الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
754 - (19) باب مودة رؤية النَّبيّ صلى الله عليه وسلم ببذل ماله وأهله، وذكر سوق الجنَّة، وأول زمرة تدخل الجنَّة على صورة القمر، ودوام نعيم أهل الجنَّة، وصفة خيام الجنَّة، وما في الدُّنيا من أنهار الجنَّة
6972 -
(2803)(163) حدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، (يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ)، عَنْ سُهَيْلِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مِنْ أَشَد أُمَّتِي لِي حُبًّا، نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِي، يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي، بِأهْلِهِ وَمَالِهِ"
ــ
754 -
(19) باب مودة رؤية النَّبيّ صلى الله عليه وسلم ببذل ماله وأهله، وذكر سوق الجنَّة، وأول زمرة تدخل الجنَّة على صورة القمر، ودوام نعيم أهل الجنَّة، وصفة خيام الجنَّة، وما في الدُّنيا من أنهار الجنَّة
واستدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الأوَّل من الترجمة وهو مودة رؤية النَّبيّ صلى الله عليه وسلم ببذل ماله وأهله بحديث أبي هريرة الأوَّل رضي الله عنه فقال:
6972 -
(2803)(163)(حدّثنا قتيبة بن سعيد حدّثنا يعقوب يعني ابن عبد الرحمن) القاري الزُّهريّ حلفًا المدني، ثقة، من (8) (عن سهيل) بن أبي صالح (عن أبيه) أبي صالح السمان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أشد أمتي لي حبًا) أي من أشد أمتي حبًا لي (ناس يكونون) أي يوجدون (بعدي) أي بعد وفاتي (يود) أي يتمنى (أحدهم) ويحب (لو رآني) أي رؤيته إياي فلو مصدرية (بأهله) أي ببذل أهله (وماله) في مقابلة رؤيتي وتحصيلها؛ يعني أنَّه يستعد لأنَّ يبذل ماله وأهله لأجل رؤية النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، وذكر هذا الحديث في هذا الموضع يعني في أحاديث الجنَّة واقع في غير محله لأنَّه ليس من مباحث الجنَّة وليس فيه استطراد، ولو ذكره المؤلف في كتاب الإيمان أول الكتاب عند باب لا يكمل إيمان امرئ حتَّى أكون أحب إليه من نفسه وأهله وولده وماله والنّاس أجمعين، لكان أنسب لأنَّ محبته صلى الله عليه وسلم من شعب الإيمان، فلم يظهر لي وجه ذكره هنا إلَّا أن يقال إن محبته المحبة الشرعيّة من أسباب الجنَّة.
وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف من أصحاب الأمهات.
ثم استدل المؤلف على الجزء الثَّاني من الترجمة وهو سوق الجنَّة بحديث أنس رضي الله عنه فقال:
6973 -
(2804)(164) حدّثنا أَبُو عُثْمَانَ، سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْبَصْرِيُّ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَسُوقًا. يَأتونَهَا كُلَّ جُمُعَةٍ
ــ
6973 -
(2804)(164)(حدّثنا أبو عثمان سعيد بن عبد الجبار) بن يزيد القرشي (البصري) ثم المكيِّ، روى عن حماد بن سلمة في صفة الجنَّة باب سوق الجنَّة، ومالك، ويروي عنه (م د) وعبدان، وقال في التقريب: صدوق، من (10) مات سنة (236) ست وثلاثين ومائتين (حدّثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري، ثقة، من (8)(عن ثابت) بن أسلم (البناني) البصري (عن أنس بن مالك) الأنصاري البصري رضي الله عنه، وهذا السند من رباعياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن في الجنَّة لسوقًا) والمراد بالسوق مجمع لهم يجتمعون فيه كما يجتمع النَّاس في الدُّنيا في السوق، قال في المبارق: والسوق معروف يذكر ويؤنث، والتأنيث أفصح، والمراد به هنا مجمع يجتمع فيه أهل الجنَّة، وقد حفت به الملائكة بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فيأخذون ما يشتهون بلا شراء، وهذا نوع من الالتذاذ (يأتونها) أي يحضرون تلك السوق (كل جمعة) أي في مقدار كل أسبوع، وليس هناك حقيقة أسبوع لفقدان الشَّمس والليل والنهار اه نووي. وقال القرطبي: وسمي السوق سوقًا لقيام النَّاس فيها على ساق، وقيل لسوق النَّاس إليها بضائعهم فيحتمل أن يكون سوق الجنَّة عبارة عن مجتمع أهل الجنَّة ومحل تزاورهم، وسمي سوقًا بالمعنى الأول ويؤيد هذا أن أهل الجنَّة لا يفقدون شيئًا حتَّى يحتاجوا إلى شرائه من السوق، ويحتمل أن يكون سوقًا مشتملًا على محاسن منهيات مستلذات تجمع هنالك مرتبة محسنة كما تجمع في الأسواق حتَّى إذا جاء أهل الجنَّة فرأوها فمن اشتهى شيئًا وصل إليه من غير مبايعة ولا معاوضة ونعيم الجنَّة وخيرها أعظم وأوسع من ذلك كله، وخص يوم الجمعة بذلك لفضيلته ولما خصه الله تعالى به من الأمور التي تقدم ذكرها ولأنَّه يوم المزيد أي اليوم الذي يوفى لهم فيه ما وعدوا به من الزيادة، وأيام الجنَّة تقديرية إذ لا ليل هناك ولا نهار، وإنَّما هناك أنوار متوالية لا ظلمة معها على ما يأتي إن شاء الله تعالى اه من المفهم. لكن قال العلامة علي القارئ في المرقاة [1/ 322] قلت: وإنَّما يعرف وقت الليل والنهار بإرخاء أستار الأنوار ورفعها على ما ورد في بعض الأخبار فبهذا يعرف يوم الجمعة وأيام الأعياد وما
فَتَهُبُّ رِيحُ الشَّمَالِ فَتَحْثُو فِي وُجُوهِهِمْ وَثيَابِهِم. فَيَزْدَادُونَ حُسْنًا وَجَمَالًا. فَيَرْجِعُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ وَقَدِ ازْدَادُوا حُسنًا وَجَمَالًا. فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُوهُمْ: وَاللهِ، لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالًا. فَيَقُولُونَ: وَأَنْتُمْ، وَاللهِ، لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالًا"
ــ
يترتب عليهما من الزيارة والرؤية وسائر الإمداد والإسعاد ففي الجامع أن أهل الجنَّة ليحتاجون إلى العلماء في الجنَّة، وذلك أنهم يزورون الله تعالى في كل جمعة فيقول: لهم تمنوا علي ما شئتم، فيلتفتون إلى العلماء فيقولون: ماذا نتمنى؟ فيقولون: تمنوا عليه كذا وكذا، فهم يحتاجون إليهم في الجنَّة كما يحتاجون إليهم في الدُّنيا، رواه ابن عساكر عن جابر، هذا وتسمية يوم الجمعة بيوم المزيد في الجنَّة يدل على تمييزه عن سائر الأيَّام والله تعالى أعلم (فتهب) أي تعصف وتهيج (ريح الشمال) وهي في الدُّنيا الرِّيح التي تأتي من دبر القبلة "أي الكعبة" من ناحية الشَّام وهي التي تأتي بلاد العرب بالأمطار فهي عندهم أحسن الأرياح فلذلك سمي ريح الجنَّة بالشمال ومقابلها ريح الجنوب، وقد سميت هذه الرِّيح في حديث آخر بالمثيرة لأنَّها تثير النعيم والطيب على أهل الجنَّة أن مفهم (فتحثو) أي تنثر، والمفعول محذوف تقديره أي فتنثر (في وجوههم) أي في أبدانهم (وثيابهم) المسك وأنواع الطَّيِّب، والمراد بالوجوه الأبدان أو الذوات وإنَّما خصت الوجوه لشرفها (فيزدادون حسنًا) في ثيابهم (وجمالًا) في أبدانهم، قيل زيادة حسنهم بقدر حسناتهم (فيرجعون إلى أهليهم) وأزواجهم (وقد ازدادوا حسنًا وجمالًا فيقول لهم أهلوهم: والله لقد ازددتم بعدنا) أي بعد فراقنا (حسنًا وجمالًا فيقولون) لأهليهم: (وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسنًا وجمالًا) يعني أنهم يجدون أن أهلهم الذين تركوهم في بيوتهم قد ازداد جمالهم وهو إما لكونهم أصابتهم نفس الرِّيح في البيوت أيضًا، وإما بسبب انعكاس جمال القادمين من السوق أو لأجل تأثير حالهم وترقي مآلهم كذا في مرقاة المصابيح لعلي القارئ رحمه الله تعالى. قوله:(ريح الشمال) وفي الشمال لغات الشِّمال، والشَّمْأل وبالهمز بين الميم الساكنة واللام، والشمل بفتحتين، والشمول بوزن القبول والدبور، وشامل بهمزة ساكنة حكاها صاحب العين.
وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم من أصحاب الأمهات، لكنَّه شاركه أحمد في [3/ 284].
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الثالث من الترجمة وهو كون أول
6974 -
(2805)(165) حدّثني عَمْرُو النَّاقِدُ وًيعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِي. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ، (وَاللَّفْظُ لِيَعْقُوبَ)، قَالَا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ. أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ، عَنْ مُحمَّدٍ قَالَ: إِمَّا تَفَاخَرُوا وَإِمَّا تَذَاكَرُوا: الرِّجَالُ فِي الْجَنَّةِ أَكْثَرُ أَمِ النِّسَاءُ؟ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَوَ لَمْ يَقُلْ أَبُو الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَولَ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ علَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيلَةَ الْبَدْرِ،
ــ
زمرة على صورة القمر بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
6974 -
(2805)(165)(حدثني عمرو) بن محمَّد بن بكر (الناقد ويعقوب بن إبراهيم) بن كثير العبدي (الدورقي) أبو يوسف البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (جميعًا عن) إسماعيل بن إبراهيم الأسدي البصري المعروف بـ (ابن علية) اسم أمه، ثقة، من (8)(واللفظ ليعقوب قالا) أي قال عمرو ويعقوب (حدّثنا إسماعيل ابن عليه أخبرنا أيوب) السختياني (عن محمَّد) ابن سيرين الأنصاري البصري، وهذا السند من خماسياته (قال) محمَّد (إما تفاخروا وإما تذاكروا) ومعنى هذا الكلام أن جماعة من النَّاس اختلفوا فيما بينهم في أن (الرجال في الجنَّة أكثر أم النساء) وكان هذا الاختلاف إمَّا مذاكرة فيما بينهم وإما مفاخرة للرجال على النساء أو على العكس ويوضحه رواية سفيان الآتية (فقال أبو هريرة: أ) تختلفون في ذلك (ولم يقل أبو القاسم) محمَّد صلى الله عليه وسلم إن أول زمرة) أي جماعة (تدخل الجنَّة على صورة القمر ليلة البدر) أي على صفة القمر ليلة كماله في الجمال والإضاءة؛ أي على صورته في كمال الصفاء وتمام النور لا في الاستدارة، قال في المرقاة: ولعل دخولها على صورة الشَّمس مختص بنبينا صلى الله عليه وسلم والله أعلم اه. قال القرطبي: والصورة هنا بمعنى الصفة يعني أنهم في إشراق وجوههم على صفة القمر ليلة تمامه وكماله وهي ليلة أربعة عشر، وبذلك سمي القمر بدرًا في تلك الليلة، ومقتضى هذا أن أبواب الجنَّة متفاوتة بحسب درجاتهم اه المفهم.
وقد استدل أبو هريرة بهذا الحديث على أن النساء في الجنَّة أكثر لأنَّ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم ذكر أنَّه ستكون في الجنَّة زوجتان لكل رجل من الزمرة الأولى والتي تليها، ثم ذكر أنَّه لا يكون في الجنة رجل أعزب فلا أقل من أن تكون له زوجة واحدة فالنتيجة أن عدد النساء في الجنَّة أكثر لأنَّ لكل رجل زوجة على الأقل، ولبعضهم
وَالَّتِي تَلِيهَا عَلَى أَضْوَإِ كَوْكَبِ دُرِّيِّ فِي السَّمَاءِ. لِكُلِّ امْرِئ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ اثْنَتَانِ. يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ. وَمَا فِي الْجَنَّةِ أَعْزَبُ؟ "
ــ
زوجتان وهذا كله من الآدميات، وأمَّا الحور فقد ورد في الحديث أن للواحد منهم العدد الكثير أفاده الأبي نقلًا عن القاضي، وقد ورد بيان عدد تلك الزمرة الأولى، وبيان كيفية دخولهم في حديث سهل بن سعد رضي الله عنه عند البُخاريّ في الرقاق رقم [6554] ولفظه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليدخلن الجنَّة من أمتي سبعون أو سبعمائة ألف لا يدري أبو حازم أيهما قال - متماسكون آخذ بعضهم بعضًا لا يدخل أولهم حتَّى يدخل آخرهم وجوههم على صورة القمر ليلة بدر"(والتي تليها) أي والزمرة التي تلي الزمرة الأولى في الدخول (على) صورة (أضوإ كوكب دري في السماء) أي على صورة أشد كوكب شبيه بالدر إضاءة في السماء (لكل امرئ منهم زوجتان اثنتان) من الآدميات (يرى مخ) أي عظم (سوقهما) جمع ساق؛ أي منع عظامهن (من وراء اللحم) منهما (وما في الجنَّة) رجل (أعزب) أي فاقد الزوجة خال عنها.
قوله: (والتي تليها كأشد كوكب دري) يعني أن الزمرة التي تلي الأولى تكون في ضوئها وجمالها كأكثر كوكب ضياء، وقال الطيبي في شرح المشكاة [1/ 238] أفرد المضاف إليه يعني كوكب دري ليفيد الاستغراق في النوع من الكوكب يعني إذا تفصيت كوكبًا كوكبًا رأيتهم كأشده إضاءة، و (الدري) معناه المضيء المنير كما تقدم في الباب السابق.
