْبَرَنَا شُعَيبٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حُسَينٍ. حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ جُبَيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَال: قَدِمَ مُسَيلِمَةُ الْكَذَّابُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، الْمَدِينَةَ. فَجَعَلَ يَقُولُ: إِنْ جَعَلَ لِي مُحَمَّدٌ الأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ تَبِعْتُهُ
ــ
5792 -
(2243)(298)(حدثني محمد بن سهل) بن عسكر (التميمي) مولاهم البغدادي الجوال، ثقة، من (11) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع القضاعي الحمصي مشهور بكنيته، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (أخبرنا شعيب) بن أبي حمزة دينار الأموي مولاهم أبو بشر الحمصي، ثقة، من (7)(عن عبد الله) بن عبد الرحمن (بن أبي حسين) بن الحارث بن عامر بن نوفل المكي النوفلي، ثقة، من (5) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا نافع بن جبير) بن مطعم النوفلي أبو محمد المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (10) أبواب (عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته (قال) ابن عباس (قدم مسيلمة) بضم الميم وكسر اللام مصغرًا (الكذاب) أي البالغ في الكذب نهايته لأنه يدعي النبوة (على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فجعل يقول إن جعل لي محمد الأمر) أي أمر الخلافة (من بعده) أي من بعد محمد (تبعته) وآمنت به هذا هو مسيلمة بن ثمامة بن كثير بن حبيب بن الحارث بن عبد الحارث بن عثمان بن الحارث بن ذهل بن الدول بن حنيفة، قال ابن إسحاق: وكان من شأنه أنه تنبأ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة عشر وكان يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله ويزعم أنه شريك معه في نبوته، وقال سعيد بن المسيب: كان قد تسمى بالرحمن قبل أن يولد عبد الله بن عبد المطلب أبوالنبي صلى الله عليه وسلم وأنه قتل وهو ابن خمسين ومائة (155) قال سعيد بن جبير: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال بسم الله الرحمن الرحيم قالت قريش إنما يعني مسيلمة، قال ابن إسحاق: وإنه تسارع إليه بنو حنيفة وإنه بعث برجلين من قومه بكتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله فسلام عليك أما بعد فإني أشركت معك في الأمر فلي نصف الأرض ولك نصفها ولكن قريش قوم لا يعدلون فلما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب قال للرسولين: "ما تقولان أنتما؟ " قالا: نقول ما قال صاحبنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لولا أن الرسل لا تقتل
فَقَدِمَهَا فِي بَشَرٍ كَثِيرٍ مِنْ قَوْمِهِ. فَأَقْبَلَ إِلَيهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ ثَابِتُ بْنُ قَيسِ بْنِ شَمَّاسٍ. وَفِي يَدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قِطْعَةُ جَرِيدَةٍ. حَتَّى وَقَفَ عَلَى مُسَيلِمَةَ فِي أَصْحَابِهِ. قَال: "لَوْ سَأَلْتَنِي هَذِهِ الْقِطْعَةَ مَا أَعْطَيتُكَهَا. وَلَنْ أَتَعَدَّى أَمْرَ اللَّهِ فِيكَ
ــ
لقتلتكما" ثم كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم "بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب سلام على من اتبع الهدى أما بعد فـ {إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} فلما انتهى الكتاب إليه أنكر بعض الإنكار، وقالت بعض الحنفية لا نرى محمدًا أقر بشركة صاحبنا في الأمر رواه أحمد [3/ 487]، وأبو داود [2761].
