الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
675 - (19) باب امتهان ذات القدر نفسها في خدمة زوجها وفرسه لا يغض من قدرها والنهي عن مناجاة الاثنين دون الثالث بغير رضاه
5551 -
(2144)(198) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ، أَبُو كُرَيبٍ الْهَمْدَانِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ. أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ. قَالتْ: تَزَوَّجَنِي الزُّبَيرُ وَمَا لَهُ فِي الأَرْضِ مِنْ مَالٍ وَلَا مَمْلُوكٍ وَلَا شَيْءٍ، غَيرَ فَرَسِهِ. قَالتْ: فَكُنْتُ أَعْلِفُ فَرَسَهُ. وَأَكْفِيهِ مَؤنَتَهُ، وَأَسُوسُهُ، وَأَدُقُّ النَّوَى لِنَاضِحِهِ، وَأَعْلِفُهُ، وَأَسْتَقِي الْمَاءَ، وَأَخْرِزُ
ــ
675 -
(19) باب امتهان ذات القدر نفسها في خدمة زوجها وفرسه لا يغض من قدرها والنهي عن مناجاة الاثنين دون الثالث بغير رضاه
5551 -
(2144)(198)(حدثنا محمد بن العلاء أبو كريب الهمداني) الكوفي (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي (عن هشام) بن عروة (أخبرني أبي) عروة بن الزبير (عن) والدته (أسماء بنت أبي بكر) الصديق رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته (قالت) أسماء (تزوجني الزبير) بن العوام الأسدي المدني رضي الله عنه قبل الهجرة بمكة (وماله في الأرض) أي في أرض المدينة (من مال) أي من نقود ومواش وأراض تزرع (ولا مملوك) أي من رقيق من العبيد والإماء. وقوله (ولا) من (شيء) غير ما ذكر من عطف العام على الخاص؛ والمراد ليس له شيء يذكر فلا ينافي ما لا بد منه من مطعم ومسكن (غير فرسه) الذي يجاهد عليه (ولا غير ناضحه) أي بعيره الذي يستقي عليه الماء كما يعلم مما سيأتي آنفًا (قالت) أسماء (فكنت) أنا (أعلف فرسه) أي أقوم بمؤنة فرسه من علف وسقي (وأكفيه) أي أكفي الزبير (مؤنته) أي مؤنة الفرس أي أغنيه عن الاهتمام بمؤنة فرسه بما ذكر (وأسوسه) من باب قال أي أقوم بسياسة فرسه وتدبير مصالحه وشؤونه من ربطه وعقله وحله ورعيه ومسح جسده وغسله ورحله عند السفر وحطه عند الرجوع وقيادته عند السفر معه وكان هذا كله بعد هجرتهما إلى المدينة (وأدق النوى) أي نوى التمر على المدق جمع نواة (لـ) علف (ناضحه) وهو الجمل الذي يستقى به الماء (وأعلفه) أي وأقوم بمؤنة علف ناضحه من خبط وأغصان شجر بجلبه من الجبال (وأستقي الماء) أي ماء الشرب والغسل وحاجات البيت من الآبار أي أحمله على رأسي أو على ناضحه إلى البيت (وأخرز) بتقديم الراء على الزاي من باب نصر أي أخيط ما
غَرْبَهُ، وَأَعْجِنُ. وَلَمْ أَكُنْ أُحْسِنُ أَخْبِزُ. وَكَانَ يَخْبِزُ لِي جَارَاتٌ مِنَ الأَنْصَارِ. وَكُنَّ نِسْوَةَ صِدْقٍ. قَالتْ: وَكُنْتُ أَنْقُلُ النَّوَى،
ــ
انخرق من (غربه) أي من دلوه، والغرب بفتح الغين وسكون الراء الدلو الكبير من الجلد وخرزه خياطة ما اخترق منه (وأعجن) بفتح الهمزة وكسر الجيم من باب ضرب أي أخلط العجين وأخمره (ولم أكن) أنا (أحسن) من الإحسان أي أعرف أن (أخبز) من باب ضرب أي أن أجعل العجين خبزًا وتسويته إياه (وكان) الشأن (يخبز لي) أي يجعل ذلك العجين خبزًا لي (جارات) جمع جارة أي نسوة ذوات جوار لي في المنزل كائنات (من الأنصار) أي من أهل المدينة (وكن) تلك الجارات (نسوة صدق) وإخلاص في الصداقة والمودة والمساعدة لي في شغلي.
وهذا أي امتهان أسماء نفسها وابتذالها في خدمة زوجها وفرسه وناضحه يدل على ما كانوا عليه من شدة الحال في أول الأمر وضيقها وعلى أن المعتبر عندهم في الكفاءة إنما هو الدين والفضل لا المال والغنى كما قال صلى الله عليه وسلم: "فعليك بذات الدين تربت يداك" متفق عليه، وإنما كان كذلك لأن القوم كانت مقاصدهم في النكاح التعاون على الدين وتكثير أمة محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين ولأنهم علموا أن المال ظل زائل وسحاب حائل وأن الفضل باق إلى يوم التلاق فأما اليوم فقد انعكست الحال وعدل الناس عن الواجب إلى المحال وجمع الأموال، وفيه أيضًا ما يدل على ما كانوا عليه من تبذل المرأة في خدمة زوجها وبيته وفرسه وإن كانت شريفة لكن هذا كله فعلته متبرعة بذلك مختارة له راغبة لما علمت فيه من الأجر والثواب وعونًا لزوجها على البر والتقوى ولا خلاف في حسن ذلك ولا في أن كل ذلك ليس بواجب عليها إذ لا يجب أن تخرز الغرب ولا أن تخدم الفرس ولا أن تنقل النوى، وإنما اختلف في خدمة بيتها من عجين وطبخ وكنس وفرش فالشريفة ذات القدر التي رفع في صداقها لا يجب عليها أن تفعل شيئًا من ذلك ولا يحكم عليها به ولا يجب عليها عند مالك أن تأمر الخدم بذلك ولا تنهاهم وليس عليها إلا أن تمكن من نفسها، وقال بعض شيوخنا: عليها أن تأمرهم وتنهاهم بما يصلح حال زوجها إذ لا كلفة عليها في ذلك ولجريان العادة بمثله في الأشراف اهـ من المفهم.