قوله: (لكل امرئ منهم زوجتان) قال النووي: ظاهر هذا الحديث أن النساء أكثر أهل الجنَّة، وفي الحديث الآخر إنهن أكثر أهل النَّار، قال: فيخرج من مجموع هذا أن النساء أكثر ولد آدم، قال: وهذا كله في الآدميات وإلا فقد جاء للواحد من أهل الجنَّة من الحور العدد الكثير اه. قوله: (يرى منع سوقهما) إلخ المخ بضم الميم وتشديد الخاء المعجمة اللب داخل العظم، والمراد بهذا وصفهما بالصفاء البالغ وأن ما في داخل عظامهما لا يستتر بالعظم واللحم والجلد، وقد أعقبه في رواية همام بن منبه التالية لما بعد هذه بقوله:(من الحسن) دفعًا لما قد يتوهم في تصور تلك الرؤية مما ينفر عنه الطبع، وزاد الطّبرانيّ في الأوسط عن ابن مسعود (كما يرى الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء) راجع مجمع الزوائد للهيثمي. قوله:(وما في الجنَّة أعزب) قال النووي: هكذا
6975 -
(00)(00) حدّثنا ابْنُ أَبِي عُمَرَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ. قَالَ: اخْتَصَمَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ: أَيُّهُمْ فِي الْجَنَّةِ أَكْثَرُ؟ فَسَأَلُوا أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَالَ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم: بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ عُلَيَّةَ.
6976 -
(00)(00) وحدّثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، (يَعْنِي ابْنَ زِيادٍ)، عَنْ عمَارةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ. حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ
ــ
في جميع نسخ بلادنا (أعزب) بالألف وهي لغة، والمشهور في اللُّغة (عزب) بغير ألف، ونقل القاضي أن جميع رواتهم رووه (وما في الجنَّة عزب) بغير ألف وإنَّما وقع أعزب في رواية العذري، قال القاضي: وليس بشيء، والعزب من لا زوجة له، والعزوب البعد، وسمي عزبًا لبعده عن النساء.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخاريّ في بدء الخلق باب ما جاء في صفة الجنَّة [3246] وفي الأنبياء باب خلق آدم وذريته [3327]، والترمذي في صفة الجنَّة باب ما جاء في صفة الجنَّة [2537]، وابن ماجة في الزهد باب صفة الجنَّة [4388 و 4389].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
6975 -
(00)(00)(حدّثنا) محمَّد بن يَحْيَى (بن أبي عمر) العدني المكيِّ (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن أيوب عن ابن سيرين قال) محمَّد ابن سيرين (اختصم) أي اختلف (الرجال والنساء) في (أيهم في الجنَّة أكثر) أي أي الفريقين أكثر في الجنَّة (فسألوا أبا هريرة) رضي الله عنه عن جواب هذا الاستفهام (فقال) أبو هريرة (قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سفيان لابن علية، وساق سفيان (بمثل حديث) إسماعيل (ابن علية).
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
6976 -
(00)(00)(وحدثنا قتيبة بن سعيد حدّثنا عبد الواحد يعني ابن زياد) العبدي مولاهم البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (16) بابًا (عن عمارة بن القعقاع) بن شبرمة الضبي الكوفيِّ، ثقة، من (6) روى عنه في (5) أبواب (حدّثنا أبو زرعة) هرم بن
قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ". ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدِ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، (وَاللَّفْظُ لِقُتَيْبَةَ)، قَالَا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَوَّلَ زُمرَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيلَةَ الْبَدْرِ. وَالذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى أَشَدِّ كَوْكَبِ دُرِّيٍّ، فِي السَّمَاءِ، إِضَاءَةً. لَا يَبُولُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ وَلَا يَمْتَخِطُونَ وَلَا يَتْفُلُونَ. أَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ. وَرَشْحُهُمُ
ــ
عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي الكوفيِّ، ثقة، من (3) (قال: سمعت أبا هريرة يقول) رضي الله عنه، وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي زرعة لمحمد ابن سيرين (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أول من يدخل الجنَّة (ح) وحدثنا قتيبة بن سعيد وزهير بن حرب واللفظ لقتيبة قالا: حدّثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفيِّ (عن عمارة عن أبي زرعة عن أبي هريرة) رضي الله عنه (قال): وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة جرير لعبد الواحد (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أول زمرة يدخلون الجنَّة على صورة القمر ليلة البدر والذين يلونهم على) صورة (أشد كوكب دري في السماء إضاءة لا يبولون ولا يتغوطون) أي لا يخرج منهم البول والغائط، وإنَّما لم تصدر وتخرج هذه الفضلات من أهل الجنَّة لأنَّها أقذار مستخبثة والجنة منزهة عن مثل ذلك، ولما كانت أغذية أهل الجنَّة في غاية اللطافة والاعتدال لم يكن لها فضلة تستقذر بل تستطاب وتستلذ وهي التي عبر عنها بالمسك كما قال:"ورشحهم المسك" وقد جاء في لفظ آخر: "لا يبولون ولا يتغوطون وإنَّما هو عرق يجري من أعراضهم مثل المسك" رواه أحمد والبيهقيّ يعني من أبدانهم اه من المفهم.
(ولا يمتخطون ولا يتفلون) بكسر الفاء وضمها من بابي ضرب ونصر أي لا يبصقون من التفل وهو البصاق، والتفل رميك الشيء من الفم، والمخاط ما يسيل من الأنف، والمعنى أي ليس في أنفهم ولا فمهم من المياه الزائدة والمراد الفاسدة فيحتاجوا إلى إخراجها ولأن الجنَّة مساكن طيبة للطيبين فلا يلائمها الأدناس والأنجاس اه مرقاة.
(أمشاطهم) التي يسرحون بها الشعر (الذهب) أي من الذَّهب (ورشحهم) أي
الْمِسْكُ. وَمَجَامِرُهُمُ الألَوَّةُ. وَأَزْوَاجُهُمُ الْحُورُ الْعِينُ. أَخْلاقهُمْ عَلَى خُلُقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ. عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ. سِتُّونَ ذِرَاعًا، فِي السَّمَاءِ"
ــ
عرقهم (المسك) أي كالمسك في طيب الرائحة (ومجامرهم) قال العيني: جمع مجمرة وهي المبخرة سميت مجمرة لأنَّها يوضع فيها الجمر ليفوح به ما يوضع فيها من البخور. وقوله: (ومجامرهم) مبتدأ خبره (الألوة) وفي النهاية: الألوة بفتح الهمزة وضم اللام وتشديد الواو المفتوحة هو العود الذي يتبخر به يعني العود الهندي، والمعنى أن مجامرهم يبخر فيها مثل العود الهندي، ووقع في رواية وقود مجامرهم الألوة، وقال الأصمعي: هي فارسية عربت معناها العود الهندي الذي يتبخر به اه. وقال علي القارئ في المرقاة [1/ 324] وهذا كله من اللذات المتوالية والشهوات المتعالية وإلا فلا تلبد لشعورهم ولا وسخ ولا عفونة لأبدانهم وثيابهم بل ريحهم أطيب من المسك فلا حاجة لهم إلى التمشط والتبخر إلَّا لزيادة الزينة والتلذذ بأنواع النعم الحسية اه.
