الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
29 -
كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار
736 - (1) باب الحث على ذكر الله تعالى، وبيان عدد أسمائه، والأمر بالعزم في الدعاء، وكراهة تمني الموت، ومن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه
6636 -
(2653)(1) حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ وَزُهَيْرُ بنُ حَرْبٍ، (وَاللَّفْظُ لِقُتَيْبَةَ)، قَالَا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
ــ
الحمد لله على كماله، والشكر له على نواله، وأشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا مثيل له في ذاته ولا شريك له في صفاته، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله خُصّ من الإرسال بختامه وكماله ومن الحق بصفْوه وزُلاله صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الهداة المهديّين، ومن تبعهم على السنة المطهرة إلى يوم الدين.
(أما بعد) فلمَّا فَرغْتُ من المجلد الرابع عشر بعون الله وتيسيره تَفرَّغْتُ للمجلد الخامس عشر إن شاء الله تعالى بتوفيقه راجيًا منه الإمداد بقطرات الفيض والإرشادِ، فقلت وبالله التوفيق والهداية إلى أقوم الطريق وقولي هذا: -
29 -
كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار
736 -
(1) باب الحث على ذكر الله تعالى، وبيان عدد أسمائه، والأمر بالعزم في الدعاء، وكراهة تمني الموت، ومن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه
6636 -
(2653)(1)(حَدَّثَنَا قتيبة بن سعيد وزهير بن حرب واللفظ لقتيبة قالا: حَدَّثَنَا جرير) بن عبد الحميد (عن الأعمش عن أبي صالح) ذكوان السمان القيسي مولاهم (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة (قال
قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَقُولُ اللَّهُ عز وجل: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي
ــ
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل أنا عند ظن عبدي بي) قال القاضي: قيل معناه أنا معه بالغفران إذا ظنَّه حين يستغفر، وبالقبول إذا ظنه حين يتوب، وبالإِجابة إذا ظنها حين يدعو، وبالكفاية إذا ظنها حين يستكفي لأن هذه صفات لا تظهر إلَّا إذا حسَّن ظنَّه بالله تعالى اه. قال الطبري: وكذا تحسين الظن بقبول العمل عند فعله إيَّاه ويشهد لذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة".
قال القرطبي: قيل معناه ظن الإجابة عند الدعاء وظن القبول عند التوبة وظن المغفرة عند الاستغفار وظن قبول الأعمال عند فعلها على شروطها تمسكًا بصادق وعده وجزيل فضله.
[قلت]: ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم: "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة" رواه الترمذي [3474] وكذلك ينبغي للتائب والمستغفر وللعامل أن يجتهد في القيام بما عليه من ذلك موقنًا أن الله تعالى يقبل عمله ويغفر ذنبه فإن الله تعالى قد وعد بقبول التوبة الصادقة والأعمال الصالحة، فأما لو عمل هذه الأعمال وهو يعتقد أو يظن أن الله تعالى لا يقبلها وأنها لا تنفعه فذلك هو القنوط من رحمة الله تعالى واليأس من روح الله وهو من أعظم الكبائر ومن مات على ذلك وصل إلى ما ظن منه كما قد جاء في بعض ألفاظ هذا الحديث "أنا عند ظن عبدي بي فليظن عبدي بي ما شاء" رواه أحمد [3/ 491 و 4/ 106] فأما ظن المغفرة والرحمة مع الإصرار على المعصية فذاك محض الجهل والعزة وهو يجر إلى مذهب المرجئة، وقد قال صلى الله عليه وسلم:"الكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنَّى على الله" رواه الترمذي [2461] والظن: تغليب أحد المجوزين بسبب يقتضي التغليبَ فلو خلا عن السبب المُغلِّب لم يكن ظنًا بل عزة وتمنيًا، وقد تقدم في الجنائز الكلام على قوله:"لا يموتن أحدكم إلَّا وهو يحسّن الظن بالله" رواه مسلم [2877]، وأبو داود [3113].
قال الحافظ: قوله: (أنا عند ظن عبدي بي) أي قادر على أن أعمل به ما ظن أني عامل به، وقال الكرماني: وفي السياق إشارة إلى ترجيح جانب الرجاء على الخوف وكأنه أخذه من جهة التسوية فإن العاقل إذا سمع ذلك لا يعدل إلى ظن إيقاع الوعيد وهو
وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُني. إِنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي. وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلإٍ، ذَكَرْتُهُ في مَلإٍ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ. وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبرًا، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا. وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا. وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي، أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً"
ــ
جانب الخوف لأنه لا يختاره لنفسه بل يعدل إلى ظن وقوع الوعد وهو جانب الرجاء، وهو كما قال أهل التحقيق مقيد بالمحتضر ويؤيد ذلك حديث: "لا يموتن أحدكم إلَّا وهو يحسّن الظن بالله، وهو عند مسلم من حديث جابر، وأما قبل ذلك ففي الأولى أقوالٌ ثالثها الاعتدال، وقال ابن أبي حمزة: المراد بالظن هنا العلم وهو كقوله تعالى: {وَظَنُّواْ أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إلَّا إِلَيْهِ} اه.
(وأنا معه) أي مع عبدي (حين يذكرني) ومعية الله سبحانه مع عبده صفة ثابتة له نثبتها ونعتقدها لا نُكيّفها ولا نُمثّلها {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ثم الذكر المذكور يشمل ذكر القلب وذكر اللسان (أن ذكرني في نفسه) أي إن ذكرني بقلبه أو بلسانه خاليًا منفردًا عن الناس بحيث لا يطلع أحد من الخليقة على ذكره إياي (ذكرته في نفسي) أي ذكرته بالجزاء الَّذي لا يطلع عليه أحد من خلقي مما أعددت له من كرامتي التي أخفيتها عن خليقتي {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} أي جازيته جزاء لا يطلع عليه أحد من خلقي ولا يقادر قدره إلَّا أنا وفيه دلالة على أفضلية السر في الذكر وإن ذكرني في ملإٍ وجماعة من الناس (ذكرته في ملأ هم خير منهم) وهم الملائكة يعني أن من ذكره في ملإٍ من الناس ذكره الله تعالى في ملإ من الملائكة أي أثنى عليه ونَوَّهَ باسمه في الملائكة، وأمَرَ جبريل أن ينادي بذكره في ملائكة السماوات كما تقدم، وهو ظاهر في تفضيل الملائكة على بني آدم وهو أحد القولين للعلماء، وللمسألة غور ليس هذا محل ذكره (وإن تقرَّب مني) عبدي (شبرًا) وهو ما بين طرف الإبهام وطرف الخنصر أو الوسطى (تقرَّبت إليه ذراعًا) وهو شبران (وإن تقرَّب إليَّ ذراعًا تقرّبت منه باعًا) وهو ذراعان (وإن أتاني يمشي) على العادة بلا إسراع في المشي (أتيته هرولة) أي مسرعًا، والمذهب الصحيح أن قرب الله سبحانه إلى عبده ذراعًا أو باعًا وهرولته إلى عبده صفة ثابتة لله تعالى نثبتها ونعتقدها لا نكيّفها ولا نمثلها ولا نؤولها -ليس كمثله شيء- لأنه من أحاديث الصفات يجري على ظاهره فلا يُؤوّل. وقال النووي: هذا الحديث من أحاديث الصفات ويستحيل إرادة ظاهره ومعناه من تقرب إليَّ بطاعتي تقربت
6637 -
(00)(00) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذكُرْ:"وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا"
ــ
إليه برحمتي والتوفيق والإعانة وإن زاد زدت فإن أتاني يمشي وأسرع في طاعتي أتيته هرولة أي صببت عليه الرحمة وسبقته بها ولم أحوجه إلى المشي الكثير في الوصول إلى المقصود، والمراد أن جزاءه يكون تضعيفه على حسب تقربه اه. وقال القرطبي: هذه كلها أمثال ضُربت لمن عمل عملًا من أعمال الطاعات وقصد به التقريب إلى الله تعالى يدل على أن الله تعالى لا يُضيّع عمل عامل وإن قَلّ به يقبله ويجعل له ثوابه مضاعفًا.
