المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌750 - (15) باب الدخان وانشقاق القمر وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا أحد أصبر من الله" وطلب الكافر الفداء وحشر الكافر على وجهه - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ٢٥

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌ كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار

- ‌736 - (1) باب الحث على ذكر الله تعالى، وبيان عدد أسمائه، والأمر بالعزم في الدعاء، وكراهة تمني الموت، ومن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه

- ‌737 - (2) باب فضل الذكر والدعاء والتقرب إلى الله تعالى، وكراهة الدعاء بتعجيل العقوبة في الدنيا، وفضل مجالس الذكر وكثر ما يدعو به النبي صلى الله عليه وسلم، وفضل التهليل والتسبيح

- ‌739 - (4) باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع، والتعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل

- ‌740 - (5) باب التسبيح أول النهار وعند النوم وعند صياح الديك وعند الكرب وفضل سبحان الله وبحمده والدعاء للمسلم بظهر الغيب وحمد الله بعد الأكل والشرب واستجابة الدعاء ما لم يعجل

- ‌ كتَاب الرقاق والتوبة

- ‌741 - (6) باب أكثر أهل الجنة الفقراء وأكثر أهل النَّار النساء وبيان الفتنة بالنساء وذكر قصة أصحاب الغار الثلاثة والتوسل بصالح العمل

- ‌742 - (7) باب الحض على التوبة والفرح بها وسقوط الذنب بالاستغفار توبة وفضل دوام الذكر والفكر في أمور الآخرة والمراقبة

- ‌743 - (8) باب في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه وقبول التوبة من الذنوب وإن تكررت الذنوب والتوبة

- ‌744 - (9) باب غيرة الله تعالى وقوله: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} وقبول توبة القاتل وإن كثر قتله وفداء المسلم بالكافر من النَّار ومناجاة الله مع المؤمن يوم القيامة

- ‌745 - (10) باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه

- ‌[تتمة]:

- ‌ 747 - (13) باب صفات المنافقين وأحكامهم

- ‌ كتاب في أبواب مختلفة

- ‌748 - (13) باب عجائب يوم القيامة

- ‌749 - (14) باب بدء الخلق وخلق آدم والبعث والنشور ونُزُل أهل الجنة وقوله صلى الله عليه وسلم: "لو تابعني عشرة من اليهود

- ‌750 - (15) باب الدخان وانشقاق القمر وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا أحد أصبر من الله" وطلب الكافر الفداء وحشر الكافر على وجهه

- ‌751 - (16) باب صبغ أنعم أهل الدنيا في النار .. إلخ وجزاء المؤمن بحسناته .. إلخ ومثل المؤمن كالزرع .. إلخ، ومثل المؤمن كالنخلة وتحريش الشيطان وبعثه سراياه لفتنة الناس وذكر أن مع كل أحد من الناس قرين جن

- ‌752 - (17) باب لن يدخل الجنة أحد بعمله، وإكثار الأعمال والاجتهاد في العبادة، واستحباب الاقتصاد في الموعظة

- ‌ كتاب ذكر الموت وما بعده من الجنَّة والنَّار وغيرهما

- ‌753 - (18) باب حفت الجنَّة بالمكاره والنَّار بالشهوات، وفي الجنَّة ما لا عين رأت .. إلخ، وفي الجنَّة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام، والرضوان على أهل الجنَّة وترائي أهل الجنَّة أهل الغرف فوقهم

- ‌754 - (19) باب مودة رؤية النَّبيّ صلى الله عليه وسلم ببذل ماله وأهله، وذكر سوق الجنَّة، وأول زمرة تدخل الجنَّة على صورة القمر، ودوام نعيم أهل الجنَّة، وصفة خيام الجنَّة، وما في الدُّنيا من أنهار الجنَّة

- ‌755 - (20) باب في ذكر أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير وكون أهل الجنَّة على صورة آدم، وفي ذكر شدة حر جهنم وبعد قعرها وما تأخذه من المعذبين وأنها مسكن الجبارين والجنة مسكن الضعفاء والمساكين وذبح الموت

- ‌756 - (21) باب غلظ جلد الكافر، وعظم ضرسه، وعلامات أهل الجنَّة والنَّار، ورؤيته صلى الله عليه وسلم عمرو بن لحي في النَّار، وصنفين من أهل النَّار، وذكر فناء الدُّنيا والحشر يوم القيامة

الفصل: ‌750 - (15) باب الدخان وانشقاق القمر وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا أحد أصبر من الله" وطلب الكافر الفداء وحشر الكافر على وجهه

‌750 - (15) باب الدخان وانشقاق القمر وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا أحد أصبر من الله" وطلب الكافر الفداء وحشر الكافر على وجهه

6893 -

(2768)(128) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ. قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ جُلُوسًا. وَهُوَ مُضْطَجِعٌ بَيْنَنَا. فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنَّ قَاصًّا عِنْدَ أَبْوابِ كِنْدَةَ يَقُصُّ وَيزْعُمُ؛ أَنَّ آيَةَ الدُّخَانِ تَجِيءُ فَتَأْخُذُ بِأَنْفَاسِ الْكُفَّارِ

ــ

750 -

(15) باب الدخان وانشقاق القمر وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا أحد أصبر من الله" وطلب الكافر الفداء وحشر الكافر على وجهه

ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأول من الترجمة وهو الدخان بحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال:

6893 -

(2768)(128)(حدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي أبي عثاب الكوفي، ثقة، من (5) روى عنه في (20) بابًا (عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح الهمداني الكوفي، ثقة، من (4) روى عنه في (6) أبواب (عن مسروق) بن الأجدع بن مالك الهمداني، ثقة مخضرم، من (2) روى عنه في (14) بابًا (قال) مسروق:(كنا) يومًا (عند عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه (جلوسًا وهو) أي والحال أن عبد الله (مضطجع بيننا) وهذا السند من سداسياته (فأتاه) أي فأتى ابن مسعود (رجل) من المسلمين لم أقف على اسمه قاله الحافظ في الفتح (فقال) له ذلك الرجل (يا أبا عبد الرحمن) كنية ابن مسعود (إن قاصًا) من القُصاص والمراد بالقاص الواعظ وفي الأصل من يقص القصص والأخبار الماضية فأُطلق على الواعظ لأنه يكثر من الاستشهاد بالقصص أي إن واعظًا وحاكيًا يعظ الناس في عادته (عند أبواب كندة) وفي رواية عند باب كندة بالإفراد، وفي رواية البخاري يُحدث في كندة وباب كندة هو باب بالكوفة، وكندة بكسر الكاف وسكون النون اسم قبيلة مشهورة أُضيفت الباب إليهم لأنه في حارتهم (يقص) خبر إن أي يعظ الناس (ويزعم) أي يقول في وعظه قولًا مخالفًا للصواب لأنه يزعم (أن آية الدخان تجيء) يوم القيامة (فتأخذ بأنفاس الكفار) جمع نفس بفتح الفاء وسكونها أي أن الدخان

ص: 404

وَيأْخُذُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ كَهَيْئَةِ الزُّكَامِ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ، وَجَلَسَ وَهُوَ غَضْبَانُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، اتَّقُوا اللَّهَ. مَنْ عَلِمَ مِنْكُمْ شَيْئًا، فَلْيَقُلْ بِمَا يَعْلَمُ. وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ، فَلْيَقُلِ: اللَّهُ أَعْلَمُ. فَإِنَّهُ أَعْلَمُ لأَحَدِكُمْ أَنْ يَقُولَ، لِمَا لَا يَعْلَمُ: اللَّهُ أَعْلَمُ، فَإِنَّ اللَّهَ عز وجل قَالَ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم:{قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86)} [ص: 86] إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا رَأَى

