الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعالى: {فالله خَيْرٌ حَافِظاً} [يوسف: 64]، وقال تعالى:{قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بالليل والنهار مِنَ الرحمن} [الأنبياء: 42] وما كان مثله.
قال ابن الخطيب: المعنى: لما كانت كل نفس عليها حافظ، وجب أن يجتهد كل واحد، ويشتغل بالمهم، وأهم الأشياء معرفة المبدأ والمعاد والمبدأ يقدم.
قوله: {فَلْيَنظُرِ الإنسان} ، أي: ابن آدم، «مَمَّ خُلِقَ» ، وجه الاتصال بما قبله وصية الإنسان بالنظر في أول أمره حتى يعلم أنَّ من أنشأه قادر على إعادته وجزائه، فليعمل ليوم الإعادة والحشر والجزاء، ولا يملي على الحافظ إلا ما يسرُّه في عاقبه أمره.
وقوله تعالى: {مِمَّ خُلِقَ} ، استفهام، أي: من أيِّ شيء خلق، وهو جواب الاستفهام.
قوله: {مِن مَّآءٍ دَافِقٍ} . فاعل بمعنى مفعول [كعكسه في قولهم: سيل مفعم]، كقوله تعالى:{حِجَاباً مَّسْتُوراً} [الإسراء: 4
5]
على وجه.
وقيل: «دافِق» على النسب، أي: ذو دفق أو اندفاقٍ.
وقال ابنُ عطية: يصح أن يكون الماء دافقاً؛ لأن بعضه يدفق بعضاً، أي: يدفقه، فمنه دافق، ومنه مدفوق انتهى.
والدَّفقُ: الصَّبُّ، ففعله متعدٍّ.
وقرأ زيد بن علي: «مَدْفُوقٍ» وكأنَّه فسر المعنى.
قال القرطبيُّ: الصبُّ: دفقُ الماء، دفقت الماء، أدفقُه دفقاً، أي: صببته فهو ماء دافق، أي: مدفوق، كما قالوا: سرٌّ كاتم، أي: مكتوم؛ لأنه من قولك: دُفق الماء على ما لم يسم فاعله، ولا يقال: دَفق الماء، ويقال: دفق الله روحه: إذا دعى عليه بالموت.
قال الفرَّاء والأخفش: «ماءٍ دافقٍ» : أي مصبوب في الرَّحمِ.
وقال الزجاج: «مِن ماءٍ ذي انْدفاقٍ» ، يقال: دَارع، وفَارِس، ونَابِل، أي ذو فَرسٍ ودِرعٍ ونَبلٍ، وهذا مذهب سيبويه.
والدَّافق: هو المندفق بشدة قوته، وأراد ماءين: ماء الرجل وماء المرأة؛ لأن الإنسان مخلوق منهما، لكن جعلهما ماءً واحداً لامتزاجهما.
وقال ابن عباس: «دافق» لزج.
قوله: {يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصلب والترآئب} ، أي: هذا الماء من بين الصلب، أي: الظَّهر وقرأ العامة: «يَخْرجُ» مبنياً للفاعل، وابنُ أبي عبلة وابن مقسم: مبنياً للمفعول. وقرأ - أيضاً -: وأهل «مكة» : «الصُّلُبِ» بضم الصاد واللام.
وقرأ اليماني: بفتحها؛ ومنه قول العجَّاج: [الرجز]
5163 -
فِي صَلبٍ مِثلِ العِنانِ المُؤدَمِ
…
[وفيه أربع لغات: «صُلْب، وصُلُبٌ، وصَلَبٌ، وصَالب، ومنه قوله] : [المنسرح]
5164 -
تُنْقَلُ من صَالَبٍ إلى رحِمٍ.....
…
...
…
...
…
...
…
...
…
... . .
والترائب: جميع تريبة، وهي موضع القلادة من عظام الصَّدر؛ لأن الولدَ مخلوق من مائهما؛ فماء الرجل في صلبه، وماء المرأة في ترائبها، وهو معنى قوله تعالى:{مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ} [الإنسان: 2] ؛ وقال امرؤ القيس: [الطويل]
5165 -
مُهْفَهَفةٌ بَيْضاءُ غَيْرُ مُفاضَةٍ
…
تَرَائِبُها مَصْقُولةٌ كالسَّجَنْجَلِ
وقال آخر: [الكامل]
5166 -
والزَّعْفرَانُ على تَرائِبهَا
…
شَرِقٌ بِهِ اللّبَّاتُ والنَّحرُ
وقال المثقب العبديُّ: [الوافر]
5167 -
ومنْ ذَهَبٍ يَلوحُ عَلى تَريبٍ
…
كَلوْنِ العَاجِ لَيْسَ لَهُ غُضُونُ
وقال الشاعر: [الرجز]
5168 -
أشْرَفَ ثَدْيَاهَا على التَّريبِ
…
وعن ابن عباسٍ وعكرمة: الترائب: ما بين ثدييها.
