الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة النصر
مدنية بالإجماع، وتسمى سورة " التوديع "، وهي ثلاث آيات، وست عشرة كلمة، وتسعة وستون حرفا. بسم الله الرحمن الرحيم قوله تعالى:{إِذَا جَآءَ نَصْرُ الله والفتح} : عليك وعلى أمتك، والمقصود: إذا جاء هذان الفعلان من غير نظر إلى متعلقهما، كقوله تعالى:{أَمَاتَ وَأَحْيَا} [النجم: 44] .
«أل» في «الفتح» عوض من الإضافة: أي: وفتحه عند الكوفيين، والعائد محذوف عند البصريين، أي: والفتح منه للدلالة على ذلك، والعامل في «إذا» :«جاء» وهو قول مكي، وإليه ذهب أبو حيَّان وغيره في مواضع وقد تقدم ذلك.
وإما «فسبِّح» ، وإليه نحا الزمخشريُّ والحوفي، والتقدير: فسبح بحمد ربك إذا جاء، ورده أبو حيَّان بأن ما بعد فاء الجواب لا يعمل فيما قبلها، وفيه بحثٌ تقدم بعضه في سورة «الضحى» .
فصل في الكلام على «نصر»
النصر:
العون، مأخوذ من قولهم: قد نصر الغيث الأرض، إذا أعان على إنباتها.
قال الشاعر: [الطويل]
5337 -
إذَا انْسَلَخَ الشَّهْرُ الحَرامُ فَوَدِّعي
…
بِلادَ تَمِيمٍ وانصُرِي أرضَ عَامرِ
ويروى: [الطويل]
5338 -
إِذَا دَخَلَ الشَّهْرُ الحَرَامُ فَجَاوِزِي
…
بِلادَ تَمِيمٍ وَانْصُرِي أَرْضَ عَامِر
يقال: نصره على عدوه ينصره نصراً، أي: أعانه، والاسم: النُّصرة، واستنصره على عدوه، أي: سأله أن ينصره عليه، وتناصروا: نصر بعضهم بعضاً.
وقيل: المرادُ بهذا النصر: نصر الرسول عليه الصلاة والسلام ُ - على قريش قاله الطبري.
[وقيل نصره على من قاتله من الكفار وأن عاقبه النصر كانت له وأما الفتح فهو فتح مكة، قاله الحسن ومجاهد وغيرهما، وقال ابن عباس وسعيد بن جبير هو فتح المدائن والقصور وقيل فتح سائر البلاد، وقيل ما فتحه عليه من العلوم، وقيل إذا بمعنى قد جاء نصر الله لأن نزولها بعد الفتح، ويجوز أن يكون معناه إذا يجيئك] .
فصل في الفرق بين النصر والفتح
قال ابن الخطيب: الفرق بين النصر والفتح، الفتح هو تحصيل المطلوب الذي كان متعلقاً، والنصر كالسبب للفتح، فلهذا بدأ بذكر النصر، وعطف الفتح عليه، ويقال: النصرُ كمالُ الدينِ والفتح إقبال الدنيا الذي هو تمام النعمةِ، كقوله تعالى:{اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً} [المائدة: 3] .
والنَّصْر: الظَّفر في الدنيا، والفتح: بالجنة.
فصل في المراد بهذا النصر
قال ابن الخطيب: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم َ كان مؤيداً منصوراً بالدلائل، والمعجزات، فما المعنى بتخصيص لفظ النصر بفتح «مكة» ؟ .
والجواب: أن المراد من هذا النصر هو النصر الموافق للطبع.
فإن قيل: النصر لا يكون إلا من الله تعالى، قال تعالى:{وَمَا النصر إِلَاّ مِنْ عِندِ الله} [الأنفال: 10] فما فائدة التقييد بقوله تعالى: {نَصْرُ الله} ؟ .
فالجواب: معناه: لا يليق إلا بالله، كما يقال: هذه صنعة زيد، إذا كان مشهوراً، فالمراد هذا هو الذي سألتموه.
فإن قيل: لم وصف النصر بالمجيء، وحقيقته: إذا وقع نصر الله، فما الفائدة في ترك الحقيقة، وذكر المجاز؟ .
فالجواب: أن الأمور مرتبطةٌ بأوقاتها، وأنه - تعالى - قد ربط بحدوث كلِّ محدث أسباباً معينة، وأوقاتاً مقدرة يستحيل فيها التقدم، والتأخر، والتبدل، والتغير، فإذا حضر ذلك الوقت، وجاء ذلك الزمان حضر ذلك الأثر معه، وإليه الإشارة بقوله:{وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَاّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ} [الحجر: 21] .
فإن قيل: الذين أعانوا رسول الله صلى الله عليه وسلم َ على فتح مكة هم الصحابة رضي الله عنهم ثم إنه تعالى سمى نصرتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم َ فما السبب في إضافة النصر إليه؟ .
فالجواب: أن النصر وإن كان على يد الصحابة لكن لا بدَّ لهم من داعٍ وباعث، وهو من الله تعالى.
فإن قيل: فعلى هذا التقدير الذي ذكرتم يكون فعل العبد متقدماً على فعل الله، وهو خلاف قوله تعالى:{إِن تَنصُرُواْ الله يَنصُرْكُمْ} [محمد: 7] فجعل نصر العبد مقدماً على نصره لنا.
فالجواب: أن لا امتناع في أن يكون فعل العبد سبباً لفعل آخر يصدر عن الله - تعالى - فإن أسباب الحوادث ومسبباتها على ترتيب عجيب تعجز عن إدراكها العقول البشرية.
قوله: {وَرَأَيْتَ الناس يَدْخُلُونَ} ، «رأيت» يحتمل أن يكون معناه: أبصرت، وأن يكون معناه: علمت، فإن كان معناه «أبصرت» كان «يَدخُلونَ» في محل النصب على الحال، والتقدير: ورأيت الناس يدخلون حال دخولهم في دين الله أفواجاً، وإن كان معناه:«علمت» كان «يدخُلونَ» مفعولاً ثانياً ل «علمت» والتقدير: علمت الناس داخلين في دين الله أفواجاً.
وفي عبارة الزمخشري: أنه كان بمعنى «أبصرتُ» ، أو «عرفت» .
وناقشه أبو حيان: بأن «رأيت» لا يُعرف كونها بمعنى «عرفت» قال: «فيحتاج في ذلك إلى استثبات» .
وقرأ العامة: «يدخلون» مبنياً للفاعل.
وابن كثير في رواية: مبنياً للمفعول و «فِي دِيْنِ» ظرف مجازي، وهو مجاز فصيح بليغ هاهنا.
قوله: {أَفْوَاجاً} حال من فاعل «يَدخُلُونَ» .
قال مكي: «وقياسه:» أفوج «إلا أن الضمة تستثقل في الواو فشبهوا» فعلاً «- يعني بالسكون - ب» فَعل - يعني بالفتح - فجمعوه جمعه «انتهى.
أي: أن» فَعْلاً «بالسكون، قياسه» أفعُل «ك» فَلْس «و» أفلُس «إلا أنه استثقلت الضمةُ على الواوِ، فجمعوه جمع» فعل «بالتحريك نحو: جمل، وأجمال، لأن» فعْلاً «بالسكون على» أفعال «ليس بقياس إذا كان فعلاً صحيحاً، نحو: فرخ وأفراخ وزند وأزناد، ووردت منه ألفاظ كثيرة، ومع ذلك فلم يقيسوه، وقد قال الحوفي شيئاً من هذا.
فصل في الكلام على لفظ الناس
ظاهر لفظ «النَّاس» للعموم، فيدخل كل النَّاس أفواجاً، أي: جماعات، فوجاً بعد فوجٍ، وذلك لما فتحت «مكة» قالت العرب: أما إذْ ظفر محمد صلى الله عليه وسلم َ باهل الحرم، وقد كان الله - تعالى - أجارهم من أصحاب الفيل، فليس لكم به يدان؛ فكانوا يسلمون أفواجاً أفواجاً أمة بعد أمةٍ.
قال الضحاكُ: والأمة: أربعون رجلاً.
وقال عكرمةُ: ومقاتل: أراد بالنَّاس أهل «اليمن» ، وذلك أنه ورد من «اليمن» سبعمائة إنسان مؤمنين طائعين، بعضهم يؤذنون، وبعضهم يقرءون القرآن، وبعضهم يهلِّلُون، فسُرَّ النبي صلى الله عليه وسلم َ قرأ:{إِذَا جَآءَ نَصْرُ الله والفتح} وجاء أهل اليمن، رقيقة أفئدتهم لينة طباعهم، سخية قلوبهم، عظيمة خشيتهم، فدخلوا في دين الله أفواجاً.
وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم َ «أتَاكُمْ أهْلُ اليَمنِ، وهُمْ أضْعَفُ قُلوباً، وأرَقُّ أفئِدَةٌ، الفقهُ يمانٍ، والحِكمةُ يَمَانِيةٌ» .
وقال صلى الله عليه وسلم َ: «إنِّي لأجدُ نَفَسَ ربِّكُمْ من قبلِ اليَمنِ» وفيه تأويلان:
أحدهما: أنه الفرجُ، لتتابع إسلامهم أفواجاً.
والثاني: معناه أن الله تعالى نفس الكرب عن نبيه صلى الله عليه وسلم َ بأهل «اليمن» و [الأنصار] .
وروى جابرُ بنُ عبد الله قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم َ يقول: «إنَّ النَّاس دخلوا في دينِ اللهِ أفواجاً وسيَخرُجُونَ مِنهُ أفواجاً» ذكره الماوردي.
قال ابن الخطيب: كانت تدخل فيه القبيلة بأسرها بعد ما كانوا يدخلون واحداً واحداً، واثنين اثنين.
فصل في المراد بدين الله
ودينُ الله، هو الإسلام، لقوله تعالى:{إِنَّ الدِّينَ عِندَ الله الإسلام} [آل عمران: 19]، {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85] ، وإضافة الدين إلى الاسم الدال على الإلهية، إشارة إلى أنه يجب أن يعبد لكونه إلهاً، وللدين أسماء أخر، قال تعالى:{فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ المؤمنين فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ المسلمين} [الذاريات: 35، 36] .
ومنها: الصراط، قال تعالى:{صِرَاطِ الله الذي لَهُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض} [الشورى: 53] .
ومنها: كلمة الله، ومنها النور:{يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ الله} [الصف: 8] .
ومنها الهدى، قال تعالى:{ذلك هُدَى الله يَهْدِي بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ} [الأنعام: 88] .
ومنها العروة الوثقى {فَمَنْ يَكْفُرْ بالطاغوت وَيْؤْمِن بالله فَقَدِ استمسك بالعروة الوُثْقَى} [البقرة: 256] .
ومنها: الحبلُ المتين: {واعتصموا بِحَبْلِ الله جَمِيعاً} [آل عمران: 103] .
ومنها: حنيفة الله، وفطرة الله.
فصل في إيمان المقلد
قال جمهور الفقهاء والمتكلمين: إيمان المقلد صحيح، واحتجوا بهذه الآية، قالوا: إنه تعالى حكم بصحة إيمان أولئك الأفواج، وجعله من أعظم المنن على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم َ ولو لم يكن إيمانهم صحيحاً، لما ذكره في هذا المعرض، ثم إنا نعلم قطعاً أنهم ما كانوا يعرفون حدوث الأجسام بالدليل، وإثبات كونه تعالى منزّهاً عن الجسمية، والمكان والحيز، وإثبات كونه تعالى عالماً بجميع المعلومات التي لا نهاية لها، ولا إثبات الصفات، والتنزيه بالدليل، والعلم بأن أولئك الأعراب ما كانوا عالمين بهذه الدقائق ضروري، فعلمنا أن إيمان المقلد صحيح، لا يقال: إنهم كانوا عالمين بأصول دلائل هذه
المسائل؛ لأن أصول هذه الدلائل ظاهرة، بل كانوا جاهلين بالتفاضل؛ لأنا نقول: إن الدليل لا يقبل الزِّيادة والنُّقصان، فإن الدليل إذا كان مركباً من عشر مقدمات، فمن علم تسعة منها، وكان في المقدمة العاشرة مقلداً، كان في النتيجة مقلداً لا محالة.
قوله: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} ، {بِحَمْدِ رَبِّكَ} حال، أي: ملتبساً بحمده.
قال ابن الخطيب: إنه - تعالى - أمره صلى الله عليه وسلم َ بالتسبيح، ثم بالحمد، ثم بالاستغفار، والفائدة فيه أن تأخير النصر سنين، مع أن محمداً صلى الله عليه وسلم َ كان على الحقّ، مما يثقل على القلب، ويقع في القلب أني إذا كنت على الحق فلم لا ينصرني، ولو سلطت على هؤلاء الكفار. فلأجل الاعتذار عن هذا الخاطر، أمر بالتسبيح أما على قولنا: فالمراد من هذا التنزيه، أنه تعالى منزَّه عن أن يستحق عليه أحد شيئاً [بل كل ما يفعله بحكم المشيئة الإلهية، فله أن يفعل ما شاء كما يشاء، ففائدة التسبيح: تنزيه الله تعالى عن أن يستحق عليه أحد شيئاً] .
وأما على قول المعتزلة، ففائدة التنزيه: هو أن يعلم العبد أن تنزيه اللهِ تعالى عما لا يليق ولا ينبغي بسبب المصلحة، لا بسبب ترجيح الباطل على الحق، ثم إذا فرغ العبد من تنزيه الله، فحينئذ يشتغل بحمده على ما أعطاه من الإحسان والبر، ثم حينئذ بالاستغفار بذنوب نفسه.
فصل في معنى الآية
قال المفسرون: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ واستغفره} أي: إذا صليت، فأكثر من ذلك.
وقيل: معنى «سَبِّحْ» صلِّ، قاله ابن عبَّاس رضي الله عنهما.
[وقوله: {بِحَمْدِ رَبِّكَ} حامداً له على ما آتاك من الظفر، والفتح، واستغفره أي: سلوا الله الغفران.
وقيل: فسبح أي: المراد به التنزيه، أي: نزهه عما لا يجوز عليه، مع شكرك له، وبالاستغفار، ومداومة الذكر] .
وروي في «الصحيحين» عن عائشة رضي الله عنها «قالت: ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم َ صلاة بعد أن نزلت سورة {إِذَا جَآءَ نَصْرُ الله والفتح} إلا يقولُ فيها: سبحانك اللَّهُمَّ وبحمدِكَ اللَّهُمَّ اغفِرْ لِي» .
وقالت أم سلمة رضي الله عنها: «كان النبي صلى الله عليه وسلم َ آخر أمره لا يقوم، ولا يقعد،
ولا يجيء، ولا يذهب إلَاّ قال:» سُبحانَ اللهِ وبحَمدهِ، أسْتغْفِرُ الله، وأتوبُ إليه «قال:» فإنِّي أمرتُ بِهَا «، ثم قرأ: {إِذَا جَآءَ نَصْرُ الله والفتح} »
إلى أخرها.
وقال عكرمة: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم َ على أصحابه قط أشدّ اجتهاداً في أمور الآخرة ما كان عند نزولها.
وقال مقاتل: «لما نزلت، فقرأها النبي صلى الله عليه وسلم َ على أصحابه، ومنهم أبو بكر وعمر وسعد بن أبي وقاص، ففرحوا، واستبشروا، وبكى العباس، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم َ:» مَا يُبْكيْكَ يَا عمّ «.
قال: نُعيتْ إليك نَفسُكَ، قال:» إنَّهُ لَكَمَا تقُولُ «، فعاش بعدها ستين يوماً، ما رئي فيها إلا ضاحكاً مستبشراً» .
وقيل: «نزلت في» منى «بعد أيام التشريق، في حجَّة الوداعِ، فبكى عمر والعباس فقيل لهما: إن هذا يوم فرح، فقال: لا بل فيه نعي النبي صلى الله عليه وسلم َ فقالَ النبي صلى الله عليه وسلم َ:» صدقتما، نعيت إليَّ نفسي «» .
وروى البخاري، وغيره عن ابن عبَّاس، قال: كان عمر بن الخطَّاب يأذن لأهل بدر، ويأذن لي معهم، قال: فوجد بعضهم من ذلك، فقالوا: يأذن لهذا الفتى معنا، ومن أبنائنا من هو مثله، فقال لهم عمر: إنه من قد علمتم، قال: فأذن لهم ذات يوم، وأذن لي معهم، فسألهم عن هذه السورةِ:{إِذَا جَآءَ نَصْرُ الله والفتح} ، فقالوا: أمر الله - جلَّ وعزَّ - نبيه صلى الله عليه وسلم َ إذا فتح عليه أن يستغفره وأن يتوب إليه فقال: ما تقول يا ابن عباس؟ .
قلتُ: ليس كذلك ولكن أخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم َ بحضور أجله فقال: {إِذَا جَآءَ نَصْرُ الله والفتح} فذلك علامة موتك {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ واستغفره إِنَّهُ كَانَ تَوَّابَا} فقال عمر رضي الله عنه: تلومونني عليه؟ وفي رواية: قال عمر: «ما أعلم منها إلا ما تقول» .