ــ

المذكور في آية سورة الدخان يجيء يوم القيامة فيأخذ ويقبض بأرواح الكفار والمنافقين أي يميتهم (ويأخذ) ذلك الدخان (المؤمنين) أي يصيبهم (منه) أي من ذلك الدخان (كهيئة الزكام) أي مثل الزكام وهو مرض معروف يأخذ الناس بالسعال والمخاط، وفي رواية البخاري في تفسير سورة الروم (بينما رجل يحدّث في كندة فقال: يجيء دخان يوم القيامة فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم ويأخذ المؤمن كهيئة الزكام) وحاصل قوله أنه فسر قوله تعالى: {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ} فذكر أن آية الدخان لم تأت بعد وإنما ستأتي بقرب من القيامة فتأخذ بأنفاس الكفار ولا يصيب المؤمنين منها إلا مرض يسير كالزكام (فقال عبد الله و) قد (جلس وهو غضبان يا أيها الناس اتقوا الله) عز وجل فلا تقولوا على الله ما لم يقل (من علم منكم شيئًا) مما قال الله ورسوله (فليقل بما يعلم) عن رسوله إذا سئل عنه (ومن لم يعلم) شيئًا مما سُئل عنه (فليقل الله أعلم) به (فإنه) أي فإن الشأن والحال (أعلم لأحدكم) خبر مقدم لقوله: (أن يقول لما لا يعلم الله أعلم) والجملة الفعلية في تأويل مصدر مرفوع على كون مبتدأ مؤخرًا، والجملة الاسمية خبر لأن واسمها ضمير الشأن، والتقدير فإنه قول أحدكم فيما لا يعلم الله أعلم أقرب له إلى علمه فإنه علم جهل نفسه وفوّض العلم إلى العليم الحكيم، وفي الرواية الآتية: أن يقول لما لا علم له به: الله أعلم، وفي رواية البخاري المذكورة (فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم لا أعلم) وهي أوضح لأن تمييز المعلوم من المجهول نوع من العلم، وليس المراد أن عدم العلم يكون علمًا اهـ قسطلاني (فإن الله عز وجل قال لنبيه صلى الله عليه وسلم قل ما أسألكم عليه) أي على تبليغ ما أُوحي إليّ (من أجر) أي من أجرة ({وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86]) أي من المكلِّفين أنفسهم بقول ما لا يعلمون، والقول فيما لا يعلم قسم من التكلف وفيه تعريض بالرجل القائل يجيء دخان يوم القيامة .. إلخ وإنكار عليه ثم بين عبد الله قصة الدخان فقال:(إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى) وعلم

ص: 405

مِنَ النَّاسِ إِدْبَارًا. فَقَالَ: "اللَّهُمَّ، سَبْعٌ كَسَبْعِ يُوسُفَ" قَالَ: فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ حَصَّتْ كُلَّ شَيْءٍ. حَتَّى أَكَلُوا الْجُلُودَ وَالْمَيْتَةَ مِنَ الْجُوعِ. وًينْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ أَحَدُهُمْ فَيَرَى كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ. فَأَتَاهُ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّكَ جِئْتَ تَأْمُرُ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَبِصِلَةِ الرَّحِمِ. وَإِنَّ قَوْمَكَ قَدْ

ــ

(من الناس) أي من كفار قريش، فاللام فيه للعهد الذهني (إدبارًا) وإعراضًا عن قبول الإسلام وإباءً منه، وفي الرواية الآتية:(إنما كان هذا أن قريشًا لما استعصت على النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية البخاري المذكورة (وإن قريشًا أبطأوا عن الإسلام) دعا عليهم (فقال) في دعائه عليهم: (اللهم) مطلوبي ومسؤولي عليهم (سبع) من السنين (كسبع يوسف) الصديق عليه الصلاة والسلام أي مثل سبع سنين الحاصلة في زمن يوسف بن يعقوب التي أخبر الله تعالى عنها في التنزيل بقوله: {ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ} وقوله: (سبع) بالرفع وارتفاعه على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره أي البلاء المطلوب عليهم سبع سنين كالسنين السبع التي كانت في زمن يوسف ويجوز أن يكون ارتفاعه على أنه فاعل كان التامة تقديره وليكن سبع والله أعلم كذا في العيني، وفي الرواية الآتية:(دعا عليهم بسنين كسني يوسف) وفي رواية للبخاري: (اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف) والحاصل أنه صلى الله عليه وسلم دعا عليهم بنزول القحط (قال) ابن مسعود: (فأخذتهم) أي فأخذت الناس وأهلكتهم (سنة) أي سنة ذات قحط وجدب والمراد بالسنة القحط والجدب ومنه قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ} (حصت كل شيء) بفتح الحاء والصاد المهملتين مع تشديد الصاد أي أعدمت واستأصلت كل شيء من النبات والأشجار يقال: سنة حصّاء أي جدبة قليلة النبات فاضطرَّهم الجوع (حتى أكلوا الجلود) المدبوغة (والميتة من) شدة (الجوع) بهم (وينظر إلى السماء أحدهم فيرى كهيئة الدخان) أي مثل هيئة الدخان لضعف بصره بسبب الجوع يعني يخيل إليه أن هناك دخانًا يعلو إلى السماء، فإن من أصيب بالجوع الشديد فإنه يشعر ما بين السماء والأرض كأنه دخان وليس دخانًا في الحقيقة (فأتاه) أي فأتى النبي صلى الله عليه وسلم (أبو سفيان) صخر بن حرب الأموي بمكة أو بالمدينة (فقال) أبو سفيان لرسول الله صلى الله عليه وسلم:(يا محمد إنك جئت) إلى الناس حالة كونك (تأمر) هم (بطاعة الله) تعالى وعبادته (وبصلة الرحم) أي بوصله بما تقدر عليه (وإن قومك) ذوي رحمك (قد

ص: 406

هَلَكُوا. فَادْعُ اللَّهَ لَهُمْ. قَالَ اللهُ عز وجل: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} [الدخان: 10 - 15].

قَالَ: أَفَيُكْشَفُ عَذَابُ الآخِرَةِ؟ {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16)} [الدخان: 16]

ــ

هلكوا) من الجدب والجوع بدعائك عليهم (فادع الله لهم) بأن يكشف عنهم ما بهم فإن كشف عنهم آمنوا، وفي هذه الرواية هنا حذف كما تبينه الرواية الآتية قال عبد الله:(فدعا الله لهم فأنزل الله عز وجل {إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ}) أي القحط عنهم ({قَلِيلًا}) أي كشفًا قليلًا أو زمانًا قليلًا ({إِنَّكُمْ عَائِدُونَ}) إلى الكفر والتكذيب، قال عبد الله: فمُطروا فلما أصابتهم الرفاهية، قال: عادوا إلى ما كانوا عليه من الكفر والتكذيب (قال) عبد الله: (قال الله عز وجل: {فَارْتَقِبْ}) أي انتظر بهم يا محمد عذاب ({يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ}) أي بيّن واضح يراه كل أحد من شدة الجوع ({يَغْشَى النَّاسَ}) أي يغطي ذلك الدخان أعين الناس من قريش من الجوع ويُحيط بهم حالة كونهم قائلين هذا عذاب أليم أي ({هَذَا}) الدخان ({عَذَابٌ أَلِيمٌ}) أي مؤلم لنا، وقوله:(إلى قوله: {إِنَّكُمْ عَائِدُونَ}) غاية للآية الأولى كما قدرناه أولًا بقولنا: (إما كاشفوا العذاب قليلًا إنكم عائدون) فهذه الغاية مؤخرة عن محلها في هذه الرواية ففي هذه الرواية تقديم وتأخير وحذف كما تبينه الرواية الآتية (قال) ابن مسعود: (أفيكشف) عنهم (عذاب الآخرة) فالهمزة للاستفهام الإنكاري داخلة على محذوف تقديره أيقول ذلك الرجل القاص سيأتي الدخان يوم القيامة فهل يكشف عنهم عذاب الآخرة إذا جاء؛ لا بل الدخان دخان الجوع الذي أخذ قريشًا، قال النووي: قوله: (أفيكشف عذاب الآخرة) هذا استفهام إنكار على من يقول إن الدخان يكون يوم القيامة كما صرح به في الرواية الثانية، فقال ابن مسعود: هذا قول باطل لأن الله تعالى قال: {إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15)} ومعلوم أن كشف العذاب ثم عودهم لا يكون في الآخرة وإنما هو في الدنيا اه، وقال ابن عطية: اختلف في الدخان الذي أمر الله بارتقابه فقال عليٌّ وجماعة: هو دخان يجيء يوم القيامة يأخذ المؤمن منه مثل الزكام وينضج رؤوس الكفار حتى كأنها مصلية حنيذة أي مشوية، وقال ابن مسعود وجماعة: هو الدخان الذي رأت قريش .. إلخ اه أبي، وقال عبد الله وأنزل الله تعالى ({يَوْمَ نَبْطِشُ}) أي يوم نأخذهم ({الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى}) أي الأخذة العظمى ({إِنَّا مُنْتَقِمُونَ}) منهم، قال:

ص: 407

فَالْبَطْشَةُ يَوْمَ بَدْرٍ. وَقَدْ مَضَتْ آيَةُ الدُّخَانِ، وَالْبَطْشَةُ، وَاللِّزَامُ، وَآيَةُ الرُّومِ.