وقيل: التَّرائب: التراقي.
وقيل: أضلاع الرجل التي أسفل الصلب.
وحكى الزجاجُ: أن الترائب أربعة أضلاع من يمنة الصدر، وأربعة أضلاع من يسرة الصدر.
وعن ابن عبَّاسٍ: أطراف المرء، يداه ورجلاه وعيناه، وهو قول الضحاك.
وقيل: عصارة القلب، وهو قول معمر بن أبي حبيبة.
قال ابنُ عطية: وفي هذه الأقوال تحكم على اللغة.
وقال سعيدُ بنُ جبيرٍ: هو الجيد.
وقال مجاهد: ما بين المنكبين والصدر.
وقال القرطبيُّ: والمشهور من كلام العرب أنها عظام الصَّدْر والنَّحْر.
جاء في الحديث: أن الولد يخلقُ من ماء الرجل، يخرج من صلبه العظم والعصب، وماء المرأة التي يخرج من ترائبها اللحم والدم.
حكى القرطبيُّ: أنَّ ماء الرجل يخرج من الدِّماغ، ثم يجتمع في الأنثيين، وهذا لا يعارض:«مِنْ بَيْنِ الصُّلبِ والتَّرائبِ» ؛ لأنه إن نزل من الدِّماغ، فإنما يمرُّ بين الصلب والترائب.
قال قتادةُ: المعنى: يخرج من صلب الرجل وترائب المرأة.
وحكى الفراء: أنَّ مثل هذا يأتي عن العرب، فيكون معنى ما بين الصلب: من الصلب.
والمعنى من صلب الرجل وترائب المرأة، ثم إنَّا نعلم أن النطفة من جميع أجزاء البدن، ولذلك يشبه الرجل والديه كثيراً، وهذه الحكمة في غسل جميع الجسد من خروج المني، وأيضاً فالمكثر من الجماع يجد وجعاً في صلبه وظهره، وليس ذلك إلا لخلو صلبه عما كان محتبساً من الماء.
قال المهدويُّ: من جعل المنيَّ يخرج من بين صلب الرجل وترائبه، فالضمير في «يخرج» للماء، ومن جعله من بين صلب الرجل وترائب المرأة، فالضمير للإنسان.
قوله: {إِنَّهُ} . الضمير للخالق المدلول عليه بقوله تعالى: {خُلِقَ} ؛ لأنه معلوم أن لا خالق سواه سبحانه.
قوله: {على رَجْعِهِ} ، في الهاء وجهان:
أحدهما: أنه ضمير الإنسان أي على بعثه بعد موته، وهو قول ابن عباس وقتادة والحسن وعكرمة، وهو اختيار الطبري، لقوله تعالى:{يَوْمَ تبلى السرآئر} .
والثاني: أنه ضمير الماء، أي: يرجع المنيّ في الإحْليل أو الصلب.
قاله الضحاكُ ومجاهدٌ، والأول قول الضحاك أيضاً وعكرمة.
[وعن الضحاك أيضاً أن المعنى أنه رد الإنسان من الكِبَرِ إلى الشباب، ومن الشباب إإلى الكبر. حكاه المهدوي.
وفي الماوردي والثعلبي: إلى الصِّبا ومن الصِّبا إلى النُّطفة.
وقال ابن زيد: إنه على حبس ذلك الماء حتى يخرج لقادر.
وقال الماوردي: يحتمل أنه على أن يعيده إلى الدنيا بعثه إلى الآخرة؛ لأن الكفار يسألون فيها الرجعة، والرجع مصدر رجعت الشيء أي: رددته] .
قوله: {يَوْمَ تبلى السرآئر} . فيه أوجه، وقد رتبها أبو البقاءِ على الخلاف في الضمير، فقال: على القول بكون الضمير للإنسان، فيه أوجه:
أحدها: أنه معمول ل «قادر» .
إلَاّ أنَّ ابن عطية قال - بعد أن حكى أوجهاً عن النحاة -: «وكل هذه الفرق فرَّت من أن يكون العامل» لقادر «، لئلَاّ يظهر من ذلك تخصيص القدرة في ذلك اليوم وحدهُ» .
