المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌676 - (20) باب استحباب تحنيك المولود عند ولادته واستحباب تسميته بعبد الله وجواز تكنية الصغير ومن لم يولد له وجواز قوله لغير ابنه: يا بني واستحبابه للملاطفة - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ٢٢

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌ كتاب الآداب

- ‌675 - (19) باب النهي عن التكني بأبي القاسم وبيان أحب الأسماء إلى اللَّه تعالى، وجواز التسمية بأسماء الأنبياء والصالحين، والنهي عن تسمية الرقيق بنافع مثلًا، واستحباب تغيير الأسماء القبيحة إلى حسن، وتحريم التسمي بملك الأملاك مثلًا

- ‌676 - (20) باب استحباب تحنيك المولود عند ولادته واستحباب تسميته بعبد اللَّه وجواز تكنية الصغير ومن لم يولد له وجواز قوله لغير ابنه: يا بني واستحبابه للملاطفة

- ‌677 - (21) باب الاستئذان وكيفيته وعدده وكراهية قول المستأذن: أنا إذا قيل له: من هذا؟ وتحريم النظر في بيت غيره ونظر الفجأة

- ‌672 - (16) باب تسليم الراكب على الماشي وحق الطريق وحقوق المسلم على المسلم والنهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام وكيفية الرد عليهم واستحباب السلام على الصبيان وجواز جعل الإذن رفع الحجاب

- ‌673 - (17) باب إباحة الخروج للنساء لقضاء حاجة الإنسان وتحريم الخلوة بالأجنبية ودفع ما يوقع في التهم وظن السوء

- ‌674 - (18) باب من رأى فرجة في الحلقة جلس فيها وإلا جلس خلفهم وتحريم إقامة الإنسان من موضعه المباح الذي سبق إليه وإذا قام من مجلسه ثم عاد إليه فهو أحق به ومنع المخنث عن الدخول على النساء الأجانب

- ‌675 - (19) باب امتهان ذات القدر نفسها في خدمة زوجها وفرسه لا يغض من قدرها والنهي عن مناجاة الاثنين دون الثالث بغير رضاه

- ‌676 - (20) باب الطب ورقية جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم والعين حق والسحر حق والسم حق واستحباب رقية المريض

- ‌677 - (21) باب رقية المريض بالمعوذات وترخيصها من العين والنملة والحمة والنظرة ما لم يكن فيها شرك وجواز أخذ الأجرة عليها إذا كانت بالقرآن ونحوه

- ‌678 - (22) باب استحباب وضع اليد على موضع الألم عند الدعاء، والتعوذ من شيطان الصلاة، واستحباب التداوي من كل داء، والتداوي من الحمى، والتداوي باللدود، والتداوي بالعود الهندي، والتداوي بالحبة السوداء

- ‌679 - (23) باب التلبينة والتداوي بالعسل وما جاء في الطاعون

- ‌680 - (24) باب لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر ولا نوء ولا غول ولا يورد ممرض على مصح والفأل والشؤم

- ‌681 - (25) باب النهي عن الكهانة وإتيان أهلها وما جاء في الخط ورمي النجوم للشياطين عند استراق السمع واجتناب المجذوم ونحوه وقتل الحيات ونحوها

- ‌ تفسير ما جاء في أحاديث الحيات من الغريب

- ‌682 - (26) باب الأمر بقتل الوزغ والنهي عن قتل النمل وقتل الهرة وفضل سقي البهائم المحترمة وإطعامها

- ‌683 - (27) باب النهي عن سب الدهر وتسمية العنب كرمًا، وقول: يا عبدي يا أمتي، والنهي عن قول الإنسان: خبثت نفسي، وكون المسك أطيب الطيب، وكراهة رد هدية الطيب والريحان واستعمال البخور

- ‌684 - (28) باب إنشاد الشعر وجواز استماعه إذا لم يكن فيه بأس وتحريم اللعب بالنردشير

- ‌ كتاب الرؤيا

- ‌685 - (20) باب الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثًا والرؤيا الصالحة جزء من أجزاء النبوة وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من رآني في المنام فقد رآني

- ‌686 - (30) باب لا يخبر بتلعب الشيطان، وفي تأويل الرؤيا، وفيما رأى النبي صلى الله عليه وسلم في نومه

الفصل: ‌676 - (20) باب استحباب تحنيك المولود عند ولادته واستحباب تسميته بعبد الله وجواز تكنية الصغير ومن لم يولد له وجواز قوله لغير ابنه: يا بني واستحبابه للملاطفة

‌676 - (20) باب استحباب تحنيك المولود عند ولادته واستحباب تسميته بعبد اللَّه وجواز تكنية الصغير ومن لم يولد له وجواز قوله لغير ابنه: يا بني واستحبابه للملاطفة

5472 -

(2107)(172) حدثنا عَبْدُ الأعلى بْنُ حَمَّادٍ. حَدَّثَنَا حَمَادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَال: ذَهبْتُ بِعَبْدِ الله بْنِ أبِي طَلْحَةَ الأَنْصَاري إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم حِينَ وُلدَ. وَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فِي عَبَاءَةٍ يَهْنأ بَعِيرًا لَهُ. فَقَال: "هل مَعَكَ تَمرٌ؟ " لا فَقُلْتُ: نَعَم

ــ

676 -

(20) باب استحباب تحنيك المولود عند ولادته واستحباب تسميته بعبد اللَّه وجواز تكنية الصغير ومن لم يولد له وجواز قوله لغير ابنه: يا بني واستحبابه للملاطفة

5472 -

(2107)(172)(حدثنا عبد الأعلى بن حماد) بن نصر الباهلي مولاهم أبو يحيى البصري المعروف بالنرسي، نسبة إلى نرس نهر بالكوفة عليه عدة قرى، ثقة، من (10) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (عن ثابت) بن أسلم (البناني) البصري (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته (قال) أنس (ذهبت بـ) أخ في من الأم (عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري) زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بمهملة بن عمرو النجاري المدني مشهور بكنيته رضي الله عنهم (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحنكه (حين ولد) عبد الله فوصلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (ورسول الله) أي والحال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مشتمل (في عباءة) لابس لها متلفف بها، والعباءة بفتح العين وبالمد هي كساء فيه خطوط سود واسعة تجمع على عباءآت حالة كونه صلى الله عليه وسلم (يهنأ) أي يطلي (بعيرًا له) بالهناء لجربه والهناء بكسر الهاء وبالمد هو القطران يقال هنات البعير أهنؤه إذا طليته بالقطران لكونه أجرب أهـ أبي.