فصل
فإن قيل: فماذا يغفر للنبي صلى الله عليه وسلم َ حتى يؤمر بالاستغفار؟ .
فالجواب: كان النبي صلى الله عليه وسلم َ يقول في دعائه: «ربِّ اغفِرْ لِي خَطيْئَتِي وجَهْلِي، وإسْرافِي في أمْرِي كُلِّه، ومَا أنْتَ أَعْلَمُ بِهِ منِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي خَطيئَتِي، وعمدي، وجهْلِي وهزلِي، وكل ذلِكَ عِنْدِي اللَّهُمَّ اغفر لِي ما قدَّمْتُ وما أخَّرتُ، وما أعْلنتُ، ومَا أسْرَرْتُ، أنتَ المُقدِّمُ، وأنتَ المُؤخِّرُ، إنَّكَ على كُلِّ شيءٍ قديرٌ» .
[وكان الرسول صلى الله عليه وسلم َ يستغفر لنفسه لعظيم ما أنعم الله عليه، ويرى قصوره عن القيام بحقّ ذلك.
وقيل: حسنات الأبرار سيئات المقربين.
وقيل: يحتمل أن يكون المعنى كن متعلقاً به سائلاً راغباً متضرعاً على رؤية التقصير في أداء الحقوق.
وقيل: الاستغفار نفسه يجب إتيانه لا للمغفرة بل تعبداً.
وقيل: واستغفر أي: استغفر لأمتك إنه كان تواباً على المسبحين والمستغفرين، يتوب عليهم ويرحمهم، ويقبل توبتهم، وإذا كان عليه السلام وهو معصوم يؤمر بالاستغفار فماذا يظنّ بغيره] .
فصل في تفسير الآية
قد مرَّ تفسير الحمد، وأما تفسير قوله تعالى:{فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} ففيه وجوه:
الأول: قال الزمخشري: قل: سبحان الله، والحمد لله، تعجباً مما أراك الله من عجيب إنعامه، أي: اجمع بينهما، كقولك: الماءُ باللبن، أي: اجمع بينهما خلطاً، وشرباً.
الثاني: أنَّ التسبيح داخل في الحمد؛ لأنك إذا حمدت الله تعالى، فقد سبَّحته بواسطته، لأن الثناء عليه، والشكر له يتضمن تنزيهه عن النقائص، ولذلك جعل الحمد مفتاح القرآن، فمعنى:{فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} ، أي: سبحه بواسطته، أن تحمده، وأن تسبحه بهذا الطريق.
الثالث: أن يكون حالاً، أي: سبحه مقدراً أن تحمد بعد التسبيح، كأنك تقول: لا يتأتى لك الجمع بينهما لفظاً، فاجمعهما نية كما تنوي الصلاة يوم النحر مقدراً أنك تنحر بعدها، فيجتمع لك الثواب في تلك الحالة.
الرابع: أن هذه الباء كهي في قولك: فعلت هذه بفضل الله، أي: بحمده، أي: أنه الذي هداك لرشدك لا تجد غيره، كقوله صلى الله عليه وسلم َ:«الحَمدُ للهِ على الحَمْدِ» .
الخامس: قال السديُّ: «بحمدِ ربِّك» أي: بأمر ربك.
السادس: أن تكون الباء زائدة، والتقدير: سبح حمد ربك، أي: طهر محامد ربك عن الرياء والسمعة، أو اختر له أطهر المحامد، وأذكاها وأحسنها أو ائْتِ بالتسبيح والتنزيه بدلاً عن الحمد.
السابع: فيه إشارة إلى أن التسبيح والحمد لا يتأخر أحدهما عن الآخر، ولا يمكن أن يؤتى بهما معاً، ونظيره: من ثبت له حق الشفعة، وحق الرد بالعيب وجب أن يقول: اخترت الشفعة بردي ذلك المبيع، كذا هاهنا، قال:{فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} ليقع معاً، فيصير مسبحاً حامداً في وقت واحد معاً.
[فإن قيل: التوبة مقدمة على جميع الطَّاعات، ثم الحمد مقدم على التسبيح؛ لأن الحمد على النعم، والنعم سابقة أيضاً، والاستغفار سابق، ثم التسبيح؟ فالجواب لعله بدأ بالأشرف تنبيهاً على أن النزول من الخالق إلى الخلق أشرف من الصعود من الخلق إلى الخالق، أو نبّه بذلك على أن التسبيح والحمد الصادرين من العبد، إذا قابلا جلال الحقّ وعزته استوجبا الاستغفار، ولأن التسبيح والحمد إشارة إلى تعظيم أمر الله، والاستغفار إشارة إلى الشفقة على خلق الله، فالأول كالصلاة، والثاني كالزكاة فكما أن الصلاة مقدمة على الزكاة، فكذا هاهنا] .
فإن قيل: قوله تعالى: {كَانَ تَوَّابَا} بدل من الماضي، وحاجتنا إلى قبوله في المستقبل وأيضاً: هلا قال سبحانه: {غَفَّاراً} [نوح: 10] ، كما قال تعالى في سورة نوح عليه الصلاة والسلام ُ.
وأيضاً قال تعالى: {نَصْرُ الله} ، وقال:{فِي دِينِ الله} وقال: {بِحَمْدِ رَبِّكَ} ولم يقل: بحمد الله.
فالجواب عن الأول: أن هذا أبلغ كأنه يقول: إني أثنيت على من هو أقبح فعلاً منهم كاليهود فإنهم بعد ظهور المعجزات الظاهرة العظيمة، كفلق البحر، ونتق الجبل ونزول المنِّ والسلوى عصوا ربَّهم، وأتوا بالقبائح، ولما تابوا قبلت توبتهم، فإذا كنت قابلاً لتوبة أولئك، وهم دونكم، أفلا أقبل توبتكم، وأنتم خير أمة أخرجت للنَّاس؟ أو لأني شرعت في توبة العصاة، والشروع ملزم أو هو إشارة إلى تخفيف جنايتهم، أي: لستم أول من جنى، والمصيبة إذا عمت خفت؛ أو كما قيل:[المتقارب]
5339 -
كَما أحْسنَ اللهُ فِيما مَضَى
…
كَذلِكَ يُحسِنُ فِيمَا بَقِي
والجواب عن الثاني: لعله خص هذه الأمة بمزيد الشرفِ، لأنه لا يقال في صفات العبد: غفار أو يقال: تواباً، ويقال إذا كان آتياً بالتوبة، فكأنه تعالى يقول: كنت لي سمياً من أول الأمر، أنت مؤمن، وأنا مؤمن، وإن اختلف المعنى فتب حتى صرت سمياً في آخر الأمر، فأنت تواب، وأنا تواب، ثم التواب في حق الله تعالى أنه يقبل التوبة كثيراً، فيجب على العبد أن يكون إتيانه بالتوبة كثيراً.
[وأنه إنما قال: تواباً، لأن القائل قد يقول: أستغفر الله، وليس بتائب كقول المستغفر بلسانه المصر بقلبه، كالمستهزئ.
فإن قيل قد يقول: أتوب، وليس بتائب.
فلنا: فإذن يكون كاذباً، فإن التوبة اسم للرجوع، أو الندم بخلاف الاستغفار، فإنه لا يكون كاذباً فيه، فيكون تقدير الكلام: وأستغفر الله بالتوبة، وفيه تنبيه على خواتم الأعمال] .
والجواب عن الثالث: أنه راعى العدل، فذكر اسم الذَّات مرتين، وذكر اسم الفعل مرتين؛ أحدهما: الرب والثاني: التواب، فلما كانت التربية تحصل أولاً، والتوبة آخراً، لا جرم ذكر اسم الرب أولاً، واسم التوبة أخراً.
فصل في نزول السورة
قال ابن عمر رضي الله عنهما نزلت هذه السورة ب «منى» في حجة الوداع ثُمَّ نزلت: {اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً} [المائدة: 3] فعاش صلى الله عليه وسلم َ بعدها خمسين يوماً، ثم نزل:{لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} [التوبة: 128] فعاش بعدها خمسة وثلاثين يوماً، ثم نزلت:{واتقوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله} [البقرة: 281] فعاش بعدها صلى الله عليه وسلم َ أحداً وعشرين يوماً.
وقال مقاتل: سبعة أيام.
وقيل غير ذلك.
فصل
قال ابن الخطيب: اتفق الصحابة رضي الله عنهم على أن هذه السورة دلت على نعي رسول الله صلى الله عليه وسلم َ.