ثم قال: «وإذا تؤمل المعنى وما يقتضيه فصيح كلام العرب جاز أن يكون العامل» لقادر «، وذلك أنه قال:» إنَّه على رجعهِ لقادرٌ «؛ لأنه إذا قدر على ذلك في هذا الوقت كان في غيره أقدر بطريق الأولى.
الثاني: أن يكون العامل مضمر على التبيين، أي: يرجعه يوم تبلى.
الثالث: تقديره: اذكر، فيكون مفعولاً به، وعلى عوده على الماء يكون العامل فيه: اذكر» انتهى ملخصاً.
وجوَّز بعضهم أن يكون العامل فيه «نَاصِرٍ» ، وهو فاسد؛ لأن ما بعد «ما» النافية وما بعد الفاء لا يعمل فيما قبلهما.
وقيل: العامل «رَجْعِهِ» وهو فاسدٌ؛ لأنه قد فصل بين المصدر ومعموله بأجنبي، وهو خبر «إنَّ» . وبعضهم يقتصره في الظرف.
قوله: «تُبلَى» تختبر وتعرف؛ قال الراجز: [الرجز]
5169 -
قَدْ كُنْتَ قَبْلَ اليَوْم تَزْدَرينِي
…
فاليَومَ أبْلُوكَ وتَبْتَلِينِي
أي: أعرفك وتعرفني.
وقيل: {تبلى السرآئر} تخرج من مخبآتها وتظهر، وهو كل ما استسرّه الإنسان من خير، أو شر، وأضمره من إيمان، أو كفر.
قال ابن الخطيب: والسرائرُ: ما أسر في القلوب، والمراد هنا: عرض الأعمال، ونشر الصحف، أو المعنى: اختبارها، وتمييز الحسن منها من القبيح لترتيب الثواب والعقاب.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم َ: «ائْتَمَنَ اللهُ - تعَالَى - خَلقهُ على أرْبَع: الصَّلاةِ، والزَّكاةِ والصِّيام، والغُسْلِ، وهُنَّ السَّرائِرُ الَّتي يَختبِرُهَا اللهُ عز وجل يَوْمَ القِيَامَةِ» ذكره المهدوي.
وروى الماورديُّ عن زيدٍ بن أسلم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم َ: «الأمَانَةُ ثلاثٌ:
الصَّلاةُ، والصَّومُ، والجنَابةُ، اسْتأمَنَ اللهُ - تعالى - ابْنَ آدمَ على الصَّلاةِ، فإن شاء قال: صلَّيْتُ، ولمْ يُصَلِّ، واسْتأمنَ اللهُ تعالى ابْنَ آدَم على الصَّوم، فإنْ شَاءَ قَالَ:[صُمْتُ ولَمْ يَصُمْ واسْتَأمنَ اللهُ تعالى ابْن آدمَ على الجَنابةِ فإنْ شَاءَ قَال:] اغْتسَلت ولمْ يَغْتسِلْ، اقْرَأوا إن شِئْتُم:{يَوْمَ تبلى السرآئر} » .
[وقال مالك رضي الله عنه: الوضوء من السرائر، والسرائر ما في القلوب يجزي الله به العباد] .
وقال ابن العربيِّ: قال ابن مسعود رضي الله عنه: يغفر للشهيد إلَاّ الأمانة، والوضوء من الأمانة، والصلاة والزكاة من الأمانة، والوديعة من الأمانة، وأشد ذلك الوديعة، تمثل له على هيئتها يوم أخذها، فيرمى بها في قعر جهنم، فيقال له: أخرجها، فيتبعها، فيجعلها في عنقه، وإذا أراد ان يخرج بها زلت، فيتبعها، فيجعلها في عنقه، فهو كذلك دهر الداهرين.
وقال أبي بن كعب: من الأمانة أن ائتمنت المرآة على فرجها.
وقال سفيان: الحيضة والحمل من الأمانة، إن قالت: لم أحضْ وأنا حامل صدقت ما لم يأت ما يعرف فيه أنها كاذبة.
قوله: {فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ} ، أي: فما الإنسان من قوَّة، أي: منعةٍ تمنعه، ولا ناصرٍ ينصره عن ما نزل به.
قال ابن الخطيب: ويمكن أن يتمسك بهذه الآية على نفي الشفاعة، لقوله تعالى:{واتقوا يَوْماً لَاّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً} [البقرة: 48] الآية.
