المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

سورة قريش - اللباب في علوم الكتاب - جـ ٢٠

[ابن عادل]

الفصل: سورة قريش

سورة قريش

ص: 503

مكية في قول الجمهور، مدنية في قول الضحاك والكلبي، هي أربع آيات، وسبع عشرة كلمة، وثلاث وسبعون حرفا. بسم الله الرحمن الرحيم قوله تعالى: {لإِيلَافِ‌

‌ قُرَيْشٍ}

، في متعلق هذه الآية أوجه:

أحدها: أنه ما في السورة قبلها من قوله تعالى: {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ} .

قال الزمخشري «هذا بمنزلة التضمين في الشعر، وهو أن يتعلق معنى البيت بالذي قبله تعلقاً لا يصح إلا به، وهما في مصحف أبيّ سورة واحدة بلا فصل.

وعن عمر أنه قرأهما في الثانية من صلاة المغرب، وقرأ في الأولى:» والتِّينِ «، انتهى.

وإلى هذا ذهب الأخفش، إلا أن الحوفي قال: ورد هذا القول جماعة، بأنه لو كان كذا، لكان» لإيْلافِ «بعض سورة» ألَمْ تَرَ «، وفي إجماع الجميع على الفصل بينهما ما يدل على عدم ذلك.

الثاني: أنه مضمر تقديره: فعلنا ذلك، أي: إهلاك أصحاب الفيل {لإِيلَافِ قُرَيْشٍ} ، أي: لتأليف قريش، أو لتنفق قريش، أو لكي تأمن قريش، فتؤلف رحلتيها.

وقيل: تقديره: اعجبوا.

الثالث: أنه قوله تعالى: {فَلْيَعْبُدُواْ} لإيلافهم؛ فإنها أظهر نعمة عليهم.

قاله الزمخشري؛ وهو قول الخليل من قبله.

وقرأ ابن عامر:» لإلاف «دون ياء قبل اللام الثانية.

ص: 503

والباقون:» لإيلاف «بياء قبلها، وأجمع الكل على إثبات الياء في الثاني، وهو» إيلافهم «. ومن غريب ما اتفق في هذين الحرفين: أن القراء اختلفوا في سقوط الياء وثبوتها في الأول مع اتفاق المصاحف على إثباتها خطًّا، واتفقوا على إثبات الياء في الثاني مع اتفاق المصاحف على سقوطها فيه خطًّا، وهذا دليل على أن القراء يتبعون الأثر والرواية، لا مجرد الخط.

فأما قراءة ابن عامر ففيها وجهان:

أحدهما: أنه مصدر ل» ألف «ثلاثياً، يقال: ألف الرجل، إلفاً، وإلافاً؛ نحو: كتبته كتاباً، ويقال: ألفته إلفاً وإلافاً.

وقد جمع الشاعر بينهما في قوله: [الوافر]

5313 -

زَعمْتُمْ أنَّ إخْوتَكُمْ قُريْشٌ

لَهُمْ إلفٌ وليْسَ لَكُمْ إلافُ

والثاني: أنه مصدر ل» آلف «رباعياً نحو قاتل قتالاً. وقال الزمخشري: لمُؤالفةِ قريش. وأما قراءة الباقين فمصدر آلف رباعياً بزنة» أكرم «يقال: آلفته، أولفه إيلافاً.

قال الشاعر: [الطويل]

5314 -

مِنَ المُؤلفَاتِ الرَّمْلَ أدمَاءُ حُرَّةٌ

شُعَاعُ الضُّحَى في مَتْنِهَا يتوضَّحُ

وقرأ عاصم في رواية:» إئلافهم «بهمزتين، الأولى مكسورة، والثانية ساكنة، وهي شاذة؛ لأنه يجب في مثله إبدال حرفاً مجانساً ك» إيمان «.

وروي عنه أيضاً: بهمزتين مكسورتين، بعدهما ياء ساكنة.

وخرجت على أنه أشبع كسر همزة الثانية فتولد منها ياء وهذه أشدُّ من الأولى.

ونقل أبو البقاء أشد منها، فقال:» بهمزة مكسورة بعدها ياء ساكنة، بعدها همزة مكسورة «. وهو بعيد، ووجهه: أنه أشبع الكسرة، فنشأت الياء، وقصد بذلك الفصل بين الهمزتين كالألف في» أأنْذَرتَهُمْ «.

وقرأ أبو جعفر: «لإلف قريش» بهمزة مكسورة، بزنة:«قِرْد» ، وقد تقدم أنه مصدر ل «ألف» كقوله:[الوافر]

5315 -

...

...

...

...

... ..... لَهُمْ إلْفٌ وليْسَ لَكُمْ إلافُ

ص: 504

وعنه أيضاً، وعن ابن كثير:«إلفهم» ، وهي ساكنة اللام بغير ياء، وهي قراءة مجاهد وحميد.

