الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِعَلِيِّ: "اذْهَبْ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ" فَأَتَاهُ عَلِيٌّ فَإِذَا هُوَ فِي رَكِيٍّ يَتَبَرَّدُ فِيهَا. فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: اخْرُجْ. فَنَاوَلَهُ يَدَهُ فَأَخْرَجَهُ. فَإِذَا هُوَ مَجْبُوبٌ لَيْسَ لَهُ ذَكَرٌ. فَكَفَّ عَلِيٌّ عَنْهُ. ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنهُ لَمَجْبُوبٌ، مَا لَهُ ذَكَرٌ
ــ
عنها لكونها من أهل وطنه فاتهمه بعض الناس من أجل ذلك (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي) بن أبي طالب رضي الله عنه: (اذهب) يا علي إلى ذلك الرجل (فاضرب عنقه) أي فاقتله، وهذا الأمر مشكل جدًا لأن مجرد التهمة لا يكفي للحكم بقتل المتهم حتى يثبت ما يوجبه ببينة أو إقرار، والظاهر أنه لم يكن هناك إقرار ولا بينة لظهور أنه كان مجبوبًا، وذكر بعض العلماء أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بقتله بسبب التهمة بل يحتمل أن يكون قد ارتكب فعلًا آخر يُوجب القتل أو كان من المنافقين ولكن يعكر عليه بأن عليًا رضي الله عنه أمسك عن قتله بعدما رآه مجبوبًا فلو كان السبب الموجب للقتل شيئًا آخر غير تهمته بالفاحشة لما أمسك عن ذلك، وقيل أن النبي صلى الله عليه وسلم علم بالوحي أنه مجبوب وأن عليًا سيرى منه ذلك فإنما بعثه لتنكشف حقيقته وترتفع تهمته اه من الأبي نقلًا عن القاضي عياض (فأتاه) أي فأتى ذلك الرجل (علي فإذا هو) أي ذلك الرجل (في) جوف (ركي) أي في بئر لم تطو (يتبرد فيها) أي يغتسل فيها طلبًا للبرودة (فقال له علي اخرج فناوله) علي (يده) بدل بعض من ضمير ناوله (فأخرجه) علي (فإذا هو مجبوب) أي مقطوع الذكر (ليس له ذكر فكف علي) نفسه (عنه) أي عن قتله (ثم أتى) علي (النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنه لمجبوب ما له ذكر) فتركت قتله.
وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات.
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث اثنان: الأول: حديث عائشة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثاني: حديث أنس ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة والله أعلم.
[تتمة]:
-
قال القرطبي: وحديث الإفك هذا فيه أحكام كثيرة لو تُتبعت لطال الأمر فيها وأفضى إلى الملال ومن تفقدها من أهل الفطنة وجدها اه وقد سردها النووي في شرحه، والحافظ في الفتح قالا:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
(1)
منها جواز أن يخدم الأجانب المرأة من وراء حجاب لأن رجالًا من الصحابة كانوا يحملون هودج عائشة رضي الله تعالى عنها وهي فيه.
(2)
ومنها جواز تحلي المرأة بالقلادة ونحوها في السفر لأن عائشة لبست القلادة في السفر ولم ينكر عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(3)
ومنها أنه يستحسن للمرء أن يتفقد ماله ويصونه من الضياع وإن كان قليلًا لأن قلادة عائشة قليلة لأنها لم تكن من ذهب ولا فضة بل كانت من جزع ظفار وهي غير ثمينة ومع ذلك رجعت عائشة إلى موضع ضياعها مرة ثانية للبحث عنها.
(4)
ومنها أنه يجوز لبعض الجيش أن يتأخروا عن عامة الجيش لحاجة تعرض لهم.
(5)
ومنها أن الإنسان إذا ضاع من رفقته في السفر ينبغي له أن يلزم المكان الذي ضاع فيه ليتيسر وجدانه على رفقته إذا طلبوه لا سيما المرأة لأنه إذا فارق ذلك المكان ربما عسر وجدانه على الباحثين عنه.
(6)
ومنها أن الأدب أن لا يتكلم الرجل مع الأجنبيات بكلام كثير إذا خلا بهن في السفر كما فعل صفوان مع عائشة رضي الله عنهما.
(7)
ومنها أن الرجل إذا اضطر إلى السير مع الأجنبية في خلوة يتقدم عليها لتأمن من رؤية شيء من جسمها أمامه.
(8)
ومنها أن المرأة تغطي وجهها عن نظر الأجنبي سواء كان صالحًا أو طالحًا كما فعلت عائشة مع صفوان رضي الله عنهما.
(9)
ومنها إيثار ذوي الفضل والقدر بالركوب على دابتك وتحمل المشقة لأجل ذلك كما فعل صفوان مع عائشة رضي الله عنهما.
(10)
ومنها كتمان أقارب الإنسان عنه ما يؤذيه سماعه حتى يسمعه من غيرهم كما فعل بعائشة أهل بيتها حيث لم يخبروها بما أشاع فيها أهل الإفك حتى سمعت ذلك من أم مسطح.
(11)
ومنها جواز الإعراض عن ملاطفة الزوجة وحُسن المعاشرة معها عند إشاعة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ما يقتضي النقص فيها لتتفطن بتغير حال الزوج فتتوب أو تعترف.
(12)
ومنها وجوب التثبت في أمر من أشيع فيه خبر قبيح وعدم اتهامه بسوء حتى يظهر ما يثبته بطريق شرعي.
(13)
ومنها أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أولى بالدفاع عنها من أولاد المرء كما سبت أم مسطح ولدها لدفاع الإفك عن عائشة رضي الله تعالى عنها.
(14)
ومنها أن أهل بدر لا يمنع وقوع الذنب منهم لأنهم غير معصومين ولكنه مقرون بالتوبة والمغفرة.
(15)
ومنها توقف خروج المرأة من بيتها على إذن زوجها ولو كان الخروج إلى بيت أبويها كما استأذنت عائشة رضي الله تعالى عنها للنبي صلى الله عليه وسلم.
(16)
ومنها جواز ذكر عيب يسير في المرء لدفع تهمة كبيرة عنه ولا يعد ذلك غيبة كما ذكرت الجارية نوم عائشة رضي الله تعالى عنها عن عجين أهلها ليستدل به على براءتها لأن ذلك أكبر ما رأت فيها من العيب ولكن ينبغي أن يذكر السبب في ذلك العيب اليسير كما قالت الجارية إنها جارية حديثة السن.
(17)
ومنها أن إدلال المرأة على زوجها لا ينافي تعظيمه فإن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم والله لا أقوم إليه.
والله سبحانه وتعالى أعلم إلى غير ذلك من الأحكام المستنبطة من هذا الحديث.
وصلنا إلى هذا المحل في التسويد في تاريخ 20/ 5/ 1428 هـ.