(فإن قيل): مقتضى ظاهر هذا الخطاب أن من عمل حسنة جُوزي بمثليها فإن الذراع شبران والباع ذراعان، وقد تقرر في الكتاب والسنة أن أقل ما يُجازى على الحسنة بعشر أمثاله إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة لا تُحصى فكيف وجه الجمع.
(قلنا): هذا الحديث ما سيق لبيان مقدار الأجور وعدد تضاعيفها وإنما سيق لتحقيق أن الله تعالى لا يُضيّع عمل عامل قليلًا كان أو كثيرًا وأن الله يسرع إلى قبوله وإلى مضاعفة الثواب عليه إسراع من جيء إليه بشيء فبادر لأخذه وتَبشْبَش له بَشْبَشة من سُرّ به، ووقع منه الموقع، ألا ترى قوله:"وإن أتاني يمشي أتيته هرولة" وفي لفظ: "أسرعت إليه " ولا تُقدّر الهرولة والإسراع بضعفي المشي، وأما عدد الأضعاف فيؤخذ من موضع آخر لا من هذا الحديث والله أعلم اه من المفهم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 251]، والبخاري في التوحيد باب قوله تعالى:{وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ} [7405] وفي مواضع أخر، والترمذي [3603]، وابن ماجة [3822].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:
6637 -
(00)(00)(حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا: حَدَّثَنَا أبو معاوية عن الأعمش بهذا الإسناد) يعني عن أبي صالح، عن أبي هريرة، غرضه بيان متابعة أبي معاوية لجرير بن عبد الحميد (ولم يذكر) أبو معاوية في روايته لفظة (وإن تقرّب إلى ذراعًا تقرّبت منه باعًا).
ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثانيًا فقال:
6638 -
(00)(00) حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَن هَمَّامِ بنِ مُنَبِّهٍ. قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، عَن رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ قَالَ: إِذَا تَلَقَّانِي عَبْدِي بشِبرٍ، تَلَقَّيتُهُ بِذِرَاعٍ. وَإِذَا تَلَقَّانِي بِذِرَاعٍ، تَلَقَّيتُهُ بِبَاعٍ. وَإِذَا تَلَقَّانِي بِبَاعٍ، جِئْتُهُ أَتَيْتُهُ بِأَسْرَعَ".
6639 -
(2654)(2) حدّثنا أُمَيَّةُ بنُ بِسْطَامَ الْعَيْشِيُّ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ، (يَعْنِي ابْنُ زُرَيعٍ)، حَدَّثَنَا رَوْحُ بنُ الْقَاسِمِ، عَنِ الْعَلَاءِ، عَن أَبِيهِ، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ،
ــ
6638 -
(00)(00)(حَدَّثَنَا محمد بن رافع) القشيري (حَدَّثَنَا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (حَدَّثَنَا معمر) بن راشد البصري (عن همام بن منبه) اليماني (قال) همام: (هذا ما حَدَّثَنَا) به أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر أبو هريرة (أحاديث) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة همام لأبي صالح (منها) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله) سبحانه وتعالى (قال: إذا تلقاني) واستقبلني (عبدي بشبر تلقيته) أي استقبلته (بذراع وإذا تلقاني بدراع تلقيته بباع وإذا تلقاني بباع جئته أتيته بأسرع) أي بإتيان أسرع من إتيانه، قال النووي: هكذا هو في أكثر النسخ (جئته أتيته) وفي بعضها: (جئته بأسرع) فقط، وفي بعضها (أتيته) وهاتان ظاهرتان، والأول صحيح أيضًا، والجمع بينهما توكيد لفظي بالمرادف، وهو حسن لا سيما عند اختلاف اللفظ.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة هذا بحديث آخر له رضي الله عنه فقال:
6639 -
(2654)(2)(حَدَّثَنَا أمية بن بسطام) بن المنتشر (العيشي) البصري، صدوق، من (10) روى عنه في (6) أبواب (حَدَّثَنَا يزيد يعني ابن زريع) العيثي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابًا (حَدَّثَنَا روح بن القاسم) التميمي البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (11) بابًا (عن العلاء) بن عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني، صدوق، من (5) روى عنه في (4) أبواب (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله
قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسِيرُ في طَرِيقِ مَكَّةَ. فَمَرَّ عَلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ جُمْدَانُ. فَقَالَ: "سِيرُوا. هَذَا جُمْدَانُ. سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ" قَالُوا: وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا، وَالذَّاكِرَاتُ"
ــ
عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في طريق) ذهابه إلى (مكة فمر) في طريقه (على جبل يقال له) ويسمى (جُمدان) بضم الجيم وسكون الميم هو جبل بين قديد وعسفان من منازل أسلم (فقال) النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (سيروا) أي جدّوا في السير واجتهدوا فيه (هذا جُمدان سبق المُفرِّدون) بفتح الفاء وكسر الراء المشددة من التفريد في رواية الأكثر، ورواه بعضهم بسكون الفاء وتخفيف الراء المكسورة من الإفراد، وقال ابن قتيبة وغيره: أصل المفردين الذين هلك أقرانهم وانفردوا عنهم فبقوا يذكرون الله تعالى، وجاء في رواية:"هم الذين اهتزوا في ذكر الله" أي لهجوا به، وقال ابن الأعرابي: يقال: فرّد الرجل إذا تفقه واعتزل وخلا بمراعاة الأمر والنهي، وقال الأزهري: هم المتحلون من الناس بذكر الله تعالى (قالوا): أي قال الأصحاب للنبي (وما المفردون يا رسول الله؟ ) أي ما معناه فـ (قال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: هم (الذاكرون الله) سبحانه ذكرًا (كثيرًا والذاكرات) الله كثيرًا، وقال القرطبي: وقال في غير كتاب مسلم "هم المستهترون بذكر الله تعالى يضع عنهم الذكر أوزارهم فيردون يوم القيامة خفافًا" رواه الترمذي [3596] وإنما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم هذا القول عقيب قوله: "هذا جُمدان" لأن جمدان جبل منفرد بنفسه هنالك ليس بحذائه جبل مثله فكأنه تفرد هناك فذكره بهؤلاء المفردين والله أعلم. وهؤلاء القوم بقوا في الدنيا إلى الأحوال السنية وفي الآخرة إلى المنازل العلية اه من المفهم.
قوله: (هم الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات) هذه الكثرة المذكورة هنا هي المأمور بها في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} [الأحزاب: 41] وهذا المساق يدل على أن هذا الذكر الكثير واجب ولذلك لم يكتف بالأمر حتَّى أكده بالمصدر ولم يكتف بالمصدر حتَّى أكده بالصفة، ومثل هذا لا يكون في المندوب وظهر أنَّه ذكر كثير واجب ولا يقول أحد بوجوب الذكر باللسان دائمًا، وعلى كل حال كما هو ظاهر هذا الأمر فتعين أن يكون ذكر القلب كما قاله مجاهد، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: ليس شيء من الفرائض إلَّا وله حد ينتهي إليه إلَّا ذكر الله. ولم يقل هو ولا غيره فيما
6640 -
(2655)(3) حدّثنا عَمْرو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بنُ حَرْبٍ وَابْن أَبِي عُمَرَ. جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ، (وَاللَّفْظُ لِعَمْرٍو)، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَن أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"لِلّهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْمًا. مَنْ حَفِظَهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ. وَإِنَّ الله وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ"،
ــ
علمناه أن ذكر الله باللسان يجب على الدوام فلزم أنَّه ذكر القلب، وإذا ثبت ذلك فذكر القلب لله تعالى إما على جهة الإيمان والتصديق بوجوده وصفات كماله وأسمائه فهذا يجب استدامته بالقلب ذكرًا، أو حكمًا في حالة الغفلة لأنه لا ينفك عنه إلَّا بنقيضه وهو الكفر، والذكر الَّذي ليس راجعًا إلى الإيمان هو ذكر الله عند الأخذ في الأفعال فيجب على كل مكلف أن لا يقدم على فعل من الأفعال ولا على قول من الأقوال ظاهرًا ولا باطنًا حتَّى يعرف حكم الله في ذلك الفعل لإمكان أن يكون الشرع منعه منه فإما على طريق الاجتهاد إن كان مجتهدًا أو على طريق التقليد إن كان غير مجتهد ولا ينفك المكلف عن فعل أو قول دائمًا فذكر الله يجب عليه دائمًا، ولذلك قال بعض السلف: اذكر الله عند همك إذا هممت، وحكمك إذا حكمت، وقسمك إذا قسمت. وما عدا هذين الذكرين لا يجب استدامته ولا كثرته والله تعالى أعلم اه من المفهم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 323]، والترمذي [3596] في كتاب الدعوات بابٌ: سبق المفردون.