وروت أسماء رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم َ يقرأ: «إلفهم» ، وهو مروي أيضاً عن ابن عبَّاس وغيره.

وعنه أيضاً وعن ابن عامر: «إلافهم» مثل «كتابهم» .

وعنه أيضاً: «ليْلافهم» بياء ساكنة بعد اللام، وذلك أنه لما أبدل الثانية حذف الأولى على غير قياس.

وقرأ عكرمة: «ليألف قريش» فعلاً مضارعاً.

وعنه أيضاً: «لتألف قريش» على الأمر واللام مكسورة، وعنه فتحها مع الأمر وهي لغة.

فصل في اتصال السورة بما قبلها

تقدم أن هذه السورة، متصلة بما قبلها في المعنى، أي: أهلكت أصحاب الفيل لإيلاف قريش، أي: لتأليف قريش أو لتنفق قريش، أو لتأمن قريش فتؤلف رحلتيها.

قال ابن الخطيب: فإن قيل: إنما كان الإهلاك لكفرهم.

قلنا: جزاء الكفور يكون يوم القيامة، يجزي كل نفس بما كسبت للأمرين معاً، ولكن لا تكون اللام لام العاقبة، أو يكون المعنى:«ألم تَرَ كيف فعل ربُّك بأصحاب الفيل؛ لإيلاف قريش» ، أي: كل ما تضمنته السورة «لإيلافهم» ، أو تكون اللَاّم بمعنى «إلى» ، أي: وجعلنا هذه النعم مضافاً إلى قريش.

وقال الكسائي والأخفش: اللام في {لإِيلَافِ قُرَيْشٍ} لام التعجب. أي اعجبوا لإيلاف قريش، نقله القرطبي.

قال الفراء: هذه السورة متصلة بالسورة الأولى؛ لأنه ذكر أهل «مكة» عظيم نعمته عليهم فيما صنع بالحبشة، ثم قال - جلا وعلا -:{لإِيلَافِ قُرَيْشٍ} . فعلنا بأصحاب الفيل نعمة منا على قريش، وذلك أن قريشاً كانت تخرج في تجارتها، فلا يغار عليها في الجاهلية، يقولون: هم أهل بيت الله تعالى حتَّى جاء صاحب الفيل ليهدم الكعبة فأهلكه الله تعالى، فذكرهم نعمته، أي: فجعل الله تعالى ذلك {لإِيلَافِ قُرَيْشٍ} أي:

ص: 505

ليألفوا الخروج ولا يتجرأ عليهم، قاله مجاهد وابن عباس في رواية سعيد بن جبير.

قال ابن عباس، في قوله تعالى:{لإِيلَافِ قُرَيْشٍ} قال: نعمتي على قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف، قال: كانوا يشتون ب «مكة» ، ويصيفون ب «الطائف» ، وعلى هذا القول يجوز الوقف على رءوس الآي، وإن لم يكن الكلام تاماً.

قال ابن الخطيب: والمشهور أنهما سورتان، ولا يلزم من التعلق الاتحاد؛ لأن القرآن كسورة واحدة.

وقال الخليل: ليست متصلة، كأنه قال: ألف الله قريشاً إيلافاً، فليعبدوا ربَّ هذا البيت [واللام متعلقة بقوله تعالى: فليعبد هؤلاء رب هذا البيت، لإيلافهم رحلة الشتاء والصيف للامتياز، ويحمل ما بعد الألف ألفاً على ما قبلها؛ لأنها زائدة غير عاطفة كقولك: زيد فاضرب، وأما مصحف أبيّ فمعارض بإطباق على الفصل بينهما، وأما قراءة عمر رضي الله عنه فالإمام قد يقرأ سورتين] .

قال ابن العربي: وليست المواقف التي ينتزع بها القراء شرعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم َ مروياً، وإنما أرادوا به تعليم الطلبة المعاني، فإذا علموها وقفوا [حيث شاءوا، فأما الوقف عند انقطاع النفس فلا خلاف فيه، ولا تعد ما قبله إذا اعتراك ذلك، ولكن ابدأ من حيث وقف بك نفسك، هذا رأيي فيه] ، ولا دليل على ما قالوه بحالٍ، ولكني أعتمد الوقف على التَّمام، كراهية الخروج عنهم.

قال القرطبي: «وأجمع المسلمون أن الوقف عند قوله:» كَعصفٍ مأكُولٍ «، ليس بقبيح، وكيف يقال بقبحه، وهذه السورة تقرأ في الركعة الأولى، والتي بعدها في الركعة الثانية، ولا يمنع الوقف على إعجاز الآيات، سواء تمَّ الكلام أم لا» .

فصل في الكلام على قريش

قريش: اسم القبيلة.