(فقدمها) أي فقدم مسيلمة المدينة (في بشر) أي مع خلق (كثير من قومه) بني حنيفة فنزل في دار بنت الحارث كما هو مصرح في رواية عبيد الله بن عتبة عند البخاري في باب قصة الأسود العنسي وهي رملة بنت الحارث وكانت في دارها عدة للوفود كما في فتح الباري [8/ 92](فأقبل إليه) أي جاء إلى مسيلمة (النبي صلى الله عليه وسلم ومعه) صلى الله عليه وسلم (ثابت بن قيس بن شماس) بمعجمة وميم مشددة وآخره مهملة الأنصاري الخزرجي رضي الله عنه خطيب الأنصار من كبار الصحابة بشره النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة قاتل يوم اليمامة واستشهد فرآه بعض المسلمين وعليه درع فأخذها وأخفاها في قدر له وغطاها بالسرج وكان أمير القوم إذ ذاك خالد بن الوليد فأخبره ثابت في منامه بمكان الدرع وأوصاه أن يأخذه وأن يسلمه لأبي بكر وأن يطلب منه عتق عبيده وأن يبيع الدرع والأثاث ليؤدي بذلك دينه فأنفذ أبو بكر وصيته راجع الإصابة اهـ من التقريب، قال النووي: قال العلماء: إنما جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم تالفًا له ولقومه رجاء إسلامهم وليبلغ إليهم ما أنزل إليه، قال القاضي عياض: ويحتمل أن سبب مجيئه إليه أن مسيلمة قصده من بلده للقائه فجاءه مكافأة له، قال: وكان مسيلمة إذ ذاك يظهر الإسلام وإنما ظهر كفره وارتداده بعد ذلك (وفي يد النبي صلى الله عليه وسلم قطعة جريدة) من نخل، قوله (حتى وقف على) رأس (مسيلمة في أصحابه) غاية لقوله فأقبل إليه فـ (قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم (لو سألتني هذه القطعة) من الجريدة (ما أعطيتكها ولن أتعدى أمر الله فيك) مضارع تعدى الخماسي والهمزة فيه همزة المضارعة
وَلَئِنْ أَدْبَرْتَ لَيَعْقِرَنَّكَ اللَّهُ. وَإِنِّي لأُرَاكَ الَّذِي أُرِيتُ فِيكَ مَا أُرِيتُ. وَهَذَا ثَابِتٌ يُجِيبُكَ عَنِّي" ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ.
فَقَال ابْنُ عَبَّاسٍ: فَسَأَلْتُ عَنْ قَوْلِ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم: "إِنَّكَ أَرَى
ــ
للمتكلم، من أني لا أجيبك إلى ما طلبته مما لا ينبغي لك من الاستخلاف أو المشاركة ومن أني أبلغ ما أنزل إلي وأدفع أمرك بالتي هي أحسن، ووقع في رواية للبخاري (ولن تعدو أمر الله فيك) يعني لن تعدو أنت أمر الله في خيبتك فيما أملته من النبوة وهلاكك دون ذلك أوفيما سبق من قضاء الله تعالى وقدره في شقاوتك (ولئن أدبرت) عن طاعتي والإيمان بي (ليعقرنك الله) أي ليقتلنك الله من العقر وهو القتل، ومنه قوله تعالى:{فَعَقَرُوا النَّاقَةَ} أي قتلوها وقتله الله تعالى يوم اليمامة وهذا من معجزات النبوة (وإني لأراك) أي لأظنك الشخص (الذي أريت) في المنام (فيك) فيه التفات من الغيبة إلى الخطاب أي أريت فيه (ما أريت) وقوله وإني لأراك فهو بضم الهمزة بمعنى لأظنك، وأما قوله صلى الله عليه وسلم:"أريت فيه ما أريت" فهو إشارة إلى الرؤيا التي رآها النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي والمراد أني أظنك الشخص الذي أراني الله فيه الرؤيا (وهذا) الحاضر معي (ثابت) بن قيس (يجيبك) نيابة (عني ثم انصرف) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي رجع وذهب وأدبر (عنه) أي عن مسيلمة أي من عند مسيلمة إلى منزله ومسجده وإنما فوض صلى الله عليه وسلم الإجابة له عن سؤاله إلى ثابت بن قيس لأنه كان رجلًا خطيبًا يجاوب الوفود عن خطبهم وتشدقهم، قال الحافظ في الفتح [8/ 90] إنه كان خطيب الأنصار وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أعطي جوامع الكلم فاكتفى بما قاله لمسيلمة وأعلمه أنه إن كان يريد الإسهاب في الخطاب فهذا الخطيب يقوم عني في ذلك، ويؤخذ منه استعانة الإمام بأهل البلاغة في جواب أهل العناد.
وشارك المؤلف في رواية حديث ابن عباس هذا البخاري في مواضع كثيرة منها في التعبير باب إذا طار الشيء في المنام برقم [7033].
(فقال ابن عباس) رضي الله عنهما بالسند السابق (فسألت) أبا هريرة رضي الله عنه (عن قول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أي سألته عن الرؤيا التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله في هذا الحديث (إنك) يا مسيلمة (أرى) وأظن
الَّذِي أُرِيتُ فِيكَ مَا أُرِيتُ" فَأَخْبَرَنِي أَبُو هُرَيرَةَ.