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة وهو ذكر عدد أسماء الله تعالى، وذكر فضل من أحصاها بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال:
6645 -
(2655)(3)(حَدَّثَنَا عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (وزهير بن حرب و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (جميعًا عن سفيان) بن عيينة (واللفظ لعمرو) الناقد، قال عمرو:(حَدَّثَنَا سفيان بن عيينة عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لله) سبحانه وتعالى: (تسعة وتسعون اسمًا من حفظها) على ظهر قلب (دخل الجنّة وأن الله وتر) أي واحد لا شريك له ولا نظير في ذاته وصفاته (يحب الوتر) أي التوحيد؛ أي إن الله تعالى واحد في ذاته وصفاته وكماله وأفعاله، ويحب التوحيد أي أن يُوحّد ويعتقد انفراده دون خلقه،
وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ "مَنْ أَحْصَاهَا"
ــ
وهذا المعنى أشبه ما يقال هنا فيلتئم به أول الحديث وآخره وظاهره وباطنه، وسيأتي قريبًا بسط الكلام فيه اه من المفهم (وفي رواية ابن أبي عمر من أحصاها) معناه حفظها وهذا هو الأظهر بدليل الرواية السابقة، وقيل معنى أحصاها عدّها في الدعاء بها، وقيل راعاها وحافظ على ما تقتضيه وصدَّق بمعانيها والصحيح الأول اه نووي.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 267]، والترمذي [3506]، وابن ماجة [3806].
قوله: (لله تسعة وتسعون اسمًا) لم يقع تعيين هذه الأسماء في هذا الحديث في رواية الأكثرين وإنما جاء سردها في رواية الوليد بن مسلم عند الترمذي، وفي رواية زهير بن محمد عن موسى بن عقبة عند ابن ماجه، وفي رواية عبد العزيز بن الحصين عن أيوب عن محمد بن سيرين عند الحاكم في المستدرك، واختلف العلماء في صحة هذه الروايات، وفي أن التعيين فيها مرفوع أو مدرج، وقد أطال الحافظ بن حجر رحمه الله تعالى في تحقيق ذلك في فتح الباري [11/ 214 - 219] ورجح أن التعيين فيها مدرج، ثم ذكر أن جماعة من العلماء حاولوا جمع هذه الأسماء فمنهم من اعتمد على روايات الترمذي وابن ماجة والحاكم على اختلاف كثير فيما بينهم، ومنهم من تتبعها من القرآن الكريم، وقد اعتمد الكثيرون على ما وقع في جامع الترمذي ولكن فيها أسماء لم ترد في القرآن الكريم في صورة اسم، ويوجد في القرآن ما ورد في صورة اسم ولم يُذكر في رواية الترمذي فأخرج الحافظ القسم الأول من رواية الترمذي، وزاد القسم الثاني إلى بقية الأسماء المذكورة فيها فصارت تسعة وتسعين وهي هذه:
الله: الرحمن، الرحيم، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، الخالق، البارئ، المصور، الغفار، القهار، التواب، الوهاب، الخلاق، الرزاق، الفتاح، العليم، الحليم، العظيم، الواسع، الحكيم، الحي، القيوم، السميع، البصير، اللطيف، الخبير، العلي، الكبير، المحيط، القدير، المولى، النصير، الكريم، الرقيب، القريب، المجيب، الوكيل، الحسيب، الحفيظ، المقيت، الودود، المجيد، الوارث، الشهيد، الولي، الحميد، الحق، المبين، القوي، المتين، الغني، المالك، الشديد، القادر، المقتدر، القاهر، الكافي، الشاكر، المستعان، الفاطر،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
البديع، الغافر، الأول، الآخر، الظاهر، الباطن، الكفيل، الغالب، الحكم، العالِم، الرفيع، الحافظ، المنتقم، القائم، المحيي، الجامع، المليك، المتعالي، النور، الهادي، الغفور، الشكور، العفو، الرؤوف، الأكرم، الأعلى، البر، الحفي، الرب، الإله، الواحد، الأحد، الصمد.
ثم ذهب ابن حزم إلى أن عدد التسعة والتسعين للحصر فليس لله تعالى اسم غيرها، وخالفه جمهور العلماء كالنووي والخطابي والقرطبي والقاضي أبي بكر بن الطيب وابن العربي والفخر الرازي والحافظ بن حجر رحمهم الله تعالى فقالوا: إن أسماء الله تعالى أكثر من ذلك وإنما اختصت تسعة وتسعون بأن من أحصاها دخل الجنّة، ونقل النووي اتفاق العلماء عليه ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود:"أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك! أخرجه أحمد وابن حبان، وورد في دعاء أخرجه مالك عن كعب الأحبار "أسألك بأسمائك الحسنى ما علمت منها وما لم أعلم" أما الحكمة في قصر إحصائها على العدد المخصوص فذكر الفخر الرازي عن الأكثر أنَّه تعبد لا يعقل معناه كما قيل في عدد الصلوات وغيرها، ونقل عن أبي خلف محمد بن عبد الملك الطبري السلمي قال: إنما خُص هذا العدد إشارة إلى أن الأسماء لا تؤخذ قياسًا، وقيل الحكمة فيه أن العدد زوج وفرد، والفرد أفضل من الزوج، ومنتهى الأفراد من غير تكرار تسعة وتسعون لأن مائة وواحدًا يتكرر فيه الواحد اه من التكملة.
قوله: (من حفظها دخل الجنّة) وفي الرواية الآتية من أحصاها ومن هنا ذهبت جماعة من العلماء إلى أن المراد من الإحصاء حفظها على ظهر قلب، وقيل إحصاؤها الإيمان بها، وقيل العمل بمقتضاها، وقيل معرفتها وتفسيره بالحفظ أظهر كما مر آنفًا.
قوله: (إنه وتر يحب الوتر) قال الحافظ: وإنما كان الفرد أفضل من الزوج لأن الوتر أفضل من الشفع لأن الوتر من صفة الخالق والشفع من صفة المخلوق، والشفع يحتاج إلى الوتر من غير عكس اه. قال القرطبي وقوله:(يحب الوتر) ظاهره أن الوتر هنا للجنس لا معهود جرى ذكره فيُحمل عليه فيكون معناه على هذا أنَّه يحب كل وتر شرعه وأمر به كالمغرب فإنها وتر صلاة النهار ووتر صلاة الليل كالصلوات الخمس فإنها
6641 -
(00)(00) حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَندُ الرَّزَّاقِ. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبُ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ. وَعَنْ هَمَّامِ بنِ مُنَبِّهٍ، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِنَّ لِلّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ"
ــ
وتر كالوتر في مرات الطهارة وغسل الميت ونحو هذا مما شُرع فيه الإيتار ومعنى محبته لهذا النوع أنَّه أمر به وأثاب عليه ويصلح ذلك للعموم لما خلقه وترًا من مخلوقاته كالسماوات السبع والأرضين السبع والدراري السبع وكآدم الَّذي خلقه من تراب وكعيسى الَّذي خلقه من غير أب وهكذا كل ما خلقه الله وترًا من مخلوقاته، ومعنى محبته لهذا النوع أنَّه خصصه بذلك لحكم علمها وأمور قدّرها، ويحتمل أن يريد بذلك الوتر واحدًا بعينه فقيل هو صلاة الوتر وقيل يوم عرفة وقيل آدم وقيل غير ذلك اه من المفهم.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: 6641 - (00)(00) حدثني محمد بن رافع) القشيري (حَدَّثَنَا عبد الرزاق) بن همام (حَدَّثَنَا معمر) بن راشد الأزدي (عن أيوب) بن أبي تميمة السختياني (عن) محمد (بن سيرين عن أبي هريرة) رضي الله عنه (و) روى أيوب أيضًا (عن همام بن منبه عن أبي هريرة) رضي الله عنه غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة ابن سيرين وهمام بن منبه للأعرج (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن لله تسعة وتسعين اسمًا) وقوله: (مائة) بدل من العدد المذكور قبله لغرض الاستثناء عنه بقوله: (إلا واحدًا) وقال القرطبي: قوله: (مائة إلَّا واحدًا) تأكيد للجملة الأولى ليرفع به وهم متوهم في النطق أو الكتابة لأن تسعة مقاربة لسبعة فيهما، وعبارة الأبي هو تأكيد وحفظ من التصحيف سبعة وسبعين لتقارب اللفظ بعضه من بعض، ومائة منصوبة بدل من تسعة اه من المفهم (من أحصاها دخل الجنّة وزاد همام) على ابن سيرين (عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم لفظة (إنه) تعالى (وتر) أي واحد في ذاته وصفاته لا مثيل له ولا نظير وفي أفعاله لا شريك له (يحب الوتر) أي يفضل الوتر في الأعمال وكثير من الطاعات كجعل الصلوات خمسًا والطهارة ثلاثًا والطواف سبعًا والرمي سبعًا وأيام التشريق ثلاثة والاستنجاء ثلاثًا ونصاب الزكاة خمسة أوسق وخمس أواق من الورق، وجعل كثيرًا من مخلوقاته وترًا مثل السموات والأرض والبحار وأيام الأسبوع وغير ذلك قاله القاضي عياض اه من الأبي.
