الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
32 -
كتاب ذكر الموت وما بعده من الجنَّة والنَّار وغيرهما
753 - (18) باب حفت الجنَّة بالمكاره والنَّار بالشهوات، وفي الجنَّة ما لا عين رأت .. إلخ، وفي الجنَّة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام، والرضوان على أهل الجنَّة وترائي أهل الجنَّة أهل الغرف فوقهم
6957 -
(2792)(152) حدّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ وَحُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ،
ــ
32 -
كتاب ذكر الموت وما بعده من الجنَّة والنَّار وغيرهما
753 -
(18) باب حفت الجنَّة بالمكاره والنَّار بالشهوات، وفي الجنَّة ما لا عين رأت .. إلخ، وفي الجنَّة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام، والرضوان على أهل الجنَّة وترائي أهل الجنَّة أهل الغرف فوقهم
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأوَّل من الترجمة بحديث أنس رضي الله عنه فقال:
6957 -
(2792)(152)(حدّثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) الحارثي المدني البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (حدّثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابًا (عن ثابت) بن أسلم البناني البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (14) بابًا، (و) عن (حميد) بن أبي حميد تير أبي عبيدة الطَّويل البصري، ثقة، من (5) (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (قال) أنس (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حفت الجنَّة) أي أحيطت وسترت وحجبت (بالمكاره) أي بستور هي المكاره والمتاعب ومشاق التكاليف. وقوله:
وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ"
ــ
(حفت) بضم الحاء المهملة وتشديد الفاء من حفَّ الشيء إذا أحاط به، والحفاف ما يحيط بالشيء حتَّى لا يتوصل إليه إلَّا بتخطيه فالجنة لا يتوصل إليها إلَّا بقطع مفاوز المكاره، وقد ورد في حديث أبي هريرة عند البُخاريّ (حُجبت) وهو أوضح، قال القاضي عياض: هذا من بديع كلامه صلى الله عليه وسلم وجوامعه ومن التمثيل الحسن فإن حفاف الشيء جوانبه فأخبر أنَّه لا يوصل إلى الجنَّة إلَّا بتخطي المكاره، قال النووي: يدخل في المكاره الجد في العبادة والصبر على مشاقها وكظم الغيظ والصبر عن الشهوات (وحفت النَّار) أي أحيطت وسترت وحجبت (بالشهوات) أي بأستار هي الشهوات يعني أن أتباع الشهوات توقّع في النَّار وأنَّه لا ينجو منها إلَّا من تجنبها، قال السنوسي: يعني أنَّه لا يتوصل إلى الجنَّة إلَّا بتحمل المكاره والمشاق في ذات الله تعالى في الدُّنيا، والنَّار إلَّا بارتكاب الشهوات، والظاهر في الشهوات أنَّها المحرمات كالخمر والزنا والغيبة والنميمة، وأمَّا المباحة كالمطاعم اللذيذة والملابس الجديدة والمفارش النفيسة فلا تدخل في ذلك لكن يكره الإكثار منها خوف أن تجر إلى المحرمة وتشغل عن عبادة الله تعالى لأنَّها تقسي القلب وتجر إلى الرغبة في الدُّنيا والإعراض عن الآخرة، قال المناوي: والمكاره جمع مكروه وهي كل ما يكرهه المرء ويشق عليه من القيام بحق العبادة على وجهها والاجتهاد فيها والمواظبة عليها والصبر على مشاقها وكظم الغيظ والعفو عن الظلم والصدقة والإحسان إلى المسيء والصبر عن الشهوات (والشهوات) جمع شهوة وهي كل ما يوافق النَّفس ويلائمها وتدعو إليه من المحرمات الشرعيّة كالخمر والزنا والنظر إلى الأجنبية والغيبة واستعمال الملاهي ونحو ذلك، وأمَّا الشهوات المباحة فلا تدخل في هذه، لكن يكره الإكثار منها لأنها إمَّا أن تجر إلى المحرمة أو تقسي القلب أو تشغل عن الطاعة أو يحوج إلى الاعتناء بتحصيل الدُّنيا للصرف فيها ونحو ذلك اه، وقال القرطبي: وهذا من التمثيل الواقع موقعه ومن الكلام البليغ الذي انتهى نهايته وذلك أنَّه مثل المكاره بالحفاف وهو الداء بالشيء المحيط به الذي لا يتوصل إلى ذلك الشيء إلَّا بعد أن يتخطى، وفائدة هذا التمثيل أن الجنَّة لا تنال إلَّا بقطع مفاوز المكاره وبالصبر عليها، وأن النَّار لا ينجى منها إلَّا بترك الشهوات وفطام النَّفس عنها، وقد روي عنه
6958 -
(2794)(153) وحدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا شَبَابَةُ. حَدَّثَنِي وَرْقَاءُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، بِمِثلِهِ
ــ
صلى الله عليه وسلم أنَّه مثل طريق الجنَّة وطريق النَّار بتمثيل آخر فقال: "طريق الجنَّة حزن بربوة وطريق النَّار سهل بسهوة" رواه أحمد [1/ 327] والحزن هو الطَّريق الوعر المسلك، والربوة المكان المرتفع، وأراد به أعلى ما يكون من الروابي، والسهوة بالسين المهملة وهي الموضع السهل الذي لا غلظ فيه ولا وعورة وهذا أيضًا تمثيل حسن واقع موقعه اه من المفهم.
