الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
756 - (21) باب غلظ جلد الكافر، وعظم ضرسه، وعلامات أهل الجنَّة والنَّار، ورؤيته صلى الله عليه وسلم عمرو بن لحي في النَّار، وصنفين من أهل النَّار، وذكر فناء الدُّنيا والحشر يوم القيامة
7012 -
(2822)(182) حدّثني سُرَيجُ بن يُونُسَ. حَدَّثَنَا حُمَيدُ بن عَبْدِ الرَّحمَنِ، عَنِ الحَسَنِ بنِ صَالِحٍ، عَنْ هَارُونَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ضِرْسُ الْكَافِرِ، أَوْ نَابُ الْكَافِرِ، مِثْلُ أُحُدٍ. وَغِلَظُ جِلدِهِ مَسِيرَةُ ثَلاثٍ"
ــ
756 -
(21) باب غلظ جلد الكافر، وعظم ضرسه، وعلامات أهل الجنَّة والنَّار، ورؤيته صلى الله عليه وسلم عمرو بن لحي في النَّار، وصنفين من أهل النَّار، وذكر فناء الدُّنيا والحشر يوم القيامة
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأوَّل من الترجمة وهو غلظ جلد الكافر وعظم ضرسه بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
7012 -
(2822)(182)(حدثني سريج بن يونس) بن إبراهيم المروزي الأصل البغدادي النزول، ثقة، من (10) روى عنه في (11) بابا (حدَّثنا حميد بن عبد الرحمن) بن حميد الرؤاسي نسبة إلى رؤاس بطن من بطون العرب أبو علي الكوفيّ، ثقة، من (8) روى عنه في (6) أبواب (عن الحسن بن صالح) بن مسلم بن حيان الهمداني الثوري الكوفيّ، ثقة، من (7) روى عنه في (5) أبواب (عن هارون بن سعد) العجلي الكوفيّ الأعور، روى عن أبي حازم سلمان الأشجعي في صفة النَّار، وأبي إسحاق السبيعي وأبي الضحى والأعمش وغيرهم، ويروي عنه (م) والحسن بن صالح في صفة النَّار، والثوري وشعبة وآخرون، قال ابن معين وأبو حاتم: ليس به بأس، له عند (م) فرد حديث، وقال في التقريب: صدوق، من السابعة، وذكره ابن حبان في الثقات (عن أبي حازم) سلمان الأشجعي مولى عزة، ثقة، من (3) روى عنه في (7) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرس الكافر أو) قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أو أبو هريرة والشك من الراوي أو ممن دونه (ناب الكافر مثل) جبل (أحد) في العظم (وغلظ جلده) بكسر الغين المعجمة وفتح اللام أي عظمه وثخانته (مسيرة ثلاث) ليال، وعند أحمد من حديث ابن
7013 -
(2823)(183) حدَّثنا أبُو كُرَيبٍ وَأَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الْوَكِيعِيُّ. قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. يَرفَعُهُ قَال:"ما بَينَ مَنْكِبَيِ الْكَافِرِ فِي النَّارِ، مَسِيرَةُ ثَلاثةِ أَيَّامٍ. لِلرَّاكِبِ الْمُسْرِعِ".
وَلَمْ يَذْكُرِ الْوَكِيعِيُّ "فِي النَّارِ"
ــ
عمر مرفوعًا "يعظم أهل النَّار في النَّار حتَّى إن ما بين شحمة أذن أحدهم إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام" اهـ قسطلاني، قال القاضي: يزاد في مقدار أعضاء الكافر زيادة في تعذيبه بسبب زيادة المماسة للنار، قال النووي: وكل هذا مقدور لله تعالى يجب الإيمان به لإخبار الصادق المصدوق به، والضرس من الأسنان الطاحونة التي يأكل عليها الإنسان وهي في أطراف الفم، والناب التي تلي الأضراس وهي التي يفترس بها السباع، قال القرطبي: إنَّما عظم خلقه ليعظم عذابه ويتضاعف وهذا إنَّما هو في بعض الكفار بدليل أنَّه قد جاءت أحاديث آخر تدل على أن المتكبرين يحشرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال يساقون إلى سجن في جهنم يُسمى (بولس) انظر إتحاف السادة المتقين [8/ 343].
وشارك المؤلف التِّرمذيُّ في باب ما جاء في عظم أهل النَّار [2577 إلى 2579].
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة الأوَّل بحديث آخر له رضي الله عنه فقال:
7013 -
(2823)(183)(حدَّثنا أبو كريب) محمَّد بن العلاء الهمداني الكوفيّ (وأحمد بن عمر) بن حفص بن جهم بن واقد الكندي (الوكيعي) نسبة إلى وكيع لصحبته وكيع بن الجراح المحدث، أبو جعفر الكوفيّ، ثقة، من (10) روى عنه في (2) الصوم وصفة النَّار (قالا: حدَّثنا) محمَّد (بن فضيل) بن غزوان الضبي مولاهم الكوفيّ، صدوق، من (9) روى عنه في (20) بابا (عن أبيه) فضيل بن غزوان بن جرير الضبي الكوفيّ، ثقة، من (7) روى عنه في (12) بابا (عن أبي حازم) سلمان الأشجعي، ثقة، من (3)(عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، حالة كون أبي هريرة (يرفعه) أي يرفع هذا الحديث إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ويسنده إليه لا يوقفه عليه (قال) النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم (ما بين منكبي الكافر في النَّار مسيرة ثلاثة أيَّام للراكب المسرع) في ركضه (ولم يذكر الوكيعي) لفظة (في النَّار) وقد يشكل على هذا الحديث ما
7014 -
(2824)(184) حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ العَنبَرِيُّ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. حَدَّثَنِي مَعبَدُ بْنُ خَالِدٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: "أَلا أُخبِرُكُمْ بِأهْلِ الجَنَّةِ؟ " قَالُوا: بَلَى. قَال صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعَّفٍ
ــ
رواه التِّرمذيُّ والنَّسائيُّ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعًا "أن المتكبرين يحشرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال" وجمع بعض العلماء بينه وبين حديث الباب بأن كونهم كالذر في أول الأمر عند الحشر وهو كالعلامة على حقارتهم، وحديث الباب محمول على ما بعد الاستقرار في النَّار، وقيل: إن المراد في حديث عمرو بن شعيب المتكبرون من المؤمنين، وفي حديث أبي هريرة الكافرون، وقيل يتفاوت عذاب أهل النَّار فمنهم من يكون مثل الذر، ومنهم من يعظم جسمه على ما ذكر في حديث الباب والله أعلم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخاريّ في الرقاق باب صفة الجنَّة والنَّار [6551].
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثَّاني من الترجمة وهو ذكر علامة أهل الجنَّة وعلامة أهل النَّار بحديث حارثة بن وهب رضي الله عنه فقال:
7014 -
(2824)(184)(حدَّثنا عبيد الله بن معاذ العنبري) البصري (حدَّثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري، ثقة، من (9)(حدَّثنا شعبة حدثني معبد بن خالد) بن مرير بمهملتين مصغرًا الجدلي بفتح الجيم مكبرًا نسبة إلى جديلة قيس الكوفيّ القاص، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (أنَّه سمع حارثة بن وهب) الخزاعي الكوفيّ الصحابي الشَّهير رضي الله عنه روى عنه في (3) أبواب، وليس في مسلم من اسمه حارثة إلَّا هذا الصحابي الجليل (أنَّه سمع النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال): وهذا السند من خماسياته (ألا أخبركم بأهل الجنَّة) أي بعلامات أهل الجنَّة (قالوا) أي قال الحاضرون: (بلى) أخبرنا رسول الله فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: هم (كل ضعيف) في نفسه لتواضعه وضعف حاله في طلب الدُّنيا (متضعف) أي محقر عند النَّاس لخموله في الدُّنيا، قال النووي: ضبطوا متضعف بفتح العين وكسرها، والمشهور الفتح ولم يذكر الأكثر غيره؛ ومعناه يستضعفه النَّاس ويستحقرونه ويتجبرون عليه لضعف حاله في الدُّنيا، يقال تضعفه واستضعفه، وفي رواية الإسماعيلي مستضعف بالسين والمعنى واحد، وأمَّا رواية
لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأبَرَّهُ". ثُمَّ قَال: "أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأهْلِ النَّارِ؟ " قَالُوا: بَلَى. قَال: "كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ".
7015 -
(00)(00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، بِمِثْلِهِ. غَيرَ أَنَّهُ
ــ
الكسر فمعناها متواضع متذلل خامل واضع من نفسه، قال القاضي: وقد يكون الضعف هنا بمعنى رقة القلوب ولينها وإخباتها للإيمان، والمراد أن أغلب أهل الجنَّة هؤلاء كما أن معظم أكثر أهل النَّار القسم الآخر وليس المراد الاستيعاب في الطرفين اهـ نووي.
(لو أقسم على الله) أي لو حلف على وقوع شيء لم يكن باسم الله (لأبره) أي لأوقع الله ذلك الشيء إكرامًا له وصيانة له عن الحنث في يمينه أي لجعله الله بارًّا صادقًا في يمينه بإيقاع ذلك الشيء ولو كان النَّاس يزعمونه ضعيفًا وذلك لعلو منزلته، وقيل معناه لو دعا لأجيب، وقيل لو حلف يمينًا طمعًا في إكرام الله تعالى له بإبراره لأبره اهـ سنوسي.
(ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بأهل النَّار) أي بعلامتهم (قالوا: بلى) أخبرنا (قال) هم (كل عتل) بضمتين وتشديد اللام أي كل فظ اللسان غليظ القلب شديد الخصومة بالباطل (جواظ) بفتح الجيم وتشديد الواو أي جموع للمال منوع عن أدائه في الحق، وقيل كثير اللحم المختال في مشيته، وقيل القصير البطين (مستكبر) أي صاحب الكبر وهو بطر الحق وغمط النَّاس.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخاريّ في مواضع منها في تفسير سورة ن والقلم، باب عتل بعد ذلك زنيم [4718] وفي الأدب باب الكبر [6071]، والترمذي في صفة جهنم باب بدون ترجمة [2605]، وابن ماجة في الزهد باب من لا يؤبه له [4168].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث حارثة بن وهب رضي الله عنه فقال:
7015 -
(00)(00)(وحدثنا محمَّد بن المثنى حدَّثنا محمَّد بن جعفر) غندر (حدَّثنا شعبة) غرضه بيان متابعة محمَّد بن جعفر لمعاذ بن معاذ، وساق محمَّد بن جعفر (بهذا الإسناد) يعني عن معبد عن حارثة (بمثله) أي بمثل حديث معاذ بن معاذ (غير أنه) أي
قَال: "أَلا أَدُلُّكُمْ".
7016 -
(00)(00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبدِ الله بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ. قَال: سَمِعْتُ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبِ الْخُزَاعيِّ يَقُولُ: قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأهْلِ الْجَنَّةِ؟ كُل ضَعِيفٍ مُتَضَعَّفٍ. لَوْ أَقْسَمَ عَلَى الله لأبَرَّهُ. أَلا أخْبِرُكُمْ بِأهْلِ النَّارِ؟ كُلُّ جَوَّاظٍ زَنيمٍ مُتَكَبِّرٍ"
ــ
لكن أن محمَّد بن جعفر (قال) في روايته لفظة (ألا أدلكم) بدل قول معاذ بن معاذ "ألا أخبركم".
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن وهب رضي الله تعالى عنه فقال:
7016 -
(00)(00)(وحدثنا محمَّد بن عبد الله بن نمير حدَّثنا وكيع) بن الجراح (حدَّثنا سفيان) بن سعيد الثوري (عن معبد بن خالد قال: سمعت حارثة بن وهب الخزاعي يقول): وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سفيان الثوري لشعبة بن الحجاج (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بأهل الجنَّة كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره ألا أخبركم بأهل النَّار) هم (كل جواظ زنيم) دعي في النسب ملصق بالقوم ليس منهم، سمي بذلك تشبيهًا له بزنمة الشَّاةِ وهما لحمتان نابتتان في حلق الشَّاةِ شبه الإصبع الصَّغير (متكبر) أي معظم لنفسه محقر لغيره، وقال الحافظ في الفتح [8/ 663] العتل هو الفظ الشديد من كل شيء، وقال الفراء: الشديد الخصومة، وقيل الجافي عن الموعظة، وقال عبد الرَّزاق: العتل الفاحش الآثم، وقال الخطابي: العتل الغليظ العنيف، وقال الداودي: السمين العظيم العنق والبطن، وقال الهروي: الجموع المنوع، وقيل القصير البطن، وجاء فيه حديث عند أحمد من طريق عبد الرحمن بن غنم، وهو مختلف في صحته قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العتل الزنيم، قال: هو الشديد الخلق المصحح الأكول الشروب الواجد للطعام والشراب الظلوم للنَّاس الرحيب الجوف اهـ منه. قوله: (جواظ) هو الكثير اللحم المختال في مشيته حكاه الخطابي، وقال ابن فارس: هو الأكول، وقيل الفاجر.
7017 -
(2825)(185) حدّثني سُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ مَيسَرَةَ، عَنِ العَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَال:"رُبَّ أَشْعَثَ مَدفُوعٍ بِالأبوَابِ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبرَّهُ".
7018 -
(2826)(186) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَير، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ زَمْعَةَ
ــ
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث حارثة بن وهب بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال:
7017 -
(2825)(185)(حدثني سويد بن سعيد) بن سهل الهروي الأصل الحدثاني، صدوق، من (10) روى عنه في (7) أبواب (حدثني حفص بن ميسرة) العقيلي مصغرًا الصنعاني، ثقة، من (8) روى عنه في (10) أبواب (عن العلاء بن عبد الرحمن) بن يعقوب الجهني الحرقي نسبة إلى الحرقات من جهنية مولاهم أبي شبل المدني، صدوق، من (5) روى عنه في (4) أبواب (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رب) رجل (أشعث) أي متلبد الشعر مغبره؛ الذي لا يدهنه ولا يكثر غسله (مدفوع) أي ممنوع من الدخول على النَّاس، فلا يؤذن له بل يحجب ويطرد لحقارته عند النَّاس (بالأبواب) أي عند الأبواب، قال المناوي: قوله: (رب أشعث) أي ثائر شعر الرأس مغبره قد أخذ فيه الجهد حتَّى أصابه الشعث وعلته الغبرة (مدفوع بالأبواب) فلا يترك أن يلج الباب فضلًا من أن يقعد معهم ويجلس بينهم اهـ منه (لو أقسم) وحلف (على الله) أي على إيجاد شيء لم يوجد باسم الله (لأبره) الله تعالى أي لجعله بارًّا صادقًا في قسمه بإيجاد ذلك الشيء لكرامته عند الله تعالى. وهذا الحديث انفرد به المؤلف.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله ثانيًا لحديث حارثة بن وهب بحديث عبد الله بن زمعة رضي الله عنهم فقال:
7018 -
(2826)(186)(حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا: حدَّثنا) عبد الله (بن نمير عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عبد الله بن زمعة) بن
قَال: خَطَبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَ النَّاقَةَ وَذَكَرَ الَّذِي عَقَرَهَا. فَقَال:"إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا: انْبَعَثَ بِهَا رَجُلٌ عَزِيزٌ عَارِمٌ مَنِيعٌ فِي رَهْطِهِ، مِثْلُ أَبِي زَمْعَةَ"،
ــ
الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى، الصحابي المشهور رضي الله عنه، وأمه أخت لأم سلمة أم المؤمنين، وكان تحته زينب بنت أم سلمة، وليس هو أخًا لسودة بنت زمعة أم المؤمنين كما توهمه بعضهم، سكن المدينة، وقتل يوم الدار مع عثمان سنة خمس وثلاثين (35) وقيل قتل يوم الحرة والله أعلم راجع الإصابة [2/ 303 و 304] اهـ من التكملة. روى عنه عروة بن الزُّبير في صفة النَّار، له حديث واحد متَّفقٌ عليه. وهذا السند من خماسياته (قال) عبد الله بن زمعة:(خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم النَّاس يومًا من الأيَّام (فذكر) رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته (الناقة) المذكورة في قوله تعالى: {فَقَال لَهُمْ رَسُولُ اللهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (13)} وهي ناقة صالح عليه السلام (وذكر) الرجل (الذي عقرها) أي عقر الناقة أي ضرب قوائمها بالسيف فقطعها وهو قدار بن سالف وهو أحيمر ثمود كان أحمر أزرق أصهب (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان معنى قوله تعالى (إذ انبعث) أي قام وأسرع (أشقاها) أي أشقى ثمود وهو قدار بن سالف، وقوله:(انبعث به رجل) مقول قال أي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في تفسير (انبعث) أي قام وأسرع (بها) أي بعقر الناقة برضائهم واتفاقهم (رجل عزيز) أي ذو عزة وغلبة في قومه (عارم) بالعين والراء المهملتين؛ أي خبيث شرير مفسد، قال القاضي: العارم الجريء الحاذق اهـ، وفي النهاية عارم خبيث شرير، وفي التحفة: صعب على من يرومه كثير الشهامة والشر، يقال قد عرم بفتح الراء وضمها وكسرها عرامة وعرامًا فهو عارم وعرم والعرام الشدة والقوة والشراسة (منيع) أي قوي ذو منعة أي صاحب رهط يمنعونه من الضيم (في رهطه) أي في قومه (مثل أبي زمعة) أي في عزته ومنعته في قومه يعني أن ذلك الرجل كان منيعًا في رهطه كما أن أبا زمعة منيع في رهطه، وأبو زمعة عم الزُّبير بن العوام وهو الأسود المذكور جد عبد الله بن زمعة، وكان الأسود أحد المستهزئين للنبي صلى الله عليه وسلم ومات على كفره بمكة، وقتل ابنه زمعة يوم بدر كافرًا أيضًا كذا في فتح الباري، وفي رواية للبخاري:"مثل أبي زمعة عم الزُّبير بن العوام" قال الحافظ: هو عم الزُّبير مجازًا لأنه الأسود بن المطلب بن أسد
ثُمَّ ذَكَرَ النِّسَاءَ فَوَعَظَ فِيهِنَّ ثُمَّ قَال: "إِلامَ يَجْلِدُ أَحَدُكُمُ امْرَأَتهُ؟ ".
فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ "جَلْدَ الأَمَةِ" وَفِي رِوَايَةِ أَبِي كُرَيبٍ: "جَلْدَ الْعَبْدِ وَلَعَلَّهُ يُضَاجِعُهَا مِنْ آخِرِ
ــ
والعوام بن خويلد بن أسد فنزل ابن العم منزلة الأخ فأطلق عليه عمًا بهذا الاعتبار كذا جزم الدمياطي باسم أبي زمعة هنا وهو المعتمد اهـ تحفة الأحوذي.
وذكر ابن إسحاق في المبتدأ وغير واحد أن سبب عقرهم الناقة أنهم كانوا اقترحوها على صالح عليه السلام فأجابهم إلى ذلك بعد أن تعنتوا في وصفها فأخرج الله له ناقة من صخرة بالصفة المطلوبة لهم فآمن بعض وكفر بعض واتفقوا على أن يتركوا الناقة ترعى حيث شاءت وترد الماء يومًا بعد يوم، وكانت إذا وردت تشرب ماء البئر كله وكانوا يرفعون حاجتهم من الماء في يومهم للغد ثم ضاق بهم الأمر في ذلك فانتدب تسعة رهط، منهم قدار المذكور فباشر عقرها فلما بلغ ذلك صالحًا عليه السلام أعلمهم بأن العذاب سيقع بهم بعد ثلاثة أيَّام فوقع كذلك كما أخبر الله تعالى في كتابه، وأخرج أحمد وابن أبي حاتم من حديث جابر رفعه أن الناقة كانت ترد يومها فتشرب جميع الماء ويحتلبون منها مثل الذي كانت تشرب، وفي سنده إسماعيل بن عياض، وفي روايته عن غير الشاميين ضعف، وهذا منها كذا في الفتح اهـ من التحفة.
(ثم) بعد هذه القصة (ذكر) النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم (النساء) أي ذكر ما يتعلق بهن استطرادًا (فوعظ) النَّاس (فيهن) أي في شأن النساء (ثم قال إلام)(إلى) حرف جر و (م) اسم استفهام في محل الجر بإلى مبني بسكون ظاهر على الألف المحذوفة فرقًا بينها وبين ما الموصولة، الجار والمجرور متعلق بقوله:(يجلد) أي يضرب (أحدكم امرأته) أي زوجته جلدًا شديدًا وضربًا مبرحًا مع أنَّه لا يستغني عنها بل يجامعها في آخر يومه أي لأي شيء ضربها ضربًا شديدًا مع أنَّها حرة مستفرشة له، يقال جلدته بالسيف والسوط ونحوهما إذا ضربته (في رواية أبي بكر) بن أبي شيبة لفظة (جلد الأمة) أي لأجل ما يجلدها جلدًا كجلد الأمة اتقوا الله فلا تظلموهن (وفي رواية أبي كريب جلد العبد) بالنصب على المفعولية المطلقة أي مثل جلد العبد، وفي رواية البُخاريّ "بم يضرب أحدكم امرأته ضرب الفحل" أي ضرب فحل الإبل للناقة عند الضراب (ولعلّه) أي ولعل أحدكم الذي يجلدها أول اليوم الجلد المذكور (يضاجعها) أي يجامعها ويطؤها (من آخر
يَومِهِ"، ثُمَّ وَعَظَهُم فِي ضَحِكِهِمْ مِنَ الضَّرْطَةِ فَقَال: "إِلامَ يَضْحَكُ أَحَدُكُم مِمَّا يَفْعَلُ؟ ".
7019 -
(2827)(187) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "رَأَيتُ عَمْرَو بْنَ لُحَيِّ بنِ قَمَعَةَ
ــ
يومه) أي في آخره، فكلمة من هنا بمعنى في (ثم) بعدما وعظهم في النساء (وعظهم في ضحكهم من الضرطة) الواقعة من بعضهم في المجامع، والضرطة بفتح الضَّاد المعجمة وسكون الراء المرة من الضراط بضمها وهو الصوت الخارج من المدبر مع الرِّيح (فقال) لهم في وعظهم (إلام) أي لأجل ما (يضحك أحدكم مما يفعل) أي من الضراط الذي يخرجه بنفسه فلا بدع ولا غرابة فيه، قال الأبي: ففي الحديث النَّهي عن ضرب النساء لغير ضرورة، والنهي عن الضحك مما يقع من الإنسان وإن ذلك ليس من خلق أهل الدين اهـ.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخاريّ في الأنبياء باب قوله تعالى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} [3377] وفي تفسير سورة والشمس وضحاها [4942] وفي غيرهما، والترمذي في تفسير سورة والشمس وضحاها [3343]، وكذا النسائي، وأحمد.
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة وهو رؤيته صلى الله عليه وسلم عمرو بن لحي في النَّار بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
7019 -
(2827)(187)(حدثني زهير بن حرب حدَّثنا جرير) بن عبد الحميد (عن سهيل) بن أبي صالح (عن أبيه) أبي صالح السمان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت عمرو بن لحي) بضم اللام وفتح الحاء وتشديد الياء (بن قمعة) بفتحات ثلاث، وقيل بكسر القاف وتشديد الميم المفتوحة، قال النووي: ضبطوه على أربعة أوجه أشهرها قمعة بكسر القاف وتخفيف الميم المفتوحة، والثَّاني قمعة بكسر القاف مع تشديد الميم المفتوحة، والثالث قمعة بفتح القاف وسكون الميم، والرابع قمعة بفتحات، قال القاضي: وهذه
بْنِ خِنْدِفَ، أبا بَني كَعْبٍ هَؤلاءِ، يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ"
ــ
رواية الأكثرين (بن خندف) بكسر الخاء المعجمة وسكون النون وفتح الدال لقب امرأة إلياس بن مضر وهي أم قبيلة فلا تصرَّف، واسمها ليلى بنت عمران بن إلحاف بن قضاعة وإنَّما لقبت بخندف لمشيتها، والخندفة الهرولة واشتهر بنوها بالنسبة إليها دون أبيهم لأنَّ إلياس لما مات حزنت عليه زوجته خندف حزنًا شديدًا حتَّى هجرت أهلها ودارها وساحت في الأرض حتَّى ماتت فكان من رأى أولادها الصغار يقول من هؤلاء فيقال بنو خندف إشارة إلى أنَّها ضيعتهم اهـ من فتح الباري [6/ 548 و 549].
وقوله: (أبا بني كعب) بن لؤي بالنصب بالألف بدل أو عطف بيان لعمرو بن لحي. وقوله: (هؤلاء) في محل الجر بدل أو صفة لبني يعني أن عمرو بن لحي كان أبًا وجدًا لبني كعب الحاضرين الآن أي المجودين في الدُّنيا. وقوله: (أبا بني كعب) هو الصَّحيح الصواب لأنَّ كعبًا أحد بطون خزاعة، ووقع في بعض الرِّوايات (أخا بني كعب) والصَّواب الأوَّل أي رأيت عمرو بن لحي جد بني كعب الموجودين الآن (يجر) أي يسحب (قصبه) بضم القاف وسكون الصاد، وهو مفرد الأقصاب وهي الأمعاء والمصارين (في النَّار) أي في عذاب جهنم لأنَّه أول من من سنة سيئة في العرب لأنَّه أول من غير دين إبراهيم عليه السلام فنصب الأوثان وسيب السوائب وبحر البحيرة ووصل الوصيلة وحمى الحامي كما رواه ابن إسحاق في سيرته الكبرى مرفوعًا، وذكر ابن إسحاق أن سبب عبادة عمرو بن لحي الأصنام أنَّه خرج إلى الشَّام وبها يومئذٍ العماليق وهم يعبدون الأصنام فاستوهبهم واحدًا منها، وجاء به إلى مكّة فنصبه إلى الكعبة وهو هبل، وكان عمرو بن لحي أبًا لخزاعة وكان أول من تولى أمر البيت بعد جرهم.
وقوله: (يجر قصبه) القصب بالضم المعنى وجمعه أقصاب، وقيل القصب اسم للأمعاء كلها، وقيل هو ما كان في أسفل البطن (في النَّار) لكونه استخرج من باطنه بدعة جر بها الجريرة إلى قومه اهـ مناوي.
وقوله: (أول من سيب) أي سن عبادة الأصنام بمكة وجعل ذلك دينًا وحملهم على التقريب إليها بتسييب السوائب أي إرسالها تذهب كيف شاءت اهـ مناوي.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخاريّ في الأنبياء باب قصة خزاعة
7020 -
(00)(00) حدّثني عَمْرُو النَّاقِدُ وَحَسَنٌ الْحُلْوَانِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. (قَال عَبْدٌ: أَخْبَرَنِي. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا) يَعْقُوبُ -وَهُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بنِ سَعْدٍ- حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. قَال: سَمِعتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ: إِنَّ الْبَحِيرَةَ الَّتِي يُمْنَعُ دَرُّهَا لِلطَّوَاغِيتِ، فَلَا يَحْلُبُهَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ. وَأَمَّا السَّائِبَةُ الَّتِي كَانُوا يُسَيِّبُونَهَا لآلِهَتِهِمْ، فَلَا يُحْمَلُ عَلَيهَا شَيءٌ.