وَزَادَ هَمَّامٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّهُ وِترٌ. يحِبُّ الوِتْرَ".
6642 -
(2656)(4) حدَّثنا أَبُو بَكرِ بنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بنُ حَرْبٍ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بنُ عُلَيَّةَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا دَعَا أَحدَّكُمْ فَلْيَعْزِمْ فِي الدُّعَاءِ. وَلَا يَقُلِ: اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ فَأَعْطِنِي، فَإنَّ اللهَ لَا مُسْتَكرِهَ لَهُ"
ــ
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة وهو الجزم بالدعاء بحديث أنس رضي الله عنه فقال:
6642 -
(2656)(4)(حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب جميعًا عن) إسماعيل بن إبراهيم الأسدي البصري المعروف بـ (ابن علية) اسم أمه (قال أبو بكر: حَدَّثَنَا إسماعيل بن علية عن عبد العزيز بن صهيب) البناني البصري (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه (قال) أنس: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا دعا) الله تعالى (أحدكم فليعزم في الدعاء) أي فليجزم ويقطع في الدعاء أي في حصول مطلوبه، قال القاضي: أي فليجتهد ويشتد ويلح في الدعاء ولا يتراخى ولا يتكاسل عن الدعاء، ومنه {أُوْلُواْ الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} معناه في الشدة والقوة، وقيل معنى العزم في الدعاء أن يُحسن الظن بالله تعالى في الإجابة اه أبي. وقيل معنى الأمر بالعزم الجِد فيه وأن يجزم بوقوع مطلوبه ولا يعلق ذلك بمشيئة الله تعالى كما قال:(ولا يقل) في دعائه (اللهم إن شئت) الإعطاء لي (فأعطني فإن الله) سبحانه (لا مستكره له) أي لا مكره له على إعطائك، والمراد أن الَّذي يحتاج إلى التعليق بالمشيئة ما إذا كان المطلوب منه يتأتى إكراهه على الشيء فيخفف الأمر عليه ويعلم بأنه لا يطلب منه ذلك الشيء إلَّا برضاه، وأما الله سبحانه فهو منزه عن ذلك فليس للتعليق فائدة.
وعبارة القرطبي قوله: (فليعزم في الدعاء) أي ليجزم في طلبته وليحقق رغبته ويُتْقِن الإجابة فإذا فعل ذلك دل على علمه بعظيم قدر ما يطلب من المغفرة والرحمة وعلى أنَّه مفتقر لما يطلب مضطر إليه وقد وعد الله المضطر بالإجابة بقوله: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل: 62] قوله: (فإن الله لا مستكره له) تعليل لعدم فائدة تقييد الدعاء بالمشيئة لأن الله تعالى لا يضطره إلى فعل شيء دعاء ولا غيره بل يفعل ما يريد ويحكم ما يشاء
6643 -
(2657)(5) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبُ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، (يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ)، عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلَا يَقُلِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ. وَلَكِنْ لِيَعْزِمِ المَسْأَلَةَ. وَلْيُعَظِّمِ الرَّغْبَةَ. فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَتَعَاظَمُهُ شَيْءٌ أَعْطَاهُ"
ــ
ولذلك قيد الله تعالى الإجابة بالمشيئة في قوله: {فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنَّ شَاءَ} [الأنعام: 41] فلا معنى لاشتراط مشيئته فيما هذا سبيله فأما اشتراطها في الأيمان فقد تقدم القول فيه اه من المفهم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الدعوات باب ليعزم المسألة لا مكره له [6339] وفي التوحيد باب في المشيئة والإرادة وما تشاؤون إلَّا أن يشاء الله [7464].
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال:
6643 -
(2657)(5)(حَدَّثَنَا يحيى بن أيوب) المقابري البغدادي (وقتيبة) بن سعيد (و) علي (بن حجر) السعدي المروزي (قالوا: حَدَّثَنَا إسماعيل يعنون ابن جعفر) بن أبي كثير الزرقي المدني (عن العلاء) بن عبد الرحمن الجهني المدني (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا دعا أحدكم) ربه عز وجل (فلا يقل) في دعائه المغفرة (اللهم اغفر لي إن شئت) أن تغفر لي (ولكن ليعزم المسألة) ويجزمها ولا يعلقها بالمشيئة (وليعظّم الرغبة) أي وليشدّد الرغبة والرجاء في قبول دعائه أو المعنى وليجعل رغبته في أمور عظيمة وحوائج كثيرة (فإن الله) سبحانه (لا يتعاظمه شيء أعطاه) لداعيه أي لا يكون عظيمًا صعبًا عليه فإنه إنما يقول: كن فيكون.
قال القرطبي: قوله: (لا يقولن أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت) إنما نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن هذا القول لأنه يدل على فتور الرغبة وقلة التهمُّم بالمطلوب وكان هذا القول يتضمن أن هذا المطلوب إن حصل وإلا استغنى عنه ومن كان هذا حاله لم يحقق من حاله الافتقار والاضطرار الَّذي هو روح عبادة الدعاء وكان ذلك دليلًا على
6644 -
(00)(00)(حدَّثنا إِسْحَاقُ بنُ مُوسَى الأَنْصَارِيُّ. حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ. حَدَّثَنَا الْحَارِثُ (وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي ذُبَابِ)، عَنْ عَطَاءِ بنِ مِينَاءَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمُ: اللهم اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ. اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إِنْ شِئتَ. لِيَعْزِمْ فِي الدُّعَاءِ. فَإِنَّ اللَّهَ صَانِعٌ مَا شَاءَ، لَا مُكْرِهَ لَهُ"
ــ
قلة اكتراثه بذنوبه وبرحمة ربه وأيضًا فإنه لا يكون موقنًا بالإجابة وقد قال صلى الله عليه وسلم: "ادعو الله وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه" رواه الترمذي [3474] اه مفهم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 243]، والبخاري في الدعوات [6339] وفي التوحيد [7477]، وأبو داود في الصلاة باب الدعاء [1483]، والترمذي في الدعوات [3492]، والنسائي في عمل اليوم والليلة [582]، وابن ماجة [3899].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
6644 -
(00)(00)(حَدَّثَنَا إسحاق بن موسى) بن عبد الله بن موسى (الأنصاري) الخطمي المدني ثم الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (7) أبواب (حَدَّثَنَا أنس بن عياض) بن ضمرة الليثي أبو ضمرة المدني، ثقة، من (8) روى عنه في (9) أبواب (حَدَّثَنَا الحارث وهو ابن عبد الرحمن بن أبي ذباب) عبد الله بن سعد الدوسي المدني، صدوق، من (5) روى عنه في (5) أبواب (عن عطاء بن ميناء) يُمد وُيقصر المدني أو البصري، صدوق، من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة عطاء بن ميناء لعبد الرحمن بن يعقوب الجهمي (قال) أبو هريرة:(قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يقولن أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت) أن تغفر لي (اللهم ارحمني إن شئت) أن ترحمني فـ (ليعزم) أي فليجزم أحدكم (في الدعاء) ولا يعلق بنحو المشيئة (فإن الله) عز وجل (صانع) أي فاعل (ما شاء) من أفعاله وقضائه في خلقه (لا مكره له) على شيء من أفعاله من القبض والبسط والمنع والعطاء فهو الفاعل المختار لما يشاء في خلقه، قال النووي: عزم المسألة الشدة في طلبها والجزم من غير ضعف في الطلب ولا تعليق على مشيئة ونحوها، ومعنى الحديث استحباب الجزم في الطلب وكراهة التعليق على المشيئة اه.