(قالت) أسماء (وكنت) أنا (أنقل) وأحمل (النوى) الساقطة من النخيل أو مما أكله
مِنْ أَرْضِ الزُّبَيرِ الَّتِي أَقْطَعَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، عَلَى رَأْسِي. وَهْي عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ. قَالتْ: فَجِئْتُ يَوْمًا وَالنَّوَى عَلَى رَأْسِي. فَلَقِيتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ
ــ
الناس ورموه ففيه جواز التقاط المطروحات رغبة عنها (من أرض الزبير التي أقطعه) أي أقطع الزبير وأعطاه إياه والموصول صفة للأرض، ففيه جواز إقطاع الإمام ما شاء لمن شاء من أرض الموات (رسول الله صلى الله عليه وسلم أي أحملها (على رأسي) من تلك الأرض (وهي) أي تلك الأرض من مسكنها بالمدينة (على ثلثي فرسخ) أي ثلثين من أثلاث الفرسخ وهما ميلان لأن الفرسخ ثلاثة أميال والميلان ثمانية آلاف خطوة بخطوة البعير والخطوة ذراع ونصف والذراع أربعة وعشرون إصبعًا معترضة معتدلة والإصبع ست شعيرات معترضات معتدلات والشعيرة ست شعرات من شعر البرذون وتفصيلها في كتب الفروع فراجعها.
قال القرطبي: قيل إن هذه الأرض المقطعة له من موات البقيع (أو النقيع) بالنون أقطعه من ذلك حضر فرسه (أي إسراعه في عدوه) فأجراه ثم رمى بسوطه رغبة في الزيادة فأعطاه ذلك كله، وفي البخاري عن عروة أنه صلى الله عليه وسلم أقطع الزبير أرضًا من أموال بني النضير وليست هذه الأرض التي كانت أسماء تنقل منها النوى على رأسها لقولها، وهي على ثلثي فرسخ كما تقدم في القول الأول ففيه من الفقه ما يدل على جواز إقطاع الأرض لمن يراه من أهل الفضل والحاجة والمنفعة العامة كالعلماء والمجاهدين وغيرهم لكن تكون تلك الأرض المقطعة من موات الأرض أو من الأرض الموقوفة لمصالح المسلمين كما قدمناه في الجهاد، وفيه ما يدل على جواز الاستزادة من الحلال وإظهار الرغبة فيه كما فعل الزبير رضي الله عنه حيث أجرى فرسه فلما وقف رمى بسوطه رغبة في الزيادة والنبي صلى الله عليه وسلم يبصر ذلك كله ولم ينكره عليه وليس إقطاع الإمام تمليكًا للرقبة وإنما هو اختصاص بالمنفعة لكن لو أحيا الموات المقطع لكان للمحيي لقول النبي صلى الله عليه وسلم "من أحيا أرضًا ميتة فهي له" رواه أحمد [3/ 313] من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما اهـ من المفهم.
(قالت) أسماء (فجئت) أنا (يومًا) من الأيام من تلك الأرض ذاهبة إلى المدينة (والنوى) محمولة (على رأسي فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه) صلى الله
نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ. فَدَعَانِي ثُمَّ قَال: "إِخْ إِخْ لِيَحْمِلَنِي خَلْفَهُ
ــ
عليه وسلم (نفر) أي جماعة (من أصحابه) رضي الله عنهم لم أر من ذكر أسماءهم ولكن في تنبيه المعلم هم جبير بن إياس الزرقي والحارث بن قيس وعمار وقيس بن محصن انظر فتح الباري [10/ 230] وذكر البخاري في فرض الخمس تعليقًا عن أبي ضمرة رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع الزبير أرضًا من أموال بني النضير" وكان ذلك في أوائل قدومه المدينة فيحتمل أن تكون هذه القصة قبل نزول الحجاب وهو الذي رجحه الحافظ [9/ 324] ويحتمل أن تكون أسماء رضي الله تعالى عنها خرجت إلى تلك الأرض مراعية لأحكام الحجاب والله أعلم.
(فدعاني) أي ناداني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لي تعالي يا أسماء (ثم) بعدما جئته (قال) لبعيره ليبرك (إخ إخ) أي اضطجع اضطجع وهي بكسر الهمزة وسكون الخاء كلمة تقال للبعير لمن أراد أن ينيخه، وقال القرطبي: قوله (إخ إخ) تعني به أنه نوخ ناقة ليركبها عليها وهو صوت تنوخ به الإبل وظاهر هذا المساق يدل على أنه صلى الله عليه وسلم عرض عليها الركوب وحدها فلم تركب لأنها استحيت كما قالت فيما سيأتي وعلى هذا فلا يحتاج إلى اعتذار عن النبي صلى الله عليه وسلم في ركوبها معه فإنه يحتمل أنها لو اختارت الركوب وحدها تركها راكبة وحدها ولا يكون فيه من حيث هذا اللفظ دليل على جواز ركوب اثنين على بعير واحد فتأمله اهـ من المفهم. (ليحملني خلفه) قال في الفتح تحت قوله (ليحملني خلفه) فهمت ذلك من قرينة الحال وإلا فيحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم أراد أن يركبها وما معها أحد ويركب هو شيئًا آخر غير ذلك البعير اهـ.