وَقَال ابْنُ الْمُسَيَّبِ: قَال أَبُو هُرَيرَةَ: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لا رَأَيتُ عَمْرَو بْنَ عَامِرٍ الخُزَاعيَّ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ. وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَيَّبَ السُّيُوبَ"
ــ
[3520]
وفي تفسير سورة المائدة باب ما جعل الله من بحيرة إلخ [4623].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
7020 -
(00)(00)(حدثني عمرو) بن محمَّد بن بكر (الناقد) البغدادي (وحسن) بن علي (الحلواني) الهذلي المكي، ثقة، من (11)(وعبد بن حميد) الكسي، ثقة، من (11)(قال عبد أخبرني، وقال الآخران: حدَّثنا يعقوب وهو ابن إبراهيم بن سعد) الزُّهريّ المدني (حدَّثنا أبي) إبراهيم بن سعد (عن صالح) بن كيسان الغفاري المدني (عن ابن شهاب قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول) عن أبي هريرة كما سيصرحه قريبًا. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة سعيد بن المسيب لأبي صالح السمان (إن البحيرة) بفتح الباء مكبرًا هي الناقة (التي يمنع درها) أي ينذر لبنها ويترك (للطواغيت) أي لأجل التقرب إلى الأصنام (فلا يحلبها أحد من النَّاس) لا مالكها ولا غيره (وأمَّا السائبة) وهي الناقة (التي كانوا يسيبونها) أي يعتقونها (لآلهتهم فلا يحمل عليها شيء) من البضاعة ولا يركب عليها (وقال ابن المسيب) بالسند السابق (قال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت عمرو بن عامر الخزاعي) والمراد به عمرو بن لحي المذكور (يجر قصبه) أي يسحب أمعاءه (في النَّار وكان) عمرو (أول من سيب) أي من (السيوب) جمع سائبة أيضًا.
قوله: (إن البحيرة التي يمنع درها للطواغيت) أي للأصنام أي لا يحلب لبنها أصلًا لأجل التقرب إلى الأصنام، وكلام أبي عبيدة يدل على أن المنفي إنَّما هو الشرب
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الخاص، قال أبو عبيدة: كانوا يحرمون وبرها ولحمها وظهرها ولبنها على النساء ويحلون ذلك للرجال وما ولدت فهو بمنزلتها وإن ماتت اشترك الرجال والنساء في أكل لحمهما، وروى عبد الرَّزاق عن معمر عن قتادة قال: البحيرة من الإبل كانت إذا نتجت خمس بطون فإن كان الخامس ذكرًا كان للرجال دون النساء، وإن كانت أنثى بتكت أذنها ثم أرسلت فلم يجزوا لها وبرًا ولم يشربوا لها لبنًا ولم يركبوا لها ظهرًا، وإن تكن ميتة فهم فيه شركاء الرجال والنساء، وهي فعيلة بمعنى مفعولة، واشتقاقها من البحر وهو الشق يقال بحر ناقته إذا شق أذنها، واختلف فيها فقيل هي الناقة تنتج خمسة أبطن آخرها ذكر فتشق أذنها وتترك فلا تركب ولا تحلب ولا تطرد عن مرعى ولا ماء اهـ قسطلاني.
قوله: (وأمَّا السائبة) بوزن فاعلة بمعنى مسبية كعيشة راضية هي (التي كانوا يسيبونها) أي يتركون الانتفاع بها (لآلهتهم) أي لأجل التقرب إليها تذهب حيث شاءت (فلا يحمل عليها شيء ولا تحبس عن مرعى ولا ماء) وذلك أن الرجل كان إذا مرض أو غاب له قريب نذر إن شفاه الله من مرضه أو قدم غائبه فناقته سائبة أي مسبية عتيقة فهي بمنزلة البحيرة إلَّا أنَّها لا يشق أذنها، وقيل إنَّها تكون من جميع الأنعام، والبحيرة لا تكون إلَّا من الإبل ولا تكون مشقوقة الأذن، وقيل إن السائبة هي الناقة التي إذا تتابعت اثنتي عشرة أنثى ليس بينها ذكر سيبت أي تركت لأجل التقرب إلى آلهتهم فلا تركب ولا يجز وبرها وما ولدت بعد ذلك من أنثى شقت أذنها وخليت مع أمها وهي البحيرة بنت السائبة فالأم تسمى سائبة والبنت تسمى بحيرة هذا هو الفرق بينهما اهـ من الأبي بتصرف، وزيادة قوله:(رأيت عمرو بن عامر الخزاعي) بضم الخاء المعجمة وتخفيف الزَّاي، وتقدم في باب إذا انفلتت الدابة وهو في الصَّلاة ورأيت فيها عمرو بن لحي بضم اللام وفتح الحاء المهملة، قال الكرماني: عامر اسم، ولحي لقب أو بالعكس أو أحدهما اسم الجد، وقال البرماوي: إنَّما هو عمرو بن لحي، ولحي اسمه ربيعة بن حارثة بن عمرو اهـ، وعند أحمد من حديث ابن مسعود مرفوعًا إن أول من سيب السوائب وعبد الأصنام أبو خزاعة عمرو بن عامر، وعند عبد الرَّزاق من حديث زيد بن أسلم مرفوعًا عمرو بن لحي أخو بني كعب، قال ابن كثير: فعمرو هذا هو ابن لحي بن قمعة أحد رؤساء خزاعة الذين ولوا البيت بعد جرهم، وعند ابن جرير عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأكتم بن الجون: "يا أكتم رأيت عمرو بن لحي بن
7021 -
(2828)(188) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَم أَرَهُمَا. قَومٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ. وَنسَاء كَاسِيَات عَارِياتُ
ــ
قمعة بن خندف يجر قصبه في النَّار كان أول من سيب السوائب" اهـ قسطلاني.
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الرابع من الترجمة وهو ذكر صنفين من أهل النَّار بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
7021 -
(2828)(188)(حدثني زهير بن حرب حدَّثنا جرير) بن عبد الحميد (عن سهيل عن أبيه) أبي صالح السمان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صنفان) مبتدأ سوغ الابتداء بالنكرة قصد الإبهام خبره قوله كائنان (من أهل النار لم أرهما) أنا لعدم وجودهما في حياتي، قال الأبي: انظر هل المعنى لم أرهما في الدُّنيا ورأيتهما في النَّار، أو علمت أنَّهما من أهل النَّار، وعلى الأوَّل فانظر كيف يراهما وهما لم يوجدا بعد إلَّا أن يكون رأى مثاليهما أحدهما (قوم معهم سياط) جمع سوط وهو آلة الجلد كأذناب البقر) أي كأمثال ذنب البقر في الكبر أي سياط مثل أذناب البقر، قال النووي: فيه إشارة إلى الشرطة الظالمين وأعوان الأمراء الجبارين، والحديث من معجزاته صلى الله عليه وسلم إذ قد وقع ما أخبر به (يضربون بها) أي بتلك السياط (النَّاس) ظلمًا، قال النووي: هم غلمان والي الشرطة، قال الأبي: ويتنزل منزلة المباشر للضرب الآمر به، وهذا في ضرب لا يباح وكذا يتنزل منزلة الضرب التضييق عليهم بالسجن والتكبيل وأخذ الأموال ظلمًا لأنَّ الجميع تعذيب بغير حق اهـ (و) ثانيهما (نساء كاسيات) من نعم الله تعالى (عاريات) من الشكر عليها أو عاريات بكشف شيء من جسدها إظهارًا لجمالها كأن يسدلن الخمر من ورائهن ويكشفن بعض جسدها أو تلبسن ثيابًا رقاقًا تصف ما تحتهن أو كاسيات من الثياب عاريات من فعل الخير والاهتمام لآخرتهن والاعتناء بالطاعات، قال الأبي: ويدخل في ذلك ما عليه النساء اليوم من خروجهن ملتحفات بالأكسية والملاحف الحسنة وربما كان الكساء رقيقًا يظهر ما تحته من الثياب أو متسرولات ويظهر بعض حليهن، وكذا يدخل فيه ما أحدثن من سعة الأكمام التي يظهر
مُمِيلاتٌ مَائِلاتٌ. رُؤُوسُهُنَّ كَأسْنِمَةِ الْبُختِ الْمَائِلَةِ. لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا. وَإِنَّ رِيحَهَا لَتُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا".
7022 -
(2829)(189) حدَّثنا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا زيدُ، (يَعْنِي ابْنَ
ــ
بها بعض جسدها لمن لا يحل لها (مميلات) أكتافهن وأعطافهن (مائلات) متبخترات في مشيتهن، وقال المازري:(مائلات) عن طاعة الله تعالى وما يلزمهن من حفظ فروجهن مميلات غيرهن إلى مثل فعلهن، وقيل:(مائلات) يمشطن المشطة الميلى وهي مشطة البغايا (مميلات) غيرهن إلى تلك المشطة (رؤوسهن كأسنمة) الإبل (البخت) مبتدأ وخبر، قال النووي: معناه يعظمن رؤوسهن بالخمر والعمائم وغيرها مما يلف على الرؤوس حتَّى تشبه أسنمة الإبل البخت (وفي اللسان البخت والبختية دخيل في العربيَّة أعجمي معرب وهي الإبل الخراسانية تنتج من بين عربية وفالج، والفالج البعير ذو السنامين وهو الذي بين البختي والعربي) والمراد بالتشبيه بأسنمة البخت إنَّما هو لارتفاع الغدائر فوق رؤوسهن وجمع عقائصها هنا وتكثرها بما يضفرنه حتَّى تميل إلى ناحية من جوانب الرأس كما يميل السنام اهـ.
