الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
673 - (17) باب إباحة الخروج للنساء لقضاء حاجة الإنسان وتحريم الخلوة بالأجنبية ودفع ما يوقع في التهم وظن السوء
5528 -
(2132)(187) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: خَرَجَتْ سَوْدَةُ، بَعْدَ مَا ضُرِبَ عَلَيهَا الْحِجَابُ، لِتَقْضِيَ حَاجَتَهَا. وَكَانَتِ امْرَأَةً جَسِيمَةً تَفْرَعُ النِّسَاءَ جِسْمًا، لَا تَخْفَى عَلَى مَنْ يَعْرِفُهَا
ــ
673 -
(17) باب إباحة الخروج للنساء لقضاء حاجة الإنسان وتحريم الخلوة بالأجنبية ودفع ما يوقع في التهم وظن السوء
5528 -
(2132)(187)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا حدثنا أبو أسامة عن هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته (قالت) عائشة (خرجت سودة) بنت زمعة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنهما ليلة من الليالي (بعدما ضرب) وفرض (عليها) وعلى غيرها من أمهات المؤمنين (الحجاب) أي الاحتجاب من الرجال بترك الخروج من البيت (لتقضي) متعلق بخرجت أي خرجت من بيتها لتقضي وتخرج (حاجتها) حاجة الإنسان من بول وغائط في الصحراء لأن البيوت وقتئذ خالية من الكنف (وكانت) سودة (امرأة جسيمة) أي كبيرة الجسم طويلته (تفرع النساء) بفتح التاء والراء وإسكان الفاء وبالعين المهملة أي تطولهن (جسمًا) فتكون أطول منهن، والفارع المرتفع العالي اهـ نووي، أي تفوقهن من جهة كبر الجسم وطوله والمراد أن سودة رضي الله تعالى عنها كانت جسيمة أطول من عامة النساء فتعرف بذلك، ولذلك قال (لا تخفى على من يعرفها) أولًا يعني أنها لا تخفى على من يعرفها وإن كانت متلففة في ثياب لانفرادها بهذه القامة، وقوله هنا (بعدما ضرب عليها الحجاب) صريح في أن قصة سودة مع عمر رضي الله عنهما وقعت بعد نزول الحجاب، وسيأتي من طريق الزهري عن عروة ما يخالفه فإن فيه (كان عمر بن الخطاب يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم احجب نساءك فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل فخرجت سودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي عشاءً وكانت امرأة طويلة فناداها عمر: ألا قد عرفناك يا سودة. حرصًا على أن ينزل الحجاب) فهذا صريح في أن القصة وقعت قبل نزول الحجاب فهذا يعارض ما هنا من قوله (بعدما
فَرَآهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. فَقَال: يَا سَوْدَةُ، وَاللَّهِ مَا تَخْفَينَ عَلَينَا. فَانْظُرِي كَيفَ تَخْرُجِينَ. قَالتْ: فَانْكَفَأَتْ رَاجِعَةً وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَيتِي. وَإِنَّهُ لَيَتَعَشَّى وَفِي يَدِهِ عَرْقٌ. فَدَخَلَتْ فَقَالتْ: يَا
ــ
ضرب الحجاب عليها) وطريق الجمع بين الروايتين رواية هشام ورواية الزهري أن قصة سودة مع عمر وقعت مرتين قبل نزول الحجاب كما في الرواية الآتية من رواية ابن شهاب وأخرى بعد نزوله كما في رواية هشام هنا.
قال الحافظ في الفتح [8/ 531] والحاصل أن عمر رضي الله عنه وقع في قلبه نفرة من اطلاع الأجانب على الحريم النبوي حتى صرح بقوله له عليه الصلاة والسلام احجب نساءك وأكد ذلك إلى أن نزلت آية الحجاب ثم قصد بعد ذلك أن لا يبدين أشخاصهن أصلًا ولو كن مستترات فبالغ في ذلك فمنع منه وأذن لهن في الخروج لحاجتهن دفعًا للمشقة ورفعًا للحرج ومما يزيد هذا الجمع أن عمر رضي الله عنه نادى سودة في المرة الأولى بقوله قد عرفناك يا سودة، وناداها في المرة الثانية بعد نزول الحجاب بقوله (يا سودة والله ما تخفين علينا فانظري كيف تخرجين) فكأنه رضي الله عنه لم يكتف بضرب الحجاب على أمهات المؤمنين وإنما أراد أن يمنعن من الخروج أصلًا ولم يقرره رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك اهـ.
(فرآها) أي فرأى سودة (عمر بن الخطاب) رضي الله عنهما حالة خروجها ليلًا (فقال) عمر لها أي ناداها (يا سودة والله ما تخفين علينا) بتلففك في ثيابك وبظلام الليل بل نعرفك (فانظري) يا سودة أي فكري في شأنك وفي منزلتك (كيف تخرجين) من بيتك فيطلع عليك البر والفاجر وأنت من أمهات المؤمنين (قالت) عائشة (فانكفأت) سودة من الانفعال أي انقلبت وانصرفت من طريقها قبل قضاء حاجتها حالة كونها (راجعة) إلى بيتها ومنزلها (ورسول الله صلى الله عليه وسلم أي والحال أنه (في بيتي وإنه) صلى الله عليه وسلم (ليتعشى) أي ليأكل العشاء (وفي يده) صلى الله عليه وسلم (عرق) أي عظم عليه لحم، والعرق بفتح العين وسكون الراء، قال صاحب العين: العراق بضم العين العظم الذي لا لحم عليه وإن كان عليه لحم فهو العرق بفتح العين وسكون الراء يقال تعرقت العظم وأعرقته إذا تتبعت ما عليه اهـ من الأبي. وهذا المعنى هو المشهور، وقيل العرق هو القذر من اللحم وهو شاذ ضعيف (فدخلت) سودة علينا في بيتي (فقالت يا
رَسُولَ اللهِ، إِنِّي خَرَجْتُ. فَقَال لِي عُمَرُ: كَذَا وَكَذَا. قَالتْ: فَأُوحِيَ إِلَيهِ. ثُمَّ رُفِعَ عَنْهُ وَإِنَّ الْعَرْقَ فِي يَدِهِ مَا وَضَعَهُ. فَقَال: "إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ".