وفيه اعتناء الإمام بمعالجة المال وتوليها بنفسه، وفيه مباشرة أعمال المهنة وترك الاستنابة فيها للرغبة في زيادة الأجر ونفي الكبر كذا في الزكاة من فتح الباري [3/ 367](فقال) في رسول الله صلى الله عليه وسلم (هل معك) يا أنس (تمر فقلت) له (نعم) معي

ص: 41

فَنَاوَلتُهُ تَمَرَاتٍ. فَأَلْقَاهُنَّ فِي فِيهِ. فَلاكَهُنَّ. ثُمَّ فَغَرَ فَا الصبِيِّ فَمَجَّهُ فِي فِيهِ. فَجَعَلَ الصبِي يَتَلَمَّظُهُ. فَقَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "حُب الأنصَارِ التمرُ" وَسَمَّاهُ عَبْدَ الله

ــ

تمر، فقال لي:"ناولنيه"(فناولته) صلى الله عليه وسلم (تمرات) ثلاثًا أو ما فوقها لأن أقل الجمع ثلاث (فألقاهن في فيه) أي فألقى النبي صلى الله عليه وسلم تلك التمرات في فمه الشريف (فلاكهن) أي فلاك النبي صلى الله عليه وسلم تلك التمرات ومضغهن من اللوك وهو مضغ الشيء الصلب، والمراد أن النبي صلى الله عليه وسلم مضغ التمرات ليلقيها في فم الصبي وهو التحنيك (ثم فغر فا الصبي) أي فتح النبي صلى الله عليه وسلم فم الصبي (فمجه) أي فمج النبي صلى الله عليه وسلم التمر وطرحه (في فيه) أي في فم الصبي (فجعل الصبي) أي شرع الصبي (يتلمظه) أي يطلب التمر بلسانه في فمه وشفتيه مأخوذ من التملظ وهو تحريك اللسان على أطراف الفم والشفتين تنقية للفم من بقايا الطعام وأكثر ما يفعل ذلك في شيء يستطاب ويقالمالذلك الشيء الباقي في الفم لماظة بضم اللام، ويقال تلمظ يتلمظ تلمظًا من باب تفعل الخماسي، ولمظ يلمظ لمظًا من باب نصر. قال النووي: واتفق العلماء على استحباب تحنيك المولود عند ولادته بتمر فإن تعذر فبما في معناه أو قريب منه من الحلوفيمضغ المحنك التمر حتى تصير مائعة بحيث تبتلع ثم يفتح فم المولود فيضعها فيه ويدلك حنكه بها ليدخل شيء منه جوفه ويسحب أن يكون المحنك من الصالحين وممن يتبرك به رجلًا كان أو امرأة، فإن لم يكن عند المولود حمل إليه اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم فعلم مما ذكر أن التحنيك هنا هو جعل مضغ التمر في حنك الصبي اهـ مفهم (فقال رسول الله صلى الله عليه هوسلم حب الأنصار) بكسر الحاء بمعنى المحبوب وهو مبتدأ خبره (التمر) أي محبوب الأنصار التمر وبضمها مصدر مضاف إلى فاعله، والتمر مفعوله والخبر محذوف والتقدير حب الأنصار التمر واضح معلوم ولذلك يتلمظه هذا المولود (وسماه) أي سمى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الولد (عبد الله) أي جعل اسمه عبد الله وسماه به، قال النووي (حب الأنصار التمر) روي بضم الحاء وكسرها فعلى الكسر بمعنى المحبوب كالذبح بمعنى المذبوح، فعلى هذا فالحب مبتدأ خبره التمر أي محبوب الأنصار التمر وعلى ضم الحاء فهو مصدر وفي إعرابه وجهان النصب وهو الأشهر والرفع والتقدير على نصبه انظروا

ص: 42

5473 -

(00)(00) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هارُونَ. أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: كَانَ ابْن لأبِي طَلْحَةَ يَشْتَكِي. فَخَرَجَ أَبُو طَلْحَةَ. فَقُبِضَ الصَّبِيُّ. فَلَمَّا رَجَعَ أبُو طَلْحَةَ قَال: مَا فَعَلَ ابْنِي؟ قَالتْ أمُّ سُلَيمٍ: هُوَ أسْكَنُ مِمَّا كَانَ. فَقَرَّبَتْ إِلَيهِ الْعَشَاءَ

ــ

حب الأنصار التمر فينصب التمر أيضًا، ومن رفعه قال هو مبتدأ حذف خبره أي حب الأنصار لازم أو هكذا أو عادة من صغرهم.

وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف وقد بعض أطراف هذا الحديث في اللباس والزينة باب جواز وسم الحيوان غير الآدمي في غير الوجه وقد تخريجه هناك وسوف يأتي الحديث مفصلًا في كتاب الفضائل باب من فضائل أبي طلحة إن شاء الله تعالى.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

5473 -

(00)(00)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي الواسطي، ثقة، من (9) روى عنه في (19) بابا (أخبرنا) عبد الله (بن عون) بن أرطبان المزني البصري، ثقة ثبت، من (6) روى عنه في (11) بابا (عن) محمد (بن سيرين) الأنصاري البصري (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة ابن سيرين لثابت بن أسلم (قال) أنس (كان) ولد صغير (ابن لأبي طلحة) الأنصاري زوج أمي أم سليم رضي الله عنهم (يشتكي) أي يمرض أي أصابه ما يشتكي منه وهو المرض لا أنه صدرت عنه شكوى هذا أصله لكنه أكثر تسمية المرض بذلك (فخرج أبو طلحة) من البيت لبعض حوائجه (فقبض الصبي) أي توفي في حال خروجه (فلما رجع أبو طلحة) إلى البيت في الليل (قال) لأم سليم (ما فعل ابني) اليوم هل هو دنف أو متَحسِّن (فالت) له (أم سلبم هو) أي الولد اليوم (أسكن) جسمًا وأسكت بكاء (مما كان) عليه أولًا من الاضطراب والأنين، وهذا من المعاريض المغنية عن الكذب عند الحاجة فإنها أوهمته أن الصبي سكن ما به من المرض بلفظ يصلح إطلاقه على ما عندها من موته وعلى ما فهمه أبو طلحة من سكون مرضه وتحصنه وهذا كله لئلا تفاجئه بالإعلام بالمصيبة فيتنغص عليه عيشه ويتكدر عليه وقته فلما حصلت راحته من تعبه وطاب عيشه بإصابة لذته التي ارتجت بسببها أن يكون لهما عوض وخلف مما فاته عرفته بذلك فبلغها الله أمنيتها وأصلح ذريتها كما بينه بقوله (فقربت إليه العشاء)

ص: 43

فَتَعَشَّى. ثُمَّ أصَابَ مِنْها. فَلَما فَرغَ قَالتْ: وَارُوا الصَّبِي. فَلَما أصبَحَ أَبُو طَلْحَةَ أَتَى رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فأخْبَرَهُ. فَقَال: "أَعْرَسْتُمُ الليلَةَ؟ " قَال: نَعَم. قَال: "اللهم بَارِكْ لَهُمَا" فَوَلَدَتْ غُلامًا

