الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
672 - (16) باب تسليم الراكب على الماشي وحق الطريق وحقوق المسلم على المسلم والنهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام وكيفية الرد عليهم واستحباب السلام على الصبيان وجواز جعل الإذن رفع الحجاب
5506 -
(2121)(176) حَدَّثَنِي عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ. حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقٍ. حَدَّثَنَا رَوْحٌ. حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيجٍ. أَخْبَرَنِي زِيَادٌ؛ أَنَّ ثَابِتًا، مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيدٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي،
ــ
672 -
(16) باب تسليم الراكب على الماشي وحق الطريق وحقوق المسلم على المسلم والنهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام وكيفية الرد عليهم واستحباب السلام على الصبيان وجواز جعل الإذن رفع الحجاب
5506 -
(2121)(176)(حدثنا عقبة بن مكرم) بضم أوله وسكون ثانيه وفتح ثالثه العمي بفتح العين أبو عبد الملك البصري، ثقة، من (11) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا أبو عاصم) النبيل الضحاك بن مخلد الشيباني البصري، ثقة ثبت، من (9) روى عنه في (12) بابا (عن ابن جريج ح وحدثنا محمد بن) محمد بن (مرزوق) بن بكير بن بهلول الباهلي أبو عبد الله البصري ابن بنت مهدي بن ميمون وسبطه، صدوق، من (11) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا روح) بن عبادة بن العلاء القيسي البصري، ثقة، من (9)(حدثنا ابن جريج) قال (أخبرني زياد) بن سعد بن عبد الرحمن الخراساني أبو عبد الرحمن المكي نزيل مكة ثم اليمن، ثقة، من (6) روى عنه في (8) أبواب (أن ثابتًا) ابن عياض بن الأحنف الأعرج العدوي مولاهم (مولى عبد الرحمن بن زيد) المدني، وثقه النسائي، وقال أبو حاتم: لا بأس به، وقال في التقريب: ثقة، من (3) روى عنه في (2) الأطعمة والسلام (أخبره) أي أخبر ثابت بن عياض لزياد بن سعد (أنه) أي أن ثابتًا (سمع أبا هريرة) رضي الله عنه (يقول) الحديث الآتي. وهذا السند من سداسياته (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، يسلم الراكب على الماشي) أي ليسلم الراكب على
وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ، وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ"
ــ
الماشي .. الخ، فالجملة خبرية اللفظ إنشائية المعنى وهذا أدب من آداب السلام، والحكمة في ابتداء الراكب بالسلام على ما قاله المهلب أن لا يتكبر الراكب بركوبه فيرجع إلى التواضع، وقال أبو الفضل المازري: أمر الراكب لأن له مزية على الماشي فعوض الماشي بأن يبدأ الراكب بالسلام احتياطًا على الراكب بالزهو لو حاز الفضيلتين (و) يسلم (الماشي على القاعد) وفي رواية للبخاري (والمار على القاعد) وهو أشمل لأن المار أعم من أن يكون ماشيًا أو راكبًا، وحكمة ابتدائه بالسلام على ما ذكره المهلب أن المار له شبه بالداخل على أهل المنزل، وقال المازري: إن القاعد ربما يخاف من المار بعض الشر ولاسيما إذا كان راكبًا فإذا ابتدأ بالسلام أمن منه ذلك وأنس إليه أو لأن المار مشغول بحاجته وفي التصرف في الحاجات نوع من الامتهان فصار للقاعد مزية فأمر الماشي بالابتداء أو لأن القاعد يشق عليه مراعاة المارين مع كثرتهم، فسقطت البداية عنهم للمشقة بخلاف المار فإنه لا مشقة عليه اهـ فتح الباري [11/ 17](و) يسلم (القليل على الكثير) لأن للكثير مزية ولأن توجه الأمر بالسلام إلى القليل أخف وأسهل من توجهه إلى الكثير، وقال أبو الليث: إذا دخل جماعة على قوم فإن تركوا السلام فكلهم آثمون في ذلك وإن سلم واحد منهم كفى عنهم جميعًا وإن سلم كلهم فهو أفضل وإن تركوا الجواب فكلهم آثمون وإن رد واحد منهم أجزأهم وبه ورد الأثر وإن أجاب كلهم فهو أفضل اهـ تكملة.
وقال الماوردي: لو دخل شخص مجلسًا فإن كان الجمع قليلًا يعمهم سلام واحد فسلم كفاه فإن زاد فخصص بعضهم فلا بأس ويكفي أن يرد منهم واحد فإن زاد فلا بأس وإن كانوا كثيرًا بحيث لا ينتشر فيهم فيبتدئ أول دخوله إذا شاهدهم وتتأدى سنة السلام في حق جميع من يسمعه ويجب على من سمعه الرد على الكفاية وإذا جلس سقط عنه سنة السلام فيمن لم يسمعه من الباقين اهـ فتح الباري [11/ 14].
وذكر الماوردي أيضًا أن من مشى في الشوارع المطروقة كالسوق أنه لا يسلم إلا على البعض لأنه لو سلم على كل من لقي لتشاغل به عن المهم الذي خرج لأجله ولخرج به عن العرف حكاه الحافظ في الفتح [11/ 17] ثم قال: ولا يعكر على هذا ما أخرجه البخاري في الأدب المفرد عن الطفيل بن أبي بن كعب قال كنت أغدو مع ابن عمر إلى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
السوق فلا يمر على بياع ولا على أحد إلا سلم عليه فقلت: ما تصنع بالسوق وأنت لا تقف على البيع ولا تسأل عن السلع؟ قال: إنما نغدو من أجل السلام على من لقينا. لأن مراد الماوردي من خرج في حاجة له فتشاغل عنها بما ذكر والأثر المذكور ظاهره أنه في من خرج لقصد تحصيل ثواب السلام اهـ.
قال القرطبي: قوله (يسلم الراكب على الماشي) .. الخ قد تقدم الأمر بالسلام وبإفشائه في كتاب الإيمان ولا خلاف بين العلماء في أن الابتداء بالسلام سنة لأنه إكرام للمسلم عليه وتحية له وأن الرد واجب لأنه مجازاة ومكافأة للمسلم على إكرامه للمسلم عليه ثم إن الناس في الابتداء بالسلام إما أن تتساوى أحوالهم أو تتفاوت فإن تساوت فخيرهم الذي يبدأ صاحبه بالسلام كالماشي على الماشي والراكب على الراكب غير أن الأولى مبادرة ذوي المراتب الدينية كأهل العلم والفضل احترامًا لهم وتوقيرًا وأما ذوو المراتب الدنيوية المحضة فإن سلموا يرد عليهم وإن ظهر عليهم إعجاب أو كبر فلا يسلم عليهم لأن ذلك معونة لهم على المعصية وإن لم يظهر ذلك عليهم جاز أن يبدؤوا، وابتداؤهم هم بالسلام أولى بهم لأن ذلك يدل على تواضعهم وإن تفاوتت فالحكم فيه على ما يقتضيه هذا الحديث فيبدأ الراكب بالسلام على الماشي لعلو مرتبته لأن ذلك أبعد له من الزهو، وأما الماشي فقد قيل فيه مثل ذلك وفيه بُعد إذ الماشي لا يزهي بمشيه غالبًا، وقيل هو معلل بأن القاعد قد يقع له خوف من الماشي فإذا بدأ بالسلام أمن من ذلك وهذا أيضًا بعيد إذ لا خصوصية للخوف بالقاعد فقد يخاف الماشي من القاعد وأشبه من هذا أن يقال إن القاعد على حال وقار وثبوت وسكون فله مزية على الماشي بذلك لأن حاله على العكس من ذلك وأما ابتداء القليل بالسلام على الكثير فمراعاة لشرفية جمع المسلمين وأكثريتهم.
وقد زاد البخاري في هذا الحديث (ويسلم الصغير على الكبير) وهذه المعاني التي تكلف العلماء إبرازها هي حكم تناسب المصالح المحسّنة والمكفلة ولا نقول إنها نصبت نصب العلل الواجبة الاعتبار حتى لا يجوز أن يعدل عنها فنقول إن ابتداء القاعد للماشي غير جائز وكذلك ابتداء الماشي الراكب بل يجوز ذلك لأنه مظهر للسلام ومفش له كما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم بقوله "أفشوا السلام بينكم" رواه مسلم من حديث
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أبي هريرة [54] وبقوله "إذا لقيت أخاك فسلّم عليه" رواه أبو داود، وإذا تقرر هذا فكل واحد من الماشي والقاعد مأمور بأن يسلم على أخيه إذا لقيه غير أن مراعاة تلك المراتب أولى والله أعلم.