6645 -
(2658)(6) حدّثنا زُهَيرُ بنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، (يَعْنِي ابْنَ عُلَيَّةَ)، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ. فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مُتَمَنِّيًا فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيرًا لِي"
ــ
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الرابع من الترجمة وهو كراهة تمني الموت بحديث أنس رضي الله عنه فقال:
6645 -
(2658)(6)(حَدَّثَنَا زهير بن حرب حَدَّثَنَا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري (يعني ابن علية عن عبد العزيز) بن صهيب البناني البصري (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (قال) أنس: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يتمنين أحدكم الموت) أي لا يطمعن أحدكم حصول الموت له (لضر نزل به) أي لأجل ضرر نزل ووقع به من مرض أو آفة أو فاقة أو محنة من عدو أو نحو ذلك من مشاق الدنيا كالتعذيب في السجن، والتمني طلب ما لا طمع فيه أو ما فيه عسر وفيه التصريح بكراهة تمني الموت (فإن كان) الشأن (لا بد) ولا غنى له من أن يكون (متمنيًا فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي) قال ابن مالك: إنما نهى عن تمني الموت لأنه يدل على عدم رضاه بما نزل به من الله من مشاق الدنيا، وأما إذا تمنى الموت لأجل الخوف على دينه لفساد الزمان فلا كراهة فيه كما جاء في الدعاء "وإذا أردت في قوم فتنة فتوفني غير مفتون" اه، وفي المشكاة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يتمنى أحدكم الموت إما محسنًا فلعله أن يزداد خيرًا وإما مسيئًا فلعله أن يستعتب" قال في المرقاة: أي يسترضي يعني بطلب رضاء الله بالتوبة، قال القاضي: الاستعتاب طلب العتبى وهو الإرضاء، وقيل هو الإرضاء اه من الدهني قوله:(لضر نزل به) حمله جماعة من السلف على الدنيوي فإن وُجد الضر الأخروي بأن خشي فتنة في دينه لم يدخل في النهي ويدل عليه حديث معاذ رضي الله عنه الَّذي أخرجه أبو داود وصححه الحاكم في القول في دبر كل صلاة وفيه "وإذا أردت بقوم فتنة فتوفني إليك غير مفتون" وعلى هذا يحمل ما رُوي عن بعض الصحابة في دعاء الوفاة، وفي الموطأ عن عمر رضي الله عنه قال: اللهم كبرت سني وضعفت قوتي وانتشرت رعيتي فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفر. وأخرج أحمد وغيره من طريق عبس
6646 -
(00)(00) حدّثنا ابْنُ أَبِي خَلَفِ. حَدَّثَنَا رَوْحٌ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنِي زهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ. حَدَّثَنَا حَمَّاد، (يَعْنِي ابْنَ سَلَمَةَ)، كِلَاهُمَا عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ:"مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ"
ــ
الغفاري أنَّه قال: يا طاعون خذني، فقال له عليم الكندي: لم تقول هذا؟ ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يتمنين أحدكم الموت" فقال سمعته يقول: "بادروا بالموت ستًا إمرة السفهاء وكثرة الشرط وبيع الحكم .. "الحديث ذكره الحافظ في فتح الباري [10/ 128] وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم ألحقني بالرفيق الأعلى" فلا يعارض هذا النهي لأن هذه الحالة من خصائص الأنبياء عليهم السلام أنَّه لا يُقبض حتَّى يُخيَّر بين البقاء في الدنيا وبين الموت والله أعلم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في المرضى باب تمني المريض الموت [5671]، وفي الدعوات باب الدعاء بالموت والحياة [6351] وفي التمني باب ما يكره من التمني [7233]، وأبو داود في الجنائز باب كراهية تمني الموت [3108 و 3109]، والترمذي في الجنائز باب في النهي عن تمني الموت [971]، والنسائي في الجنائز باب تمني الموت [1820 و 1821] وباب الدعاء بالموت [1822]، وابن ماجة في الزهد باب ذكر الموت والاستعداد له [4319].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال:
6646 -
(00)(00) حَدَّثَنَا) محمد بن أحمد (بن أبي خلف) محمد السلمي مولاهم البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (11) بابًا (حَدَّثَنَا روح) بن عبادة بن العلاء القيسي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (14) بابًا (حَدَّثَنَا شعبة ح وحدثني زهير بن حرب حَدَّثَنَا عفان) بن مسلم الصفار الأنصاري البصري، ثقة، من كبار (10) روى عنه في (15) بابًا (حَدَّثَنَا حماد يعني ابن سلمة) الربعي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابًا (كلاهما) أي كل من شعبة وحماد بن سلمة رويا (عن ثابت عن أنس) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذان السندان من خماسياته، غرضه بيان متابعة ثابت لعبد العزيز، وساق ثابت (بمثله) أي بمثل حديث عبد العزيز بن صهيب (غير أنَّه) أي لكن أن ثابتًا (قال) في روايته لفظة (من ضر أصابه) أي ناله.
6647 -
(00)(00) حدّثني حَامِدُ بْنُ عُمَرَ. حَدَّثَنَا عَبدُ الْوَاحِدِ. حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، عَنِ النَّضْرِ ابْنِ أَنَسِ، وَأَنَسَ يَؤمَئِذٍ حَيٌّ، قَالَ أَنَسٌ: لَوْلَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ" لَتَمَنَّيْتُهُ.
6648 -
(2659)(7) حدّثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بنِ أَبِي حَازِمٍ. قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى خَبَّابِ وَقَدِ اكتَوى سَبْعَ كَيَّاتِ في بَطْنِهِ
ــ
ثم ذكر المتابعة ثانيًا فقال:
6647 -
(00)(00)(حدثني حامد بن عمر) بن جعفر الثقفي البكراوي البصري، ثقة، من (10)(حَدَّثَنَا عبد الواحد) بن زياد العبدي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابًا (حَدَّثَنَا عاصم) بن سليمان الأحول التميمي البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (17) بابًا (عن النضر بن أنس) بن مالك الأنصاري البصري، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (وأنس) بن مالك أي والحال أن والده أنس بن مالك (يومئذٍ) أي يوم إذ روى لعاصم (حي) والمعنى أن النضر حدَّث به لعاصم في حياة أبيه أنس. قال النضر:(قال) والدي (أنس) بن مالك رضي الله عنهم. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة النضر بن أنس لعبد العزيز بن صهيب (لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يتمنين أحدكم الموت لتمنيته) أي لتمنيت أنا الموت لكثرة الفتن وفساد الزمان.