وقد ورد تفصيل كون الجنَّة محفوفة بالمكاره في حديث لأبي هريرة رضي الله عنه أخرجه أبو داود والترمذي والنَّسائيُّ وابن حبان والحاكم مرفوعًا: "لما خلق الله الجنَّة والنَّار أرسل جبرئيل إلى الجنَّة فقال: انظر إليها، قال: فرجع إليه، فقال: وعزتك لا يسمع بها أحد إلَّا دخلها، فأمر بها فحفت بالمكاره، فقال: ارجع إليها، فرجع، فقال: وعزتك لقد خفت أن لا يدخلها أحد، قال: اذهب إلى النَّار، فانظر إليها، فرجع، فقال: وعزتك لا يسمع بها أحد فيدخلها، فأمر بها فحفت بالشهوات، فقال: ارجع إليها، فرجع، فقال: وعزتك فخشيت أن لا ينجو منها أحد".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 153]، والترمذي [2559].
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أنس بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال:
6958 -
(2794)(153)(وحدثني زهير بن حرب حدّثنا شبابة) بن سوار الفَزَاريُّ المدائني، ثقة، من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثني ورقاء) بن عمرو بن كليب اليشكري الكوفيِّ، صدوق، من (7) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان المدني، ثقة، من (5)(عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز، ثقة، من (3)(عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم وهذا السند من سداسياته، وساق أبو هريرة (بمثله) أي بمثل حديث أنس رضي الله تعالى عنهما.
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثَّاني من الترجمة وهو ما لا عين رأت بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال:
6959 -
(2794)(154) حدّثنا سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الأشعَثِيُّ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. (قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا. وَقَالَ سَعِيدٌ: أَخْبَرَنَا) سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَج، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِى صلى الله عليه وسلم. قَالَ:"قَالَ الله عز وجل: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ مَا لَا عَينٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُن سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ".
مِصدَاقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللهِ: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17]
ــ
6959 -
(2794)(154)(حدّثنا سعيد بن عمرو) بن سهل الكندي (الأشعثي) الكوفيِّ، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (وزهير بن حرب، قال زهير: حدّثنا، وقال سعيد: أخبرنا سفيان) بن عيينة (عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: قال الله عز وجل: أعددت لعبادي الصَّالحين) أي هيأت وادخرت لعبادي الصَّالحين أي المراعين لحقوق الله تعالى وحقوق العباد (ما) موصولة أو موصوفة في محل النصب مفعول به لأعددت (لا) نافية للجنس على سبيل الاحتمال تعمل عمل ليس (عين) اسمها مرفوع، وجملة (رأت) خبرها، وكذا قوله:(ولا أذن سمعت) والمعنى أعددت لعبادي نعيمًا لا عين من عيون الخلق رائية له ولا أذن من آذانهم سامعة له أو أعددت لهم النعيم الذي لا عين من عيون الخلق رائية له ولا أذن من آذان الخلق سامعة له، ويحتمل كون عين وأذن فاعلًا مقدمًا لما بعده لغرض المجمع وهو الموافق لما بعده من قوله:(ولا خطر على قلب بشر) والمعنى عليه أعددت لعبادي الصَّالحين ما لا رأته عين ولا سمعته أذن وما لا خطر وجرى على قلب بشر، قال أبو هريرة:(مصداق ذلك) الحديث الذي حدثته لكم أي شاهده ومصدقه ما ذكر (في كتاب الله) عز وجل من قوله تعالى: ({فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ}) من نفوس عبادي الصَّالحين ({مَا أُخْفِيَ}) وأدخر ({لَهُم}) في خزائن جنتي، حالة كونه ({مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}) أي مما تقر وتسر به أعينهم، وحالة كونه ({جَزَاءً}) لهم ({بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}) أي على ما كانوا يعملون من طاعتي في الدنيا [السجدة/ 17].