[قلت]: يعني بالعمائم: العمائم الكبار بخلاف اليسير منها الذي تدعو الحاجة إليه ويجوز أن يكون ذلك كناية عن طمحهن للرجال ولا يغضضن أبصارهن ولا ينكسن رؤوسهن.
وقوله: (المائلة) مبتدأ خبره (لا يدخلن الجنَّة) يعني أن النساء المائلة عن فعل الخير عما يلزمهن من حفظ فروجهن لا يدخلن الجنَّة أبدًا إن فعلن ذلك مستحلات له أو أولًا مع الفائزين إن فعلن ذلك معتقدات التحريم بغير استحلال له (ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة) أي من مسافة (كذا وكذا) كناية عن العدد المبهم نحو من مسيرة خمسمائة عام أو من مسيرة سبعين خريفًا، وتقول في إعرابه (مسيرة) مضاف (كذا) اسم لفظه مركب ومعناه مبهم مضاف إليها مجرور وعلامة جره كسرة مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بسكون البناء الأصل كما أشرنا إليه في شروحنا على الآجرومية في بعض مواضعها فراجعها. وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى بحديث آخر له فقال:
7022 -
(2829)(189)(حدَّثنا) محمَّد بن عبد الله (بن نمير حدَّثنا زيد يعني ابن
حُبَابٍ)، حَدَّثَنَا أَفْلَحُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ رَافِعٍ، مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ. قَال: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يُوشِكُ، إِنْ طَالتْ بِكَ مُدَّةٌ، أَنْ تَرَى قَوْمًا فِي أَيدِيهِمْ مِثْلُ أَذْنَاب الْبَقَرِ. يَغْدُونَ فِي غَضَبِ اللهِ، ويرُوحُونَ فِي سَخَطِ الله".
7023 -
(00)(00) حدَّثنا عُبَيدُ الله بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ
ــ
حباب) بضم المهملة وتخفيف الموحدة أبو الحسين العكلي نسبة إلى عكل بطن من تميم الكوفيّ، صدوق، من (9) روى عنه في (11) بابا (حدَّثنا أفلح بن سعيد) الأنصاري القبائي نسبة إلى قباء موضع بالمدينة وبه المسجد الذي أسس على التقوى أبو محمَّد المدني، صدوق، من (7) روى عنه في موضعين (2) الفضائل وصفة النَّار (حدَّثنا عبد الله بن رافع) المخزومي مولاهم (مولى أم سلمة) زوج النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (قال) ابن رافع (سمعت أبا هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوشك) أي يقرب (إن طالت بك مدة) أي حياة (أن ترى قومًا في أيديهم) أسواط (مثل أذناب البقر) يضربون بها النَّاس ظلمًا (يغدون) أي يذهبون في أول النهار من بيوتهم (في) أعمال موجبات (غضب الله) عليهم (ويروحون) أي يذهبون آخر النهار (في) أعمال موجبات (سخط الله) عليهم، والسخط أشد الغضب وإنَّما اشتد الغضب في العصر لأنَّه وقت تجتمع فيه ملائكة الليل والنهار، وهذا من إطلاق الطرفين وإرادة الكل؛ يعني أنهم يظلمون النَّاس في جميع أوقاتهم ويضربونهم بسياطهم. وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى.
ثم ذكر رحمه الله تعالى المتابعة فيه فقال:
7023 -
(00)(00)(حدَّثنا عبيد الله بن سعيد) بن يَحْيَى اليشكري مولاهم أبو قدامة النيسابوري، ثقة، من (10) روى عنه في (8) أبواب (وأبو بكر) محمَّد بن أحمد (بن نافع) العبدي البصري، صدوق، من (10) روى عنه في (9) أبواب (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي، ثقة، من (11) (قالوا: حدَّثنا أبو عامر العقدي) عبد الملك بن
حَدَّثَنَا أَفْلَحُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ رَافِعٍ. مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ، قَال: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنْ طَالتْ بِكَ مُدَّةٌ، أَوْشَكْتَ أَنْ تَرَى قَوْمًا يَغْدُونَ فِي سَخَطِ اللهِ، ويرُوحُونَ فِي لَعْنَتِهِ. فِي أَيدِيهِمْ مِثْلُ أَذْنَابِ الْبَقَرِ".
7024 -
(2830)(190) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ إِدْرِيسَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ. حَ وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بن يَحْيَى. أَخْبَرَنَا موسى بن أَعْيَنَ
ــ
عمرو القيسي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (حدَّثنا أفلح بن سعيد) الأنصاري المدني (حدثني عبد الله بن رافع مولى أم سلمة قال: سمعت أبا هريرة) رضي الله عنه (يقول): وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي عامر لزيد بن حباب (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن طالت بك مدة) أي مدة الدُّنيا (أوشكت) أي قربت (أن ترى قومًا يغدون) أي يصبحون (في سخط الله) سبحانه وتعالى (ويروحون) أي يمسون (في لعنته في أيديهم) أسواط (مثل أذناب البقر) في كبرها يضربون بها النَّاس ظلمًا.
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الخامس من الترجمة وهو بيان فناء الدُّنيا وصفة الحشر يوم القيامة بحديث المستورد رضي الله عنه فقال:
7024 -
(2830)(190)(حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدَّثنا عبد الله بن إدريس) بن يزيد الأودي الكوفيّ، ثقة، من (8) روى عنه في (17) بابا (ح وحدثنا) محمَّد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكوفيّ (حدَّثنا أبي) عبد الله بن نمير (ومحمد بن بشر) بن الفرافصة العبدي، الكوفيّ، ثقة، من (9) روى عنه في (11) بابا (ح وحدثنا يَحْيَى بن يَحْيَى) بن بكر التميمي النيسابوري (أخبرنا موسى بن أعين) الجزري أبو سعيد الحراني، روى عن إسماعيل بن أبي خالد في صفة الدُّنيا في الآخرة، والأوزاعي ومالك ومعمر وغيرهم، ويروي عنه (خ م د س ق) ويحيى بن يَحْيَى وابنه محمَّد وسعيد بن أبي أيوب ونافع بن يزيد والوليد بن مسلم وآخرون، وثقه أبو حاتم وأبو زرعة، وكان أحمد يحسن الثّناء عليه، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة عابد، من الثامنة، مات سنة
ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ. كُلُّهُمْ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ. حَدَّثَنَا قَيسٌ. قَال: سَمِعْتُ مُسْتَوْرِدًا، أَخَا بَنِي فِهْرٍ، يَقُولُ: قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "وَاللهِ، مَا الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إلا مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ هَذِهِ -وَأَشَارَ يَحْيَى بِالسَّبَّابَةِ- فِي الْيَمِّ، فَلْيَنْظُرْ بِمَ تَرْجِعُ؟ "
ــ
سبع وسبعين ومائة (177)(ح وحدثني محمَّد بن رافع) القشيري (حدَّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي (كلهم) أي كل من هؤلاء الخمسة عبد الله بن إدريس وعبد الله بن نمير ومحمد بن بشر وموسى بن أعين وأبي أسامة رووا (عن إسماعيل بن أبي خالد) سعيد البجلي الأحمسي الكوفيّ، ثقة، من (4) روى عنه في (8) أبواب (ح وحدثني محمَّد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي، صدوق، من (10) روى عنه في (11) بابا (واللفظ له حدَّثنا يَحْيَى بن سعيد) القطان البصري (حدَّثنا إسماعيل) بن أبي خالد (حدَّثنا قيس) بن أبي حازم عوف بن عبد الحارث البجلي الأحمسي الكوفيّ، أحد كبار التّابعين وأعيانهم، ثقة مخضرم، من (2) روى عنه في (10) أبواب (قال سمعت مستوردًا) بن شداد بن عمرو القرشي الفهري الحجازي نزيل الكوفة، الصحابي المشهور رضي الله عنه (أخا بني فهر يقول) وهذه الأسانيد كلُّها من خماسياته (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله ما الدُّنيا في الآخرة) أي بالنسبة إلى الآخرة وبمقابلتها (إلَّا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه هذه وأشار يَحْيَى) القطان (بالسبابة في اليم) متعلق بيجعل أي إلَّا قدر ما يعلى بالإصبع من الماء إذا جعل أحدكم إصبعه في اليم أي في البحر (فلينظر) أحدكم (بم يرجع) أي بم يأخذ بإصبعه من ماء البحر إذا رفع إصبعه من البحر، ومعناه لا يعلق بها كثير من الماء قال النووي: ومعنى الحديث ما الدُّنيا بالنسبة إلى الآخرة في قصر مدتها وفناء لذاتها ودوام الآخرة ودوام نعيمها ولذاتها إلَّا كنسبة الماء الذي يعلى بالإصبع إلى باقي البحر، وهذا التمثيل للتقريب إلى الأفهام وإلا فالآخرة أعظم وأجل من البحر لأنَّ البحر مهما كان واسعًا فإنَّه فإن متناه ونعيم الآخرة باق غير متناه، قال النووي: ضبطوا (بم يرجع) بالتاء المثناة فوق فضمير الفاعل يعود إلى الإصبع، وبالمثناة تحت فالضمير يرجع إلى أحدكم، والأول أظهر وأشهر، ويحتمل أنَّه تمثيل لنسبة مساحة الدُّنيا من مساحة الآخرة وبين ذلك حديث أدنى أهل الجنَّة منزلة من
وَفِي حَدِيثِهِمْ جَمِيعًا، غَيرَ يَحْيَى: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ ذلِكَ.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ: عَنِ المُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ، أَخِي بَنِي فِهْرٍ.