ثم استشهد المؤلف لحديث أنس بحديث خباب بن الأرت رضي الله عنهما فقال:
6648 -
(2659)(7)(حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا عبد الله بن إِدْرِيسَ) بن يزيد الأودي الكوفي، ثقة ثقة، من (8) روى عنه في (17) بابًا (عن إسماعيل بن أبي خالد) سعيد البجلي الأحمسي الكوفي، ثقة، من (4) روى عنه في (8) أبواب (عن قيس بن أبي حازم) عوف بن عبد الحارث البجلي الأحمسي الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) روى عنه في (10) أبواب (قال) قيس:(دخلنا على خباب) بن الأرت بتشديد التاء ابن جندلة بن سعد التميمي حليف بني زهرة أبي عبد الله الكوفي الصحابي المشهور رضي الله عنه كان من السابقين، وأحد من عُذّب في الإسلام. وهذا السند من خماسياته (و) الحال أن خبابًا (قد اكتوى) وحرق (سبع كيات) أي سبع حرقات (في بطنه) بقصد
فَقَالَ: لَوْ مَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَانَا أَنْ نَدْعُوَ بِالْمَوْتِ، لَدَعَوْتُ بِهِ
ــ
التداوي من مرضه (فقال) خباب لمن عنده (لوما) هو بمعنى لولا الامتناعية فهي موضوعة للدلالة على امتناع الشيء لوجود غيره (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به) أي بالموت على نفسي لكثرة الفتن وتدارك المحن، وجملة أن المصدرية في تأويل مصدر مرفوع على الابتداء والخبر محذوف وجوبًا لقيام جواب لوما مقامه واللام في قوله لدعوت رابطة لجواب لوما والتقدير لولا نهي رسول الله إيانا عن الدعاء بالموت موجود لدعوت على نفسي بالموت.
قوله: (قد اكتوى في بطنه سبع كيات) وذاك لمرض أصابه، وقد مر الكلام على المكي في كتاب الطب قوله:(لدعوت به) أي بالموت على نفسي، وفي رواية حارثة بن مضرب عند الترمذي قال: دخلت على خباب وقد اكتوى في بطنه فقال: ما أعلم أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي من البلاء ما لقيت، لقد كنت وما أجد درهمًا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي ناحية من بيتي الآن أربعون ألفًا ولولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أو نهى أن نتمنى الموت لتمنيت. ويبدو من ظاهر هذه الألفاظ أن خبابًا رضي الله عنه همَّ بتمني الموت من شدة البلايا التي أصابته والأمر ليس كذلك وإنما هَمَّ بذلك لأنه قد فاض عليه المال في آخر حياته فخشي أن يكون ذلك ثوابًا معجلًا له في الدنيا على ما تحمله من الشدائد فينتقص أجره بذلك في الآخرة ويتضح ذلك بما أخرجه البخاري في المَرْضَى عن قيس بن أبي حازم قال: دخلنا على خباب نعوده وقد اكتوى سبع كيات فقال: إن أصحابنا الذين سلفوا مضوا ولم تنقصهم الدنيا وإنا أصبنا ما لا نجد له موضعًا إلَّا التراب يعني به بناء المساكن ولولا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به. وإلى ذلك وقع الإشارة في قوله في رواية الترمذي: وفي ناحية بيتي أربعون ألفًا. ويؤيده حديثه الآخر: هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقع أجرنا على الله فمنا من مضى ولم يأكل من أجره شيئًا منهم مصعب بن عمير أخرجه البخاري في الجنائز والمغازي.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث خباب رضي الله عنه فقال:
6649 -
(00)(00) حدَّثناه إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ وَجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الحَمِيدِ وَوَكِيعٌ. ح وَحدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ وَيحْيَى بنُ حَبِيبٍ. قَالَا: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. كُلُّهُمْ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ
ــ
6650 -
(2660)(8) حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ رَافِع. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنٍ مُنَبِّهٍ. قَالَ: هذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ،
ــ
6649 -
(00)(00)(حَدَّثَنَا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (أخبرنا سفيان بن عيينة وجرير بن عبد الحميد) بن قرط الضبي الكوفي (ووكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي (ح وحدثنا) محمد (بن نمير حَدَّثَنَا أبي) عبد الله بن نمير (ح وحدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (ويحيى بن حبيب) بن عربي الحارثي البصري (قالا: حَدَّثَنَا معتمر) بن سليمان بن طرخان التيمي البصري (ح وحدثنا محمد بن رافع) القشيري (حَدَّثَنَا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي كلهم) أي كل من هؤلاء الستة المذكورين يعني سفيان وجريرًا ووكيعًا وعبد الله بن نمير ومعتمر بن سليمان وأبا أسامة رووا (عن إسماعيل) بن أبي خالد الأحمسي (بهذا الإسناد) يعني عن قيس بن أبي حازم عن خباب، غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة هؤلاء الستة لعبد الله بن إدريس".
ثم استشهد المؤلف رحمه الله ثانيًا لحديث خباب بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال:
6650 -
(2660)(8)(حَدَّثَنَا محمد بن رافع) القشيري (حَدَّثَنَا عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن همام بن منبه) بن كامل بن سيج اليماني (قال) همام: (هذا) الحديث الَّذي أمليه عليكم (ما حَدَّثَنَا) به (أبو هريرة) رضي الله عنه (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا السند من خماسياته (فذكر) أبو هريرة (أحاديث) كثيرة (منها) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يتمنى أحدكم) أيها المؤمنون (الموت) بقلبه
وَلَا يَدْعُ بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأتِيَهُ، إِنَّهُ إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ. وَإِنَّهُ لَا يَزِيدُ الْمُؤْمِنَ عُمُرُهُ إِلَّا خَيرًا".
6651 -
(2661)(9) حدّثنا هَدَّابُ بْنُ خَالِدِ. حَدَّثَنَا هَمَّامْ. حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ؛ أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ،
ــ
(ولا يدع به) أي بالموت على نفسه بلسانه (من قبل أن يأتيه) الموت ويحل عليه أجله (إنه) أي إن الشأن والحال (إذا مات أحدكم انقطع عمله وإنه) أي بيان الشأن والحال إلا يزيد المؤمن عمره) أي حياته (إلا خيرًا) لأن أعماله الحسنة تتزايد بطول عمره.
قوله: (ولا يدع به) قال ابن ملك: قوله: لا يدع في أكثر النسخ بحذف الواو على أنَّه نهي، قال الزين: وجه صحة عطفه على النفي من حيث إنه بمعنى النهي، وقال ابن حجر: فيه إيماء إلى أن الأول نهي على بابه ويكون قد جمع بين لغتي حذف حرف العلة وإثباته اه مرقاة، قوله:(إنه إذا مات أحدكم) بكسر الهمزة والضمير للشأن وهو استئناف فيه معنى التعليل اه مرقاة، قوله (انقطع عمله) هكذا هو في بعض النسخ عمله، وفي كثير منها (أمله) وكلاهما صحيح، لكن الأول أجود وهو المتكرر في الأحاديث والله أعلم اه نووي، قوله:(انقطع عمله) أي فائدة عمله وتجديد ثوابه والله أعلم اه دهني.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في المرضى باب تمني المريض الموت [5673]، والنسائي في الجنائز باب تمني الموت [1818 و 1819].
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الخامس من الترجمة وهو من أحب لقاء الله .. إلخ بحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه فقال:
6651 -
(2661)(9)(حَدَّثَنَا هداب بن خالد) بن الأسود بن هدبة القيسي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (8) أبواب (حَدَّثَنَا همام) بن يحيى بن دينار العوذي البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (13) بابًا (حَدَّثَنَا قتادة عن أنس بن مالك عن عبادة بن الصامت) بن قيس بن أصرم الأنصاري الخزرجي أبي الوليد المدني، الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن فيه رواية صحابي عن صحابي (أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: من أحب لقاء الله) تعالى عند النزع عندما
أَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ. وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ، كَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ".
6652 -
(00)(00) وحدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ. قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، مِثْلَهُ
ــ
يرى مقعده في الجنّة (أحب الله لقاءه) ويبشره بجزيل عطائه وكرامته (ومن كره لقاء الله) يعني عند الغرغرة عندما يرى مقعده من النار (كره الله لقاءه) يعني يبعده عن رحمته ويطرده عن دار كرامته ويجعله في سواء الجحيم، والمراد بمحبة المؤمن لقاء الله محبته عند المصير إلى الدار الآخرة بمعنى أن المؤمن عند الغرغرة يبشر برضوان الله فيكون موته أحب إليه من حياته والمراد بمحبة الله لقاءه إفاضته عليه فضله وإحسانه، والمراد بكراهة الشخص لقاء الله حبه حياته لما يرى مآله في العذاب حينئذٍ، والمراد بكراهته تعالى إبعاده عن عز حضوره وإبعاده عن رحمته اه دهني والله أعلم. وقال ابن الأثير في النهاية: والمراد بلقاء الله هنا المصير إلى دار الآخرة وطلب ما عند الله وليس الغرض به الموت لأن كلا يكرهه.