فإن قيل: كيف دلت السورة على هذا المعنى؟ .
فالجواب من وجوه:
أحدها: قال بعضهم: إنما عرفوا ذلك لما روي أنه صلى الله عليه وسلم َ خطب عقيب السورة، وذكر التخيير.
وثانياً: أنه لما ذكر حُصول النَّصر، ودخول النَّاس في دين الله أفواجاً، دل ذلك على حصول التمام، والكمال، وذلك يستعقبه الزَّوال؛ كما قيل:[المتقارب]
5340 -
إذَا تَمَّ شَيءٌ بَدَا نَقصهُ
…
تَوقَّعْ زَوالاً، إذا قِيلَ: تَمْ
وثالثها: أنه جل ذكره أمر بالتسبيح، والحمد، والاستغفار مطلقاً، واشتغاله صلى الله عليه وسلم َ بذلك يمنعه من الاشتغال بأمر الأمة، فكان هذا كالتنبيه على أنّ التبليغ قد تم وكمل، وذلك يوجب الموت، لأنه لو بقي صلى الله عليه وسلم َ بعد ذلك، لكان كالمعزول عن الرسالة، وهذا غير جائزٍ.
ورابعها: قوله: «واسْتَغْفِرْهُ» تنبيه على قرب الأجل، كأنه يقول: قرب الأجل ودنا الرحيل فتأهّبْ. ونبه على أن سبيل العاقل إذا قرب أجله يستكثر من التوبة.
وخامسها: كأنه قيل: كان منتهى مطلوبك في الدنيا هذا الذي وجدته، وهو النصر والفتح، والله تعالى وعدك بقوله:{وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأولى} [الضحى: 4] فلما وجدت أقصى مرادك في الدنيا، فانتقل إلى الآخرة لتفوز بتلك السعادة العالية.
روى الثعلبي عن أبيّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم َ: «مَنْ قَرَأَ سُورةَ:» النصر «فَكَأنَّمَا شَهِدَ مَع مُحمَّدٍ عليه الصلاة والسلام فَتْح مَكَّة» .
سورة " تبت " أو " المسد "
مكية، وهي خمس آيات، وثلاث وعشرون كلمة، وسبعة وسبعون حرفا. بسم الله الرحمن الرحيم قوله تعالى:{تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} ، أي: خسرت. وتقدم تفسير هذه المادة في سورة غافر عند قوله: {إِلَاّ فِي تَبَابٍ} [غافر: 37] ، وأسند الفعل إلى اليدين مجازاً؛ لأن أكثر الأفعال تزاول بهما، وإن كان المراد جملة المدعو عليه.
وقوله: {تَبَّتْ} دعاء، {وَتَبَّ} إخبار، أي: قد وقع ما دعي به عليه؛ كقول الشاعر: [الطويل]
5341 -
جَزانِي، جَزَاهُ اللهُ شَرَّ جزَائِه
…
جَزاءَ الكِلابِ العَاويَاتِ وقَدْ فعلْ
ويؤيده قراءة عبد الله: «وقَدْ تبَّ» ، والظَّاهر أنَّ كليهما دعاء، ويكون في هذا شبه من مجيء العام بعد الخاص؛ لأن اليدين بعض، وإن كان حقيقة اليدين غير مراد.
وقيل: كلاهما إخبار، أراد بالأول: هلاك عمله، وبالثاني: هلاك نفسه، وإنما عبر باليدين؛ لأن الأعمال غالباً تُزاول بهما.
وقيل: المراد باليدين نفسه وقد يعبر باليد عن النفس، كقوله تعالى:{بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ} [الحج: 10] ، أي نفسك، وهذا شائع في كلام العرب يعبّرون ببعض الشيء عن كله، يقولون: أصابه يد الدهر، ويد المنايا، والرزايا، أي: أصابه كل ذلك.
قال الشاعر: [مخلع البسيط]
5342 -
لمَّا أكبَّتْ يَدُ الرَّزَايَا
…
عَليْهِ نَادَى ألاّ مُجِيرُ
وقال ابن الخطيب: وعبر باليدين، إما لأنه كان يرمي النبي صلى الله عليه وسلم َ بالحجارة، وقيل: المراد دينه، ودنياه وأولاده، وعقباه، أو المراد بأحدهما جر المنفعة، وبالأخرى: دفع المضرة، أو لأن اليمين سلاح، والأخرى جُنَّة.
وقل: بمعنى ماله، وبنيه، «وتَبَّ» هو نفسه وقيل:«تبَّ» يعني ولده وعقبه، وهو الذي دعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم َ فقال:«اللَّهمَّ سلِّط عليْهِ كَلباً من كِلابِكَ» لشدة عداوته، فافترسه الأسد.
وقرأ العامة: «لَهَب» بفتح الهاء، وابن كثير: بإسكانها.
فقيل: هما لغتان بمعنى نحو: النَّهَر والنَّهْر، والشَّعَر والشَّعْر، والبَعَر والبَعْر، والضَّجَر والضَّجْر.
وقال الزمخشري: «وهو من تغيير الأعلام، كقوله: شمس بن مالك، بالضم» ، يعني أن الأصل: بفتح الشين فغيرت إلى الضم.
ويشير بذلك لقول الشاعر: [الطويل]
5343 -
وإنِّي لمُهْدٍ مِنْ ثَنَائِي فَعاهِدٌ
…
بِهِ لابْنِ عَمِّ الصِّدْقِ شُمْسِ بْنِ مَالِكِ
وجوز أبو حيان في «شمس» أن يكون منقولاً من «شمس» الجمع، كما جاء «أذناب خيل شمس» ، فلا يكون من التغيير في شيء.
وكني بذلك أبو لهب: إما لالتهاب وجنتيه، وكان مشرق الوجه، أحمرهُ، وإما لما يئول إليه من لهب جهنم، كقولهم: أبو الخير، وأبو الشر، لصدورهما منه، وإما لأن الكنية أغلب من الاسم، أو لأنها أنقص منه، ولذلك ذكر الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - بأسمائهم جدون كُناهم، أو لقُبحِ اسمه؛ لأن اسمه عبد العُزَّى، فعدل عنه إلى الكنية؛ لأن الله لم يضف العبودية في كتابة إلى صنم.
وقيل: اسمه أبو لهب، كما سمي أبو سفيان، وأبو طالب.
وقال الزمخشريُّ: فإن قلت: لم أكناه، والكنية تكرمه؟ .
ثم ذكر ثلاثة أجوبة: إما لشهرته بكنيته، وإما لقبح اسمه كما تقدم، وإما لتجانس قوله:«ناراً ذات لهبٍ» لأن مآله إلى لهب جهنم. انتهى.
وهذا يقتضي أن الكنية أشرف، وأكمل لا أنقص، وهو عكس القول الذي تقدم آنفاً.
وقرئ: «يَدَا أبُو لهبٍ» بالواو مكان الجر.
قال الزمخشري: «كما قيل: علي بن أبو طالب، ومعاوية بن أبو سفيان، لئلَاّ يغير منه شيء، فيشكل على السامع، ولفليتة بن قاسم أمير» مكة «ابنان: أحدهما:» عبدِ الله «بالجر، والآخر» عبدَ الله «بالنصب» .
ولم يختلف القراء في قوله: «ذَات لهب» أنها بالفتح. والفرق أنها فاصلة، فلو سكنت زال التشاكل.
[قال قتادة: تبت خسرت.
وقال ابن عباس: خابت.
وقال عطاء: ضلت.
وقال ابن جبير: هلكت. وقال يمان بن رئاب: صفرت من كل خير] .
فصل في نزول الآية
حكى الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء، أنه لما قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه سمع الناس هاتفاً يقول:[مجزوء الوافر]
5344 -
لَقدْ خَلَّوكَ وانْصَرفُوا
…
فَمَا آبُوا وَلا رَجعُوا
ولَمْ يُوفُوا بِنذْرِهِمُ
…
فَيَا تَبًّا لِمَا صَنَعُوا
فصل في نزول السورة
روى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما: «لما نزلت: {وَأَنذِرْ
عَشِيرَتَكَ الأقربين} [الشعراء: 214] خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم َ حتَّى صعد الصَّفا، فهتف: يا صباحاه فقالوا: من هذا الذي يهتف؟ .
قالوا: محمد، فاجتمعوا إليه، فقال:» يَا بَنِي فُلانٍ يَا بَنِي فُلانِ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنافٍ، يا بني عبد المُطَّلب «، فاجتمعوا إليه: فقال:» أرَأيْتُمْ لَوْ أخْبَرْتُكُمْ أنَّ خَيْلاً تَخرجُ بسفحِ هذا الجَبلِ، أكُنْتُمْ مُصدِّقِيّ «؟ .