وقال القرطبي: قد يقال هنا أي حاجة في الجنَّة إلى الامتشاط ولا تتلبد شعورهم ولا تتسخ، وأي حاجة إلى البخور وريحهم أطيب من المسك فيجاب عن ذلك أن نعيم أهل الجنَّة وكسوتهم ليس عن دفع ألم اعتراهم فليس أكلهم عن جوع ولا شرابهم عن ظمإ ولا تطيبهم عن نتن، وإنَّما هي لذات متوالية ونعم متتابعة، ألا ترى قوله تعالى لآدم:{إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119)} [طه: 118، 119] وحكمة ذلك أن الله تعالى نعمهم في الجنَّة بنوع ما كانوا يتنعمون به في الدُّنيا وزادهم على ذلك ما لا يعلمه إلَّا الله تعالى اه من المفهم (وأزواجهم الحور العين) جمع حوراء، والحور في العين شدة بياضها في شدة سوادها، والعين بكسر العين جمع عيناء كبيض جمع بيضاء وهي الواسعة العين، وفي الصحاح رجل أعين واسع العين، والجمع عين، وأصله فعل بالضم، ومنه قيل لبقر الوحش عين والثور أعين والبقرة عيناء اه من المفهم (أخلاقهم على خلق رجل واحد على صورة أبيهم آدم ستون ذراعًا في السماء) قوله:(على خلق رجل واحد) روي بضمتين وبفتح الخاء وسكون اللام، والمعنى على الأوَّل أنهم يشابه بعضهم بعضًا في الأخلاق الفاضلة، فيكون المعنى أن أخلاقهم متساوية في الحسن والكمال كلهم كريم الخلق إذ لا تباغض ولا تحاسد ولا نقص، ويؤيده ما سيأتي في رواية همام "أن لا اختلاف بينهم ولا تباغض وأن قلوبهم
6977 -
(00)(00) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ. قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوَيةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي، عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيلَةَ الْبَدْرِ. ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى أَشَد نَجْمٍ، فِي السَّمَاءِ، إِضَاءَةَ. ثُمَّ هُمْ بَعْدَ ذَلِكَ مَنَازِلُ. لَا يَتَغَوَّطُونَ وَلَا يَبولُونَ وَلَا يَمْتَخِطُونَ وَلَا يَبْزُقُونَ. أَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ. وَمَجَامِرُهُمُ الألوَّةُ
ــ
قلب واحد" والمعنى على الثَّاني أنهم متشابهون فيما بينهم في الخلقة ويؤيده ما جاء في نفس هذه الرِّواية أنهم على طول أبيهم آدم عليه السلام وعلى صورته، والحاصل أنهم متشابهون في الخلق والخلق جميعًا وقوله:(على صورة أبيهم آدم) أي على صفته في الخلقة وفسره بقوله: (ستون ذراعًا) طولًا وارتفاعًا (في السماء) أي في جهة العلو وكل ما علاك فهو سماء يعني بذلك أن الله تعالى أعاد أهل الجنَّة إلى خلقة أصلهم الذي هو آدم وعلى صفته وطوله الذي خلقه الله تعالى عليه في الجنَّة وكان طوله فيها ستِّين ذراعًا في الارتفاع من ذراع نفسه والله أعلم، ويحتمل أن يكون ذلك الذراع مقدرًا بأذرعتنا المتعارفة عندنا ثم لم يزل خلق ولده وطولهم ينقص كما جاء في الرِّواية الأخرى.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
6977 -
(00)(00)(حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا: حدّثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح) ذكوان السمان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي صالح لمحمد ابن سيرين وأبي زرعة (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أول زمرة) وجماعة (تدخل الجنَّة من أمتي على صورة) وصفة (القمر ليلة البدر) يعني في إشراقهم وإضاءتهم لا في الاستدارة (ثم الذين يلونهم) في الدخول (على) صورة (أشد نجم) وأقوى كوكب (في السماء إضاءة ثم هم) أي أهل الجنَّة (بعد ذلك) أي بعد هذا الثَّاني (منازل) أي ذوو منازل ومراتب ودرجات مختلفة ومقتضى هذا أن أبواب الجنَّة مختلفة متفاوتة بحسب درجاتهم (لا يتغوطون ولا يبولون ولا يمتخطون ولا يبزقون أمشاطهم الذَّهب ومجامرهم الألوة
وَرَشْحُهُمُ المِسْكُ. أَخْلاقهُم عَلَى خُلُقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، عَلَى طُولِ أَبِيهِمْ آدَمَ، سِتُّونَ ذِرَاعًا".
قَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: عَلَى خُلُقِ رَجُلٍ. وَقَالَ أَبُو كُرَيْبِ: "عَلَى خَلْقِ رَجُلٍ". وقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: "عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ".
6978 -
(00)(00) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ. قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا:
ــ
ورشحهم المسك أخلاقهم على خلق رجل واحد على طول أبيهم آدم ستون ذراعًا).
قال المؤلف رحمه الله تعالى (قال) أبو بكر (بن أبي شيبة) في روايته لنا لفظة (على خلق رجل) واحد بضمتين (وقال) لنا (أبو كريب) في روايته لنا لفظة (على خلق رجل) واحد بفتح وسكون (وقال ابن أبي شيبة) في روايته لفظة (على صورة أبيهم) آدم، وقال أبو كريب: على طول أبيهم. قال النووي: قد ذكر مسلم في الكتاب اختلاف ابن أبي شيبة وأبي كريب في ضبط لفظة خلق، فإن ابن أبي شيبة يرويه بضم الخاء واللام وأبا كريب بفتح الخاء وإسكان اللام، وكلاهما صحيح؛ وقد اختلف فيه رواة مسلم ورواة صحيح البُخاريّ أيضًا، ويرجح الضم بقوله في الحديث الآخر:"لا اختلاف بينهم ولا تباغض قلوبهم قلب واحد" وقد يرجح الفتح بقوله صلى الله عليه وسلم في تمام الحديث على صورة أبيهم آدم أو على طوله والله أعلم اه.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
6978 -
(00)(00)(حدّثنا محمَّد بن رافع) القشيري النيسابوري (حدّثنا عبد الرَّزاق) بن همام الحميري الصنعاني (حدّثنا معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن همام بن منبه) بن كامل اليماني الصنعاني. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة همام لمن روى عن أبي هريرة (قال) همام:(هذا) الحديث الذي أمليه عليكم من صحيفتي (ما حدّثنا أبو هريرة) رضي الله عنه (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر) همام (أحاديث) كثيرة (منها) أي من تلك الأحاديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَوَّلُ زُمْرَةِ تَلِجُ الْجَنَّةَ، صُوَرُهُم عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيلَةَ الْبَدْرِ. لَا يَبْصُقُونَ فِيهَا وَلَا يَمْتَخِطُونَ وَلَا يَتَغَوَّطونَ فِيهَا. آنِيَتُهُمْ وَأَمْشَاطُهُمْ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. وَمَجَامِرُهُمْ مِنَ الألوَّةِ. وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ. وَلِكُل وَاحِدٍ مِنْهُم زَوْجَتَانِ. يُرَى مُخُّ سَاقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْم. مِنَ الْحُسْنِ. لا اخْتِلَافَ بَينَهُمْ وَلَا تَبَاغُضَ. قُلُوبُهُمْ قَلْبٌ وَاحِدٌ. يُسَبِّحُونَ اللهَ بُكرةً وَعَشِيًّا"
ــ