ثم هذا السلام المأمور به هو أن يقول السلام عليكم أو سلام عليكم إذ قد جاء اللفظان في الكتاب والسنة أو السلام عليكم ورحمة الله أو السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ولا يزاد على البركة فإن الزيادة بدعة كما في الموطإ، والسلام في الأصل بمعنى السلامة كاللذاذ واللذاذة كما قال تعالى:{فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91)} أي فسلامة، فعلى هذا يكون معنى قول المسلم "سلام عليك " أي سلامة لك مني وأمان ولذلك قال: صلى الله عليه وسلم في السلام أمان لذمتنا وتحية لملتنا" رواه الطبراني في الصغير، والخطيب في تاريخه، وابن الجوزي في الموضوعات [3/ 79] وفيه عصمة بن محمد الأنصاري، قال ابن معين: عصمة كذاب يضع الحديث. والسلام أيضًا اسم من أسماء الله تعالى كما قال تعالى: {السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيمِنُ} ومعناه في حق الله تعالى أنه المنزه عن النقائص والآفات التي تجوز على خلقه وعلى هذا فيكون معنى قول المسلم "السلام عليك " أي الله مطلع عليك وناظر إليك فكأنه يذكره باطلاع الله تعالى ويخوفه ليأمن منه ويسلمه من شره فإذا دخلت الألف واللام على المعنى الأول كان معناه السلامة كلها لك مني وإذا أدخلت على اسم الله تعالى كانت تفخيمًا وتعظيمًا أي الله العظيم السليم من النقائص والآفات المسلم لمن استجار به من جميع المخلوقات ولا يقل المبتدئ عليك السلام لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فيما رواه النسائي وأبو داود من حديث جابر بن سليم قال (لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: عليك السلام يا رسول الله، فقال: "عليك السلام تحية الميت، السلام عليك ثلاثًا" رواه أبو داود [5209]، والترمذي [2723]، والنسائي [9694] في الكبرى أي هكذا فقل، وقوله (عليك السلام تحية الميت) يعني أنه الأكثر في عادة الشعراء كما قال:
عليك سلام الله قيس بن عاصم
…
ورحمته ما شاء أن يترحما
لا أن ذلك اللفظ هو المشروع في حق الموتى لأنه صلى الله عليه وسلم قد سلم على الموتى كما سلم على الأحياء فقال: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين" رواه أحمد
5507 -
(2122)(177) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ. حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: قَال
ــ
ومسلم والنسائي وابن ماجه ويتأكد تقديم لفظ السلام إذا تنزلنا على أن اسم السلام من أسماء الله تعالى فإن أسماء الله تعالى أحق بالتقديم.
وأما المراد فالواجب عليه أن يرد ما سمعه والمندوب أن يزيد إن أبقى له المبتدئ ما يزيد فلو انتهى المبتدئ بالسلام إلى غايته التي هي (السلام عليك ورحمة الله وبركاته) لم يزد المراد على ذلك شيئًا لأن السلام انتهى بالبركة كما قال ابن عباس وقد أنكر ابن عمر على من زاد على ذلك شيئًا وهذا كله مستفاد من قوله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ حَسِيبًا (86)} [النساء: 86] أي يحاسب على الأقوال كما يحاسب على الأفعال اهـ من المفهم. وقد بسطنا الكلام على السلام بترجمة مستقلة في تفسيرنا الحدائق عند هذه الآية فراجعه.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 510]، والبخاري في الاستئذان [6231 و 6233] وفي غيره، وأبو داود [5198 و 5199]، والترمذي [2704 و 2705].
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه فقال:
5507 -
(2122)(177)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عفان) بن مسلم بن عبد الله الأنصاري، ثقة، من (10) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا عبد الواحد بن زياد) العبدي مولاهم البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (حدثنا عثمان بن حكيم) ابن عباد بن حنيف بالمهملة والنون مصغرًا الأنصاري الأوسي المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (6) أبواب (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (6) أبواب (عن أبيه) عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه حنكه النبي صلى الله عليه وسلم وسماه أخي أنس لأمه، روى عن أبيه في الأدب وأخيه أنس، ويروي عنه (م س) وابنه إسحاق في الأدب، قال ابن سعد: كان ثقة، قليل الحديث، مات سنة (84) أربع وثمانين، أن أباه (قال قال)
أَبُو طَلْحَةَ: كُنَّا قُعُودًا بِالأَفْنِيَةِ نَتَحَدَّثُ. فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَامَ عَلَينَا. فَقَال: "مَا لَكُمْ وَلِمَجَالِسِ الصُّعُدَاتِ؟ اجْتَنِبُوا مَجَالِسَ الصُّعُدَاتِ" فَقُلْنَا: إِنَّمَا قَعَدْنَا لِغَيرِ مَا بَأسٍ. قَعَدْنَا نَتَذَاكَرُ وَنَتَحَدَّثُ. قَال: "إِمَّا لا
ــ
لي والدي (أبو طلحة) الأنصاري زيد بن سهل المدني رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته، ومن لطائفه أن فيه رواية صحابي عن صحابي وولد عن والد (كنا) يومًا (قعودًا) أي قاعدين (بالأفنية) أي في أفنية الدور وجوانبها على ما كان في عادتنا من القعود في جوار بيوتنا للتحدث، والأفنية جمع فناء نظير أسقية وسقاء والفناء هو ما حول الدار من الفضاء حالة كوننا (نتحدث) فيما بيننا (فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أي مر علينا (فقام علينا) في مروره علينا (فقال:"مالكم ولمجالس الصعدات ") أي ولمجالس الطرقات جمع مجلس اسم لمكان الجلوس، والصعدات بضم الصاد والعين المهملتين جمع صعيد كطريق وطرقات وزنًا ومعنى أي أي علقة بينكم وبين هذه المجالس وأي حاجة لكم إليها، وفي القرطبي: والصعدات جمع صعيد وهو الطريق مطلقًا، وقيل الطريق الذي لا نبات فيه مأخوذ من الصعيد وهو التراب على قول الفراء، أو وجه الأرض على قول ثعلب، ويجمع صعدًا وصعدات كطرق وطرقات وقد جاء الصعيد في الرواية الأخرى مفسرًا بالطريق (اجتنبوا مجالس الصعدات) أي ابتعدوا عنها واتركوا الجلوس فيها لأن لها حقوقًا من غض البصر وكف الأذى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأنتم لا تقدرون على القيام بها، قال أبو طلحة (فقلنا) للنبي صلى الله عليه وسلم (إنما قعدنا) فيها (لغير ما بأس) ما زائدة والمعنى ما قعدنا فيها لشيء فيه بأس ومنع بل للتحدث والتذكر كما ذكره بقوله بل (قعدنا) فيها حالة كوننا (نتذاكر) العلم والحديث (ونتحدث) فيها أحاديث مباحة فيما بيننا، قال القرطبي: وهذا الحديث إنكار للجلوس على الطرقات وزجر عنه لكن محمله على ما إذا لم ترهق إلى ذلك حاجة كما قالوا ما لنا من ذلك بد نتحدث فيها لكن العلماء فهموا أن ذلك المنع ليس على جهة التحريم وإنما هو من باب سد الذرائع والإرشاد إلى الأصلح ولذلك قالوا (إنما قعدنا لغير ما بأس قعدنا نتذاكر ونتحدث) أي نتذاكر العلم والدين ونتحدث بالمصالح والخير ولما علم النبي صلى الله عليه وسلم منهم ذلك وتحقق حاجتهم إليه أباح لهم ذلك ثم نبههم على ما يتعين عليهم في مجالسهم تلك من الأحكام فـ (قال إما لا) بد ولا غنى
فَأَدُّوا حَقَّهَا: غَضُّ الْبَصَرِ، وَرَدُّ السَّلامِ، وَحُسْنُ الْكَلامِ"
ــ
لكم عن الجلوس فيها (فـ) اجلسوا فيها و (أدوا حقها) أي افعلوا حق تلك المجالس وذلك الحق (غض البصر) عن الأجنبيات (ورد السلام) على من سلم عليكم من المارة (وحسن الكلام) مع المارة كأن تجيبوا لمن سألكم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وقوله (إما لا) هي إن الشرطية المكسورة الهمزة زيدت عليها (ما) فأدغمت نونها في ميم ما، وما زائدة لتأكيد معنى الشرط و (لا) عبارة عن الإباية والامتناع والمعنى إن أبيتم وامتنعتم من ترك مجالس الصعدات ولا بد من إبايتكم ولا غنى لكم عن قعودكم فيها فأعطوا الطريق حقها، قال الأبي: وقد أشار إلى علة النهي عن التعرض للفتن والإثم بمرور النساء والتعرض لحقوق الله تعالى وحقوق المسلمين التي لا تلزمه لو قعد في بيته من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي ترك القيام به معصية وكذلك قد يكثر المار فيعجز عن رد السلام على كل مار به ورد سلام الإنسان واجب والإنسان مأمور بأن لا يعرض نفسه للفتن وأن لا يلزم نفسه ما لعله لا يقوم به فندبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ترك هذا كله فلما أعلموه أنه لا بد لهم من ذلك لما يقصده الإنسان من مجالسة الجيران والأصحاب من إراحة قلوبهم وقضاء حوائجهم والسؤال عن أحوالهم قال لهم إما لا أي إن لم تتركوها فأدوا حقها اهـ من الأبي. قال القرطبي: فلما سمعوا لفظ الحق وهو مجمل سألوا عن تفصيله ففصله لهم بقوله صلى الله عليه وسلم: "غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" وهذه الحقوق كلها واجبة على من قعد على طريق ولما كان القعود على الطريق يفضي إلى أن تتعلق به هذه الحقوق ولعله لا يقوم ببعضها فيتعرض لذم الله تعالى ولعقوبته كره القعود فيها وغلظ بالزجر المتقدم والإنكار فإن دعت إلى ذلك حاجة كالاجتماع في مصالح الجيران وقضاء حوائجهم وتفقد أمورهم إلى غير ذلك قعد على قدر حاجتهم فإن عرض له شيء من تلك الحقوق وجب القيام به عليه.
