الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
674 - (18) باب من رأى فرجة في الحلقة جلس فيها وإلا جلس خلفهم وتحريم إقامة الإنسان من موضعه المباح الذي سبق إليه وإذا قام من مجلسه ثم عاد إليه فهو أحق به ومنع المخنث عن الدخول على النساء الأجانب
5540 -
(2138)(192) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، فِيمَا قُرِئَ عَلَيهِ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ؛ أَنَّ أَبَا مُرَّةَ، مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيثِيِّ؛ أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَينَمَا هُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ وَالنَّاسُ مَعَهُ. إِذْ أَقْبَلَ نَفَرٌ ثَلاثَةٌ. فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَذَهَبَ وَاحِدٌ. قَال: فَوَقَفَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ
ــ
674 -
(18) باب من رأى فرجة في الحلقة جلس فيها وإلا جلس خلفهم وتحريم إقامة الإنسان من موضعه المباح الذي سبق إليه وإذا قام من مجلسه ثم عاد إليه فهو أحق به ومنع المخنث عن الدخول على النساء الأجانب
5540 -
(2138)(192)(حدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس فيما قرئ عليه عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أن أبا مرة) يزيد الهاشمي مولاهم (مولى عقيل بن أبي طالب) ويقال مولى أم هانئ بنت أبي طالب الحجازي المدني مشهور بكنيته، ثقة، من (3) روى عنه في (3) أبواب تقريبًا (أخبره) أي أخبر أبو مرة لإسحاق بن عبد الله (عن أبي واقد الليثي) اسمه الحارث بن مالك المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في المسجد) النبوي (والناس) جالسون (معه) صلى الله عليه وسلم متحلقين حوله (إذ أقبل) وجاء (نفر ثلاثة) لم أر من ذكر أسماء هؤلاء الثلاثة، وفيه دلالة على أن أقل ما يطلق عليه نفر ثلاثة، إذ لا يقال نفر اثنان ولا نفر واحد اهـ من المفهم. والمعنى أي أقبلوا أولًا من الطريق فدخلوا المسجد مارين به (فأقبل) أي جاء (اثنان) منهم (إلى) مجلس (رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب واحد) ولم يلتفت إلى مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال) أبو واقد الليثي رضي الله عنه (فوقفا) أي فوقف الاثنان (على) مجلس (رسول الله
صلى الله عليه وسلم. فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَرَأَى فُرْجَةً فِي الْحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيهَا. وَأَمَّا الآخَرُ فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ. وَأَمَّا الثَّالِثُ فَأَدْبَرَ ذَاهِبًا. فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال "أَلا أُخْبِرُكُمْ عَنِ النَّفَرِ الثَّلاثَةِ؟ أَمَّا أَحَدُهُمْ فَأَوَى إِلَى اللَّهِ فَآوَاهُ اللَّهُ
ــ
صلى الله عليه وسلم فأما أحدهما) أي أحد الاثنين (فرأى) أي فوجد (فرجة) أي خللًا ومحلًا فاضيًا (في الحلقة) أي في صف الدور (فجلس فيها) أي في تلك الفرجة، والفرجة بضم الفاء وفتحها مع سكون الراء الخلل بين الشيئين ويقال لها أيضًا فرج ومنه قوله:{وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} جمع فرج بسكون الراء مع فتح الراء، وأما الفرجة بمعنى الراحة من الغم فذكر الأزهري فيها فتح الفاء وضمها وكسرها وقد فرج له في الحلقة والصف ونحوهما بتخفيف الراء يفرج بضمها اهـ نووي. قوله (في الحلقة) قال القسطلاني: هي بإسكان اللام لا بفتحها على المشهور وحكي فتحها وهو نادر، قال العسكري: هي كل مستدير خالي الوسط والجمع حلق بفتح الحاء واللام اهـ. وفيه استحباب التحليق في مجالس الذكر والعلم، وفيه أن من سبق إلى موضع كان أحق به (وأما الآخر) من الاثنين (فجلس خلفهم) أي خلف أهل الحلقة ووراءهم (وأما الثالث) من النفر الثلاثة (فأدبر) أي ولى عن مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم حالة كونه (ذاهبًا) أي خارجًا عن المسجد (فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم مما كان مشغولًا به، قال الحاضرون: أخبرنا عن شأن هؤلاء النفر يا رسول الله فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ألا) أي انتبهوا واستمعوا مني خبر هؤلاء الثلاثة (أخبركم عن) شأن (النفر الثلاثة أما أحدهم) أي أحد الثلاثة (فأوى إلى الله) أي لجأ وانضم إلى مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم (فآواه الله) أي جازاه بنظير فعله بأن ضمه إلى رحمته ورضوانه وإيواء الله لعبده صفة ثابتة له تعالى نثبتها ونعتقدها ولا نكيفها ولا نمثلها أثرها الرضا عنه والإحسان إليه، قال القرطبي: الرواية الصحيحة بقصر الأول وهو ثلاثي غير متعد ومد الثاني وهو رباعي متعد وهو قول الأصمعي وهي لغة القرآن قال الله تعالى: {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ} أي انضموا إلى الكهف ونزلوا فيه، وقال في الثاني:{أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى} أي فضمك إليه، وقال أبو زيد: آويته أنا إيواء وأويته إذا أنزلته بك فعلت وأفعلت بمعنى اهـ من المفهم.