كذا وكذا (و) منها (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أول زمرة) وفرقة (تلج) وتدخل (الجنَّة) من أمتي (صورهم على صورة القمر ليلة البدر لا يبصقون فيها) أي في الجنَّة من البصاق وهو البزاق وهو ما يسيل من الفم من الماء الطبيعي (ولا يمتخطون) من المخاط وهو ما يسيل من الأنف من الماء الفاسد (ولا يتغوطون فيها) أي في الجنَّة (آنيتهم) التي يأكلون ويشربون فيها (وأمشاطهم) التي يسرحون بها الشعر (من الذهب والفضة و) بخور (مجامرهم من الألوة) أي من العود الهندي أي مثله (ورشحهم) أي عرقهم (المسك) أي كالمسك، والكلام في الكل على التشبيه البليغ (ولكل واحد منهم زوجتان) من الآدميات كما مر بسط الكلام فيه (يرى مخ) أي لب عظم (ساقهما من وراء اللحم) والعظم أي من داخلهما (من) شدة (الحسن) والجمال والصفاء، وقد مر الكلام في هذا القيد الذي زاده هنا (لا اختلاف) ولا تنازع (بينهم و) كذا (لا تباغض) ولا تحاسد بينهم (قلوبهم قلب واحد) أي كقلب رجل واحد في التحابب والتوادد (يسبحون الله) تعالى (بكرة وعشيًا) أي في مقدار البكر والعشايا، لأنَّه لا ليل ولا نهار في الجنَّة، وهذا التسبيح ليس عن تكليف وإلزام بل تسبيح شكر وتلذذ، وسيأتي تفصيله في حديث جابر رضي الله عنه. قوله:(ولكل واحد منهم زوجتان) أي من نساء الدُّنيا، والتثنية بالنظر إلى أن أقل ما لكل واحد منهم زوجتان، وقيل بالنظر إلى قوله تعالى:{جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46]{عَيْنَانِ} [الرحمن: 66] فليتأمل اه قسطلاني. قوله: (من الحسن) أي والصفاء البالغ ورقة البشرة ونعومة الأعضاء. قوله: (بكرة وعشيًا) أي في مقدارهما إذ لا بكرة ثمة ولا عشية إذ لا طلوع ولا غروب يعلمون به ذلك، قيل سارة تحت العرش إذا نشرت يكون النهار لو كانوا في الدُّنيا، وإذا طويت يكون الليل لو كانوا فيها أو المراد الديمومة والله أعلم كذا في القسطلاني، وفي الرّواية الآتية يلهمون بهما فحينئذٍ لا حاجة لما ذكره.
6979 -
(2806)(166) حدّثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ - وَاللَّفْظُ لِعُثْمَانَ -. (قَالَ عُثْمَانُ: حَدَّثَنَا. وَقَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا) جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ. قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِى صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَأكلُونَ فِيهَا ويشْرَبُونَ. وَلَا يَتْفِلُونَ وَلَا يَبُولُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ وَلَا يَمْتَخِطُونَ"
ــ
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث أبي هريرة بحديث جابر رضي الله عنهما فقال:
6979 -
(2806)(166)(حدّثنا عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم واللفظ لعثمان قال عثمان: حدّثنا وقال إسحاق: أخبرنا جرير) بن عبد الحميد (عن الأعمش عن أبي سفيان) طلحة بن نافع القرشي مولاهم المكيِّ ثم الواسطيِّ، صدوق، من (4) روى عنه في (5) أبواب (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما (قال) جابر:(سمعت النَّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: إن أهل الجنَّة يأكلون فيها وبشربون) قال القاضي رحمه الله تعالى: مذهب أئمة المسلمين أن نعيم أهل الجنَّة حسي كنعيم أهل الدُّنيا إلَّا ما بينهم من التفاوت الذي لا شركة فيه إلَّا في الاسم وأنَّه دائم لا ينقطع خلافًا للفلاسفة وغلاة الباطنية وكذا النصارى في قولهم إن نعيم الآخرة إنَّما هو لذات عقلية وانتقال من هذا العالم إلى الملإ الأعلى، وهذا المعنى هو المعبر عنه عندهم بالجنة وخلافًا لبعض المعتزلة في أن نعيم الجنَّة غير دائم وإنَّما هو لأجل، وقالوا مثله في عذاب جهنم إلَّا أنَّه عندهم يفنون وهذا كله خلاف ملة الإسلام وسخافة عقل، وخلاف ما في كتاب الله تعالى وأحاديث نبيه صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر مسلم في ذلك من الأحاديث ما فيه كفاية اه من الأبي.
وقال النووي: مذهب أهل السنة وعامة المسلمين أن أهل الجنَّة يأكلون فيها ويشربون يتنعمون بذلك وبغيره من ملاذها وأنواع نعيمها تنعمًا دائمًا لا آخر له ولا انقطاع أبدًا وأن تنعمهم بذلك على هيئة تنعم أهل الدُّنيا إلَّا ما بينهما من التفاضل في اللذة والنفاسة التي لا تشارك نعيم الدُّنيا إلَّا في التّسمية وأصل الهيئة (و) إلَّا في أنهم (لا يتفلون) بكسر الفاء وضمها حكاهما الجوهري وغيره أي لا يبصقون (ولا يبولون ولا يتغوطون ولا يمتخطون) أي لا يخرج منهم المخاط وهو ما يسيل من الأنف من الماء
قَالُوا: فَمَا بَال الطَّعَامِ؟ قَالَ: "جُشَاءٌ وَرَشْحٌ كرَشْحِ الْمِسْكِ. يلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالتَّحْمِيدَ، كَمَا تُلْهَمُونَ النَّفَسَ"
ــ
الفاسد (قالوا) لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (فما بال الطَّعام) الذي أكلوه وشربوه وشأنه إذا لم يتغوطوا ولم يبولوا (قال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب سؤالهم هو أي طعامهم الذي أكلوه (جشاء) بضم الجيم وبالمد فهو خبر لمبتدإ محذوف كما قدرناه أي نظير جشاء يحصل من طعام الدُّنيا وإلا فجشاء الجنَّة لا يكون مكروهًا بخلاف جشاء الدُّنيا، والجشاء تنفس المعدة من الامتلاء وهو صوت مع ريح يخرج من الفم أي مأكولهم جشاء (و) شرابهم (رشح) أي عرق له رشح (كرشح المسك) أي رائحة كرائحة المسك، والحاصل أن فضل طعامهم إمَّا جشاء وإما رشح (يلهمون) أي يلقون في روعهم وقلبهم (التسبيح) أي تنزه الله تعالى عن النقائص (والتحميد) أي اتصافه بالكمالات إلهامًا (كما يلهمون النَّفس) في الدُّنيا أي كإلهامهم النَّفس وهو الرِّيح الذي يخرج من الرئة تكون به حياة الحيوان فإذا وقف مات، قال علي القارئ في المرقاة [10/ 325] قوله:(جشاء ورشح) هذا إمَّا باعتبار اختلاف الأشخاص أو الأوقات أو بعض الطَّعام يكون جشاء وبعضه يكون رشحًا، والأظهر أن المأكول ينقلب جشاء وأن المشروب يعود رشحًا والطعام قد يطلق عليهما نظرًا إلى معنى الطعم والذوق اه. قوله:(يلهمون التسبيح) إلخ أي يلهمهم الله تعالى التسبيح والتحميد كما يلهمهم التنفس، ووجه التشبيه أن تنفس الإنسان لا كلفة عليه فيه ولابد له منه، فجعل تنفسهم تسبيحًا وتحميدًا، وسببه أن قلوبهم تنورت بمعرفة الرب سبحانه وامتلأت بحبه ومن أحب شيئًا أكثر من ذكره أن فتح الباري [6/ 326] قال الطبري: قوله: (كما يلهمون النَّفس) وذلك أن التنفس من الضروريات للإنسان ولا مشقة عليه فيه فكذلك ذكر الله تعالى على ألسنة أهل الجنَّة، وسر ذلك أن قلوبهم قد تنورت بمعرفته وأبصارهم برؤيته وامتلأت قلوبهم بمحبته ومن أحب شيئًا أكثر من ذكره. [قلت]: فهو تسبيح تنعم والتذاذ اه أبي. يعني لا تكليف لأنَّ الجنَّة ليست داره، وفي رواية في المشكاة كما تلهمون بصيغة الخطاب.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في السنة، باب في الشفاعة [4741].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال:
6980 -
(00)(00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ. قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيةَ، عَنِ الأعمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، إِلَى قَوْلهِ:"كَرَشْحِ الْمِسْكِ".