قالوا: ما جرَّبنا عليك كذباً، قال:» فإنِّي نذيرٌ لكُم بينَ يدي عذاب شديدٍ «، فقال أبُو لهبٍ: تبَّا لك، أما جمعتنا إلا لهذا؟ ثم قام فنزلت هذه السورة» .
وفي رواية: لما سمعت أمرأته ما نزل في زوجها وفيها من القرآن، أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم َ وهو جالس في المسجد عند الكعبة، ومعه أبو بكر رضي الله عنه وفي يدها فهر من حجارة، فلما وقفت عليه أخذ الله بصرها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم َ فلا ترى إلا أبا بكر، فقالت: يا أبا بكر، إن صاحبك قد بلغني أنه يهجوني، والله لو وجدته لضربتُ بهذا الفهر فاهُ؛ والله إني لشاعرة:[منهوك الرجز]
5345 -
مُذمَّماً عَصيْنَا
…
وأمْرهُ أبَيْنَا
ودِينَهُ قَلَينَا
…
ثم انصرفت، فقال أبو بكر: يا رسول الله «أما تراها رأتك؟ قال:» مَا رأتْنِي لقَدْ أخَذَ اللَّهُ بَصرهَا عَنِّي «.
وكانت قريش تسمي رسول الله صلى الله عليه وسلم َ مذمماً، ثم يسبونه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم َ يقول:«ألا تعجبون لما صرف الله تعالى عني من أذى كفار قريش يسبون ويهجون مذمماً وأنا محمد رسول الله» .
وحكى أبو عبد الرحمن بن زيد: «أن أبا لهب أتى النبي صلى الله عليه وسلم َ فقال: ماذا أعطى إن آمنت بك يا محمد؟ قال:» كَمَا يُعطَى المُسلمُونَ «قال: ما لي عليهم فضل؟ .
قال: وأيَّ شيءٍ تَبْغِي؟ قال: تبًّا لهذا من دينٍ، أن أكون أنا وهؤلاء سواء. فأنزل الله تعالى فيه:{تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} » .
وحكى عبد الرحمن بن كيسان قال: كان إذا وفد على النبي صلى الله عليه وسلم َ وفد، انطلق إليهم أبو لهب، فيسألونه عن رسول الله ويقولون له: أنت أعلم به منا، فيقول لهم أبو لهب: إنه كذاب ساحر، فيرجعون عنه، ولا يلقونه فأتى وفد، ففعل معهم مثل ذلك، فقالوا: لا
ننصرف حتى نراه، ونسمع كلامه، فقال لهم أبو لهبٍ: إنا لم نزل نعالجه، فتبَّا له وتعساً، فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم َ، فاكتأب لذلك، فأنزل الله:{تَبَّتْ يَدَا أبِي لهَبٍ} .
وقيل: إن أبا لهبٍ أراد أن يرمي النبي صلى الله عليه وسلم َ بالحجر، فمنعه الله تعالى من ذلك، فنزلت:{تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ} للمنع الذي وقع فيه.
فصل في تفسير التَّبِّ
قال ابن الخطيب: من فسر التبَّ بالهلاك، فلقوله تعالى:{وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَاّ فِي تَبَابٍ} [غافر: 37]، أي: في هلاك، ومن فسَّره بالخسران، فلقوله تعالى:{وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ} [هود: 101]، أي: تخسير، ومن فسره بالخيبة، قال ابن عباس رضي الله عنه: لأنه كان يدفع القوم عنه صلى الله عليه وسلم َ بأنه ساحر، فينصرفون عنه قبل لقائه؛ لأنه كان شيخ القبيلة - لعنه الله - فكان لا يأتيهم، فلما نزلت هذه السورة، وسمع بها غضب، وأظهر العداوة الشديدة، وصار مُتَّهماً، فلما قال في الرسول عليه الصلاة والسلام ُ - بعد ذلك، فكأنه قد خاب لسعيه، ولعله إنما ذكر التب؛ لأنه إنما كان يضرب بيده على يد الوافد عليه، فيقول: انصرف راشداً فإنه مجنون، فإن المعتاد أن من يصرف إنساناً يضع بيده على كتفه، ويدفعه عن ذلك الموضع.
ومن فسر التبَّ بقوله: ضلت، فلأنه كان يعتقد أن يده العليا، وأنه يخرجه من «مكَّة» ، ويذلّه، ومن فسره: ب «صَفرَتْ» فلأن يده خلت من كل خير.
فصل في ترجمة أبي لهب
أبو لهب: اسمه عبد العُزَّى بن عبد المطلب عن النبي صلى الله عليه وسلم َ؛ وامرأته: العوراء أم جميل أخت أبي سفيان بن حرب، وكلاهما كان شديد العداوة للنبي صلى الله عليه وسلم َ.
قال طارق بن عبد الله المحاربي: إني بسوق ذي المجاز، إذ أنا بإنسان يقول:«يا أيُّها النَّاسُ، قولوا: لا إلهَ إلَاّ اللهَ تُفلِحُوا» وإذا رجل خلفه يرميه، قد أدمى ساقيه وعرقوبيه، ويقول: يا أيها الناس، إنه كذاب ساحر، فلا تصدقوه، فقلت: من هذا؟ .
فقالوا: محمد، يزعم أنه نبيّ، وهو عمه أبو لهب يزعم أنه كذاب.
وروى عطاء عن ابن عباس قال: قال أبو لهب: سحركم محمد، إن أحدنا ليأكلُ الجذعة، ويشرب العُسّ من اللبن، فلا يشبع، وإن محمداً قد أشبعكم من فخذِ شاةٍ، وأرواكم من عُسِّ لبن.
قوله: {مَآ أغنى} . يجوز في «مَا» النَّفي، والاستفهام، فعلى الاستفهام يكون
منصوب المحل بما بعدها، التقدير: أي شيء أغنى المال، وقدم لكونه له صدر الكلام.
وقوله: {وَمَا كَسَبَ} : يجوز في «مَا» هذه أن تكون بمعنى «الَّذي» ، والعائد محذوف، وأن تكون مصدرية، أي: وكسبه، وأن تكون استفهامية: بمعنى وأي شيء كسب؛ أي: لم يكسب شيئاً، قاله أبو حيان، فجعل الاستفهام بمعنى النفي، فعل هذا يجوز أن تكون نافية، ويكون المعنى على ما ذكر، وهو غير ظاهر.
وقرأ ابن مسعود والأعمش: «وما اكتسبَ» .
فصل في معنى الآية
المعنى: ما دفع عنه عذاب الله ما جمع من المال، ولا ما كسب من الجاه. وقال مجاهد: وما كسب من مال، وولد الرجل من كسبه.
وقال أبو الطفيل: جاء بنو أبي لهب يختصمون عند ابن عباس رضي الله عنه فاقتتلوا، فقام يحجز بينهم، فدفعه بعضهم فوقع على الفراشِ، فغضب ابن عباس، وقال: أخرجوا عنِّي الكسب الخبيثَ، يعني ولد أبي لهب.
وقال صلى الله عليه وسلم َ: «إنَّ أطْيبَ ما أكَلَ الرجلُ من كسْبهِ» .
وقال ابن عباس: لما أنذر رسول الله صلى الله عليه وسلم َ عشيرته بالنَّار، قال أبو لهب: إن كان ما يقول ابن أخي حقَّا فإني أفدي نفسي بمالي وولدي، فنزل:{مَآ أغنى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ} .
قال الضحاك: ما أغنى عنه ماله ما ينفعه ماله، وعمله الخبيث: يعني كيده، وعداوة رسول الله.
قوله: {سيصلى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ} .
قرأ العامة: «سَيَصْلَى» بفتح الياء، وإسكان الصاد، وتخفيف اللام، أي: يصلى هو بنفسه.
وقرأ أبو حيوة، وابن مقسم، وعياش في اختياره؛ قال القرطبي: والأشهب العقيلي، وأبو سمال العدوي، ومحمد بن السميفع، «سَيُصلَّى» بضم الياء، وفتح الصاد، وتشديد اللام، ومعناه سيصليه الله.
وقرأ الحسن، وابن أبي إسحاق، وأبو رجاء، والأعمش، ورواها محبوب عن إسماعيل عن ابن كثير عن أبيّ رضي الله عنه، وحسين عن أبي بكر عن عاصمٍ: بضم الياء.
ومعنى ذات لهب أي ذات اشتعال وتلهب، وقد تقدم القول فيه في سورة المرسلات.