6894 (00)(00) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيةَ وَوَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ. أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ. كُلُّهُمْ عَنِ الأعمَشِ. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو كُرَيْبٍ، (وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى)، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوَيةَ، عَنِ الأعمَشِ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ صُبَيْحٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ. قَالَ: جَاءَ إِلَى عَبْدِ اللهِ رَجُل

ــ

(فالبطشة) الكبرى المذكورة في هذه الآية كانت (يوم بدر) بالأسر والقتل (وقد مضت آية الدخان) يعني قوله هنا {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ} (والبطشة) المذكورة آنفًا (واللزام) يعني في قوله تعالى: {فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا} أي يكون عذابهم لازمًا لهم قالوا وهو ما جرى عليهم يوم بدر من القتل والأسر وهي البطشة الكبرى (وآية الروم) يعني به قوله تعالى: {الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} وقد مضت غلبة الروم على فارس يوم الحديبية.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في سورة الدخان باب {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10)} [4822]، والترمذي في تفسير سورة الدخان [3251].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال:

6894 -

(00)(00)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية ووكيع ح وحدثني أبو سعيد الأشج) عبد الله بن سعيد الكندي الكوفي (أخبرني وكيع ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير) بن عبد الحميد (كلهم) أي كل من أبي معاوية ووكيع وجرير رووا (عن الأعمش ح وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (وأبو كريب) محمد بن العلاء (واللفظ ليحيى قالا: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مسلم بن صبيح) أبي الضحى (عن مسروق) بن الأجدع الهمداني (قال) مسروق (جاء إلى عبد الله) بن مسعود (رجل) من المسلمين، قال الحافظ: لم أقف على اسمه. وغرضُ المؤلف بسوق هذه الأسانيد الأربعة بيان متابعة الأعمش لمنصور بن المعتمر في رواية

ص: 408

فَقَالَ: تَرَكْتُ في الْمَسْجِدِ رَجُلًا يُفَسِّرُ الْقُرْآنَ بِرَأْيِهِ. يُفَسِّرُ هَذِهِ الآيَةَ: {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10)} [الدخان: 10]. قَالَ: يَأْتِي النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ دُخَان فَيَأْخُذُ بِأَنْفَاسِهِمْ. حَتَّى يَأخُذَهُمْ مِنْهُ كَهَيْئَةِ الزُّكَامِ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: مَنْ عَلِمَ عِلْمًا فَلْيَقُلْ بِهِ. وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلْيَقُلِ: اللهُ أَعْلَمُ. فَإِن مِنْ فِقْهِ الرَّجُلِ أَنْ يَقُولَ، لِمَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ: اللَّهُ أَعْلَمُ. إِنَّمَا كَانَ هَذَا؛ أَنَّ قُرَيْشًا لَمَّا اسْتَعْصَتْ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، دَعَا عَلَيْهِمْ بِسِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ. فَأَصَابَهُمْ قَحْطٌ وَجَهْدٌ. حَتى جَعَلَ الرَّجُلُ يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ فَيَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ مِنَ الْجَهْدِ. وَحَتى أَكَلُوا الْعِظَامَ

ــ

هذا الحديث عن أبي الضحى (فقال) ذلك الرجل لعبد الله (تركتُ في المسجد) الكندي (رجلًا يفسر القرآن برأيه) لا بروايته (يفسر هذه الآية) يعني قوله تعالى: (يوم تأتي السماء بدخان مبين قال) ذلك الرجل في تفسيرها (يأتيَ الناس) بالنصب على المفعولية المقدمة (يوم القيامة) بالنصب على الظرفية (دخان) بالرفع على الفاعلية المؤخرة (فيأخذ) ذلك الدخان (بأنفاسهم) جمع نفس (حتى يأخذهم) أي يأخذ الناس (منه) أي من ذلك الدخان (كهيئة الزكام) أي مثل هيئة الزكام فالكاف اسم بمعنى مثل في محل الرفع فاعل ليأخذ (فقال عبد الله) منكرًا لتفسير الرجل (من علم علمًا) بالنقل والرواية (فليقل به) فليخبر بذلك العلم المعلوم إذا سئل عنه (ومن لم يعلمـ) ـه (فليقل الله أعلم فإن من فقه الرجل) وعلمه (أن يقول لما لا علم له به الله أعلم) قال عبد الله كما هو مصرح في رواية البخاري (إنما كان هذا) القحط والجهد اللذان أصابا قريشًا حتى رأوا بينهم وبين السماء كالدخان من شدة الجوع لـ (أن قريشًا لما استعصت على النبي صلى الله عليه وسلم أي حين أظهروا العصيان والمخالفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتركوا الشرك (دعا عليهم) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بسنين) قحط (كسني يوسف) الصديق عليه السلام المذكورة في سورته (فأصابهم قحط) أي انقطاع مطر وقلة ماء (وجهد) بفتح الجيم وضمها أي مشقة شديدة من جوع وعطش (حتى جعل) وشرع (الرجل) منهم (ينظر إلى السماء فيرى) الرجل (بينه وبينها) أي وبين السماء (كهيئة الدخان) أي مثل خيال الدخان (من) أجل شدة (الجهد) أي الجوع لضعف بصره أو لأن الهواء يظلم عام القحط لقلة الأمطار وكثرة الغبار (وحتى أكلوا العظام) والميتة معطوف على حتى الأولى

ص: 409

فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجُل فَقالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اسْتَغْفِرِ اللَّهَ لِمُضَرَ فَإِنَّهُمْ قَدْ هَلَكُوا. فَقَالَ:"لِمُضَرَ؟ إِنَّكَ لَجَرِيءٌ" قَالَ: فَدَعَا اللَّهَ لَهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل:{إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15)} [الدخان: 15] قَالَ:

ــ

(فأتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل) منهم، والآتي هو أبو سفيان كما في الرواية الأولى وعند البخاري، لكن في المعرفة لابن منده في ترجمة كعب بن مرة قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على مضر فأتيته فقلت: يا رسول الله قد نصرك الله وأعطاك واستجاب لك، وإن قومك قد هلكوا فادع الله لهم. فهذا أولى أن يُفسر به القائل بقوله يا رسول الله بخلاف أبي سفيان فإنه وإن كان جاء أيضًا مستشفعًا لكنه لم يكن أسلم حينئذٍ، ولأبي ذر فقيل له: يا رسول الله استسق الله لمضر .. إلخ (فقال) الرجل الجائي: (يا رسول الله استغفر الله لمضر فإنهم قد هلكوا) بالجدب والقحط، قال النووي: هكذا وقع في جميع نسخ مسلم (استغفر الله لمضر) وفي البخاري (استسق الله لمضر) قال القاضي: قال بعضهم: استسق هو الصواب اللائق بالحال لأنهم كفار لا يدعى لهم بالمغفرة. [قلت] كلاهما صحيح فمعنى استسق اطلب المطر والسقيا ومعنى استغفر ادع الله لهم الهداية التي يترتب عليها الاستغفار اه. قال في الفتح: إنما قال لمضر لأن غالبهم كان بالقرب من مياه الحجاز وكان الدعاء بالقحط على قريش وهم سكان مكة فسرى القحط إلى من حولهم اه (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم مجيبًا لأبي سفيان أو كعب بن مرة: "أتأمرني أن أستسقي"(لمضر) مع ما هم عليه من معصية الله والإشراك به (إنك) أيها السائل (لجريء) أي لذو جراءة وشجاعة حيث تشرك بالله وتطلب رحمته، قال الأبي: هذا على وجه التقرير والتعريف بكفرهم واستعظام ما سأل لهم أي فكيف يستغفر أو يستسقي لهم وهم عدو الدين، ويصح هذا عندي على ما ذكر مسلم من لفظ استغفر لأن الإنكار إنما هو للاستغفار الذي سأل لهم بدليل أنه عدل عنه إلى الدعاء بالسقي ولو كان استعظامه إنما هو لطلب السقيا لم يستسق لهم اه (قال) عبد الله:(فدعا الله) عز وجل (لهم) رسول الله صلى الله عليه وسلم السقيا وكانوا قد وعدوا بالإيمان إن كشف عنهم العذاب (فانزل الله عز وجل: {إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ}) أي القحط كشفًا ({قَلِيلًا}) أو زمانًا قليلًا ({إِنَّكُمْ عَائِدُونَ}) إلى الكفر، غب الكشف (قال)

ص: 410

فَمُطِرُوا. فَلَمَّا أَصَابَتْهُمُ الرَّفَاهِيَةُ، قَالَ: عَادُوا إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ. قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11)} [الدخان: 10، 11]{يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16)} [الدخان: 16] قَالَ: يَعنِي يَومَ بَدرٍ.