قي: هم ولد النضر بن كنانة، وكل من ولده النضر فهو قرشي، وهو الصحيح وقيل: هم ولد فهر بن مالك بن النضر بن كنانة، فمن لم يلده فهر فليس بقرشي، فوقع الوفاق على أن بني فهر قرشيون، وعلى أن كنانة ليسوا بقرشيين، ووقع الخلاف في النضر ومالك، ثم اختلف في اشتقاقه على أوجه:

ص: 506

أحدها: أنه من التقرُّش، وهو التجمُّع، سموا بذلك لاجتماعهم بعد تفرق، قال:[الطويل]

5316 -

أبُونَا قُصَيٌّ كَانَ يُدعَى مُجمِّعاً

بِهِ جَمَّعَ اللهُ القَبائلَ مِنْ فِهْرِ

والثاني: أنه من القرش: وهو الكسب، كانت قريش تجاراً، يقال: قرش يقرش: أي: اكتسب.

والثالث: أنه من التفتيش، يقال: قَرَشَ يقرش عني أي: فتش، وكانت قريش يفتشون على ذوي الخلَاّت، فيسدون خلَّتهم.

قال الشاعر: [الخفيف]

5317 -

أيُّهَا الشَّامِتُ المُقرِّشُ عَنَّا

عِنْدَ عَمْرٍو فَهلْ لهُ إبْقَاءُ

والرابع: أن معاوية سأل ابن عباس لم سميت قريش قُريشاً؟ .

فقال: لدابة في البحر يقال لها: القرش من أقوى دوابه، تأكل ولا تؤكل، وتعلُو ولا تُعْلَى.

وأنشد قول تبع: [الخفيف]

5318 -

وقُريشٌ هِيَ الَّتي تَسكنُ البَحْ

رَ بِهَا سُمِّيَتْ قُريشٌ قُرَيْشَا

تَأكُلُ الرثَّ والسَّمينَ ولا تَتْ

رُكُ فِيهَا لِذِي جَناحَيْنِ رِيشَا

هَكَذا في البِلادِ حَيُّ قُريْشٍ

يَأكُلونَ البِلادَ أكْلاً كَمِيشَا

ولهُمْ آخِرَ الزَّمانِ نبيٌّ

يُكْثرُ القَتْلَ فِيهمُ والخُمُوشَا

ثم قريش: إما أن يكون مصغراً تصغير ترخيم، فقيل: الأصل مقرش، وقيل: قارش، وإما أن يكون مصغراً من ثلاثي، نحو: القرش، وأجمعوا على صرفه هنا مراداً به الحي، ولو أريد به القبيلة لامتنع من الصَّرف؛ كقوله:[الكامل]

5319 -

غَلَبَ المَسامِيحَ الولِيدُ سَماحَةً

وكَفَى قُريْشَ المُعضِلاتِ وسَادَهَا

قال سيبويه في معدّ، وقريش، وثقيف، وكينونة، هذه للأحياء أكثر، وإن جعلتها أسماء للقبائل، فهو جائز حسن.

ص: 507

قوله: {إِيلَافِهِمْ} مؤكد للأول تأكيداً لفظيًّا، وأعربه أبو البقاء: بدلاً.

قوله: «رحلة» مفعول به بالمصدر، والمصدر مضاف لفاعله، أي: لأن ألفوا رحلة، والأصل: رحلتي الشتاء والصيف، ولكنه أفرد لأمن اللبس؛ كقوله:[الوافر]

5320 -

كُلُوا في بَعْضِ بَطْنِكمُ تَعِفُّوا.....

...

...

...

...

. .

قاله الزمخشريُّ. وفيه نظر، لأن سيبويه يجعل هذا ضرورة، كقوله:[الطويل]

5321 -

حَمَامَةَ بَطْنِ الوادِيَيْنِ تَرَنَّمِي.....

...

...

...

...

. .

قال الليث: الرحلة اسم لارتحال القوم للمسير وقيل: رحلة اسم جنس، وكانت له أربع رحل، وجعله بعضهم غلطاً، وليس كذلك.

قال القرطبي: «رِحْلة» نصب بالمصدر أي: ارتحالهم رحلة، أو بوقوع «إيْلافِهم» عليه، أو على الظرف، ولو جعلتها في محل الرفع على معنى هما رحلتا الشتاء، والصيف، لجاز.

وقرأ العامة: بكسر الراء، وهي مصدر.

وأبو السمال: بضمها، وهي الجهة التي يرتحل إليها، والشتاء: واد، شذُّوا في النسب إليه، فقالوا: شتوي، والقياس: شِتَائي، وشِتَاوي ك «كسائي، وكِسَاويّ» .

فصل في معنى الآية

قال مجاهد في قوله تعالى: {إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشتآء والصيف} : لا يشق عليهم رحلة شتاء ولا صيف منة منه على قريش.

وقال الهروي وغيره: كان أصحاب الإيلاف أربعة إخوة: هاشم، وعبد شمس، والمطلب، ونوفل بنو عبد مناف، فأما هاشم فإنه كان يؤلف ملك «الشام» ، أي: أخذ منه حبلاً وعهداً يأمن به في تجارته إلى «الشام» ، وأخوه عبد شمس كان يؤلف إلى «الحبشة» ، والمطلب إلى «اليمن» ، ونوفل إلى «فارس» ، ومعنى يؤلف: يجير، فكان هؤلاء الإخوة يسمون المجيرين، فكان تُجَّارُ قريش يختلفون إلى الأمصار، بحبل هؤلاء الإخوة، فلا يتعرض لهم.