وَفِي حَدِيثِهِ أَيضًا: قَال: وَأَشَارَ إِسْمَاعِيلُ بِالإِبْهَامِ.
7025 -
(2831)(191) وحدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بن سَعِيدٍ، عَن حَاتِمِ بْنِ أَبِي صَغِيرَةَ. حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيكَةَ،
ــ
له مثل الدُّنيا وعشرة أمثالها، ويحتمل أنَّه تمثيل لقلة نعيم الدُّنيا وكثرة نعيم الآخرة، أو تمثيل لانقطاع نعيم الدُّنيا ودوام نعيم الآخرة ونسبة أمر الدُّنيا في ذلك كنسبة ما تعلق بالإصبع من الماء إلى ما بقي في البحر (وفي حديثهم جميعًا) أي وفي حديث هؤلاء الستة الذين رووا عن إسماعيل ابن أبي خالد (غير يَحْيَى) القطان لفظة (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك) الحديث أي قال المستورد: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي روايتهم جميعًا تصريح بسماع المستورد من النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم (وفي حديث أبي أسامة) وروايته عن إسماعيل بن أبي خالد لفظة (عن المستورد بن شداد أخي بني فهر) أي ففي روايته العنعنة (وفي حديثه) أي وفي حديث أبي أسامة وروايته عن إسماعيل (أيضًا) أي كما في حديثه العنعنة عن المستورد (قال) أبو أسامة (وأشار إسماعيل) بن أبي خالد (بالإبهام) بدل السبابة، قال القاضي: كذا لجميعهم، وعند السمرقندي (بالبهام) وهو خطأ، لأنَّ البهام جمع بهمة وهي صغار الضأن، والمعروف رواية السبابة في الأوَّل لأنَّها التي تقع بها الإشارة اهـ من الأبي.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث التِّرمذيُّ في الزهد باب بلا ترجمة [2323]، وابن ماجة في الزهد باب مثل الدُّنيا [4160].
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الحشر وهو الجزء السادس من الترجمة أيضًا بحديث عائشة رضي الله عنها فقال:
7025 -
(2831)(191)(وحدثني زهير بن حرب حدَّثنا يَحْيَى بن سعيد) القطان (عن حاتم بن أبي صغيرة) مسلم أبو يونس البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (6) أبواب (حدثني) عبد الله بن عبد الله (بن أبي مليكة) زهير بن عبد الله بن جدعان التميمي
عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا" قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، النِّسَاءُ وَالرِّجَالُ جَمِيعًا، يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بعْضٍ؟ قَال صلى الله عليه وسلم:"يَا عَائِشَةُ، الأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يَنْظُرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بعْضٍ"
ــ
أبو بكر المكيّ، ثقة، من (3) روى عنه في (20) بابا (عن القاسم بن محمَّد) بن أبي بكر الصِّديق التَّيميُّ المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته (قالت) عائشة:(سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يحشر) أي يجمع (النَّاس) في المحشر (يوم القيامة) حالة كونهم (حفاة) جمع حاف وهو من ليس في رجليه فعل أو حذاء، وحالة كونهم (عراة) جمع عار وهو من ليس على جسده لباس، وحالة كونهم (غرلًا) بضم الغين المعجمة وسكون الراء جمع أغرل وهو الأقلف وهو الذي لم يختن وبقيت غرلته وهي الجلدة التي يقطعها الخاتن من الذكر، قال ابن عبد البر: يحشر الآدمي عاريًا ولكل من الأعضاء ما كان له يوم ولد فمن قطع منه شيء يرد إليه حتَّى الأقلف، وقال أبو الوفا بن عقيل: حشفة الأقلف موقاة بالقلفة فتكون أرق فلما أزالوا تلك القطعة في الدُّنيا أعادها الله تعالى ليذيقها من حلاوة فضله اهـ فتح الباري.
(قوله عراة) وقد استشكل على هذا الحديث بحديث أخرجه أبو داود وصححه ابن حبان أنَّه لما حضر أبا سعيد الخدري الوفاة دعا بثياب جدد فلبسها وقال: سمعت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الميت يبعث يوم القيامة في ثيابه التي مات فيها" وجمع بعضهم بينهما بأن بعضهم يحشر عاريًا وبعضهم كاسيًا عملًا بالحديثين، أو بأنهم يخرجون من القبور بالثياب التي ماتوا فيها ثم تتناثر عنهم عند ابتداء الحشر فيحشرون عراة، وحمل بعضهم حديث أبي سعيد على الشهداء، ويحتمل أن يكون أبو سعيد سمعه في الشهيد فحمله على العموم، وقيل غير ذلك، وهذه التأويلات كلها خلاف الظاهر، ولعل أولاها بالقبول حمله على الشهداء فقط لأن ما جاء في حديث الباب مؤيد بقوله تعالى:({كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ}) اهـ فتح الباري باختصار [11/ 384].
قالت عائشة (قلت يا رسول الله النساء والرجال جميعًا ينظر بعضهم إلى) عورة (بعض) حينئذٍ (قال صلى الله عليه وسلم: يا عائشة الأمر) أي أمر يوم القيامة وهوله (أشد) أي أشغل (من أن ينظر بعضهم إلى بعض) أي من نظر بعضهم إلى عورة بعض.
7026 -
(00)(00) وحدّثنا أَبُو بَكرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَابْنُ نُمَيرٍ. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأحمَرُ، عَنْ حَاتِمِ بْنِ أَبِي صَغِيرَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي حَدِيثِهِ "غُرْلًا".
7027 -
(2822)(192) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. (قَال إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا) سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ وَهُوَ يَقُولُ: "إِنَّكُمْ مُلاقو اللهِ
ــ
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخاريّ في الرقاق باب الحشر [6527]، والنَّسائيُّ في الجنائز باب البعث [2083]، وابن ماجة في الزهد باب ذكر البعث [4330].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:
7026 -
(00)(00)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة و) محمَّد بن عبد الله (بن نمير قالا: حدَّثنا أبو خالد الأحمر) سليمان بن حيان الأزدي الكوفيّ، صدوق، من (8) روى عنه في (12) بابا (عن حاتم بن أبي صغيرة) مسلم البصري (بهذا الإسناد) يعني عن ابن أبي مليكة عن القاسم عن عائشة، غرضه بيان متابعة أبي خالد الأحمر ليحيى القطان (و) لكن (لم يذكر) أبو خالد (في حديثه) أي في روايته لفظة (غرلًا).
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث ابن عباس رضي الله عنهما فقال:
7027 -
(2822)(192)(حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم و) محمَّد بن يَحْيَى (بن أبي عمر) العدني المكي (قال إسحاق: أخبرنا وقال الآخرون: حدَّثنا سفيان بن عيينة عن عمرو) بن دينار الجمحي المكي (عن سعيد بن جبير) الوالبي الكوفيّ (عن ابن عباس) رضي الله عنهما، وهذا السند من خماسياته، أنَّه (سمع النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يخطب) أي يعظ النَّاس (وهو) صلى الله عليه وسلم (يقول) للنَّاس:(إنكم) أيها النَّاس (ملاقو الله) عز وجل لا محالة يوم القيامة مشاة حفاة
مُشَاةً حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا"، وَلَمْ يَذْكُرْ زُهَيرٌ فِي حَدِيثِهِ: يَخطُبُ.
7028 -
(00)(00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. كِلاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، (وَاللَّفْظُ لابنِ الْمُثَنَّى)، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَال: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَطِيبًا
ــ
أي ماشين على أرجلكم إلى أرض المحشر جمع ماش (عراة) أي عارين عن اللباس (غرلًا) أي غير مختونين جمع أغرل وهو الذي لم يختن وبقيت عليه غرلته وهي قلفته وهي الجلدة تقطع في الختان، والمقصود أنهم يحشرون كما خلقوا لا شيء معهم ولا يفقد منهم شيء حتَّى الغرلة تكون معهم اهـ نووي (و) لكن (لم يذكر زهير في حديثه) أي في روايته لفظة (يخطب).