[قلت]: وسيأتي تفسير الحديث بذلك صريحًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها الآتي بعد هذا.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الرقاق باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه [6507]، والترمذي في الجنائز باب ما جاء فيمن أحب لقاء الله .. إلخ [1066] والنسائي في الجنائز باب فيمن أحب لقاء الله [1836 و 1837].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:
6652 -
(00)(00) حَدَّثَنَا محمد بن المثنى وابن بشار قالا: حَدَّثَنَا محمد بن جعفر حَدَّثَنَا شعبة عن قتادة قال: سمعت أنس بن مالك يحدّث عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة شعبة لهمام بن يحيى وساق شعبة (مثله) أي مثل حديث همام بن يحيى.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عبادة بحديث عائشة رضي الله عنهما فقال:
6653 -
(2662)(10) حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الرُّزِّيُّ. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ الْهُجَيمِيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَت: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ، أَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ. وَمَق كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ، كَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ! فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ؛ فَكُلُّنَا نَكْرَهُ الْمَوْتِ. فَقَالَ:
ــ
6653 -
(2662)(10)(حَدَّثَنَا محمد بن عبد الله الرزي) منسوب إلى الرز الَّذي يؤكل المعروف من الأقوات المدخرة (حَدَّثَنَا خالد بن الحارث) بن عبيد بن سليم (الهجيمي) البصري (حَدَّثَنَا سعيد) بن أبي عروبة مهران اليشكري البصري، ثقة، من (6)(عن قتادة عن زرارة) بن أوفى العامري الحرشي البصري، قاضيها، ثقة، من (3) روى عنه في (8) أبواب، وليس في مسلم من اسمه زرارة إلَّا هذا الثقة (عن سعد بن هشام) بن عامر الأنصاري المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب، استشهد بأرض الهند (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سباعياته، وفيه رواية تابعي عن تابعي (قالت) عائشة:(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحب لقاء الله) عند الغرغرة (أحب الله لقاءه) أي بشره بالجنّة (ومن كره لقاء الله) وقتئذٍ (كره الله لقاءه) قال النووي: هذا الحديث يفسر آخره أوله ويبين المراد بباقي الأحاديث المطلقة من أحب لقاء الله ومن كره لقاء الله، ومعنى الحديث أن الكراهة المعتبرة هي التي تكون عند النزع في حالة لا تقبل توبته ولا غيرها فحينئذٍ يُبشر كل إنسان بما هو صائر إليه وما أعد له ويكشف له عن ذلك فأهل السعادة يحبون الموت ولقاء الله لينتقلوا إلى ما أعد لهم ويحب الله لقاءهم أي فيجزل لهم العطاء، والكرامة، وأهل الشقاوة يكرهون لقاءه لما علموا من سوء ما ينتقلون إليه ويكره الله لقاءهم أي يبعدهم عن رحمته وكرامته ولا يريد ذلك بهم وهذا معنى كراهته سبحانه لقاءهم والله أعلم اه منه. قالت عائشة:(فقلت) لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا نبي الله أ) تريد بتلك (لكراهية الموت) في حالة الصحة (فـ) إذًا (كُلنا نكره الموت) في حالة الصحة هذا التفسير على رواية النصب، ويجوز الرفع فيه أيضًا على أنَّه مبتدأ خبره محذوف تقديره هل كراهية الموت هي المرادة بكراهة لقاء الله فإذًا كلنا يكره الموت. قال القاضي: فهمت عائشة رضي الله تعالى عنها أن هذا خبر عما يكون من الأمرين في حالة الصحة، فقالت: كلنا نكره الموت (فقال) لها رسول الله صلى
"لَيسَ كَذَلِكِ. وَلَكِن الْمُؤْمِنَ إِذَا بُشِّرَ بِرَحْمَةِ اللهِ وَرِضْوَانِهِ وَجَنَّتِهِ، أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ، فَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ. وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا بُشِّرَ بِعَذَاب اللهِ وَسَخَطِهِ، كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ، وَكَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ".
6654 -
(00)(00) حدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ. حَدَّثَنَا سَعِيدٌ،
ــ
الله عليه وسلم: (ليس) المعنى (كذلك) أي كما فهمت من أن معنى كراهة لقاء الله هو كراهة الموت في حال الصحة، وانما أخبرت عما يكون من ذلك عند النزع وفي وقت لا تقبل فيه التوبة فإن الله تعالى يكشف له عن كل ما يصير إليه، فأهل السعادة يرون ما يحبون فيحبون لقاء الله تعالى ليصلوا إلى ما رأوا فيحب الله لقاءهم أي يجزل لهم العطاء والكرامة وهو معنى محبته لقاءهم، وأهل الشقاء يرون ما يسوءهم فيكرهون لقاء الله لما يستيقنونه من عذابه فيكره الله لقاءهم أي يبعدهم عن رحمته وهو معنى كراهة الله لقاءهم وإلا لو كره الله سبحانه لقاءهم أي موتهم لم يموتوا وليس معنى الحديث أن سبب محبة الله تعالى لقاءهم محبتهم لقاءه ولا أن سبب كراهة الله لقاءهم كراهتهم لقاءه بل ذلك حالهم وصفتهم حينئذٍ، فمن خبرية أي موصولة لا شرطية اه من الأبي.
(ولكن) المعنى أن (المومن إذا بُشر برحمة الله ورضوانه وجنته) وقت الفزع والغرغرة (أحب) ذلك المؤمن (لقاء الله) تعالى لما يراه من مقعده في الجنّة (فأحب الله لقاءه) أي لقاء ذلك المؤمن (وإن الكافر إذا بُشر) وأخبر (بعذاب الله) المعدّ له واستيقنه برؤية مقعده من النار (و) عرف ب (سخطه) أي بسخط الله وغضبه عليه برؤية مقعده من النار (كره لقاء الله) تعالى بالموت (وكره الله) سبحانه (لقاءه) أي لقاء ذلك الكافر.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري أخرجه تعليقًا في الرقاق باب من أحب لقاء الله، والترمذي في الجنائز باب ما جاء فيمن أحب لقاء الله تعالى .. إلخ [1067]، والنسائي في الجنائز باب فيمن أحب لقاء الله [1838]، وابن ماجة في الزهد باب ذكر الموت والاستعداد له [8/ 43].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:
6654 -
(00)(00)(حدثناه محمد بن بشار حَدَّثَنَا محمد بن بكر) الأزدي البرساني البصري، صدوق، من (9) روى عنه في (5) أبواب (حَدَّثَنَا سعيد) بن أبي
عَنْ قَتَادَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ.
6655 -
(00)(00) حدَّثنا أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ زَكَرِيَّاءَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ شُرَيحِ بنِ هَانِئ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ، أَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ. وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ، كَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ. وَالْمَوْتُ قَبْلَ لِقَاءِ اللَّهِ".
6656 -
(00)(00) حدَّثناه إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ. حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ عَنْ عَامِرٍ
ــ
عروبة (عن قتادة بهذا الإسناد) يعني عن زرارة عن سعد عن عائشة، كرضه بيان متابعة محمد بن بكر لخالد بن الحارث الهجيمي.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:
6655 -
(00)(00)(حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة حَدَّثَنَا علي بن مسهر) القرشي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (15) بابًا (عن زكرياء) بن أبي زائدة خالد بن ميمون الهمداني الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (13) بابًا (عن الشعبي) عامر بن شراحيل الحميري الكوفي، ثقة، من (3) روى عنه في (19) بابًا (عن شريح بن هانئ) بن يزيد المذحجي اليمني أبي المقدام الكوفي، ثقة مخضرم، من (2) روى عنه في (4) أبواب (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة شريح بن هانئ لسعد بن هشام (قالت) عائشة:(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه) زيد في هذه الرواية قولها (والموت قبل لقاء الله) والظاهر أنَّه زيادة من كلام عائشة استنبطتها من تفسير النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الحديث، والحاصل أن لقاء الله شيء يقع بعد الموت فلا يستلزم كراهة الموت كراهة لقاء الله تعالى والله أعلم.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:
6656 -
(00)(00)(حدثناه إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (أخبرنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي، ثقة، من (8)(حَدَّثَنَا زكرياء) بن أبي زائدة (عن عامر) بن
حَدَّثَنِي شُرَيحُ بْنُ هَانِئٍ؛ أَن عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: بِمِثْلِهِ.