قوله (وكف الأذى) يعني به لا يؤذي بجلوسه أحدًا من جلسائه بإقامته من مجلسه ولا بالقعود فوقه ولا بالتضييق عليه ولا يجلس قبالة دار جاره فيتأذى بذلك وقد يكون كف الأذى بأن يكف بعضهم عن بعض إلا أن هذا يدخل في قسم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فحمله على المعنى الأول أولى.
5508 -
(2123)(178) حَدَّثَنَا سُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ مَيسَرَةَ، عَنْ زَيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَال:"إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ بِالطُّرُقَاتِ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا لَنَا بُدٌّ مِنْ مَجَالِسِنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا. قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَبَيتُمْ إِلَّا
ــ
قوله (وحسن الكلام) يريد أن من جلس على الطريق فقد تعرض لكلام الناس فليحسن لهم كلامه ويصلح شأنه اهـ من المفهم. وقال القاضي عياض: قوله (وحسن الكلام) هذا ندب إلى حسن معاملة الناس فإن الجالس في الطريق يمر به من يسأله عن وجهته فيجب أن يرشده ويتلقاه بالجميل لا بالضجر وخشونة اللفظ ولعل هذا من كف الأذى المتقدم اهـ.
وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات ولكنه شاركه أحمد [4/ 3].
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي طلحة بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما فقال:
5508 -
(2123)(178)(حدثنا سويد بن سعيد) بن سهل الهروي الأصل أبو محمد الحدثاني، صدوق، من (10)(حدثنا حفص بن ميسرة) العقيلي مصغرًا الصنعاني، ثقة، من (8)(عن زيد بن أسلم) العدوي مولاهم مولى عمر المدني، ثقة، من (3)(عن عطاء بن يسار) الهلالي المدني، ثقة، من (3)(عن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا السند من خماسياته (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (إياكم) في محل النصب على التحذير بعامل محذوف وجوبًا لقيام المعطوف مقامه (والجلوس بالطرقات) معطوف على الضمير، والتقدير: باعدوا أنفسكم عن الجلوس في الطرقات، وفي بعض النسخ في الطرقات (قالوا) أي قال الأصحاب (يا رسول الله مالنا بد من مجالسنا) أي ما لنا فراق ولا غنى عنها، قال القسطلاني: فيه دليل على أن أمره لهم لم يكن للوجوب بل عن طريق الترغيب والأولى إذ لو فهموا الوجوب لم يراجعوه هذه المراجعة قاله القاضي عياض، وإنما قلنا لا بد لنا منها لأنا (نتحدث فيها) أي في مجالسنا في الطرقات بمصالحنا ومصالح جيراننا ومصالح ديننا ودنيانا فـ (قال) لهم (رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أبيتم) وامتنعتم، وفي بعض النسخ (فإذا أبيتم) (إلا
الْمَجْلِسَ، فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ" قَالُوا: وَمَا حَقُّهُ؟ قَال: "غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلامِ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ".
5509 -
(00)(00) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَدَنِيُّ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي
ــ
المجلس) بفتح اللام مصدر ميمي لأنه من باب ضرب أي إلا الجلوس في مجالسكم وهو الأوفق، وأما المتون التي بأيدينا فبكسرها فيكون ظرفًا ميميًا أي فإن أبيتم إلا الاستمرار في مكان جلوسكم على الطرقات، وإنما قلنا ذلك لأن جلس من باب ضرب فقياس مصدره الفتح وظرفه الكسر والكسر في المصدر شاذ كما أن الفتح شاذ في الظرف كما بسطنا الكلام على ذلك في مناهل الرجال فراجعه في باب المفعل والمفعل. (فأعطوا الطربق حقه قالوا وما حقه قال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حق الطريق (غض البصر) أي خفض النظر عن الأجنبيات (وكف الأذى) أي كف نفسك ومنعها عن إذاية الناس يدًا ولسانًا (ورد السلام) على من سلم عليكم (والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) شرعًا، قال النووي: والمقصود من هذا الحديث أنه يكره الجلوس على الطرقات لحديث ونحوه وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى علة النهي عن التعرض للفتن والإثم بمرور النساء وغيرهن وقد يمتد نظر إليهن أو فكر فيهن أو ظن سوء فيهن أو في غيرهن من المارين ومن أذى الناس باحتقار من يمر أو غيبة أو غيرهما أو إهمال رد السلام في بعض الأوقات أو إهمال الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر ونحو ذلك من الأسباب التي لو خلا في بيته سلم منها اهـ منه.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 36]، والبخاري [2465]، وأبو داود [4815].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال:
5509 -
(00)(00)(حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (حدثنا عبد العزيز بن محمد) بن عبيد الجهني مولاهم الدراوردي (المدني) صدوق، من (8)(ح وحدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا) محمد بن إسماعيل بن مسلم (بن أبي
فُدَيكٍ، عَنْ هِشَامٍ، يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ ، كِلاهُمَا عَنْ زَيدِ بْنِ أَسْلَمَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ.
5510 -
(2124)(179) حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيرَةَ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ".ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ
ــ
فديك) يسار الديلي المدني، صدوق، من (8)(عن هشام يعني ابن سعد) القرشي المدني يتيم زيد بن أسلم، صدوق، من (7)(كلاهما) أي كل من عبد العزيز وهشام بن سعد رويا (عن زيد بن أسلم بهذا الإسناد) يعني عن عطاء عن أبي سعيد الخدري، غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة عبد العزيز وهشام بن سعد لحفص بن ميسرة.
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
5510 -
(2124)(179)(حدثني حرملة بن يحيى) بن عبد الله التجيبي المصري (أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن) سعيد (بن المسيب) بن حزن المخزومي المدني، ثقة، من كبار التابعين، من (2)(أن أبا هريرة قال) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حق المسلم على المسلم خمس) أي الحقوق المشتركة بين المسلمين عند ملابسة بعضهم بعضًا، والحق لغة هو الثابت ونقيضه هو الباطل، والحق في الشريعة يطلق على الواجب وعلى المندوب المؤكد كما قال:"الوتر حق " رواه أحمد [5/ 418]، وأبو داود [1422]، والنسائي [3/ 238] لأن كل واحد منهما ثابت في الشرع فإنه مطلوب مقصود قصدًا مؤكدًا غير أن إطلاقه على الواجب أول وأولى وقد أطلق في هذا الحديث على القدر المشترك بين الواجب والمندوب فإنه جمع فيه بين واجبات ومندوبات، وقد تقدم أن الابتداء بالسلام سنة، وأما إجابة الدعوة فواجبة في الوليمة كما تقدم، وفي غيرها مندوب إليها، وأما النَصيحة فواجبة عند الاستنصاح وفي غيره تفصيل على ما تقدم في كتاب الإيمان وأما تشميت العاطس فاختلف فيه على ما يأتي، وأما عيادة المريض فمندوب إليها إلا أن يخاف ضياعه فيكون تفقده وتمريضه واجبًا على الكفاية، وقد تقدم الكلام على اتباع الجنائز في بابها اهـ من المفهم.
(ح وحدثنا عبد بن حميد) الكسي، ثقة، من (11)(أخبرنا عبد الرزاق) بن همام
أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "خَمْسٌ تَجِبُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ: رَدُّ السَّلامِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ".
قَال عَبْدُ الرَّزَّاقِ: كَانَ مَعْمَرٌ يُرْسِلُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَأَسْنَدَهُ مَرَّةً عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ
ــ
الحميري الصنعاني، ثقة، من (9)(أخبرنا معمر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند أيضًا من سداسياته، وغرض هذا التحويل بيان متابعة معمر ليونس، وفائدتها تقوية السند الأول (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس تجب) وجوبًا حقيقيًّا أو مجازيًا (للمسلم على أخيه) المسلم أحدها (رد السلام) ما لم يكن في حال يمتنع معها رده ككونه في مستراح أو جماع أو خلاء أو نحوها (و) ثانيهما (تشميت العاطس) أي الدعاء له بالرحمة إن حمد الله كما يجيء في حديث آخر (و) ثالثها (إجابة الدعوة) أي دعوة الداعي وجوبًا إن كانت إلى وليمة عرس ما لم يكن هناك لهو ومزامير ونحوهما من المحرمات أو المكروهات وندبًا إلى غيرها (و) رابعها (عيادة المريض) بشرط أن لا يطيل الجلوس عنده (و) خامسها (اتباع الجنائز) إلى أن يصلي عليها وإن اتبع إلى الدفن فهو أفضل والله أعلم.