6895 -

(00)(00) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: خَمْسْ قَدْ مَضَيْنَ: الدُّخَانُ، وَاللِّزَامُ، وَالرُّومُ، وَالْبَطْشَةُ، وَالْقَمَرُ

ــ

عبد الله: (فمُطروا) بالبناء للمجهول (فلما أصابتهم الرفاهية) بتخفيف التحتية بعد الهاء المكسورة على وزن الكراهية أي السعة والراحة (قال) عبد الله: (عادوا إلى ما كانوا عليه) من الإشراك (قال) عبد الله: (فأنزل الله عز وجل {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الدخان: 10، 11] قال عبد الله: وأنزل الله أيضًا {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} [الدخان: 16](قال) عبد الله: (يعني) الله سبحانه بالبطشة الكبرى (يوم بدر) أي عذابه بالقتل والأسر.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في هذا الحديث فقال:

6895 -

(00)(00)(حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا جرير) بن عبد الحميد (عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة قتيبة لعثمان بن أبي شيبة (قال) عبد الله:(خمس) آيات (قد مضين) أي وقعن (الدخان) الحاصل لقريش بسبب القحط (واللزام) وهو الأسر والهلكة يوم بدر (والروم) أي غلبتهم لفارس (والبطشة) الكبرى يوم بدر (والقمر) أي انشقاقه لكن أخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن علي قال: آية الدخان لم تمض بعد ياخذ المؤمن كهيئة الزكام وينفخ الكافر حتى ينقد، ولمسلم من حديث أبي سريحة بمهملتين مصغرًا حذيفة بن أسيد بفتح الهمزة الغفاري رفعه "لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات طلوع الشمس من مغربها والدخان والدابة .. " الحديث اه قسطلاني.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال:

ص: 411

6896 -

(00)(00) (حدّثنا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. حَدَّثَنَا الأعمَشُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.

6897 -

(2769)(129) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَزْرَةَ، عَنِ الْحَسَنِ الْعُرَنِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزارِ، عَنْ عَبدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أُبَى بْنِ كَعْبٍ، في قَوْلِهِ عز وجل:{وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ} [السجدة: 21] قَالَ:

ــ

6896 -

(00)(00)(حدثنا أبو سعيد الأشج) عبد الله بن سعيد الكندي (حدثنا وكيع حدثنا الأعمش بهذا الإسناد) يعني عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة وكيع لجرير بن عبد الحميد وساق وكيع (مثله) أي مثل حديث جرير.

ثم استشهد المؤلف لحديث ابن مسعود بحديث أُبي بن كعب رضي الله عنهما فقال:

6897 -

(2769)(129)(حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا: حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة واللفظ له حدثنا غندر عن شعبة عن قتادة عن عزرة) بن عبد الرحمن بن زرارة الخزاعي الكوفي، ثقة، من (6) روى عنه في (3) أبواب (عن الحسن) بن عبد الله (العرني) نسبة إلى عرينة بطن من بجيلة الكوفي، ثقة، من (4) روى عنه في (3) أبواب (عن يحيى بن الجزار) العرني الكوفي، قيل اسم أبيه زبّان، صدوق، من (3) روى عنه في (2)(عن عبد الرحمن بن أبي ليلى) يسار الأنصاري الأوسي أبي عيسى الكوفي، ثقة، من (2) روى عنه في (9) أبواب (عن أُبي بن كعب) بن قيس بن عبيد الأنصاري الخزرجي أبي المنذر الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من تساعياته، أي روى ابن أبي ليلى عن أُبي بن كعب (في) تفسير (قوله عز وجل ولنذيقنهم) أي وعزتي وجلالي لنذيقن الذين أشركوا (من العذاب الأدنى) أي من العذاب الأصغر في الدنيا (دون العذاب الأكبر) أي قبل إذاقتهم العذاب الأكبر في الآخرة ([السجدة/ 21]) (قال) أُبي: هو أي العذاب الأدنى

ص: 412

مَصَائِبُ الدُّنْيَا، وَالرُّومُ، وَالْبَطْشَةُ، أَوِ الدُّخَانُ (شُعْبَةُ الشَّاكُّ في الْبَطْشَةِ أَوِ الدُّخَانِ).

6898 -

(2770)(130) حدّثنا عَمْرٌو النَّاقِدُ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِشِقَّتَيْنِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "اشْهَدُوا"

ــ

(مصائب الدنيا) في النفس والمال والأولاد (والروم والبطشة) الكبرى (أو) قال قتادة (الدخان) بدل البطشة، قال غندر (شعبة) هو (الشك في) ما قال له قتادة من أي اللفظين من (البطشة أو الدخان).

وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات رحمهم الله تعالى.

ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثاني من الترجمة وهو انشقاق القمر بحديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال:

6898 -

(2770)(130)(حدثنا عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (وزهير بن حرب قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن) عبد الله (بن أبي نجيح) يسار الثقفي أبي يسار المكي، ثقة، من (6) روى عنه في (6) أبواب (عن مجاهد) بن جبر المخزومي مولاهم أبي الحجاج المكي، المقرئ المفسر، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن أبي معمر) عبد الله بن سخبرة الأسدي الكوفي، ثقة، من (2) روى عنه في (5) أبواب (عن عبد الله) بن مسعود الهذلي الكوفي الصحابي المشهور رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (قال) عبد الله:(انشق القمر) أي انتصف القمر (على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أي في زمن حياته (بشقتين) بكسر الشين وتشديد القاف أي نصفين، وفي رواية شعبة الآتية بعد ست روايات (فرقتين) (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن حوله:(اشهدوا) على وقوع هذه المعجزة، وإنما أشهدهم على وقوعها ليكون حجة على من ينكرها، وأخرج البيهقي في الدلائل [2/ 266] من طريق أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: انشق القمر بمكة حتى صار فرقتين فقال كفار أهل مكة: هذا سحر يسحركم به ابن أبي كبشة انظروا إلى السُفّار

ص: 413

6899 -

(00)(00) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. جَمِيعًا عَنْ أَبِي مُعَاوِيةَ. ح وَحَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. كِلَاهُمَا عَنِ الأعمَشِ. ح وَحَدَّثَنَا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ التَّمِيمِيُّ، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، أَخْبَرَنَا ابْنُ مُسْهِرٍ،

ــ

أي المسافرين فإن كانوا رأوا ما رأيتم فقد صدق وإن كانوا لم يروا ما رأيتم فهو سحر لسحركم به، قال: فسُئل السُفّار، قال: وقدموا من كل وجه فقالوا: رأينا. وقد أخرج البخاري رقم 3869 طرفًا من هذا الحديث، وقد أخرج أبو نعيم سبب ذلك بسند ضعيف ولفظه في دلائل النبوة له [1/ 386 و 209] قال ابن عباس رضي الله عنه: اجتمع المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم الوليد بن المغيرة وأبو جهل بن هشام والأسود بن عبد يغوث والأسود بن عبد المطلب بن أسد بن عبد العزى وزمعة بن الأسود والنضر بن الحارث ونظراؤهم كثير فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن كنت صادقًا فشق القمر لنا فرقتين نصفًا على أبي قبيس ونصفًا على قيقعان فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن فعلت تؤمنوا" قالوا: نعم، وكانت ليلة بدر فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل أن يعطيه ما سألوا فأمسى القمر قد مثل نصفًا على أبي قيس ونصفًا على قيقعان ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي:"يا أبا سلمة بن عبد الأسد والأرقم بن أبي الأرقم اشهدوا".