قال العيني: قوله: (ما لا عين رأت) ما هنا إمَّا موصولة أو موصوفة، وعين وقعت في سياق النفي فأفاد الاستغراق، والمعنى ما رأته العيون كلهن ولا عين واحدة منهن
6960 -
(00)(00) حدّثني هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأيلِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "قَالَ اللهُ عز وجل: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ مَا لَا عَينٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ. ذُخْرًا
ــ
والأسلوب من باب قوله تعالى: ({مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ}) فيحمل على نفي الرؤية، والعين معًا أو نفي الرؤية فحسب أي لا رؤية ولا عين أو لا رؤية وعلى الأوَّل الغرض منه نفي العين وإنَّما ضمت إليه الرؤية ليؤذن بأن انتفاء الموصوف أمر محقق لا نزاع فيه وبلغ في تحققه إلى أن صار كالشاهد على نفي الصفة وعكسه اه منه، وزاد ابن مسعود في حديثه عند ابن أبي حاتم، ولا يعلمه ملك مقرب ولا نبي مرسل" وهو يدفع قول من قال إنَّما قيل (البشر) لأنَّه يخطر بقلوب الملائكة كذا في فتح الباري [8/ 516].
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخاريّ في مواضع منها في تفسير سورة السجدة، باب فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين [4779 و 4780] والترمذي في تفسير سورة السجدة [3197] وابن ماجة في الزهد باب صفة الجنَّة [4383].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة هذا رضي الله عنه فقال:
6960 -
(00)(00)(حدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي) نزيل مصر، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (حدّثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (حدثني مالك) بن أنس الأصبحي المدني، ثقة، من (7)(عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة مالك لسفيان بن عيينة (أن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: قال الله عز وجل: أعددت لعبادي الصَّالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر).
وقوله: (ذخرًا) بضم الذال المعجمة مصدر بمعنى اسم المفعول، حال من ما الموصولة في قوله ما لا عين رأت يقال: ذخرت الشيء أذخره ذخرًا من باب نصر، وادخرته أدخره ادخارًا بالإدغام من باب افتعل أي أعددت لعبادي ما لا رأته عين ولا سمعته أذن ولا خطر على قلب بشر، حالة كونه مدخرًا مخبأ لهم في خزائن جنتي،
بَلْهَ مَا أَطْلَعَكُمُ الله عَلَيهِ".
6961 -
(00)(00) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ. قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيةَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَّنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يَقُولُ الله عز وجل: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ مَا لَا عَين رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ. ذُخْرًا. بَلْهَ مَا أَطْلَعَكُمُ الله عَلَيهِ".
ثُمَّ قَرَأَ:
ــ
وقوله: (بله) اسم بمعنى غير منصوب على الاستثناء من ما المذكورة أي أعددت لعبادي ما لا رأت عين، غير (ما أطلعكم الله) وأظهركم (عليه) وأخبركم به، قال القرطبي: ومعنى هذا الكلام أن الله تعالى ادخر لهم في الجنَّة من النعيم والخيرات واللذات ما لم يطلع عليه أحدًا من الخلة لا بالإخبار عنه ولا بالفكرة فيه؛ يعني أن المعد المذكور غير الذي أطلع عليه أحدًا من الخلق، وقيل بله اسم من أسماء الأفعال بمعنى دع واترك، وإعرابه حينئذ بله اسم فعل أمر بمعنى دع واترك مبني على الفتح لشبهه بالحرف شبهًا استعماليًا وحرك فرارًا من التقاء الساكنين وكانت فتحة للخفة ومعناه حينئذ دع عنك ما أطلعكم عليه فالذي لم يطلعكم عليه أعظم وكأنه أضرب عنه استقلالًا له في جنب ما لم يطلع عليه وهذا المعنى أشهر في بله والأول أوضح في هذا المقام، وقيل معناه كيف وهو غير ظاهر هنا.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في هذا الحديث فقال:
6961 -
(00)(00)(حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا: حدّثنا أبو معاوية ح وحدثنا) محمَّد بن عبد الله (بن نمير واللفظ له حدّثنا أبي) قالا: (حدّثنا الأعمش عن أبي صالح) ذكوان السمان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذان السندان من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي صالح للأعرج (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله عز وجل: أعددت) أي هيأت وادخرت (لعبادي الصَّالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ذخرًا) لهم في خزائن جنتي (بله) أي غير (ما أطلعكم الله) سبحانه (عليه) وأخبركم به (ثم قرأ) أبو هريرة
{فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 17].