ص: 508

قال الأزهري: الإيلاف: شبه الإجارة بالخفارة، يقال: آلف يؤلف: إذا أجار الحمائل بالخفارة، والحمائل: جمع حمولة.

قال: والتأويل: أن قريشاً كانوا سكان الحرم، ولم يكن لهم زرع ولا ضرع، وكانوا يميرون في الشتاء، والصيف آمنين، والناس يتخطَّفُون من حولهم، فكانوا إذا عرض لهم عارض قالوا: نحن أهل حرم الله، فلا يتعرض الناس لهم، وكانت إحدى الرحلتين إلى اليمن في الشتاء، لأنها بلاد حامية، والرحلة الأخرى في الصيف إلى «الشام» ؛ لأنها بلاد باردة.

وعن ابن عباس، قال: يشتون ب «مكة» لدفئها، ويصيفون ب «الطائف» لهوائها، وهذه من أجل النعم أن يكون للقوم ناحية حر تدفع عنهم برد الشتاء، وناحية برد تدفع عنهم حر الصيف، فذكرهم الله تعالى هذه النعمة. .

فصل في الشتاء والصيف

قال مالك: الشتاء نصف السُّنة، والصيف نصفها.

وقال قوم آخرون: الزمان أربعة أقسام: شتاء، وربيع، وصيف، وخريف.

وقيل: شتاء، وصيف، وقيظ، وخريف.

قال القرطبيُّ: والذي قال مالك أصح؛ لأن اللهَّ قسم الزمان قسمين، ولم يجعل لهما ثالثاً.

قوله: {فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هذا البيت} ، أمرهم تعالى بعبادته، وتوحيده لأجل إيلافهم رحلتين، وتقدم الكلام على الفاء، والبيت هو الكعبة، وفي تعريف نفسه بأنه تعالى رب هذا البيت وجهان:

أحدهما: أنها كانت لهم أوثان، فميز نفسه تعالى عنها.

الثاني: لأنهم شُرِّفوا بالبيت على سائر العرب، فذكر لهم ذلك تذكيراً لنعمته. وقيل: المعنى: أن يعبدوا رب هذا البيت، أي ليألفوا عبادة رب هذا البيت كما كانا يألفون الرحلتين.

{الذي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ} ، أي: من أجل الجوع، و «آمنهم» من أجل الخوف، والتنكير للتعظيم أي: من جوع عظيم وخوف عظيم.

وقال أبو البقاء: ويجوز أن يكون في موضع الحال من مفعول «أطْعَمَهُمْ» .

ص: 509

وأخفى نون «من» في الخاء: نافع في رواية، وكذلك مع العين، نحو:«من على» ، وهي لغة حكاها سيبويه.

فصل في مكانة قريش

قال ابنُ عبَّاسٍ: وذلك بدعوة إبراهيم عليه السلام حيث قال: {رَبِّ اجعل هذا بَلَداً آمِناً وارزق أَهْلَهُ مِنَ الثمرات} [البقرة: 126] .

وقال ابن زيد: كانت العرب يغيرُ بعضهاعلى بعض ويسبي بعضها من بعض، فأمنت قريش من ذلك لمكان الحرم.

وقيل: شق عليهم السَّفر في الشتاء والصيف، فألقى الله - تعالى - في قلوب الحبشة أن يحملوا إليهم طعاماً في السَّفر، فخافت قريش منهم وظنُّوا أنهم خرجوا لحربهم، فخرجوا إليهم متحرزين، فإذا هم قد جلبوا لهم الطعام، وأعانوهم بالأقوات، فكان أهلُ «مكة» يخرجون إلى «جدة» بالإبل والحمر فيشترون الطعام على مسيرة ليلتين.

وقيل: إن قريشاً لما كذبوا النبي صلى الله عليه وسلم َ دعا عليهم، فقال:«اللَّهُم اجْعلهَا عَليهِمْ سِنيْنَ كَسني يُوسُفَ» فاشتد القحط، فقالوا: يا محمد، ادعُ الله لنا فإنا مؤمنون، فدعا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم َ فأخصبت «تبالة» ، و «جرش» من بلاد «اليمن» ، فحملوا الطعام إلى «مكة» ، وأخصب أهلها

. وقال الضحاك وربيع وشريك وسفيان: وآمنهم من خوف الحبشة مع الفيل.

وقال علي رضي الله عنه: وآمنهم من أن تكون الخلافة إلا فيهم.

وقيل: كفاهم أخذ الإيلاف من الملوك.

