المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌676 - (20) باب الطب ورقية جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم والعين حق والسحر حق والسم حق واستحباب رقية المريض - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ٢٢

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌ كتاب الآداب

- ‌675 - (19) باب النهي عن التكني بأبي القاسم وبيان أحب الأسماء إلى اللَّه تعالى، وجواز التسمية بأسماء الأنبياء والصالحين، والنهي عن تسمية الرقيق بنافع مثلًا، واستحباب تغيير الأسماء القبيحة إلى حسن، وتحريم التسمي بملك الأملاك مثلًا

- ‌676 - (20) باب استحباب تحنيك المولود عند ولادته واستحباب تسميته بعبد اللَّه وجواز تكنية الصغير ومن لم يولد له وجواز قوله لغير ابنه: يا بني واستحبابه للملاطفة

- ‌677 - (21) باب الاستئذان وكيفيته وعدده وكراهية قول المستأذن: أنا إذا قيل له: من هذا؟ وتحريم النظر في بيت غيره ونظر الفجأة

- ‌672 - (16) باب تسليم الراكب على الماشي وحق الطريق وحقوق المسلم على المسلم والنهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام وكيفية الرد عليهم واستحباب السلام على الصبيان وجواز جعل الإذن رفع الحجاب

- ‌673 - (17) باب إباحة الخروج للنساء لقضاء حاجة الإنسان وتحريم الخلوة بالأجنبية ودفع ما يوقع في التهم وظن السوء

- ‌674 - (18) باب من رأى فرجة في الحلقة جلس فيها وإلا جلس خلفهم وتحريم إقامة الإنسان من موضعه المباح الذي سبق إليه وإذا قام من مجلسه ثم عاد إليه فهو أحق به ومنع المخنث عن الدخول على النساء الأجانب

- ‌675 - (19) باب امتهان ذات القدر نفسها في خدمة زوجها وفرسه لا يغض من قدرها والنهي عن مناجاة الاثنين دون الثالث بغير رضاه

- ‌676 - (20) باب الطب ورقية جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم والعين حق والسحر حق والسم حق واستحباب رقية المريض

- ‌677 - (21) باب رقية المريض بالمعوذات وترخيصها من العين والنملة والحمة والنظرة ما لم يكن فيها شرك وجواز أخذ الأجرة عليها إذا كانت بالقرآن ونحوه

- ‌678 - (22) باب استحباب وضع اليد على موضع الألم عند الدعاء، والتعوذ من شيطان الصلاة، واستحباب التداوي من كل داء، والتداوي من الحمى، والتداوي باللدود، والتداوي بالعود الهندي، والتداوي بالحبة السوداء

- ‌679 - (23) باب التلبينة والتداوي بالعسل وما جاء في الطاعون

- ‌680 - (24) باب لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر ولا نوء ولا غول ولا يورد ممرض على مصح والفأل والشؤم

- ‌681 - (25) باب النهي عن الكهانة وإتيان أهلها وما جاء في الخط ورمي النجوم للشياطين عند استراق السمع واجتناب المجذوم ونحوه وقتل الحيات ونحوها

- ‌ تفسير ما جاء في أحاديث الحيات من الغريب

- ‌682 - (26) باب الأمر بقتل الوزغ والنهي عن قتل النمل وقتل الهرة وفضل سقي البهائم المحترمة وإطعامها

- ‌683 - (27) باب النهي عن سب الدهر وتسمية العنب كرمًا، وقول: يا عبدي يا أمتي، والنهي عن قول الإنسان: خبثت نفسي، وكون المسك أطيب الطيب، وكراهة رد هدية الطيب والريحان واستعمال البخور

- ‌684 - (28) باب إنشاد الشعر وجواز استماعه إذا لم يكن فيه بأس وتحريم اللعب بالنردشير

- ‌ كتاب الرؤيا

- ‌685 - (20) باب الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثًا والرؤيا الصالحة جزء من أجزاء النبوة وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من رآني في المنام فقد رآني

- ‌686 - (30) باب لا يخبر بتلعب الشيطان، وفي تأويل الرؤيا، وفيما رأى النبي صلى الله عليه وسلم في نومه

الفصل: ‌676 - (20) باب الطب ورقية جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم والعين حق والسحر حق والسم حق واستحباب رقية المريض

‌676 - (20) باب الطب ورقية جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم والعين حق والسحر حق والسم حق واستحباب رقية المريض

ــ

676 -

(20) باب الطب ورقية جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم والعين حق والسحر حق والسم حق واستحباب رقية المريض

والطب بكسر المهملة وحكى ابن السيد تثليثها يطلق لغة بالاشتراك على المداوي وعلى التداوي وعلى الداء أيضًا فهو من الأضداد ويقال أيضًا للرفق والسحر ويقال للشهوة ولطرائق ترى في شعاع الشمس وللحذق بالشيء، والطبيب هو الحاذق بالطب ويقال له أيضًا طب بالفتح والكسر ومستطب وامرأة طب بالفتح ويقال استطب إذا تعاطى الطب واستطب إذا استوصفه والطبيب في الأصل الحاذق في كل شيء وخص به المعالج عرفًا وجمعه في القلة أطبة وفي الكثرة أطباء، وبسبب أن العرب ربما يعتقدون أن الأمراض سببها السحر وكثيرًا ما يداوونه بالسحر استعيرت كلمة الطب لمعنى السحر أيضًا ولأجل هذا ذكر في الحديث رجل مطبوب أي مسحور.

وأما تعريف علم الطب اصطلاحًا فهو علم يتعرف منه أحوال بدن الإنسان من جهة ما يصح ويزول عن الصحة ليحفظ الصحة حاصلة ويستردها زائلة ذكره ابن سينا في القانون [1/ 3].

ولم يزل علم الطب منذ الأزمان السالفة يعد شرفًا ولم يزل للطبيب مكانة كبيرة في أعين الناس حتَّى في عهد الجاهلية وكان أهل الجاهلية يرجعون إلى الكهان والسحرة لمعالجة أمراضهم وكان فيهم عدد قليل ممن تعلم الطب بطرق علمية وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم منع المسلمين من إتيان الكاهن ولكنه أمر سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه حين مرض أن يأتي الحارث بن كلدة طبيب العرب أخرجه أبو داود من طريق ابن أبي نجيح وذكره الحافظ في الإصابة [1/ 288] من طريق ابن منده أيضًا، والحارث بن كلدة هذا كان من أهل الطائف، وذكر ابن أبي حاتم أنَّه لا يصح إسلامه فدل الحديث على جواز الاستعانة بأهل الذمة في الطب.

واعلم أن ما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم من المعالجات ومن الحقائق

ص: 171

5558 -

(2147)(201) حدَّثنا مُحَمَّدُ بن أَبِي عُمَرَ المَكِّيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ يَزِيدَ - (وَهُوَ: ابْنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَنَّهَا قَالت: كَانَ إِذَا اشْتَكَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَقَاهُ جِبْرِيلُ

ــ

الطبية ليس جزءًا من الشريعة التي أمرنا بالإيمان والعمل بها، ولكن تصديق النبي صلى الله عليه وسلم واجب علينا فيما يخبره قال ابن خلدون في مقدمته [1/ 493]، وللبادية من أهل العمران طب يبنونه في غالب الأمر على تجربة قاصرة على بعض الأشخاص متوارثًا عن مشايخ الحي وعجائز وربما يصح منه البعض إلَّا أنَّه ليس على قانون طبيعي ولا على موافقة المزاج وكان عند العرب من هذا الطب كثير وكان فيهم أطباء معروفون كالحارث بن كلدة وغيره اهـ.

ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأول من الترجمة وهو رقية جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

5558 -

(2147)(201)(حَدَّثَنَا محمد بن أبي عمر) العدني (المكي حَدَّثَنَا عبد العزيز) بن محمد بن عبيد (الدراوردي) الجهني المدني (عن يزيد وهو ابن عبد الله بن أسامة بن الهاد) الليثي المدني (عن محمد بن إبراهيم) بن الحارث التيمي المدني، ثقة، من (4)(عن أبي سلمة) عبد الله (بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني (عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته (أنها قالت كان) الشأن (إذا اشتكى) ومرض (رسول الله صلى الله عليه وسلم رقاه) أي عالجه بالقراءة عليه (جبربل) الأمين عليه السلام.

وقوله (إذا اشتكى) معناه إذا مرض لا أنَّه أخبر بما يجد من الآلام، والاستقراء يدل على أن تداويه صلى الله عليه وسلم أو أكثره إنما هو بالرقى لا بالأدوية لأنها إنما تستعمل في الأمراض التي من قبل فساد المزاج ومزاجه صلى الله عليه وسلم خير الأمزجة كذا في الأبي والله أعلم.

قوله (رقاه صلى الله عليه وسلم جبريل الأمين) عليه السلام فيه جواز الرقية بضم

ص: 172

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الراء وسكون القاف يقال رقى بالفتح في الماضي يرقي بالكسر في المضارع من باب رمى رقية وهو العلاج بالقراءة عليه ويقال رقيت فلانًا بكسر القاف أرقيه وهو بمعنى التعويذ والاسترقاء طلب الرقية، وأما رقي يرقى رقيًا من باب رضي فهو بمعنى الارتقاء الصعود إلى العلو كما سيأتي البسط فيه آنفًا، قال الحافظ في الفتح [10/ 195] أجمع العلماء على جواز الرقى عند اجتماع ثلاثة شروط أن يكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه أو بصفاته، وباللسان العربي أو بما يعرف معناه من غيره، وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها بل بذات الله تعالى اهـ.

قال النووي: (قوله رقاه جبريل) استقر الشرع على الإذن في الرقية بآيات القرآن وبالأذكار المعروفة فلا نهي فيها بل هي سنة كما تفاد من هذه الأحاديث، وأما ما ورد في الحديث في الذين يدخلون الجنّة بغير حساب لا يرقون ولا يسترقون فمحمول على الرقية من كلام الكفار والألفاظ المجهولة المعاني لأنه يخاف من كونه كفرًا أو قريبًا منه، وجمع بعضهم بين الحديثين بأن المدح في ترك الرقية محمول على الأفضلية وبيان التوكل، وأما الفعل بالرقية فلبيان الجواز مع كون تركها أفضل واختلفوا في رقية أهل الكتاب فجوزها أبو بكر رضي الله عنه وكرهها مالك خوفًا من أن يكون مما بدلوه، ومن جوزها قال الظاهر أنهم لم يبدلوا الرقى فإن لهم فيها غرضًا بخلاف غيرها مما بدلوه والله أعلم. وإن تطلب زيادة التفصيل فراجع إلى شرح النووي.