5793 -
(2244)(299) أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: "بَينَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيتُ فِي يَدَيَّ سِوَارَينِ مِنْ ذَهَبٍ. فَأَهَمَّنِي شَأْنُهُمَا، فَأُوحِيَ إِلَيَّ فِي الْمَنَامِ أَنِ انْفُخْهُمَا فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا. فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَينِ يَخْرُجَانِ مِنْ بَعْدِي
ــ
كونك الشخص (الذي أريت فيك) أي فيه (ما أريت) من الرؤيا (فأخبرني أبو هريرة) رضي الله عنه فقال:
5793 -
(2244)(299) أي ذكر لي أبو هريرة في بيان تلك الرؤيا (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بينا أنا نائم رأيت في يدي) أي في ذراعين لي (سوارين من ذهب) وفي بعض النسخ (أسوارين) قال أهل اللغة يقال سوار بكسر السين وضمها وأسوار بضم الهمزة ثلاث لغات اهـ نووي، والسوار ما تجعله المرأة في ذراعها مما تتحلى به من الذهب والفضة ويجمع على أساورة فأما أساورة الفرس فقوادهم (فأهمني شأنهما) أي أدخل في قلبي الهم والغم وأحزنني شأنهما، وإنما أهمه شأنهما أعني السوارين لأنهما من حلية النساء ومما يحرم على الرجال، وفي التوضيح قوله (من ذهب) للتأكيد لأن السوار لا يكون إلا من ذهب فإن كان من فضة فهو قلب اهـ أي يسمى به (فأوحي إلي في المنام أن انفخهما) أي بأن انفخ بنفسك إلى السوارين (فنفختهما) أي فنفخت إلى السوارين (فطارا) أي فزالا وسقطا عني، قال العيني: وتأويل نفخهما أنهما قتلا بريحه أي أن الأسود ومسيلمة قتلا بريحه والذهب زخرف يدل على زخرفهما ودلا بلفظهما على ملكين لأن الأساورة هم الملوك، وفي النفخ دليل على اضمحلال أمرهما وكان كذلك اهـ (فأولتهما) أي فأولت السوارين كذابين يخرجان) أي يظهران (بعدي) أي بعد وفاتي أي يظهران شوكتهما ودعواهما النبوة بعد وفاتي وإلا فقد كانا موجودين في زمنه صلى الله عليه وسلم، وتعقبه الحافظ في الفتح بأن العنسي قد ظهرت شوكته في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فالظاهر أن المراد من قوله من بعدي أي بعد بعثتي والله أعلم اهـ قال المهلب: وإنما أول النبي صلى الله عليه وسلم السوارين بالكذابين لأن الكذب وضع الشيء في غير موضعه فلما رأى في ذراعيه سوارين من ذهب وليسا من لبسه لأنهما من حلية النساء عرف أنه سيظهر من يدعي ما ليس له، وأيضًا ففي كونهما من ذهب، والذهب منهي عن لبسه دليل على الكذب وأيضًا فالذهب مشتق من الذهاب فعلم أنه
فَكَانَ أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيَّ، صَاحِبَ صَنْعَاءَ. وَالآخَرُ مُسَيلِمَةَ، صَاحِبَ الْيَمَامَةِ"
ــ
شيء يذهب عنه وتأكد ذلك بالإذن له في نفخهما فطارا عنه فعرف أنه لا يثبت لهما أمر وأن كلامه بالوحي الذي جاء به يزيلهما عن موضعهما والنفخ يدل على الكلام اهـ فتح الباري [12/ 421](فكان أحدهما) أي أحد الكذابين الأسود (العنسي) بسكون النون نسبة إلى بني عنس قبيلة مشهورة واسمه عبهلة بن كعب وكان يقال له أيضًا ذو الخمار بالخاء المعجمة لأنه كان يخمر وجهه، وقيل ذو الحمار بالحاء المهملة وسبب هذا اللقب على ما قاله ابن سحاق أنه لقيه حمار فعثر فسقط لوجهه فقال سجد لي الحمار فارتد عن الإسلام وادعى النبوة ومخرق على الجهال فاتبعوه وغلب على صنعاء اليمن ولذلك قيل له (صاحب صنعاء) وأخرج منها المهاجر بن أبي أمية المخزومي وكان عاملًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم عليها وانتشر أمره وغلب على امرأة مسلمة من الأساورة فتزوجها فدست إلى قوم من الأساورة أني قد صنعت سربًا يوصل منه إلى مرقد الأسود فدلتهم على ذلك فدخل منه قوم منهم فيروز الديلمي وقيس بن مكشوح فقتلوه وجاؤوا برأسه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما قاله ابن إسحاق، وقال وثيمة بن موسى بن الفرات المعروف بالوشاء ومنهم من يقول كان ذلك في خلافة أبي بكر رضي الله عنه. [قلت] وهذا هو الصحيح إن شاء الله تعالى لقوله صلى الله عليه وسلم يخرجان بعدي أي بعد وفاتي اهـ من المفهم (والآخر) من الكذابين (مسيلمة) الكذاب (صاحب اليمامة).