وبقوله (ليحملني خلفه) استدل من ترجم عن هذا الحديث كالنووي بجواز ارتداف المرأة الأجنبية إذا أعيت في الطريق ولعله أراد ارتدافها على البعير فقط لأن الراكب والرديف في البعير لا يلتقي جسماهما أما إذا كان الارتداف بالتقاء جسميهما فلا يجيزه أحد، وقال القاضي عياض: وهذا خاص للنبي صلى الله عليه وسلم بخلاف غيره فقد أمرنا بالمباعدة بين نفوس الرجال والنساء وكانت عادته صلى الله عليه وسلم مباعدتهن ليقتدي به أمته قال: وإنما كانت هذه خصوصية له صلى الله عليه وسلم لكونها بنت أبي بكر وأخت عائشة وامرأة للزبير فكانت كإحدى أهله ونسائه مع ما خص به صلى الله عليه وسلم أنه أملك لإربه، وأما إرداف المحارم فجائز بلا خلاف على كل حال اهـ.
قَالتْ: فَاسْتَحْيَيتُ وَعَرَفْتُ غَيرَتَكَ. فَقَال: وَاللَّهِ! لَحَمْلُكِ النَّوَى عَلَى رَأْسِكِ أَشَدُّ مِنْ رُكُوبِكِ مَعَهُ. قَالتْ: حَتَّى أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ، بَعْدَ ذَلِكَ، بِخَادِمٍ، فَكَفَتْنِي سِيَاسَةَ الْفَرَسِ. فَكَأَنَّمَا أَعْتَقَتْنِي
ــ
(قالت) أسماء للزبير (فاستحييت) من الركوب معه صلى الله عليه وسلم (و) الحال أني قد (عرفت) وتذكرت (غيرتك) على حريمك أي شدتها، وفي الكلام حذف تقديره وإني ذكرت هذه القصة للزبير وقلت له: فاستحييت وعرفت غيرتك تعني ما جبل عليه من الغيرة وإلا فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يغار لأجله كما قال عمر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم: وعليك أغار يا رسول الله. حين أخبره أنه صلى الله عليه وسلم رأى قصرًا من قصور الجنة فيه امرأة من نساء الجنة قال: "لمن أنت؟ " فقالت: لعمر بن الخطاب، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"فذكرت غيرتك " فتوقع النبي صلى الله عليه وسلم تحريك الغيرة بحكم الجبلة وإن لم يغر لأجله (فقال) الزبير لها (والله لحملك النوى على رأسك أشد) أي أثقل (من ركوبك معه) صلى الله عليه وسلم، قال الحافظ: ووجه المفاضلة التي أشار إليها الزبير أن ركوبها مع النبي صلى الله عليه وسلم لا ينشأ منه كبير أمر من الغيرة لأنها أخت امرأته فهي في تلك الحالة لا يحل له تزوجها ولو كانت خلية من الزوج، قال القرطبي: وقول الزبير لها لحملك النوى أشد علي .. الخ يدل على أن الزبير لم يكلفها على شيء من ذلك وإنما فعلت هي ذلك لحاجتها إلى ذلك وتخفيفًا عن زوجها على عادة أهل الدين والفضل الذي لا التفات عندهم إلى شيء من زينة الدنيا وإلى شيء من أحوال أهلها فإنهم كانوا لا يعيبون على أنفسهم إلا ما عابه الشرع فكانوا أبعد الناس منه وأخرج هذا القول من الزبير فرط الاستحياء المجبول عليه أهل الفضل ويعني بذلك أن الحياء الذي لحقه من تبذلها بحمل النوى على رأسها أشد عليه من الغيرة التي كانت تلحقه عليها لو ركبت مع النبي صلى الله عليه وسلم فإنه صلى الله عليه وسلم ليس ممن يغار على الحريم لأجله والله تعالى أعلم اهـ من المفهم (قالت) أسماء فكنت أقوم بخدمة الزبير ومؤنة فرسه (حتى أرسل إلي) والدي (أبو بكر) الصديق رضي الله عنه (بعد ذلك) أي بعد ما كنت حاملًا لتلك المؤنة الثقيلة (بخادم) أي بجارية تخدمني، ويقال للذكر والأنثى خادم بلا هاء (فكفتني) تلك الجارية أي حملت عني مشقة (سياسة الفرس) وتدبير شؤونه (فكأنما أعتقتني) تلك الجارية وحررتني من رقية العمل
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وورطة الشغل، وروي أعتقتني بتاء بعد القاف ويكون فيه ضمير يعود على الخادمة وأعتقني بغير تاء وضميره يعود إلى أبي بكر رضي الله عنه.
وذلك لأنها لما استراحت من خدمة الفرس والقيام عليه بسبب الجارية التي بعث إليها أبو بكر صح أن ينسب الإعتاق لكل واحد منهما وهذا الكلام دليل على مكارم أخلاق القوم فإن أبا بكر رضي الله عنه علم ما كانت عليه ابنته من الضرر والمشقة ولم يطالب صهره بشيء من ذلك وكان مترقبًا لإزالة ذلك فلما تمكن منه أزاله من عنده اهـ من المفهم. وفي الرواية الآتية (جاء النبي صلى الله عليه وسلم سبي فأعطاها خادمًا قالت: فكفتني سياسة الفرس) فبين الروايتين معارضة فيجمع بينهما بأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الجارية أبا بكر ليرسلها إلى ابنته أسماء فصدق أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاها وصدق أيضًا أن أبا بكر أرسلها إليها.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 347]، والبخاري في النكاح في باب الغيرة [5224] وفي الجهاد في باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس ونحوه [2151].