6981 -
(00)(00) وحدّثني الْحَسَنُ بْنُ عَلِيّ الْحُلْوَانِيُّ وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ. كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي عَاصِمٍ. قَالَ حَسَن: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يَأْكُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِيهَا ويشْرَبُونَ. وَلَا يَتَغَوَّطُونَ وَلَا يَمْتَخِطُونَ وَلَا يَبُولُونَ. وَلَكِنْ طَعَامُهُمْ ذَاكَ جُشَاءٌ كَرَشح الْمِسْكِ. يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالْحَمْدَ، كَمَا تُلْهَمُونَ النَّفَسَ".
قَالَ: وَفِي حَدِيثِ حَجَّاجٍ: "طَعَامُهُمْ ذَلِكَ"
ــ
6980 -
(00)(00)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا: حدّثنا أبو معاوية عن الأعمش بهذا الإسناد) يعني عن أبي سفيان عن جابر، غرضه بيان متابعة أبي معاوية لجرير، وساق أبو معاوية الحديث (إلى قوله) صلى الله عليه وسلم (كرشح المسك) ولم يذكر ما بعده.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال:
6981 -
(00)(00)(وحدثني الحسن بن علي) الخلال (الحلواني) الهذلي المكيِّ، ثقة، من (11)(وحجاج) بن يوسف الثَّقفيُّ البغدادي، المعروف بـ (ابن الشَّاعر) ثقة، من (11)(كلاهما) رويا (عن أبي عاصم) النبيل الضَّحَّاك بن مخلد الشيباني البصري، ثقة، من (9) (قال حسن: حدّثنا أبو عاصم عن ابن جريج أخبرني أبو الزُّبير أنَّه سمع جابر بن عبد الله) رضي الله عنهما (يقول): وهذا السند من رباعياته، غرضه بيان متابعة أبي الزُّبير لأبي سفيان (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يأكل أهل الجنَّة فيها) أي في الجنَّة (ويشربون ولا يتغوطون ولا يمتخطون ولا يبولون ولكن طعامهم ذاك) أي الذي أكلوه (جشاء) أي نظير جشاء، وشرابهم الذي شربوه رشح (كرشح المسك) أي عرق رائحته كرائحة المسك (يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون) روي بالياء التي للغيبة، وبالتاء التي للخطاب أي كما تلهمون (النَّفس) في الدُّنيا (قال) المؤلف:(وفي حديث حجاج) وروايته لفظة (طعامهم ذلك) بصيغة اسم الإشارة الذي للبعيد.
6982 -
(00)(00) وحدّثني سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الأُمَوِيُّ. حَدَّثَنِي أَبِي. حَدَّثَنَا ابْنُ جُريْجٍ. أَخبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم. بِمِثْلِهِ. غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ:"ويُلهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالتَّكْبِيرَ، كمَا تُلْهَمُونَ النَّفَسَ".
6983 -
(2807)(167) حدّثني زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: "مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَنْعَمُ لَا يَبْأسُ،
ــ
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال:
6982 -
(00)(00)(وحدثني سعيد بن يَحْيَى) بن سعيد بن أبان بن سعيد بن العاص (الأموي) أبو عثمان البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (6) أبواب (حدثني أبي) يَحْيَى بن سعيد بن أبان بن سعيد بن العاص الأموي أبو أيوب الكوفيِّ، صدوق، من (9) روى عنه في (8) أبواب (حدّثنا ابن جريج أخبرني أبو الزُّبير عن جابر عن النَّبيّ صلي الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة يَحْيَى بن سعيد بن أبان لأبي عاصم النبيل، وساق يَحْيَى بن سعيد (بمثله) أي بمثل حديث أبي عاصم (غير أنَّه) أي لكن أن يَحْيَى بن سعيد (قال) في روايته لفظة (ويلهمون التسبيح والتكبير كما يلهمون النَّفس).
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الرابع من الترجمة وهو دوام نعيم أهل الجنَّة بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال:
6983 -
(2807)(167)(حدثني زهير بن حرب حدّثنا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسَّان الأزدي البصري، ثقة، من (9)(حدّثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري، ثقة، من (8)(عن ثابت) بن أسلم البناني البصر، ثقة، من (4)(عن أبي رافع) الصَّائغ نفيع بن رافع المدني نزيل البصرة، ثقة، من (2) روى عنه في (7) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته (عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: من يدخل الجنَّة ينعم) من باب فرح أي يتفرج ويتلذذ بنعيمها أبدًا (لا يبأس) أي لا يأخذه البأس والشدة والجوع والعطش، وقوله:(ينعم) بفتح الياء والعين أي يتنعم في النعيم المقيم الدائم (لا يبأس) بسكون الموحدة وفتح الهمزة أي لا يفقر ولا يهتم ولا يصيبه
لَا تَبْلَى ثِيَابُهُ وَلَا يَفْنَى شَبَابُهُ".
6984 -
(2808)(168) حدّثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، (وَاللَّفْظُ لإسْحَاقَ)، قَالَا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. قَالَ: قَالَ الثَّوْرِيُّ: فَحَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ، أَنَّ الأَغَرَّ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِي سَعِيدِ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "يُنَادِي مُنَادٍ: إِنَّ لَكمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلَا تَسْقَمُوا أَبَدًا. وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلَا تَمُوتُوا أَبَدًا. وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا
ــ
بؤس، والبؤس والبأس والبأساء والبؤوس بمعنى شدة الحال، قال الطيبي: هو تأكيد لقوله يتنعم؛ والمعنى أن الجنَّة دار الثبات والقرار وأن التغيير لا يتطرق إليها فلا يشوب نعيمها بؤس ولا يعتريه فساد ولا تغيير فإنها ليست دار الأضداد ومحل الهوان والفساد اه (لا تبلى) ولا يخلق (ثيابه ولا يفنى شبابه) أي لا يشيخ ولا يهرم ولا يعجز.