وفيه استحباب الأدب في مجالس الذكر والعلم وفضل سد خلل الحلقة كما ورد الترغيب في سد خلل الصفوف في الصلاة وجواز التخطي لسد الخلل ما لم يؤذ فإن
وَأَمَّا الآخَرُ فَاسْتَحْيَا، فَاسْتَحْيَا اللَّهُ مِنْهُ. وَأَمَّا الآخَرُ فَأَعْرَضَ، فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ"
ــ
خشي الإيذاء استحب الجلوس حيث ينتهي المجلس كما فعل الثاني من الثلاثة، وفيه الثناء على من زاحم في طلب الخير كذا في فتح الباري، قال القرطبي: ومعنى ذلك أن هذا الرجل الأول لما انضم إلى الحلقة ونزل فيها جازاه الله تعالى على ذلك بأن ضمه إلى رحمته وأنزله في جنته وكرامته، والحق ما قلناه أولًا من معنى الإيواء ففيه الحض على مجالسة العلماء ومداخلتهم والكون معهم فإنهم القوم الذين لا يشقى بهم جليسهم، وفيه التحلق لسماع العلم في المسجد حول العالم والحض على سد خلل الحلقة لأن القرب من العالم أرلى لما يحصل من ذلك من حسن الاستماع والحفظ والحال في حلق الذكر كالحال في صفوف الصلاة يتم الصف الأول فالأول (وأما الآخر) من الاثنين (فاستحيا) أي استحيا من مزاحمة الناس قاله القاضي عياض (فاستحيا الله منه) أي جازاه على استحيائه بأن رحمه ولم يعاقبه، وفي استعمال لفظ الاستحياء مشاكلة والحق أن استحياء الله لعبده صفة ثابتة له نعتقدها ونثبتها ولا نكيفها ولا نمثلها أثرها الصفح والعفو عما وقع منه والإحسان إليه مع ما وقع منه، قال القرطبي: كأن هذا الثاني كان متمكنًا من المزاحمة إذ لو شرع فيها لفسح له لأن التفسح في المجلس مأمور به مندوب إليه لكن منعه من ذلك الحياء فجلس خلف الصف الأول ففاتته فضيلة التقدم لكنه جازاه الله على إصغائه للعلم واستحيائه بأن لا يعذبه وبأن يكرمه (وأما الآخر) يعني الثالث المدبر ذاهبًا (فأعرض) عن مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير عذر أو استكبارًا من أن يجلس وراء الناس (فأعرض الله عنه) أي سخط عليه، وفي التعبير بالإعراض مشاكلة أيضًا، والحق أن إعراض الله عن عبده صفة ثابتة له نثبتها ونعتقدها ولا نكيفها ولا نمثلها أثرها السخط والتعذيب، قال الحافظ: ويمكن أن يكون هذا الثالث من المنافقين، وفيه جواز الإخبار عن أهل المعاصي وأحوالهم للزجر عنها وأن ذلك لا يعد من الغيبة كذا في فتح الباري [1/ 157].
وقال القرطبي: إن كان هذا المعرض منافقًا فإعراض الله عنه تعذيبه في نار جهنم وتخليده فيها في الدرك الأسفل وإن كان مسلمًا وإنما انصرف من الحلقة لعارض عرض له فآثره فإعراض الله تعالى عنه منع ثوابه عنه وحرمانه مجالسة النبي صلى الله عليه وسلم والاستفادة منه والخير الذي حصل لصاحبيه والله سبحانه وتعالى أعلم بمعنى كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
5541 -
(00)(00) وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُنْذِرِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ. حَدَّثَنَا حَرْبٌ (وَهُوَ ابْنُ شَدَّادٍ). ح وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ. أَخْبَرَنَا حَبَّانُ، حَدَّثَنَا أَبَانٌ. قَالا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ، أَبِي كَثِيرٍ؛ أَنَّ إِسْحَاقَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ حَدَّثَهُ فِي هَذَا الإِسْنَادِ، بِمِثْلِهِ فِي الْمَعْنَى.
5542 -
(2139)(193) وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنِي
ــ
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 219]، والبخاري في العلم [66] والجلوس في المسجد [474]، والترمذي [2724].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه فقال:
5541 -
(00)(00)(وحدثنا أحمد بن المنذر) بن الجارود البصري أبو بكر القزاز، صدوق، من (11) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا عبد الصمد) بن عبد الوارث بن سعيد العنبري البصري، صدوق، من (9) روى عنه في (16) بابا (حدثنا حرب وهو ابن شداد) اليشكري البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (3) أبواب (ح وحدثني إسحاق بن منصور) بن بهرام الكوسج التميمي النيسابوري، ثقة، من (11) روى عنه في (17) بابا (أخبرنا حبان) بفتح المهملة وتشديد الموحدة ابن هلال الباهلي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا أبان) بن يزيد العطار البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (7) أبواب كلاهما (قالا جميعًا) أي قال كل من حرب وأبان (حدثنا يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي اليمامي، ثقة، من (5) روى عنه في (16) بابا (أن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة حدثه) أي حدث ليحيى (في هذا الإسناد) يعني عن أبي مرة عن أبي واقد (بمثله) أي بمثل ما روى مالك عن إسحاق أي بمماثله (في المعنى) دون اللفظ، غرضه بيان متابعة يحيى بن أبي كثير لمالك بن أنس والله أعلم.