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في باب انشقاق القمر [38691 و 3871]، والترمذي في تفسير سورة القمر [3281 و 3283].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال:

6899 -

(00)(00)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب وإسحاق بن إبراهيم جميعًا عن أبي معاوية ح وحدثنا عمر بن حفص بن غياث) بن طلق النخعي الكوفي، ثقة، من (10)(حدثنا أبي) حفص بن غياث، ثقة، من (8)(كلاهما) أي كل من أبي معاوية وحفص بن غياث رويا (عن الأعمش ح وحدثنا منجاب بن الحارث) بن عبد الرحمن (التميمي) الكوفي، ثقة، من (10) روى عنه في (5) أبواب (واللفظ له) أي لمنجاب (أخبرنا) علي (بن مسهر) القرشي الكوفي، ثقة، من (8) روى عنه في (15) بابًا

ص: 414

عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ. قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمِنًى، إِذَا انْفَلَقَ الْقَمَرُ فِلْقَتَيْنِ. فَكَانَتْ فِلْقَةَ وَرَاء الْجَبَلِ، وَفِلْقَةٌ دُونَهُ. فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"اشْهَدُوا".

6900 -

(00)(00) حدّثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى

ــ

(عن الأعمش عن إبراهيم) النخعي الكوفي (عن أبي معمر) عبد الله بن سخبرة الأسدي الكوفي (عن عبد الله بن مسعود) رضي الله عنه. وهذه الأسانيد كلها من سداسياته، غرضه بسوقها بيان متابعة إبراهيم النخعي لمجاهد بن جبير (قال) عبد الله:(بينما نحن) جالسون (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى إذا انفلق) وانشق (القمر فلقتين) بكسر الفاء وسكون اللام أي قطعتين (فكانت فلقة) أي قطعة سقطت (وراء الجبل) أي جبل حراء أي خلفه، وفي رواية (فرقة فوق الجبل)(وفلقة دونه) أي دون الجبل أي أسفله والمراد أنهما تباينتا فإحداهما إلى جهة العلو والأخرى إلى السفل اه تحفة (فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم اشهدوا) أي على نبوتي أو على معجزتي من الشهادة، وقيل معناه احضروا وانظروا من الشهود اه تحفة، قال القاضي عياض: انشقاق القمر من أمهات معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم وقد رواها عدة من الصحابة رضي الله عنهم مع ظاهر الآية الكريمة وسياقها، قال الزجاج: وقد أنكرها بعض المبتدعة المضاهين لمخالفي الملة وذلك لما أعمى الله قلبه ولا إنكار للعقل لأن القمر مخلوق لله تعالى يفعل فيه ما يشاء كما يفنيه ويكوّره في آخر أمره اه نووي.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن مسعود رضي الله عنه فقال:

6900 -

(00)(00)(حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري حدثنا أبي) معاذ بن معاذ (حدثنا شعبة عن الأعمش عن إبراهيم عن أبي معمر عن عبد الله بن مسعود) رضي الله عنه. وهذا السند من سباعياته، غرضه بيان متابعة شعبة لأبي معاوية وحفص بن غياث وعلي بن مسهر في الرواية عن الأعمش (قال) ابن مسعود (انشق القمر) أي افترق (على

ص: 415

عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِلْقَتَيْنِ. فَسَتَرَ الْجَبَلُ فِلْقَةً. وَكَانَتْ فِلْقَةٌ فَوْقَ الْجَبَلِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ اشْهَدْ".

6901 -

(2771)(131) حدَّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ، عَنِ النبِيِّ صلى الله عليه وسلم، مِثْلَ ذلِكَ.

6902 -

(00)(00) وَحَدَّثَنِيهِ بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ. كِلَاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ

ــ

عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقتين) أي قطعتين (فستر) علينا (الجبل) أي جبل حراء (فلقة) وهي التي سقطت وراء الجبل (وكانت فلقة) واحدة منهما سقطت (فوق الجبل) وأعلاه (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم اشهد) لي على هذه المعجزة.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عبد الله بن مسعود بحديث ابن عمر رضي الله عنهم فقال:

6901 -

(2771)(131)(حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عمر) رضي الله عنهما (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من سداسياته، وساق ابن عمر (مثل ذلك) أي مثلى ما حدّث ابن مسعود وهذا متابعة في الشاهد وهي قليلة في كتابه كما مر مرارًا فالمراد متابعة ابن عمر لابن مسعود.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي في تفسير سورة القمر [3284].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:

6902 -

(00)(00)(وحدثنيه) أي وحدثني هذا الحديث يعني حديث ابن عمر (بشر بن خالد) الفرائضي نسبة إلى علم الفرائض العسكري ثم البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (أخبرنا محمد بن جعفر ح وحدثنا محمد بن بشار حدثنا) محمد بن إبراهيم (بن أبي عدي) السلمي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (8) أبواب (كلاهما) أي كل من محمد بن جعفر وابن أبي عدي رويا (عن شعبة) غرضه بسوق هذين

ص: 416

بِإِسْنَادِ ابْنِ مُعَاذٍ، عَنْ شُعْبَةَ، نَحْوَ حَدِيثِهِ. غَيْرَ أن في حَدِيثِ ابْنِ أَبِي عَدِيٍّ: فَقَالَ "اشْهَدُوا، اشْهَدُوا".

6903 -

(2772)(132) حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعَندُ بْنُ حُمَيْدٍ. قَالَا: حَدَّثَنَا يُونُسُ ابْنُ مُحَمَّدٍ. حَدَّثَنَا شَيْبَانُ. حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ؛ أَن أَهْلَ مَكةَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً. فَأَرَاهُمُ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ، مَرَّتَيْنِ

ــ

السندين بيان متابعتهما لمعاذ بن معاذ وساقا (بإسناد) معاذ (بن معاذ عن شعبة) يعني عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عمر (نحو حديثه) أي نحو حديث معاذ بن معاذ (غير أن) أي لكن أن (في حديث ابن أبي عدي فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن عنده: (أشهدوا اشهدوا) مرتين بإسناده إلى ضمير جمع الذكور بخلاف رواية ابن معاذ فإنه قال في روايته: اللهم اشهد بالإفراد بإسناده إلى الله سبحانه.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن مسعود بحديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنهما فقال:

6903 -

(2772)(132)(حدثني زهير بن حرب وعبد بن حميد) بن نصر الكسي، ثقة، من (11) (قالا: حدثنا يونس بن محمد) بن مسلم البغدادي المؤدب، ثقة، من (9) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا شيبان) بن عبد الرحمن التميمي مولاهم النحوي نسبة إلى نحو بن عبد شمس من الأزد، ثقة، من (7) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا قتادة عن أنس) بن مالك رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية) أي معجزة على صدقه (فأراهم انشقاق القمر مرتين) أي في ليلتين.

وهذا الحديث ظاهره أن انشقاق القمر وقع مرتين وذلك مخالف لما أطبق عليه أهل السير أن هذه معجزة وقعت مرة فقط، وأغرب الحافظ أبو الفضل كما نقل عنه الحافظ ابن حجر فقال انشق القمر مرتين بالإجماع، وقد رد عليه المحققون ومال الحافظ ابن حجر إلى أن رواية مرتين مرجوحة، والراجح الروايات التي وردت بلفظ شقتين أو فرقتين أو فلقتين، وقد اختلف في هذا اللفظ على قتادة عن أنس فرواه شعبة فرقتين كما سيأتي ورواه معمر وشيبان مرتين وكذلك رواه سعد بن أبي عروبة عن قتادة

ص: 417

6904 -

(00)(00) وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، بِمَعْنَى حَدِيثِ شَيْبَانَ

ــ

بلفظ مرتين، ولكن اختلف عن كل من سعيد ومعمر وشيبان فروي عنهم بلفظ مرتين وبغيره ولم يُختلف على شعبة وهو أحفظهم كذا قال الحافظ في الفتح ثم قال: لم يقع في شيء من طرق حديث ابن مسعود بلفظ مرتين وهذا تسامح من الحافظ رحمه الله، فإن البيهقي أخرج حديث ابن مسعود في الدلائل بلفظ شقتين مرتين وتكلم ابن القيم على هذه الرواية، فقال: المرات يراد بها الأفعال تارة والأعيان أخرى والأول أشهر ومن الثاني انشق القمر مرتين، وقد خفي على بعض الناس فادعى أن انشقاق القمر وقع مرتين وهذا مما يعلم أهل الحديث والسير أنه غلط فإنه لم يقع إلا مرة واحدة، وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله في الرواية التي فيها مرتين نظر، ولعل قائلها أراد فرقتين وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله بعد نقله: وهذا الذي لا يتجه غيره جمعًا بين الروايات والله أعلم.