فصل: هل تجب على المرأة خدمة البيت أم لا؟
نظرًا إلى ظاهر هذا الحديث قال النووي: هذا الذي فعلته أسماء كله من المعروف والمروءات التي أطبق الناس عليها وهو أن المرأة تخدم زوجها بهذه الأمور المذكورة ونحوها من الطحن والعجن والخبز والطبخ وغسل الثياب وغير ذلك من مهنة البيت وكله تبرع من المرأة وإحسان منها إلى زوجها وحسن معاشرة وفعل معروف معه ولا يجب عليها شيء من ذلك بل لو امتنعت من جميع هذا لم تأثم ولم تكن ناشزة ويلزمه هو تحصيل هذه الأمور لها ولا يحل له إلزامها بشيء من ذلك وإنما تفعله المرأة تبرعًا وهذه عادة جميلة استمر عليها النساء من العصر الأول إلى الآن وإنما الواجب عليها تمكينها زوجها من نفسها وملازمة بيته اهـ.
وهذا الذي ذكره النووي هو مذهب الشافعية فإنهم لا يرون هذه الأعمال واجبة على المرأة ديانة ولا قضاء، وأما المالكية والحنفية فيختلف الحكم عندهم باختلاف الأعمال واختلاف النساء فأما أعمال خارج البيت مثل سياسة الفرس وسقي المزارع
5552 -
(00)(00) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيدٍ الْغُبَرِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيدٍ عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيكَةَ؛ أَنَّ أَسْمَاءَ قَالتْ: كُنْتُ أَخْدُمُ الزُّبَيرَ خِدْمَةَ الْبَيتِ. وَكَانَ لَهُ فَرَسٌ. وَكُنْتُ أَسُوسُهُ
ــ
وحمل النوى فلا تجب على المرأة مطلقًا، وأما أعمال داخل البيت كالخبز والطحن والطبخ فإن المرأة إن كانت من أناس لا يخدم نساؤهم أنفسهن وبيوتهن كبنات الملوك والأمراء لا تجب عليها هذه الأعمال لا ديانة ولا قضاء، وأما إن كانت المرأة من أسرة تتعارف نساؤها خدمة البيت فإن مثل هذه الأعمال تجب عليها ديانة ولكن صرح الحنفية بأنها لا تجبر عليها في القضاء.
وذكر في الدر المختار أنه لو امتنعت المرأة من الطحن والخبز فإن كانت ممن لا تخدم نفسها أو كان بها علة فعليه أن يأتيها بطعام مهيأ وإلا بأن كانت ممن تخدم نفسها وتقدر على ذلك لا يجب عليها ذلك ولا يجوز لها أن تأخذ الأجرة على ذلك لوجوبه عليها ديانة ولو شريفة لأنه صلى الله عليه وسلم قسم الأعمال بين علي وفاطمة فجعل أعمال الخارج على علي رضي الله عنه والداخل على فاطمة رضي الله تعالى عنها مع أنها سيدة نساء العالمين اهـ.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أسماء رضي الله تعالى عنها فقال:
5552 -
(00)(00)(حدثنا محمد بن عبيد) بن حساب بكسر الحاء وتخفيف السين المهملة آخره باء موحدة (الغبري) بضم المعجمة وتخفيف الموحدة المفتوحة نسبة إلى غبر بن غنم البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا حماد بن زيد) ابن درهم الأزدي البصري، ثقة، من (8)(عن أيوب) السختياني، ثقة، من (5)(عن) عبد الله بن عبيد الله (بن أبي مليكة) بالتصغير زهير بن عبد الله بن جدعان التيمي أبي بكر المكي، ثقة فقيه، من (3)(أن أسماء) بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهم. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة ابن أبي مليكة لعروة بن الزبير (قالت) أسماء (كنت أخدم) من باب نصر زوجي (الزبير) بن العوام الأسدي المدني (خدمة البيت) أي خدمة في أعمال البيت وأشغاله كالطحن والطبخ والغسل مثلًا (وكان له) أي للزبير (فرس) واحد يجاهد عليه (وكنت أسوسه) من باب قال أي أسوس ذلك الفرس وأدبر
فَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْخِدْمَةِ شَيْءٌ أَشَدَّ عَلَيَّ مِنْ سِيَاسَةِ الْفَرَسِ. كُنْتُ أَحْتَشُّ لَهُ وَأَقُومُ عَلَيهِ وَأَسُوسُهُ. قَال: ثُمَّ إِنَّهَا أَصَابَتْ خَادِمًا. جَاءَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَبْىٌ فَأَعْطَاهَا خَادِمًا. قَالتْ: كَفَتْنِي سِيَاسَةَ الْفَرَسِ. فَأَلْقَتْ عَنِّي مَئُونَتَهُ.