"تتمة"

يقال رقى يرقي رَقْيًا ورُقِيًّا ورُقْيَةَ من باب رمى ورقاه وعليه استعمل الرقية نفعًا له أو إضرارًا به واسترقاه طلب منه أن يصنع له رقية وله طلب له من يرقيه والرقية أن يستعان للحصول على أمر بقوى تفوق القوى الطبيعية في زعمهم أو وهمهم تجمع على رقى ورقْيَات ورقَيَات، والراقي اسم فاعل منه يجمع على رقاة وراقين ومؤنثة راقية تجمع على رواق مثل جوار وجارية وهو من يصنع الرقية ويقال رجل راقية كما يقال راوية والتاء للمبالغة لا للتانيث، والرقاء الماهر في استعمال الرقية ويقال رقى الجبل وفيه وعليه وإليه يرقى رَقْيًا ورُقِيًا من باب رضي إذا صعد ورَقيَ في السلم إذا صعد فيها درجة درجة.

ص: 173

قَال: بِاسْمِ اللهِ يُبْرِيكَ، وَمِنْ كُلِّ دَاءٍ يَشْفِيكَ، وَمِنْ شَرٍّ حَاسِدِ إِذَا حَسَدَ، وَشَرِّ كُلِّ ذِي عَينٍ

ــ

فـ (قال) جبريل في رقيته، فالجملة مفسرة لجملة فقال (باسم الله يبريك ومن كل داء يشفيك ومن شر حاسد إذا حسد وشر كل ذي عين) قوله باسم الله يبريك والمراد بالاسم هنا المسمى أي الذات والباء زائدة والإضافة فيه حينئذ من إضافة الشيء إلى نفسه وهو مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف جر زائد، وجملة يبريك خبر المبتدأ والمعنى مسمى هو الله أي ذات الله يبرئك ويشفيك من كل مرض ويحتمل أن يكون الاسم على بابه فالإضافة فيه من إضافة الاسم إلى المسمى لأن اسم الله يتبرك به كما أنَّه يتبرك بذاته لأن ما ورد على المسمى فهو وارد على الاسم والمعنى اسم الله يشفيك الله ببركته.

وقوله (يبرئك) بضم الياء من الإبراء بالهمزة وربما تخفف الهمزة فتبدل ياء أي اسم الله يبرئك من كل الأمراض ويعافيك من كل الآلام، والجار والمجرور في قوله (ومن كل داء) متعلق بقوله (يشفيك) قدم عليه لضرورة السجع، والجملة الفعلية معطوفة على جملة يبرئك أي واسم الله يشفيك ويعافيك من كل داء ومرض، والجار والمجرور في قوله (ومن شر حاسد) معطوف على الجار والمجرور في قوله (من كل داء) والظرف في قوله (إذا حسد) مجرد عن معنى الشرط متعلق بما تعلق به الجار والمجرور قبله.

وقوله (وشر كل ذي عين) بالجر معطوف على قوله وشر حاسد والمعنى واسم الله يحفظك من شر كل حاسد وضرره وقت حسده لك واسم الله يقيك من شر كل صاحب عين عائنة أي مضرة هذا ما ظهر للفهم السقيم في إعراب هذه الكلمات.

وعبارة القرطبي هنا (قوله كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى) .. الخ دليل على استحباب الرقية بأسماء الله تعالى وبالعوذ الصحيحة المعنى وأن ذلك لا ينافي التوكل على الله تعالى ولا ينقصه إذ لو كان شيء من ذلك لكان النبي صلى الله عليه وسلم أحق الناس بأن يجتنب ذلك فإن الله تعالى لم يزل يرقي نبيه صلى الله عليه وسلم في المقامات الشريفة والدرجات الرفيعة إلى أن قبضه الله تعالى على أرفع مقام وأعلى حال وقد رقي في أمراضه حتَّى في مرض موته صلى الله عليه وسلم فقد رقته عائشة رضي الله تعالى عنها في مرض موته ومسحته بيدها وبيده الشريفة وهو مقر لذلك غير منكر

ص: 174

5559 -

(2148)(202) حدَّثنا بِشْرُ بن هِلَالٍ الصَّوَّافُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بن صُهَيبٍ، عَنْ أَبِي نَضرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: أَن جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَال: يَا مُحَمَّدُ! اشْتَكَيتَ؟ فَقَال:

ــ

لشيء مما هنالك رواه البخاري [5751].

قوله (باسم الله يبريك) الاسم هنا يراد به المسمى وهو الذات العلية فكأنه قال الله يبرئك نظير قوله تعالى: {سَبِح اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى (1)} أي سبح ربك فالاسم مقحم ولفظ الاسم في أصله عبارة عن الكلمة الدالة على المسمى والمسمى هو مدلولها غير أنَّه قد يتوسع فيوضع الاسم موضع المسمى مسامحة.

وقوله (من كل داء يشفيك) دليل على جواز الرقى لما وقع في الأمراض ولما يتوقع وقوعه.

وقوله (ومن شر كل حاسد إذا حسد) دليل على أن الحسد يؤثر في المحسود ضررًا يقع به إما في جسمه بمرض أو في ماله وما يختص به بضرر وذلك بإذن الله تعالى ومشيئته كما قد أجرى عادته وحقق إرادته فربط الأسباب بالمسببات وأجرى بذلك العادات ثم أمرنا بدفع ذلك بالالتجاء إليه والدعاء له وأحالنا على الاستعانة بالعوذ والرقى اهـ من المفهم.

وانفرد المؤلف بهذا الحديث عن أصحاب الأمهات الخمس إلَّا أنَّه أخرجه أحمد [6/ 160].

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث أبي سعيد رضي الله عنهما فقال:

5559 -

(2148)(202)(حدثنا بشر بن هلال) النميري مصغرًا أبو محمد (الصواف) البصري، ثقة، من (10)(حَدَّثَنَا عبد الوارث) بن سعيد العنبري البصري، ثقة، من (8)(حَدَّثَنَا عبد العزيز بن صهيب) البناني البصري، ثقة، من (4)(عن أبي نضرة) المنذر بن مالك بن قطعة العبدي البصري، ثقة، من (3)(عن أبي سعيد) سعد بن مالك الخدري رضي الله عنهما. وهذا السند من خماسياته (أن جبريل) الأمين عليه السلام (أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال) جبريل (يا محمد اشتكيت) بتقدير همزة الاستفهام الاستخباري أي هل اشتكيت ومرضت يا محمد (فقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم

ص: 175

"نَعَمْ" قَال: بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ، مِنْ كُلِّ شَيءٍ يُؤْذِيكَ، مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ، أَوْ عَينِ حَاسِدٍ الله يَشْفِيكَ، بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ.

5560 -

(2149)(203) حدَّثنا مُحَمَّدُ بن رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَال: هذَا

ــ

(نعم) اشتكى فـ (قال) له جبريل (باسم الله) أي بقراءة اسم الله عليك (أرقيك) أي أعالجك (من كل شيء يؤذيك) ويضرك، وقوله (من شر كل نفس) شريرة (أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم أو الراوي من شر (عين حاسد) متعلق بقوله (الله يشفيك) أي الله يشفيك ويقيك من ضرر كل نفس شريرة خبيثة أو قال من كل ضرر عين عائن حاسد يحميك. قال القرطبي: أو للشك من الراوي في أي اللفظين قال مع أن معناهما واحد فإن نفس النفس تطلق على الإصابة بالعين يقال أصابت فلانًا نفس أي عين والنافس العائن قاله القتبي وتطلق النفس على أمور أخر ليس شيء منها يراد بهذا الحديث والله تعالى أعلم اهـ من المفهم. وقوله (باسم الله أرقيك) في آخر الحديث توكيد لفظي لما ذكره في أول الحديث. قال النووي: (وقوله باسم الله أرقيك) تصريح بالرقى بأسماء الله تعالى وفيه توكيد الرقية والدعاء وتكريره. وقوله (من شر كل نفس) قيل يحتمل أن المراد بالنفس نفس الآدمي، وقيل يحتمل أن المراد بها العين فإن النفس تطلق على العين ويقال رجل نفوس إذا كان يصيب الناس بعينه كما قال في الرواية الأخرى (من شر كل ذي عين) ويكون قوله (أو عين حاسد) من باب التوكيد بلفظ مختلف أو شكًّا من الراوي في لفظه والله أعلم اهـ.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 28]، والترمذي في الجنائز في باب التعوذ للمريض [972]، وابن ماجة في الطب باب ما عوذ به النبي صلى الله عليه وسلم وما عوذ به [3568].

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة ثانيًا بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال:

5560 -

(2149)(203)(حَدَّثَنَا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري، ثقة، من (11)(حَدَّثَنَا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (حَدَّثَنَا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن همام بن منبه) بن كامل بن سيج اليماني (قال) همام (هذا) الحديث الَّذي

ص: 176

مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الْعَينُ حَقٌّ"

ــ

أمليه عليكم من هذه الصحيفة (ما حَدَّثَنَا) به (أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر) همام (أحاديث كثيرة منها) أي من تلك الأحاديث الكثيرة أن أبا هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم العين) أي إصابة عين العائن للمعيون أي ضررها له (حق) أي أمر ثابت موجود لا شك فيه. قال ذهني: قوله (العين حق) أي الإصابة بها ثابتة موجودة، وفي الحديث رد على طائفة من المبتدعة حيث أنكروا إصابتها لأن الشارع أثبت وأخبر بوقوعه مع كونها من مجوزات العقل فوجب اعتقاده ولا يجوز إنكاره والله أعلم. وفي حديث البزار عن أنس مرفوعًا قال:"من رأى شيئًا فأعجبه فقال: ما شاء الله لا قوة إلَّا بالله لم يضره" اهـ، والإصابة بالعين أن ينظر المرء إلى شخص فيعجبه ذلك فيحدث ضرر بالمنظور إليه بسبب نظره إليه وإعجابه به ويسمى الناظر بعد إصابة العين عائنًا والمنظور إليه معيونًا.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الطب باب العين حق [5740]، وأبو داود في الطب باب ما جاء في العين [3879]، وابن ماجة في الطب باب العين [3552].

قال المازري: أخذ الجمهور بظاهر الحديث وقالوا إن إصابة العين حق وأنكره طوائف من المبتدعة بغير دليل لأن كل شيء ليس محالًا في نفسه ولا يؤدي إلى قلب حقيقة ولا إفساد دليل فهو من مجوزات العقول فإذا أخبر الشرع بوقوعه لم يكن لإنكاره معنى وهل من فرق بين إنكارهم هذا لمانكارهم ما يخبر به من أمور الآخرة حكاه الحافظ في الفتح [10/ 253].