روى الثعلبي عن أبيّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم َ: «مَنْ قَرَأ سُورَة {لإِيلَافِ قُرَيْشٍ} أعطِيَ من الأجْرِ حَسناتٍ بعَددِ مَنْ طَافَ بالكَعْبَةِ، واعْتكَفَ بِهَا» والله أعلم.

ص: 510

سورة " الدين " وتسمى " الماعون "

ص: 511

مكية في قول عطاء، وجابر، وأحد قولي ابن عباس، ومدنية في قول له آخر، وهو قول قتادة وغيره، وهي سبع آيات، وخمس وعشرون كلمة، ومائة وثلاثة وعشرون حرفا. بسم الله الرحمن الرحيم قوله تعالى:{أَرَأَيْتَ الذي يُكَذِّبُ بالدين} ، أي: بالجزاء، والحساب، وقرأ الكسائي:«أَرَيْتَ» بسقوط الهمزة. وتقدم تحقيقه في «الأنعام» .

وقال الزمخشري: وليس بالاختيار، لأن حذفها مختصّ بالمضارع، ولم يصح عن العرب:«رَيْتَ» ولكن الذي سهل من أمرها وقوع حرف الاستفهام في أول الكلام، ونحوه:[الخفيف]

5322 -

صَاحِ، هَلْ رَيْتَ أو سَمِعْتَ بِراعٍ

رَدَّ فِي الضَّرعِ ما قَرَى في الحِلابِ

وفي «أرأيْتَ» وجهان:

أحدهما: أنها بصرية، فتتعدّى لواحد، وهو الموصول كأنه قال: أبصرت المكذب.

والثاني: أنها بمعنى «أخبرني» فتتعدّى لاثنين، فقدره الحوفي: أليس مستحقًّا عذاب الله.

وقدره الزمخشري: من هو، ويدل على ذلك قراءة عبد الله:«أرأيتك» بكاف الخطاب، والكاف لا تلحق البصرية.

ص: 511

قال القرطبي: «وفي الكلام حذف والمعنى: أرأيت الذي يكذب بالدين، أمصيب هو، أو مخطئ» .

فصل فيمن نزلت فيه السورة

نقل أبو صالحٍ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نزلت في العاص بن وائل السهمي، وهو قول الكلبي ومقاتل.

وروى الضحاك عنه قال: نزلت في رجُل من المنافقين.

وقال السديُّ: نزلت في الوليد بن المغيرة.

[وقيل في أبي جهل.

وقال الضحاك: في عمرو بن عائذ.

وقال ابن جريج: في أبي سفيان، وكان ينحر في كل أسبوع جزوراً، فطلب منه يتيم شيئاً فقرعه بعصاه، فأنزل الله هذه السورة] .

قال ابن الخطيب: وقيل: إنه عام في كل مكذب بيوم الدين.

قوله: {فَذَلِكَ} ، فيه وجهان:

أحدهما: أن الفاء جواب شرط مقدر، أي: طلبت علمه فذلك.

والثاني: أنها عاطفة «فَذلِكَ» على «الَّذي يُكذِّبُ» إما عطف ذات على ذات، أو صفة على صفة ويكون جواب «أرَأيْتَ» محذوفاً لدلالة ما بعده عليه كأنه قيل: أخبرني، وإما تقول فيمن يكذب بالجزاء، وفيمن يؤذي اليتيم، ولا يطعم المسكين أنِعْمَ ما يصنع؟ .

فعلى الأول يكون اسم الإشارة في محل رفع بالابتداء، والخبر الموصول بعده، وإما على أنه خبر لمبتدأ مضمر، أي: فهو ذلك، والموصول نعته.

وعلى الثاني: أن يكون منصوباً بالنسق، على ما هو منصوب، إلا أن أبا حيان رد الثاني فقال: جعل «فَذلِكَ» في موضع نصب على المفعول، وهو تركيب غريب كقولك:«أكرمت الذي يزورنا فذلك الذي يحسن إلينا» فالمتبادر إلى الذهن أن «فَذلِكَ»

ص: 512

مرفوع بالابتداء، وعلى تقدير النصب يكون التقدير: أكرمت الذي يزورنا، فأكرمت ذلك الذي يحسن إلينا، فاسم الإشارة في هذا التقدير غير متمكِّن تمكن ما هو فصيح، إذ لا حاجة إلى أن يشار إلى «الذي يزورنا» ، بل الفصيح: أكرمت الذي يزورنا، فالذي يحسن إلينا، أو «أكرمت الذي يزورنا، فيحسن إلينا» ، وأما قوله:«إما عطف ذات على ذات» ، فلا يصح؛ لأن «فذلك» إشارة إلى «الَّذي يُكذِّبُ» فليسا بذاتين؛ لأن المشار إليه بقوله:«فَذلِكَ» هو واحد، وأما قوله:«ويكون جواب أرأيت محذوفاً» فلا يسمَّى جواباً، بل هو في موضع المفعول الثاني ل «أرأيت» ، وأما تقديره «أنعمَ ما يصنع» فهمزة الاستفهام لا نعلم دخولها على «نِعْمَ» ، ولا «بِئْسَ» ، لأنهما إنشاء، والاستفهام لا يدخل إلا علىلخبر، انتهى.