ولا يعارض قول أنس في هذا الحديث أن ذلك كان بمكة ما سبق في حديث ابن مسعود من قوله بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى لأن أنسًا لم يصرّح بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان ليلتئذ بمكة وعلى تقدير تصريحه فمنى من جملة مكة فلا تعارض.

وشارك المؤلف في رواية حديث أنس البخاري في مواضع منها في باب انشقاق القمر [3868] وفي تفسير سورة اقتربت الساعة باب انشق القمر [4867 و 4868]، والترمذي في تفسير سورة القمر [3282].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

6904 -

(00)(00)(وحدثنيه محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدثنا عبد الرزاق) الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن قتادة عن أنس) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة معمر لشيبان وساق معمر (بمعنى حديث شيبان) لا بلفظه لأن المتابعة في المعنى عبارة عن الحديث اللاحق الموافق للسابق في جميع معناه دون لفظه كما تقدم في المقدمة.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

ص: 418

6905 -

(00)(00) (وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَأَبُو دَاوُدَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ وَأَبُو دَاوُدَ. كُلَّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ. قَالَ: انْشَق الْقَمَرُ فِرْقَتَيْنِ.

وَفِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ: انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

6906 -

(2774)(133) حدّثنا مُوسَى بْنُ قُرَيْشِ التَّمِيمِيُّ. حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ بَكْرِ بْنِ مُضَرَ. حَدَّثَنِي أَبِي. حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ،

ــ

6905 -

(00)(00)(وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر وأبو داود) الطيالسي سليمان بن داود بن الجارود البصري (ح وحدثنا) محمد (بن بشار حدثنا يحيى بن سعيد) القطان البصري (ومحمد بن جعفر وأبو داود) الطيالسي (كلهم) أي كل من الثلاثة رووا (عن شعبة عن قتادة عن أنس) رضي الله عنه. غرضه بسوق هذه الأسانيد بيان متابعة شعبة لشيبان بن عبد الرحمن، ولكن (قال) شعبة في روايته (انشق القمر فرقتين) أي قطعتين ولم يقل مرتين كما قال شيبان (وفي حديث أبي داود) وروايته لفظة (انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث ابن مسعود بحديث ابن عباس رضي الله عنهم فقال:

6906 -

(2774)(133)(حدثنا موسى بن قريش) بن نافع (التميمي) البخاري، مقبول، من (11) روى عنه في (3)(حدثنا إسحاق بن بكر بن مضر) بن محمد المصري أبو يعقوب القرشي مولاهم مولى شرحبيل بن حسنة، ثقة مفت، من (10) روى عنه في (2) بابين (حدثني أبي) بكر بن مضر بن محمد بن حكيم القرشي مولاهم أبو محمد المصري، ثقة، من (8) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا جعفر بن ربيعة) بن شرحبيل بن حسنة الكندي الحسني نسبة إلى جده أبو شرحبيل المصري، ثقة، من (5) روى عنه في (6) أبواب (عن عراك بن مالك) الغفاري المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (8) أبواب (عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود) الهذلي المدني الأعمى الفقيه، أحد الفقهاء

ص: 419

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ القَمَرَ انشَقَّ عَلَى زَمَانِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

6907 -

(2774)(134) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيةَ وَأَبُو أُسَامَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحمَنِ السُّلَمِيِّ،

ــ

السبعة في المدينة، ثقة، من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما. وهذا السند من سباعياته (قال) ابن عباس:(أن القمر انشق على زمان) حياة (رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال القاضي عياض رحمه الله: انشقاق القمر من أمهات معجزاته صلى الله عليه وسلم رواه عدة من الصحابة وظاهر الآية وسياقها وما بعده من تمادي قريش على التكذيب، يشهد بصحتها لقوله تعالى:{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1)} الآية، قال الزجاج: وأنكرها بعض المبتدعة وضاهى في ذلك بعض مخالفي الملة ممن أعمى الله سبحانه بصيرته وليس في ذلك ما ينكره العقل لأن القمر مخلوق لله تعالى يفعل فيه ما يشاء كما يفنيه ويكوّره في آخر الزمان. قال: وأما الملاحدة فاحتجوا بأنه لو وقع لنقل متواترًا واشترك أهل الأرض برؤيته ولم يختص بها طائفة من أهل مكة وهذا لا حجة فيه لأن انشقاقه كان ليلًا ومعظم الناس فيه نيام والأبواب مغلقة وهم مغشون ثيابهم وقل من ينظر إلى السماء ومن المعتاد أن الخسوف وغيره من العجائب والأنوار الطالعة والشهب لا يعلمها إلا قليل، وأيضًا فإن انشقاقه آية وضعت ليلًا لقوم اقترحوها فلم يتأهب غيرهم لها وقد يكون القمر إذ ذاك مجرى يظهر في أفق دون أفق كما يرى الكسوف قوم دون قوم ويكون عند قوم في الجميع وعند قوم في البعض وكل ذلك بحسب القرب والبعد وارتفاع الدرج وانخفاضه في الطول عن خط الاستواء والعرض اه من الأبي.

وشارك المؤلف في رواية حديث ابن عباس البخاري في مواضع منها في تفسير سورة القمر [4866].

ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة وهو لا أحد أصبر على أذى من الله سبحانه بحديث أبي موسى رضي الله عنه فقال:

6907 -

(2774)(134)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية وأبو أسامة عن الأعمش عن سعيد بن جبير) الوالبي مولاهم الكوفي، ثقة، من (2) روى عنه في (6) أبواب (عن أبي عبد الرحمن السلمي) عبد الله بن حبيب بن ربيعة - مصغرًا - المقرئ

ص: 420

عَنْ أَبِي مُوسَى. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا أَحَد أَصْبَرُ عَلَى أَذَى يَسْمَعُهُ مِنَ اللهِ عز وجل. إِنَّهُ يُشْرَكُ بِهِ، وَيجْعَلُ لَهُ الْوَلَدُ، ثُمَّ هُوَ يُعَافِيهِمْ وَيرْزُقُهُمْ"

ــ

الكوفي، مشهور بكنيته، ولأبيه صحبة، ثقة ثبت، من (2) روى عنه في (6) أبواب (عن أبي موسى) الأشعري عبد الله بن قيس الكوفي. وهذا السند من سداسياته (قال) أبو موسى رضي الله عنه (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا أحد أصبر) أي أكثر صبرًا لتأخيره عقوبة من استحقها (على أذى) ومخالفة (يسمعه) منه، وقوله:(من الله عز وجل متعلق بأصبر أي لا أحد أصبر وأحلم من الله عز وجل على أذى ومعاص وقعت من عباده فلا يعاجلهم بالعقوبة ليتوبوا عنها، من الصبر بمعنى الحلم وهو ترك المعاجلة بعقوبة من يستحقها، ومنه الصبور وهو الذي لا يعاجل العصاة بالانتقام منهم مع القدرة فـ (إنه) عز وجل (يشرك به) بالبناء للمجهول أي يجعل له الشريك (ويجعل له الولد) والصاحبة (ثم هو) سبحانه (يعافيهم) أي يعطي لهم العافية من البلايا (ويرزقهم) من خزائن رزقه فلا يمسك عنهم الرزق والعافية في الدنيا بسبب معاصيهم وتكذيبهم رسله.