6962 -
(2795)(155) حدّثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوف وَهَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأيلِى. قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهبٍ. حَدَّثَنِي أَبُو صَخْرٍ؛ أَنَّ أَبَا حَازِمٍ حَدَّثَهُ قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدِ السَّاعِدِيِّ يَقُولُ: شَهِدْتُ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مَجْلِسًا وَصَفَ فِيهِ الْجَنَّةَ. حتَّى انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم فِي آخِرِ حَدِيثِهِ: "فِيهَا مَا لَا عَين رَأَتْ، وَلَا أُذن سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْب بَشَرٍ" ثُمَّ اقْتَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)[السجدة: 16 - 17]
ــ
استشهادًا على هذا الحديث قوله تعالى: ({فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}).
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنهما فقال:
6962 -
(2795)(155)(حدّثنا هارون بن معروف) المروزي البغدادي، ثقة، من (10)(وهارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي) ثقة، من (10) (قالا: حدّثنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري، ثقة، من (9)(حدثني أبو صخر) حميد بن زياد المدني الخراط، صدوق، من (6) روى عنه في (6) أبواب (أن أبا حازم) سلمة بن دينار التمار المدني الأعرج، ثقة، من (5) روى عنه في (13) بابًا (حدثه) أي حدث لأبي صخر (قال) أبو حازم:(سمعت سهل بن سعد) بن مالك بن خالد الأنصاري الخزرجي (الساعدي) الصحابي المشهور رضي الله عنه (يقول): وهذا السند من خماسياته (شهدت) أي حضرت (من رسول الله صلى الله عليه وسلم أي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (مجلسًا وصف فيه الجنَّة) أي ذكر فيه أوصاف الجنة (حتَّى انتهى) ووصل في وصفها الغاية تفصيلًا (ثم قال) رسول الله (صلي الله عليه وسلم في آخر حديثه) مجملًا في أوصافها (فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ثم اقترأ) أي قرأ سهل بن سعد استشهادًا لهذا الحديث (هذه الآية) يعني قوله تعالى: ({تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)} [السجدة/ 16 و 17]).
6963 -
(2796)(156) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا لَيْث، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدِ الْمَقْبُرِيّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّهُ قَالَ:"إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَة يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ سَنَةٍ"
ــ
وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات، ولكنه شاركه أحمد [5/ 334].
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة وهو أن في الجنَّة شجرة يسير الراكب في ظلها .. إلخ بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
6963 -
(2796)(156)(حدّثنا قتيبة بن سعيد حدّثنا ليث) بن سعد الفهمي المصري (عن سعيد بن أبي سعيد) كيسان (المقبري) المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (10) أبواب (عن أبيه) كيسان بن سعيد المقبري المدني الليثي مولاهم مولى أم شريك الليثية، ثقة، من (2) روى عنه في (9) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: إن في الجنَّة لشجرة) عجيبة (يسير الراكب في ظلها) أي في كنفها وذراها وهو ما تستره أغصانها (مائة سنة) مما تعدون وقد يكون ظلها نعيمها وراحتها من قولهم عيش ظليل، وقال القرطبي: احتيج إلى تأويل الظل بما ذكر تحرزًا عن الظل في العرف لأنَّه ما يقي حر الشَّمس ولا شمس في الجنَّة ولا برد ولا حر وإنَّما هو نور يتلألأ اه من الأبي، قال ابن الجوزي: يقال إنَّها شجرة، ويؤيده ما أخرجه أحمد في مسنده [3/ 71] عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قال:"طوبى لمن رآني" فقال له رجل: وما طوبي؟ قال: "شجرة في الجنَّة مسيرة مائة عام، ثياب أهل الجنَّة تخرج من أكمامها" وفي إسناده ابن لهيعة، قال الحافظ في الفتح [6/ 418] وله شاهد في حديث عتبة بن عبد السلمي عند أحمد والطبراني وابن حبان فهذا هو المعتمد خلافًا لمن قال: نكرت أي الشجرة للتنبيه على اختلاف جنسها بحسب شهوات أهل الجنَّة.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 418] والبخاري في تفسيره سورة الواقعة باب وظل ممدود [4881] والترمذي في صفة الجنَّة باب ما جاء في صفة شجرة الجنَّة [2523] وابن ماجة في الزهد باب صفة الجنَّة [439].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
6964 -
(00)(00) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ، (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِزَامِيَّ)، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأعرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، بِمِثْلِهِ. وَزَادَ:"لَا يَقْطَعُهَا".