[والجواب عن قوله: «فاسم الإشارة غير متمكن» إلى آخره، أن الفرق بينهما أن في الآية الكريمة استفهاماً وهو «أرأيتَ» فحسن أن يفسر ذلك المستفهم منه بخلاف المثال الذي مثل به، فمن ثم حسن التركيب المذكور، وعن قوله: «لأن» فذلك إشارة إلى القائم لا إلى زيد، وإن كان يجوز أن يكون إشارة إليه، وعن قوله: «فلا يسمى جواباً» أن النحاة يقولون: جواب الاستفهام، وهذا قد تقدمه استفهام فحسن ذلك]، وعن قوله:«والاستفهام لا يدخل إلا على الخبر» بالمعارضة بقوله: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ} [محمد: 22] فإن «عسى» إنشاء فما كان جواباً له، فهو جوابٌ لنا.

فصل

قال ابن الخطيب: هذا اللفظ، وإن كان في صورة الاستفهام، لكن الغرض بمثله المبالغة في التعجب كقولك: أرأيت فلاناً ماذا ارتكب.

ثم قيل: إنه خطاب للرسول عليه الصلاة والسلام ُ.

وقيل: خطاب لكل عاقل.

قوله: {يَدُعُّ اليتيم} قرأ العامة: بضم الدَّال، وتشديد العين من «دعَّه» أي: دفعه، وأمير المؤمنين والحسن وأبو رجاء:«يَدعُ» بفتح الدال وتخفيف العين.

فصل

قال الضحاك عن ابن عباس: {فذلِكَ الذي يدعُّ اليَتِيمَ} ، أي: يدفعه عن حقه، قال تعالى:{يَوْمَ يُدَعُّونَ إلى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا} [الطور: 13] .

ص: 513

[قال قتادة: يقهره ويظلمه، وقد تقدم في سورة «النساء» أنهم كانوا لا يورثون النساء، ولا الصغار، ويقولون: إنما يجوز المال من يطعن بالسنان ويضرب بالحسام] .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم َ: «مَنْ ضمَّ يَتِيْماً مِنَ المُسْلمينَ، حَتَّى يَسْتَغْنِي فَقدْ وجَبَتْ لهُ الجَنَّة» .

قوله: {وَلَا يَحُضُّ على طَعَامِ المسكين} ، أي: لا يأمر به من أجل بخله، وتكذيبه الجزاء، والحساب.

وقرأ زيد بن علي: «ولا يحاضّ» من المحاضة. وقد تقدم في الفجر.

قال القرطبي: «وليس الذم عامًّا حتى يتناول من تركه عجزاً، ولكنهم كانوا يبخلون ويعتذرون لأنفسهم، ويقولون: {أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَآءُ الله أَطْعَمَهُ} [يس: 47] فنزلت هذه الآية فيهم، فيكونُ معنى الآية: لا يفعلونه إن قدروا، ولا يحثون عليه إن عسروا» .

ص: 514

قوله: {فَوَيْلٌ} مبتدأ، ومعناه: عذابٌ لهم، وقوله:{لِّلْمُصَلِّينَ} خبر والفاء للسبب، أي: تسبب عن هذه الصفات الذَّميمة الدعاء عليهم بالويل.

قال الزمخشريُّ بعد قوله: «كأنه قيل: أخبرني» : وما تقول فيمن يكذب بالدين أنعم ما يصنع، ثم قال تعالى:{فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ} على معنى: فويل لهم، إلا أنه وضع صفتهم موضع ضميرهم؛ لأنهم كانوا مع التكذيب وما أضيف إليهم ساهين عن الصلاة مرائين غير مزكين أموالهم.

فإن قلت: كيف جعلت المصلين قائماً مقام الضمير {الذي يُكذِّبُ بالدينِ} ، وهو واحد؟ قلت: معناه الجمع؛ لأن المراد الجنس. قال أبو حيان: وأما وضعه المصلين موضع الضمير، وأن «المُصلِّينَ» جمع، لأن ضمير «الذي يُكذِّبُ» معناه الجمع، فتكلُّف واضح، ولا ينبغي أن يحمل القرآن إلَاّ ما عليه الظَّاهر، وعادة هذا الرجل يتكلف أشياء في فهم القرآن ليست بواضحة.

قال شهاب الدين: وعادة هذا الرجل التَّحامل على الزمخشري، حتى يجعل حسنهُ قبيحاً، وطيف يرد ما له، وفيه ارتباط الكلام بعضه ببعض، وجعله شيئاً واحداً، وما

ص: 514

تضمنه من المبالغة في الوعيد في إبراز وصفهم الشنيع، ولا شكَّ أن الظاهر من الكلام أن السورة كلها في وصف قد جمعوا بين هذه الأوصاف كلها من التكذيب بالدين، ودفع اليتيم، وعدم الحضّ على طعام المسكينِ، والسهو في الصلاة، والمراءاة ومنع الخيرِ.