(قال عبد الرزاق) بالسند السابق (كان) شيخي (معمر) بن راشد (يرسل هذا الحديث) المذكور حالة كونه راويًا (عن الزهري) بإسقاط الصحابي والتابعي (وأسنده) أي أسند معمر هذا الحديث (مرة) أي تارة أخرى أي ذكر سنده متصلًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال (عن ابن المسيب عن أبي هريرة) عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا يضره إرساله لأنه أسنده في رواية وأسنده غيره أيضًا والله أعلم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الجنائز [1240]، وأبو داود في الأدب باب في العطاس [5030]، والترمذي في الأدب باب ما جاء في تشميت العاطس [2738]، والنسائي في الجنائز باب النهي عن سب الأموات [7038]، وابن ماجه في الجنائز باب ما جاء في عيادة المريض [1434].
قوله (رد السلام) قال النووي: نقل ابن عبد البر إجماع المسلمين على أن ابتداء السلام سنة لأنه إكرام وإحسان إلى المسلم وأن رده واجب لأنه مكافاة ومجازاة، وأقل
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
السلام أن يقول السلام عليكم إن كان المسلم عليه جماعة فإن كان واحدًا فأقله السلام عليك، والأفضل أن يقول السلام عليكم ليتناوله وملكيه الكاتبين أعماله وأكمل منه أن يزيد ورحمة الله ثم الأكمل منه أن يزيد وبركاته ولو قال سلام عليكم أجزاه، واستدل العلماء لزيادة ورحمة الله وبركاته بقوله تعالى إخبارًا عن سلام الملائكة بعد ذكر السلام (رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت) وبقول المصلي في التشهد "السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته" وأما صفة الرد فالأفضل الأكمل أن يقول وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ويأتي بالواو فإن حذفها جاز وكان تاركًا للأفضل، ولو اقتصر على وعليكم السلام أو على عليكم السلام أجزأ ولو اقتصر على عليكم لم يجزئه بلا خلاف ولو قال وعليكم بالواو ففي إجزائه وجهان عند أصحابنا وأقل السلام ابتداء وردًا أن يسمع صاحبه ولا يجزئه ما دون ذلك ويشترط كون الرد على الفور ولو أتاه سلام من غائب مع رسول أو في ورقة وجب الرد على الفور وقد جمعت في كتاب الأذكار نحو كراستين في الفوائد المتعلقة بالسلام اهـ نووي.
وقوله (وتشميت العاطس) حكى النووي عن ثعلب أن أصله التسميت بالسين المهملة ومعناه الدعاء له بهدايته إلى السمت فقلبت السين شينًا وتشميت العاطس وتسميته أن يدعو له بالرحمة، واختلفوا في حكمه قيل هو سنة على الكفاية وهو الذي اختاره النووي من الشافعية، وقيل إنه فرض عين وهو الذي اختاره جماعة من الشافعية، وقيل إنه واجب على الكفاية وهو مذهب الحنفية وجمهور الحنابلة، ثم إن التشميت إنما يجب أو يسن إذا حمد العاطس كما مر وكما سيأتي في حديث أبي هريرة (وإذا عطس فحمد الله فسمته) فأما إذا لم يحمد العاطس لا يجب أو لا يسن التشميت وكذلك الكافر لا يجب ولا يسن تشميته لكن يستحب أن يدعى له بالهداية كما ورد في حديث أبي موسى عند أبي داود (كانت اليهود يتعاطسون عند النبي صلى الله عليه وسلم رجاء أن يقول يرحمكم الله فكان يقول "يهديكم الله ويصلح بالكم ") وهل يسمى ذلك تشميتًا فيه خلاف فمن جعل التشميت خاصًّا بالدعاء بالرحمة لم يجعله تشميتًا ومن عممه لكل دعاء سماه تشميتًا.
وقال النووي في الأذكار: إذا تكرر العطاس متتابعًا فالسنة أن يشمته لكل مرة إلى أن يبلغ ثلاث مرات روينا في صحيح مسلم وأبي داود والترمذي عن سلمة بن الأكوع
5511 -
(00)(00) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، (وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ) ، عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال:"حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ"
ــ
رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وعطس عنده رجل فقال له "يرحمك الله" ثم عطس أخرى فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الرجل مزكوم".
قوله (وإجابة الدعوة) وهي سنة وقيل واجبة لورود صيغة الأمر في الرواية الآتية ولكنه مقيد بما إذا لم يكن عذر وعلى كلا القولين لا ينبغي التخلف عن إجابة الدعوة العامة كدعوة العرس والختان ونحوهما وإذا أجاب فقد فعل ما عليه أكل أو لم يأكل وإن لم يأكل فلا بأس عليه والأفضل أن يأكل إن كان غير صائم ومن دعي إلى وليمة فوجد ثمة لعبًا أو غناء فلا بأس أن يقعد ويأكل فإن قدر على المنع منعهم وإن لم يكن يقدر صبر وهذا إذا لم يكن مقتدى به أما إذا كان مقتدى به ولم يقدر على منعهم فإنه يخرج ولا يقعد معهم.
قوله (وعيادة المريض) قال النووي: أما عيادة المريض فسنة بالإجماع سواء فيه من يعرفه ومن لا يعرفه والقريب والأجنبي، وجزم البخاري بالوجوب ووجهه الداودي وابن بطال بأنه واجب على الكفاية والجمهور على كونها سنة مندوبة وذكر الطبري أنها تتأكد في حق من ترجى بركته، وفي الكافر خلاف كذا في فتح الباري [10/ 112].
قوله (واتباع الجنائز) وهو سنة بالإجماع أيضًا وسواء فيه من يعرفه وقريبه وغيرهما وقد مر بسط الكلام فيها في كتاب الجنائز.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
5511 -
(00)(00)(حدثنا يحيى بن أيوب) المقابري البغدادي (وقتيبة) بن سعيد (و) علي (بن حجر) السعدي المروزي (قالوا) أي قال كل من الثلاثة (حدثنا إسماعيل وهو ابن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني، ثقة، من (8)(عن العلاء) بن عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني، صدوق، من (5)(عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني، ثقة، من (3)(عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عبد الرحمن بن يعقوب لسعيد بن المسيب (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حق المسلم على المسلم ست) خصال.
قِيلَ: مَا هُنَّ؟ يَا رَسُولَ اللهِ. قَال: "إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيهِ. وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ. وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ. وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَسَمِّتْهُ وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ. وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ".
5512 -
(2125)(180) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا هُشَيمٌ، عَنْ عُبَيدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ. قَال: سَمِعْتُ أَنَسًا
ــ
(فإن قلت) هنا ذكر ستًّا وفي الأولى خمسًا فبين الروايتين معارضة من حيث العدد.
[قلت] لا معارضة لأن العدد الزائد لا ينفي الأقل وبأنه يمكن أن يوحى إليه أولًا العدد الأقل ثم الزائد فيخبره.
(قيل) له صلى الله عليه وسلم ولم أر من ذكر أسماء القائلين (ما هن) أي ما تلك الست (يا رسول الله قال) صلى الله عليه وسلم في بيانها (إذا لقيته) أي إذا لقيت أخاك المسلم (فسلم عليه) أي إكرامًا وتحية له (وإذا دعاك) إلى وليمة (فأجبه) أي فأجب دعوته بالحضور وإن لم تأكل (وإذا استنصحك) أي طلب منك النصيحة في أموره (فانصح له) أي أظهر له النصيحة والخير ولا تداهنه ولا تغشه عن بيان النصيحة، والنصيحة إرادة الخير للغير وإظهاره له ليتمسك به (وإذا عطس فحمد الله فسمته) أي فادع له بقولك يرحمك الله، وفي النهاية: التشميت بالشين المعجمة والسين المهملة الدعاء بالخير والبركة والمعجمة أعلاهما دلالة يقال شمت فلانًا وشمت عليه تشميتًا واشتقاقه من الشوامت وهي القوائم كأنه دعا للعاطس بالثبات على طاعة الله تعالى وقيل معناه أبعدك الله من الشماتة وجنبك ما يشمت به عليك اهـ (وإذا مرض فعده) أي زره عيادة له عن مرضه والدعاء له بالعافية (وإذا مات فاتبعه) أي فاتبع جنازته حاملًا له إلى موضع الصلاة عليه، والأفضل اتباعه إلى موضع الدفن إن لم يكن له عذر.