قوله: {وامرأته حَمَّالَةَ الحطب} .
قرأ العامة: بالرفع، على أنها جملة من مبتدأ وخبر، سيقت للإخبار بذلك.
قيل: وامرأته، عطف على الضمير في «سيصلى» سوغه الفصل بالمفعول، و «حمَّالة الحَطبِ» على هذا فيها أوجه: كونها نعتاً ل «امرأته» ، وجاز ذلك لأن إضافته حقيقية، إذ المراد المعنى، وكونها: بياناً أو بدلاً، لأنها أقرب من الجوامد لتمحض إضافتها، أو كونها خبراً لمبتدأ مضمر أي: هي حمالةُ.
وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما: ومريئته حمالة الحطب.
وعنه أيضاً: «ومريته» على التصغير، إلا أنه أقر الهمزة تارة، وأبدلها ياء، وأدغم فيها أخرى.
وقرأ العامة: «حَمَّالةُ» بالرفع، وعاصم: بالنصب على الشَّتم. وقد أتى بجميل من سبّ أم جميل.
قال الزمخشري: وكانت تكنى أم جميل، لعنها الله.
وقيل: نصب على الحال من «امرأته» إذا جعلناها مرفوعة بالعطف على الضمير.
ويضعف جعلها حالاً عند الجمهور من الضمير في الجار بعدها إذا جعلناها ل «امْرَأتهُ» لتقدمها على العامل المعنوي، واستشكل بعضهم الحالية - لما تقدم - من أن المراد به المعنى، فتتعرف بالإضافة، فكيف يكون حالاً عند الجمهور؟ .
ثم أجاب بأن المراد الاستقبال؛ لأنه ورد أنها تحمل يوم القيامة حزمة من حطب النار، كما كانت تحمل الحطب في الدنيا.
وفي قوله تعالى: {حَمَّالَةَ الحطب} قولان:
أحدهما: هو حقيقة.
قال قتادة: كانت تعير النبي صلى الله عليه وسلم َ بالفقر، ثم كانت مع كثرة مالها تحمل الحطب على ظهرها لشدة بخلها، فعيرت بالبخل.
وقال ابن زيد والضحاك: كانت تحمل العِضَاهَ، والشَّوك، فتطرحه بالليل على طريق النبي صلى الله عليه وسلم َ وأصحابه، فكان صلى الله عليه وسلم َ يطؤه كما يطأ الحرير.
وقال مُرَّة الهمذاني: كانت أم جميل - لعنها الله - تأتي كل يوم بإبالة من الحسك فتطرحها على طريق المسلمين، فبينما هي حاملة ذات يوم حزمة أعيت فقعدت على حجر لتستريح، فجذبها الملك من خلفها فأهلكها.
القول الثاني: أنه مجاز عن المشي بالنميمة، ورمي الفتن بين الناس؛ قال:[الرجز]
5346 -
إنَّ بَنِي الأدْرمِ حَمَّالُو الحطبْ
…
هُمْ الوشَاةُ في الرِّضَا وفي الغَضَبْ
عليْهِمُ اللَّعْنَةُ تَتَرَى والحَرَبْ
…
وقال آخر: [الطويل]
5347 -
مِن البيضِ لَمْ تَصطَدْ عَلى ظَهْر لأمَةٍ
…
لمْ تَمْشِ بَينَ الحَيِّ بالحطَبِ الرَّطبِ
وجعله رطباً تنبيهاً على تدخينه، وهو غريب من ترشيح المجاز، يعني لم تمش بالنمام.
وقال سعيد بن جبيرٍ: حمالة الخطايا، والذنوب، من قولهم: فلان يحتطب ظهره.
قال تعالى: {يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ على ظُهُورِهِمْ} [الأنعام: 31] .
وقرأ أبو قلابة: «حاملة الحطب» على وزن «فاعلة» ، وهي محتملة لقراءة العامة، وقرأ عياض:«حمالة للحطب» بالتنوين وجر المفعول بلام زائدة تقوية للعامل كقوله تعالى:
{فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} [البروج: 16]، وأبو عمرو في رواية:«وامرأته» باختلاس الهاء دون إشباع.
قوله: {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ} يجوز أن يكون «في جيدها» خبراً ل «امرأته» ، و «حبل» فاعلاً به وأن يكون حالاً من امرأته على كونها فاعلة، و «حَبْلٌ» مرفوع به أيضاً، وأن يكون خبراً مقدماً و «حَبْلٌ» مبتدأ مؤخر، والجملة حالية أو خبر ثان.
والجيدُ: العُنُق.
قال امرؤ القيس: [الطويل]
5348 -
وجِيدٍ كَجِيدِ الرِّئْمِ لَيْسَ بفَاحِشٍ
…
إذَا هِيَ نَصَّتْهُ ولا بِمُعَطَّلِ
و «مِنْ مسدٍ» صفة ل «حبل» ، والمسد: ليف المقل.
وقيل: الليف مطلقاً.
قال النابغة: [البسيط]
5349 -
مَقْذُوفةٍ بدَخيسِ النَّحضِ بَازلُهَا
…
لَهُ صَريفٌ صَريفَ القََعْوِ بالمسَدِ
وقد يكون من جلود الإبل وأوبارها؛ قال الشاعر: [الرجز]
5350 -
ومَسَدٍ أمِرَّ مِنْ أيانِقِ
…
ليْسَ بأنْيَابٍ ولا حَقَائِقِ
وجمع المسد: أمساد.
وقال أبو عبيدة: هو حبل يكون من صوف.
وقال الحسن: هي حبال من شجرٍ ينبت ب «اليمن» يسمى المسد وكانت تفتل.
فصل
قال الضحاك وغيره: هذا في الدنيا، وكانت تعيرُ النبي صلى الله عليه وسلم َ بالفقر، وهي تحتطب في حبلٍ تجعله في عنقها من ليفٍ، فخنقها الله عز وجل به فأهلكها، وهو في الآخرة حبل من نار يلف على عنقها.
وعن ابن عباس: حبل من مسد قال: سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً، وهو قول مجاهد وعروة بن الزبير، يدخل في فيها، ويخرج من أسفلها، ويلوى سائرها على عنقها، وقال قتادة:«حبل من مسد» حبل من وَدَعٍ.
وقال الحسن: إنما كان حرزاً في عنقها.
وقال سعيد بن المسيب: كانت قلادة واحدة من جوهر، فقالت: واللات والعزى لأنفقها في عداوة محمد صلى الله عليه وسلم َ، ويكون عذاباً في جيدها يوم القيامة.
وقيل: إن ذلك إشارة إلى الخذلان يعني أنها مربوطة عن الإيمان بما سبق لها من الشقاء كالمربوط في جيدها بحبل من مسد.
والمسدُ: الفَتْلُ، يقال: مسد حبله يمسده مسداً، أي: أجاد فتلهُ.
قال: [الرجز]
5351 -
يَمْسدُ أعْلَى لحْمِهِ ويَأرِمُهْ
…
يقول: إن البقل يقوي ظهر هذا الحمار.
وقال ابن الخطيب: وقيل: المسد يكون من الحديد، وظنُّ من ظنَّ أن المسد لا يكون من الحديد خطأ، لأن المسد هو المفتول سواء كان من الحديد، أو من غيره، ورجل ممسود، أي: مجدول الخلق وجارية حسنة المسد، والعصب، والجدل، والأرم، وهي ممسودة، ومعصوبة، ومجدولة، ومأرومة؛ والمساد: على «فِعَال» : لغة في المساب، وهي نحي السمن، وسقاء العسل، قال كل ذلك الجوهري.
[فإن قيل: إن كان هذا الحبل كيف يبقى أبداً في النار؟ .
قلنا: كما يبقى الجلد واللحم والعظم أبداً في النار] .
فصل في الإخبار عن الغيب
تضمنت هذه الأيات الإخبار عن الغيب من ثلاثة أوجه:
أولها: الأخبار عنه بالتباب، والخسار، وقد كان ذلك.
وثانيها: الإخبار عنه بعدم الانتفاع بماله وولده، وقد كان ذلك.
وثالثها: الإخبار بأنه من أهل النَّار، وقد كان ذلك، لأنه مات على الكفر، هو وامرأته، ففي ذلك معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم َ فامرأته خنقها الله - تعالى - بحبلها، لعنها الله تعالى، وأبو لهبٍ رماه الله بالعدسةِ، بعد وقعة بدر بسبع ليال، فمات، وأقام ثلاثة أيام، ولم يدفن حتى أنتن، ثم إن ولده غسلوه بالماء قذفاً من بعيد مخافة عدوى العدسةِ، وكانت قريش تتقيها كما يتقى الطاعون، ثم احتملوه إلى أعلى «مكة» ، وأسندوه إلى جدار، ثم صمُّوا عليه الحجارة.