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ: يَفْرَعُ النِّسَاءَ جِسْمُهَا. زَادَ أَبُو بَكْرٍ فِي حَدِيثِهِ: فَقَال هِشَامٌ يَعْنِي الْبَرَازَ
ــ
رسول الله إني خرجت) من بيتي لقضاء حاجة الإنسان (فقال لي عمر) بن الخطاب كذا وكذا) كناية عما قال لها عمر من الكلام السابق وهو اسم إشارة مركب كني به عن المبهم في محل النصب مقول قال مبني على السكون (قالت) عائشة (فأوحي إليه) صلى الله عليه وسلم (ثم رفع) وكشف (عنه) ما يجده من شدة الوحي (و) الحال (إن العرق في يده ما وضعه) على الأرض، وجملة إن حال من نائب فاعل أوحي ورفع وهو الجار والمجرور فيهما (فقال إنه) أي إن الشأن والحال (قد أذن لكن) يا نساء النبي صلى الله عليه وسلم (أن تخرجن لحاجتكن) أي لقضاء حاجتكن حاجة الإنسان.
قال الأبي: لا خلاف أن للمرأة أن تخرج فيما تحتاج إليه من أمورها الجائزة لكن على حال بذاذة وخشونة ملبس، والحاصل أنها تخرج على حالة لا يمتد إليها فيها الأعين وما أعدم اليوم الأمر لما يظهرن من الزينة والطيب والتخير من الملابس الحسان وذلك معصية ظاهرة اهـ منه، وقال ابن بطال: في هذا الحديث دليل على أن النساء يخرجن لكل ما أبيح لهن الخروج فيه من زيارة الآباء والأمهات وذوي المحارم وغير ذلك مما تمس الحاجة إليه وذلك في حكم خروجهن إلى المساجد، وفيه خروج المرأة بغير إذن زوجها إلى المكان المعتاد للإذن العام فيه، وفي الفقه الحنفي يخرجن بغير إذن أزواجهن في ستة مواضع فقط لا غير فالتفصيل يطلب منه اهـ.
(وفي رواية أبي بكر) بن أبي شيبة (يفرع النساء جسمها) أي يفوق جسمها جسم النساء طولًا وعظمًا بدل قول أبي كريب (تفرع النساء جسمًا)(زاد أبو بكر في حديثه) أي في روايته على أبي كريب لفظة قال أبو أسامة (فقال هشام يعني) النبي صلى الله عليه وسلم بقوله أن تخرجن لحاجتكن (البراز) أي الخروج للغائط، والبراز بفتح الباء على ما هو المشهور في الرواية هو الموضع الواسع البارز الظاهر وكان يختار مثل هذا المكان لقضاء الحاجة ففسر هشام الحاجة التي أذن للنساء الخروج من أجلها بأن المراد هو الخروج إلى البراز، وقال الجوهري في الصحاح: البراز بكسر الباء وهو الغائط، وقال
5529 -
(00)(00) وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو كُرَيبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَقَال: وَكَانَتِ امْرَأَةً يَفْرَعُ النَّاسَ جِسْمُهَا. قَال: وَإِنَّهُ لَيَتَعَشَّى.
5530 -
(00)(00) وَحَدَّثَنِيهِ سُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ.
5531 -
(00)(00) حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيبِ بْنِ اللَّيثِ
ــ
النووي: وهذا هو الأشبه بأن يكون هو المراد هنا فإن مراد هشام بقوله يعني البراز تفسير قوله صلى الله عليه وسلم " قد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن " فقال هشام المراد بحاجتهن الخروج للغائط لا لكل حاجة من أمور المعايش اهـ.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الوضوء باب خروج النساء إلى البراز [146 أو 147]، وفي التفسير [4795] وفي مواضع أخر.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:
5529 -
(00)(00)(وحدثناه أبو كريب حدثنا) عبد الله (بن نمير حدثنا هشام) غرضه بيان متابعة ابن نمير لأبي أسامة (بهذا الإسناد) يعني عن عروة عن عائشة (وقال) ابن نمير في روايته (وكانت) سودة (امرأة يفرع) بفتح الياء وسكون الفاء (الناس) عامة أي يفوق (جسمها) جسم الناس طولًا وعرضًا (قال) ابن نمير أيضًا (وإنه) صلى الله عليه وسلم (ليتعشى) أي ليأكل العشاء كرواية أبي أسامة مراده بهذا أن ابن نمير لم يذكر لفظة وفي يده عرق كما ذكره أبو أسامة.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في هذا الحديث فقال:
5530 -
(00)(00)(وحدثنيه سويد بن سعيد) بن سهل الهروي، صدوق، من (10)(حدثنا علي بن مسهر) القرشي الكوفي، ثقة، من (8)(عن هشام بهذا الإسناد) يعني عن عروة عن عائشة، غرضه بيان متابعة علي بن مسهر لأبي أسامة.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في هذا الحديث فقال:
5531 -
(00)(00)(حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث) بن سعد الفهمي نسبة
حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي. حَدَّثَنِي عُقَيلُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ أَزْوَاجَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كُنَّ يَخْرُجْنَ بِاللَّيلِ، إِذَا تَبَرَّزْنَ، إِلَى الْمَنَاصِعِ وَهُوَ صَعِيدٌ أَفْيَحُ. وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: احْجُبْ نِسَاءَكَ
ــ
إلى فهم بن عمرو مولاهم المصري، ثقة، من (11) روى عنه في (7) أبواب، قال (حدثني أبي) شعيب بن الليث الفهمي المصري أبو عبد الملك المصري، ثقة، من (10)(عن جدي) الليث بن سعد الفهمي المصري، ثقة حجة، من (7)(حدثني عقيل بن خالد) ابن عقيل بفتح العين الأموي مولاهم مولى عثمان الأيلي ثم المصري، ثقة، من (6)(عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة ابن شهاب لهشام بن عروة (أن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم كن) في عادتهن (يخرجن بالليل) أي في الليل (إذا تبرزن) أي أردن الخروج لقضاء الحاجة (إلى المناصع) جمع منصع كمقعد ومقاعد وهذه المناصع مواضع، قال الأزهري: أراها مواضع خارج المدينة وهو مقتضى قولها في الحديث (وهو صعيد أفيح) أي أرض متسعة، والأفيح بالفاء المكان الواسع وهو تفسير مدرج من ابن شهاب أو من قول عائشة، وكذا البراز الفضاء الواسع وهو بفتح الباء ويكنى به عن الحاجة، قال الخطابي: وأكثر الرواة يقولون بكسر الباء وهو غلط لأن البراز بالكسر مصدر بارزت الرجل مبارزة وبرازًا، والمناصع