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الرابع من الترجمة بحديث أنس رضي الله عنه فقال:
5512 -
(2125)(180)(حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (أخبرنا هشيم) بن بشير السلمي الواسطي، ثقة، من (7)(عن عبيد الله بن أبي بكر) بن أنس بن مالك الأنصاري أبي معاذ البصري (قال) عبيد الله (سمعت) جدي (أنسًا) ابن مالك الأنصاري البصري
يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. ح وَحَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ. حَدَّثَنَا هُشَيمٌ. أَخْبَرَنَا عُبَيدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ جَدِّهِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال:"إِذَا سَلَّمَ عَلَيكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا وَعَلَيكُمْ"
ــ
رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ح وحدثني إسماعيل بن سالم) الصائغ بمكة البغدادي ثم المكي ثقة من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا هشيم) بن بشير السلمي الواسطي (أخبرنا عبيد الله بن أبي بكر عن جده أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا أيضًا إسناد رباعي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا سلم عليكم أهل الكتاب) أي اليهود والنصارى الكائنون من أهل الذمة (فقولوا) في رد سلامهم (وعليكم) ذاك الذي قلتم بإثبات الواو العاطفة أو عليكم بحذفها وأكثر الروايات بإثباتها فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يرد المسلم عليهم بقوله (وعليكم) فقط ولا يقول (وعليكم السلام) وقال بعض المالكية يقول في جوابهم (السلام عليكم) بكسر السين وهو بمعنى الحجارة، وحكى ابن عبد البر عن ابن طاوس قال يقول (علاكم السلام) بالألف أي ارتفع، وذهب بعض السلف إلى أنه يجوز أن يقال في الرد عليهم (عليكم السلام) كما يرد على المسلم واحتجوا بقوله تعالى:{فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ} وحكاه الماوردي وجهًا عن بعض الشافعية لكن لا يقول ورحمة الله، وروي عن ابن عباس وعلقمة أنه يجوز عند الضرورة، وعن الأوزاعي قال (إن سلمت فقد سلم الصالحون وإن تركت فقد تركوا) وعن طائفة من العلماء لا يرد عليهم أصلًا، وعن بعضهم التفرقة بين أهل الذمة وأهل الحرب والراجح من هذه الأقوال كلها ما دل عليه حديث الباب وهو أن يكتفي بقوله (وعليكم) اهـ فتح الباري [11/ 45]. وقد روي هذا الجواب هنا (وعليكم) بإثبات الواو أو (عليكم) بدونها، ووقع في بعض الروايات (عليك) وكلا الجوابين جائز فأما بإثبات الواو فمعناه أن السام وهو الموت لا يختص بنا بل هو وارد عليكم في أوانه كما أنه وارد علينا في أواننا وهو معنى صحيح وقيل إن الواو للاستئناف والتقدير وعليكم ما تستحقونه من الذم وهذه المعاني ظاهرة في جواب من خاطب مسلمًا بقوله (السام عليكم) أما إذا خاطب الكافر مسلمًا بقوله (السلام عليكم) فالظاهر من عموم لفظ الحديث أن جوابه (وعليكم) فقط أيضًا والمعنى حينئذ وعليكم ما تستحقونه من الذم.
5513 -
(00)(00) حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ. حَدَّثَنَا خَالِدٌ، (يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ)، قَالا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، وَاللَّفْظُ لَهُمَا ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. قَال: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ أصْحابَ النَّبي صلى الله عليه وسلم قَالُوا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يُسَلِّمُونَ عَلَينَا. فَكَيفَ نَرُدُّ عَلَيهِمْ؟ قَال: "قُولُوا وَعَلَيكُمْ".
5514 -
(2126)(181) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ
ــ
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الاستئذان في باب كيف يرد السلام على أهل الذمة [6258] وفي غيره، وأبو داود في الأدب باب في السلام على أهل الذمة [5207] والترمذي في التفسير باب ومن سورة المجادلة [3296]، وابن ماجه في الأدب باب رد السلام على أهل الذمة [3741].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال:
5513 -
(00)(00)(حدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ (ح وحدثني يحيى بن حبيب) بن عربي الحارثي أبو زكريا البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا خالد يعني ابن الحارث) بن عبيد بن سليم الهجيمي أبو عثمان البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (قالا) أي قال كل من خالد بن الحارث ومعاذ بن معاذ (حدثنا شعبة) بن الحجاج (ح وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار واللفظ لهما قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة قال) شعبة (سمعت قتادة) ابن دعامة (يحدث عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذه الأسانيد الثلاثة كلها من خماسياته، غرضه بسوقها بيان متابعة قتادة لعبيد الله بن أبي بكر (أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إن أهل الكتاب يسلمون علينا فكيف نرد عليهم) السلام (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (قولوا) لهم (وعليكم).
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بحديث ابن عمر رضي الله عنهم فقال:
5514 -
(2126)(181)(حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (ويحيى بن أيوب)
وَقُتَيبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ - وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى بْنِ يَحْيَى - (قَال يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا) ، إِسْمَاعِيلُ، (وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ)، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الْيَهُودَ إِذَا سَلَّمُوا عَلَيكُمْ، يَقُولُ أَحَدُهُمُ: السَّامُ عَلَيكُمْ. فَقُلْ: عَلَيكَ"
ــ
المقابري (وقتيبة) بن سعيد (و) علي (بن حجر) السعدي المروزي (واللفظ ليحيى بن يحيى قال يحيى بن يحيى أخبرنا وقال الآخرون حدثنا إسماعيل وهو ابن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني (عن عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم مولى ابن عمر المدني (أنه سمع ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما (يقول) وهذا السند من رباعياته (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن اليهود إذا سلموا عليكم يقول أحدهم) في تسليمه عليكم (السام) أي الموت (عليكم فقل) أنت يا عبد الله إذا سلم عليك أحدهم في الرد عليه أو أيها المسلم (عليك) ذلك السام يعني يدعو الخبيث على المسلم بالهلاك والموت، والسام بفتح السين وبالألف وهو المشهور في الروايات معناه الموت، وقيل إنه السام مهموز الوسط مصدر سامه سامًا ومعناه عليكم أن تساموا وتنكلوا عن دينكم حتى تتركوه وتعرضوا عنه، وقد جاءت الأحاديث في مسلم بحذف الواو وإثباتها والأكثر بالإثبات، ويحتمل أن يكون للعطف وأن تكون للاستئناف كما مر، واختار بعضهم الحذف لأن العطف يقتضي التشريك وتقريره أن الواو في مثل هذا التركيب تقتضي تقرير الجملة الأولى وزيادة الثانية عليها كمن قال زيد كاتب فقلت وشاعر فإنه يقتضي ثبوت الوصفين لزيد، قال النووي: والصواب أن الحذف والإثبات جائزان والإثبات أجود ولا مفسدة فيه لأن السام الموت وهو علينا وعليهم فلا ضرر فيه، وقال البيضاوي: في العطف شيء مقدر أي وأقول عليكم ما تريدون بنا أو ما تستحقون وليس عطفًا على عليكم في كلامهم وإلا لتضمن ذلك تقرير دعائهم، ولذا قال فقل عليك بغير واو وقد روي بالواو أيضًا، قال الطيبي: سواء عطف على عليكم أو على الجملة من حيث هي لأن المعنى يدور مع إرادة المتكلم فإذا أردت الاشتراك كان ذلك وإن لم ترد حملت على معنى الحصول والوجود كأنه قيل حصل منهم ذاك ومني هذا اهـ من القسطلاني.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 19]، والبخاري في الاستئذان [6257] وفي غيره، وأبو داود في الأدب باب في السلام على أهل الذمة [5206]،
5515 -
(00)(00) وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِهِ. غَيرَ أَنَّهُ قَال:"فَقُولُوا وَعَلَيكَ".
5516 -
(2127)(182) وَحَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، (وَاللَّفْظُ لِزُهَيرٍ)، قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتِ: اسْتَأْذَنَ رَهْطٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيكُمْ
ــ
والترمذي في السير باب ما جاء في التسليم على أهل الكتاب [1603].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:
5515 -
(00)(00)(وحدثني زهير بن حرب حدثنا عبد الرحمن) بن مهدي بن حسان الأزدي البصري، ثقة، من (9)(عن سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي (عن عبد الله ابن دينار) مولى ابن عمر (عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سفيان لإسماعيل بن جعفر، وساق سفيان (بمثله) أي بمثل حديث إسماعيل بن جعفر (غير أنه) أي لكن أن سفيان (قال) في روايته (فقولوا) بصيغة الجمع (وعليك) بإثبات الواو والله أعلم.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أنس بحديث عائشة رضي الله عنهما فقال:
5516 -
(2127)(182)(وحدثني عمرو) بن محمد بن بكير بن سابور (الناقد) البغدادي (وزهير بن حرب واللفظ لزهير قالا حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة) رضي الله عنها. وهذا السند من خماسياته (قالت) عائشة (استأذن رهط) أي طلب جماعة (من اليهود) الإذن في الدخول (على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا السام عليكم) أي الموت أو السامة من الدين (عليكم) يا أهل البيت.
قوله (رهط من اليهود) قال الحافظ: لم أر من ذكر أسماءهم لكن أخرج الطبراني بسند ضعيف عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال بينا أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ
فَقَالتْ عَائِشَةُ: بَلْ عَلَيكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ" قَالتْ: أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَال:
"قَدْ قُلْتُ: وَعَلَيكُمْ".