6965 -
(2797)(157) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ. أَخْبَرَنَا الْمَخْزُومِى. حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ أبِي حَازِمِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَام لَا يَقْطَعُهَا"
ــ
6964 -
(00)(00)(حدّثنا قتيبة بن سعيد حدّثنا المغيرة يعني ابن عبد الرحمن) بن عبد الله بن خالد بن حزام القرشي الأسدي (الحزامي) المدني، ثقة، من (7) روى عنه في (6) أبواب (عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة الأعرج لأبي سعيد المقبري، وساق الأعرج (بمثله) أي بمثل حديث أبي سعيد المقبري (و) لكن (زاد) الأعرج على المقبري لفظة (لا يقطعها) أي يسير الراكب في ظلها مائة عام فلا يقطعها أي لا يخرج من ظلها ولا ينتهي منه.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث سهل بن سعد رضي الله عنهما فقال:
6965 -
(2797)(157)(حدّثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي أخبرنا المخزومي) عبد الله بن الحارث بن عبد الملك أبو محمَّد المكيِّ، ثقة، من (8) روى عنه في (3) أبواب (حدّثنا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي البصري، ثقة، من (7)(عن أبي حازم) سلمة بن دينار التمار المدني، ثقة، من (5) (عن سهل بن سعد) الساعدي المدني رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن في الجنَّة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام) فـ (لَّا يقطعها) أي لا يخرج من تحتها لفرط سعته.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخاريّ في الرقاق باب صفة الجنَّة والنَّار [6552].
6966 -
(2798)(158) - قَالَ أَبُو حَازِمٍ: فَحَدَّثتُ بِهِ النُّعْمَانَ بْنَ أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيَّ. فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدِ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِى صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِن فِي الجَنَّةِ شجَرَةَ يَسِيرُ الرَّاكِبُ الْجَوَادَ الْمُضَمَّرَ السَّرِيعَ، مِائَةَ عَامٍ، مَا يَقْطَعُهَا"
ــ
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما معلقًا سنده فقال:
6966 -
(2798)(158)(قال أبو حازم) بالسند المذكور في حديث سهل (فحدثت به) أي بالحديث الذي سمعته من سهل (النُّعمان بن أبي عياش) بتحتانية ومعجمة زيد بن الصَّامت الأنصاري (الزرقي) أبا سلمة المدني، روى عن أبي سعيد الخدري، ويروي عنه أبو حازم، ثقة، من (4) روى عنه في (3) أبواب (فقال) النُّعمان (حدثنيـ) ـه (أبو سعيد الخدري) رضي الله عنه (عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: إن في الجنَّة شجرة يسير الراكب) بالرَّفع فاعل (الجواد) بالنصب مفعول الراكب (المضمر) بالنصب صفة للجواد (السريع) الجري صفة ثانية له، والجواد بالتخفيف الفائق أو السابق الأفراس الجيد و (المضمر) بتشديد الميم على صيغة اسم المفعول من التضمير وهو الذي خف لحمه بالتضمير والتضمير أن يعلف الفرس علفًا حتَّى يسمن ثم يقلل علفه إلَّا قدر القوت وذلك في أربعين ليلة قاله القسطلاني، وقال المناوي: المضمر هو الذي قلل علفه تدريجًا ليشتد جريه؛ والمعنى يسير الشخص الراكب على الفرس الفائق السابق غيره المهزول بتقليل علفه مدة السريع الجري (مائة عام) مفعول فيه ليسير أي يسير في ظلها مائة عام فلا يخرج منها و (مَّا يقطعها) أي وما ينتهي منها يعني لا يقطع الراكب المذكور مسافة الشجرة، وقد زاد البُخاريّ في حديث أبي هريرة في التفسير (واقرؤوا إن شئتم {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ}) وكأن أبا هريرة رضي الله عنه فسر الظل الممدود المذكور في سورة الواقعة بظل هذه الشجرة ويؤيده ما أخرجه ابن أبي حاتم وابن أبي الدُّنيا في صفة الجنَّة عن ابن عباس قال: الظل الممدود: شجرة في الجنَّة على ساق قدر ما يسير الراكب المجد في ظلها مائة عام من كل نواحيها فيخرج أهل الجنَّة يتحدثون في ظلها فيشتهي بعضهم اللهو فيرسل الله ريحًا فيحرك تلك الشجرة بكلِّ لهو كان في الدُّنيا ذكره الحافظ في بدء الخلق من الفتح [6/ 327].
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخاريّ في الرقاق باب صفة الجنَّة والنَّار [6553] والترمذي في صفة الجنَّة باب ما جاء في صفة شجر الجنَّة [2524].