بفتح الميم وكسر الصاد جمع منصع بوزن مقعد وهي أماكن معروفة من ناحية البقيع، قال الداودي: سميت بذلك لأن الإنسان ينصع فيها أي يخلص كذا في فتح الباري [1/ 249]، وقال ابن الجوزي: هي المواضع التي يتخلى فيها للحاجة حكاه العيني في العمدة [2/ 283] وعلى كل حال فهذه المواضع كانت تستعمل لقضاء الحاجة قبل أن تتخذ الكنف في البيوت ثم لما اتخذت الكنف في البيوت أغنتهن عن الخروج لقضاء الحاجة وكانوا لا يتخذونها استقذارًا فكانت النساء يخرجن بالليل إلى خارج البيوت ويبعدن عنها إلى هذا الموضع وقد نصت على هذا عائشة اهـ مفهم (وكان عمر بن الخطاب يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم احجب نساءك) يا رسول الله أي امنعهن عن الخروج وهذه مصلحة ظهرت لعمر فأشار بها ولا يظن بالنبي صلى الله عليه وسلم أن تلك المصلحة خفيت عليه لكنه كان ينتظر الوحي في ذلك ولذلك لم يوافق عمر
فَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُ. فَخَرَجَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ، زَوْجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَيلَةً مِنَ اللَّيَالِي، عِشَاءً، وَكَانَتِ امْرَأَةً طَويلَةً. فَنَادَاهَا عُمَرُ: أَلا قَدْ عَرَفْنَاكِ يَا سَوْدَةُ! حِرْصًا عَلَى أَنْ يُنْزِلَ الْحِجَابَ
ــ
على ذلك حين أشار إليه به لاسيما قد كانت عادة نساء العرب أن لا يحتجبن لكرم أخلاق رجالهم وعفاف نسائهم غالبًا ولذلك قال عنترة:
وأغض طرفي ما بدت لي جارتي
…
حتى يواري جارتي مأواها
فلما لم يكن هنالك ريبة تركهن ولم ينههن استصحابًا للعادة وكراهة لابتداء أمر أو نهي فإنه كان يحب التخفيف عن أمته، ففيه من الفقه الإشارة على الإمام بالرأي وإعادة ذلك إن احتاج إليها وجواز إشارة المفضول على الفاضل وجواز إعراض المشار عليه وتأخير الجواب إلى أن يتبين له وجه يرتضيه أهـ من المفهم (فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل) ذلك أي حجب نسائه عن الخروج ومنعهن منه انتظارًا للوحي (فخرجت سودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي عشاء) أي وقت عشاء قبل المناصع (وكانت) سودة (امرأة طويلة) تفرع النساء طولًا (فـ) لما رآها عمر (ناداها عمر) بقوله (ألا) أي انتبهي يا سودة وفكري في شأنك (قد عرفناك يا سودة) إلى أين تخرج أي ناداها (حرصًا على أن ينزل الحجاب) ورغبة في نزوله، والحرص شدة الرغبة في الشيء.
قال العيني: قوله (على أن ينزل الحجاب) بصيغة المجهول، وقال القسطلاني: وفي نسخة في الفرع بصيغة المعلوم وفي هذا منقبة عظيمة ظاهرة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وفيه تنبيه أهل الفضل والكبار على مصالحهم ونصيحتهم وتكرار ذلك عليهم اهـ نووي، قال العيني: ثم اعلم أن الحجاب كان في السنة الخامسة في قول قتادة، وقال أبو عبيد في الثالثة، وقال ابن إسحاق بعد أم سلمة، وعند ابن سعد في الرابعة في ذي القعدة اهـ قال القرطبي: وقول عمر في هذا الحديث (ألا قد عرفناك يا سودة) يقتضي أن ذلك كان من عمر رضي الله عنه قبل نزول الحجاب لأن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت فيه حرصًا على أن ينزل الحجاب فأنزل الحجاب والرواية الأخرى تقتضي أن ذلك كان بعد نزول الحجاب فالأولى أن يحمل ذلك على أن عمر قد تكرر منه هذا القول قبل نزول الحجاب وبعده ولا بعد فيه، ويحتمل أن يحمل ذلك على أن بعض الرواة ضم قصة
قَالتْ عَائِشَةُ: فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل الْحِجَابَ.
5532 -
(00)(00) حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا
ــ
إلى أخرى والأول أولى فإن عمر بن الخطاب وقع في قلبه نفرة عظيمة وأنفة شديدة من أن يطلع أحد على حرم النبي صلى الله عليه وسلم حتى صرح له بقوله احجب نساءك فإنهن يراهن البر والفاجر ولم يزل ذلك عنده إلى أن نزل الحجاب وبعده فإنه كان قصده أن لا يخرجن أصلًا فأفرط في ذلك فإنه مفض إلى الحرج والمشقة والإضرار بهن فإنهن محتاجات إلى الخروج ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لما تأذت بذلك سودة "قد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن".
(قالت عائشة فأنزل الله عز وجل الحجاب) أي آية الحجاب وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} إلى قوله: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب: 53] كذلك روي عن أنس وابن مسعود رضي الله عنهما غير أن هذا يتوجه عليه إشكال وهو أن حديث أنس وابن مسعود يقتضي أن سبب نزولها هو أن النبي صلى الله عليه وسلم حين أعرس بزينب اجتمع عنده رجال فجلسوا في بيته وزوجته مولية وجهها إلى الحائط فأطالوا المجلس حتى ثقلوا عليه فأنزل الله تعالى هذه الآية رواه مسلم [1428]، وحديث عائشة يقتضي أن الحجاب إنما نزل بسبب قول عمر احجب نساءك ويزول ذلك الإشكال بأن يقال إن الآية نزلت عند مجموع السببين فيكون قد تقدم قوله احجب نساءك وكرر ذلك عليه إلى أن اتفقت قصة بناء زينب فصدقت نسبة نزول الآية لكل واحد من ذينك السببين. [قلت] وهذا الحجاب الذي أمر به أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وخصص به هو في الوجه والكفين، قال القاضي عياض: لا خلاف في فرضه عليهن في الوجه والكفين الذي اختلف في ندب غيرهن إلى ستره، قالوا: ولا يجوز لهن كشف ذلك لشهادة ولا غيرها ولا ظهور أشخاصهن وإن كن مستترات إلا ما دعت إليه الضرورة من الخروج إلى البراز وقد كن إذا خرجن جلسن للناس من وراء حجاب وإذا خرجن لحاجة حجبن وسترن اهـ من المفهم.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:
5532 -
(00)(00)(حدثنا عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (حدثنا
يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَهُ.