ــ

وهو ما يؤكل أوائل الليل أو أواخر النهار (فتعشى) أي أكل عشاءه (ثم) تزينت وتطيبت له فـ (أصاب منها) أي جامعها (فلما فرغ) أبو طلحة من عشائه وإصابتها (قالت) له (واروا الصبي) أي ادفنوه أمر من المواراة وهو إخفاء الشيء وستره (فلما أصبح أبو طلحة) أي دخل في الصباح (أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره) أي أخبر أبو طلحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم موت الولد وما فعلته أم سليم من سترها ميت الولد في جانب البيت. قولها (هو أسكن مما كان) وفي رواية للبخاري (هدأت نفسه) والمعنى أن النفس كانت قلقة منزعجة بعارض المرض فسكنت بالموت وظن أبو طلحة أن مرادها أنها سكنت بالنوم لوجود العافية، وزاد في رواية للبخاري في الجنائز (وأرجو أن يكون قد استراح) ولم تجزم بذلك على سبيل الأدب مع وجود رجائها بأنه استراح من نكد الدنيا. قوله (ثم أصاب منها) وفي رواية سليمان عن ثابت (ثم تصنعت له أحسن ما كانت تصنع قبل ذلك فوقع بها). قوله (فلما فرغ) وفي رواية سليمان عن ثابت (فقالت يا أبا طلحة أرأيت لو أن قومًا أعاروا أهل بيت عارية فطلبوا عاريتهم ألهم أن يمنعوهم؟ قال: لا، قالت: فاحتسب ابنك، فغضب، وقال: تركتني حتى تلطخت ثم أخبرتني بابني) اهـ وهذا الحديث يدل على فضل أم سليم وتثبتها وصبرها عند الصدمة الأولى وكمال عقلها وحسن تبعلها لزوجها اهـ من المفهم (فقال) لأبي طلحة رسول الله صلى الله عليه وسلم (أعرستم الليلة) بفتح الهمزة وسكون العين، من الإعراس وهو كناية عن الجماع يقال أعرس الرجل باهله إذا بنى ودخل بها وكذلك إذا غشيها ولا يقال فيه عرس من التعريس والعامة تقولها، وقد تقدم أن العرس بكسر العين وسكون الراء الزوجة، والعروس يقال على كل واحد من الزوجين أي أأعرستم الليلة بتقدير همزة الاستفهام أي هل جامعتم الليلة (قال) أبو طلحة (نعم) أعرسنا يا رسول الله فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (اللهم بارك لهما) في إعراسهما (فولدت) أم سليم (غلامًا) أي ولدًا ذكرًا ببركة دعائه صلى الله عليه وسلم لهما هو عبد الله بن أبي طلحة المذكور، وقال سفيان بعد روايته عند البخاري في الجنائز (فقال رجل من الأنصار فرأيت لهما تسعة أولاد

ص: 44

فَقَال لِي أَبُو طَلْحَةَ: احمِلْهُ حَتَّى تَأْتِيَ بِهِ النبِي صلى الله عليه وسلم. فَأَتَى بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم. وَبَعَثَتْ مَعَهُ بِتَمَرَاتٍ. فَأَخَذَهُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَال: "أَمَعَهُ شَيءٌ؟ " قَالُوا: نَعَم. تَمَرَاتٌ. فَأَخَذها النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَمَضَغها. ثُمَّ أَخَذها مِنْ فِيهِ. فَجَعَلها فِي فِي الصبِيِّ. ثُمَّ حَنَّكَهُ، وَسمَّاهُ عَبْدَ الله

ــ

كلهم قد قرأ القرآن) وفي هذا ما يدل على إجابة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وعلى عظم مكانته وكرامته عند الله تعالى: وكم لها منها وكم حتى قد حصل بذلك العلم القطعي واليقين الضروري وذلك أنه لما دعا لأم سليم وزوجها ولدت له من ذلك الغشيان عبد الله وكان من أفاضل الصحابة، ثم ولد له عدة من الفضلاء الفقهاء العلماء إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة وإخوته العشرة كما هو مذكور في الاستيعاب اهـ من المفهم.

قال أنس (فقال لي أبو طلحة احمله) أي احمل هذا الغلام (حتى تأتي به النبي صلى الله عليه وسلم فأتى به) أي بالغلام أنس (النبي صلى الله عليه وسلم أو أتى به أبو طلحة النبي صلى الله عليه وسلم وأنا حامله وعلى المعنى الأول فيه التفات لأن العبارة أن يقال فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم على صيغة التكلم (وبعثت) أم سليم (معه) أي مع الغلام (بتمرات) ليحنك بها (فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم أي أخذ الغلام مني (فقال) في النبي صلى الله عليه وسلم (أمعه) أي هل مع هذا الغلام (شيء) يحنك به (قالوا) أي قال الحاضرون عنده (نعم) معه (تمرات) يحنك بها (فأخذها) أي فأخذ تلك التمرات (النبي صلى الله عليه وسلم مني (فمضغها) النبي صلى الله عليه وسلم أي لاكها في فمه الشريف (ثم أخذها) النبي صلى الله عليه وسلم (من فيه) أي من فمه الشريف وهي مضيغة (فجعلها) أي فجعل النبي صلى الله عليه وسلم التمرات المضيغة (في في الصبي) أي في فم الصبي (ثم حنكه) أي دلك حنك الصبي بتلك التمرات الممضوغة لتصل إلى جوفه فينال بركة بزاقه صلى الله عليه وسلم (وسماه عبد الله).

وشارك المؤلف في هذه الرواية البخاري [5470] قال: وأحاديث هذا الباب كلها متواردة على أن إخراج الصغار عند ولادتهم للنبي صلى الله عليه وسلم وتحنيكهم بالتمر

ص: 45

5474 -

(00)(00) حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثنَا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ. حَدَّثنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَدٍ، عَنْ أنَسٍ، بِهذِهِ الْقِصةِ، نَحوَ حَدِيثِ يَزِيدَ.

5475 -

(2108)(173) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَبْدُ الله بْنُ بَرَادٍ الأَشْعَرِي وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالُوا: حَدَّثنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيدٍ،

ــ

كان سنة معروفة معمولًا بها فلا ينبغي أن يعدل عن ذلك اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم واغتنامًا لبركة الصالحين ودعائهم، وقال النووي: في هذه الأحاديث المروية هنا فوائد؛ منها تحنيك المولود عند ولادته وهو سنة بالإجماع كما سبق، ومنها أن يحنكه صالح من رجل أو امرأة، ومنها التبرك بآثار الصالحين وريقهم وكل شيء منهم، ومنها كون التحنيك بتمر وهو مستحب ولو حنك بغيره حصل التحنيك ولكن التمر أفضل، ومنها جواز لبس العباءة، ومنها التواضع وتعاطي الكبير أشغاله بنفسه وأنه لا ينقص ذلك مروءته، ومنها استحباب التسمية بعبد الله، ومنها استحباب تفويض التسمية إلى صالح فيختار له اسمًا يرتضيه، ومنا جواز تسميته يوم ولادته اهـ منه.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيا في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

5474 -

(00)(00)(حدثنا محمد بن بشار حدثنا حماد بن مسعدة) التميمي أبو سعيد البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا) عبد الله (بن عون) بن أرطبان المزني البصري، ثقة، من (6)(عن محمد) بن سيرين (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه وذكر حماد بن مسعدة (بهذه القصة) الواقعة بين أبي طلحة وأم سليم، وساق (نحو حديث يريد) بن هارون، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة حماد بن مسعدة ليزيد بن هارون.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بحديث أبي موسى رضي الله عنهما فقال:

5475 -

(2108)(173)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعبد الله بن براد) بن يوسف بن أبي بردة بن أبي موسى (الأشعري) صدوق، من (10) روى عنه في (3) أبواب (وأبو كريب) محمد بن العلاء (قالوا حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (17) بابا (عن بريد) بن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى

ص: 46

عَنْ أَبِي بُردَةَ، عَنْ أبِي مُوسَى، قَال: وُلدَ لِي غُلام. فَأَتَيتُ بِهِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم. فَسَماهُ إِبْرَاهِيمَ، وَحَنَّكَهُ بِتَمرَةٍ.