قال القرطبي: ووجه مناسبة هذا التأويل لهذه الرؤيا أن أهل صنعاء وأهل اليمامة كانا قد أسلما وكانا كالساعدين للإسلام فلما ظهر فيهما هذان الكذابان وتبهرجا لهما بترهاتهما وزخرفا أقوالهما فانخدع الفريقان بتلك البهرجة فكان البلدان للنبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة يديه لأنه كان يعتضد بهما والسواران فيهما هما مسيلمة وصاحب صنعاء بما زخرفا من أقوالهما ونفخ النبي صلى الله عليه وسلم هو أن الله أهلكهما على أيدي أهل دينه.
وأما مسيلمة فإنه بعد ما جاء المدينة رجع إلى اليمامة على حالته تلك واستقر عليها إلى أن توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فعظم أمر مسيلمة وأطبق أهل اليمامة عليه وارتدوا عن الإسلام وانضاف إليهم بشر كثير من أهل الردة وقويت شوكتهم فكاتبهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه كتبًا كثيرة يعظهم ويذكرهم ويحذرهم وينذرهم إلى أن بعث
5794 -
(00)(00) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بن رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهِ. قَال: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "بَينَا أنا نَائِمٌ
ــ
لهم كتابًا مع حبيب بن عبد الله الأنصاري فقتله مسيلمة فعند ذلك عزم أبو بكر رضي الله عنه على قتالهم والمسلمون فأمر أبو بكر خالد بن الوليد رضي الله عنهما وتجهز الناس وعقد الراية لخالد وساروا إلى اليمامة فاجتمع لمسيلمة جيش عظيم وخرج إلى المسلمين فالتقوا وكانت بينهم حروب عظيمة لم يسمع بمثلها واستشهد فيها من قراء القرآن خلق كثير حتَّى خاف أبو بكر وعمر رضي الله عنهما أن يذهب من القرآن شيء لكثرة من قتل هناك من القراء ثم إن الله تعالى ثبت المسلمين وقتل الله تعالى مسيلمة اللعين على يدي وحشي قاتل حمزة ورماه بالحربة التي قتل بها حمزة ثم دفف عليه -أي جرحه جرحًا مميتًا وأجهز عليه - رجل من الأنصار فاحتز رأسه وهزم الله جيشه وأهلكهم وفتح الله اليمامة فدخلها خالد رضي الله عنه واستولى على جميع ما حوته من النساء والولدان والأموال وأظهر الله تعالى الدين وجعل العاقبة للمتقين، فالحمد لله الَّذي صدقنا وعده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده فلا شيء بعده اهـ من المفهم.
وشارك المؤلف في رواية حديث أبي هريرة رضي الله عنه هذا البخاري في مواضع كثيرة منها في المغازي باب وفد بني حنيفة [4374 و 4375]، والترمذي في الرؤيا باب رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم [2292]، وابن ماجة في تعبير الرؤيا باب تعبير الرؤيا [3969].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
5794 -
(00)(00)(وحدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حَدَّثَنَا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن همام بن منبه) بن كامل اليماني الصنعاني (قال) همام (هذا ما حَدَّثَنَا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة همام بن منبه لابن عباس (فذكر) همام (أحاديث) كثيرة (منها) أن أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا (و) منها أنَّه قال (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بينا أنا نائم
أُتِيتُ خَزَائِنَ الأَرْضِ. فَوَضَعَ في يَدَيَّ أُسْوَارَينِ مِنْ ذَهَبٍ. فَكَبُرَا عَلَيَّ وَأَهَمَّانِي. فَأُوحِيَ إِلَيَّ أَنِ انْفُخْهُمَا. فَنَفَخْتُهُمَا فَذَهَبَا. فَأَوَّلْتُهُمَا الْكَذَّابَينِ اللَّذَينِ أَنَا بَينَهُمَا: صَاحِبَ صَنْعَاءَ، وَصَاحِبَ الْيَمَامَةِ".