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث ابنه عمر رضي الله عنهما فقال:
5542 -
(2139)(193)(وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث) بن سعد (ح وحدثني
مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال:"لَا يُقِيمَنَّ أَحَدُكُمُ الرَّجُلَ مِنْ مَجْلِسِهِ، ثُمَّ يَجْلِسُ فِيهِ"
ــ
محمد بن رمح بن المهاجر) التجيبي (أخبرنا الليث عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما. وهذان السندان من رباعياته (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يقيمن أحدكم الرجل من مجلسه) المباح (ثم يجلس) ذلك الأحد (فيه) أي في مجلس ذلك الرجل الذي أقامه، هذا النهي للتحريم فمن سيق إلى موضع مباح في المسجد أو غيره يوم الجمعة أو غيره لصلاة أو غيرها فهو أحق به ويحرم على غيره إقامته لهذا الحديث إلا أن أصحابنا استثنوا منه ما إذا ألف من المسجد موضعًا يفتي فيه أو يقرأ قرآنًا أو غيره من العلوم الشرعية فهو أحق به وإذا حضر لم يكن لغيره أن يقعد فيه اهـ نووي، وفي الأبي: وقيل النهي فيه للكراهة لأنه غير مملوك له قبل الجلوس فكذلك بعده اهـ.
وقال القرطبي: نهيه صلى الله عليه وسلم عن أن يقام الرجل من مجلسه إنما كان ذلك لأجل أن السابق لمجلس قد اختص به إلى أن يقوم باختياره عند فراغ غرضه فكأنه قد ملك منفعة ما اختص به من ذلك فلا يجوز أن يحال بينه وبين ما يملكه وعلى هذا فيكون النهي على ظاهره من التحريم وقيل هو على الكراهة والأول أولى ويستوي في هذا المعنى أن يجلس فيه بعد إقامته أو لا يجلس غير أن هذا الحديث خرج على أغلب ما يفعل من ذلك فإن الإنسان في الغالب إنما يقيم الآخر من مجلسه ليجلس فيه وكذلك يستوي فيه يوم الجمعة وغيره من الأيام التي يجتمع فيها الناس لكن جرى ذكر يوم الجمعة في هذا الحديث لأنه اليوم الذي يجتمع فيه الناس ويتنافسون فيه في المواضع القريبة من الإمام وعلى هذا فيلحق بذلك ما في معناه، ولذلك قال ابن جريج في يوم الجمعة وفي غيره اهـ من المفهم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 89]، والبخاري في الاستئذان برقم [6269] وفي الجمعة برقم [911]، وأبو داود [4828]، والترمذي [2749].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال:
5543 -
(00)(00) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيرٍ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنَا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى، (وَهْوَ الْقَطَّانُ). ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، (يَعْنِي الثَّقَفِيَّ) ، كُلُّهُمْ عَنْ عُبَيدِ اللَّهِ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ (وَاللَّفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ وَأَبُو أُسَامَةَ وَابْنُ نُمَيرٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال:"لَا يُقِيمُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ مِنْ مَقْعَدِهِ ثُمَّ يَجْلِسُ فِيهِ. وَلَكِنْ تَفَسَّحُوا وَتَوَسَّعُوا"
ــ
5543 -
(00)(00)(حدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا عبد الله بن نمير ح وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير حدثنا أبي ح وحدثنا زهير بن حرب حدثنا يحيى) بن سعيد (وهو القطان ح وحدثنا ابن المثنى حدثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد (يعني الثقفي كلهم) أي كل من عبد الله بن نمير ويحيى القطان وعبد الوهاب الثقفي رووا (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم العمري (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة واللفظ له حدثنا محمد بن بشر) العبدي الكوفي (وأبو أسامة) حماد بن أسامة (و) عبد الله (بن نمير قالوا) أي قال كل من هؤلاء الثلاثة محمد بن بشر وأبي أسامة وابن نمير (حدثنا عبيد الله) ابن عمر (عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة عبيد الله لليث بن سعد في الرواية عن نافع (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (لا يقيم الرجل الرجل من مقعده) المباح (ثم يجلس) الرجل الأول (فيه) أي في مقعد الرجل الثاني بالرفع في الفعلين فتكون الجملتان خبرًا بمعنى النهي (ولكن تفسحوا وتوسعوا) أي ولكن فليقل أيها الجالسون بعضكم لبعض تفسحوا للقائم فوقكم وتوسعوا له بالفعل فيكون التفسح بالقول والتوسع بالفعل أو هما بمعنى، ذكر الثاني تأكيدًا للأول بمرادفه.