6967 -
(2799)(159) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْمٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ. أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ. ح وَحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدِ الأيلِيُّ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ وَهْبٍ. حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ زيدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ؛ أَنَّ النَّبِى صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ اللهَ يَقُولُ لأَهْلِ الْجَنَّةِ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُونَ: لَبَّيكَ رَبِّنَا وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيرُ فِي يَدَيْكَ. فَيَقُولُ: هَلْ رَضِيتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: وَمَا لَنَا لَا نَرْضَى يَا رَبِّ، وَقَدْ أَعْطَيتَنَا مَا لَم تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ. فَيَقُولُ: أَلَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُونَ: يَا رَبِّ، وَأَيُ شَيءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟
ــ
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الرابع من الترجمة وهو إحلال الرضوان على أهل الجنَّة بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال:
6967 -
(2799)(159)(حدّثنا محمَّد بن عبد الرحمن) بن حكيم (بن سهم) الأنطاكي، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدّثنا عبد الله بن المبارك) بن يزيد الأودي الكوفيِّ، ثقة، من (8)(أخبرنا مالك بن أنس) الأصبحي المدني، ثقة، من (7)(ح وحدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم (الأيلي واللفظ له حدّثنا عبد الله بن وهب) المصري (حدثني مالك بن أنس عن زيد بن أسلم) العدوي المدني، ثقة، من (3)(عن عطاء بن يسار) الهلالي المدني، ثقة، من (3) (عن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه. وهذان السندان من سداسياته (إن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: إن الله) تبارك وتعالى (يقول لأهل الجنَّة: يا أهل الجنَّة) خطاب تشريف لهم، قال محمَّد بن أبي جمرة: في هذا الحديث جواز إضافة المنزل لساكنه وإن لم يكن في الأصل له فإن الجنَّة ملك الله عز وجل وقد أضافها لساكنها بقوله: يا أهل الجنَّة (فيقولون لبيك ربنا) أي أجبناك إجابة بعد إجابة يا مالك أمرنا (وسعديك) أي أطعناك طاعة بعد طاعة (والخير) كله (في يديك) المقدستين (فيقول) لهم الرب جل جلاله: (هل رضيتم) ما أعطيتكم (فيقولون وما لنا لا نرضى يا رب) أي وأي شيء ثبت لنا في عدم رضانا ما أعطيتنا يا ربنا (وقد) والحال أنه قد (أعطيتنا ما لم تعط أحدًا من خلقك) الذين لم تدخلهم الجنَّة اه مناوي (فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك) الذي أعطيته لكم (فيقولون يا رب وأي شيء أفضل من ذلك)
فَيَقُولُ: أُحِلُّ عَلَيكُمْ رِضْوَاني. فَلَا أَسْخَطُ عَلَيكُمْ بَعْدَهُ أبدًا".
6968 -
(2800)(165) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِيَّ)، عَنْ أَبِي حَازِمِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَراءَوْنَ الْغُرْفَةَ فِي الْجَنَّةِ كَمَا تَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ فِي السَّمَاءِ"
ــ
الذي أعطيتنا (فيقول أحل) أي أنزل (عليكم رضواني) أي أوجب لكم رضائي فلا يزول عنكم أبدًا دائمًا لا انقطاع له بوجه من الوجوه، وقد أكد ذلك بقوله:(فلا أسخط عليكم بعده أبدًا) وإنَّما قال فلا أسخط لأنَّ السخط موجب مخالفة الأوامر والنواهي ولا تكليف في الجنَّة فلا سخط، وفي الحديث دلالة على أن السعادات الروحانية أفضل من الجسمانية اه مبارق، والحكمة في ذكر دوام رضاه بعد الاستقرار أنَّه لو أخبر به قبل الاستقرار لكان خبرًا من باب علم اليقين فأخبر به بعد الاستقرار ليكون من باب عين اليقين وإليه الإشارة بقوله تعالى:{فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} اه فتح الباري [13/ 488].
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخاريّ في الرقاق باب صفة الجنَّة والنَّار [6549]، وفي التَّوحيد باب كلام الرب مع أهل الجنَّة [7518]، والترمذي في صفة الجنَّة باب بلا ترجمة [2555].
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الخامس من الترجمة وهو ترائي أهل الجنَّة أهل الغرف فوقهم بحديث سهل بن سعد رضي الله عنه فقال:
6968 -
(2800)(160)(حدّثنا قتيبة بن سعيد حدّثنا يعقوب يعني ابن عبد الرحمن القاري) يتشديد الياء نسبة إلى قارة المدني، حليف بني زهرة، ثقة، من (8) روى عنه في (8) أبواب (عن أبي حازم) سلمة بن دينار (عن سهل بن سعد) الساعدي رضي الله عنه. وهذا السند من رباعياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أهل الجنَّة ليتراءون الغرفة) أي لينظرون الغرفة التي فوقهم (في الجنَّة كما تراءون) أي كما تنظرون في الدُّنيا (الكوكب) المضيء (في السماء) من بعد، والغرفة منزلة من أعلى منازل الجنَّة؛ والمراد من رؤية الغرفة هنا أن أهل الجنَّة تتفاوت منازلهم بحسب درجاتهم في الفضل حتَّى إن أهل الدرجات العلا يراهم من هو أسفل منهم كالنجوم في السماء، قال القرطبي: يعني
6969 -
(2801)(161) قَالَ: فَحَدَّثْتُ بِذَلِكَ النُّعْمَانَ بْنَ أَبِي عَيَّاش. فَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يَقُولُ: "كَمَا تَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ فِي الأُفقِ الشَّرْقِيِّ أَو الْغَرْبِيِّ".