قوله: {الذين هُمْ} ، يجوز أن يكون مرفوع المحل، وأن يكون منصوبه، وأن يكون مجروره، تابعاً أو بدلاً أو بياناً، وكذلك الموصول الثاني، إلَاّ أنه يحتمل ان يكون تابعاً للمصلين، وأن يكون تابعاً للموصول الأول.

وقوله: {يُرَآءُونَ} أصله: يرائيون ك «يقاتلون» ، ومعنى المراءاة: أي: أن المرائي يُري النَّاس عمله، وهم يرون الثَّناء عليه، فالمفاعلة فيها واضحة، وقد تقدم تحقيقه.

فصل في اتصال هذه الآية بما قبلها

في اتصال هذه الآية بما قبلها وجوه:

الأول: أنه لما كان إيذاء اليتيم، والمنع من بذل طعام المسكين، دليلاً على النفاق، كانت هاتين الخصلتين معاملة مع المخلوق.

والثاني: أنه تعالى لما ذكر هاتين الخصلتين مع التكذيب بيوم الدين، قال: أليس الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر؟ فقال: ويلٌ له من هذه الصلاة، كيف لا تنهاه عن هذه الأفعال المنكرة.

والثالث: كأنه يقول: إقدامه على إيذاء اليتيم، وتركه للحث على طعام المسكين تقصير في الشَّفقة على خلق الله تعالى، وسهوه في الصلاة تقصير في التعظيم لأمر الله تعالى، فلما وقع التقصير في الأمرين كملتْ شقاوته.

فصل في المراد بالمرائي في الصلاة

قال ابنُ عباس: هو المصلي، الذي إذا صلّى لم يرجُ لها ثواباً، وإن تركها لم يخشَ عليها عقاباً.

وعنه أيضاً: الذين يؤخرونها عن أوقاتها.

قال سعد بن أبي وقَّاص رضي الله عنه: قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم َ في قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الذين هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} : «الَّذينَ يُؤخِّرُون الصَّلاة عَنْ وقْتِهَا تهَاوُناً بِهَا» .

ص: 515

وقيل: لا يتمُّون ركوعها، ولا سجودها.

وقال إبراهيم: هو الذي يلتفت في سجوده. وقال قطربٌ: هو الذي لا يقرأ ولا يذكر الله، وفي قراءة عبد الله:«الذين هم عن صلاتهم لاهون» .

[وعن ابن عباس أيضاً: هم المنافقون يتركون الصلاة سراً، ويصلونها علانية، وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى الآية، وهذا يدل على أنها في المنافقين قوله: {الذين هُمْ يُرَآءُونَ} ، ورواه ابن وهب عن مالك رضي الله عنه] .

فصل

قال ابن عبَّاس: ولو قال: «في صلاتهم ساهون» لكانت في المؤمنين، وقال عطاء: الحمد لله الذي قال: {عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} ولم يقل: في صلاتهم، فدل على أن الآية في المنافقين.

قال الزمخشريُّ: فإن قلت: أي فرق بين قوله تعالى: {عَن صَلَاتِهِمْ} وبين قوله: «في صلاتهم» ؟ .

قلت: معنى «عَنْ» أنهم ساهون عنها سهو ترك لها، وقلة التفات إليها، وذلك فعل المنافقين، أو الفسقة الشطار من المسلمين، ومعنى «فِي» أن السَّهو يعتريهم فيها بوسوسة شيطان، أو حديث نفس، وذلك لا يكاد يخلو منه إنسان، وكان النبي صلى الله عليه وسلم َ يقع له السَّهْوُ في صلاته فضلاً عن غيره.

قال ابن الخطيب: قال كثير من العلماء: إنه صلى الله عليه وسلم َ ما سها في صلاته لكن أذن الله له في ذلك الفعل بياناً للتشريع في فعل السَّاهي، ثم بتقدير وقوع السهو منه، فالسهو على أقسام:

ص: 516

أحدها: سهو الرسول عليه الصلاة والسلام ُ - وأصحابه، وذلك يجبر بالسنن تارة، وبالسُّنن والنوافل تارة.

والثاني: ما يكثر في الصلاة من الغفلة، وعدم استحضار النِّيَّة، وهذا يقع كثيراًَ.

والثالث: ترك الصَّلاة، لا إلى قضاء الإخراج من الوقت، ومن ذلك صلاة المُنافق؛ لأنه يستهزئ بالدين، والفرق بين المُنافق والمُرائي: أنَّ المنافق يبطن الكفر ويظهر الإيمان والمرائي: إنما يظهرُ زيادة الخُشُوع ليعتقد من يراه دينه، أو يقال: إن المنافق لا يصلي سراً، والمرائي تكون صلاته عند النَّاس.