فَجَاءَنِي رَجُلٌ فَقَال: يَا أُمَّ عَبْدِ اللَّهِ! إِنِّي رَجُلٌ فَقِيرٌ، أَرَدْتُ أَنْ أَبِيعَ فِي ظِلِّ دَارِكِ
ــ
شؤونه وأقوم بمصالحه من علف وسقي ومسح (فلم يكن من الخدمة) أي من خدمة الزبير (شيء أشد) وأثقل (علي) وأتعب لي (من سياسة الفرس) ورعاية مصالحه والقيام بمؤنته (وكنت أحتش له) أي لذلك الفرس أي أطلب له الحشيش والعشب من الجبل وأحمله منه (وأقوم عليه) أي على ذلك الفرس بمصالحه الناجزة من العلف والسقي والمسح (وأسوسه) أي أدبر أموره المستقبلة برعاية مصالحه (قال) ابن أبي مليكة (ثم) بعد قيامها بخدمة الزبير وخدمة فرسه (إنها) أي إن أسماء (أصابت) أي نالت وفازت (خادمًا) أي جارية تخدمها وسبب ذلك أي وسبب إصابتها خادمًا أنه (جاء النبي صلى الله عليه وسلم سبي) أي نساء مسبيات من الكفار وذراري (فأعطاها) أي فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم لأسماء من تلك السبايا (خادمًا) أي جارية تخدمها، قال القرطبي: هذه الرواية معارضة لقولها في الرواية السابقة (إن أبا بكر رضي الله عنه أرسلها إليها). [قلت] هذا لا بعد فيه لأنه يمكن الجمع بين الروايتين بأن النبي صلى الله عليه وسلم دفعها لأبي بكر ليدفعها لها فأرسل بها أبو بكر إليها اهـ من المفهم.
وقد مر لنا هذا الجمع في الرواية الأولى (قالت) أسماء فـ (كفتني) تلك الجارية وحملت عني (سياسة الفرس) أي تدبير أموره ورعاية مصالحه من العلف والسقي مثلًا أي كانت كافية لي عنها (فألقت) أي رمت (عني) وحملت (مؤنته) أي مؤنة الفرس ومصالحه وقامت بها فكنت مرتاحة في بيتي (فجاءني رجل) من فقراء المسلمين لم أر من ذكر اسمه (فقال) لي ذلك الرجل (يا أم عبد الله) كنية أسماء (إني رجل فقير) لا منزل لي ولا مقعد أقعد فيه لبيع بضاعتي فـ (أردت) أي قصدت (أن أبيع) بضاعتي (في ظل دارك) فأذني لي في أن أقعد فيه لبيع حوائجي.
قال القرطبي: واستئذان الفقير لأم عبد الله وهي أسماء بنت أبي بكر في أن يبيع
قَالتْ: إِنِّي إِنْ رَخَّصْتُ لَكَ أَبَى ذَاكَ الزُّبَيرُ. فَتَعَال فَاطْلُبْ إِلَيَّ، وَالزُّبَيرُ شَاهِدٌ فَجَاءَ فَقَال: يَا أُمَّ عَبْدِ اللَّهِ! إِنِّي رَجُلٌ فَقِيرٌ، أَرَدْتُ أَنْ أَبِيعَ فِي ظِلِّ دَارِكِ. فَقَالتْ:
ــ
في ظل دارها يدل على أن المقرر المعلوم من الشرع أن فناء الدار ليس لغير ربها القعود فيه للبيع إلا بإذنه فإذا أذن جاز ما لم يضر بغيره بتضييق طريق أو إطلاع على عورة منزل غيره ولرب الدار أن يمنعه لأن الأفنية حق لأرباب المنازل، لأن عمر رضي الله عنه قضى في الأفنية لأرباب الدور، قال ابن حبيب -هو عبد الملك بن حبيب بن سليمان العباسي القرطبي المالكي فقيه مؤرخ نسابة أديب لغوي شاعر-: وتفسير هذا يعني لهم حق الانتفاع للمجالس والمرابط والمصاطب وجلوس الباعة فيها للبياعات الخفيفة وليس بأن ينحاز بالبنيان والتحظير. [قلت] وعلى هذا فليس لرب الدار التصرف في فنائها ببناء دكان أو غيره مما يثبت ويدوم لأنه من المنافع المشتركة بينه وبين الناس إذ للناس فيه حق العبور والوقوف والاستراحة والاستظلال وما أشبه هذه الأمور لكنه أحق به فيجوز له من ذلك ما لا يجوز لغيره من مرافقه الخاصة به كبناء مصطبة لجلوسه ومربط فرسه وحط أحماله وكنس مرحاضه وتراب بيته وغير ذلك مما يكون من ضروراته وعلى هذا فلا يفعل فيها ما لا يكون من ضرورات حاجاته كبناء دكان للباعة أو تحظيره عن الناس أو إجارته لمن يبيع فيه لأن ذلك كله منع الناس من منافعهم التي لهم فيه وليس كذلك الإذن في البيع الخفيف بغير أجرة لأن ذلك من باب الرفق بالمحتاج والفقير وأصل الطرق والأفنية للمرافق ولو جاز أن يحاز الفناء ببناء ونحوه للزم أن يكون لذلك البناء فناء ويتسلسل إلى أن تذهب الطرق وترتفع المرافق اهـ من المفهم.