5517 -
(00)(00) حَدَّثَنَاهُ حَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ
ــ
أقبل رجل من اليهود يقال له ثعلبة بن الحارث، فقال: السام عليك يا محمد فقال: "وعليكم" فإن كان محفوظًا احتمل أن يكون أحد الرهط المذكورين وكان هو الذي باشر الكلام عنهم كما جرت العادة من نسبة القول إلى جماعة والمباشر له واحد منهم (فقالت عائشة) رضي الله تعالى عنها مستعجلة لما فطنت كلامه لا علينا ما ذكرت (بل عليكم السام واللعنة) أي الطرد من رحمة الله، وفي رواية للبخاري في الاستئذان (فقالوا السام عليك ففهمتها فقلت عليكم السام) .. إلخ، وظاهر هذا اللفظ أن عائشة رضي الله تعالى عنها فهمت كلامهم بفطنتها فأنكرت عليهم وظنت أن النبي صلى الله عليه وسلم ظن أنهم تلفظوا بلفظ السلام فبالغت في الإنكار عليهم (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عائشة إن الله) سبحانه وتعالى (يحب الرفق) والسهولة والتيسير والمسامحة (في الأمر كله) إذا كان من حقوق العباد فيما بينهم لا في حقوق الله تعالى، وهذا من عظيم خلقه صلى الله عليه وسلم وكمال حلمه، وفيه حث على الرفق والصبر والحلم وملاطفة الناس ما لم تدع حاجة إلى المخاشنة (قالت) عائشة (ألم تسمع) يا رسول الله (ما قالوا) فإنهم قالوا السام عليكم فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة (قد قلت) وأجبت لهم بقولي (وعليكم) ذلك السام ففيه كفاية.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 37]، والبخاري في مواضع منها في الاستئذان باب كيف يرد على أهل الذمة السلام [6256]، والترمذي في الاستئذان باب ما جاء في التسليم على أهل الذمة [2702]، وابن ماجه في الأدب باب رد السلام على أهل الذمة [3742].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:
5517 -
(00)(00)(حدثناه حسن بن علي) الخلال (الحلواني) المكي أبو محمد
وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، جَمِيعًا عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ. ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. كِلاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِي حَدِيثِهِمَا جَمِيعًا: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "قَدْ قُلْتُ: عَلَيكُمْ". وَلَمْ يَذْكُرُوا الْوَاوَ.
5518 -
(00)(00) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُنَاسٌ مِنَ الْيَهُودِ. فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيكَ، يَا أَبَا الْقَاسِمِ. قَال:
ــ
الهذلي (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي (جميعًا عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد) الزهري المدني (حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد (عن صالح) بن كيسان الغفاري المدني (ح وحدثنا عبد بن حميد أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (كلاهما) أي كل من صالح ومعمر رويا (عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن عروة عن عائشة، غرضه بيان متابعتهما لسفيان بن عيينة (و) لكن (في حديثهما) أي في حديث صالح ومعمر (جميعًا) لفظة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قلت) لهم في جواب قولهم (عليكم) ما قلتم، ففيه الكفاية في الرد عليهم (ولم يذكرا) أي ولم يذكر صالح ومعمر حرف (الواو) العاطفة قبل عليكم، وفي هذا بيان لمحل المخالفة بينه وبينهما، وفي أغلب النسخ (ولم يذكروا) بواو الجمع وهو تحريف من النساخ.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:
5518 -
(00)(00)(حدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء (حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير (عن الأعمش عن مسلم) بن صبيح مصغرًا الهمداني مولاهم الكوفي، ثقة، من (4)(عن مسروق) بن الأجدع بن مالك الهمداني الوادعي أبي عائشة الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) روى عنه في (11) بابا (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة مسروق لعروة (قالت) عائشة رضي الله تعالى عنها (أتى النبي صلى الله عليه وسلم أناس من اليهود) لم أر من ذكر أسماءهم أي دخلوا عليه وهو في بيتي (فقالوا) له (السام عليك يا أبا القاسم قال) النبي صلى الله عليه وسلم في
"وَعَلَيكُمْ" قَالتْ عَائِشَةُ: قُلْتُ: بَلْ عَلَيكُمُ السَّامُ وَالذَّامُ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا عَائِشَةُ، لَا تَكُونِي فَاحِشَةً" فَقَالتْ: مَا سَمِعْتَ مَا قَالُوا؟ فَقَال: "أَوَلَيسَ قَدْ رَدَدْتُ عَلَيهِمُ الَّذِي قَالُوا؟ قُلْتُ: وَعَلَيكُمْ"
ــ
جواب قولهم (وعليكم قالت عائشة) فـ (قلت) أنا مجيبة لهم لا علينا السام (بل عليكم السام والذام) هو بالذال المعجمة وتخفيف الميم ويقال بالهمز أيضًا وهو الذم ضد المدح والأشهر ترك الهمزة وألفه منقلبة عن واو، والذام والذيم والذم بمعنى العيب (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عائشة لا تكوني فاحشة) في الجواب أي لا تكوني قائلة بالكلام الفاحش بل عليك بالرفق، والفحش هو القبيح من القول والفعل، وقيل الفحش مجاوزة الحد في الكلام، وفي الأبي: أي لا يصدر منك كلام فيه جفاء وهذا منه صلى الله عليه وسلم أمر لعائشة بالتثبت والرفق وعدم الاستعجال وتأديب لها لما نطقت به من الكلام واللعنة وغيرهما، وكان صلى الله عليه وسلم يستألف الكفار بالأموال الطائلة فكيف بالكلام الحسن اهـ منه. (فقالت) عائشة فقلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أ (ما سمعت ما قالوا) لك يا رسول الله (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة (أ) تركتهم بلا رد عليهم (وليس) الشأن (قد رددت عليهم الذي قالوا) من السام بل رددت عليهم و (قلت) لهم (وعليكم) ذاك السام الذي قلتم لا علينا.
قال النووي: وفي هذا الحديث استحباب تغافل أهل الفضل عن سفه المبطلين إذا لم يترتب عليه مفسدة، قال الشافعي رحمه الله تعالى: الكيس العاقل هو الفطن المتغافل، ودل الحديث أيضًا على استحباب اللين من الكلام سواء كان المخاطب كافرًا أو معاندًا اهـ.
قول عائشة (بل عليكم السام والذام) الذام بتخفيف الميم، الرواية المشهورة فيه بالذال المعجمة وهو العيب ومنه المثل (لا تعدم الحسناء ذامًا) أي عيبًا، ويهمز ولا يهمز يقال ذأمه يذأمه مثل دأب عليه يدأب واسم المفعول مذؤوم مهموزًا، ومنه {مَذْءُومًا مَدْحُورًا} ويقال ذامه يذومه مخففًا كرامه يرومه، قال الأخفش: الذام أشد العيب وقد وقع للعذري هذا الحرف (الهام) بالهاء يعني هامة القتيل وصداه التي كانت العرب تتحدث بها وهي من أكاذيبها كما تقدم وتعني بذلك عائشة على هذا القتل دعت عليه بالموت والقتل، وقال ابن الأعرابي: بالدال المهملة وفسره بالدائم،
5519 -
(00)(00) حَدَّثَنَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيدٍ. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، غَيرَ أَنَّهُ قَال: فَفَطِنَتْ بِهِمْ عَائِشَةُ فَسَبَّتْهُمْ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَهْ. يَا عَائِشَةُ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفُحْشَ
ــ
والصواب الأول إن شاء الله تعالى اهـ من المفهم.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:
5519 -
(00)(00)(حدثناه إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه (أخبرنا يعلى بن عبيد) ابن أبي أمية اللحام الإيادي الحنفي الطنافسي مولاهم أبو يوسف الكوفي، روى عن الأعمش في الأدب، وزكرياء بن أبي زائدة في الفضائل، ويحيى بن سعيد وفضيل بن غزوان وجماعة، ويروي عنه (ع) وإسحاق الحنظلي وابن أبي شيبة وهارون بن عبد الله الحمال وعبد بن حميد والذهلي وآخرون، ضعفه ابن معين في الثوري، ووثقه في غيره وقال أحمد: صحيح الحديث وقال في التقريب: ثقة إلا في حديثه عن الثوري، من كبار التاسعة، قال البخاري: مات سنة (209) تسع ومائتين (حدثنا الأعمش) سليمان بن مهران (بهذا الإسناد) يعني عن مسلم عن مسروق عن عائشة. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة يعلى بن عبيد لأبي معاوية (غير أنه) أي لكن أن يعلى بن عبيد (قال) في روايته (ففطنت) أي فهمت بفطنتها (بهم) أي بمقالتهم (عائشة) رضي الله تعالى عنها (فسبتهم) أي سبت عائشة أولئك اليهود القائلين ذلك السام وشتمتهم. قال النووي: ففيه جواز الانتصار من الظالم وفيه الانتصار لأهل الفضل ممن يؤذيهم اهـ. قال القرطبي: قوله (ففطنت بهم) صحيح الرواية بفاء وطاء مهملة ونون من الفطنة والفهم أي فهمت عنهم ما قالوه، ولابن الحذاء (فقطبت) بقاف وباء موحدة من التقطيب وهو العبسة والغضب، وقد جاء مفسرًا في الرواية الأخرى (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة (منه يا عائشة) منه اسم فعل أمر بمعنى اكففي وانزجري وأمسكي عما تقولين، وقيل حرف استفهام بمعنى ما والهاء للوقف والمعنى عليه ما هذا الذي تقولين وهو استفهام إنكار (فإن الله) سبحانه (لا يحب) ولا يرضى من عباده (الفحش) بضم الفاء وسكون الحاء والفحش ما يستفحش من الأقوال والأفعال غير أنه كثر إطلاقه على الزنا وهو غير مراد هنا قطعًا، وقيل هو مجاوزة الحد في كل شيء، وقال في المبارق: هو اسم لكل
وَالتَّفَحُّشَ".وَزَادَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: {وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ} [المجادلة: 8] إِلَى آخِرِ الآيَةِ.