فصل في جواز تكليف ما لا يطاق
احتج أهل السنة على جواز تكليف ما لا يطاق بأنه تعالى كلف أبا لهب بالإيمان مع تصديق الله تعالى في كل ما أخبر عنه، ومما أخبر عنه أنه لا يؤمن وأنه من أهل النار، فقد صار مكلفاً بأن يؤمن بأنه لا يؤمن، وهذا تكليف بالجمع بين النقيضين، وهو محال وذلك مذكور في أصول الفقه.
ذكر الثعلبيُّ عن أبيّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم َ: «مَنْ قَرَأَ سُورَةَ {تَبَّتْ} رجَوْتُ أنْ لا يجْمعَ اللهُ تَعَالَى بَينهُ وبَيْنَ أبِي لهبٍ في دارٍ واحدةٍ» .
سورة الاخلاص
مكية في قول ابن مسعود، والحسن وعطاء وعكرمة وجابر، ومدنية في أحد قولي ابن عباس وقتادة والضحاك، والسدي، وهي أربع آيات، وخمس عشرة كلمة، وسبعة وأربعون حرفا. بسم الله الرحمن الرحيم قوله تعالى:{قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} . في «هُوَ» وجهان:
أحدهما: أنه ضمير عائد على ما يفهم من السياق، فإنه يروى في سبب النزول أنهم قالوا: صف لنا ربَّك وانسبه.
وقيل: قالوا له: أنُحَاسٌ هو أم حَديدٌ؟ فنزلت.
وحينئذ يجوز أن يكون «اللهُ» مبتدأ، و «أحد» خبره، والجملة خبر الأولِ، ويجوز أن يكون «الله» بدلاً، و «أحد» الخبر، ويجوز أن يكون «الله» خبراً أولاً، و «أحد» خبراً ثانياً، ويجوز أن يكون «أحد» خبراً لمبتدأ محذوف، أي «هو أحد» ، والثاني: ضمير الشأن؛ لأنه موضع تعظيم، والجملة بعد خبره مفسرة.
وهمزة «أحد» بدل من واو؛ لأنه من الوحدة، وإبدال الهمزة من الواو المفتوحة قليل، منه: امرأة أناة من الونى، وهو الفُتُور، وتقدم الفرق بين «أحد» هذا، و «أحد» المراد به العموم، فإن همزة ذاك أصل بنفسها.
ونقل أبو البقاء: أن همزة «أحد» هذا غير مقلوبة، بل أصلها بنفسها، فالمراد به العموم. والأول هو المعروف.
وفرق ثعلب بين «أحد» و «واحد» بأنَّ الواحد يدخله العدد والجمع والاثنان
و «أحد» لا يدخله ذلك، ويقال: اللهُ أحد، ولا يقال: زيد أحد؛ لأن الله تعالى هذه الخصوصية، وزيد له حالات شتى. ورد عليه أبو حيَّان بأنه يقال: أحد وعشرون، ونحوه، فقد دخله العدد انتهى.
وقال مكيٌّ: إن أصله: «واحد» فأبدلت الواو همزة، فاجتمع ألفان؛ لأن الهمزة تشبه الألف، فحذفت إحداهما تخفيفاً.
وقرأ عبد الله وأبيّ: {الله أَحَدٌ} دون «قُلْ» .
وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم َ: {الله أَحَدٌ} بغير {قُلْ هُوَ} .
وقرأ الأعمش: «قل هو الله الواحد» .
وقرأ العامة: بتنوين «أحَدٌ» وهو الأصل.
وزيد بن علي وأبان بن عثمان، وابن أبي إسحاق والحسن، وأبو السمال، وأبو عمرو في رواية، في عدد كثير: بحذف التنوين للخفة، ولالتقاء الساكنين، كقوله:[الكامل]
5352 -
عَمروُ الذي هَشمَ الثَّريدَ لقومهِ
…
ورِجالُ مكَّة مُسنتُونَ عِجَافُ
وقوله: [المتقارب]
5353 -
…
.....
…
...
…
...
…
...
…
...
…
ولا ذَاكِرَ اللَّهَ إلَاّ قَلِيلاً
فصل
والصمد: الذي يصمدُ إليه في الحاجات، ولا يقدر على قضائها إلا هو.
قال: [الطويل]
5354 -
ألَا بكَّرَ النَّاعِي بخَيْرِ بَنِي أسَدْ
…
بِعمْرِو بنِ مسعُودٍ وبالسَّيِّدِ الصَّمَدْ
وقال آخر: [البسيط]
5355 -
عَلوتهُ بحُسَامٍ ثُمَّ قلتُ لهُ
…
خُذهَا حُذيْفُ فأنتَ السيِّدُ الصَّمدُ
وقيل: الصمد: المصمت الذي لا جوف له.
ومنه قوله: [الطويل]
5356 -
شِهَابُ حُروبٍ لا تَزَالُ جِيَادهُ
…
عَوابِسَ يَعلُكْنَ الشَّكيمَ المُصَمَّدَا
وقال أبيّ بن كعب رضي الله عنه: تفسيره، من قوله تعالى:{لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} وهذا يشبه ما قالوه من تفسير الهلوع، والأحسن في هذه الجملة أن تكون مستقلة بفائدة هذا الخبر، ويجوز أن يكون «الصَّمدُ» صفة، والخبر في الجملة بعده، كذا قيل، وهو ضعيف من حيث السِّياق، فإن السياق يقتضي الاستقلال بأخبار عن كل جملة.
قال القرطبي: [ «لأنه ليس شيء إلا سيموت] ، وليس شيء يموت إلا يورث» .
قيل: الصمد: الدائمُ الباقي الذي لم يزل، ولا يزال.
وقال أبو هريرة: إنه المستغني عن كل أحد والمحتاج إليه كل أحد.
وقال السديُّ: إنه المقصود في الرغائب، والمستعان به في المصائب.
[وقال الحسن بن الفضل: إنه الذي يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد.
وقال مقاتل: إنه الكامل الذي لا عيب فيه] .
قال القرطبيُّ: والصحيح من هذه الأقوال ما شهد له الاشتقاق وهو القول الأول، ذكره الخطابي.
فصل في لفظ أحد
قال ابن الخطيب: ونكر لفظ أحد، لأن الذي يعرفه الخلق من الموجودات محسوس، وكل محسوس منقسم، فأما ما لا ينقسم فلا يعرف، وعرَّف الصمد؛ لأنه الذي يقصد إليه في الحوائج، وذلك معلوم عند الخلق، وقدم {لَمْ يَلِدْ} وإن كان العرف سبق؛ لأنه الأهم، وقوله تعالى:{وَلَمْ يُولَدْ} كالحجة على أنه لم يلدْ، وجاء هنا {لَمْ يَلِدْ} ، وفي سورة «الإسراء» :{لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً} [الإسراء: 111] ، لأن من
النصارى من يقول: عيسى ولدُ الله حقيقة، ومنهم من يقول: إن الله اتخذه ولداً تشريفاً، فنفى الأمرين.
فصل في الرد على من أسقط «قل هو»
قال القرطبي: وقد أسقط من هذه السورة من أبعده الله وأخزاه، وجعل النار مقامه ومثواه، وقرأ «الله الواحد الصمد» والناس يستمعون، فأسقط «قل هو» وزعم أنه ليس من القرآن، وغير لفظ «أحد» ، وادَّعى أن هذا الصواب، والذي عليه الناس هو الباطلُ، فأبطل معنى الآية، لأن أهل التفسير قالوا: نزلت الآية جواباً لأهل الشركِ، لما قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم َ: صِفْ لَنَا ربَّك أمِنْ ذهبٍ هُو أم من نُحاس أم من [صفر] ؟ .
فقال الله تعالى رداً عليهم: {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} ، ففي «هُوَ» دلالة على موضع الرد، ومكان الجواب، فإذا سقط بطل معنى الآية، وصح الافتراء على الله عز وجل والتكذيب لرسوله صلى الله عليه وسلم َ.
وروى الترمذي عن أبيِّ بن كعب: أن المشركين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم َ: «انسب لنا ربك» فأنزل الله تعالى: {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ الله الصمد لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} ، والصمد: الذي لم يلد، ولم يولد؛ لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت، وليس شيء يموت إلا سيورث، وإن الله تعالى لا يموت، ولا يورث.