(قالت) أسماء فقلت للرجل (إني إن رخصت) وأذنت (لك) في الجلوس بلا استئذان الزبير (أبي) وامتنع (ذاك) الإذن (الزبير) ومنعك من الجلوس ولكني أنصح لك ببيان طريق الوصول إلى مرادك من الجلوس (فـ) أقول لك (تعال) أي أقبل إلينا واحضر (فاطلب) الإذن في جلوسك (إلي) أي مني (والزبير) أي والحال أن الزبير (شاهد) أي حاضر عندي في البيت، وهذا تعليم منها له الحيلة في استرضاء الزبير وهذا فيه حسن الملاطفة في تحصيل المصالح ومداراة أخلاق الناس والله أعلم كذا في النووي. قالت أسماء (فجاء) الرجل إلي (فقال) لي (يا أم عبد الله إني رجل فقير أردت) أي قصدت (أن أبيع) بضاعتي جالسًا (في ظل دارك فقالت) أسماء فقلت للرجل في جواب طلبه الإذن
مَا لَكَ بِالْمَدِينَةِ إِلَّا دَارِي؟ فَقَال لَهَا الزُّبَيرُ: مَا لَكِ أَنْ تَمْنَعِي رَجُلًا فَقِيرًا يَبِيعُ؟ فَكَانَ يَبِيعُ إِلَى أَنْ كَسَبَ. فَبِعْتُهُ الْجَارِيَةَ. فَدَخَلَ عَلَيَّ الزُّبَيرُ وَثَمَنُهَا فِي حَجْرِي. فَقَال: هَبِيهَا لِي. قَالتْ: إِنِّي قَدْ تَصَدَّقْتُ بِهَا
ــ
مني (ما لك) أيها الرجل أي أي شيء ثبت لك في طلب الإذن مني في الجلوس في ظل داري وما (بالمدينة) دور لها ظل (إلا داري) فامش مني فلا آذن لك قالت أسماء (فقال لها) فيه التفات ومقتضى المقام أن يقال فقال لي (الزبير: مالك) أي، أي شيء ثبت لك وأي عذر لك يا أم عبد الله في (أن تمنعي رجلًا ففيرًا) يريد أن (يبيع) بضاعته تحت ظل دارك، قالت أسماء فأذنت له (فكان) ذلك الرجل (يبيع) بضاعته تحت ظل داري (إلى أن كسب) مكسبًا كثيرًا وربح أرباحًا كثيرة، قالت أسماء (فبعته) أي فبعت ذلك الرجل (الجارية) التي أرسلها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (فدخل علي الزبير وثمنها) أي ونقود ثمنها (في حجري) أي في مقدم بدني (فقال) الزبير لي (هبيها) أي هبي هذه النقود (لي قالت) أسماء فقلت له (إني قد تصدقت بها) أي بهذه النقود أي نويت تصدقها على الفقراء المساكين فقد خرج عن ملكي فلا أقدر الهبة لك.
وقول أسماء (مالك بالمدينة إلا داري) تكلمت أسماء بما يدل على كراهتها لأن يجلس الرجل في ظل دارها لئلا تقع في قلب الزبير آية شبهة فيجيز الرجل هو بنفسه ووقع كما قدرت وكان ذلك حيلة لاسترضاء الزبير ولمصلحة الرجل، قال القرطبي: وتوقف أسماء رضي الله تعالى عنها في الإذن للفقير إلى أن يأذن الزبير إنما كان مخافة غيرة الزبير أو يكون في ذلك شيء يتأذى به الزبير وحسن أدب وكرم خلق حتى لا تتصرف في شيء من مالها إلا بإذن زوجها وأمرها للفقير بأن يسألها ذلك بحضرة الزبير لتتخرج بذلك ما عند الزبير من كرم الخلق والرغبة في فعل الخير وليشاركها في الأجر وذلك كله منها حسن سياسة وجميل ملاطفة تدل على انشراح الصدور وصدق الرغبة في الخير اهـ من المفهم.
قال الأبي: (قوله فبعته الجارية) يعني الجارية التي أعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرسلها أبو بكر رضي الله عنه إليها ولعلها باعتها وتصدقت بثمنها لأنها استغنت عنها بغيرها، فيه دلالة على أن تصرف المرأة في البيع والابتياع بغير إذن زوجها نافذ وليس له أن يتحكم في مال الزوجة اهـ. وليس له منعها من ذلك إذا لم يضره ذلك
5553 -
(2145)(199) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال:"إِذَا كَانَ ثَلاثَةٌ، فَلَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ وَاحِدٍ"
ــ
في خروجها ومشافهتها للرجال بالبيع والابتياع فله منعها مما يؤدي إلى ذلك.
قوله (فقال هبيها لي) وسؤاله لها أن تهبه ثمن الجارية دليل على أن الزوج ليس له أن يتحكم عليها في مالها بأخذ ولا غيره إذ لا ملك له في ذلك وإنما له فيه حق التجمل وكفاية بعض المؤن ولذلك منعناها من إخراج كل مالها أو جله كما تقدم في النكاح. وصدقتها بثمن الجارية من غير إذنه دليل على جواز هبة المرأة بعض مالها بغير إذن الزوج لكن إن أجازه الزوج جاز وإن منعه فإن كان الثلث فما دون لم يكن له المنع وإن كان أكثر له منع الزائد على الثلث على ما تقدم هذا إذا وهبته لأجنبي فإن وهبته لزوجها فلا يفرق بين ثلث ولا غيره لأنها إذا طابت نفسها بذلك جاز ولأن الفرق بين الثلث وغيره إنما كان لحق الزوج لئلا يفوت عليه ما له فيه من حق التجمل ولئلا يمنعها أيضًا من إعطاء ما طابت به نفسها فينفذ عطاؤها في الثلث ويرد فيما زاد عليه، وقيل يرد الجميع وهو المشهور اهـ من المفهم.
وهذه الرواية الأخيرة انفرد بها الإمام مسلم رحمه الله تعالى.