قال القرطبي: قوله (تفسحوا وتوسعوا) هذا أمر للجالسين بما يفعلون مع الداخل وذلك أنه لما نهى عن أن يقيم أحدًا من موضعه تعين على الجالسين أن يوسعوا له ولا يتركوه قائمًا فإن ذلك يؤذيه وربما يخجله وعلى هذا فمن وجد من الجالسين سعة تعين عليه أن يوسع له، وظاهر ذلك أنه على الوجوب تمسكًا بظاهر الأمر وكان القائم يتأذى بذلك وهو مسلم وأذى المسلم حرام، ويحتمل أن يقال إن هذه آداب حسنة ومن مكارم
5544 -
(00)(00) وَحَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ وَأَبُو كَامِلٍ. قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ. حَدَّثَنَا أَيُّوبُ ح وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ. حَدَّثَنَا رَوْحٌ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيكٍ. أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ، (يَعْنِي ابْنَ عُثْمَانَ) ، كُلُّهُمْ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِ حَدِيثِ اللَّيثِ. وَلَمْ يَذْكُرُوا فِي الْحَدِيثِ" وَلَكِنْ تَفَسَّحُوا وَتَوَسَّعُوا". وَزَادَ فِي حَدِيثِ ابْنِ جُرَيجٍ. قُلْتُ:
ــ
الأخلاق فيحمل على الندب. وقد اختلف العلماء في قوله تعالى: {إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ} فقيل هو مجلس النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يزدحمون فيه تنافسًا في القرب من النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل هو مجلس الصف في القتال، وقيل هو عام في كل مجلس اجتمع فيه المسلمون للخير والأجر وهذا هو الأولى إذ الألف واللام في المجلس للجنس على ما حررناه في الأصول اهـ من المفهم.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال:
5544 -
(00)(00)(وحدثنا أبو الربيع) الزهراني سليمان بن داود البصري (وأبو كامل) الجحدري فضيل بن حسين البصري (قالا حدثنا حماد) بن زيد بن درهم الأزدي البصري، ثقة، من (8)(حدثنا أيوب) السختياني (ح وحدثني يحيى بن حبيب) بن عربي الحارثي البصري (حدثنا روح) بن عبادة بن العلاء القيسي البصري، ثقة، من (9)(ح وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني كلاهما) أي كل من روح وعبد الرزاق رويا (عن ابن جريج ح وحدثني ابن رافع حدثنا ابن أبي فديك) محمد بن إسماعيل بن مسلم بن أبي فديك مصغرًا يسار الديلي المدني، صدوق، من (8)(أخبرنا الضحاك يعني ابن عثمان) بن عبد الله بن حزام الحزامي المدني، صدوق، من (7)(كلهم) أي كل من أيوب وابن جريج والضحاك بن عثمان رووا (عن نافع عن ابن عمر بمثل حديث الليث عن نافع) غرضه بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لليث بن سعد (ولم يذكروا) أي لم يذكر هؤلاء الثلاثة (في الحديث) لفظة (ولكن تفسحوا وتوسعوا) كما لم يذكره ليث (وزاد) ابن رافع (في حديث ابن جريج قلت) لابن
فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ؟ قَال: فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَغَيرِهَا.
5545 -
(00)(00) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال:"لَا يُقِيمَنَّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ ثُمَّ يَجْلِسُ فِي مَجْلِسِهِ". وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ، إِذَا قَامَ لَهُ رَجُلٌ عَنْ مَجْلِسِهِ، لَمْ يَجْلِسْ فِيهِ
ــ
جريج ذلك (في يوم الجمعة قال) ابن جريج ذلك (في يوم الجمعة و) كذا في (غيرها) من مجامع المسلمين.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال:
5545 -
(00)(00)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي أبو محمد البصري، ثقة، من (8)(عن معمر عن الزهري عن سالم) ابن عبد الله بن عمر (عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة سالم لنافع (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يقيمن أحدكم أخاه) المسلم (ثم) هو (يجلس في مجلسه. وكان ابن عمر) في عادته (إذا قام) إكرامًا (له) أي لابن عمر (رجل) من المسلمين (عن مجلسه) أي عن موضع جلوس ذلك الرجل ليجلس فيه ابن عمر (لم يجلس) ابن عمر (فيه) أي في ذلك المجلس الذي قام عنه الرجل لإكرامه، قال النووي: هذا منه رضي الله عنه ورع منه وليس قعوده فيه حرامًا إذا قام له برضاه لكنه تورع عنه لوجهين؛ أحدهما: أنه ربما استحيى منه إنسان فقام له من مجلسه من غير طيب قلبه فسد ابن عمر الباب ليسلم من هذا. والثاني: أن الإيثار بالقرب مكروه أو خلاف الأولى فكان ابن عمر يمتنع من ذلك لئلا يرتكب أحد بسببه مكروهًا أو خلاف الأولى بأن يتأخر عن موضعه من الصف الأول ويؤثره به وشبه ذلك، قال أصحابنا: وإنما يحمد الإيثار بحظوظ النفس وأمور الدنيا دون القرب والله تعالى أعلم اهـ نووي.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال:
5546 -
(00)(00) وَحَدَّثَنَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
5547 -