وأما حقيقة إصابة العين فقد تكلم فيها العلماء كثيرًا، فقال الخطابي: قال المازري: زعم بعض الطبائعيين أن العائن ينبعث من عينه قوة سمية تتصل بالمعيون فيهلك أو يفسد وهو كإصابة السم من نظر الأفاعي وأشار إلى منع الحصر في ذلك مع تجويزه وأن الَّذي يتمشى على طريق أهل السنة أن العين إنما تضر عند نظر العائن بعادة أجراها الله تعالى أن يحدث الضرر عند مقابلة شخص لآخر وهل ثم جواهر خفية أو لا؟ هو أمر محتمل لا يقطع بإثباته ولا بنفيه، ومن قال ممن ينتمي إلى الإسلام من أصحاب

ص: 177

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الطبائع بالقطع بأن جواهر لطيفة غير مرئية تنبعث من العائن فتتصل بالمعيون وتتخلل مسام جسمه فيخلق البارئ الهلاك عندها كما يخلق الهلاك عند شرب السموم فقد أخطأ بدعوى القطع ولكن جائز أن يكون عادة ليست ضرورة ولا طبيعة.

وذكر ابن العربي عن الفلاسفة أن الإصابة بالعين صادرة عن تأثير النفس بقوتها فيه فأول ما تؤثر في نفسها ثم تؤثر في غيرها ثم رده بأنه لو كان كذلك لما تخلفت الإصابة في كل حال والواقع خلافه، ثم ذو عن بعض العلماء كلامًا مثل ما نقل الخطابي عن المازري ورده أيضًا بما لا يصلح ردًّا، ثم قال: والحق أن الله يخلق عند نظر العائن إليه وإعجابه به إذا شاء ما شاء من ألم أر هلكة وقد يصرفه قبل وقوعه إما بالاستعاذة أو بغيرها وقد يصرفه بعد وقوعه بالرقية أو الاغتسال أو بغير ذلك.

وحكى الحافظ في الفتح [10/ 200] هذه الأقوال ثم قال: وقد أجرى الله العادة بوجود كثير من القوى والخواص في الأجسام والأرواح كما يحدث لمن ينظر إليه من يحتشمه من الخجل فيرى في وجهه حمرة شديدة لم تكن قبل ذلك وكذا الاصفرار عند رؤية من يخافه وكثير من الناس يسقم بمجرد النظر إليه وتضعف قواه وكل ذلك بواسطة ما خلق الله تعالى في الأرواح من التأثيرات، ولشدة ارتباطها بالعين نسب الفعل إلى العين وليست هي المؤثرة وإنما التأثير للروح والأرواح مختلفة في طبائعها وقواها وكيفياتها وخواصها فمنها ما يؤثر في البدن بمجرد الرؤية من غير اتصال به لشدة خبث تلك الروح وكيفيتها الخبيثة.

والحاصل أن التأثير بإرادة الله تعالى وخلقه ليس مقصورًا على الاتصال الجسماني بل يكون تارة به وتارة بالمقابلة وأخرى بمجرد الرؤية وأخرى بتوجُّه الروح كالذي يحدث من الأدعية والرقى والالتجاء إلى الله وتارة يقع ذلك بالتوهم والتخيل فالذي يخرج من عين العائن سهم معنوي إن صادف البدن الَّذي لا وقاية له أثر فيه وإلا لم ينفذ السهم بل رد على صاحبه كالسهم سواء، وهذا كلام متين جدًّا ومن هنا قال ابن بطال أن من ذلك أن الصحيح قد ينظر إلى العين الرمداء فيرمد ويتثاءب واحد بحضرته فيتثاءب هو، وقد نقل عن بعض من كان معيانًا أنَّه قال إذا رأيت شيئًا يعجبني وجدت حرارة تخرج من عيني، ويقرب ذلك بالمرأة الحائض تضع يدها في إناء اللبن فيفسد ولو وضعتها بعد

ص: 178

5561 -

(2150)(204) وحدَّثنا عَبْدُ الله بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِميُّ، وَحَجَّاجُ بْنُ الشاعِرِ، وأَحْمَدُ بْنُ خِرَاشٍ، - (قَال عَبْدُ اللهِ: أَخْبَرَنَا، وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا) - مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَال: حَدَّثَنَا وُهَيبٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال: "الْعَينُ حَقٌّ، وَلَوْ كَانَ شَيءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَينُ

ــ

طهرها لم يفسد، وكذا تدخل البستان فتضر بكثير من الغروس من غير أن تمسها يدها والله سبحانه وتعالى أعلم.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث عائشة بحديث ابن عباس رضي الله عنهم فقال:

5561 -

(2150)(204)(وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن بهرام (الدارمي) السمرقندي، ثقة متقن، من (11) روى عنه في (14) بابا (وحجاج) بن يوسف بن حجاج الثقفي المعروف بـ (ابن الشاعر) البغدادي (وأحمد) بن الحسن (بن خراش) بكسر الخاء المعجمة الخراساني أبو جعفر البغدادي، صدوق، من (11) روى عنه في (8) أبواب (قال عبد الله) بن عبد الرحمن (أخبرنا وقال الآخران حَدَّثَنَا مسلم بن إبراهيم) الأزدي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (2) البيوع والطب (قال) مسلم (حَدَّثَنَا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (12) بابا (عن) عبد الله (بن طاوس) بن كيسان اليماني الحميري، ثقة، من (6)(عن أبيه) طاوس بن كيسان اليماني، ثقة، من (3)(عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذا السند من سداسياته (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال العين حق) أي إصابتها أمر ثابت موجود لا شك فيه (ولو كان شيء) من أسباب الإهلاك (سابق) أي غالب (القدر) بإهلاكه الشيء قبل حلول الأجل المقدر له (سبقته) أي سبقت القدر وغلبته (العين) أي إصابة العين بإهلاكها الشيء قبل حلول الأجل المقدر لها، وهذه الجملة كالمؤكدة لجملة قوله العين حق، وفيها تنبيه على سرعة نفوذها وتأثيرها في الذات والمعنى ولو فرض أن شيئًا له قوة بحيث يسبق القدر كان ذلك الشيء السابق للقدر العين أي إصابتها لكنها لا تسبقه فكيف غيرها من الأسباب اهـ قسطلاني. ومعنى (سابق القدر) أي غالبه في السبق (سبقته العين) أي لغلبته العين والمعنى فلو أمكن أن يسبق القدر شيء فيؤثر في إفناء الشيء وإعدامه قبل

ص: 179

وَإِذَا اسْتُغسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا"

ــ

أوانه المقدر له سبقت العين القدر اهـ مرقاة. والخطاب في قوله (وإذا استغسلتم فاغسلوا) لمن اتهم بأنه عائن أي وإذا طلب منكم أيها العائنون أولياء المعيون غسل أطرافكم وما تحت الإزار لتصب غسالتكم على المريض طلبًا لشفائه (فاغسلوا) أيها العائنون أطرافكم وأعطوا غسالتكم لأولياء المريض ليصبوها عليه طلبًا لشفائه من إصابة أعينكم إياه. فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يمتنعوا عن الاغتسال إذا أريد منهم ذلك اهـ مرقاة.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي [2063].

قال القرطبي: (قوله العين حق) أي ثابت موجود لا شك فيه وهذا قول علماء الأمة ومذهب أهل السنة، وقد أنكرته طوائف من المبتدعة وهم محجوجون بالأحاديث النصوص الصريحة الكثيرة الصحيحة وبما يشاهد من ذلك في الوجود فكم من رجل أدخلت العين القبر وكم من جمل ظهير أحلته القدر لكن ذلك بمشيئة الله تعالى وقدرته كما قال:{وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إلَّا بِإِذْنِ اللهِ} ولا يلتفت إلى معرض عن الشرع والعقل يتمسك في إنكار ذلك باستبعاد ليس له أصل فإنا نشاهد من خواص الأحجار وتأثير السحر وسموم الحيوانات ما يقضي منها العجب ويتحقق أن كل ذلك فعل مسبب كل سبب ولا يلتفت أيضًا إلى قول من قال من المثبتين للعين إن العائن تنبعث من عينه قوة سمية تتصل بالمعين فيهلك أو يفسد كما تنبعث قوة سمية من الأفعى والعقرب تتصل باللديغ فتهلكه لأنا نقول لهؤلاء إن كنتم تريدون بالقوة أن هناك معنى يقتضي ذلك الضرر بذاته وأن ذلك ليس فعلًا لله تعالى فذلك كفر لأنه جحد لما علم من الشرع والعقل من أنَّه لا خالق إلَّا الله عز وجل ولا فاعل على الحقيقة إلَّا هو وإن كان يريد بذلك أن الله تعالى هو الفاعل للسبب والمسبب فهو الحق الصريح غير أن إطلاق لفظ القوة في هذا المعنى ليس بحسن عند المتشرعين ولا صحيح.

قوله (ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين) هذا إغياء في تحقيق إصابة العين ومبالغة فيه تجري مجرى التمثيل لأنه يمكن أن يرد القدر شيء فإن القدر عبارة عن سابق علم الله تعالى ونفوذ مشيئته ولا راد لأمره ولا معقب لحكمه وإنما هذا خرج مخرج قولهم لأطلبنك ولو تحت الثرى أو لو صعدت إلى السماء ونحوه مما يجري هذا المجرى وهو كثير.

ص: 180

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقوله (وإذا استغسلتم فاغسلوا) هذا خطاب لمن يتهم بأنه عائن فيجب عليه ذلك ويقضى عليه به إذا طلب منه ذلك لاسيما إذا خيف على المعين الهلاك وهذا الغسل هو الَّذي سماه في بعض طرق حديث سهل بن حنيف بالوضوء وذلك أن عامر بن ربيعة نظر إلى سهل متجردًا فقال: ما رأيت كاليوم ولا جلد عذراء، فوعك سهل مكانه فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لعامر "علام يقتل أحدكم أخاه ألا بركت، إن العين حق، توضأ له" فتوضأ عامر. رواه أبو داود [3880] وفي الطريق الأخرى زيادة كيفية الغسل قال: فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبته وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح فصب عليه. وصفته عند العلماء أن يؤتى من ماء ولا يوضع القدح على الأرض فيأخذ منه غرفة فيتمضمض بها ثم يمجها في القدح ثم يأخذ منه ما يغسل به وجهه ثم يأخذ بشماله ما يغسل به كفه اليمنى ثم بيمينه ما يغسل به كفه اليسرى وبشماله ما يغسل به مرفقه الأيمن ثم بيمينه ما يغسل به مرفقه الأيسر ولا يغسل ما بين المرفقين والكف ثم قدمه اليمنى ثم اليسرى ثم ركبته اليمنى ثم اليسرى على الصفة المذكورة والرتبة المتقدمة ولا يغسل ما بين الكعبين والركبتين وكل ذلك في القدح ثم داخلة الإزار وهو الطرف الَّذي يلي حقوه الأيمن وقد ذكر بعضهم أن داخلة الإزار يكنى به عن الفرج وجمهور العلماء على ما قلناه فإذا استكمل هذا صبه خلفه من على رأسه هكذا نقل أبو عبد الله المازري وقال هذا المعنى لا يمكن تعليله ومعرفة وجهه، قال القاضي عياض: وبه قال الزهري وأخبر أنَّه أدرك العلماء يصفونه ويستحسنه علماؤنا ومضى به العمل وزاد أن غسل وجهه إنما هو صبة واحدة بيده اليمنى وكذلك سائر أعضائه وليس على صفة غسل الأعضاء في الوضوء وغسل داخلة الإزار هو إدخاله وغسله في القدح ثم يقوم الَّذي يأخذ القدح فيصبه على رأس المعين من ورائه على جميع جسده يستغفله به وقيل يغسله بذلك ثم يكفأ الإناء على ظهر الأرض.