6970 -
(00)(00) وحدّثناه إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا الْمَخْزُوميُّ. حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ،
ــ
أن أهل السفل من الجنَّة ينظرون إلى من فوقهم على تفاوت منازلهم كما ينظر من على الأرض دراري السماء على تفاوت منازلهم فيقال هذا منزل فلان كما يقال هذا المشتري مثلًا أو الزهرة أو المريخ.
وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم كما في تحفة الأشراف.
ثم استشهد له بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال:
6969 -
(2801)(161)(قال) أبو حازم: (فحدثت بذلك) الحديث الذي سمعته من سهل بن سعد (النُّعمان بن أبي عياش فقال) النُّعمان: (سمعت أبا سعيد الخدري يقول) في هذا الحديث: إن أهل الجنَّة ليتراءون الغرفة (كما تراءون) في الدُّنيا (الكوكب الدري) أي المضيء الطالع (في الأفق الشرقي) والأفق بضم الفاء وسكونها ناحية السماء وأطرافها أي الطالع في ناحية الشرق من السماء (أو) الغارب في الأفق (الغربي) أي في ناحية الغرب، وقوله:(الكوكب الدري) بضم الدال وتشديد الراء والياء هو النجم الشديد الإضاءة وهو منسوب إلى الدر وهو الجوهر الأبيض البراق لبياضه وضيائه، قال القاضي عياض: ودراري النجوم عظامها، وسميت دراري لبياضها، وقيل لإضاءتها، وقيل لشبهها بالدر لأنَّها أرفع الكواكب كالدر في الجوهر فإنَّه أرفعه، وخص الشرقي والغربي لأنَّ الكوكب حين الطلوع والغروب يبعد عن الأعين ويظهر صغيرًا لبعده.
وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى أيضًا كما في تحفة الأشراف.
ثم ذكر المتابعة في حديثي سهل بن سعد وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما فقال:
6970 -
(00)(00)(وحدثناه) أي حدّثنا الحديث المذكور يعني حديث الترائي (إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي، قال:(أخبرنا) عبد الله بن الحارث بن عبد الله (المخزومي) المكيِّ، ثقة، من (8)(حدّثنا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي البصري،
عَنْ أَبِي حَازِمٍ، بِالإِسْنَادَيْنِ جَمِيعًا، نَحْوَ حَدِيثِ يَعْقُوبَ.
6971 -
(2802)(162) حدّثني عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ. حَدَّثَنَا مَعْنْ. حَدَّثَنَا مَالِكٌ. ح وَحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيُّ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَس، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ، كَمَا تَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ مِنَ الأفقِ مِنَ الْمَشرِقِ أَوِ الْمَغْرِبِ
ــ
ثقة، من (7)(عن أبي حازم بالإسنادين جميعًا) يعني بإسناد سهل بن سعد وإسناد أبي سعيد الخدري (نحو حديث يعقوب) بن عبد الرحمن القاري، غرضه بيان متابعة وهيب بن خالد ليعقوب بن عبد الرحمن في رواية الحديث عن أبي حازم بالإسنادين والله أعلم.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث سهل بن سعد بحديث آخر لأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما فقال:
6971 -
(2802)(162)(حدثني عبد الله بن جعفر بن يَحْيَى بن خالد) بن برمك البرمكي البغدادي، ثقة، من (11) روى عنه في (5) أبواب (حدّثنا معن) بن عيسى بن يَحْيَى الأشجعي مولاهم المدني، ثقة، من (10) روى عنه في (10) أبواب (حدّثنا مالك) بن أنس الأصبحي المدني (ح وحدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي) نزيل مصر، ثقة، من (10)(واللفظ له حدّثنا عبد الله بن وهب أخبرني مالك بن أنس عن صفوان بن سليم) مصغرًا، الزُّهريّ المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (3) أبواب (عن عطاء بن يسار) الهلالي المدني، ثقة، من (3) (عن أبي سعيد الخدري) رضي الله عنه. وهذان السندان من سداسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أهل الجنَّة ليتراءون) وينظرون (أهل الغرف) والمنازل الكائنة (من فوقهم كما تتراءون) أي كما تنظرون الآن في الدُّنيا (الكوكب الدري) أي المضيء (الغابر) أي الذاهب الماشي (من الأفق) أي في الأفق طالعًا (من المشرق أو) غاربًا متدليًا من (المغرب) وقوله الغابر الرّواية المشهورة بالباء الموحدة من غير إذا ذهب ومشى، وفي غيرها الغائر بالهمزة بدل الموحدة من غار إذا دخل وهي لا تصح يعني أن الكوكب حالة طلوعه