(2140)(194) وَحَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ. حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ، (وَهُوَ ابْنُ عُبَيدِ اللَّهِ) ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال:"لَا يُقِيمَنَّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. ثُمَّ لْيُخَالِفْ إِلَى مَقْعَدِهِ فَيَقْعُدَ فِيهِ. وَلَكِنْ يَقُولُ: افْسَحُوا"
ــ
5546 -
(00)(00)(وحدثناه عبد بن حميد) الكسي (أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر بهذا الإسناد) يعني عن الزهري عن سالم عن ابن عمر، وساق عبد الرزاق (مثله) أي مثل ما روى عبد الأعلى عن معمر، غرضه بيان متابعة عبد الرزاق لعبد الأعلى.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث جابر رضي الله عنهم فقال:
5547 -
(2140)(194)(وحدثنا سلمة بن شبيب) المسمعي النيسابوري، ثقة، من (11) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا الحسن) بن محمد (بن أعين) مولى بني مروان أبو علي الحراني نسبة إلى جده لشهرته به، صدوق، من (9) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا معقل وهو ابن عبيد الله) العبسي أبو عبد الله الحراني، صدوق، من (8) روى عنه في (8) أبواب (عن أبي الزبير) المكي محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي (عن جابر) بن عبد الله رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة) وكذا في غيره من مجامع المسلمين كيوم العيد وإنما خص يوم الجمعة بالذكر لكثرة وقوع مثل ذلك فيه، وإلا فالحكم عام كما صرح به نافع في الرواية السابقة (ثم ليخالف) أي ثم بعد إقامته يعاقب عنه ويبادر (إلى) الجلوس في (مقعده فيقعد فيه ولكن يقول) القادم للجالسين (افسحوا) لي فسح الله لكم في رحمته.
وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى ولكن شاركه فيه أحمد [3/ 295].
ثم إن النهي عن الجلوس في مجلس الغير إنما هو للقادم أما الجالس قبله فيستحب له أن يؤثر بمجلسه من كان أكبر منه سنًّا أو أكثر منه علمًا أو أفضل منه من ناحية أخرى والله سبحانه أعلم.
5548 -
(2141)(195) وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ. وَقَال قُتَيبَةُ أَيضًا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، (يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ) ، كِلاهُمَا عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال:"إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ". وَفِي حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ: "مَنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيهِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ"
ــ
وقال السرخسي في شرح السير الكبير: وكذا كل ما يكون المسلمون فيه سواء كالنزول في الرباطات والجلوس في المساجد للصلاة والنزول بمنى أو بعرفات أو بمزدلفة للجمع حتى لو ضرب فسطاطه في مكان كان ينزل فيه غيره فهو أحق به وليس للآخر أن يحوّله فإن أخذ موضعًا فوق ما يحتاجه فللغير أن يأخذ الزائد منه فلو طلب ذلك منه رجلان فأراد إعطاء أحدهما دون الآخر فله ذلك، ولو نزل فيه أحدهما فأراد الذي أخذه أولًا وهو غني عنه أن ينزل فيه آخر فلا لأنه اعترض على يده يدًا أخرى محقة لاحتياجها إلا إذا قال إنما كنت أخذته لهذا الآخر بأمره لا لنفسي فإذا حلف على ذلك له إخراجه حكاه ابن عابدين في رد المحتار [1/ 662] قبيل باب الوتر والنوافل، ثم نقل عن الخبير الرملي: ومثل المسجد مقاعد الأسواق التي يتخذها المحترفون من سبق لها فهو الأحق بها وليس لمتخذها أن يزعجه إذ لا حق له فيها ما دام فيها فإذا قام عنها استوى هو وغيره فيها ومذهب الشافعية بخلافه اهـ من التكملة.
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
5548 -
(2141)(195)(وحدثنا قتيبة بن سعيد أخبرنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي (وقال قتيبة أيضًا) أي كما حدث عن أبي عوانة (حدثنا عبد العزيز يعني ابن محمد) الدراوردي المدني (كلاهما) أي كل من أبي عوانة والدراوردي رويا (عن سهيل) بن أبي صالح السمان (عن أبيه) أبي صالح السمان ذكوان الزيات (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا قام أحدكم- وفي حديث أبي عوانة-) وروايته (من قام من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به) أي بمجلسه، قال النووي: قال أصحابنا هذا الحديث فيمن جلس في موضع من المسجد أو غيره لصلاة مثلًا ثم فارقه ليعود بأن فارقه ليتوضأ أو يقضي شغلًا
5549 -
(2142)(196) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ، وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ
ــ
يسيرًا ثم يعود لم يبطل اختصاصه بل إذا رجع فهو أحق به في تلك الصلاة فإن كان قد قعد فيه غيره فله أن يقيمه وعلى القاعد أن يفارقه لهذا الحديث هذا هو الصحيح عند أصحابنا وأنه يجب على من قعد فيه مفارقته إذا رجع الأول، قال أصحابنا: ولا فرق بين أن يقوم منه ويترك فيه سجادة ونحوها أم لا فهو أحق به في الحالين، قال أصحابنا وإنما يكون أحق في تلك الصلاة وحدها دون غيرها.