5795 -
(2245)(300) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ
ــ
أتيت) أي أعطيت (خزائن الأرض) وجميع كنوزها كذا وقع في بعض النسخ أتيت، وفي بعضها أوتيت بإثبات الواو، قال الخطابي: المراد بخزائن الأرض ما فتح على الأمة من الغنائم من ذخائر كسرى وقيصر وغيرهما، ويحتمل معادن الأرض التي فيها الذهب والفضة، وقيل غيره بل يحمل على أعم من ذلك اهـ فتح الباري [12/ 424](فوضع) بالبناء للفاعل أي فوضع ذلك الآتي بالخزائن (في يدي) بتشديد الياء على صيغة التثنية (أسوارين) بضم الهمزة لغة في السوار وفيها ثلاث لغات كما مر سوار ككتاب وسوار كغراب وأسوار كما هنا وهو ما يليس في الذراع كما مر (من ذهب) صفة كاشفة للأسوارين لأنها لا تكون إلَّا من ذهب كما مر أي ألبسنيهما في يدي (فكبرا) أي كَبُرَ الأسواران (علي) أي ثقل إلباسهما في يدي لأنهما من حلية النساء (وأهماني) شأنهما أي أحزنني إلباسهما في يدي (فأوحي إلي) في ذلك المنام (أن انفخهما) أي أن أزلهما بنفسك عن يديك (فنفختهما) أي فنفخت السوارين عن يدي (فذهبا) أي طارا عن يدي (فأولتهما) أي فسرت السوارين بـ (الكذابين اللذين أنا بينهما) الآن (صاحب صنعاء) الأسود العنسي (وصاحب اليمامة) مسيلمة الكذاب الحنفي.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى خامسًا لحديث أنس بحديث سمرة بن جندب رضي الله عنهما فقال:
5795 -
(2245)(300)(حَدَّثَنَا محمد بن بشار) العبدي البصري (حَدَّثَنَا وهب بن جرير) بن زيد بن عبد الله الأزدي أبو العباس البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (7) أبواب (حَدَّثَنَا أبي) جرير بن حازم الأزدي البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (19) بابا (عن أبي رجاء العطاردي) عمران بن ملحان بكسر الميم وسكون اللام أو ابن تيم البصري مشهور بكنيته، ثقة مخضرم، أسلم بعد فتح مكة معمر، مات سنة (105) خمس ومائة، وله مائة وعشرون سنة (120) روى عنه في (5) أبواب (عن سمرة بن جندب) بن
قَال: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى الصُّبحَ أَقبَلَ عَلَيهِمْ بِوَجْهِهِ فَقَال: "هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمُ الْبَارِحَةَ رُؤيا؟ "
ــ
هلال الفزاري أبي عبد الله الكوفي حليف الأنصار الصحابي المشهور رضي الله عنه، روى عنه في (5) أبواب. وهذا السند من خماسياته (قال) سمرة كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح) أي فرغ من صلاتها (أقبل عليهم) أي على الناس (بوجهه) الشريف (فقال هل رأى أحد منكم البارحة) أي في الليلة الماضية (رؤيا) أي منامًا فإن أخبرها له أحد عبرها له، وفيه جواز إطلاق البارحة على الليلة الماضية وإن كان قبل الزوال اهـ نووي، وفي الحديث حجة على من كره تعبير الرؤيا قبل طلوع الشمس وقد أخرج عبد الرزاق عن معمر عن سعيد بن عبد الرحمن عن بعض علمائهم قال: إلا تقصص رؤياك على امرأة ولا تخبر بها حتَّى تطلع الشمس" وفي الحديث ما يرد عليهم بل قال المهلب تعبير الرؤيا عند صلاة الصبح أولى من غيره من الأوقات لحفظ صاحبها لها لقرب عهده بها وقبل ما يعرض له نسيانها ولحضور ذهن العابر وقلة شغله بالفكرة فيما يتعلق بمعاشه وليعرف الرائي ما يعرض له بسبب رؤياه فيستبشر بالخير ويحذر من الشر ويتاهب لذلك فربما كان في الرؤيا تحذير عن معصية فيكص عنها وربما كانت إنذارًا لأمر فيكون له مترقبًا اهـ فتح الباري [12/ 440].