قال ابن العربي: السَّلامة عند السَّهو محال.

قوله: {الذين هُمْ يُرَآءُونَ} ، أي: يُري الناس أنه يصلي طاعة، وهو يصلي تقيَّة كالفاسق، يري أنه يصلي عبادة، وهو يصلي ليقال: إنه يصلي، وحقيقة الرِّياء: طلب ما في الدنيا بالعبادة، وأصله: طلب المنزلةِ في قُلوب الناس، وهو من وجوه:

أولها: تحسين السَّمت، يريد بذلك الجاه، والثناء.

وثانيها: الرياء بالثياب القصار والخشنة ليتشبه بالزهادِ.

وثالثها: إظهار السخط على الدنيا، وإظهار الوعظ، والتأسّف على فوات الخير والطاعة.

ورابعها: إظهار الصلاة، والصدقة، وتحسين الصلاة، لأجل رؤية الناس، وغير ذلك مما يطول ذكره.

فصل في الرياء

لا يكون الرجل مُرائياً بإظهار العمل المفروض، لأن حق الفرائض الإعلان وإشهارها لقوله صلى الله عليه وسلم َ:«ولا غمةُ فِي فَرائضِ اللهِ» ، ولأنها أعلام الإسلام وشرائع الدين، ويستحق تاركها الذم، والمَقْت، فوجب إماطة التُّهمة بإظهارها، وأما التطوع فحقه أن يخفى؛ لأنه مما لا يلام بتركه، ولا تهمة فيه، فإن أظهره قاصداً للاقتداء كان جميلاً، وإن قصد بإظهاره أن الأعين تنظر إليه، ويثنى عليه بالصَّلاح فهو الرياء.

قوله: {وَيَمْنَعُونَ الماعون} . في «المَاعُون» أوجه:

أحدها: «فاعول» من المعن، وهو الشيء القليل، يقال: ما له معنة، أي: قليل، قاله قطربٌ.

الثاني: أنه اسم مفعول من أعانه يعينه [والأصل: مَعُون، وكان من حقّه على هذا أن يقال: معون ك «مقول» و «مصون» اسم مفعول من: قال وصان، ولكن قلبت الكلمة بأن قدمت عينها قبل فائها، فصار موعون، ثم قلبت الواو الأولى الفاً كقولهم تاب وصام في توبة وصومة، فوزنه الآن مفعول، وفيه شذوذ معان كقام، وأما مفعول فاسم مفعول الثلاثي.

ص: 517

الثاني: القلب وهو خلاف الأصل.

الثالث: قلب حرف العلة ألفاً وإن لم يتحرك، وقياسه على تابه وصامه بعيد لشذوذ المقيس عليه، وقد يجاب عن الثالث بأن الواو متحركة في الأصل قبل القلب، فإنه بزنة معوون الوجه] .

والثالث: أن أصله «معونة» والألف عوض عن الهاء.

ووزنه «مفعل» ك «ملوم» ، ووزنه بعد الزيادة «مافعل» .

فصل في تفسير الماعون

اختلف المفسرون في «الماعون» ، وأحسنها: أنه كان يستعان به، وينتفع به كالفأس والدلو، والمقدحة.

قال الأعشى: [المتقارب]

5323 -

بأجْودَ مِنهُ بِمَاعُونهِ

إذَا ما سَماؤهُمُ لَمْ تَغِمْ

ولم يذكر المفعول للمنع، إما للعلم به، أي: يمنعون النَّاس، أو الطالبين، وإما لأن الغرض ذكر ما يمنعونه، تنبيهاً لخساستهم، وضَنّهم بالأشياء النافعة المستقبح منها عند كل أحد.

فإن قيل: هذه الآية تدلُّ على التهديد العظيم بالسَّهو عن الصَّلاة، والرياء، ومنع الماعُون، وذلك من باب الذنوب، ولا يصير المرء به منافقاً، فلم حكم الله بمثل هذا الوعيد على هذا الفعل؟ فالجواب من وجوه:

الأول: قال ابن الخطيب: المراد بالمصلين هنا المنافقون الذين يأتون بهذه الأفعال وعلى هذا التقدير: دلّت الآية على أن الكافر له مزيد عقوبة على فعل محظورات الشرعِ، وتركه واجبات الشَّرع، وذلك يدل على أنًّ الكفار مخاطبون بفروع الإسلام.

الثاني: قيل لعكرمة: من منع شيئاً من المتاع كان له الويلُ؟ فقال: لا، ولكن من جمع ثلاثتهن فله الويل، يعني: ترك الصلاةِ، وفعل الرياء، وترك الماعون.

روى الثعلبي عن أبيّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم َ: «مَنْ قَرَأ سُورَةَ {أَرَأَيْتَ الذي يُكَذِّبُ بالدين} غَفرَ اللهُ لهُ إنْ كَان مُؤدِّياً للزَّكَاةِ» والله تعالى أعلم.

ص: 518