5520 -
(2128)(183) حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ. قَالا: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ. قَال: قَال ابْنُ جُرَيجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: سَلَّمَ نَاسٌ مِنْ يَهُودَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيكَ، يَا أَبَا الْقَاسِمِ، فَقَال:"وَعَلَيكُمْ " فَقَالتْ عَائِشَةُ، وَغَضِبَتْ:
ــ
خصلة قبيحة (والتفحش) أي التكلف في فعل الفاحشة (وزاد) يعلى بن عبيد في روايته على أبي معاوية لفظة (فأنزل الله عز وجل بسبب ذلك أي بسبب تحية اليهود التي قالتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم قوله ({وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ} إلى آخر الآية) يعني قوله: {وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [المجادلة: 8].
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث ابن عمر بحديث جابر رضي الله عنهم فقال:
5520 -
(2128)(183)(حدثني هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي المعروف بالحمّال، ثقة، من (10) روى عنه في (9) أبواب (وحجاج) بن يوسف بن حجاج الثقفي المعروف بـ (ابن الشاعر) أبو محمد البغدادي، ثقة، من (11) روى عنه في (13) بابا كلاهما (قالا حدثنا حجاج بن محمد) المصيصي الأعور أبو محمد البغدادي، ثقة، من (9) روى عنه في (3) أبواب تقريبًا (قال) حجاج بن محمد (قال) لنا (ابن جريج أخبرني أبو الزبير) المكي الأسدي (أنه سمع جابر بن عبد الله) الأنصاري رضي الله عنهما (يقول) وهذا السند من خماسياته (سلم ناس من يهود) لم أر من من ذكر أسماءهم (على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا) في سلامهم عليه صلى الله عليه وسلم (السام عليك يا أبا القاسم فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرد عليهم (وعليكم) ما قلتم لي لا عليّ (فقالت عائشة) رضي الله تعالى عنها (و) الحال أنها قد (غضبت) لما قالت اليهود، وفي هذا الكلام تقديم وتأخير، ومن المعلوم أن الواو لا تدل على الترتيب، والأصل فغضبت فقالت ما قالت فلما زجرها النبي صلى الله عليه
أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَال: "بَلَى، قَدْ سَمِعْتُ، فَرَدَدْتُ عَلَيهِمْ. وَإِنَّا نُجَابُ عَلَيهِمْ وَلَا يُجَابُونَ عَلَينَا".
5521 -
(2129)(184) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، (يَعْنِي الدَّرَاوَرْدِيَّ) عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال:"لَا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَلَا النَّصَارَى بِالسَّلامِ. فَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُ إِلَى أَضْيَقِهِ"
ــ
وسلم قالت (ألم تسمع) يا رسول الله (ما قالوا قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بلى) أي ليس الأمر عدم سماعي بل (قد سمعت) ما قالوا (فرددت عليهم) ما قالوا بقولي وعليكم (وإنا) معاشر المسلمين (نجاب) من جهة الله تعالى في الدعاء (عليهم) لكوننا على الحق (و) هم (لا يجابون) من جهة الله تعالى في الدعاء (علينا) لكونهم على الباطل فلا يضرنا دعاؤهم علينا بالسام فلا حاجة بنا في الإقذاع في الكلام.
وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف عن أصحاب الأمهات ولكن شاركه أحمد [3/ 383].
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث ابن عمر بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهم فقال:
5521 -
(2129)(184)(حدثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (حدثنا عبد العزيز) ابن محمد بن عبيد الجهني المدني (يعني الدراوردي عن سهيل) بن أبي صالح السمان المدني (عن أبيه) أبي صالح السمان ذكوان الزيات (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام) لأن الابتداء بالسلام إكرام للمسلم عليه وليسوا من أهله (فإذا لقيتم أحدهم) أي تلاقيتم مع أحد منهم واجتمعتم (في طريق) واحد (فاضطروه) أي ألجئوا أحدهم (إلى أضيقه) أي إلى أضيق الطريق بحيث لو كان في الطريق جدار يلتصق بالجدار وإلا فيأمره ليعدل عن وسط الطريق إلى أحد طرفيه جزاءً وفاقًا لما عدلوا عن الصراط المستقيم كذا في المرقاة.
وقوله (لا تبدؤوا اليهود) .. الخ قيل النهي فيه للتنزيه وضعفه النووي وقال: الصواب أن ابتداءهم بالسلام حرام لأنه إعزاز لهم ولا يجوز إعزاز الكفار وهذا النهي إذا
5522 -
(00)(00) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ. ح وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. كُلُّهُمْ عَنْ سُهَيلٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَفِي حَدِيثِ وَكِيعٍ "إِذَا لَقِيتُمُ
ــ
لم يكن للمسلم حاجة إلى الذمي وإلا فلا بأس عليه، وقال الطيبي: المختار أن المبتدع لا يبدأ بالسلام ولو سلم على من لا يعرفه فظهر ذميًا أو مبتدعًا يقول استرجعت سلامي تحقيرًا له وأما إذا سلموا على المسلم فقد جاء في حديث آخر أنه يرد عليهم بقوله وعليكم ولا يزيد عليه ولكن الدعاء لهم بمقابلة إحسانهم غير ممنوع لما روي أن يهوديًّا حلب للنبي صلى الله عليه وسلم نعجة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم جمله" فبقي اسوداد شعره إلى قريب من سبعين سنة اهـ من المبارق.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 436]، وأبو داود في الأدب [5205]، والترمذي في الاستئذان باب ما جاء في التسليم على أهل الذمة [2701].
قال القرطبي: قوله (لا تبدؤوا اليهود) .. الخ إنما نهى عن ذلك لأن الابتداء بالسلام إكرام والكافر ليس أهلًا لذلك فالذي يناسبهم الإعراض عنهم وترك الالتفاف إليهم تصغيرًا لهم وتحقيرًا لشأنهم حتى كأنهم غير موجودين، وقوله (فاضطروه إلى أضيقه) أي لا تتنحوا لهم عن الطريق الضيق إكرامًا لهم واحترامًا، وعلى هذا فتكون هذه الجملة مناسبة للجملة الأولى في المعنى والعطف وليس معنى ذلك أنا إذا لقيناهم في طريق واسع أننا نلجئهم إلى حرفه حتى نضيق عليهم لأن ذلك أذى منا لهم من غير سبب وقد نهينا عن أذاهم اهـ من المفهم.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
5522 -
(00)(00)(وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا حدثنا وكيع عن سفيان) الثوري (ح وحدثني زهير بن حرب حدثنا جرير) بن عبد الحميد (كلهم) أي كل من شعبة وسفيان وجرير رووا (عن سهيل) بن أبي صالح (بهذا الإسناد) يعني عن أبي صالح عن أبي هريرة، غرضه بسوق هذه الأسانيد الثلاثة بيان متابعة شعبة وسفيان وجرير لعبد العزيز الدراوردي، وفائدتها تقوية السند الأول (و) لكن (في حديث وكيع) لفظة (إذا لقيتم
الْيَهُودَ". وَفِي حَدِيثِ ابْنِ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ قَال: فِي أَهْلِ الْكِتَابِ. وَفِي حَدِيثِ جَرِيرٍ "إِذَا لَقِيتُمُوهُمْ" وَلَمْ يُسَمِّ أَحَدًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ.
5523 -
(2130)(185) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا هُشَيمٌ، عَنْ سَيَّارٍ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَى غِلْمَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيهِمْ
ــ
اليهود وفي حديث ابن جعفر عن شعبة) لفظة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (في) شأن (أهل الكتاب وفي حديث جرير) لفظة (إذا لقيتوهم ولم يسم) رسول الله صلى الله عليه وسلم أي لم يذكر (أحدًا من المشركين) بأسمائهم أي لم يذكر أحدًا من الفريقين يعني اليهود والنصارى بأسمائهم.
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الخامس من الترجمة بحديث أنس بن مالك الثاني رضي الله عنه فقال:
5523 -
(2130)(185)(حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (أخبرنا هشيم) بن بشير السلمي الواسطي (عن سيار) بن وردان العنزي أبي الحكم الواسطي، ثقة، من (6)(عن ثابت) بن أسلم (البناني) البصري، ثقة، من (4)(عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على غلمان) أي صبيان (فسلم عليهم) أي على الغلمان.