5533 -
(2133)(188) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ. (قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال ابْنُ حُجْرٍ: حَدَّثَنَا) هُشَيمٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيرِ، عَنْ جَابِرٍ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا هُشَيمٌ. أَخْبَرَنَا أَبُو الزُّبَيرِ عَنْ جَابِرٍ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَلا لَا يَبِيتَنَّ رَجُلٌ عِنْدَ امْرَأَةٍ ثَيِّبٍ. إِلَّا أَنْ يَكُونَ نَاكِحًا أَوْ ذَا مَحْرَمٍ"
ــ
يعقوب بن إبراهيم بن سعد) الزهري المدني، ثقة، من (9)(حدثنا أبي) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة، من (8)(عن صالح) بن كيسان الغفاري (عن ابن شهاب بهذا الإسناد نحوه) يعني عن عروة عن عائشة، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة صالح لعقيل بن خالد.
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما فقال:
5533 -
(2133)(188)(حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (وعلي بن حجر) السعدي المروزي (قال يحيى أخبرنا وقال ابن حجر حدثنا هشيم) بن بشير السلمي الواسطي (عن أبي الزبير) المكي (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما (ح وحدثنا محمد بن الصباح) الدولابي مولدًا أبو جعفر الرازي ثم البغدادي، ثقة، من (10)(وزهير بن حرب قالا حدثنا هشيم) بن بشير (أخبرنا أبو الزبير عن جابر) رضي الله عنه. وهذان السندان من رباعياته (قال) جابر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا) أي انتبهوا واستمعوا ما أقول لكم (لا يبيتن رجل عند امرأة ثيب إلا أن يكون) ذلك الرجل (ناكحًا) أي متزوجًا لها (أو ذا محرم) أي أو يكون ذا رحم محرم لها أي صاحب قرابة لها يحرم نكاحها عليه، قال القرطبي: هذا الحديث لا مفهوم له لأن الخلوة بالأجنبية بكرًا كانت أو ثيبًا ليلًا أو نهارًا محرمة بدليل قوله صلى الله عليه وسلم "لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان" رواه أحمد والترمذي، وبقوله صلى الله عليه وسلم "لا يدخلن رجل على مغيبة إلا ومعه رجل أو رجلان" رواه أحمد ومسلم، وبقوله صلى الله
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عليه وسلم " إياكم والدخول على المغيبات " رواه أحمد والترمذي، وبالجملة فالخلوة بالأجنبية حرام بالاتفاق في كل الأوقات وعلى كل الحالات وإنما خص المبيت عند الثيب بالنهي لأن الخلوة بالثيب في الليل هي التي تمكن غالبًا فإن الأبكار يتعذر الوصول إليهن غالبًا للمبالغة في التحرز بهن ولنفرتهن عن الرجال ولأن الخلوة بالنهار تندر فخرج النهي على المتيسر غالبًا اهـ من المفهم.
وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى.
قوله (عند امرأة ثيب) قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: خص الثيب لأن عادة الأبكار أن يحتجبن عن الرجال فكيف يدخل عليهن أو يبيت عندهن، وقال النووي: هو من باب التنبيه لأنه إذا نهى عن الثيب التي يتساهل الناس في الدخول عليها في العادة فالبكر أولى. قوله (إلا أن يكون ناكحًا) يعني إذا كان زوجًا لها وهذا واضح وقد ذكره عياض بالتاء (إلا أن تكون ناكحًا) بصيغة المؤنث الغائب والمعنى أن تكون المرأة ذات زوج حاضر ويكون مبيته بحضرة زوجها، ورد النووي هذه الرواية والتفسير، وصحح الرواية المذكورة في المتن، وقال: المعنى لا يبت رجل عند امرأة إلا زوجها أو ذو محرم منها. قوله (أو ذا محرم) قال النووي: إن المحرم هو كل من حرم عليه نكاحها على التأبيد لسبب مباح لحرمتها فقولنا على التأبيد احتراز من أخت امرأته وعمتها وخالتها ونحوهن وعن بنتها قبل الدخول بالأم وقولنا لسبب مباح احتراز عن أم الموطوءة بشبهة وبنتها فإنه حرام على التأبيد لكن لا لسبب مباح فإن وطأ الشبهة لا يوصف بأنه مباح ولا محرم ولا بغيرهما من أحكام الشرع الخمسة لأنه ليس فعل مكلف، وقولنا لحرمتها احتراز عن الملاعنة فهو حرام على التأبيد لا لحرمتها بل تغليظًا عليهما وكذلك أم المزنية وبنتها عند بعض الحنفية وإن كانت محرمة على التأبيد ولكن تحريمها لم يحصل بسبب مباح فلا تسمى محرمًا في حق الحجاب، وقد صرح الزيلعي به نقلًا عن بعض الفقهاء الحنفية ولكن صحح أنها في حكم المحرم في حق النظر، راجع رد المحتار [6/ 367] فصل في النظر والمس اهـ تكملة.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث جابر بحديث عقبة بن عامر رضي الله عنهما فقال:
5534 -
(2134)(189) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيثٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ. أَخْبَرَنَا اللَّيثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال:"إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ" فَقَال رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَفَرَأَيتَ الْحَمْوَ؟ قَال: "الْحَمْوُ الْمَوْتُ"
ــ
5534 -
(2134)(189)(حدثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (حدثنا ليث) بن سعد المصري (ح وحدثنا محمد بن رمح) بن المهاجر التجيبي المصري (أخبرنا الليث) ابن سعد (عن يزيد بن أبي حبيب) سويد مولى شريك بن الطفيل الأزدي المصري عالمها، ثقة، من (5)(عن أبي الخير) مرثد بن عبد الله اليزني المصري، ثقة، من (3)(عن عقبة بن عامر) الجهني المدني ثم المصري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إياكم والدخول على النساء) المغيبات كما في بعض الرواية أي باعدوا أنفسكم عن الدخول عليها (فقال رجل من الأنصار) لم أر من ذكر اسمه قاله الحافظ (يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ ) وهو قريب زوج المرأة كأخيه وابن عمه أي أخبرني عن حكم دخوله على المرأة هل هو حرام أم مباح؟ فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (الحمو الموت) أي في الكلام تشبيه بليغ أي دخوله على زوجة أخيه يشبه الموت في الاستقباح والمفسدة أي فهو محرم معلوم وإنما بالغ في الزجر عن ذلك وشبهه بالموت لتسامح الناس في ذلك من جهة الزوج والزوجة لإلفهم لذلك حتى كأنه ليس بأجنبي من المرأة عادة وخرج هذا مخرج قول العرب الأسد الموت والحرب الموت أي لقاؤه يفضي إلى الموت وكذلك دخول الحمو على المرأة يفضي إلى موت الدين أو إلى موتها بطلاقها عند غيرة الزوج أو برجمها إن زنت معه اهـ من المفهم. قوله (وإياكم والدخول على المغيبات) هذا تحذير شديد ونهي وكيد كما يقال إياك والأسد، وإياك والشر أي اتق ذلك واحذره، والمنصوبان مفعولان بفعلين مقدرين يدل عليهما المعنى (والمغيبات) جمع مغيبة وهي التي غاب عنها زوجها يقال غاب الزوج فهو غائب وأغابت زوجته في حال غيبته فهي مغيبة بصيغة اسم المفعول اهـ من المفهم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 149] ، والبخاري [5232]، والترمذي [1171].