والجواب ما تقدم.
قوله: {والسمآء ذَاتِ الرجع} .
قيل: الرَّجْعُ: مصدر، بمعنى رجوع الشمس والقمر إليها، والنجوم تطلع من ناحيته، وتغيب في أخرى.
وقيل: الرَّجْعُ: المطر؛ قال: المتنخِّل، يصف سيفاً يشبههُ بالماء:[السريع]
5170 -
أبْيَضُ كالرَّجْعِ رَسُوبٌ إذَا
…
ما ثَاخَ في مُحْتفلٍ يَخْتَلِي
وقال: [البسيط]
5171 -
رَبَّاءُ شَمَّاءُ لا يَأوِي لقُلَّتِهَا
…
إلَاّ السَّحَابُ وإلَاّ الأوبُ والسَّبلُ
وقال الخليل: المطر نفسه، وهذا قول الزجاج.
قال ابن الخطيب: واعلم أن كلام الزجاج، وسائر علماء اللغة «صريح» في أن الرجع ليس اسماً موضوعاً للمطر، بل سمي رجعاً مجازاً، وحسن هذا المجاز وجوه:
أحدها: قال القفال: كأنه من ترجيع الصوت وهو إعادته، ووصل الحروف به، وكذا المطر، لكونه يعود مرة بعد أخرى سمِّي رجعاً.
وثانيها: أن العرب كانوا يزعمون أنَّ السَّحاب يحمل الماء من بحار الأرض، ثم يرجعه إلى الأرض.
والرجع - أيضاً - نبات الربيع.
وقيل: «ذَاتِ الرَّجْعِ» أي: ذات النفع.
وقيل: ذات الملائكة، لرجوعهم فيها بأعمال العباد، وهذا قسم.
{والأرض ذَاتِ الصدع} قسمٌ آخر، أي: تتصدع عن النبات، والشجر، والثمار، والأنهار، نظيره:{ثُمَّ شَقَقْنَا الأرض شَقّاً} [عبس: 26] .
والصَّدعُ: بمعنى الشق؛ لأنه يصدع الأرض، فتصدع به، وكأنَّه قال: والأرض ذات النبات الصادع للأرض.
وقال مجاهد: الأرض ذات الطريق التي تصدعها المشاة.
وقيل: ذات الحرث لأنه يصدعها.
وقيل: ذات الأموات لانصداعها للنشور.
وقيل: هما الجبلان بينهما شق وطريق نافذ لقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً} [الأنبياء: 31] .
قال ابن الخطيب: واعلم أنَّه تعالى، كما جعل كيفية خلقه الحيوان دليلاً على معرفة المبدأ والمعاد، ذكر في هذا القسم كيفية خلقه النبات.
فقال تعالى: {والسمآء ذَاتِ الرجع} أي: كالأب، «والأرض ذات الصدع» كالأم، وكلاهما من النعم العظام؛ لأن نعم الدنيا موقوفة على ما ينزل من السماء متكرراً، وعلى ما ينبت من الأرض كذلك، ثم أردف هذا القسم بالمقسم عليه، وهو قوله تعالى:{إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ} . وهذا جواب القسم، والضمير في «إنَّه» للقرآن، أي: إن القرآن يفصل بين الحق والباطل.
وقال القفالُ: يعود إلى الكلام المتقدم والمعنى: ما أخبرتكم به من قدرتي على إحيائكم يوم تبلى سرائركم قول فصل، وحق، والفصل: الحكم الذي ينفصل به الحق عن الباطل، ومنه فصل الخصومات، وهو قطعها بالحكم الجزم، [ويقال: هذا قول فصل قاطع للشر والنزاع.
وقيل: معناه جد] لقوله: {وَمَا هوَ بالهزل} . أي: باللعب، والهزل: ضد الجد والتشمير في الأمر، يقال: هزل يهزل.
قال الكميتُ: [الطويل]
5172 -
تَجُدُّ بِنَا فِي كُلِّ يَومٍ وتهْزِلُ
…
قوله: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً} ، أي: أنَّ أعداء الله يكيدون كيداً، أي: يمكرون بمحمد صلى الله عليه وسلم َ وأصحابه مكراً.
قيل: الكَيْدُ: إلقاء الشبهات، كقولهم:{إِنْ هِيَ إِلَاّ حَيَاتُنَا الدنيا}
[المؤمنون: 37]{مَن يُحيِي العظام وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس: 78]{أَجَعَلَ الآلهة إلها وَاحِداً} [ص: 5]{لَوْلَا نُزِّلَ هذا القرآن على رَجُلٍ مِّنَ القريتين عَظِيمٍ} [الزخرف: 31]{فَهِيَ تملى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} [الفرقان: 5] .