قوله: (لا أحد أصبر من الله) والصبر في حق العباد حبس النفس على الشدائد والمشقات وفي حقه تعالى صفة ثابتة لله تعالى نثبتها ونعتقدها لا نكيفها ولا نمثلها ولا نؤولها، أثرها تأخير المؤاخذة عمن استحقها مع القدرة على تعجيل عقوبته ليس كمثله شيء، وقوله أصبر بالرفع على أنه خبر لا على إعمالها عمل إن، ويجوز نصبه على أنه صفة لاسم لا نظرًا إلى محله والخبر محذوف حينئذٍ تقديره لا أحد أصبر من الله موجود ويجوز رفع الأول ونصب الثاني على إعمالها عمل ليس كما هو مقرر في محله بشروط مذكورة هناك وقوله:(على أذى يسمعه) وهو بمعنى المؤذي بصيغة اسم الفاعل وهو المكروه المؤلم ظاهرًا أو باطنًا وهو في حقه تعالى ما يخالف رضاه وأمره فإذاية الله حينئذ صفة ثابتة لله تعالى نثبتها ونعتقدها لا نكيفها ولا نمثلها أثرها عدم رضاه، وقوله:(يسمعه) من عباده صفة أذى بمعنى كلام مؤذٍ كالقول بالتثليث ونسبة الولد والصاحبة إليه. وقوله: (من الله) متعلق بأصبر لأنها من المفاضلة، وفي المبارق والصبر حبس النفس عما تشتهيه وهو في حق الله تعالى حبس العقوبة عمن استحقها إلى وقت ومعناه قريب من معنى الحلم إلا أن الفرق بينهما أن المذنب لا يأمن العقوبة في صفة الصبور كما يأمنها في صفة الحليم اه منه.

ص: 421

6958 -

(00)(00) (حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَأَبُو سَعِيدِ الأَشَجُّ قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ. حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، بِمِثْلِهِ. إِلَّا قَوْلَهُ:"وَيُجْعَلُ لَهُ الْوَلَدُ" فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ

ــ

وقال الحافظ في الفتح [13/ 361] والمراد بالأذى أذى رسله وصالحي عباده لاستحالة تعلق أذى المخلوقين به تعالى لكونه صفة نقص وهو منزه عن كل نقص ولا يؤخر النقمة قهرًا بل تفضلًا وتكذيب الرسل في نفي الصاحبة والولد عن الله أذى لهم فأضيف الأذى إلى الله تعالى للمبالغة في الإنكار عليهم والاستعظام لمقالتهم، ومنه قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} فإن معناه يؤذون أولياء الله وأولياء رسوله وهم المؤمنون فحُذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه اه والحق الصحيح ما قلناه أولًا.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في كتاب الأدب باب الصبر في الأذى [6099] وفي التوحيد باب قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)} [7378].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في هذا الحديث فقال:

6908 -

(00)(00)(حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني (وأبو سعيد) عبد الله بن سعيد بن حصين (الأشج) الكندي الكوفي (قالا: حدثنا وكيع حدثنا الأعمش حدثنا سعيد بن جبير عن أبي عبد الرحمن السلمي عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة وكيع لأبي معاوية وأبي أسامة وساق وكيع (بمثله) أي بمثل حديث أبي معاوية وأبي أسامة (إلا قوله) أي إلا قول النبي صلى الله عليه وسلم (ويجعل له الولد فإنه) أي فإن وكيعًا (لم يذكره) أي لم يذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم ويُجعل له الولد. ولو قال المؤلف (بمثلهما إلا قولهما) لكان أوفق لاصطلاحاته لأن المتابع اثنان فحقه أن يُثنى ضميره إلا إن قلنا إن فيه تحريفًا من النساخ.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي موسى رضي الله عنه فقال:

ص: 422

6909 -

(00)(00) وحدّثني عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ الأعمَشِ. حَدَّثنَا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ. قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ قَيْسٍ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا أَحَدٌ أَصْبَرَ عَلَى أَذًى يَسْمَعُهُ مِنَ اللهِ تَعَالَى. إِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ لَهُ نِدًّا، وَيَجْعَلُونَ لَهُ وَلَدًا، وَهُوَ مَعَ ذلِكَ يَرْزُقُهُمْ وَيُعَافِيهِمْ وَيُعْطِيهِمْ".

6910 -

(2775)(135) حدّثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيٌّ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَن أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ أَنس بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يَقُولُ اللهُ تبارك وتعالى لأَهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا: لَوْ كَانَتْ لَكَ الدّنْيَا وَمَا فِيهَا،

ــ

6909 -

(00)(00)(وحدثني عبيد الله بن سعيد) بن حصين الكندي الكوفي (حدثنا أبو أسامة عن الأعمش حدثنا سعيد بن جبير عن أبي عبد الرحمن السلمي قال) أبو عبد الرحمن (قال) أبو موسى الأشعري: (عبد الله بن قيس) الكوفي رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة عبد الله بن سعيد لأبي بكر بن أبي شيبة في الرواية عن أبي أسامة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أحد أصبر على أذى يسمعه من الله تعالى إنهم) أي إن المشركين (يجعلون له ندًا ويجعلون له ولدًا وهو) سبحانه (مع ذلك) الإشراك (يرزقهم) من فضله بلا مسألة (ويعافيهم ويعطيهم) كل ما سألوه من حوائجهم، قال في المصباح: الند بالكسر المثل والنديد مثله كالمثل والمثيل ولا يكون الند إلا مخالفًا والجمع أنداد مثل حمل وأحمال اه.

ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الرابع من الترجمة وهو طلب الكافر الفداء بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقال:

6910 -

(2775)(135)(حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري حدثنا أبي) معاذ بن معاذ (حدثنا شعبة عن أبي عمران) عبد الملك بن حبيب الأزدي (الجوني) بفتح الجيم - نسبة إلى جون بن عوف بطن من الأزد كما في اللباب - البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (13) بابًا (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله تبارك وتعالى لأهون) أي لأخف (أهل النار عذابًا لو كانت لك الدنيا) أي الأرض (وما فيها) أي وما في الأرض من خزائنها ونعيمها

ص: 423

كُنْتَ مُفْتَدِيًا بِهَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ. فَيَقُولُ: قَدْ أَرَدْتُ مِنْكَ أَهْوَنَ مِنْ هَذَا وَأَنْتَ في صُلْبِ آدمَ: أَنْ لَا تُشْرِكَ - (أَحْسِبُهُ قَالَ) وَلَا أُدْخِلَكَ النَّارَ. فَأبَيتَ إِلَّا الشِّرْكَ".

6911 -

(00)(00)(حدّثناه مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، (يَعْنِي ابْنَ جَعْفَرِ)، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ. قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكِ يُحَدِّثُ، عَنِ النَّبِى صَلَّى اللهُ

ــ

(أكنت) أي هل تكون (مفتديًا) أي مفاديًا نفسك من العذاب (بها) أي بالدنيا التي كانت لك ومنقذًا نفسك بها من العذاب (فيقول) ذلك الأهون لربه (نعم) أُفادي نفسي من العذاب بها (فيقول) الرب جل جلاله لذلك الأهون (قد أردت) أي طلبت (منك أهون) أي أسهل عليك (من هذا) الفداء الذي لا يمكن تحصيله لك (وأنت) أي والحال أنك (في صلب آدم) وظهره يعني في الأزل، إنما عبّر عنه بصلب آدم تقريبًا إلى الفهم، وقوله:(أن لا تشرك) بي بدل من قوله أهون، قال الراوي أو من دونه (أحسبه) صلى الله عليه وسلم أو أنسًا (قال) لفظة (ولا أدخلك النار) معطوف على قوله أن لا تشرك أي طلبت منك وأنت في صلب آدم عدم الإشراك بي في عدم إدخالي إياك النار (فأبيت) أي فامتنعت (إلا الشرك) أي إلا الإشراك بي فلك النار على الإشراك.

قوله: (لأهون أهل النار عذابًا) قيل: هو أبو طالب ذكره الحافظ في كتاب الأنبياء من الفتح، قوله:(أردت منك أهون من هذا) والمراد من الإرادة هنا الطلب أي طلبت منك، قوله:(وأنت في صلب آدم) قال القاضي عياض: يشير بذلك إلى قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} الآية فهذا الميثاق الذي أخذ عليهم في صلب آدم فمن وفى به بعد وجوده في الدنيا فهو مؤمن ومن لم يوف به فهو الكافر. فمراد الحديث أردت منك حيان أخذت الميثاق أهون من هذا فأبيت إذ أخرجتك إلى الدنيا إلا الشرك اه فتح الباري [11/ 403].