وقد روي عن ابن شهاب أنَّه بدأ بغسل الوجه قبل المضمضة وأنه لا يغسل القدمين جميعها بل أطرافها من عند أصول أصابعه، وقيل في داخلة الإزار الموضع الَّذي تمسه داخلة الإزار وقيل أراد وركه إذ هو معقد الإزار، وقد روي في حديث سهل أن العائن غسل صدره مع ما ذكره وأنه صلى الله عليه وسلم أمره فحسا من الماء حسوات والمعتمد على ما رواه مالك والله تعالى أعلم.

ص: 181

5562 -

(2151)(205) حدَّثنا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالت: سَحَرَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَهُودِيٌّ مِنْ يَهُودِ بَنِي زُريقٍ. يُقَالُ لَهُ: لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ

ــ

وفي حديث سهل من الفقه أبواب فمنها خبر العائن على الوضوء المذكور على الوجه المذكور وقيل لا يجبر وأن من اتهم بأمر أحضر للحاكم وكشف عن أمره وأن العين قد تقتل لقوله: صلى الله عليه وسلم "علام يقتل أحدكم أخاه" كما مر آنفًا، وأن الدعاء بالبركة يذهب أثر العين بإذن الله تعالى وأن أثر العين إنما هو عن حسد كامن في القلب وأن من عرف بالإصابة بالعين منع من مداخلة الناس دفعًا لضرره، قال بعض العلماء: يأمره الإمام بلزوم بيته وإن كان فقيرًا رزقه ما يقوم به وكف أذاه عن الناس.

[فرع] لو انتهت إصابة العين إلى أن يعرف بذلك ويعلم من حاله أنَّه كلما تكلم بشيء معظمًا له أو متعجبًا منه أصيب ذلك الشيء وتكرر ذلك بحيث يصير ذلك عادة له فما أتلفه بعينه غرمه وإن قتل أحدًا بعينه عامدًا لقتله قتل به كالساحر القاتل بسحره عند من لا يقتله كفرًا، وأما عندنا فيقتل على كل حال قتل بسحره أو لا لأنه كالزنديق كما سيأتي في مبحث السحر.

ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على السحر بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

5562 -

(2151)(205)(حَدَّثَنَا أبو كريب حَدَّثَنَا) عبد الله (بن نمير عن هشام) بن عروة (عن أبيه عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته (قالت) عائشة رضي الله تعالى عنها (سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم أي صنع به صناعة السحر (يهودي من يهود) المدينة (بني زريق يقال له لبيد بن الأعصم).

[قلت] قد صرح الراوي في هذه الرواية بأنه كان يهوديًّا، وقد وقع في رواية لابن عيينة عند البخاري [5765](رجل من بني زريق حليف ليهود كان منافقًا) وبين الروايتين معارضة وجمع بينهما الحافظ في الفتح بأن من أطلق أنَّه يهودي نظر إلى ما في نفس الأمر ومن أطلق عليه منافقًا نظر إلى ظاهر أمره، ويحتمل أنَّه قيل له يهودي لكونه من حلفائهم لا أنَّه كان على دينهم وبنو زريق بطن من الأنصار مشهور من الخزرج وكان بين كثير من الأنصار واليهود حلف وإخاء قبل الإسلام فلما جاء الإسلام تبرأ الأنصار منهم،

ص: 182

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقد أخرج البيهقي في دلائل النبوة [7/ 92] من طريق عمرة عن عائشة قالت كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلام يهودي يخدمه يقال له لبيد بن أعصم وكان تعجبه خدمته فلم تزل به يهود حتَّى سحر النبي صلى الله عليه وسلم وقد بين الواقدي السنة التي وقع فيها السحر فيما أخرجه عنه ابن سعد بسند له إلى عمر بن الحكم مرسل قال (لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية في ذي الحجة ودخل المحرم من سنة سبع جاءت رؤساء اليهود إلى لبيد بن الأعصم وكان حليفًا في بني زريق وكان ساحرًا فقالوا له يا أبا الأعصم أنت أسحرنا وقد سحرنا محمد فلم تصنع شيئًا ونحن نجعل لك جعلًا على أن تسحر لنا سحرًا ينكؤه فجعلوا له ثلاثة دنانير) ووقع في رواية أبي ضمرة عند الإسماعيلي فأقام أربعين ليلة، وقال السهيلي لم أقف في شيء من الأحاديث المشهورة على قدر المدة التي مكث النبي صلى الله عليه وسلم فيها في السحر حتَّى ظفرت به في جامع معمر عن الزهري أنَّه لبث ستة أشهر وأيده الحافظ بحديث أخرجه أحمد في مسنده [6/ 63] بإسناد موصول صحيح راجع فتح الباري [10/ 226] والله سبحانه وتعالى أعلم، وفي مرسل يحيى بن يعمر عند عبد الرزاق سحر النبي صلى الله عليه وسلم عن عائشة سنة أي حبس عنها سنة حتَّى كاد يغض بصره عنها.

وهذا الحديث يدل على أن السحر موجود وأن له أثرًا في المسحور وقد دل على ذلك مواضع كثيرة من الكتاب والسنة بحيث يحصل بذلك القطع بأن السحر حق وأنه موجود وأن الشرع قد أخبر بذلك كقصة سحرة فرعون وبقوله تعالى فيها: {وَجَاءُوأ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} {يُخَيَّلُ إِلَيهِ مِنْ سِحِرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} إلى غير ذلك مما تضمنته تلك الآيات من ذكر السحر والسحرة، وبالجملة فهو أمر مقطوع به بإخبار الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم عن وجوده ووقوعه فمن كذب بذلك فهو كافر مكذب لله ولرسوله منكر لما علم مشاهدة وعيانًا ومنكر ذلك إن كان مستترًا به فهو الزنديق وإن كان مظهرًا فهو المرتد.

والسحر لغة كل ما لطف وخفي، واصطلاحًا كل ما خفي سببه أو تخيل على غير حقيقته، وقد بسطنا الكلام عليه في تفسيرنا في مظانه فراجعه.

والسحر عند علمائنا حيل صناعية يتوصل إليها بالتعلم والاكتساب غير أنها لخفائها

ص: 183

قَالتْ: حَتَّى كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُخَيَّلُ إِلَيهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيءَ، وَمَا يَفْعَلُهُ. حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ، أَوْ ذَاتَ لَيلَةٍ، دَعَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ دَعَا، ثُمَّ

ــ

ودقتها لا يتوصل إليها إلَّا آحاد الناس فيندر وقوعها وتستغرب آثارها لندورها، ومادته الوقوف على خواص الأشياء والعلم بوجوه تركيبها وأزمان ذلك وأكثره تخيلات لا حقيقة لها وإبهامات لا ثبوت لها فتعظم عند من لا يعرفها وتثتبه على من لا يقف عليها ولذلك قال تعالى:{يُخَيَّلُ إِلَيهِ مِنْ سِحِرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} مع أنَّه كان في عين الناظر إليه عظيمًا كما عبر تعالى عنه بقوله: {وَجَاءُوأ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} لأن الحبال والعصي لم تخرج عن حقيقتها وذلك بخلاف عصى موسى فإنها انقلبت ثعبانًا مبينًا خرقًا للعادة وإظهارًا للمعجزة ولا ينكر أن السحر له تأثير في القلوب بالحب والبغض وبإلقاء الشرور حتَّى يفرق الساحر بين المرء وزوجه ويحول بين المرء وقلبه وبإدخال الالام وعظيم الأسقام إذ كل ذلك مدرك بالمشاهدة وإنكاره معاندة وعلى ما قررناه فالسحر ليس بخرق عادة بل هو أمر عادي يتوصل إليه من يطلبه غالبًا غير أنَّه يقل ويندر اهـ من المفهم.

[قلت] رسمه الشيخ بأنه أمر خارق للعادة مسبب عن سبب معتاد كونه عنه قال فخرج المعجزة والكرامة اهـ أبي.

(قالت) عائشة رضي الله تعالى عنها سحره يهودي (حتَّى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخيل) ويصوَّر (إليه) صلى الله عليه وسلم (أنَّه يفعل الشيء وما يفعله) أي والحال أنَّه لم يفعل ذلك الشيء حقيقة أي يزعم أنَّه فعل شيئًا لم يفعله أي كان يتخيل إليه أنَّه وطئ زوجاته وليس بواطئ وهذا التخيل بالبصر لا لخلل تطرق إلى العقل والقلب، بل السحر تسلط على جسده الشريف وظواهر جواهره اللطيفة لا على قلبه وعقله واعتقاده وهذا ما يدخل لبسًا على الرسالة، وفسر القاضي عياض هذا التخييل بقوله يحتمل أن يكون المراد بالتخييل المذكور (أنَّه يظهر له من نثاطه ما ألفه من سابق عادته من الاقتدار على العطاء فإذا دنا من المرأة فتر عن ذلك كما هو شأن المعقود) واستمر كذلك مسحورًا (حتَّى إذا كان ذات يوم) أي كان في يوم من الأيام، ولفظ ذات مقحم (أو) قالت عائشة، والشك من عروة أو ممن دونه (ذات ليلة) أي كان في ليلة من الليالي (دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أي طلب من الله تعالى الشفاء (ثم دعا) مرة ثانية (ثم

ص: 184

دَعَا. ثُمَّ قَال: "يَا عَائِشَةُ! أَشَعَرْتِ أَنَّ اللهَ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيتُهُ فِيهِ؟ جَاءَنِي رَجُلَانِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسي وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ. فَقَال الَّذِي عِنْدَ رَأْسِي لِلَّذِي عِنْدَ رِجْلَيَّ، أَو الَّذِي عِنْدَ رِجْلَيَّ لِلَّذِي عِنْدَ رَأْسِي: مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟

ــ

دعا) مرة ثالثة أي إظهارًا للعجز والافتقار وعلمًا منه بأن الله هو الكاشف للكروب والأضرار وقيامًا بعبادة الدعاء عند الاضطرار، وفيه دليل على استحباب الدعاء عند حصول الأمور المكروهات وتكريره وحسن الالتجاء إلى الله تعالى (ثم) بعدما دعا ثلاث مرات (قال) لي (يا عائشة أشعرت) بفتح همزة الاستفهام التقريري وفتح الشين المعجمة وكسر التاء خطابًا لعاششة أي أعلمت فالهمزة للاستفهام التقريري أي هل علمت (أن الله) تعالى (أفتاني فيما استفتيته فيه) أي أجابني فيما دعوته فسمى الدعاء استفتاء والجواب فتيا لأن الداعي طالب والمجيب مسعف فاستعير أحدهما للآخر اهـ مفهم. أي أجابني فيما سألته عنه، وفي رواية عمرة عند البيهقي في الدلائل (قد أنباني بوجعي) وذلك أنَّه (جاءني رجلان) في منامي ووقع في رواية عمرة عند البيهقي في الدلائل [7/ 92](فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة نائم إذ أتاه ملكان) وهذا يدل على أن قصة إتيان الرجلين إنما وقعت في المنام وحمله الحافظ في الفتح على أنَّه صلى الله عليه وسلم كان بصفة النائم وهو يقظان فتخاطبا وهو يسمع، وذكر أنَّه وقع في حديث ابن عباس عند ابن سعد بسند ضعيف جدًّا (فهبط عليه ملكان وهو بين النائم واليقظان) وأخرج النسائي وابن سعد والحاكم وعبد بن حميد عن زيد بن أرقم (سحر النبي صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود فاشتكى لذلك أيامًا فاتاه جبريل فقال إن رجلًا من اليهود سحرك) .. الخ ودل ذلك على أن أحد الملكين كان جبريل، وذكر الحافظ أن الآخر ميكائيل ولم أقف على مأخذه والله أعلم (فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي) بتشديد الياء على صيغة التثنية اهـ ومعنى (جاءني رجلان) أي ملكان في صورة رجلين وظاهره أن ذلك كان في اليقظة، ويحتمل أن يكون منامًا ورؤيا الأنبياء عليهم السلام وحي اهـ مفهم (فقال) الرجل (الذي) هو جالس (عند رأسي لـ) لرجل (الَّذي) هو جالس (عند رجلي أو) قال (الَّذي عند رجلي للذي عند رأسي) والشك من الراوي (ما وجع) هذا (الرجل) أي ما مرضه، وفي رواية ابن عيينة عند البخاري ما بال الرجل؛ والحاصل أن أحدهما سأل الآخر عن وجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا اللفظ يدل على أن

ص: 185

قَال: مَطبُوبٌ. قَال: مَنْ طَبَّهُ؟ قَال: لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَم. قَال: في أَيِّ شَيءٍ؟ قَال: في مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ. قَال: وَجُبِّ طَلْعَة ذَكَرٍ. قَال: فَأينَ هُوَ؟ قَال: في بِئرِ ذِي أَرْوَانَ"

ــ

ما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كان نوعًا من المرض حدث بسبب سحر فـ (قال) الآخر هو أن هذا الرجل (مطبوب) أي مسحور يقال طب الرجل بضم الطاء إذا سحر ويقال إنهم كنوا عن السحر بالطب تفاؤلًا كما قالوا للديغ سليم (قال) الآخر (من طبه) أي سحره (قال) طبه (لبيد بن الأعصم قال في أي شيء) طبه (قال)(في مشط) بضم الميم وسكون المعجمة الآلة التي يسرح بها شعر الرأس واللحية وقد تكسر ميمه وقد تضم شينه أيضًا يجمع على أمشاط وقد يطلق على المشط على العظم العريض في الكتف وعلى سلاميات ظهر القدم، وعلى نبت صغير يقال له مشط الذنب، وقال القرطبي: يحتمل أن يكون الَّذي سحر فيه النبي صلى الله عليه وسلم أحد هذه الأربع (و) في (مشاطة) بضم الميم وفتح المعجمة مخففة وبعد الألف طاء مهملة وهي الشعر الَّذي يسقط ويخرج من الرأس أو اللحية عند تسريحه وفي حديث ابن عباس من شعر رأسه ومن أسنان مشطه، ووقع في البخاري مثاقة بالقاف بدل الطاء وهي الواحدة من مشاق الكتان وهو ما سقط من الكتان والحرير ونحوها عند المشط وقيل هي المشاطة من الشعر (قال) الملك الثاني يعني السائل أي قال للمجيب على سبيل التلقين والتذكير بما تركه (و) طبه أيضًا في (جب) بضم الجيم وتشديد الموحدة وهو وعاء طلع النخل أي الغشاء الَّذي يكون عليه عند طلوعه، قال شمر: أراد بالجب داخل المطلعة إذا أخرج عنها الكفرى كما يقال لداخل الركية (أي البئر) من أسفلها إلى أعلاها جب، وقيل فيه إنه من القطع يعني به ما قطع من قشورها، وفي رواية (جف) بالفاء بدل الباء وهما بمعنى ويطلق على الذكر والأنثى فلذلك قيده في الحديث بإضافته إلى (طلعة) وبإضافة طلعة إلى (ذكر) أي طلعة نخل مذكر ورواه بعضهم بتنوين طلعة على أن قوله ذكر صفة لجب (قال) السائل منهما (فأين هو) أي في أي موضع هو أي ما طبه فيه من الأمور الثلاثة المذكورة (قال) المجيب هو مدفون (في بئر ذي أروان) هكذا في جميع نسخ مسلم (ذي أروان) بالهمز وكذا وقع في بعض روايات البخاري، وفي بعضها (بئر ذي ذروان) بالذال المفتوحة والراء الساكنة وكلاهما صحيح والأول أجود وأصح، وادعى ابن قتيبة أنَّه الصواب وهو قول الأصمعي وهي بئر في

ص: 186

قَالتْ: فَأَتَاهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ. ثَمَّ قَال: "يَا عَائِشَةُ! وَاللهِ لَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ، وَلَكَأَنَّ نَخْلَهَا رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ"

ــ

المدينة في بستان بني زريق اهـ نووي، وذكر الحافظ أنَّه في الأصل (بئر ذي أروان) ثم سهلت الهمزة لكثرة الاستعمال فصارت ذروان، وفي رواية ابن عيينة عند البخاري (تحت راعوفة في بئر ذي أروان) والراعوفة حجر يوضع على رأس البئر لا يستطاع قلعه يقوم عليه المستقي وقد يكون أسفل البئر (قالت) عائشة (فأتاها) أي فأتى تلك البئر وجاءها (رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس) أي مع أناس (من أصحابه) وهذا صريح في أن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب إلى البئر بنفسه، ووقع بنفسه في دلائل النبوة للبيهقي (فلما أصبح غدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وغدا معه أصحابه إلى البئر) لكن وقع في حديث ابن عباس عند ابن سعد (فبعث إلى علي وعمار فأمرهما أن يأتيا إلى البئر) وعنده في مرسل ابن الحكم (فدعا جبير بن إياس الزرقي وهو ممن شهد بدرًا فدله على موضعه من بئر ذروان فاستخرجه) ويقال إن الَّذي استخرجه قيس بن محصن الزرقي، قال في الفتح: ويجمع بأنه أعان جبيرًا على ذلك وباشره بنفسه فنسب إليه وأن النبي صلى الله عليه وسلم وجههم أولًا ثم توجه فشاهدها بنفسه والله أعلم (ثم) بعدما أتاها ورجع إلى عائشة (قال يا عائشة والله لكان ماءها نقاعة الحناء) فيه دليل على جواز الحلف وإن لم يستحلف، ونقاعة الحناء بضم النون الماء الَّذي يخرج فيه لونها إذا نقعت وبلت فيه، قال في المنجد: والحناء بكسر الحاء المهملة وبالمد نبت يتخذ ورقه للخضاب الأحمر المعروف وزهره أبيض كالعناقيد واحدتها حناءة وجمعه حنان بضم أوله يعني أن ماء تلك البئر أحمر كالذي ينقع فيه الحناء يعني أنَّه تغير لرداءته أو لما خالطه مما ألقي فيه (ولكأن نخلها) أي النخيل التي حولها (رؤوس الشياطين) في التناهي في كراهتها وقبح منظرها، وقيل الشياطين حيات عرفاء قبيحة المنظر هائلة جدًّا اهـ قسطلاني. يعني أنها مستكرهة مستقبحة المنظر والمخبر وهذا على عادة العرب إذا استقبحوا شيئًا شبهوه بأنياب الأغوال أو رؤوس الشياطين يعني والله أعلم أن هذه الأرض التي فيها النخل والبئر خراب لا تعمر لردائتها فبئرها معطلة ونخلها مشذبة (أي مقطوعة الأغصان ومقشرة اللحاء) بمهملة وتغير ماء البئر إما لطول إقامتها وإما لما خالطه مما ألقي فيه اهـ من المفهم. وفي رواية عمرة عند البيهقي في الدلائل (وإذا نخلها الَّذي يشرب من مائها قد التوى سعفه كأنه رؤوس الشياطين) ويحتمل أن يكون شبه طلعها برؤوس الشياطين لقبح منظرها،

ص: 187

قَالتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَفَلا أَحْرَقْتَهُ؟ قَال: "لَا، أَمَّا أَنَا فَقَدَّ عَافَانِي اللهُ. وَكَرِهْتُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى

ــ

ويحتمل أن يكون المراد بالشياطين الحيات وهناك شجر الزقوم شبهت فروعها برؤوس الشياطين فشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم النخل بالزقوم والله أعلم، زاد البيهقي في دلائل النبوة [7/ 94] في روايته عن أبي بكر بن محمد عن عمرة (قال فنزل رجل فاستخرج جف طلعة من تحت الراعوفة فإذا فيه مشط رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن مراطة رأسه وإذا تمثال من شمع تمثال رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا فيها إبر مغروزة وإذا وتر فيه إحدى عشرة عقدة فأتاه جبريل عليه السلام بالمعوذتين فقال: يا محمد قل أعوذ برب الفلق وحل عقدة، من شر ما خلق وحل عقدة، حتَّى فرغ منها، ثم قال: قل أعوذ برب الناس وحل عقدة، حتَّى فرغ منها وحل العقد كلها، وجعل لا ينزع إبرة إلَّا وجد لها ألمًا ثم يجد بعد ذلك راحة، فقيل: يا رسول الله لو قتلت اليهودي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد عافاني الله عز وجل وما وراءه من عذاب الله أشد" قال: فأخرجه (قالت) عائشة (فقلت) له صلى الله عليه وسلم (يا رسول الله أفلا أحرقته) كذا صحت الرواية والظاهر عليه أن الضمير راجع إلى ما أخرج من البئر مما عقد عليه السحر ومراد عائشة أن يحرق ذلك أمام الناس لاستئصال شافته وليكون عبرة للناس ويناسبه جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ذلك يحتمل إثارة شر على الناس بإشاعة خبر السحر وتذكره وتعلمه، وذكر القرطبي: أن الضمير عائد إلى لبيد بن الأعصم واقترحت عائشة أن يحرق الرجل ليكون نكالًا للناس ويؤيده ما ذكرنا آنفًا من حديث عمرة في دلائل البيهقي ولفظه (فقيل: يا رسول الله لو قتلت اليهودي) وورد في الطريق الآتي (فأخرجه) مكان قولها هنا (أفلا أحرقته) ولعل المراد من الإخراج أن يعلم به الناس ويؤيده ما في مسند أحمد [6/ 96](فأخرجته للناس) ووقع في رواية ابن عيينة عند البخاري (أفلا أي تنشرت) والنشر علاج السحر بالنشرة، والنشرة علاج لدفع مضرة السحر اهـ من التكملة.