5535 -
(00)(00) وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ وَاللَّيثِ بْنِ سَعْدٍ وَحَيوَةَ بْنِ شُرَيحٍ وَغَيرِهِمْ؛ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ أَبِي حَبِيبٍ حَدَّثَهُمْ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. قَال: سَمِعْتُ اللَّيثَ بْنَ سَعْدٍ يَقُولُ: الْحَمْوُ أَخُ الزَّوْجِ. وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ أَقَارِبِ الزَّوْجِ. ابْنُ الْعَمِّ وَنَحْوُهُ
ــ
قال النووي: وفي هذه الأحاديث تحريم الخلوة بالأجنبية وإباحة الخلوة بمحارمها وهذان الأمران مجمع عليهما اهـ. قوله (أفرأيت الحمو) يعني أخبرني يا رسول الله هل يجوز دخول الحمو على المرأة؟ وهو على ما فسره الليث أخو الزوج وما أشبهه من أقارب الزوج وابن العم ونحوه. وقوله صلى الله عليه وسلم (الحمو الموت) يعني أن الخلوة معه مؤدية إلى الهلاك في الدين، قال القاضي: معنى هذا الحديث الخلوة بالأحماء مؤدية إلى الفتنة والهلاك في الدين فجعله كهلاك الموت فورد الكلام مورد التغليظ اهـ نووي.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه فقال:
5535 -
(00)(00)(وحدثني أبو الطاهر) أحمد بن عمرو الأموي المصري (أخبرنا عبد الله بن وهب) القرشي المصري (عن عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري (والليث بن سعد) الفهمي المصري (وحيوة بن شريح) بن صفوان التجيبي المصري، ثقة، من (7) روى عنه في (7) أبواب تقريبًا (وغيرهم) كمالك بن أنس وأسامة بن زيد الليثي والثوري (أن يزيد بن أبي حبيب حدثهم) أي حدث لهؤلاء المذكورين من عمرو بن الحارث وحيوة بن شريح ومالك بن أنس والثوري (بهذا الإسناد) يعني عن أبي الخير عن عقبة بن عامر وساقوا (مثله) أي مثل ما حدث الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب. غرضه بيان متابعة هؤلاء لليث بن سعد في الرواية عن يزيد بن أبي حبيب، ثم ذكر المؤلف تفسيرًا مدرجًا من الليث وغيره فقال (وحدثني أبو الطاهر أخبرنا ابن وهب قال) ابن وهب وسمعت غير الليث كحيوة بن شريح وأسامة الليثي ومالك (وسمعت) أيضًا (الليث بن سعد يقول الحمو أخ الزوج وما أشبهه) أي وما أشبه الأخ (من أقارب الزوج) وقوله (ابن العم ونحوه) كابن الأخ بالرفع بدل من قوله (وما
5536 -
(2135)(190) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرٌو. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ؛ أَنَّ بَكْرَ بْنَ سَوَادَةَ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ جُبَيرٍ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ نَفَرًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ دَخَلُوا عَلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيسٍ. فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وَهِيَ تَحْتَهُ يَوْمَئِذٍ، فَرَآهُمْ. فَكَرِهَ ذَلِكَ. فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَال: لَمْ أَرَ إِلَّا خَيرًا
ــ
أشبهه) بدل تفصيل من مجمل وهذا تفسير مدرج من الليث ليس من المتابعة.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث جابر بحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهم فقال:
5536 -
(2135)(190)(حدثنا هارون بن معروف) المروزي ثم البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (7) أبواب تقريبًا (أخبرني عبد الله بن وهب أخبرني عمرو) بن الحارث بن يعقوب الأنصاري المصري (ح وحدثني أبو الطاهر أخبرنا عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث) المصري (أن بكر بن سوادة) بن ثمامة بضم المثلثة وفتح الميم المخففة الجذامي المصري، ثقة، من (3)(حدثه) أي حدث لعمرو بن الحارث (أن عبد الرحمن بن جبير) المصري المؤذن العامري، ثقة فقيه، عالم بالفرائض، من (3)(حدثه) أي حدث لبكر بن سوادة (أن عبد الله بن عمرو بن العاص) بن وائل بن هاشم بن سعيد مصغرًا القرشي السهمي أحد السابقين إلى الإسلام رضي الله عنهما (حدثه) أي حدث لعبد الرحمن بن جبير. وهذان السندان من سداسياته (أن نفرًا من بني هاشم) لم أو من ذكر أسماءهم (دخلوا على أسماء بنت عميس) زوجة جعفر بن أبي طالب (فدخل أبو بكر الصديق وهي) أي أسماء (تحته) أي تحت أبي بكر الصديق أي زوجته تزوجها بعد موت جعفر بن أبي طالب عنها (يومئذ) أي يوم إذ دخل عليها نفر من بني هاشم (فرآهم) أي فرأى أبو بكر أولئك النفر (فكره) أبو بكر (ذلك) أي دخولهم عليها (فذكر) أبو بكر (ذلك) أي دخولهم عليها (لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقال) أبو بكر ولكن (لم أر) منهم (إلا خيرًا) وكان دخولهم عليها في غيبة أبي بكر رضي الله عنه لكنه كان في الحضر لا في السفر وكان على وجه ما يعرف من أهل الصلاح والخير مع ما كانوا عليه قبل الإسلام مما تقتضيه مكارم الأخلاق من نفي التهمة والريب كما قدمناه، ولعل هذا
فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَرَّأَهَا مِنْ ذَلِكَ". ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَال: "لَا يَدْخُلَنَّ رَجُلٌ، بَعْدَ يَوْمِي هَذَا عَلَى مُغِيبَةٍ، إِلَّا وَمَعَهُ رَجُلٌ أَو اثْنَانِ"
ــ