وهذا الحديث مما انفرد به المؤلف من أصحاب الأمهات، ولكنه شاركه أحمد [2/ 369، 407، 416].
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لهذا الحديث بحديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما فقال:
6984 -
(2808)(168)(حدّثنا إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد واللفظ وإسحاق قالا: أخبرنا عبد الرَّزاق قال) عبد الرَّزاق (قال) سفيان بن سعيد (الثوري فحدثني) الفاء فيه زائدة أي قال الثوري: حدثني (أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي، ثقة، من (3) أو الفاء بمعنى الواو كما هي في نسخة الأبي فتكون عاطفة على مقدر تقديره، قال الثوري: حدثني غير أبي إسحاق وحدثني أيضًا أبو إسحاق (أن الأغر) بن عبد الله مولى أبي هريرة وأبي سعيد وكان اشتركا في عتقه فهو مولى لهما أبا مسلم المدني ثم الكوفيِّ، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (حديثه) أي حدث لأبي إسحاق (عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة) رضي الله عنهما (عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قال): وهذا السند من سداسياته (ينادي مناد) من الملائكة في الجنَّة أو إذا رأوها من بعيد يقول في ندائه: يا أهل الجنَّة (إن لكم أن تصحوا) بكسر الصاد وتشديد الحاء أي تكونوا صحيحي البدن دائمًا (فلا تسقموا) من باب سمع أي فلا تمرضوا (أبدًا وإن لكم أن تحيوا) بفتح الياء أي أن تكونوا أحياء (فلا تموتوا أبدًا وإن لكم أن تشبوا) بكسر
فَلَا تَهرمُوا أَبَدًا. وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلَا تَبْأسُوا أَبدًا" فَذَلِكَ قَوْلُهُ عز وجل: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأعراف: 43]
6985 -
(2809)(169) حدّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي قُدَامَةَ، (وَهُوَ الْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ)، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ لِلْمُؤْمِنِ فِي الْجَنَّةِ لَخَيمَةً
ــ
الشين المعجمة وتشديد الموحدة أي أن تدوموا شبابًا (فلا تهرموا) من باب سمع أي لا تشيبوا ولا تشيخوا (أبدًا وإن لكم أن تنعموا) بفتح العين أي أن يدوم لكم النعيم (فلا تبأسوا) بسكون الموحدة وبالهمزة المفتوحة أي لا يصيبكم بأس (أبدًا) وهو شدة الحال والفقر والعدم، وقال في القاموس: بئس كسمع اشتدت حاجته (فذلك) أي فشاهد هذا الحديث ومصداقه (قوله عز وجل {وَنُودُوا}) أي نودي أهل الجنَّة بـ ({أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا}) أي أعطيتموها ({بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}) في الدُّنيا من الإيمان والأعمال [الأعراف: 43] قال الطيبي: هذا النداء والبشارة به ألذ وأشهى لما فيه من السرور، وفي عكسه أنشد المتنبي:
أشد الغم عندي في سرور
…
تيقن عنه صاحبه انتقالا
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث التِّرمذيُّ في تفسير سورة الزمر [3346].
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء الخامس من الترجمة وهو صفة خيام الجنَّة بحديث عبد الله بن قيس أبي موسى الأشعري رضي الله عنه فقال:
6985 -
(2809)(169)(حدّثنا سعيد بن منصور) بن شعبة الخراساني ثم المكيِّ، ثقة، من (10) روى عنه في (15) بابًا (عن أبي قدامة وهو الحارث بن عبيد) الإيادي بكسر الهمزة البصري المؤذِّن، صدوق، من (8) روى عنه في (2) بابين العلم وصفة الجنَّة (عن أبي عمران الجوني) عبد الملك بن حبيب الأزدي أو الكندي البصري، ثقة، من (4) روى عنه في (13) بابًا (عن أبي بكر بن) أبي موسى الأشعري (عبد الله بن قيس) الأشعري الكوفيِّ اسمه عمرو أو عامر، ثقة، من (2) روى عنه في (5) أبواب (عن أبيه) أبي موسى الأشعري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته (عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: إن للمؤمن في الجنَّة لخيمة) والخيمة هي بيت مربع من بيوت الأعراب اه
مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ مُجَوَّفَةٍ. طُولُهَا سِتُّونَ مِيلًا. لِلْمُؤْمِنِ فِيهَا أَهْلُونَ. يَطُوفُ عَلَيهِمُ الْمُؤْمِنُ. فَلَا يَرَى بعْضُهُمْ بَعْضًا".
6986 -
(00)(00) وحدّثني أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الصَّمَدِ. حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "فِي الْجَنَّةِ خَيمَةٌ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ مُجَوَّفَةِ. عَرْضُهَا سِتُّونَ مِيلًا
ــ
نووي، مخلوقة (من لؤلؤة واحدة) واللؤلؤ جوهر نفيس أبيض براق (مجوفة) أي واسعة الجوف، قال القاضي: وفي رواية السمرقندي (مجوبة) بالباء وهي المثقوبة وهي بمعنى المجوفة (طولها) أي ارتفاعها في السماء (ستون ميلًا) والميل أربعة آلاف خطوة بخطوة البعير (للمؤمن فيها أهلون) أي زوجات (يطوف) أي يدور (عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضًا) لبعدها وطول أقطارها.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البُخاريّ في بدء الخلق باب ما جاء في صفة الجنَّة [3243] وفي تفسير سورة الرحمن باب حور مقصورات في الخيام [4879]، والترمذي في صفة الجنَّة باب ما جاء في صفة غرف الجنة [2528].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي موسى رضي الله عنه فقال:
6986 -
(00)(00)(وحدثني أبو غسان المسمعي) مالك بن عبد الواحد البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (10) أبواب (حدّثنا أبو عبد الصَّمد) عبد العزيز بن عبد الصَّمد العمي البصري الحافظ، ثقة، من (9) روى عنه في (5) أبواب (حدّثنا أبو عمران الجوني) عبد الملك بن حبيب البصري (عن أبي بكر) عمرو أو عامر (بن عبد الله بن قيس) الأشعري الكوفيِّ (عن أبيه) أبي موسى الأشعري رضي الله عنه. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة أبي عبد الصَّمد لأبي قدامة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: في الجنَّة خيمة) مخلوقة (من لؤلؤة مجوفة عرضها) أي سعتها في مساحة الأرض سواء طولًا وعرضًا (ستون ميلًا) وقد سبق أن طولها ستون ميلًا أيضًا، فتحصل أن طولها وعرضها سواء، والفرق بينهما أن الطول عند أهل المساحة الامتداد المفروض أولًا في المربعات، والعرض الامتداد المفروض ثانيًا، والعمق المفروض ثالثًا
فِي كُلِّ زَاوَيةٍ مِنْهَا أَهْلٌ. مَا يَرَوْنَ الآخَرِينَ. يَطُوفُ عَلَيهِمُ الْمُؤْمِنُ".