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:
5553 -
(2145)(199)(حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذا السند من رباعياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كان ثلاثة) بالرفع على أنه فاعل كان وهي تامة بمعنى اجتمع ووجد، ووقع في رواية البخاري (إذا كانوا ثلاثة) بالنصب على أنه خبر كان الناقصة (فلا يتناجى) أي فلا يتحدث (اثنان) منهم سرًّا (دون) سماع (واحد) منهم لتلك النجوى من التناجي وهو التحادث سرًّا وهو خبر بمعنى النهي ووجه النهي مصرح فيما سيأتي من حديث ابن مسعود رضي الله عنه من قوله (فإن ذلك يحزنه) أي مناجاتهما سرًّا يحزن الرجل الثالث لكونه منفردًا عن المتناجيين ولأنه قد يتوهم أن نجواهما إنما هي لسوء رأيهما فيه أو لدسيسة غائلة له، وهذا من حسن الأدب لئلا يتباغضوا ويتقاطعوا ويدخل في هذا الحكم
5554 -
(00)(00) وحدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْيرٍ
ــ
ما إذا تناجت جماعة كثيرة وتركت رجلًا واحدًا منفردًا، نعم يستثنى من هذا ما إذا أذن الرجل الواحد لأنه صاحب الحق. وفي الحديث بيان أدب المجالسة وإكرام الجليس، والرواية المشهورة (يتناجى) بالألف المقصورة ثابتة في الخط غير أنها تسقط في اللفظ لالتقاء الساكنين فإذًا هو خبر عن نفي المشروعية ويتضمن النهي عن ذلك، ووقع في بعض النسخ (فلا يتناج) بغير ألف على النهي وهي واضحة، وقد زاد في الرواية الأخرى زيادة حسنة فقال (حتَّى تختلطوا الناس) فبين غاية المنع وهو أن يجد الثالث من يتحدث معه وقد نبه في هذه الزيادة على التعليل بقوله (فإن ذلك يحزنه) أي يوقع في نفسه ما يحزن لأجله وذلك بأن يقدر في نفسه أن الحديث عنه بما يكره أو أنهم لم يروه أهلًا ليشركوه في حديثهم إلى غير ذلك من ألقيات الشيطان وأحاديث النفس وحصل ذلك كله من بقاءه وحده فإذا كان معه غيره أمن ذلك وعلى هذا يستوي في ذلك كل الأعداد فلا يتناجى أربعة دون واحد ولا عشرة ولا ألف مثلًا لوجود ذلك المعنى في حقه بل وجوده في العدد الكثير أمكن وأوقع فيكون بالمنع أولى وإنما خص الثلاثة بالذكر لأنه أول عدد يتأتى فيه ذلك المعنى.
وظاهر هذا الحديث يعم جميع الأزمان والأحوال وإليه ذهب ابن عمر ومالك والجمهور، وقد ذهب بعض الناس إلى أن ذلك كان في أول الإسلام لأن ذلك كان حال المنافقين دون المؤمنين فلما فشا الإسلام سقط ذلك، وقال بعضهم ذلك خاص بالسفر وفي المواضع التي لا يأمن الرجل فيها صاحبه فأما في حضر وبين العمارة فلا. [قلت] وكل ذلك تحكم وتخصيص لا دليل عليه والصحيح ما صار إليه الجمهور والله تعالى أعلم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 375]، والبخاري في الاستئذان باب لا يتناجى اثنان دون ثالث [6288]، وأبو داود في الأدب باب في التناجي [4852]، وابن ماجة في الأدب باب لا يتناجى اثنان دون الثالث [3828].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:
5554 -
(00)(00)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا محمد بن بشر) العبدي
وَابْنُ نُمَيرٍ. ح وَحدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن الْمُثَنَّى وَعُبَيدُ اللهُ بْنُ سَعِيدٍ. قَالا: حَدَّثَنَا يَحيى، (وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ)، كُلُّهُمْ عَنْ عُبَيدِ اللهِ. ح وَحدَّثَنَا قُتَيبَةُ وَابْنُ رُمْحٍ عَنِ اللَّيثِ بنِ سَعْدٍ. ح وَحدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ وَأَبُو كَامِلٍ. قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ عَنْ أَيُّوبُ. ح وَحدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. قَال: سَمِعْتُ أَيُّوبُ بنَ مُوسَى. كُلُّ هَؤُلَاءِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، بِمَعْنَى حَدِيثِ مَالِكٍ.
5555 -
(2146)(200) حدَّثنا أَبُو بَكرِ بن أَبِي شَيبَةَ وَهَنَّادُ بْنُ السِّرِيِّ
ــ
الكوفي (و) عبد الله (بن نمير ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير حَدَّثَنَا أبي) عبد الله بن نمير (ح وحدثنا محمد بن المثنى وعبيد الله بن سعيد) بن يحيى اليشكري النيسابوري (قالا حَدَّثَنَا يحيى وهو ابن سعيد) القطان التميمي البصري (كلهم) أي كل من محمد بن بشر وعبد الله بن نمير ويحيى القطان رووا (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص العمري المدني (ح وحدثنا قتيبة وابن رمح عن الليث بن سعد) المصري (ح وحدثنا أبو الربيع) الزهراني سليمان بن داود البصري (وأبو كامل) الجحدري فضيل بن حسين البصري (قالا حَدَّثَنَا حماد) بن زيد (عن أيوب) السختياني (ح وحدثنا) محمد (بن المثنى حَدَّثَنَا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (حَدَّثَنَا شعبة) بن الحجاج البصري (قال) شعبة (سمعت أيوب بن موسى) بن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي المكي، ثقة، من (6) روى عنه في (10) أبواب (كل هولاء) الأربعة المذكورين من عبيد الله بن عمر وليث بن سعد وأيوب السختياني وأيوب بن موسى رووا (عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى حديث مالك) لا بلفظه. وهذه الأسانيد الأول منها أعني أسانيد عبيد الله بن عمر بن حفص من خماسياته، والثاني منها أعني سند الليث بن سعد من رباعياته، والثالث أعني سند أيوب السختياني من خماسياته، والرابع أعني سند أيوب بن موسى من سداسياته، وغرضه بسوقها بيان متابعة هؤلاء الأربعة لمالك بن أنس في الرواية عن نافع.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث ابن مسعود رضي الله عنهم أجمعين فقال:
5555 -
(2146)(205)(حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبو شيبة وهناد بن السري) -بفتح
قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو الأَخْوَصِ، عَنْ مَنْصُورٍ. ح وَحدَّثَنَا زُهَيرُ بن حَرْبٍ وَعُثمَانُ بن أَبِي شَيبَةَ وَإِسْحَاقُ بن إِبْرَاهِيمَ - وَاللَّفظُ لِزُهَيرٍ - (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا) جَرِير عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةَ فَلَا يَتَنَاجَى اثنَانِ دُونَ الآخَرِ. حَتَّى تَخْتَلِطُوا بِالنَّاسِ. مِنْ أَجْلِ أَنْ يُحْزِنَهُ"
ــ
السين وكسر الراء المخففة بعدها ياء مشددة - ابن مصعب التميمي الدارمي أبو السري الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (قالا حَدَّثَنَا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي الكوفي، ثقة، من (7) روى عنه في (12) بابا (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (19) بابا (ح وحدثنا زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (وعثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (واللفظ (الآتي (لزهير قال إسحاق أخبرنا وقال الآخران) يعني زهيرًا وعثمان (حَدَّثَنَا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (عن منصور) بن المعتمر (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي، ثقة، من (2) (عن عبد الله) بن مسعود الهذلي. وهذه الأسانيد من خماسياته (قال) ابن مسعود (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنتم) أيها المؤمنون أي إذا صرتم (ثلاثة) أنفار (فلا يتناجى) من باب تلاقى أي لا يتحدث (اثنان) منهم سرًّا (دون الآخر) أي دون الثالث منهم (حتَّى تختلطوا) وتجتمعوا (بالناس) أي مع الناس الآخرين ولو رابعًا فإنه يتحدث مع الثالث وعلل النفي بمعنى النهي بقوله (من أجل) مخافة (أن يحزنه) تناجيكما أي من أجل مخافة أن يوقع الحزن في قلب الآخر تناجيكما دونه فبين غاية المنع وهو أن يجد الثالث من يتحدث معه كما فعل ابن عمر وذلك أنَّه كان يتحدث مع رجل فجاء آخر يريد أن يناجيه فلم يناجه حتَّى دعا رابعًا فقال له وللأول تأخرا وناجى الرجل الطالب منه للمناجاة معه كما مر البحث عن هذه الغاية قريبًا بما لا مزيد له في حديث ابن عمر. والتناجي وكذا المناجاة المسارة وانتجى القوم وتناجوا أي سار بعضهم بعضًا. قوله (من أجل أن يحزنه) قال أهل اللغة: يقال حزنه وأحزنه وقرئ بهما في السبع وفي هذه الأحاديث النهي عن تناجي اثنين بحضرة ثالث، وكذا ثلاثة وأكثر بحضرة واحد وهو نهي تحريم كذا في النووي.
5556 -
(00)(00) وحدَّثنا يَحْيَى بن يَحْيَى وَأبُو بَكرِ بن أَبِي شَيبَةَ وَابْنُ نُمَيرٍ وَأَبُو كُرَيبٍ - وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى - (قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا)، أَبُو مُعَاويةَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةَ فَلَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ صَاحِبِهِمَا. فَإِن ذلِكَ يُخزِنُهُ".
5557 -
(00)(00) وحدَّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بن يُونُسَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ
ــ
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الاستئذان باب إذا أكلوا أكثر من ثلاثة فلا بأس بالمسارة والمناجاة [6290]، وأبو داود في الأدب باب في التناجي [4851]، والترمذي في الأدب [2827]، وابن ماجة في الأدب [3820].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال:
5556 -
(00)(00)(وحدثنا يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة و) محمد بن عبد الله (بن نمير وأبو كريب) محمد بن العلاء (واللفظ ليحيى قال يحيى أخبرنا وقال الآخرون حَدَّثَنَا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير (عن الأعمش عن شقيق) بن سلمة (عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة الأعمش لمنصور (قال) عبد الله (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون صاحبهما فإن ذلك) أي تناجيهما دونه (يحزنه) أي يوقع في قلبه الحزن والهم وذلك إيذاء له هايذاء المسلم حرام فالنهي للتحريم، وحاصل الحكم أن التناجي إنما يمتنع إذا بقي في المجلس رجل منفردًا عن المتناجين أما إذا كان معه رجل آخر فلا بأس بتناجي الباقين لأنه يمكن له أن يستأنس بصاحبه وظاهر إطلاق الحديث أنَّه لا فرق في ذلك بين الحضر والسفر وهو قول الجمهور، وقد تقدم بيان اختلاف العلماء في ذلك في بحث حديث ابن عمر رضي الله عنهما نقلًا عن القرطبي.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال:
5557 -
(00)(00)(وحدثناه إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي (ح وحدثنا) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، كِلَاهُمَا عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ
ــ
(حَدَّثَنَا سفيان) بن عيينة (كلاهما) أي كل من عيسى وسفيان رويا (عن الأعمش بهذا الإسناد) يعني عن شقيق عن عبد الله، غرضه بيان متابعتهما لأبي معاوية.
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث ثلاثة: الأول حديث أسماء رضي الله تعالى عنها ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث حديث ابن مسعود ذكره للاستشهاد به لحديث ابن عمر رضي الله عنهما وذكر فيه متابعتين.
* * *