والهمزة في قوله (أفلا أحرقته) داخلة على محذوف وفيه حذف معطوف عليه قبل الإحراق والتقدير أتركته فلا أخرجته ولا أحرقته لأن الإحراق إنما يكون بعد الإخراج (قال) لها رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا) أي لا أخرجته ولا أحرقته أي ما أظهرته للناس ولا أحرقته (أما أنا فقد عاناني الله) تعالى وشفاني (وكرهت أن أثير) وأظهر (على

ص: 188

النَّاسِ شَرًّا، فَأَمَرْتُ بِهَا فَدُفِنَتْ".

5563 -

(00)(00) حدَّثنا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: سُحِرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وَسَاقَ أَبُو كُرَيبٍ الْحَدِيثَ بِقِصَّتِهِ، نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ نُميرٍ. وَقَال فِيهِ: فَذَهَبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْبِئْرِ. فَنَظَرَ إِلَيهَا وَعَلَيهَا

ــ

الناس) وأنشر بينهم (شرًّا) أي ضررًا أي بإخراج السحر من البئر فلعله يعمل به أو يضر أحدًا ففيه ترك مصلحة لدفع مفسدة أعظم منها، وفيه جواز النشرة لأنه صلى الله عليه وسلم لم يجبها بأن النشرة لا تجوز وإنما علل امتناعه بإشارة فتنة والله أعلم اهـ منه (فأمرت بها) أي بالبئر أي بردمها وسدها (فدفنت) أي ردمت وسدت على السحر الَّذي فيها لما يخاف من ضرر السحر ومن ضرر ماء ذلك البئر، وذكر السمهودي في وفاء الوفاء [3/ 1138] أن الَّذي هورها وهدمها هو الحارث بن قيس وأصحابه قال (وحفروا بئرًا أخرى فأعانهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على حفرها حتَّى استنبطوا ماءها ثم تهورت بعد) وراجع طبقات ابن سعد أيضًا [2/ 198].

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 63]، والبخاري في مواضع كثيرة منها في الطب باب السحر [5763 و 5765 و 5766]، وابن ماجة في الطب باب السحر [3590].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

5563 -

(00)(00)(حَدَّثَنَا أبو غريب حَدَّثَنَا أبو أسامة حَدَّثَنَا هشام عن أبيه عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي أسامة لعبد الله بن نمير (قالت) عائشة (سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله (وساق) ذكر (أبو غريب) تحريف من النساخ والصواب وساق أبو أسامة (الحديث) السابق (بقصته) أي بجميع ما فيه من القصة حالة كونه (نحو حديث ابن نمير) أي مقارب حديث عبد الله بن نمير لفظًا ومعنى (فقال) أبو أسامة (فيه) أي في ذلك النحو (فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البئر فنظر إليها وعليها) أي وعلى تلك البئر أي على جوانبها

ص: 189

نَخْلٌ. وَقَالتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! فَأَخْرِجْهُ. وَلَمْ يَقُل أَفَلَا أَحْرَقْتَهُ؟ وَلَمْ يَذْكُرْ: فَأَمَرْتُ بِهَا فَدُفِنَتْ".

5564 -

(2652)(206) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيدٍ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ امْرَأَةً يَهُودِيَّةً

ــ

(نخل وقالت) عائشة فـ (قلت يا رسول الله فأخرجه) أي فأخرج ما في ذلك البئر من السحر (ولم يقل) أبو أسامة لفظة (أفلا أحرقته ولم يذكر) أبو أسامة في الحديث لفظة (فأمرت بها) أي بتهوير تلك البئر (ندفنت) أي هورت وسدت مع ما فيها من السحر.

قال القرطبي: ووقع في رواية مسلم (قالت عائشة رضي الله تعالى عنها قلت يا رسول الله (فأخرجته) تتفهمه أي هل كان منه إخراج له لأنه على تقدير همزة الاستفهام والرواية المتقدمة على العرض وهما متقاربان في المعنى وفي كل الروايات فجواب النبي صلى الله عليه وسلم لها واحد وهو أنَّه لم يفعل ذلك ولا وجد منه. [قلت] ويظهر لي أن رواية (أفلا أحرقته) أولى من غيرها لأنه يمكن أن تكون استفهمته عن إحراق لبيد بن الأعصم الَّذي صنع السحر فأجابها بالامتناع من ذلك لئلا يقع بين الناس شر بسبب ذلك فحينئذ يكون فيه حجة لمالك على قتل الساحر إذا عمل بسحره وإنما امتنع النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك لما نبه عليه من خوف وقوع شر بين المسلمين واليهود لما كان بينهم من العهد والذمة فلو قتله لثارت فتنته ولتحدث الناس أن محمدًا يقتل من عاهده وأمنه وهذا نحو مما راعاه في الامتناع من قتل المنافقين حيث قال "لئلا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه" كما في سيرة ابن هشام [2/ 291] فيكون ذلك منفرًا عن الدخول في دينه وفي عهده والله تعالى أعلم اهـ من المفهم.

ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أنس رضي الله عنه فقال:

5564 -

(2652)(206)(حَدَّثَنَا يحيى بن حبيب) بن عربي (الحارثي) البصري (حَدَّثَنَا خالد بن الحارث) بن عبيد بن سليم الهجيمي البصري، ثقة، من (8)(حَدَّثَنَا شعبة عن هشام بن زيد) بن أنس بن مالك الأنصاري البصري، ثقة، من (5)(عن) جده (أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن امرأة يهودية) اسمها زينب

ص: 190

أَتَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ فَأَكَلَ مِنْهَا. فَجِيءَ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَسَأَلَهَا عَنْ ذلِكَ؟ فَقَالتْ: أَرَدْتُ لأَقْتُلَكَ. قَال: "مَا كَانَ اللهُ لِيُسَلِّطَكِ عَلَى ذَاكِ" قَال: أَوْ قَال: "عَلَيَّ" قَال: قَالُوا: أَلَا نَقْتُلهَا؟ قَال: "لَا"

ــ

بنت الحارث أخت مرحب اليهودي كما جاءت مسماة في مغازي موسى بن عقبة، وفي الدلائل للبيهقي اهـ تنبيه المعلم (أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة) أي بلحم شاة مخلوط بسم ظاهره أنها أتته بها على وجه الهدية فإنه كان يقبل الهدية ويثيب عليها، ويحتمل أن تكون ضيافة وأبعد ذلك أن تكون بيعًا، وفي غير كتاب مسلم أنَّه أخذ من الشاة الذراع فأكل منها هو وبشر بن البراء وأنه قال عند ذلك إن هذه الذراع تخبرني أنها مسمومة فأحضرت اليهودية فسئلت عن ذلك فاعترفت وقالت إنما فعلت ذلك لأنك إن كنت نبيًّا لم يضرك وإن كنت كاذبًا أرحت منك اهـ من المفهم (فأكل منها) أي من تلك الشاة أي من ذراعها (فجيء بها) أي فأتي باليهودية (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها) رسول الله صلى الله عليه وسلم (عن ذلك) أي عن سبب تسميمها له صلى الله عليه وسلم (فقالت) اليهودية (أردت لأقتلك) فـ (قال) النبي صلى الله عليه وسلم لها (ما كان الله ليسلطك على ذاك) أي على قتلي الآن (قال) أنس أو من دونه (أو قال) النبي صلى الله عليه وسلم أو أنس ما كان الله ليسلطك (علي) أي على قتلي، والشك من الراوي أو ممن دونه فلم يضر ذلك السم رسول الله صلى الله عليه وسلم طول حياته غير ما أثر بلهواته وغير ما كان يعاوده في أوقات فلما حضر وقت وفاته أحدث الله ضرر ذلك السم في النبي صلى الله عليه وسلم فتوفي بسببه كما قال صلى الله عليه وسلم في مرضه الَّذي توفي فيه "لم تزل أكلة خيبر تعاودني فالآن أوان قطعت أبهري" فجمع الله لنبيه صلى الله عليه وسلم بين النبوة والشهادة مبالغة في الترفيع والكرامة، وأما بشر بن البراء فروي أنَّه مات من حينه، وقيل بل لزمه وجعه ذلك ثم توفي منه بعد سنة اهـ من المفهم (قال) أنس (قالوا) أي قال الحاضرون من الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم (ألا تقتلها) أي أتتركها ولا تقتلها قصاصًا لأن بشر بن البراء مات بسبب ذلك السم (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا) أقتلها، قال القاضي عياض: واختلف الآثار والعلماء هل قتلها النبي صلى الله عليه وسلم أم لا؟ فوقع في صحيح مسلم أنَّه قالوا ألا تقتلها؟ قال لا،

ص: 191

قَال: فَمَا زِلْتُ أَعْرِفُها في لَهَواتِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

5565 -

(00)(00) وحدَّثنا هارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ. حَدَّثَنَا رَوحُ بْنُ عُبَادَةَ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ زَيدٍ. سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُحدَّثُ؛ أَنَّ يَهُودِيَّةَ جَعَلَتْ سَمًّا في لَحْمٍ. ثُمَّ أَتَتْ بِهِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم،

ــ

ومثله عن أبي هريرة وجابر، وعن جابر أيضًا من رواية أبي سلمة أنَّه صلى الله عليه وسلم قتلها وفي رواية ابن عباس أنَّه صلى الله عليه وسلم دفعها إلى أولياء بشر بن البراء بن معرور فكان أكل منها فمات بها فقتلوها، وقال القاضي أيضًا: وجه الجمع بين هذه الروايات أنَّه لم يقتلها أولًا حين اطلع على سمها فلما مات بشر سلمها لأوليائه فقتلوها قصاصًا والله أعلم اهـ كلام القاضي.