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخاريّ في مواضع منها في الرقاق باب الحشر [6524 إلى 6526]، والترمذي في تفسير سورة الأنبياء [3167]، والنَّسائيُّ في الجنائز باب ذكر أول من يكسى [2087].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال:
7028 -
(00)(00)(حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدَّثنا وكيع ح وحدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (حدَّثنا أبي) معاذ بن معاذ (كلاهما) أي كل من وكيع ومعاذ بن معاذ رويا (عن شعبة ح وحدثنا محمَّد بن المثني ومحمد بن بشار واللفظ لابن المثني قالا: حدَّثنا محمَّد بن جعفر) الهذلي البصري غندر (حدَّثنا شعبة عن المغيرة بن النُّعمان) النَّخعيُّ الكوفيّ، روى عن سعيد بن جبير في صفة الحشر والتفسير وأبي الزُّبير وطائفة، ويروي عنه (خ م د ت س) وشعبة والثوري ومسعر وعتبة بن سعيد وشريك وغيرهم، وثقه ابن معين وأبو داود، وقال أبو حاتم: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، له عندهم حديثان، وقال في التقريب: ثقة، من السادسة (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس) رضي الله عنهما. وهذه الأسانيد كلُّها من سداسياته، غرضه بسوقها بيان متابعة المغيرة بن النُّعمان لعمرو بن دينار (قال) ابن عباس (قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبًا)
بِمَوْعِظَةٍ. فَقَال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ تُحْشَرُونَ إِلَى اللهِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا. {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَينَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 104] أَلا وإنَّ أَوَّلَ الْخَلائقِ يُكْسَى، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِبْرَاهِيمُ، عليه السلام، أَلا وَإِنَّهُ سَيُجَاءُ بِرِجَالٍ مِنْ أُمَّتِي فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ. فَأقُولُ: يَا رَبِّ، أَصحَابِي
ــ
أي واعظًا (بموعظة) متعلق بخطيبًا وفائدة ذكره التأكيد أو متعلق بقام، والموعظة كل ما اشتمل على الترغيب والترهيب، والخطبة أعم منها (فقال) في خطبته (يا أيها الناس إنكم تحشرون) يوم القيامة في أرض المحشر راجعين (إلى الله) سبحانه للمحاسبة والمجازاة، حالة كونكم (حفاة) عن النعال (عراة) عن اللباس (غرلًا) أي غير مختونين، ومصداق ما ذكرته لكم قوله تعالى في كتابه العزيز ({كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَينَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 104]) قال الأبي: والأظهر أن مقام التكرمة عدم حشر الأنبياء كذلك. [فإن قلت] قوله أول من يكسى إبراهيم. فالجواب أنَّه يكسى عنه خروجه من القبر (ألا وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه السلام والحكمة في كونه أول من يكسى أنَّه جرد حين ألقي في النَّار، وقيل لأنَّه أول من استن التستر بالسراويل، وقيل إنَّه لم يكن في الأرض (أي في زمنه) أخوف لله منه فعجلت له الكسوة أمانًا ليطمئن قلبه.
قوله: (ألا وإن أول من يكسى يوم القيامة إبراهيم) عبارة القرطبي هنا: هذا الحديث يدل على أن النَّاس كلهم الأنبياء وغيرهم يحشرون عراة كما قال في الحديث المتقدم وأن أهل السعادة يكسون من ثياب الجنَّة ولا شك في أن من كسي من ثياب الجنَّة فقد لبس جبة تقيه مكاره الحشر وعرقه وحر الشَّمس والنَّار وغير ذلك فظاهر عمومه يقتضي أن إبراهيم يكسى قبل نبينا محمَّد صلى الله عليه وسلم فيجوز أن يكون هذا من خصائص إبراهيم كما قد خص موسى عليه السلام بأن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يجده متعلقًا بساق العرش، مع أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أول من تنشق عنه الأرض، ولا يلزم من هذا أن يكونا أفضل منه مطلقًا بل هو أفضل من وافى القيامة وسيد ولد آدم كما دللنا عليه فيما تقدم، ويجوز أن يراد بالنَّاس من عداه من النَّاس فلم يدخل تحت خطاب نفسه، والله تعالى أعلم اهـ من المفهم.
(ألا) أي انتبهوا واستمعوا (وإنَّه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم) أي يساق بهم (ذات الشمال) أي إلى جهة النَّار (فأقول يا رب) هم (أصحابي) أطلق عليهم لفظ
فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ. فَأقُولُ، كَمَا قَال الْعَبْدُ الصَّالِحُ:{وَكُنْتُ عَلَيهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118)} [المائدة: 117 - 118] قَال: فَيُقَالُ لي: إِنَّهُم لَم يزَالُوا مُرتَدِّينَ عَلَى أَعقَابِهِم مُنذُ فارَقتَهُم".
وَفِي حَدِيثِ وَكِيعٍ وَمُعَاذٍ "فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ"
ــ
الأصحاب نظرًا إلى ما كانوا عليه في حياته صلى الله عليه وسلم (فيقال) له من جهة الله (إنك لا تدري) ولا تعلم يا محمَّد (ما أحدثوا بعدك) من الارتداد (فأقول) حينئذٍ كما قال العبد الصالح) يعني عيسى عليه السلام: ({وَكُنْتُ عَلَيهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118)} [المائدة: 117 - 118]) (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فيقال لي إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم) أي راجعين إلى دينهم الأوَّل الذي هو الشرك بالله (منذ فارقتهم) أي بعدما فارقتهم بالوفاة (وفي حديث وكيع ومعاذ) بن معاذ أي في روايتهما لفظة (فيقال) لي: (إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك) بدل ما قال غيرهما لفظة (إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم) والمعنى واحد.
وقد بسطنا الكلام على معنى هذا الحديث في كتاب الفضائل باب إثبات حوض النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وذكرنا هناك أن الراجح أن مصداق هؤلاء الرجال الذي طردوا عن الحوض هم الذين ارتدوا في عهد أبي بكر رضي الله عنه.
(فإن قلت): قد دل هذا الحديث بقوله إن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه السلام على أن إبراهيم أفضل من نبينا صلى الله عليه وسلم لأنَّه يكسى أول الخلائق.
(قلت): هذا فضل جزئي حصل له لما ذكرنا من الحكمة السابقة فلا يستلزم أن يكون أفضل من النَّبيِّ الكريم صلى الله عليه وسلم على الإطلاق.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عباس بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما فقال:
7029 -
(2833)(193) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ. ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا بَهْزٌ. قَالا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَال:"يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى ثَلاثِ طَرَائِقَ: رَاغبِينَ رَاهِبِينَ. وَاثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ. وَثَلاثةٌ عَلَى بَعِيرٍ. وَأَرْبَعَة عَلَى بَعِيرٍ. وَعَشَرَة عَلَى بَعِيرٍ. وَتَحْشُرُ بَقِيَّتَهُمُ النَّارُ. تَبِيتُ مَعَهُمْ حَيثُ بَاتُوا. وَتَقِيلُ مَعَهُمْ حَيثُ قَالُوا، وَتُصْبِحُ مَعَهُمْ حَيثُ أَضبَحُوا، وَتُمْسِي مَعَهُمْ حَيثُ أَمْسَوْا"
ــ
7029 -
(2833)(193)(حدثني زهير بن حرب حدثنا أحمد بن إسحاق) بن زيد بن عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي مولاهم أبو إسحاق البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (7) أبواب (ح وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون البغدادي، صدوق، من (10)(حدثنا بهز) بن أسد العمي البصري، ثقة، من (9) كلاهما (قالا جميعًا) يعني أحمد بن إسحاق وبهزًا (حدثنا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي البصري، ثقة، من (7)(حدثنا عبد الله بن طاوس) بن كيسان اليماني الحميري، ثقة، من (6)(عن أبيه) طاوس بن كيسان، ثقة، من (3) (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذان السندان من سداسياته (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يحشر الناس) يوم القيامة (على ثلاث طرائق) أي على ثلاثة أقسام من الكيفيات، والمراد بالطرائق الأحوال المختلفة والكيفيات المتنوعة، قسم منها من يحشر حالة كونهم (راغبين) في الثواب (راهبين) أي خائفين في العقاب وهم عامة المؤمنين وهم من خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا فيترددون بين الخوف والرجاء يخافون عاقبة سيئاتهم ويرجون رحمة الله بأيمانهم وهم أصحاب الميمنة (و) قسم منها من يحشر راغبين (اثنان) منهم (على بعير وثلاثة على بعير وأربعة على بعير وعشرة على بعير) وهم السابقون المقربون وهم أفاضل المؤمنين يحشرون ركبانًا، وقسم منها تحشرهم النار، وذكره بقوله:(وتحشر بقيتهم النار تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم حيث قالوا) من القيلولة وهو الاستراحة في وسط النهار (وتصبح معهم حيث أصبحوا وتمسي معهم حيث أمسوا) وهم أصحاب المشامة.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الرقاق باب الحشر [6522]، والنسائي في الجنازة [2585].