قال ابن عابدين في رد المحتار [1/ 662] وينبغي تقييده أي كون كل موضع من المسجد مباحًا لكل أحد بما إذا لم يقم منه على نية العود بلا مهلة كما لو قام للوضوء مثلًا ولا سيما إذا وضع فيه ثوبه لتحقق سبق يده.
وهذا كله إذا لم يطل غيابه عن ذلك الموضع فلا يدخل فيه ما يفعله بعض الناس من ترك سجادتهم بعد صلاة المغرب ليحجزوا مكانهم لصلاة العشاء فإن الحديث إنما يتعلق بمن قام من مجلسه ليعود بعد قليل في تلك الصلاة والله أعلم.
وقد اختلف العلماء فيمن ترتب من العلماء والقراء بموضع من المسجد للفتيا أو للتدريس فحكي عن مالك أنه أحق به إذا عرف به، والذي عليه الجمهور أن هذا استحسان وليس بواجب ولعله مراد مالك وكذلك قالوا فيمن قعد من الباعة جمع بائع في موضع من أفنية الطرق وأفضية البلاد غير المتملكة فهو أحق به ما دام جالسًا فيه فإن قام منه ونيته الرجوع إليه من غده فقيل هو أحق به حتى يتم غرضه حكاه الماوردي عن مالك قطعًا للتنازع، وقيل هو وغيره سواء والسابق إليه بعد ذلك أحق به اهـ من المفهم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 283] وأبو داود [4853] وابن ماجه [3717].
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الرابع من الترجمة بحديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها فقال:
5549 -
(2142)(196)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب) محمد بن العلاء (قالا حدثنا وكيع ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا جرير) بن عبد الحميد
ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويَةَ. كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ أَيضًا. (وَاللَّفْظُ هَذَا) ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَينَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ؛ أَنَّ مُخَنَّثًا كَانَ عِنْدَهَا وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْبَيتِ
ــ
الضبي الكوفي (ح وحدثنا أبو كريب حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير (كلهم) أي كل من وكيع وجرير وأبي معاوية رووا (عن هشام) بن عروة (ح وحدثنا أبو كريب أيضًا) أي كما حدث عن وكيع وأبي معاوية (واللفظ) أي ولفظ حديثه هو (هذا) الآتي وغيره إنما روى معناه (حدثنا) عبد الله (بن نمير حدثنا هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة ابن الزبير (عن زينب بنت أم سلمة) ربيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنها (عن أم سلمة) هند بنت أبي أمية أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذه الأسانيد كلها من سداسياته، ومن لطائفها أن فيها رواية صحابية عن صحابية ورواية بنت عن والدتها (أن مخنثًا) من المخنثين (كان عندها) أي عند أم سلمة (ورسول الله صلى الله عليه وسلم في البيت) أي في بيت أم سلمة.
والمخنث بكسر النون المشددة وفتحها من يشبه خلقه خلق النساء في حركاته وكلامه وغير ذلك فإن كان في أصل الخلقة لم يكن عليه لوم وعليه أن يتكلف إزالة ذلك وإن كان بقصد منه وتكلف له فهو المذموم ويطلق عليه اسم المخنث سواء فعل الفاحشة أو لم يفعل، قال ابن حبيب: المخنث هو المؤنث من الرجال وإن لم تعرف منه الفاحشة مأخوذ من التخنث وهو التكسر في المشي وغيره كذا في فتح الباري [9/ 334 و 335] وقال القرطبي: المخنث هو الذي يلين في قوله ويتكسر في مشيته ويتثنى فيها كالنساء من التخنث وهو اللين والتكسر وقد يكون خلقة وقد يكون تصنعًا من الفسقة ومن كان ذلك فيه خلقة فالغالب من حاله أنه لا أرب له في النساء ولذلك كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يعددن هذا المخنث من غير أولي الإربة فكانوا لا يحجبونه إلى أن ظهر منه ما ظهر فحجبوه، واختلف في اسم هذا المخنث الذي كان عند أم سلمة، والأشهر أن اسمه هيت بياء ساكنة بعد الهاء مثناة من تحتها آخره مثناة فوقية، وقيل صوابه هنب بنون وباء موحدة أخيرًا والهنب الرجل الأحمق قاله ابن درستويه (اسمه عبد الله بن جعفر بن محمد بن درستويه من علماء اللغة) والأول هو الأصح وجمع بينهما أبو موسى المديني بأن
فَقَال لأَخِي أُمِّ سَلَمَةَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ، إِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيكُمُ الطَّائِفَ غَدًا، فَإِنِّي أَدُلُّكَ عَلَى بِنْتِ غَيلانَ. فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ. قَال: فَسَمِعَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَال:
ــ
أحدهما اسم له والآخر لقب، وقيل اسم هذا المخنث هو مائع بمثناة فوقية مولى أبي فاختة المخزومية، قيل وكان هو وهيت يدخلان في بيوت النبي صلى الله عليه وسلم فلما وقعت هذه القصة الآتية غربهما النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة فورد في بعضها أنه صلى الله عليه وسلم أجلاه إلى الحمى موضع رعي إبل الصدقة، وفي بعضها إلى حمراء الأسد، وفي بعضها إلى خاخ والله أعلم اهـ من المفهم.