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الأنبياء باب خلق آدم وذريته [3334] وفي الرقاق باب من نوقش الحساب عُذّب [6538] وباب صفة الجنة والنار [6557].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

6911 -

(00)(00)(حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد يعني ابن جعفر حدثنا شعبة عن أبي عمران) الجوني (قال: سمعت أنس بن مالك يحدث عن النبي - صلى الله عليه

ص: 424

عَلَيْهِ وَسَلمَ -، بِمِثْلِهِ. إِلَّا قَوْلَهُ:"وَلَا أُدْخِلَكَ النَّارَ" فَإِنَّهُ لَمْ يَذكُرْهُ.

6912 -

(00)(00) حدَّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ القَوَارِيرِيُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. (قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا. وَقَالَ الآخَرُونَ: حَدَّثَنَا) مُعَاذ بْنُ هِشَامٍ. حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ. حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"يُقَالُ لِلْكَافِرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَبًا، أَكُنْتَ تَفْتَدِي بِهِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ. فَيُقَالُ لَهُ: قَدْ سُئِلْتَ أَيْسَرَ مِنْ ذلِكَ".

6913 -

(00)(00) (وحدَّثنا عَبدُ بْنُ حُمَيْدٍ. حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ

ــ

عليه وسلم - وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة محمد بن جعفر لمعاذ بن معاذ، وساق محمد بن جعفر (بمثله) أي بمثل حديث معاذ بن معاذ (إلا قوله) أي إلا قول النبي صلى الله عليه وسلم لفظة (ولا أدخلك النار فإنه) أي فإن محمد بن جعفر (لم يذكره) أي لم يذكر لفظ ولا أدخلك النار.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

6912 -

(00)(00)(حدثنا عبيد الله بن عمر) بن ميسرة الجشمي مولاهم أبو شعيب القواريري البصري، ثقة، من (10) (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي (ومحمد بن المثنى وابن بشار قال إسحاق: أخبرنا وقال الآخرون: حدثنا معاذ بن هشام) الدستوائي (حدثنا أبي) هشام بن أبي عبد الله الدستوائي (عن قتادة حدثنا أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة قتادة لأبي عمران الجوني (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقال للكافر يوم القيامة أرأيت) أي أخبرني (لو كان لك ملء الأرض) أي ما يملأ الأرض (ذهبًا أكنت تفتدي) نفسك (به) أي بذلك الذهب الذي يملأ الأرض من العذاب (فيقول) ذلك الكافر: (نعم) أفتدي به نفسي (فيقال له) من جهة الرب جل جلاله: (قد سئلت) في الدنيا (أيسر) وأخف (من ذلك) الفداء فأبيت إلا الشرك فلك النار.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا فقال:

6913 -

(00)(00)(وحدثنا عبد بن حميد) الكسي، ثقة، من (11)(حدثنا روح بن عبادة) بن العلاء بن حسان القيسي البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (14)

ص: 425

ح وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، (يَعْنِي ابْنَ عَطَاءٍ)، كِلَاهُمَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ، عَنِ النبِى صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ:"فَيُقَالُ لَهُ: كَذَبْتَ، قَدْ سُئِلْتَ مَا هُوَ أَيْسَرُ مِنْ ذلِكَ".

6914 -

(2776)(136) حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، (وَاللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ)، قَالَا: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ. حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ. حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كيْفَ يُحْشَرُ الْكَافِرُ عَلَى وَجْهِهِ

ــ

بابًا (ح وحدثني عمرو بن زرارة) بن واقد الكلابي النيسابوري، المقرئ، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (أخبرنا عبد الوهاب يعني ابن عطاء) الخفّاف العجلي مولاهم أبو نصر البصري نزيل بغداد، صدوق، من (9) روى عنه في (6) أبواب (كلاهما) أي كل من روح وعبد الوهاب رويا (عن سعيد بن أبي عروبة) مهران اليشكري البصري، ثقة، من (6) روى عنه في (9) أبواب (عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذان السندان من خماسياته، غرضه بيان متابعة سعيد بن أبي عروبة لهشام الدستوائي، وساق سعيد بن أبي عروبة (بمثله) أي بمثل حديث هشام الدستوائي (غير أنه) أي لكن أن سعيدًا (قال) في روايته (فيقال له) أي لذلك الكافر: (كذبت) في قولك نعم أفتدي به لأنك (قد سئلت) أي طلبت في الدنيا بـ (ما هو أيسر) وأسهل لك (من ذلك) الفداء وهو ترك الإشراك فأبيت من ذلك الأيسر فلا فداء لك اليوم من عذاب الله تعالى.

ثم استدل المؤلف على الجزء الخامس من الترجمة وهو حشر الكافر على وجهه بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقال:

6914 -

(2776)(136)(حدثني زهير بن حرب وعبد بن حميد واللفظ لزهير قالا: حدثنا يونس بن محمد) بن مسلم البغدادي أبو محمد المؤدب، ثقة، من (9) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا شيبان) بن عبد الرحمن التميمي أبو معاوية البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (9) أبواب (عن قتادة) بن دعامة (حدثنا أنس بن مالك) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن رجلًا) من المسلمين لم أر من ذكر اسمه (قال: يا رسول الله كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة؟ قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أليس) الخالق (الذي أمشاه على رجليه في الدنيا قادرًا على أن يمشيه على وجهه

ص: 426

يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: "أَلَيس الَّذِي أَمْشَاهُ عَلَى رِجْلَيهِ في الدُّنْيَا، قَادِرًا عَلَى أَنْ يُمْشِيَهُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ ".

قَالَ قَتَادَةُ: بَلَى. وَعزَّةِ رَبَّنَا

ــ

يوم القيامة، قال قتادة) بالسند السابق بعدما روى هذا الحديث (بلى) أي ليس الأمر كذلك بل هو قادر على أن يمشيه على وجهه (وعزة ربنا) أي أقسمت لكم بعزة ربنا وقدرته.

وقوله: (أليس الذي أمشاه على رجليه قادرًا) .. إلخ هذا جواب حق والعيان يصدقه فإن الحية ونحوها مشاهد فيها ذلك ويقع منها من أسرع الحركة والجري ما يقع من الماشي على رجليه والله أعلم اه سنوسي، وقول السائل:(كيف يحشر الكافر على وجهه) كأنه استغرب ما ورد في قوله تعالى: {الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ} وأراد معرفة كيفية حشر الكافرين على وجوههم، وقوله:(قادرًا على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة) فيه تأييد لمن فسر حشر الكافر على وجهه بأنه محمول على حقيقته وأنه يمشي على وجهه حقيقة ويؤيده أيضًا حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند البزار: يُحشر الناس على ثلاثة أصناف؛ صنف على الدواب، وصنف على أقدامهم، وصنف على وجوههم، فقيل: كيف يمشون على وجوههم ذكره الحافظ في الفتح [8/ 492] ثم قال: يؤخذ من مجموع الأحاديث أن المقربين يحشرون ركبانًا ومن دونهم من المسلمين على أقدامهم، وأما الكفار فيحشرون على وجوههم، وقال في موضع آخر من الفتح يُسحب على وجهه يوم القيامة إظهارًا لهوانه بحيث صار وجهه مكان يده ورجله. والتفسير الآخر للآية أنه على التمثيل وأنه كقوله تعالى:{أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} وظاهر الأحاديث المذكورة أن المراد في آية سورة الفرقان حقيقة المشي على الوجه، وأن أحوال القيامة والآخرة لا يدرك كنهها بالعقول البشرية والله سبحانه وتعالى أعلم اه من التكملة.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في تفسير سورة الفرقان باب الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم [4760]، وفي الرقاق باب الحشر [6523].

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب تسعة أحاديث: الأول: حديث ابن مسعود ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والثاني:

ص: 427

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

حديث أُبي بن كعب ذكره للاستشهاد، والثالث: حديث ابن مسعود الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والرابع: حديث ابن عمر ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والخامس: حديث أنس ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين، والسادس: حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد، والسابع: حديث أبي موسى ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثامن: حديث أنس الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات، والتاسع: حديث أنس الثالث ذكره للاستدلال به على الجزء الخامس من الترجمة والله سبحانه وتعالى أعلم.

* * *

ص: 428