قال ابن بطال: في السلام على الصبيان تدريبهم على آداب الشريعة وفيه طرح الأكابر رداء الكبر وسلوك التواضع ولين الجانب، قال أبو سعيد المتولي في التتمة: من سلم على صبي لم يجب عليه الرد لأن الصبي ليس من أهل الفرض وينبغي لوليه أن يأمره بالرد ليتمرن على ذلك ولو سلم على جمع فيهم صبي فرد الصبي دونهم لم يسقط عنهم الفرض، وكذا قاله شيخه القاضي حسين ورده المستظهري. وقال النووي: الأصح لا يجزئ ولو ابتدأ الصبي بالسلام وجب على البالغ الرد على الصحيح حكاه الحافظ في الفتح [11/ 33] ثم قال: ويستثنى من السلام على الصبي ما لو كان وضيئًا وخشي من السلام عليه الافتنان فلا يشرع ولاسيما إذا كان مراهقًا منفردًا اهـ. قال القرطبي: وكونه صلى الله عليه وسلم يسلم على الصبيان إنما كان ليبين لهم مشروعية ذلك ويفشي السلام ولينالوا بركة تسليمه عليهم وليعلمهم كيفية التسليم وسنته فيألفوه ويتمرنوا عليه اهـ من المفهم.
5524 -
(00)(00) وَحَدَّثَنِيهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ. أَخْبَرَنَا هُشَيمٌ أَخْبَرَنَا سَيَّارٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ.
5525 -
(00)(00) وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ. قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَيَّارٍ. قَال: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ. فَمَرَّ بِصِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيهِمْ. وَحَدَّثَ ثَابِتٌ؛ أَنَّهُ كَانَ يَمْشِي مَعَ أَنَسٍ. فَمَرَّ بِصِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيهِمْ. وَحَدَّثَ أَنَسٌ؛ أَنَّهُ كَانَ يَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَمَرَّ بِصِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيهِمْ
ــ
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [6237] في الاستئذان، وأبو داود في الأدب [5202]، والترمذي في الاستئذان [2697]، وابن ماجه في الأدب في السلام على الصبيان والنساء [3744].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:
5524 -
(00)(00)(وحدثنيه إسماعيل بن سالم) الصائغ بمكة البغدادي ثم المكي، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (أخبرنا هشيم أخبرنا سيار بهذا الإسناد) يعني عن ثابت عن أنس، غرضه بيان متابعة إسماعيل بن سالم ليحيى بن يحيى في الرواية عن هشيم.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال:
5525 -
(00)(00)(وحدثني عمرو بن علي) بن يحيى الفلاس الصيرفي الباهلي البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (ومحمد بن الوليد) بن عبد الحميد القرشي البصري الملقب بحمدان، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن سيار قال) سيار (كنت أمشي مع ثابت) بن أسلم (البناني فمر) ثابت (بصبيان) يلعبون (فسلم عليهم) ثابت (وحدث ثابت أنه) أي أن ثابتًا (كان يمشي مع أنس) بن مالك (فمر) أنس (بصبيان فسلم عليهم) أنس (وحدث أنس أنه) أي أن أنسًا (كان يمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمر) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بصبيان فسلم) رسول الله صلى الله عليه وسلم (عليهم) أي على الصبيان. فهذا الحديث من أنواع المسلسل يسمى المسلسل بالسلام على الصبيان.
5526 -
(2131)(186) حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ وَقُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ، (وَاللَّفْظُ لِقُتَيبَةَ)، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُبَيدِ اللَّهِ. حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُوَيدٍ. قَال: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ. قَال: سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: قَال لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذْنُكَ عَلَيَّ أَنْ يُرْفَعَ
ــ
قوله (فمر بصبيان) قال النووي: بكسر الصاد على المشهور وبضمها، ففيه استحباب السلام على الصبيان المميزين والندب إلى التواضع وبذل السلام للناس كلهم، وبيان تواضعه صلى الله عليه وسلم وكمال شفقته على العالمين اهـ، وقال العيني: وسلامه صلى الله عليه وسلم على الصبيان من خلقه العظيم وأدبه الشريف، وفيه تدريب لهم على تعليم السنن ورياضة لهم على آداب الشريعة ليبلغوا متأدبين بآدابها، وقيل لا يسلم على صبي وضيء إذا خشي الافتنان من السلام عليه ولو سلم الصبي على البالغ وجب عليه الرد على الصحيح اهـ، وأما النساء الأجنبية فلا يسلم على غير العجوز التي لا تشتهى منهن، وأما المحارم فيستحب السلام عليهن والله أعلم، قال النووي: وقال الكوفيون: لا يسلم الرجال على النساء إذا لم يكن فيهن محرم، وقال العيني: وهو ليس مذهب الحنفية اهـ.
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء السادس من الترجمة بحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال:
5526 -
(2131)(186)(حدثنا أبو كامل الجحدري) فضيل بن حسين البصري (وقتيبة بن سعيد كلاهما عن عبد الواحد) بن زياد العبدي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (واللفظ) الآتي (لقتيبة) قال قتيبة (حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا الحسن بن عبيد الله) بن عروة النخعي أبو عروة الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا إبراهيم بن سويد) النخعي الكوفي الأعور، ثقة، من (6) روى عنه في (3) أبواب (قال) إبراهيم (سمعت عبد الرحمن بن يزيد) بن قيس النخعي أبا بكر الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (قال) عبد الرحمن بن يزيد (سمعت ابن مسعود) رضي الله عنه (يقول) وهذا السند من سداسياته (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذنك) في الدخول (علي) أي علامة إذني لك في الدخول علي في بيتي (أن يرفع
الْحِجَابُ، وَأَنْ تَسْتَمِعَ سِوَادِي، حَتَّى أَنْهَاكَ".
5527 -
(00)(00) وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيرٍ
ــ
الحجاب) وتكشف الستور المسدولة على باب البيت، والفعل مبني للمجهول لا غير أي أن يكشف الحجاب عن الباب فإذا رأيت بابي مكشوفًا عن الستارة فادخل علي بلا استئذان بالقول فإن رفع الحجاب علامة الإذن لك في الدخول (و) لك (أن تستمع) وتصغي (سوادي) أي مناجاتي ومساررتي ومحادثتي مع الغير (حتى أنهاك) وأزجرك عن الاستماع، والسواد بكسر السين الشخص والمراد به السرار وهو السر والمساررة مع الغير والمناجاة معه يقال ساودت الرجل سوادًا ومساودة إذا ساررته قالوا وهو مأخوذ من إدناء سوادك من سواده عند المساررة أي شخصك من شخصه اهـ نووي. والمعنى إذا رأيت حجاب بيتي مرفوعًا فإن ذلك علامة لكونك مأذونًا له في الدخول عليّ، وفيه دليل لجواز اعتماد العلامة في الدخول، قال القرطبي: هذا إذن خاص جعله لابن مسعود أنه إذا جاء بيت النبي صلى الله عليه وسلم ووجد الستر قد رفع دخل بغير إذن بالقول ولهذا كانت الصحابة تذكر هذا في فضائل ابن مسعود ويقولون كان يؤذن له إذا حجبنا وكان له من التبسط في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يكن لغيره لما علمه صلى الله عليه وسلم من حاله وخلقه وإلفه ببيته.
قوله (وأن تستمع سوادي) هكذا رواية مسلم وعند القرطبي في الخلاصة (وأن تسمع) من السماع وهو بمعنى الأول (سوادي) أي مسارتي وهذه خصوصية أخرى لابن مسعود رضي الله عنه حيث أذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم باستماع مسارته إلى أن ينهاه عن ذلك، والسواد بكسر السين مصدر من ساوده مساودة وسوادًا استعير للمساررة لأن من يسار أحدًا فإنه يدني سواده من سواده أي شخصه من شخصه اهـ.
ويستفاد من هذا الحديث أن رب المنزل لو جعل رفع ستر بيته علامة على الإذن في الدخول إليه لاكتفى بذلك عن الاستئذان بالقول اهـ من المفهم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 404]، وابن ماجه [139] في المقدمة.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:
5527 -
(00)(00) (وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير
وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا) ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيدِ اللَّهِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ
ــ
وإسحاق بن إبراهيم قال إسحاق أخبرنا وقال الآخران حدثنا عبد الله بن إدريس) بن يزيد بن عبد الرحمن الأودي أبو محمد الكوفي، ثقة فقيه، من (8) روى عنه في (17) بابا (عن الحسن بن عبيد الله) النخعي الكوفي، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة عبد الله بن إدريس لعبد الواحد بن زياد (بهذا الإسناد) يعني عن إبراهيم عن عبد الرحمن عن ابن مسعود، وساق عبد الله بن إدريس (مثله) أي مثل ما حدث عبد الواحد بن زياد.
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أحد عشر حديثًا: الأول حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثاني حديث أبي طلحة ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والثالث حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستشهاد به لحديث أبي طلحة وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والخامس حديث أنس الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والسادس حديث ابن عمر ذكره للاستشهاد به لحديث أنس وذكر فيه متابعة واحدة، والسابع حديث عائشة ذكره للاستشهاد به ثانيًا لحديث أنس وذكر فيه ثلاث متابعات، والثامن حديث جابر ذكره للاستشهاد به ثالثًا لحديث أنس، والتاسع حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستشهاد به رابعًا لحديث أنس وذكر فيه متابعة واحدة، والعاشر حديث أنس بن مالك الثالث ذكره للاستدلال به على الجزء الخامس من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والحادي عشر حديث ابن مسعود ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم.
***