5476 -

(2109)(174) حدثنا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى، أبُو صَالِحٍ. حَدَّثَنَا شُعَيبٌ (يَعنِي ابْنَ إِسْحَاقَ). أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ. حَدَّثَنِي عُروَةُ بْنُ الزُّبَيرِ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيرِ؛ أَنَّهُمَا قَالا: خَرَجَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أبِي بَكْرٍ، حِينَ هاجَرَتْ، وَهِيَ حُبْلَى بِعَبْدِ الله بْنِ الزبَيرِ،

ــ

الأشعري أبي بردة، الصغير الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (4) أبواب (عن) جده (أبي بردة) الكبير عامر بن أبي موسى، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن) أبيه (أبي موسى) الأشعري الكوفي رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون (قال) أبو موسى الأشعري (ولد لي غلام فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم ليحنكه وليسميه (فسماه) النبي صلى الله عليه وسلم (إبراهيم وحنكه بتمرة) وزاد إسحاق بن نصر في روايته عند البخاري (ودعا له بالبركة ودفعه إلي وكان أكبر ولد أبي موسى) واستدل بالحديث على جواز تسمية الولد يوم ولد، وقد ثبتت عدة روايات في التسمية في اليوم السابع ذكرها الحافظ في أوائل العقيقة من الفتح [9/ 589] وأنها محمولة على أن التسمية لا تؤخر بعد سبعة أيام من الولادة لا على أنه لا تجوز التسمية قبله.

وشارك المؤلف في رواية حديث أبي موسى البخاري في العقيقة باب تسمية المولود غداة ولد برقم [5467]، وأحمد [3/ 194].

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أنس بحديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهم فقال:

5476 -

(2109)(174)(حدثنا الحكم بن موسى) بن أبي زهير البغدادي (أبو صالح) القنطري، صدوق، من (10) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا شعيب يعني ابن إسحاق) بن عبد الرحمن الأموي البصري، ثم الدمشقي، ثقة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (أخبرني هشام بن عروة حدثني والدي عروة بن الزبير و) زوجتي (فاطمة بنت المنذر بن الزبير أنهما قال: خرجت) من مكة (أسماء بنت أبي بكر) الصديق (حين هاجرت) إلى المدينة (وهي حبلى) أي حاملة (بعبد الله بن الزبير) رضي الله تعالى عنهم

ص: 47

فَقَدِمَتْ قُبَاءً. فَنُفِسَتْ بِعَبدِ الله بِقُبَاءٍ. ثُمَّ خَرَجَت حِينَ نُفِسَتْ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم لِيُحَنِّكَهُ فَأَخَذَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مِنْها فَوَضَعَهُ فِي حَجْرِهِ. ثُمَّ دَعَا بِتَمرَةٍ. قَال: قَالتْ عَائِشَةُ: فَمَكَثنَا سَاعَةً نَلْتَمِسُها قَبْلَ أنْ نَجِدَها. فَمَضَغَها. ثُمَّ بَصَقها فِي فِيهِ. فَإِن أَوَّلَ شَيءٍ دَخَلَ بَطْنَهُ لَرِيقُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. ثُمَّ قَالتْ أَسْمَاءُ: ثُمَّ مَسَحَهُ وصلى عَلَيهِ

ــ

أجمعين. وهذا السند من خماسياته (فقدمت قباء) وقباء موضع معروف بالمدينة المنورة فيه أول مسجد أسس على التقوى (فنفست) بالبناء للمجهول لأنه من الأفعال الملازمة للمجهول مع كونها للمعلوم كجن أي فولدت (بعبد الله) بن الزبير أو خرج منها دم النفاس بسبب ولادتها لعبد الله بن الزبير (بقباء) قبل وصولها إلى المدينة، والمراد أنها ولدت عبد الله فخرج منها دم النفاس (ثم خرجت) من قباء (حين نفست) أي بعد ما ولدت وذهبت (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالمدينة (ليحنكه) والتحنيك أن يمضغ تمر ويلقى في فم الصبي (فأخذه) أي فأخذ عبد الله (رسول الله صلى الله عليه وسلم منها) أي من أسماء (فوضعه) أي فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله (في حجره) أي على مقدم بدنه (ثم) بعدما وضعه على حجره (دعا) أي طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم (بتمرة) يحنكه بها (قال) عروة (قالت عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا يدل على أن هذا الحديث تلقاه عروة بن الزبير من كل من أمه أسماء وخالته عائشة، وسيأتي حديث عائشة استقلالًا بعد هذا الحديث (فمكثنا) أي جلسنا (ساعة) أي زمنًا حالة كوننا (نلتمسها) أي نطلب التمرة (قبل أن نجدها) أي قبل أن نحصل التمرة متعلق بمكثنا، وفي حديث عائشة الآتي (فطلبنا تمرة فعز علينا طلبها) وذلك إما لشيوع الفقر أو لكونه زمنًا لا يتوفر فيه التمر فوجدناها فاتينا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذها (فمضغها) أي لاكها في فمه الشريف (ثم بصقها) أي بصق التمرة الممضوغة (في فيه) أي في فم المولود وطرحها في فمه لتصل إلى جوفه (فـ) كان الولد فائزًا مباركًا لـ (إن أول شيء دخل بطنه لريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قالت أسماء ثم مسحه) أي مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم جسده (بيده) الشريفة عند الدعاء له كما كان صلى الله عليه وسلم يمسح بيده عند الرقى، ففيه دليل على استحباب ذلك وفعله على جهة التبرك رجاء الاستشفاء وقبول الدعاء، ومعنى قوله (وصلى عليه) أي صلى على المولود دعا له بالخير

ص: 48

وَسمَّاهُ عَبْدَ الله. ثُمَّ جَاءَ، وَهُوَ ابنُ سَبْعِ سِنِينَ أو ثَمَانٍ، لِيُبَايعَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم. وَأَمَرَهُ بِذلِكَ الزبَيرُ. فَتَبَسمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حِينَ رآهُ مُقْبِلًا إِلَيهِ. ثُمَّ بَايَعَهُ.

5477 -

(00)(00) حدثنا أَبُو كُرَيب، مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ. حَدَّثَنَا أَبُو أسَامَةَ، عَنْ هِشَام، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ؛ . . . . .. ،

ــ

والبركة كما جاء في الرواية الأخرى مفسرًا، وقد ظهرت بركة ذلك كله على عبد الله بن الزبير فإنه كان من أفضل الناس وأشجعهم وأعدلهم في خلافته وقتل شهيدًا رضي الله عنه (وسماه عبد الله ثم) بعدما كبر (جاء) عبد الله بن الزبير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (وهو ابن سبع سنين أو ثمان) بالشك من الراوي (ليبايع رسول الله على الله عليه وسلم) على الإسلام (وأمره) أي أمر عبد الله (بذلك) أي بالمبايعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والده (الزبير) بن العوام (فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحكًا يليق به (حين رآه) أي حين رأى عبد الله (مقبلًا) أي متوجهًا (إليه) صلى الله عليه وسلم سرورًا وفرحًا بإقباله إليه (ثم بايعه) رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه بيعة تبرك وتشريف لا بيعة تكليف لأنه كان غير بالغ اهـ أبي.

فيه جواز البيعة للصغر، والظاهر أنه للتبرك والتفاؤل اهـ تكملة.

وتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله ومبايعته له فرح به وإنهاض له حيث ألحقه بنمط الكبار الحاصلين على تلك البيعة الشريفة والمنزلة المنيفة، ففيه جواز مبايعة من يعقل من الصغار وتمرينهم على ما يخاطب به الكبار اهـ مفهم. ويحتمل أن يكون تبسمه تعجبًا مما سيقع له في المستقبل لأنه بعد الثمان سنين من خلافته حصره الحجاج بمكة وقتله وصلبه ومر به ابن عمر وهو كذلك فقال لقد كنت أنهاك اهـ من الأبي.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في العقيقة باب تسمية المولود غداة الولادة [4569]، وفي فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم [3903].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أسماء رضي الله تعالى عنها فقال:

5477 -

(00)(00)(حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء) الهمداني الكوفي (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة (عن أسماء) بنت أبي

ص: 49

أَنها حَمَلَتْ، بِعَبْدِ الله بْنِ الزبَيرِ، بِمَكةَ. قَالتْ: فَخَرَجْتُ وَأَنا مُتِمٌّ. فَأَتَيتُ الْمَدِينَةَ. فَنَزَلْتُ بِقُبَاءٍ. فَوَلَدتُهُ بِقُبَاءٍ. ثُمَّ أَتَيتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَوَضَعَهُ فِي حَجْرِهِ. ثُمَّ دَعَا بِتمرَةٍ فَمَضَغَها. ثُم تَفَلَ فِي فِيهِ. فَكَانَ أوّلَ شَيءٍ دَخَلَ جَوْفَهُ رِيقُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. ثُمَّ حنَّكَهُ بِالتمرَةِ. ثُمَّ دَعَا لَهُ وَبَركَ عَلَيهِ. وَكَانَ أوّلَ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الإِسْلامِ

ــ

بكر رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي أسامة لشعيب بن إسحاق (أنها) أي أن أسماء (حملت) أي حبلت (بعبد الله بن الزبير) رضي الله عنهما (بمكة) المكرمة حملًا تامًّا قريب الوضع (قالت) أسماء (فخرجت) من مكة (وأنا) أي والحال أني (متم) مدة حملي قويبة الولادة، والمتم بضم الميم الأولى وكسر التاء وتشديد الثانية وهي المرأة التي كان وقت ولادتها وقد أتمت مدة الحمل الغالبة وهي تسعة أشهر (فأتيت المدينة) أي قاربت المدينة (فنزلت بقباء فولدته بقباء ثم) دخلت المدينة و (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فـ) أخذه مني و (وضعه في حجره) أي على مقدم بدنه (ثم دعا) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بتمرة) أي طلبها فأتى بها (فمضغها) أي لاكها في فمه (ثم تفل) أي بصق ريقه (في فيه) أي في فم عبد الله (فكان أول شيء) بالنصب على أنه خبر مقدم لكان (دخل جوفه) والجملة في محل جر صفة لشيء (ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم حنكه) أي دلك حنكه (بالتمرة) ليصل طعمها إلى جوفه (ثم دعا له) رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بكل خير (وبرك عليه) بتشديد الراء من التبريك أي دعا له بالبركة في دينه ودنياه (وكان) عبد الله (أول مولود ولد) للمهاجرين في المدينة (في الإسلام) رضي الله تعالى عنه وعن جميع الصحابة والمسلمين، وذلك أن أمه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهم هاجرت من مكة إلى المدينة وهي حامل به فولدته في سنة اثنتين من الهجرة لعشرين شهرًا من التاريخ، وقيل في السنة الأولى من الهجرة هكذا حكاه أبو عمرو، وروي عن ابن أبي مليكة عن عبد الله بن الزبير قال سميت باسم جدي أبي بكر وكنيت بكنيته، قال أبو عمر كان شهمًا ذكرًا -في اللسان يقال رجل ذكر إذا كان قويًّا شجاعًا أنفًا أبيًا- شريفًا ذا أنفة وكانت له لسانة وفصاحة وكان أطلس لا لحية له ولا شعر في وجهه، وحكى أبو عمر عن مالك أنه قال كان ابن الزبير أفضل من مروان وأولى بالأمر من مروان وابنه اهـ من المفهم.

ص: 50

5478 -

(00)(00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ؛ أَنها هاجَرَتْ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، وَهِيَ حُبْلَى بِعَبْدِ الله بْنِ الزبَيرِ، فَذَكَرَ نَحوَ حَدِيثِ أَبِي أسَامَةَ

ــ

وزاد البخاري في العقيقة (ففرحوا به فرحًا شديدًا لأنه قيل لهم إن اليهود قد سحرتكم ولا يولد لكم) وأخرج ابن سعد في الطبقات من رواية أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن قال (لما قدم المهاجرون المدينة أقاموا لا يولد لهم فقال سحرتنا يهود حتى كثرت في ذلك القالة فكان أول مولود بعد الهجرة عبد الله بن الزبير فكبر المسلمون تكبيرة واحدة حتى ارتجت المدينة تكبيرًا) ذكره الحافظ في الفتح [9/ 589]، وقال الحافظ في فضائل الفتح [7/ 248](فأما من ولد بغير المدينة من المهاجرين فقيل عبد الله بن جعفر بالحبشة، وأما من الأنصار بالمدينة فكان أول مولود ولد لهم بعد الهجرة مسلمة بن مخلد كما رواه ابن أبي شيبة، وقيل النعمان بن بشير) وفي الحديث أن مولد عبد الله بن الزبير كان في السنة الأولى من الهجرة وهو المعتمد بخلاف ما جزم به الواقدي ومن تبعه بأنه ولد في السنة الثانية كما عن القرطبي والله أعلم بالصواب.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيا في حديث أسماء رضي الله تعالى عنها فقال:

5478 -

(00)(00)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا خالد بن مخلد) البجلي مولاهم أبو الهيثم الكوفي القطواني نسبة إلى قطوان موضع بالكوفة، صدوق، من (10) روى عنه في (9) أبواب (عن علي بن مسهر) بصيغة اسم الفاعل القرشي، أبي الحسن الكوفي، ثقة، من (8)(عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن أسماء بنت أبي بكر) الصديق رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة علي بن مسهر لأبي أسامة (أنها) أي أن أسماء (هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي حبلى) أي حاملة (بعبد الله بن الزبير فذكر) علي بن مسهر (نحو حديث أبي أسامة).

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث أنس بحديث عائشة رضي الله تعالى عنهما فقال:

ص: 51

5479 -

(2110)(175) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ (يَعنِي ابْنَ عُرْوَةَ) عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يؤتَى بِالصبْيَانِ. فَيُبَركُ عَلَيهِم، ويحَنِّكهُم.

5480 -

(00)(00) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَحَمرُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائشَةَ. قَالتْ: جِئْنَا بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزبَيرِ إِلَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُحَنِّكُهُ. فَطَلَبْنَا تَمرَةً. فَعَزَّ عَلَينَا طَلَبها

ــ

5479 -

(2110)(175)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن نمير حدثنا هشام يعني ابن عروة عن أبيه) عروة (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالصبيان فيبرك) أي يدعو بالبركة (عليهم ويحنكهم) أول ولادتهم أي يدلك حنكهم بالتمر بعد مضغه فيكون أول ما يدخل جوفهم ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ويستفاد من قولها (كان يؤتى بالصبيان) أن دأب الأصحاب رضي الله عنهم كان دائمًا إذ ولد لهم ولد يأتون به إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليحنكه تبركًا، ولذلك إذا ولد لإنسان ولد يستحب أن يأتي به إلى رجل صالح أو امرأة صالحة ليحنكه ويبركه اقتفاءً بأثرهم.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم [3910].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

5480 -

(00)(00)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو خالد الأحمر) سليمان بن حيان الأزدي الكوفي، صدوق، من (8)(عن هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي خالد الأحمر لعبد الله بن نمير (قالت) عائشة (جئنا بعبد الله بن الزبير) مع والدته أسماء من قباء (إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو صلى الله عليه وسلم في المدينة لـ (يحنكه فطلبنا تمرة) واحدة لتحنيكه (فعز) أي صعب (علينا طلبها) أي طلب التمرة وتحصيلها، يحتمل ذلك لشدة فقرهم أو لكون الوقت غير وقت التمر كما، قيل إن عزة تمر تحنيكه إشارة إلى تعسر أمره كما اتفق في خلافته لمن نظرها اهـ سنوسي.