وقال أهل اللغة: المخنث بكسر النون وفتحها هو الذي يشبه النساء في أخلاقه وكلامه وحركاته وسكناته وتارة يكون هذا خلقة من الأصل وتارة بتكلف الثاني هو الذي يتكلف أخلاق النساء وحركاتهن وهيئاتهن وكلامهن وهو المذموم الذي جاء في الأحاديث الصحيحة لعنه وهو بمعنى الحديث الآخر "لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين بالنساء من الرجال" بخلاف الأول وهو معذور لا إثم ولا عتب عليه لأنه لا صنع له في ذلك ولهذا أقر النبي صلى الله عليه وسلم أولًا دخوله على النساء ولما ظهر أنه يعرف النساء أنكر دخوله عليهن كذا في النووي (فقال) ذلك المخنث (لأخي أم سلمة) أي لأخيها من أبيها وأمه عاتكة بنت عبد المطلب بن هاشم، وكان قبل إسلامه شديدًا على المسلمين مخالفًا مبغضًا لهم وهو الذي قال:{لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا} الآية، وكان شديد العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إنه خرج مهاجرًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلقيه بالطريق بين السقيا والعرج وهو يريد مكة عام الفتح فتلقاه فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة بعد مرة فدخل على أخته أم سلمة وسألها أن تشفع فشفعت له فشفعها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه وأسلم وحسن إسلامه وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة مسلمًا وشهد حنينًا والطائف ورمي يوم الطائف بسهم فقتله، ومات يومئذ رضي الله عنه كذا في عمدة القاري [9/ 518](يا عبد الله بن أبي أمية إن فتح الله عليكم الطائف غدًا) وسبيتم نساءه (فإني أدلك علي بنت غيلان فإنها) إذا أقبلت إليك بوجهها (تقبل) إليك (بأربع) من طيات البطن (و) إذا أدبرت بظهرها إليك (تدبر بثمان) طيات (قال) الراوي يعني أم سلمة (فسمعه) أي فسمع قول هذا المخنث (رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) لمن عنده
"لَا يَدْخُلْ هَؤُلاءِ عَلَيكُمْ"
ــ
من المؤمنين (لا يدخل هولاء) المخنثون (عليكم) أي على نسائكم فإنهم من أولي الإربة.
قوله (فقال لأخي أم سلمة) ثم إن هذا الحديث صريح في أن المخنث إنما قال هذه الكلمة لعبد الله بن أبي أمية، وأخرج المستغفري عن محمد بن المنكدر مرسلًا أنه قال ذلك لعبد الرحمن بن أبي بكر أخي عائشة وجمع بينهما الحافظ في الفتح بأنه قال ذلك لكل واحد منهما.
قوله (فإني أدلك علي بنت غيلان) اسمها بادية بنت غيلان بالياء وقيل بادنة بالنون والأول أصح، وأبوها غيلان بن سلمة وهو الذي أسلم وتحته عشر نسوة فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يختار منهن أربعًا، وكان من رؤساء ثقيف وعاش إلى أواخر خلافة عمر، وبادية بنته هي التي تزوجها عبد الرحمن بن عوف فقد ورد أنها استحيضت وسألت النبي صلى الله عليه وسلم في المستحاضة.
قوله (فإنها تقبل بأربع) عكن في بطنها (وتدبر بثمان) أطراف من العكن في جانبي البطن على كل جانب أربعة فتصير ثمانية في خاصرتيها أربعة على الخاصرة اليمنى وأربعة على الخاصرة اليسرى، وحاصله أنه وصفها بأنها مملوءة البدن بحيث يظهر لبطنها أربع عكن ولخاصرتيها ثمان وذلك لا يكون إلا للسمينة من النساء، وكانت العرب ترغب في من تكون بتلك الصفة، والعكن جمع عكنة وهي الطي الذي يكون في جانبي البطن من السمن، وفي تعليق محمد ذهني: والعكنة ما انطوت وتثنى من لحم البطن سمنًا والمراد أن أطراف العكن الأربع التي في بطنها تظهر ثمانية في جنبيها، قال الزركشي وغيره: وقال بثمان ولم يقل بثمانية والأطراف مذكرة لأنه لم يذكرها كما يقال هذا الثوب سبع في ثمان أي سبعة أذرع في ثمانية أشبار فلما لم يذكر الأشبار أنث لتأنيث الأذرع التي قبلها اهـ.
وقوله (لا يدخل هؤلاء عليكم) وسيأتي وجه هذا النهي في الرواية الآتية في كلام النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال "ألا أرى هذا يعرف ما هاهنا" وحاصله أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أذن له في الدخول على النساء لما كان يظن به من أنه من غير أولي الإربة فلما عرف بكلامه هذا أنه يعرف محاسن النساء ويصفها للأجانب حرم دخوله عليهن.