كان قبل نزول الحجاب وقبل أن يتقدم لهم في ذلك بأمر ولا نهي غير أن أبا بكر رضي الله عنه أنكر ذلك بمقتضى الغيرة الجبلية والدينية كما وقع لعمر رضي الله عنه في الحجاب ولما ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم قال ما يعلمه من حال الداخلين والمدخول عليها حين قال لم أر منهم إلا خيرًا يعني على الفريقين فإنه علم أعيان الجميع لأنهم كانوا من مسلمي بني هاشم ثم خص رسول الله صلى الله عليه وسلم أسماء بالشهادة لها (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله قد برأها) أي قد برأ الله أسماء (من ذلك) أي مما وقع في نفس أبي بكر فكان ذلك منقبة عظيمة من أشرف مناقبها وفضيلة جسيمة من أعظم فضائلها ومع ذلك فلم يكتف بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جمع الناس وصعد المنبر (ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر) فنهاهم عن ذلك وعلمهم ما يجوز منه (فقال لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مغيبة) أي على المرأة التي غاب عنها زوجها والمراد غاب زوجها عن منزلها سواء غاب عن البلد بأن سافر أو غاب عن المنزل وإن كان في البلد (إلا ومعه رجل أو اثنان) سدًا لذريعة الخلوة ودفعًا لما يؤدي إلى التهمة، وإنما اقتصر على ذكر الرجل والرجلين لصلاحية أولئك القوم لأن التهمة كانت ترتفع بذلك القدر فأما اليوم فلا يكتفى بذلك القدر بل بالجماعة الكثيرة لعموم المفاسد وخبث المقاصد، ورحم الله مالكًا لقد بالغ في هذا الباب حتى منع فيه ما يجر إلى بعيد التهم والارتياب حتى منع خلوة المرأة بابن زوجها والسفر معه وإن كانت محرمة عليه لأنه ليس كل أحد يمتنع بالمانع الشرعي إذا لم يقارنه مانع عادي فإنه من المعلوم الذي لا شك فيه أن موقع امتناع الرجل من النظر بالشهوة لامرأة أبيه ليس كموقعه منه لأمه وأخته هذا قد استحكمت عليه النفرة العادية وذلك قد أنست به النفس الشهوانية فلا بد مع المانع الشرعي في هذا من مراعاة الذرائع العادية اهـ من المفهم.
وقول القرطبي (ولعل هذا الدخول كان قبل نزول الحجاب) لا يصح لأن أسماء بنت عميس إنما تزوجها أبو بكر رضي الله عنهما يوم حنين كما صرح به الحافظ في
5537 -
(2136)(191) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ مَعَ إِحْدَى نِسَائِهِ. فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ فَدَعَاهُ. فَجَاءَ. فَقَال:
ــ
الإصابة وذلك بعد نزول الحجاب يقينًا فالظاهر أنهم دخلوا عليها بمراعاة أحكام الحجاب ولكن أبا بكر رضي الله عنه إنما كره ذلك بمقتضى الغيرة الجبلية مع التصريح بأنه لم ير إلا خيرًا.
وقوله (مغيبة) بضم الميم وكسر الغين وهي المرأة التي غاب عنها زوجها وأكثر ما يستعمل لمن سافر زوجها إلى خارج البلد ولكن ربما يطلق على من ليس زوجها في بيتها كما وقع لأسماء بنت عميس رضي الله تعالى عنها.
قوله (إلا ومعه رجل أو اثنان) وقوله أو اثنان قال في المبارق: شك من الراوي، وفي قوله اثنان دون رجلان إشارة إلى أن المراد بهما العدد صغيرين أو كبيرين، قال النووي: ظاهر هذا الحديث جواز خلوة الرجلين أو الثلاثة بالأجنبية والمشهور عند أصحابنا تحريمه فيتأول الحديث على جماعة يبعد وقوع المواطأة منهم على الفاحشة لصلاحهم أو مروءتهم أو غير ذلك اهـ منه.
وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى عن أصحاب الأمهات لكنه شاركه أحمد [1868].
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة بحديث أنس رضي الله عنه فقال:
537 5 - (2136)(191)(حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) الحارثي القعنبي البصري المدني، ثقة، من (9)(حدثنا حماد بن سلمة) الربعي البصري، ثقة، من (8)(عن ثابت) بن أسلم (البناني) البصري، ثقة، من (4)(عن أنس) بن مالك رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مع أحد نسائه) وهي صفية بنت حيي كما سيأتي التصريح بها في روايتها (فمر به) صلى الله عليه وسلم (رجل) اسمه أسيد بن حضير أو عباد بن بشر كما سيأتي في الرواية شرحه، ومعه صلى الله عليه وسلم المرأة (فدعاه) أي فدعا النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل (فجاء فقال) له النبي صلى الله عليه وسلم
"يَا فُلانُ! هَذِهِ زَوْجَتِي فُلانَةُ" فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ! مَنْ كُنْتُ أَظُنُّ بِهِ، فَلَمْ أَكُنْ أَظُنُّ بِكَ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ الشَّيطَانَ يَجْرِي مِنَ الإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ".
5538 -
(2137)(191) وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، (وَتَقَارَبَا فِي اللَّفْظِ)، قَالا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَينٍ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ
ــ
(يا فلان) كناية عن اسم الرجل (هذه) المرأة (زوجتي فلانة) كناية عن اسمها (فقال) الرجل (يا رسول الله من) الذي (كنت أظن به) السوء (فلم أكن) أنا (أظن بك) السوء يا رسول الله وأنت معصوم فكيف أظن بك السوء (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجل (إن الشيطان يجري) بوسوسته (من الإنسان مجرى الدم).
وقوله (يا فلان هذه) .. الخ فيه استحباب التحرز من التعرض لسوء ظن الناس في الإنسان وطلب السلامة اهـ نووي. وقوله (من كنت أظن به) .. الخ هذا بيان منه أنه برئ من سوء الظن في حقه صلى الله عليه وسلم. قوله (إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم) قال القاضي عياض وغيره: قيل هو على ظاهره وأن الله تعالى جعل له قوة وقدرة على الجري في باطن الإنسان في مجاري دمه، وقيل هو على الاستعارة لكثرة إغوائه ووسوسته فكأنه لا يفارق الإنسان كما لا يفارقه الدم، وقيل إنه يلقي وسوسته في مسام لطيفة من البدن فتصل وسوسته إلى القلب اهـ نووي.
وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى ولكنه شاركه في جزئه الأخير أبو داود في السنة باب ذراري المشركين رقم [4719] والله أعلم.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بحديث صفية رضي الله عنهما فقال:
5538 -
(2137)(191)(وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (وعبد بن حميد) الكسي (وتقاربا في اللفظ قالا أخبرنا عبد الرزاق) بن همام (أخبرنا معمر) بن راشد (عن الزهري عن علي بن حسين) بن علي بن أبي طالب الهاشمي أبي الحسين زين العابدين المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن) أم المؤمنين (صفية بنت حيي)
قَالتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُعْتَكِفًا. فَأَتَيتُهُ أَزُورُهُ لَيلًا فَحَدَّثْتُهُ. ثُمَّ قُمْتُ لأَنْقَلِبَ. فَقَامَ مَعِيَ لِيَقْلِبَنِي، وَكَانَ مَسْكَنُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيدٍ، فَمَرَّ رَجُلانِ مِنَ الأَنْصَارِ،
ــ
رضي الله تعالى عنها، وهذا السند من سداسياته (قالت) صفية كان النبي صلى الله عليه وسلم معتكفًا) في المسجد، قد تقدم الكلام على الاعتكاف لغة وشرعًا في كتابه (فأتيته) صلى الله عليه وسلم (أزوره) أي حالة كوني أريد زيارته، وقوله (ليلًا) متعلق بأتيته (فحدثته) أي فتحدثت معه صلى الله عليه وسلم، قال القرطبي: فيه دليل على جواز زيارة المعتكف والتحدث معه غير أنه يكره الإكثار من ذلك لئلا يشتغل عما دخل إليه من التفرغ لعبادة الله تعالى، وأما على أنه لا تكره له الخلوة مع أهله في معتكفه ولا الحديث معها وإنما الممنوع المباشرة لكن هذا للأقوياء ومن يخاف على نفسه غلبة شهوة فلا يجوز له لئلا يفسد اعتكافه وقد كان كثير من الفضلاء يجتنبون دخول منازلهم في نهار رمضان مخافة الوقوع فيما يفسد الصوم أو ينقص ثوابه اهـ من المفهم. قالت صفية (ثم قمت) من عنده صلى الله عليه وسلم (لأنقلب) وأرجع إلى بيتي (فقام) النبي صلى الله عليه وسلم (معي ليقلبني) بفتح الباء وكسر اللام من باب ضرب أي ليصرفني ويردني ويشيعني ويرجعني إلى بيتي، ووقع في رواية علي بن حسين عند البخاري في الاعتكاف (كان النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد وعنده أزواجه فرحن فقال لصفية بنت حيي "لا تعجلي حتى أنصرف معك" وكان بيتها في دار أسامة بن زيد) والذي يظهر أن اختصاص صفية بذلك لكون مجيئها تأخر عن رفقتها فأمرها بتأخير التوجه ليحصل لها التساوي في مدة جلوسهن عنده أو أن بيوت رفقتها كانت أقرب من منزلها فخشي النبي صلى الله عليه وسلم عليها أوكان مشغولًا فأمرها بالتأخر ليفرغ من شغله ويشيعها قاله الحافظ في الفتح [4/ 278]. قوله (وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد) قال الحافظ أيضًا: أي في الدار التي صارت بعد ذلك لأسامة بن زيد لأن أسامة إذ ذاك لم يكن له دار مستقلة بحيث تسكن فيها صفية وكانت بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حوالي أبواب المسجد (فمر) علينا (رجلان من الأنصار) وقد مر في حديث أنس (فمر به رجل) بصيغة الإفراد ولا تعارض بينهما فإن العدد الأقل لا ينفي الأكثر ويمكن أن يكون أحدهما تابعًا للآخر فاستقل المتبوع بالذكر ودخل التابع فيه ضمنًا وبما أن هذا
فَلَمَّا رَأَيَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَسْرَعَا. فَقَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "عَلَى رِسْلِكُمَا. إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ" فَقَالا: سُبْحَانَ اللَّهِ،
ــ
الاختلاف لا يتعلق بأصل القصة فلا يبعد أن يكون قد وقع فيه وهمٌ من أحد الرواة، ثم ذكر الحافظ أنه لم يقف على تسمية هذين الرجلين وذكر أنه زعم ابن العطار في شرح العمدة أنهما أسيد بن حضير وعباد بن بشر ولم يذكر لذلك مستندًا والله أعلم.
وفي تنبيه المعلم: قال ابن حجر في الفتح [4/ 279] رقم [2035] على الرواية التي فيها مر رجلان لم أقف على تسميتهما في شيء من كتب الحديث إلا أن ابن العطار قال في شرح العمدة: أنهما أسيد بن حضير وعباد بن بشر ولم يذكر لذلك مستندًا، ثم قال على رواية (فمر به رجل) ووفق بينها وبين الرواية التي بعدها بقوله إن أحدهما كان تبعًا للآخر فحيث أفرد ذكر الأصل وحيث ثنى ذكر الصورة وضعف احتمال تعدد القصة اهـ منه.
(فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا) في مشيهما، وفي رواية للبخاري [2035] فسلما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووقع في رواية عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عند ابن حبان (فلما رأياه استحييا فرجعا) فأفاد سبب رجوعهما وكأنهما لو استمرا ذاهبين إلى مقصدهما ما ردهما بل لما رأى أنهما تركا مقصدهما ورجعا ردهما (فقال النبي صلى الله عليه وسلم لهما (على رسلكما) بكسر الراء وسكون السين أي على هينتكما في المشي فليس هنا شيء تكرهانه، وهو متعلق بمحذوف تقديره امشيا على هينتكما، قال القرطبي: والرسل بكسر الراء الرفق واللين وليس فتح الراء فيه معروفًا (والرسل) بالكسر أيضًا اللبن وقد جاء أرسل القوم صار لهم اللبن في مواشيهم والرسل بفتح الراء والسين القطيع من الخيل والإبل والغنم وجمعه أرسال يقال جاءت الخيل أرسالًا أي قطيعًا قطيعًا (إنها) أي إن المرأة (صفية بنت حيى) وفي رواية إنما هي صفية (وإنما) هنا لتحقيق المتصل بها وتمحيق المنفصل عنها كقوله تعالى: {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} أي أن الإلهية متحققة له منفية عن غيره فكأنه قال هذه صفية لا غيرها حسمًا لذريعة التهم وردًا لتسويل الشيطان ووسوسته كما قد نص عليه وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتقي مواقع التهم عند قيام الأدلة القاطعة على عصمته كان غيره أولى بذلك (فقالا) أي فقال الرجلان (سبحان الله) أي تنزيهًا لله وبراءة
يَا رَسُولَ اللهِ. قَال: "إِنَّ الشَّيطَانَ يَجْرِي مِنَ الإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ. وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَرًّا" أَوْ قَال: "شَيئًا"
ــ
له من كل سوء (يا رسول الله قال) النبي صلى الله عليه وسلم (إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم وإني خشيت أن يقذف) أي خفت أن يلقي ويرمي (في قلوبكما شرًّا) أي سوء ظن بي (أو قال) النبي صلى الله عليه وسلم أو الراوي أن يقذف في قلوبكما (شيئًا) بدل شرًّا أي شيئًا مما يضر في إيمانكما من سوء الظن بالنبي صلى الله عليه وسلم.