ص: 52

5481 -

(2111)(176) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ التَّمِيمِيُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ. قَالا: حدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مريَمَ. حَدَّثَنَا مُحَمدٌ (وَهُوَ ابْنُ مُطَرِّفٍ، أَبُو غَسانَ). حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعدٍ. قَال: أُتِيَ بِالْمُنْذِرِ بْنِ أَبِي أسَيدٍ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، حِينَ وُلدَ،

ــ

ويسفاد من قول عائشة رضي الله تعالى عنها: جئنا بعبد الله بن الزبير إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالمدينة، أنها هاجرت مع آل أبي بكر لأنها لم تسلم للنبي صلى الله عليه وسلم.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث أنس بن مالك بحديث سهل بن سعد رضي الله عنهم فقال:

5481 -

(2111)(176)(حدثني محمد بن سهل) بن عسكر (التميمي) مولاهم البغدادي، ثقة، من (11) روى عنه في (6) أبواب (وأبو بكر) محمد (بن إسحاق) الصاغاني الخراساني الأصل البغدادي نزولًا، ثقة، من (11) روى عنه في (8) أبواب (قال حدثنا) سعيد بن الحكم بن سالم (بن أبي مريم) الجمحي المصري، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا محمد وهو ابن مطرف) بن داود بن مطرف التيمي (أبو غسان) المدني نزيل عسقلان، ثقة، من (7) روى عنه في (4) أبواب (حدثني أبو حازم) سلمة بن دينار الأعرج التمار المدني، ثقة، من (5) روى عنه في (12) بابا (عن سهل بن سعد) بن مالك بن خالد الأنصاري الخزرجي الساعدي أبي العباس المدني، الصحابي المشهور، له ولأبيه صحبة رضي الله عنهم، روى عنه في (3) أبواب (قال) سهل (أتي بالمنذر بن أبي أسيد) ببناء أتي للمجهول وأبو أسيد بضم الهمزة وفتح السين وياء التصغير كذا قاله عبد الرزاق ووكيع، قال ابن حنبل وهو الصواب، وحكى ابن مهدي عن سفيان الثوري أنه بفتح الهمزة وكسر السين بوزن أمير اسمه مالك بن ربيعة بن البدن بفتح الموحدة والمهملة بعدها نون، والبدن هو عامر بن عوف بن حارثة بن عمرو بن الخزرج بن ساعدة الأنصاري الخزرجي الساعدي الصحابي المشهور رضي الله عنه، روى عنه في (3) أبواب. وهذا السند من خماسياته، أي أتي بالمنذر (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ولد) المنذر، ولم أر من ذكر اسم الآتي به إلى رسول الله صلى

ص: 53

فَوَضَعَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى فَخِذِهِ. وَأَبُو أُسَيد جَالِسٌ. فَلَهِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِشَيءٍ بَينَ يَدَيهِ. فأمَرَ أَبُو أُسَيدٍ بِابْنِهِ فَاحتُمَلَ مِنْ عَلَى فَخِذِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. فأَقْلَبُوهُ. فَاسْتَفَاقَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم. فَقَال: "أَينَ الصَّبِي؟ " فَقَال أَبُو أُسَيدٍ: أَقْلبنَاهُ. يَا رَسُولَ الله. فَقَال: "مَا اسْمُهُ؟ "

ــ

الله عليه وسلم (فوضعه النبي صلى الله عليه وسلم على فخذه) ليحنكه (وأبو أسيد) والد المنذر (جالس) عند رسول الله صلى الله عليه وسلم (فلهي النبي صلى الله عليه وسلم أي شغل عن تحنيكه (بشيء) كان (بين يديه) صلى الله عليه وسلم، ويقال لهي بفتح اللام وكسر الهاء يلهى بفتح الهاء لهيًا ولهيانا من باب رضي إذا اشتغل وهي لغة الأكثرين وهي الفصيحة، ويقال لها بثميء بفتح الهاء يلهي بكسرها من باب رمى بمعنى شغل بشيء وهو لغة طيء، وأما لها يلهو من باب دعا فهو بفتح الهاء في الماضي لا غير فهو مأخوذ من اللهو، والمشهور في الرواية اللغة الأولى وهي الفصيحة لأنها لغة الأكثرين وكلاهما ثلاثي وأما ألهاني كذا فرباعي فمعناه شغلني ومنه قوله تعالى:{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} (فأمر أبو أسيد) والد المنذر من عنده (بـ) أخذ (ابنه) من فخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم (فاحتمل) الولد وأخذه (من على فخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم أي من فوق فخذه صلى الله عليه وسلم إراحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم من ثقله وتخفيفًا عنه لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان مشغولًا عن تحنيكه بشيء كان قدامه، وعلى هنا اسم بمعنى، فوق مجرور بمن وعلامة جره كسرة مقدرة منع من ظهورها التعذر لأنه اسم مقصور أو في محل الجر مبني على السكون لشبهه بالحرت شبهًا وضعيًا (فأقلبوه) بصيغة الماضي الرباعي أي ردوه ورجعوه إلى البيت كذا جاءت الرواية في هذا الحرت رباعيًّا من الإقلاب على وزن الإفعال، واستشكله بعضهم بأن اللغة الفصيحة (قلبوه) ثلاثيًّا بدون همزة قطع بل هو الصواب يقال قلبت الشيء رددته وقلبت الصبي صرفته، قال الأصمعي: ولا يقال أقلبته (فاستفاق) أي فرغ (رسول الله صلى الله عليه وسلم مما شغل به وانتبه وفكر الذي كان فيه أولًا (فقال أين الصبي) الذي كان على فخذي أولًا (فقال أبو أسيد) والد الصبي (أقلبناه) أي رددناه ورجعناه (يا رسول الله) إلى البيت لأنك كنت مشغولًا عنه بأشغال مهمة وأردنا أن لا نتعبك به (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما اسمه) أي ما اسم الصبي الذي

ص: 54

قَال: فُلانٌ. يَا رَسُولَ الله. قَال: "لَا. وَلَكِنِ اسْمُهُ الْمُنْذِر" فَسَمَّاهُ، يَوْمَئِذٍ، الْمُنْذِرَ.

5482 -

(2112)(177) حدثنا أَبُو الرَّبِيعِ، سُلَيمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْعَتَكِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ. حَدَّثَنَا أَبُو التَّيَّاحِ. حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ. ح وَحَدَّثَنَا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ (وَاللَّفْظُ لَهُ). حَدَّثنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ أَبِي التَّياحِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أحسَنَ النَّاسِ خُلُقًا

ــ

سميتموه به أولًا (قال) أبو أسيد اسمه الذي سميناه أولًا (فلان يا رسول الله) لم أر من عين الاسم الذي غنى عنه بفلان (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا) أي لا تسموه فلان (ولكن اسمه المندر فسماه) أي فسمى ذلك الصبي رسول الله صلى الله عليه وسلم (يومئذ) أي يوم إذ أتي إليه بصبي ووضع على فخذه ثم حمل عنه وهو مشغول (المنذر) فكان بعد ذلك اليوم يسمى المنذر أي ليس هذا الاسم الذي سميتموه به اسمه الذي يليق به بل هو المنذر، قال الداودي: سماه المنذر تفاؤلًا بأن يكون له علم ينذر به حكاه الحافظ في الفتح [10/ 576] وقال النووي: قالوا وسبب تسمية النبي صلى الله عليه وسلم هذا الولد بالمنذر لأن ابن عم أبيه المنذر بن عمرو كان قد استشهد ببئر معونة وكان أميرهم فتفاءل بكونه خلفًا عنه.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الأدب باب تحويل اسم إلى اسم آخر منه برقم [6191].

ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أنس رضي الله عنه فقال:

5482 -

(2112)(177)(حدثنا أبو الربيع) البصري (سليمان بن داود العتكي) الزهراني (حدثنا عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان التميمي العنبري البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا أبو التياح) الضبعي يزيد بن حميد البصري، ثقة، من (5)(حدثنا أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (ح وحدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي الأبلي، صدوق، من (9)(واللفظ له) أي لشيبان (حدثنا عبد الوارث) بن سعيد (عن أبي التياح عن أنس بن مالك) وهذا السند أيضًا من رباعياته أيضًا (قال) أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقًا) فمن تأمل أفعاله

ص: 55

وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو عُمَيرٍ. قَال: أحسِبُهُ قَال: كَانَ فَطِيمًا. قَال: فَكَانَ إِذَا جَاءَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَرآه قَال: "أَبا عُمَيرٍ! مَا فَعَل النغَير؟ " قَال: فَكَانَ يَلعَبُ بِهِ

ــ

العلية وأحواله السنية لا يشك في أنه في ذروة الأخلاق المرضية، وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها: كان خلقه القرآن، وقال سبحانه في شأنه العلي {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} ومن أصدق من الله قيلا، قال أنس:(وكان لي أخ) لأم اسمه كبشة (يقال له أبو عمير) تصغير عمر أو عمرو وهذا محل الاستدلال (قال) أبو التياح (أحسبه) أي أظن أنسًا (قال كان) ذلك الأخ (فطيمًا) أي مفطومًا من الرضاع يعني لم يكن غلامًا رضيعا (قال) أنس (فكان) الشأن (إذا جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت أم سليم (فرآه) أي فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبي (قال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم (أبا عمير ما فعل النغير) بالتصغير فيهما (قال) أنس (فكان) رسول الله صلى الله عليه وسلم (يلعب به) أي يلعب مع ذلك الأخ ويمزح به أو المعنى فكان ذلك الأخ يلعب به أي يلعب بالنغير، وفي قوله أبا عمير ما فعل النغير دليل على جواز السجع في الكلام إذا لم يكن متكلفًا، فأما مع التكلف فهو من باب التنطع والتشدق المكروهين في الكلام، وعمير تصغير عمر أو عمرو، النغير تصغير نغر، والنغر بضم أوله وفتح ثانيه على وزن صرد طير كالعصافير أصغر منها حمر المناقير وتجمع على نغران كصرد وصردان ومؤنثه نغرة على وزن همزة.

وفي هذا الحديث فوائد كثيرة أوصلها بعضهم إلى ستين، منها جواز تكنية من لم يولد له وتكنية الطفل الصغير وأنه ليس كذبًا وجواز المزاح فيما ليس إثمًا، وجواز تصغير بعض المسميات وجواز لعب الصبي بالعصفور وتمكين ولي الصبي إياه من ذلك وجواز السجع بالكلام الحسن بلا كلفة وملاطفة الصبيان وتانيسهم وبيان ما كان النبي صلى الله عليه وسلم عليه من حسن الخلق وكرم الشمائل والتواضع .. الخ اهـ نووي.

والظاهر أن عميرًا تصغير لعمر وهو اسم علم مشهور وإنما غنى به تفاؤلًا وأما كونه تصغيرًا للعمر بضم العين وسكون الميم إشارة على قلة عيش الصبي فقد رده علي القاري في جمع الوسائل [2/ 25] بأنه ليس من دأبه صلى الله عليه وأخلاقه الحسنة أن يقول لولد صغير عبارة مشعرة بأن عمره قصير، وأجمع سياق ذكر في هذا الحديث ما ذكره

ص: 56

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أحمد في مسنده [3/ 188] من طريق حميد الطويل عن أنس (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل على أم سليم ولها ابن من أبي طلحة يكنى أبا عمير وكان يمازحه فدخل عليه فرآه حزينًا فقال: "ما لي أرى أبا عمير حزينًا؟ " فقالوا: مات نُغَرُهُ الذي كان يلعب به، قال: فجعل يقول: "أبا عمير ما فعل النغير؟ " وأخرجه في مسنده [3/ 190] من طريق موسى بن سعيد عن أبي التياح عن أنس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يزور أم سليم ولها ابن صغير يقال إله أبو عمير وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول "يا أبا عمير ما فعل النغير؟ " قال: نغر يلعب به. وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يزور أم سليم أحيانًا ويتحدث عندها فتدركه الصلاة فيصلي على بساط وهو حصير ينضحه بالماء.

وقوله (وكان لي أخ) وحكى علي القاري في جمع الوسائل [2/ 21] عن جامع الأصول: أن اسمه كبشة وهو أخو أنس لأمه فإن أمه أم سليم وأباه أبو طلحة الأنصاري، وذكر العيني في العمدة [10/ 412] أنه كان قد مات على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ورد ذلك صريحًا في رواية عمارة بن زاذان عن ثابت عن أنس بزيادة أنه كان الولد الذي مات فلم تخبر أم سليم زوجها بموته في الليلة حتى جامعها كما مر قريبًا في أوائل هذا الباب.

قوله (يقال له أبو عمير) هذا صريح في أن الصبي كان مشتهرًا بهذه الكنية ففيه رد لمن زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي كناه به في هذا القول وأن عميرًا تصغير للعمر فكأنه صلى الله عليه وسلم أشار إلى أنه لا يعمر إلا قليلًا وقد سبق رد هذا القول.

واستدلت الحنفية بهذا الحديث على جواز صيد المدينة وهو قول خالفوا فيه الجمهور ونص نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن صيد المدينة كما نهى عن صيد مكة كما قدمناه ولا حجة فيه إذ ليس فيه ما يدل على أن ذلك الطير صيد في حرم المدينة بل نقول إنه صيد في الحل وأدخل في الحرم ويجوز للحلال أن يصيد في الحل ويدخله في الحرم ولا يجوز له أن يصيد في الحرم، فيفرق بين ابتداء صيد وبين استصحاب إمساكه كما مر في الحج، وفيه جواز لعب الصبي بالطير الصغير لكن الذي أجاز العلماء من ذلك أن يمسك له وأن يلهو بحسنه وأما تعذيبه والعبث به فلا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تعذيب الحيوان إلا لمأكلة، وفيه ما يدل على جواز المزاح مع

ص: 57

5483 -

(2113)(178) حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيدٍ الْغُبَريُّ. حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: قَال لِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يَا بُني"

ــ

الصغير لكن إذا قال حقًّا، وفيه ما يدل على حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم ولطافة معاشرته وألفاظه اهـ من المفهم.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 115]، والبخاري في الأدب باب الانبساط إلى الناس [6219]، وباب الكنية للصبي [6303]، وأبو داود في الأدب باب ما في الرجل يتكنى وليس له ولد [4969]، والترمذي في الصلاة باب في الصلاة على البسط [333]، وفي البر والصلة باب ما جاء في المزاح [1989] وابن ماجه في الأدب باب الرجل يتكنى قبل أن يولد له [375].

ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأخير من الترجمة بحديث آخر لأنس رضي الله عنه فقال:

483 5 - (2113)(178)(حدثنا محمد بن عبيد) بن حساب (الغبري) بضم المعجمة وتخفيف الموحدة نسبة إلى غبر بن غنم البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، ثقة، من (7)(عن أبي عثمان) النهدي الكوفي عبد الرحمن بن مل، ثقة مخضرم، من (2)(عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (قال قال لي رسول الله على الله عليه وسلم يا بني) مصغرًا بفتح الياء المشددة وكسرها وقرئ بهما في السبع والأكثرون بالكسر وبعضهم بإسكانها، ففيه جواز قول الرجل للصغير والشاب يا بني ويا ولدي، والمعنى فيه إنك في السن والشفقة بمنزلة ولدي وكذا يقال لمن في سن المتكلم يا أخي للمعنى الذي ذكرناه وإذا قصد التلطف كان مستحبًا كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم كذا في شرح النووي.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الأدب باب في الرجل يقول لابن غيره يا بني [4964]، والترمذي في الأدب باب ما جاء في يا بني [2833].

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بحديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنهما فقال:

ص: 58

5484 -

(2114)(179) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ (وَاللَّفْظُ لابْنِ أَبِي عُمَرَ). قَالا: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هارُونَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعبَةَ. قَال: مَا سألَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أَحَدٌ عَنِ الدّجَالِ أَكْثَرَ ممَا سَأَلْتُهُ عَنْهُ. فَقَال لِي: "أَي بُنَي، وَمَا يُنْصِبُكَ مِنْه؟ إِنهُ لنْ يَضرَّكَ" قَال: قُلْتُ: إِنهم يَزْعُمُونَ أَن مَعَهُ أَنْهارَ

ــ

5484 -

(2114)(179)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (واللفظ لابن أبي عمر قالا حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي مولاهم الواسطي، ثقة، من (9) روى عنه في (19) بابا (عن إسماعيل بن أبي خالد) سعد البجلي الأحمسي الكوفي، ثقة، من (4)(عن قيس بن أبي حازم) عوف البجلي الأحمسي الكوفي، ثقة، من (2) روى عنه في (10) أبواب (عن المغيرة بن شعبة) بن أبي عامر بن مسعود الثقفي الكوفي الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) المغيرة (ما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد) من أصحابه (عن) شأن (الدجال) الذي يكون من أشراط الساعة سؤالًا (أكثر) وأبلغ (مما سألته عنه) أي من السؤال الذي أنا سألته صلى الله عليه وسلم عن الدجال، وسؤالي المغيرة عن الدجال إنما كان لما سمع من عظيم فتنته وشدة محنته فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بما ذكره بقوله (فقال لي) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب سؤال (أي بني) أي من حروف النداء لنداء القريب أي يا بني (وما ينصبك منه) بضم الياء وكسر الصاد من أنصب الرباعي من النصب وهو التعب والمشقة أي أي شيء يصيبك من الدجال أي أي شيء من النصب والتعب والمشقة يصل إليك ويصيبك من الدجال فتكثر السؤال عنه والاستفهام للإنكار بمعنى النفي أي لا يتعبك ولا يضرك (إنه) أي إن الدجال (لن يضرك) بفتنته فإنك لا تدرك زمانه أو معصوم من فتنته، قال القرطبي: يحتمل أن يريد لأنك لا تدرك زمان خروجه، ويحتمل أن يكون إخبارًا منه بأنه يعصم من فتنته ولو أدرك زمانه والله ورسوله أعلم اهـ من المفهم. وهكذا رواية الكافة (وما ينصبك) وعند الهوزني (وما ينضيك) بالضاد المعجمة والياء المثناة من تحت من قولهم (جمل نضو) أي هزيل (وأنضاه السير) أي أهزله، والأول أصح رواية ومعنى اهـ من المفهم (قال) المغيرة (قلت) له صلى الله عليه وسلم (إنهم) أي إن الناس (يزعمون) أي يقولون (أن معه أنهار

ص: 59

الْمَاءِ وَجِبَال الْخُبْزِ. قَال: "هُوَ أَهْوَنُ عَلَى الله مِنْ ذلِكَ".

5485 -

(00)(00) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَابْنُ نُمَيرٍ. قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا سُرَيجُ بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا هُشَيمٌ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أسَامَةَ. كُلُهم عَنْ إِسْمَاعِيلَ، بِهذَا الإِسْنَادِ وَلَيسَ فِي حَدِيثِ أَحَدٍ مِنْهُم

ــ

الماء وجبال الخبز، قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (هو) أي الدجال (أهون) أي أحقر (على الله) أي عند الله (من) أن يكون له (ذلك) الذي قالوه من أنهار الماء وهذا يدل على أن المغيرة كان قد سمع هذا الأمر عن الدجال من غير النبي صلى الله عليه وسلم ولم يحققه فعرض ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم فأجابه بقوله:"هو أهون على الله من ذلك" وظاهر هذا الكلام أن الدجال لا يمكن من ذلك لهوانه على الله وخسة قدره غير أن هذا المعنى قد جاء ما يناقضه في أحاديث الدجال الآتية فيحتمل أن يكون هذا القول صدر عنه صلى الله عليه وسلم قبل أن يوحى إليه بما في تلك الأحاديث، ويحتمل أن يعود الضمير إلى تمكين الدجال من أنهار الماء وجبال الخبز أي فعل ذلك على الله هين سهل والأول أسبق إلى الفهم والثاني لا يمتنع أيضًا اهـ من المفهم.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 246]، والبخاري في الفتن [7122] وابن ماجه في الفتن [4073].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث المغيرة رضي الله عنه فقال:

5485 -

(00)(00)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة و) محمد بن عبد الله (بن نمير قال حدثنا وكيع ح وحدثنا سريج بن يونس) بن إبراهيم المروزي الأصل البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (11) بابا (حدثنا هشيم) بن بشير بن القاسم السلمي الواسطي، ثقة، من (7) روى عنه في (18) بابا (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابا (ح وحدثني محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي (كلهم) أي كل من وكيع وهشيم وجرير وأبي أسامة رووا (عن إسماعيل) بن أبي خالد الأحمسي (بهذا الإسناد) يعني عن قيس عن المغيرة، غرضه بيان متابعة هؤلاء الأربعة ليزيد بن هارون (و) لكن (ليس في حديث أحد منهم) أي من هؤلاء

ص: 60

قَوْلُ النبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِلْمُغِيرَةِ: "أَي بُنَيَّ" إلا فِي حَدِيثِ يَزِيدَ وَحْدَهُ

ــ

الأربعة (قول النبي صلى الله عليه وسلم للمغيرة أي بني إلا في حديث يزيد) بن هارون حالة كون يزيد (وحده) أي منفردًا بهذا القول لم يشاركه فيه أحد من الأربعة المتابعين له والله سبحانه وتعالى أعلم.

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث ثمانية: الأول حديث أنس الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثاني حديث أبي موسى ذكره للاستشهاد، والثالث حديث أسماء ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والرابع حديث عائشة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والخامس حديث سهل بن سعد ذكره للاستشهاد، والسادس حديث أنس الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والسابع حديث أنس الثالث ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة، والثامن حديث المغيرة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم.

***

ص: 61