5550 -
(2143)(197) وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُخَنَّثٌ. فَكَانُوا يَعُدُّونَهُ مِنْ غَيرِ أُولِي الإِرْبَةِ. قَال: فَدَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا وَهُوَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ. وَهُوَ يَنْعَتُ امْرَأَةً. قَال: إِذَا أَقْبَلَتْ أَقْبَلَتْ بِأَرْبَعٍ. وَإِذَا أَدْبَرَتْ أَدْبَرَتْ بِثَمَانٍ. فَقَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "أَلا أَرَى هَذَا يَعْرِفُ مَا هَا هُنَا. لَا يَدْخُلَنَّ عَلَيكُنَّ" قَالتْ: فَحَجَبُوهُ
ــ
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 290]، والبخاري في مواضع كثيرة منها في اللباس برقم [5882]، وأبو داود [4929]، وابن ماجه في النكاح باب المخنثين [1909] وفي الحدود [2643].
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أم سلمة بحديث عائشة رضي الله عنهما فقال:
5550 -
(2143)(197)(وحدثنا عبد بن حميد) الكسي، ثقة، من (11)(أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته (قالت) عائشة كان يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مخنث) اسمه هيت (فكانوا) أي فكان المؤمنون (يعدونه) أي يحسبونه أنه (من غير أولي الأربة) والحاجة إلى النساء (قال) الراوي وهي عائشة (فدخل النبي صلى الله عليه وسلم يومًا وهو) أي والحال أن ذلك المخنث (عند بعض نسائه) صلى الله عليه وسلم (وهو) أي والحال أن ذلك المخنث (ينعت) أي يصف (امرأة) يعني بنت غيلان لرجل من الحاضرين ويحثه على أخذها إن ظفروا على الطائف (قال) ذلك المخنث للرجل في وصفها له (إذا أقبلت) تلك المرأة وتوجهت إليك بوجهها (أقبلت) أي توجهت إليك (بأربع) عكن (وإذا أدبرت) أي استدبرت عنك بوجهها وجعلت دبرها إليك (أدبرت) أي ولت بدبرها إليك (بثمان) عكن (فقال النبي صلى الله عليه وسلم ألا) أي انتبهوا واسمعوا ما أقول لكم وذلك أني (أرى) وأظن أن (هذا) المخنث (يعرف ما هاهنا) أي ما استقر وثبت في جوانب النساء وعوراتهن من المحاسن فلذلك وصف المرأة للرجل ثم قال يا معشر النساء (لا يدخلن) هذا المخنث (عليكن) بعد اليوم (قالت) عائشة (فحجبوه) أي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فحجب المسلمون ومنعوا ذلك المخنث عن الدخول على النساء بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك اليوم. وزاد يونس في روايته عن الزهري عند أبي داود برقم [4101] وأخرجه فكان بالبيداء يدخل كل جمعة يستطعم.
وقوله (ألا أرى هذا يعرف ما هاهنا) يدل على أنهم كانوا يظنون أنه لا يعرف شيئًا من أحوال النساء ولا يخطرن له بالبال، وسببه أن التخنيث كان فيه خلقة وطبعًا ولم يكن يعرف منه إلا ذلك ولذلك كانوا يعدونه من غير أولي الإربة أي ممن لا حاجة له في النساء، وقد قدمنا أن الإرب والإربة الحاجة فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم وصفه لتلك المرأة علم أنه عنده تشوف للنساء فحجب لذلك ثم بولغ في تنكيله وعقوبته ونفيه لما اطلع عليه من محاسن تلك المرأة وكشف من سترها ولم تكن عقوبته لنفس التخنيث فإن ذلك كان فيه خلقة ولم يكن مكتسبًا له ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها.
وأما من تخانث وتشبه بالنساء فقد أتى كبيرة من أفحش الكبائر لعنه الله عليها ورسوله ولا يقر عليها بل يؤدب بالضرب الوجيع والسجن الطويل والنفي حتى ينزع عن ذلك، ويكفي دليلًا على ذلك ما أخرجه البخاري عن ابن عباس قال:"لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال" رواه البخاري برقم [5885] وقال: (أخرجوهم من بيوتكم) رواه البخاري أيضًا برقم [5886] وأخرج فلانًا وأخرج فلانًا غير أنه لا يقتل لما رواه أبو هريرة " أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي برجل قد خضب يديه ورجليه فقال": ما بال هذا؟ " فقيل يتشبه بالنساء فأمر به فنفي إلى النقيع بالنون فقيل: يا رسول الله ألا نقتله؟ فقال: "إني نهيت عن قتل المصلين" رواه أبو داود برقم [4928] اهـ من المفهم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 152]، وأبو داود [4107 و 4108]، والنسائي في عشرة النساء [365].
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث ستة: الأول حديث أبي واقد الليثي ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه خمس متابعات، والثالث حديث جابر ذكره للاستشهاد به لحديث ابن عمر، والرابع حديث
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة، والخامس حديث أم سلمة ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة، والسادس حديث عائشة ذكره للاستشهاد به لحديث أم سلمة رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
***