وفي الحديث دليل على استحباب استقبال الإمام الناس بوجهه بعد صلاة الصبح وعلى جواز استدبار القبلة في جلوسه للعلم أر غيره وعلى أنَّه يستحب للإمام أن يستكشف عن أحوال أتباعه والله أعلم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع عديدة منها في التعبير باب تعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح [7547]، والترمذي في الرؤيا باب ما جاء في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم الميزان والدلو [2294].
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثمانية أحاديث: الأول حديث جابر ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثاني حديث ابن عباس ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والثالث حديث أنس بن مالك ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة، والرابع حديث ابن عمر ذكره للاستشهاد، والخامس حديث أبي موسى ذكره للاستشهاد، والسادس
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد، والسابع حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثامن حديث سمرة بن جندب ذكره للاستشهاد والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب ومنه نرجو حسن الختام وجميع الآراب.
قد فرغنا من تسويد هذا المجلد الثاني عشر قبيل أذان العشاء من الليلة الثانية والعشرين من شهر صفر الخير في تاريخ 22/ 2 / 1427 هـ سنة ألف وأربعمائة وسبع وعشرين من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية.
وقد اشتمل هذا المجلد على شرح ثلاثمائة حديث من غير المكرر وعلى ثلاثين بابا من التراجم وهذا آخر ما يسر الله لنا بانتهائه بعدما وفقنا بابتدائه فله الحمد على هذه المنة والشكر له على كل النعمة حمدًا يوافي نعمه ويكافئ مزيده ونسأله العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة والفسحة لنا في العمر لخدمة العلوم الشرعية والأحاديث النبوية وما يتعلق بهما من علوم القواعد العربية بعدما عاقني من موالاته عوائق الدروس ومعائق النفوس ولله در من قال:
ولا تقل عاقني شغل فليس يرى
…
في الترك للعلم من عذر لمعتذر
وأي شغل كمثل العلم تطلبه
…
ونقل ما قدرووا عن سيد البشر
ألهى عن العلم أقوامًا تطلبهم
…
لذات دنيا غدوا منها على غرر
فكن بصحب رسول الله مقتديًا
…
فإنهم للهدى كالأنجم الزهر
وقال الآخر:
كرر عليّ حديثهم يا حادي
…
فحديثهم فيه الشفا لفؤادي
كرر علي حديثهم فلربما
…
لان الحديد بضربة الحدّاد
الحمد لله الَّذي تتم به الصالحات، وتطلب منه جميع الحاجات، والشكر له على ما أكرمنا به من نشر العلومات، تعلمًا ودراسة تدريسًا وتصنيفًا وكتابة فإن الاشتغال بها من أفضل الطاعات، وأولى ما أنفقت نفائس الأوقات، والصلاة والسلام على من فضله على سائر الخليقات، سيدنا ومولانا محمد خير البريات، أفضل من أخذ قصب السبق في ميدان الرسالات ممن خص من بين الأرسال بالإسراء والمعراجات، وبالمكالمة مع
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ربه والمناجات، حين عرج به من فوق سبع سماوات، وخوطب بفرضية خمس صلوات، عليه وعلى أمته أفضل الأمات، وعلى آله وصحبه السادات القادات، وعلى من تبعهم على هذه الملة الحنيفية إلى يوم القيامات، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين آمين آمين يا رب العالمين.
شعر
آمين آمين لا أرضى بواحدة
…
حتَّى أكملها ألفين أمينا
إلى هنا تم المجلد الثاني عشر من الكوكب الوهاج والروض البهاج على مسلم بن الحجاج ويليه المجلد الثالث عشر وأولها كتاب فضائل النبي صلى الله عليه وسلم ومعجزاته) (1).
* * * *
ــ
(1)
وهذا حسب تقسيم المؤلف حفظه الله لنسخته الخطية في (16) مجلدًا، ثم ارتأى حفظه الله بعد دفعه للطباعة أن يكون في (26) مجلدًا.