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[تتمة]: -
واختلف العلماء في معنى هذا الحديث فذكر بعضهم أن المراد من الحشر في هذا الحديث هو الحشر من القبور الذي سيقع في الآخرة والفرق الثلاثة المذكورة في الحديث نظير قوله تعالى في سورة الواقعة: {وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً} فالمراد من قوله راغبين راهبين عامة المؤمنين وهم من خلط عملًا صالحًا وآخر سيئًا فيترددون بين الخوف والرجاء يخافون عاقبة سيئاتهم ويرجون رحمة الله بإيمانهم وهؤلاء أصحاب الميمنة. وقوله: (واثنان على بعير وثلاثة على بعير إلى قوله وعشرة على بعير) يراد به السابقون المقربون وهم أفاضل المؤمنين يحشرون ركبانًا، وركوبهم يحتمل الحمل دفعة واحدة تنبيهًا على أن البعير المذكور يكون من بدائع فطرة الله تعالى حتى يقوى على ما لا يقوى عليه غيره من البعران، ويحتمل أن يراد به التعاقب وإنما سكت عن الواحد إشارة إلى أنه يكون لمن فوقهم في المرتبة كالأنبياء ليقع الامتياز بين النبي ومن دونه من السابقين في المراكب كما وقع في المراتب، وأما قوله:(وتحشر بقيتهم النار الخ) فإنما أراد به أصحاب المشأمة، والمراد من كون النار تبيت معهم حيث باتوا وتقيل حيث قالوا أنها تلزمهم كل وقت ولا تفارقهم، وهذا معنى على القول بأن المراد من الحشر المذكور في الحديث هو الحشر من القبور إلى الآخرة وعلى هذا المعنى حلنا السابق آنفًا.
وذهب أكثر العلماء إلى أن المراد من الحشر المذكور في هذا الحديث هو حشر يقع في الدنيا بقرب القيامة وهو من أشراط الساعة التي ستأتي في صحيح مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة من حديث حذيفة بن أسيد مرفوعًا "إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات" فذكر الدخان والدجال إلى أن قال وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم "وعلى هذا القول نقول في حل معنى الحديث (عن أبي هريرة) " رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يحشر الناس على ثلاث طرائق) أي على ثلاث فرق فرقة تحشر (راغبين راهبين) وهذه الفرقة هي التي اغتنمت الفرصة وسارت على فصحة من الظهر وشمرة من الزاد راغبة فيما تستقبله راهبة عما تستدبره (و) الفرقة الثانية تقاعدت حتى قل الظهر وضاق على أن يسعهم لركوبهم فردًا فردًا فاشتركوا فركب منهم (اثنان على بعير وثلاثة على بعير وأربعة على بعير وعشرة) يعتقبون (على
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بعير) ولم يذكر الخمسة والستة إلى العشرة اكتفاء بما ذكر (وتحشر بقيتهم النار) لعجزهم عن تحصيل ما يركبونه وهي الفرقة الثالثة، والمراد بالنار هنا نار الدنيا لا نار الآخرة، وقيل المراد نار الفتنة وليس المراد نار الآخرة، قال الطيبي لقوله: وتحشر بقيتهم النار فإن النار هي الحاشرة ولو أريد ذلك المعنى لقال إلى النار، ولقوله:(تقيل) من القيلولة أي تستريح (معهم) حيث قالوا (وتبيت) من البيتوتة (معهم حيث باتوا وتصبح معهم حيث أصبحوا وتمسي معهم حيث أمسوا) فإنها جملة مستأنفة سيقت لبيان الكلام السابق فإن الضمير في تقيل راجع على النار الحاشرة وهو من الاستعارة فيدل على أنها ليست النار الحقيقية بل نار الفتنة كما قال تعالى: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ} اهـ ولا يمتنع إطلاق النار على الحقيقية وهي التي تخرج من عدن، وعلى المجازية وهي الفتنة إذ لا تنافي بينهما، وفي حديث حذيفة بن أسيد بفتح الهمزة عند مسلم المذكور فيه الآيات الكائنة قبل قيام الساعة كطلوع الشمس من مغربها، وفيه وآخر ذلك نار تخرج من قعر عدن ترحل الناس، وفي رواية له تطرد الناس إلى حشرهم، وفي حديث معاوية بن حيدة جد بهز بن حكيم رفعه إنكم تحشرون ونحا بيده نحو الشام رجالًا وركبانًا وتجرون على وجوهكم رواه الترمذي والنسائي بسند قوي، وعند أحمد بسند لا بأس به حديث ستكون هجرة بعد هجرة وينحاز الناس إلى مهاجر إبراهيم ولا يبقى في الأرض إلا شرارها تلفظهم أرضوهم وتحشرهم النار مع القردة والخنازير تبيت معهم إذا باتوا وتقيل معهم إذا قالوا، وفي حديث أبي ذر عند أحمد والنسائي والبيهقي حدثني الصادق المصدوق أن الناس يحشرون يوم القيامة على ثلاثة أفواج فوج طاعمين كاسين راكبين، وفوج يمشون، وفوج تسحبهم الملائكة على وجوههم .. الحديث، وفيه أنهم سألوا عن السبب في مشي المذكورين فقال: يلقي الله الآفة على الظهر حتى لا يبقى ذات ظهر حتى إن الرجل ليعطي الحديقة المعجبة بالشارف ذات القتب أي يشتري الناقة المسنة لأجل ركوبها تحمله على القتب بالبستان الكريم لهوان العقار على الذي عزم الرحيل عنه، وعزة الظهر الذي يوصله إلى مقصوده، وهذا لائق بأحوال الدنيا، لكن استشكل قوله فيه يوم القيامة. وأجيب بأنه مؤول على أن المراد بذلك أن يوم القيامة يعقب ذلك فيكون من مجاز المجاورة ويتعين ذلك لما وقع فيه أن الظهر يقل لما يلقى عليه من الآفة، وأن الرجل يشتري الشارف بالحديقة المعجبة فإن ذلك ظاهر جدًّا في أنه من أحوال الدنيا لا بعد
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
البعث ومن أين للذين يبعثون بعد الموت حفاة عراة حدائق يدفعونها في الشوارف اهـ من القسطلاني.
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث اثنا عشر حديثًا؛ الأول: حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثاني: حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد، والثالث: حديث حارثة بن وهب ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والرابع: حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستشهاد، والخامس: حديث عبد الله بن زمعة ذكره للاستشهاد، والسادس: حديث أبي هريرة الرابع ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والسابع: حديث أبي هريرة الخامس ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة، والثامن: حديث أبي هريرة السادس ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والتاسع: حديث المستورد بن شداد ذكره للاستدلال به على الجزء الخامس من الترجمة، والعاشر: حديث عائشة ذكره للاستشهاد به على الجزء السادس من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والحادي عشر: حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني عشر: حديث أبي هريرة السابع ذكره للاستشهاد. والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهذا آخر ما يسر الله تعالى لي في آخر المجلد الخامس عشر من هذا التعليق المختصر الذي وضعته مساعدة لطلاب هذا العصر في معرفة اصطلاحات صحيح مسلم لأنهم دفنوها كما دفنت الموءودة لقلة اعتنائهم بها ولكلة هممهم فيها.
وجملة ما شرحنا في هذا المجلد الخامس عشر من الأحاديث الغير المكررة استدلالًا واستشهادًا مائة وثلاث وتسعون (193) وجملة ما فيه من التراجم إحدى وعشرون ترجمة (21).
وهذا آخر ما أولانا الله سبحانه بإتمامه بعدما وفقنا بابتدائه فله الحمد على هذه المنة والشكر له على كل النعمة، ونسأله العفو والعافية والمعافاة الدائمة لنخدم بها أحاديث نبيه صلى الله عليه وسلم كل الخدمة بقدر فهمنا السقيم وطاقتنا البشرية وسائر العلوم الدينية وجميع ما يتعلق بها من العلوم العربية.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وكان الفراغ منه في أواخر يوم الجمعة بعد صلاة العصر الوسطى اليوم الثامن والعشرين من الشهر السادس 28/ 6 / 1428 هـ من الهجرة المصطفية على صاحبها أفضل الصلاة والصلات وأزكى التحيات، وكان الشروع فيه أواخر ليلة الجمعة قبيل صلاة الفجر الليلة العشرين من الشهر الثاني في تاريخ 20/ 2 / 1428 هـ ـ من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية وعلى آله وأصحابه ذوي المقامات السنية وعلى التابعين لهم إلى يوم القيامة، وكانت مدة كتابته أربعة أشهر وستة عشر يومًا تقريبًا.
ولله در من قال:
كرر علي حديثهم يا حادي
…
فحديثهم فيه الشفا لفؤادي
كرر علي حديثهم فلربما
…
لان الحديد بضربة الحداد
والحمد لله الذي تتم به الصالحات، والصلاة والسلام على سيد الخليقات، وعلى آله وأصحابه السادات القادات، وتابعيهم بإحسان إلى يوم القيامات يوم الحشر والمجازات.
تم المجلد الخامس عشر من الكوكب الوهاج والروض البهاج على صحيح مسلم بن الحجاج رحمه الله تعالى ويليه المجلد السادس عشر وأوله باب في صفة يوم القيامة (1).
أعاذنا الله سبحانه من جميع أهوالها بمنه وكرمه وجوده وإحسانه وصلى الله وسلم على سيدنا ومولانا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.
آمين آمين لا أرضى بواحدة
…
حتى أكمل ألف ألف آمينا
* * *
ــ
(1)
وهذا حسب تقسيم المؤلف حفظه الله لنسخته الخطية في (16) مجلدًا، ثم ارتأى حفظه الله بعد دفعه للطباعة أن يكون في (26) مجلدًا.