6657 -
(2663)(1 1) حدَّثنا سَعِيدُ بنُ عَمْرٍو الأَشْعَثِيُّ. أَخْبَرَنَا عَبْثَرٌ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ شُرَيحٍ بنِ هَانِئٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ، أَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ. وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ، كَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ". قَالَ: فَأَتَيْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤمِنِينَ، سَمِعْتُ أَبَا هُرَيرَةَ يَذكُرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثًا. إِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ هَلَكْنَا. فَقَالَت: إِنَّ الْهَالِكَ مَنْ هَلكَ بِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه
ــ
شراحيل الشعبي (حدثني شريح بن هانئ أن عائشة أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) الحديث، غرضه بيان متابعة عيسى بن يونس لعلي بن مسهر، وساق عيسى (بمثله) أي بمثل حديث علي بن مسهر.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث عبادة بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال:
6657 -
(2663)(11)(حَدَّثَنَا سعيد بن عمرو) بن سهل الكندي (الأشعثي) أبو عثمان الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (أخبرنا عبثر) بن القاسم الزبيدي مصغرًا أبو زبيد مصغرًا الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (8) أبواب (عن مطرف) بن عبد الله بن الشخير العامري الحرشي البصري، تابعي، ثقة عابد، من (2) روى عنه في (9) أبواب (عن عامر) الشعبي (عن شريح بن هانئ عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أنَّه اجتمع فيه ثلاثة من التابعين (قال) أبو هريرة:(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه قال) شريح بن هانئ: (فأتيت عائشة فقلت) لها: (يا أم المؤمنين سمعت أبا هريرة يذكر) ويحدّث (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا) لم أسمعه من غيره (إن كان) الأمر كذلك) أي مثل ما ذكره أبو هريرة في ذلك الحديث (فقد هلكنا فقالت) عائشة: نعم (إن الهالك) في الحقيقة هو (من هلك بـ) مقتضى (قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ذاك) الحديث، فقلت لها:(قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ، أَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ. وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ، كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ" وَلَيسَ مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا وَهُوَ يَكْرَهُ الْمَوْتَ. فَقَالَتْ: قَد قَالَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وَلَيْسَ بِالَّذِي تَذْهَبُ إِلَيْهِ. وَلَكنْ إِذَا شَخَصَ الْبَصَرُ، وَحَشرَجَ الصَّدْرُ، وَاقْشَعَرَّ الْجِلْدُ، وَتَشَنَّجَتِ الأَصَابِعُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ، مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ، أَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ. وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ، كَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ
ــ
عليه وسلم: من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه و) الحال أنَّه (ليس منا أحد إلَّا وهو يكره الموت) وجملة ليس جملة حالية من كلام شريح بن هانئ (فقالت) عائشة في جواب سؤال شريح نعم (قد قاله) أي قد قال هذا الحديث (رسول الله صلى الله عليه وسلم و) لكن (ليس) معنى هذا الحديث (بـ) المعنى (الَّذي) أنت تظنه و (تذهب) أي تميل (إليه) وتفهم منه أي ليس المراد كراهة الإنسان الموت حال الصحة بل كراهته حال الاحتضار والله أعلم (ولكن) معناه المراد كراهة الموت (إذا شخص) وارتفع البصر من الإنسان تابعًا لروحه عند خروجها ونزعها، وقوله إذا شخص البصر بفتح الشين والخاء المعجمتين من باب فتح من الشخوص وهو ارتفاع الأجفان إلى فوق وتحديد النظر إلى أعلى اه سنوسي، وفي المصباح: يقال شخص الرجل بصره يشخص بفتحتين فيهما إذا فتح عينيه لا يطرف (وحشرج الصدر) أي غرغر الصدر وصوّت بتردد النفس فيه، قال القاضي: حشرجة الصدر تردد النفس فيه خروجًا اهـ أبي، وفي القاموس: يقال: حشرج المريض إذا غرغر عند الموت وردد النفس (واقشعر الجلد) منه أي تقلص وقام شعره (وتشنجت الأصابع) منه أي انقبضت ويبست (فعند ذلك) المذكور من الصفات التي حدثت لجسمه والظرف متعلق بقوله: (من أحب لقاء الله) أي من أحب لقاء الله تعالى عندما حلت به هذه الصفات (أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله) عندما نزلت به هذه الصفات كره الله لقاءه) ومعنى الحديث أن الكراهة المعتبرة هي التي تكون عند النزع في حالة لا تقبل توبته ولا غيرها فحينئذٍ يُبشر كل إنسان بما هو صائر إليه وما أًعد له وُيكشف له عن ذلك فأهل السعادة يحبون الموت ولقاء الله لينتقلوا إلى ما أُعد لهم ويحب الله لقاءهم أي فيجزل لهم العطاء.
وقال الحافظ في الفتح [11/ 360] وفيه أن محبة لقاء الله لا تدخل في النهي عن تمني الموت لأنها ممكنة مع عدم تمني الموت كان تكون المحبة حاصلة لا يفترق حاله فيها بحصول الموت ولا بتأخره وأن النهي عن تمني الموت محمول على حالة الحياة
6658 -
(00)(00) وحدَّثناه إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِيُّ. أَخْبَرَنِي جَرِيرٌ، عَنْ مُطَرِّفٍ. بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ عَبثَرٍ.
6659 -
(2664)(12) حدَّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو عَامِرٍ الأَشعَرِيُّ وَأَبُو كُرَيْبٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيدٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَن أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ، أَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ، كَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ"
ــ
المستمرة، وأما عند الاحتضار والمعاينة فلا تدخل تحت النهي بل هي مستحبة اه.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي في الجنائز باب فيمن أحب لقاء الله [1823] اه تحفة الأشراف.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة هذا رضي الله عنه فقال:
6658 -
(00)(00)(وحدثناه إسحاق بن إبراهيم الحنظلي أخبرني جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (عن مطرف) بن عبد الله، غرضه بيان متابعة جرير لعبثر بن القاسم، وساق جرير بهذا الإسناد يعني عن عامر عن شريح عن أبي هريرة (نحو حديث عبثر) أي قريبه في اللفظ والمعنى والله أعلم.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث عبادة بن الصامت بحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما فقال:
6659 -
(2664)(12)(حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو عامر) عبد الله بن براد بن يوسف بن أبي بردة (الأشعري) الكوفي (وأبو غريب) محمد بن العلاء (قالوا: حَدَّثَنَا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي (عن بريد) بن عبد الله بن أبي بردة (عن) جده (أبي بردة) عامر بن أبي موسى (عن أبي موسى) الأشعري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه) قد تقدم ما فيه من البحث مرارًا.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الرقاق باب من أحب لقاء الله
…
إلخ [6508].
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث اثنا عشر حديثًا: الأول: حديث أبي هريرة الأولُ ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثاني: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد، والثالث: حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع: حديث أنس ذكره للاستدلال على الجزء الثالث من الترجمة، والخامس: حديث أبي هريرة الرابع ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والسادس: حديث أنس الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والسابع: حديث خباب بن الأرت ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثامن: حديث أبي هريرة الخامس ذكره للاستشهاد، والتاسع: حديث عبادة بن الصامت ذكره للاستدلال به على الجزء الخامس من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والعاشر: حديث عائشة ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات، والحادي عشر: حديث أبي هريرة السادس ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني عشر: حديث أبي موسى ذكره للاستشهاد والله سبحانه وتعالى أعلم.
* * * * *