(قال) أنس (فما زلت أعرفها) أي أعرف أثر تلك الأكلة (في لهوات رسول الله صلى الله عليه وسلم بتغيير لون أو تحفير أو نتو لحم أو غير ذلك، واللهوات بفتح اللام والهاء جمع لهاة وهي اللحمة الحمراء المعلقة في أصل الحنك المشرفة على الحلق، وقيل هي أقصى الحلق وقيل ما يبدو من الفم عند التبسم.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الهبة باب قبول الهدية من المشركين [2617]، وأبو داود في الديات باب فيمن سقى رجلًا سمًا أو أطعمه فمات أيقاد منه [2508].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

5565 -

(00)(00)(وحدثنا هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي المعروف بالحمال (حَدَّثَنَا روح بن عبادة) بن العلاء بن حسان القيسي البصري، ثقة، من (9)(حَدَّثَنَا شعبة سمعت هشام بن زيد) بن أنس بن مالك الأنصاري البصري، ثقة، من (5) قال هشام (سمعت) جدي (أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة روح لخالد بن الحارث، حالة كون أنس (يحدث) لنا (أن يهودية) من يهود خيبر ذكر أصحاب السير أن اسمها زينب بنت الحارث وزوجها سلام بن مشكم، وذكر أبو داود في سننه أنها أخت مرحب كما مر (جعلت سمًا في لحم) شاة أي في كتفها (ثم أتت) اليهودية (به) أي بذلك اللحم المسموم (رسول الله صلى الله عليه وسلم)

ص: 192

بِنَحْو حَدِيثِ خَالِدٍ

ــ

وساق روح بن عبادة (بنحو حديث خالد) بن الحارث المذكور آنفًا، وتفصيل هذه القصة ما ذكره ابن هشام في سيرته [4/ 44] رواية عن ابن إسحاق قال: فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدت له زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم شاة مصلية وقد سألت أي عضو من الشاة أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل لها الذراع فأكثرت فيها من السم ثم سمت الشاة ثم جاءت بها فلما وضعتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم تناول الذراع فلاك منها مضغة فلم يسغها، ومعه بشر بن البراء بن معرور قد أخذ منها كما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم فأما بشر فأساغها وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فلفظها ثم قال:"إن هذه العظم ليخبرني أنَّه مسموم" ثم دعا بها فاعترفت فقال: "ما حملك على ذلك"؟ ؛ قالت: بلغت من قومي ما لم يخف عليك فقلت: إن كان ملكًا استرحت منه وإن كان نبيًّا فيخبر قال فتجاوز عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ومات بشر من أكلته التي أكل.

قال القرطبي: ففي هذا الحديث فوائد كثيرة أهمها ما أظهر الله تعالى من كرامات النبي صلى الله عليه وسلم حيث كلمه الجماد ولم يؤثر فيه السم وعلم ما غيب عنه من السم، وفيه أن السموم لا تؤثر بذواتها بل بإذن الله تعالى ومشيئته ألا ترى أن السم أثر في بشر ولم يؤثر في النبي صلى الله عليه وسلم فلو كان يؤثر بذاته لأثر فيهما في الحال، وفيه من العظة أن القتل بالسم كالقتل بالسلاح الَّذي يوجب القصاص وهو قول مالك إذا استكرهه على شربه فيقتل بمثل ذلك، وقال الكوفيون: لا قصاص في ذلك وفيه الدية على عاقلته قالوا: ولو دسه له في طعام أو شراب لم يكن عليه شيء ولا على عاقلته، وقال الشافعي: إذا فعل ذلك به وهو مكره ففيه قولان أحدهما عليه القود وهو أشبهها، والثاني لا قود عليه. وإن وضعه له فأخبره فأخذه الرجل فأكله فلا عقل ولا دية ولا كفارة اهـ من المفهم. قال الأبي: قوله ما كان ليسلطك على ذلك، قال القاضي لقوله تعالى:{وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} . [قلت] هذا يعارضه قوله الآخر الآن حين قطعت أبهري فإنه يقتضي أنَّه مات بذلك ولذلك قال العلماء إن الله سبحانه قد جمع له بذلك بين كرم النبوة وفضل الشهادة، ويجاب بأن المعنى ما كان ليسلطك على قتلي الآن لأنه هو الَّذي أرادت ومعنى والله يعصمك من الناس قال القاضي: أي يعصمك من أذى الناس الَّذي يريدونه بك، وفي كفاية الله تعالى له صلى الله عليه وسلم أمر السم المهلك لغيره

ص: 193

5566 -

(2153)(207) حدَّثنا زُهَيرُ بن حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بن إِبْرَاهِيمَ. (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال زُهَيرٌ - وَاللَّفْظُ لَهُ -: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ)، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، إِذَا اشْتَكَى مِنَّا إِنْسَانٌ، مَسَحَهُ بِيَمِينِهِ. ثُمَّ قَال: "أَذْهِبِ الْبَاسَ. رَبَّ النَّاسِ

ــ

معجزة وكذلك في إعلام الله تعالى له أن الشاة مسمومة وكذلك في كلام عضو ميت له فإنه مذكور في غير مسلم حيث قال: "إن هذه الشاة تخبرني أنها مسمومة" اهـ منه.

ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الرابع من الترجمة بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

5566 -

(2153)(207)(حَدَّثَنَا زهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم قال إسحاق أخبرنا وقال زهير واللفظ له حَدَّثَنَا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي، ثقة، من (8)(عن الأعمش عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح مصغرًا الهمداني الكوفي، ثقة، من (4)(عن مسروق) بن الأجدع بن مالك الهمداني أبي عائشة الكوفي، ثقة فقيه مخضرم، من (2)(عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته (قالت) عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى) ومرض (منا) أهل البيت (إنسان) أي شخص، وفي رواية إبراهيم عن مسروق عند البخاري "كان إذا أتى مريضًا أو أتي به إليه" وفي رواية مسلم عن مسروق عنده أيضًا "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعوذ أهله يمسح بيده اليمنى" .. إلخ (مسحه) أي مسح النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الإنسان المريض (بيمينه) أي مسح موضع الوجع بيده اليمنى، قال الطبري: هو على طريق التفاؤل لزوال الوجع ذكره الحافظ في الفتح [10/ 257] ومسحه صلى الله عليه وسلم بيمينه عند الرقى دليل على جواز ذلك وحكمته التبرك باليمين وأن ذلك غاية تمكن الراقي فكأنه مد يده لأخذ المرض وإزالته، ومن حكمته إظهار عجز الراقي عن الشفاء وصحة تفويض ذلك إلى الله تعالى ولذلك قال عند ذلك لا شفاء إلَّا شفاؤك اهـ من المفهم. (ثم) بعد مسحه موضع الوجع (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (أذهب) وارفع عن هذا المريض (الباس) أي الضرر والمرض والألم بقلب همزته ألفًا لغرض السجع أو المؤاخاة كما في القسطلاني. يا (رب الناس) ومالكهم ومدبرهم ومصلحهم، وفيه دليل على جواز السجع في الدعاء والرقى إذا لم يكن مقصودًا ولا مكلفًا، وهو منادى مؤخر عن جوابه اهتمامًا

ص: 194

وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِي. لَا شِفَاءَ إلا شِفَاؤُكَ. شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا".

فَلَمَّا مَرِض رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَثَقُلَ،

ــ

به (واشف) أي أوجد له الشفاء والعافية من مرضه وارزقه لأنك (أنت) يا رب (الشافي) أي أنت الإله الَّذي يوجد الشفاء والعافية من المرض، وفي رواية للبخاري "اشف وأنت الشافي "وفي أخرى "واشفه وأنت الشافي "بزيادة الهاء وهي إما ضمير يعود على المريض أو زائدة للسكت والألف واللام في الشافي موصولة بمعنى الَّذي وليس باسم علم لله تعالى إذا لم يكثر ذلك ولم يتكرر اهـ قرطبي، وفي القسطلاني: وفي قوله الشافي دلالة على جواز تسمية الله تعالى بما ليس في القرآن إذا كان له أصل فيه قال تعالى: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80)} ولم يوهم نقصًا (لا شفاء) بالمد مبني على الفتح أي لا شفاء حاصل لنا أو للمريض (إلا شفاؤك) بالرفع بدل من موضع لا شفاء، وقال في المصابيح الكلام في إعرابه كالكلام في قولنا لا إله إلَّا الله ولا يخفى أنَّه بحسب صدر الكلام نفي لكل إله سواه تعالى وبحسب الاستثناء إثبات له ولألوهيته لأن الاستثناء من النفي إثبات لاسيما إذا كان بدلًا فإنه يكون هو المقصود بالنسبة، ولهذا كان البدل هو المختار في كل كلام تام غير موجب، قوله (شفاء لا يغادر) ولا يترك (سقمًا) ولا ألمًا منصوب على المفعولية المطلقة باشف أي اشف شفاءً ويجوز الرفع على أنَّه خبر لمحذوف والتقدير الشفاء المطلوب لنا شفاء لا يغادر سقمًا وعلى الوجه الأول فالجملتان معترضتان بين الفعل والمفعول المطلق اهـ قسطلاني، ومعنى لا يغادر لا يترك، وفائدة تقييد الشفاء بذلك أنَّه قد يحصل الشفاء من ذلك المرض فيخلفه مرض آخر يتولد منه فكان يدعو له بالشفاء المطلق لا بمطلق الشفاء قاله الحافظ في الفتح [10/ 1131] والتنوين في سقمًا للتقليل اهـ قسط. أي لا يترك سقمًا قليلًا ولا كثيرًا، والسقم بفتحتين وبضم السين وسكون القاف لغتان والمعروف في الرواية هو الأول، والجملة صفة لقوله:"شفاء" وفي الحديث استحباب الرقية بالأذكار والقرآن اهـ ذهني. وورد في رواية هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة "امسح الباس رب الناس بيدك الشفاء لا كاشف له إلَّا أنت "أخرجه البخاري [5744] وسيأتي عند المؤلف بلفظ "اذهب البأس بدل امسح البأس وكأنه صلى الله عليه وسلم يدعو مرة بهذا ومرة بذاك والله أعلم (فلما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه الَّذي توفي فيه (وثقل) أي ضعف عن تحريك

ص: 195

أَخَذْتُ بَيَدِهِ لأَصْنَعَ بِهِ نَحْوَ مَا كَانَ يَصْنَعُ. فَانْتَزَعَ يَدَهُ مِن يَدِي. ثُمَّ قَال: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَاجْعَلْنِي مَعَ الرَّفِيقِ الأَعْلَى".

قَالتْ: فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ، فَإِذَا هُوَ قَدْ قَضَى

ــ

أعضائه لشدة المرض (أخذت بيده) الشريفة (لأصنع به) وأفعل (نحو) أي مثل (ما كان يصنع) بنفسه عند خفة مرضه وبغيره في حال صحته من القراءة على يده والمسح بها، وسيأتي في رواية عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مرض أحد من أهله نفث عليه بالمعوذات فلما مرض مرضه الَّذي مات فيه جعلت أنفث عليه وأمسحه بيد نفسه لأنها كانت أعظم بركة من يدي" فكأنها جمعت بين المعوذات وبين هذا الدعاء (فانتزع) أي جذب وأخذ (يده) الشريفة (من يدي) كالكاره لأخذي إياها (ثم) بعدما انتزع يده من يدي (قال اللهم اغفر لي واجعلني) من المرافقين (مع الرفيق الأعلى) فسره بعض العلماء بأن المراد من الرفيق الأعلى المرافقون في المكان الأعلى وهو الجنّة أي اجعلني مع المرافقين في الجنّة من الملائكة المقربين والأنبياء والمرسلين وعباد الله الصالحين، ويؤيده ما وقع عند ابن إسحاق "الرفيق الأعلى للجنة، وقيل المراد بالرفيق ما يشمل الواحد وما فوقه والمراد الأنبياء ومن ذكر معهم في قوله تعالى: {مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} ونكتة الإتيان بهذه الكلمة بالإفراد الإشارة إلى أن أهل الجنّة يدخلونها على قلب رجل واحد نبه عليه السهيلي، وزعم بعض المغاربة أنَّه يحتمل أن يراد بالرفيق الأعلى الله عز وجل لأنه من صفاته كما دل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله رفيق يحب الرفق" أخرجه مسلم، قال القرطبي: وفيه بعد من جهة اللسان.