وقيل: الطعن فيه بكونه ساحراً، أو شاعراً، او مجنوناً، حاشاه من ذلك صلى الله عليه وسلم َ.
وقيل: قصدهم قتله، لقوله تعالى:{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الذين كَفَرُواْ} [الأنفال: 30] الآية.
وأما قوله: {وَأَكِيدُ كَيْداً} . أي: أجازيهم جزاء كيدهم.
وقيل: هو ما أوقع الله - تعالى - بهم يوم «بدر» من القتل، والأسر.
وقيل: استدراجهم من حيث لا يعلمون.
وقيل: كيد الله تعالى، بنصره وإعلاء درجته صلى الله عليه وسلم َ تسمية لأحد المقتابلين باسم الآخر، كقوله تعالى:{وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [الشورى: 40] ؛ وقول الشاعر: [الوافر]
5173 -
ألَا لَا يجْهلَنْ أحَدٌ عليْنَا
…
فَنجهَلَ فوْقَ جَهْلِ الجَاهِلينَا
وقوله تعالى: {نَسُواْ الله فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ} [الحشر: 19]{يُخَادِعُونَ الله وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء: 142] . قوله: {فَمَهِّلِ الكافرين} . أي: لا تدع بهلاكهم، ولا تستعجل، وارض بما تريده في أمورهم، ثم نسخت بقوله تعالى:{فاقتلوا المشركين حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} [التوبة: 5] .
قوله: {أَمْهِلْهُمْ} . هذه قراءة العامة، لما كرر الأمر توكيداً خالف بين اللفظين.
وعن ابن عبَّاس رضي الله عنهما: «مَهِّلهُمْ» كالأول، ومهَّل وأمْهَل بمعنى مثل: نزل وأنزل، والإمهال والتَّمهيل: الانتظار، يقال: أمهلتك كذا، أي: انتظرتك لتفعله، والاسم: المهلة والاستمهال: الانتظار، والمَهْل: الرِّفقُ والتُّؤدةُ، وتمهل في أمره: أي: أتاه، وتمهَّلَ تمهيلاً: اعتدل وانتصب، والامتهال: سكون وفتور، ويقال: مهلاً يا فلان، اي رفقاً وسكوناً.
قوله: {رُوَيْداً} . مصدر مؤكد لمعنى العامل، وهو تصغير إرواد على الترخيم، وقيل: بل هو تصغير «رود» كذا قال أبو عبيد.
وأنشد: [البسيط]
5174 -
كَأنَّهُ ثَمِلٌ يَمْشِي على رَوَدِ
…
أي: على مهل. واعلم أن «رويداً» : يستعمل مصدراً بدلاً من اللفظ بفعله، فيضاف تارة، كقوله تعالى:{فَضَرْبَ الرقاب} [محمد: 4] ، ولا يضاف أخرى، نحو: رويداً زيداً ويقع حالاً، نجو: ساروا رويداً، أي: متمهلين، ونعت المصدر، نحو:«ساروا رويداً» ، أي: سيراً رويداً، وتفسير «رويداً» مهلاً، وتفسير «رويدك» أمهل؛ لأن الكاف إنمت تدخله إذا كان بمعنى:«افعل» دون غيره، وإنَّما حُرِّكت الدال لالتقاء الساكنين، ونصب نصب
المصادر، وهو مصغَّر مأمور به؛ لأنه تصغير الترخيم من «إرواد» : وهو مصدر: «أرود، يرود» وله أربعة أوجه: اسماً للفعل، وصفة، وحالاً، ومصدراً، وقد تقدم ذكرها.
قال ابن عباس: رضي الله عنهما: «رويداً» أي: قريباً.
وقال قتادةُ: قليلاً.
وقيل: {أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً} إلى يوم القيامة، وإنما صغِّر ذلك من حيث إن كل آت قريب.
وقيل: «أمهلهم رويداً» إلى يوم يرد.
روى الثعلبي عن أبي بن كعبٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم َ: «مَنْ قَرَأ {والسمآء والطارق} اعطاهُ اللهُ تعَالى مِنَ الأجْرِ بعَددِ كُلِّ نجمٍ في السَّماءِ عَشْرَ حَسَناتٍ» والله تعالى أعلم.