قال القرطبي: قول الرجلين (سبحان الله) معنى هذه الكلمة في أصلها البراءة لله من السوء لكنها قد كثر إطلاقها عند التعجب والتفخيم أو الإنكار كما قال تعالى: {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} وكقوله صلى الله عليه وسلم " إن المؤمن لا ينجس" ومثله كثير وهذا الموضع منها فكأنهما قالا البراءة لله تعالى من أن يخلق في نفوسنا ظن سوء بنبيه صلى الله عليه وسلم ولذلك قال في الرواية الأخرى (ومن كنت أظن به فلم أكن أظن بك) اهـ من المفهم.
وقوله (إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم) حمله بعضهم على ظاهره فقال إن الله تعالى جعل للشيطان قوة وتمكنًا من أن يرى في باطن الإنسان ومجاري دمه والأكثر على أن معنى هذا الحديث الإخبار عن ملازمة الشيطان للإنسان واستيلائه عليه بوسوسته وإغواثه وحرصه على إضلاله وإفساد أحواله فيجب الحذر منه والتحرز من حيله وسد طرق وسوسته وإغوائه وإن بعدت وقد بين ذلك في آخر الحديث بقوله: "إني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرًّا فتهلكا" وخصوصًا في مثل هذا الذي يفضي بالإنسان إلى الكفر فإن ظن السوء والشر بالأنبياء كفر، قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: في هذا الحديث من الفقه أن من قال في النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا من هذا أو جوزه عليه فهو كافر مستباح الدم.
قوله: (أن يقذف في قلوبكما شرًّا) أي يرمي ومنه القذف أي الرمي والقذافة الآلة التي ترمى بها الحجارة، والشر هنا هو الكفر الذي ذكرناه وهو في غير مسلم فتهلكا أي بالكفر الذي يلزم عن ظن السوء بالنبي صلى الله عليه وسلم وذكر في الرواية الأخرى أنه كان رجلًا واحدًا، فيحتمل أن يكون هذا في مرتين، ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أقبل على أحدهما بالقول بحضرة الآخر فتصبح نسبة القصة إليهما جمعًا
5539 -
(00)(00) وَحَدَّثَنِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ. أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ. أَخْبَرَنَا شُعَيبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حُسَينٍ؛ أَنَّ صَفِيَّةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَتْهُ؛ أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَزُورُهُ، فِي اعْتِكَافِهِ فِي الْمَسْجِدِ، فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ. فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً. ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ. وَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْلِبُهَا ، ثُمَّ ذَكَرَ بِمَعْنَى حَدِيثِ مَعْمَرٍ. غَيرَ أَنَّهُ قَال: فَقَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الشَّيطَانَ يَبْلُغُ مِنَ الإِنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ" وَلَمْ يَقُلْ: "يَجْرِي"
ــ
وإفرادًا والله تعالى أعلم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 237]، والبخاري [3281]، وأبو داود [2470 و 2471]، وابن ماجه [1779].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:
5539 -
(00)(00)(وحدثنيه عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن مهران (الدارمي) السمرقندي، ثقة متقن، من (11)(أخبرنا أبو اليمان) الحكم بن نافع القضاعي الحمصي، ثقة، من (10)(أخبرنا شعيب) بن أبي حمزة دينار الأموي مولاهم أبو بشر الحمصي، ثقة، من (7)(عن الزهري أخبرنا علي بن حسين أن صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنها (أخبرته) أي حدثت لعلي بن حسين. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة شعيب لمعمر (أنها جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تزوره في اعتكافه في المسجد) النبوي (في العشر الأواخر من رمضان فتحدثت عنده ساعة ثم قامت) من عنده حالة كونها (تنقلب) وترجع إلى بيتها (وقام النبي صلى الله عليه وسلم يقلبها) إلى بيتها (ثم ذكر) شعيب (بمعنى حديث معمر) لا لفظه (غير أنه) أي أن شعيبًا (قال) في روايته (فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن الشيطان يبلغ من الإنسان مبلغ الدم ولم يقل) شعيب لفظة (يجري) كمعمر.
وهذا الحديث دل على فوائد كثيرة فمنها جواز اشتغال المعتكف بالأمور المباحة من تشييع زائره والقيام معه والحديث مع غيره وإباحة خلوة المعتكف بالزوجة وزيارة المرأة للمعتكف وبيان شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته وإرشادهم إلى ما يدفع عنهم
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الإثم، وفيه التحرز من التعرض لسوء الظن والاحتفاظ من كيد الشيطان والاعتذار، قال ابن دقيق العيد: وهذا متأكد في حق العلماء ومن يقتدى به فلا يجوز لهم أن يفعلوا فعلًا يوجب سوء الظن بهم وإن كان لهم فيه مخلص لأن ذلك سبب إلى إبطال الانتفاع بعلمهم، ومن ثم قال بعض العلماء: ينبغي للحاكم أن يبين للمحكوم عليه وجه الحكم إذا كان خافيًا نفيًا للتهمة، ومن هنا يظهر خطأ من يتظاهر بمظاهر السوء ويعتذر بأنه يجرب بذلك على نفسه وقد عظم البلاء على المسلمين بهذا المصنف كذا في فتح الباري والله سبحانه وتعالى أعلم.
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ستة أحاديث: الأول حديث عائشة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات، والثاني حديث جابر ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة، والثالث حديث عقبة بن عامر ذكره للاستشهاد به لحديث جابر وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ذكره للاستشهاد به ثانيًا لحديث جابر، والخاص حديث أنس ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة والسادس حديث صفية بنت حيي رضي الله تعالى عنها ذكره للاستشهاد به لحديث أنس رضي الله عنه وذكر فيه متابعة واحدة والله أعلم.
***