وقد دلت الروايات الكثيرة على أن هذه الكلمة كانت آخر ما تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم وقال السهيلي: الحكمة في اختتام كلام المصطفى بهذه الكلمة كونها تتضمن التوحيد والذكر بالقلب حتَّى يستفاد منه الرخصة لغيره أنَّه لا يشترط أن يكون الذكر باللسان لأن بعض الناس قد يمنعه من النطق مانع فلا يضره إذا كان قلبه عامرًا بالذكر. هذا ملخص ما في كتاب المغازي من فتح الباري [8/ 137 و 138].

(قالت) عائشة (فذهبت) أي شرعت وقصدت أن (انظر) إليه فنظرت إليه وأمعنت في نظري (فإذا هو) صلى الله عليه وسلم (قد قضى) وأتم وأدى حياته من الدنيا وارتحل

ص: 196

5567 -

(00)(00) حدَّثنا يَحْيَى بن يَحْيَى. أَخبَرَنَا هُشَيمٌ. ح وَحدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بن أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاويةَ. ح وَحَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ. كِلَاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بن أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو بَكرِ بن خَلَّادٍ. قَالا: حَدَّثَنَا يَحْيَى، (وَهُوَ الْقَطَّانُ)، عَنْ سُفْيَانَ. كُلُّ هَؤُلَاءِ عَنِ الأَعْمَشِ. بِإِسْنَادِ جَرِيرٍ.

في حَدِيثِ هُشَيمِ وَشُعْبَةَ: مَسَحَهُ بِيَدِهِ. قَال: وَفِي حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ: مَسَحَهُ بِيَمِينهِ. وَقَال في عَقِبِ حَديثِ

ــ

إلى الرفيق الأعلى وهو كناية عن موته، وإذا فيه فجائية أي ذهبت انظر إليه فنظرته ففاجأني قضاؤه أي موته.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 44]، والبخاري في أبواب كثيرة منها في الطب باب ما جاء في رقية النبي صلى الله عليه وسلم [5743 و 5744]، وابن ماجة في الجنائز [1619]، وفي الطب [3565].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:

5567 -

(00)(00)(حَدَّثَنَا يحيى بن يحيى أخبرنا هشيم) بن بشير السلمي الواسطي (ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو غريب قالا حَدَّثَنَا أبو معاوية ح وحدثني بشر بن خالد) الفرائضي البصري (حَدَّثَنَا محمد بن جعفر ح وحدثنا) محمد (بن بشار حَدَّثَنَا) محمد بن إبراهيم (بن أبي عدي) السلمي البصري (كلاهما) أي كل من محمد بن جعفر وابن أبي عدي رويا (عن شعبة ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو بكر) محمد (ابن خلاد) بن كثير الباهلي البصري، ثقة، من (10)(قالا حَدَّثَنَا يحيى) بن سعيد التميمي البصري (وهو القطان عن سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي (كل هؤلاء) الأربعة المذكورين من هشيم وأبي معاوية وشعبة وسفيان رووا (عن) سليمان (الأعمش) غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الأربعة لجرير بن عبد الحميد (بإسناد جرير) يعني عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة ولكن (في حديث هشيم وشعبة) وروايتهما لفظة (مسحه بيده) بدل قول جرير "مسه بيمينه"(قال) أبو بكر بن أبي شيبة (وفي حديث الثوري) وروايته لفظة (مسحه بيمينه) كرواية جرير (وقال) أبو بكر أيضًا (في عقب حديث

ص: 197

يَحيى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ. قَال: فَحدَّثتُ بهِ مَنْصُورًا فَحَدَّثَنِي عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ. بِنَحْوهِ.

5568 -

(00)(00) وحدَّثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ. عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا عَادَ مَرِيضًا يَقُولُ:"أَذْهِب الْبَاسَ، رَبَّ النَّاسِ. اشْفِهِ أَنْتَ الشَّافِي، لَا شِفَاءَ إلا شِفَاؤُكَ. شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا"

ــ

يحيى) القطان أي في آخر روايته (عن سفيان) الثوري (عن الأعمش قال) الأعمش (فحدثت به) أي بهذا الحديث الَّذي سمعته عن أبي الضحى (منصورًا) ابن المعتمر بن عبد الله السلمي (فحدثني) منصور (عن إبراهيم) بن يزيد النخعي (عن مسروق عن عائشة) رضي الله عنها، وساق منصور (بنحوه) أي بنحو حديث أبي الضحى المذكور هنا سابقًا، غرضه بيان متابعة إبراهيم لأبي الضحى.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله عنها فقال:

5568 -

(00)(00)(وحدثنا شيبان بن فروخ) الحبطي الأبلي، صدوق، من (9)(حَدَّثَنَا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، ثقة، من (7)(عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي الكوفي، ثقة، من (5)(عن إبراهيم) بن يزيد النخعي الكوفي، ثقة، من (5)(عن مسروق عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة إبراهيم لأبي الضحى (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا عاد مريضًا) وزاره (يقول) في الدعاء له (أذهب الباس) أي المرض والوجع والألم عن هذا المريض يا (رب الناس) ومالكهم (اشفه) بكسر الهاء أي اشف هذا المريض وأزل عنه مرضه (أنت الشافي) أي أنت القادر على شفائه (لا شفاء) وعافية حاصل لنا (إلا شفاؤك) بالرفع بدل من الضمير المستكن في خبر لا، اشفه (شفاء لا يغادر) ولا يترك (سقمًا) قليلًا فضلًا عن الكثير قد مر ما فيه في الرواية الأولى.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

ص: 198

5569 -

(00)(00) وحدَّثناه أَبُو بَكرٍ بن أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بن حَرْبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالت: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَتَى المَرِيضَ يَدْعُو لَهُ قَال: "أَذهِبِ الْبَاسَ. رَبَّ النَّاسِ. وَاشفِ أَنْتَ الشَّافِي. لَا شِفَاءَ إلا شِفَاؤُكَ. شِفَاءَ لَا يُغَادِرُ سَقَمًا". وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ: فَدَعَا لَهُ. وَقَال: "وَأَنْتَ الشَّافِي".

5570 -

(00)(00) وحدَّثني الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بن مُوسَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ؛ وَمُسْلِمٍ بنِ صُبَيحٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ

ــ

5569 -

(00)(00)(وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب قالا حَدَّثَنَا جرير) بن عبد الحميد (عن منصور عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة) رضي الله عنها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة جرير لأبي عوانة في الرواية عن منصور (قالت) عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى المريض) وزاره (يدعو له) بالعافية والشفاء. وقوله (قال) تفسير لقوله يدعو أو بدل من جواب إذا أي يدعو له فيقول في دعائه (أذهب الباس رب الناس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقمًا. وفي روايهْ أبي بكر فدعا له وقال وأنت الشافي) والفاء في قوله فدعا زائدة في جواب إذا، وقال معطوف على دعا على كونه جوابًا لإذا أي إذا أتى المريض دعا له، وقال في دعائه له: أذهب عنه الباس يا رب الناس، ويقول: واشف وأنت الشافي، بزيادة الواو وهذا كله بيان لمحل المخالفة بين الروايتين.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

5570 -

(00)(0)(وحدثني القاسم بن زكرياء) بن دينار القرشي الكوفي الطحان، ثقة، من (11)(حَدَّثَنَا عبيد الله بن موسى) العبسي مولاهم الكوفي، ثقة، من (9)(عن إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي الهمداني الكوفي، ثقة، من (7)(عن منصور) بن المعتمر (عن إبراهيم) بن يزيد النخعي (ومسلم بن صبيح) معطوف على إبراهيم كلاهما رويا (عن مسروق عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من

ص: 199

قَالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، بِمِثلِ حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ وَجَرِيرٍ.

5571 -

(00)(00) وحدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ، (وَاللَّفْظُ لأَبِي كُرَيبٍ)، قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَرْقِي بِهَذِهِ الرُّقْيَةِ "أَذْهِبِ الْبَاسَ. رَبَّ النَّاسِ. بِيَدِكَ الشِّفَاءُ. لَا كَاشِفَ لَهُ إلا أَنْتَ".

5572 -

(00)(00) وحدَّثنا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. ح وحدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ

ــ

سباعياته، غرضه بيان متابعة إسرائيل لأبي عوانة وجرير (قالت) عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث وساق إسرائيل (بمثل حديث أبي عوانة وجرير).

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة خامسًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

5571 -

(00)(00)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو غريب واللفظ لأبي غريب قالا حَدَّثَنَا) عبد الله (بن نمير حَدَّثَنَا هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عروة لمسروق (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرقي) من باب رمى يرمي أي يعالج المريض (بهذه الرقية) أي بهذه الأدعية والأذكار أي بقراءتها عليه، يعني قوله (أذهب الباس) والألم والأمراض عن هذا المريض يا (رب الناس) ومالك الناس (بيدك) المقدسة (الشفاء) والعافية لا بيد غيرك (لا كاشف) ولا مزيل (له) أي لهذا الباس والألم عن هذا المريض (إلا أنت) يا إلهي، وفي قوله (لا كاشف له) إشارة إلى أن كل ما يقع من الدواء والتداوي إن لم يصادف بتقدير الله تعالى ومشيئته لا ينجع ولا ينفع اهـ عيني.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة سادسًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

5572 -

(00)(00)(وحدثنا أبو غريب حَدَّثَنَا أبو أسامة ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي أخو إسرائيل، ثقة، من

ص: 200

كِلَاهُمَا عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ

ــ

(8)

(كلاهما) أي كل من أبي أسامة وعيسى رويا (عن هشام) بن عروة (بهذا الإسناد) يعني عن أبيه عن عائشة وساقا (مثله) أي ساق أبو أسامة وعيسى مثل حديث عبد الله بن نمير، غرضه بيان متابعة أبي أسامة وعيسى بن يونس لعبد الله بن نمير.

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب سبعة أحاديث: الأول حديث عائشة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثاني حديث أبي سعيد ذكره للاستشهاد، والثالث حديث أبي هريرة ذكره للاستشهاد، والرابع حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد، والخاص حديث عائشة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والسادس حديث أنس ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والسابع حديث عائشة الأخير ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه ست متابعات والله سبحانه وتعالى أعلم.

***

ص: 201