لِتَفَاضُلِ مَا بَينَهُمْ" قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، تِلْكَ مَنَازِلُ الأَنْبِيَاءِ لَا يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ. قَالَ: "بَلَى، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، رِجَالٌ آمَنُوا بِاللهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ"
ــ
وغروبه بعيد عن الأبصار فيظهر صغيرًا لبعده وقد بينه بقوله: "في الأفق من المشرق أو المغرب" والأفق ناحية السماء وهو بضم الهمزة والفاء وبسكونها كما يقال عُشُر وعُشْر، وجمعه آفاق. وقوله:(من الأفق من المشرق) الظاهر أن من الأولى ظرفية بمعنى في كما في رواية البُخاريّ، والثانية للبيان. وقوله:(لتفاضل ما بينهم) متعلق بيتراءون أي يتراءى أهل الغرف السافلة أهل الغرف العالية من بعيد ترائيًا مثل ترائيكم الكوكب الطالع في المشرق أو الغارب في المغرب لتفاضل أي لتفاوت ما بين أهل الجنَّة من المنازل ارتفاعًا وضدًا (قالوا) أي قال الحاضرون عنده صلى الله عليه وسلم (يا رسول الله تلك) المنازل الرفيعة هي (منازل الأنبياء) والمرسلين التي (لَّا يبلغها) ولا يصلها (غيرهم) أي غير الأنبياء (قال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بلى) أي ليست تلك المنازل مختصة بالأنبياء (والذي نفسي بيده) بل هم (رجال) أي بل هي منازل رجال (آمنوا بالله وصدقوا المرسلين) فيما جاؤوا به عن الله تعالى أي صدقوا حق تصديقهم وإلا لكان من آمن بالله وصدق رسله وصل إلى تلك الدرجة وليس كذلك؛ والمعنى أي بلى يبلغها غيرهم هم رجال عظماء في الرتبة وكملاء في الرجولية فتنوينه للتعظيم، وإنَّما قرن القسم ببلوغ غيرهم لما في وصول المؤمنين بمنازل الأنبياء من استبعاد السامعين كذا في ابن ملك اه دهني.
قال القرطبي: قوله: (بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله) إلخ كذا وقع هنا هذا الحرف "بلى" التي أصلها حرف جواب وتصديق، وليس هذا موضعها لأنهم لم يستفهموا، وإنما أخبروا أن تلك المنازل للأنبياء لا لغيرهم فجواب هذا يقتضي أن تكون بل التي للإضراب عن الأول وإيجاب الحكم للثاني فكأنه تسومح فيها فوضعت بلى موضع بل، (ورجال) مرفوع بالابتداء المحذوف تقديره هم رجال، وفيه أيضًا توسع أي تلك المنازل منازل رجال آمنوا بالله أي حق إيمانه وصدقوا المرسلين أي حق تصديقهم وإلا فكل من يدخل الجنَّة هو من آمن بالله وصدق رسله ومع ذلك فهم متفاوتون في الدرجات والمنازل وهذا واضح.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 340] والبخاري في بدء الخلق
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
باب ما جاء في صفة الجنَّة [3256] وفي الرقاق باب صفة الجنَّة والنَّار [6556].
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب عشرة أحاديث؛ الأوَّل: حديث أنس ذكره للاستدلال به على الجزء الأوَّل من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والثَّاني: حديث أبي هريرة الأوَّل ذكره للاستدلال به على الجزء الثَّاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثالث: حديث سهل بن سعد الأوَّل ذكره للاستشهاد، والرابع: حديث أبي هريرة الثَّاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والخامس: حديث سهل بن سعد الثَّاني ذكره للاستشهاد، والسادس: حديث أبي سعيد الخدري الأوَّل ذكره للاستشهاد، والسابع: حديث أبي سعيد الثَّاني ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة، والثامن: حديث سهل بن سعد الثالث ذكره للاستدلال به على الجزء الخامس من الترجمة، والتاسع: حديث أبي سعيد الثالث ذكره للاستشهاد وذكر فيه وفي حديث سهل متابعة واحدة مشتركة بينهما، والعاشر: حديث أبي سعيد الرابع ذكره للاستشهاد.
* * *