6987 -
(00)(00) وحدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ أَبِي بَكرِ بْنِ أَبِي مُوسَى بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"الْخَيمَةُ دُرَّةٌ. طُولُهَا فِي السَّمَاءِ سِتُّونَ مِيلًا، فِي كُلِّ زَاوَيةٍ مِنْهَا أَهْلٌ لِلْمُؤْمِنِ. لَا يَرَاهُمُ الآخَرُونَ".
6988 -
(2810)(170) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ
ــ
كما هو مقرر في محله، ولكن هذا المساحي ليس مرادًا هنا، قال النووي: في الرِّواية الأولى عرضها ستون ميلًا، وفي الثَّانية طولها في السماء ستون ميلًا، ولا معارضة بينهما فعرضها في مساحة أرضها وطولها في السماء أي في العلو متساويان اه منه (في كل زاوية) وناحية وجانب (منها) أي من تلك الخيمة أي في كل زاوية من زواياها (أهل) أي زوجة (ما يرون) أي ما يرى هؤلاء الأهل الأهالي (الآخرين) له في الزوايا الأُخَر (يطوف) ويدور (عليهم) أي على كل منهم (المؤمن) في زواياهم فلا يرى بعضهم بعضًا فتأخذهم الغيرة.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة فيه ثانيًا فقال:
6987 -
(00)(00)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدّثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي الواسطيِّ، ثقة، من (9)(أخبرنا همام) بن يَحْيَى بن دينار الأزدي البصري، ثقة، من (7) روى عنه في (12) بابًا (عن أبي عمران الجوني) عبد الملك بن حبيب البصري (عن أبي بكر) عمرو أو عامر (بن أبي موسى) الأشعري عبد الله (بن قيس عن أبيه) أبي موسى الأشعري رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته، غرضه بيان متابعة همام بن يَحْيَى لأبي عبد الصَّمد وأبي قدامة (عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: الخيمة) في الجنَّة (درة) أي لؤلؤة (طولها) أي ارتفاعها (في السماء ستون ميلًا في كل زاوية) وجانب (منها) أي من تلك الدرة (أهل) أي زوجة (للمؤمن لا يراهم الآخرون) منهم.
ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على الجزء السادس من الترجمة وهو بيان ما في الدُّنيا من أنهار الجنَّة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
6988 -
(2810)(170) (حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدّثنا أبو أسامة
وَعَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ وَعَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ نُمَيْرٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ. حَدَّثَنَا عُبْيَدُ اللهِ، عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَال: رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "سَيحَانُ وَجَيحَانُ، وَالْفُرَاتُ وَالنِّيلُ، كُلٌّ مِنْ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ"
ــ
وعبد الله بن نمير وعلي بن مسهر) القرشي الكوفيِّ، ثقة، من (8)(عن عبيد الله بن عمر) بن حفص العمري المدني، ثقة، من (5)(ح وحدثنا محمَّد بن عبد الله بن نمير حدّثنا محمَّد بن بشر) العبدي الكوفيِّ (حدّثنا عبيد الله) بن عمر (عن حبيب بن عبد الرحمن) بن حبيب بن يساف الأنصاري المدني، ثقة، من (4) روى عنه في (6) أبواب (عن حفص بن عاصم) بن عمر بن الخطاب العدوي العمري المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذان السندان من سداسياته (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيحان وجيحان والفرات والنيل كل) من هذه الأربعة قريبة (من أنهار الجنَّة) وشبيهة بها في البركة وكثرة منافعها وعذوبتها وكثرة إنباتها. قال القرطبي: هذه الأنهار الأربعة أكبر أنهار الإسلام، فالنيل بمصر، والفرات بالعراق، وسيحان وجيحان ببلاد خراسان، وظاهر هذا الحديث أن أصل هذه الأنهار ومادتها من الجنَّة كما تقدم في أحاديث الإسراء أن النيل والفرات يخرجان من أصل سدرة المنتهى، وقد نص عليه البُخاريّ ويحتمل أنَّها تشبه أنهار الجنَّة في عذوبتها وبركاتها، وأبعد من هذا احتمال أن يكون المراد بذلك أن الإيمان غمر بلاد هذه الأنهار وفاض عليها وأن غالب الأجسام المتغذية بهذه الأنهار مصيرها إلى الجنَّة، والله أعلم بمعنى هذا الحديث وهو من متشابهات الأحاديث والله أعلم اه من المفهم.
قال النووي: أعلم أن سيحان وجيحان غير سيحون وجيحون فأمَّا سيحان وجيحان المذكوران في هذا الحديث اللذان هما من أنهار الجنَّة في بلاد الأرمن فجيحان نهر المصيصة، وسيحان نهر أذنة وهما نهران عظيمان جدًا أكبرهما جيحان فهذا هو الصواب في موضعهما، وأمَّا كون هذه الأنهار خرجت من الجنَّة على قول من يقول بذلك فلا سبيل إلى معرفة كنهها ولكن توجد لنهر النيل خصائص لا توجد في غيره من أنهار الدُّنيا فمنها أنَّه أطول نهر على وجه الأرض لأنَّ طوله أربعة آلاف ومائة واثنان وثلاثون ميلًا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كما في موسوعة البريطانية طبع (1988 م)[8/ 712] ومنها أن معظم أنهار الدُّنيا تجري من الشمال إلى الجنوب، وإن هذا النهر يجري من الجنوب إلى الشمال نبه عليها المقريزي في الخطط [1/ 112] ومنها أن منبع هذا النهر لم يزل مجهولًا طوال القرون، وقد ذكر في الموسوعة البريطانية أن المحقّقين لم يزالوا في حيرة في اكتشاف منبعه، قال باحث الموسوعة البريطانية: ليس في مسائل البحث الجغرافي مسألة سوى مسألة منبع النيل قد أثرت على التصورات البشرية هذا التأثير البالغ إلى مثل هذه المدة الطويلة فإن كان الباحثون قد عجزوا من الوصول إلى المنبع الظاهر لهذا النهر، فما بالك برابطته الخفية مع الجنَّة التي أشار إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من التكملة.
وهذا الحديث مما انفرد الإمام مسلم بإخراجه من بين أصحاب الأمهات الست ولكنه شاركه أحمد [2/ 289].
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث ثمانية: الأوَّل منها: حديث أبي هريرة الأوَّل ذكره للاستدلال به على الجزء الأوَّل من الترجمة، والثَّاني: حديث أنس ذكره للاستدلال به على الجزء الثَّاني من الترجمة، والثالث: حديث أبي هريرة الثَّاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثالث من الترجمة وذكر فيه أربع متابعات، والرابع: حديث جابر ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات، والخامس: حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة، والسادس: حديث أبي سعيد الخدري ذكره للاستشهاد، والسابع: حديث أبي موسى الأشعري ذكره للاستدلال به على الجزء الخامس من الترجمة وذكر فيه متابعتين، والثامن: حديث أبي هريرة الرابع ذكره للاستدلال به على الجزء السادس من الترجمة والله سبحانه وتعالى أعلم.
* * *