وروى أبو العالية: أن النبي صلى الله عليه وسلم َ ذكر آلهتهم، فقالوا: انسب لنا ربك، قال: فأتاه جبريل بهذه السورة: {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} .
قال الترمذي: وهذا أصحّ.
قال القرطبيُّ: «ففي هذا الحديث إثبات لفظ،» قل هو الله أحد «، وعن عكرمة نحوه» .
وقال ابن عباس: «لَم يلدْ» كما ولدت مريم، و «لَمْ يُولدْ» كما ولد عيسى، وعزير، وهو رد على النصارى، وعلى من قال: عزير ابن الله، {وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ} فقدم خبر كان على اسمها، لينساق أواخر الآي على نظم واحدٍ.
فصل في الكلام على الآية
قال ابن الخطيب: دل العقل على استحالة كونه تعالى ولداً ووالداً، والأحديَّةُ والصَّمديَّةُ يوجبان نفي كونه تعالى والداً، أو مولوداً، وذكر بعدهما كما ذكر النتيجة بعد الدليل.
قوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ} . في نصب «كُفُواً» وجهان:
أحدهما: أنه خبر «يَكُونُ» و «أحَدٌ» اسمها و «لهُ» متعلق بالخبر أي: ولم يكن كفواً له كما تقدم وقد رد المبرد على سيبويه بهذه الآية من حيث إنه يزعم أنه إذا تقدم الظَّرف كان هو الخبر وهنا لم يجعله خبراً مع تقدمه.
وقد رد على المبرِّد بوجهين:
أحدهما: أن سيبويه لم يحتم ذلك بل جوزه.
والثاني: أنا لا نسلم أنَّ الظرف هنا ليس بخبر، بل هو خبر، ونصب «كُفواً» على الحال، على ما سيأتي بيانه.
وقال الزمخشري: الكلام العربي الفصيح، أن يؤخر الظرف الذي هو لغو غير مستقر ولا يقدم، وقد نص سيبويه في كتابه على ذلك، فما باله مقدماً في أفصح كلام وأعربه؟
قلت: هذا الكلام إنما سيق لنفي المكافأة عن ذات الباري سبحانه، وهذا المعنى مصبُّه ومركزه هو هذا الظرف، فكان لذلك أهم شيء وأعناه، وأحقه بالتقديم وأحراه.
والثاني: أن ينصب على الحال من «أحدٌ» ؛ لأنه كان صفة، فلما تقدم عليه نصب حالاً و «له» هو الخبر. قاله مكي، وأبو البقاء، وغيرهما.
ويجوز أن يكون حالاً من الضمير المستكن في الجار لوقوعه خبراً.
قال أبو حيان بعد أن حكى كلام الزمخشري ومكي: وهذه الجملة ليست من هذا الباب، وذلك أن قوله:{وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ} ليس الجار والمجرور فيه تامَّا، إنما هو ناقص، لا يصلح أن يكون خبراً ل «كان» بل متعلق ب «كُفُواً» ، وتقدم على «كُفُواً» للاهتمام به إذ فيه ضمير الباري تعالى وتوسط الخبر وإن كان الأصل التأخير؛ لآن تأخير الاسم هو فاصلة، فحسن ذلك، وعلى هذا الذي قررناه يبطل إعراب مكي وغيره، أن «لهُ» والخبر، و «كُفُواً» حال من «أحَدٌ» لأنه ظرف ناقص، ولا يصلح أن يكون خبراً، وبذلك يبطل سؤال الزمخشري وجوابه، وسيبويه إنما تكلم في الظرف الذي يصلح أن يكون خبراً، ويصلح أن يكون غير خبر.
قال سيبويه: وتقول: ما كان فيها أحد خير منك، وما كان أحد مثلك فيها، وليس أحد فيها خير منك، إذا جعلت «فيها» مستقراً ولم تجعله على قولك: فيها زيد قائم، ثم أجريت الصفة على الاسم فإن جعلته على قولك: فيها زيد قائم نصبت، تقول: ما كان فيها أحد خيراً منك، وما كان أحد خيراً منك فيها، إلا أنك إذا أردت الإلغاء، فكلما أخرت الذي تلغيه كان أحسن، وإذا أردت أن يكون مستقراً، تكتفي به، فكلما قدمته كان أحسن، والتقديم والتأخير والإلغاء والاستقرار عربي جيد كثير، قال تعالى:{وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ} .
وقال الشاعر: [الرجز]
5357 -
مَا دَامَ فيهِنَّ فَصِيلٌ حَيَّا
…
انتهى كلام سيبويه.
قال أبو حيَّان: فأنت ترى كلامه، وتمثيله بالظرف الذي لا يصلح أن يكون خبراً، ومعنى قوله:«مستقرَّا» أي: خبراً للمبتدأ، ول «كان» .
فإن قلت: قد مثل بالآية الكريمة.
قلت: هذا الذي أوقع مكياً والزمخشري وغيرهما فيما وقعوا فيه، وإنما أراد سيبويه أن الظرف التام، وهو في قوله:[الرجز]
5358 -
مَا دَامَ فيهِنَّ فَصِيلٌ حَيَّا
…
أجري فضلة، لا خبراً، كما أن «لهُ» في الآية أجري فضلة، فجعل الظرف القابل أن يكون خبراً كالظرف الناقص في كونه لم يستعمل خبراً، ولا يشك من له ذهن صحيح أنه لا ينعقد كلام من قوله:«ولم يكن له أحد» بل لو تأخر «كُفُواًُ» وارتفع على الصفة وجعل «لهُ» خبراً لم ينعقد منه كلام، بل أنت ترى أن النفي لم يتسلط إلا على الخبر الذي هو «كُفُواً» و «لَهُ» متعلق به، والمعنى: لم يكن أحد مكافئه انتهى ما قاله ابن حيَّان.
قال شهاب الدين: قوله: «ولا يشك» إلى آخره، تهويل على الناظر، وإلا
فقوله: «هذا الظرف ناقص» ممنوع، لأن الظرف الناقص عبارة عما لم يكن في الإخبار به فائدة كالمقطوع عن الإضافة ونحوه، وقد نقل سيبويه الأمثلة المتقدمة، نحو:«ما كان فيها أحد خيراً منك» وما الفرق بين هذا، وبين الآية الكريمة، وكيف يقول هذا، وقد قال سيبويه في آخر كلامه:«والتقديم والتأخير، والإلغاء، والاستقرار عربي جيد كثير» .
فصل
قرأ العامة: «كُفُواً» بضم الكاف والفاء، وقد سهل الهمزة الأعرج ونافع في رواية، وسكن الفاء حمزة وأبدل الهمزة واواً وقفاً خاصة، وأبدلها حفص واواً مطلقاً، والباقون بالهمزة مطلقاً.
قال
القرطبي
: وتقدم
في البقرة أن كل اسم على ثلاثة أحرف أوله مضموم، فإنه يجوز في عينه الضم والإسكان إلا قوله تعالى «أتتّخذنا هزواً» .
وقرأ سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس رضي الله عنهم «كفاء» بالكسر والمد أي لا مثل له، وأنشد للنابغة:[البسيط]
5359 -
لَا تَقْذفنِّي برُكنٍ لا كِفاءَ لَهُ
…
... .....
…
...
…
...
…
...
…
...
…
... .
وقرأ نافع في رواية: كِفَا بالكسر وفتح الفاء من غير مد كأنه نقل حركة الهمزة وحذفها.
والكفو النظير كقوله: هذا كفؤ لك: أي نظيرك، والاسم الكفاءة بالفتح.
قال ابن الخطيب: والتحقيق أنه تعالى لما أثبت الأحديَّة، والصمديّة، ونفى الوالدية، والمولودية ختم السورة بأن شيئاً من الموجودات يمتنع أن يساويه في شيء من صفات الجلال، والعظمة لانفراده سبحانه، وتعالى بوجوب الوجود لذاته.
فصل
روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم َ: «يَقُول الله تعالى: كذَّبنِي
ابنُ آدمَ ولمْ يكُنْ لهُ ذلِكَ، وشَتمنِي ولمْ يكُنْ لهُ ذلِكَ، فأما تَكْذيبهُ فقوله: لن يُعِيدنِي كَمَا بَدأنِي، وليْسَ بأوَّل الخَلقِ وليس بأهْونَ عليَّ مِنْ إعَادَتِهِ، وأمَّا شتمهُ إيَّاي، فقوله: اتخذ الله ولداً، وأنا الأحدُ الصَّمَدُ، لم ألدْ ولم أولَدْ ولم يكن لي كفواً أحد» .
فصل في فضائل هذه السورة
روى البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه «أن رجلاً سمع رجلاً يقرأ: {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} يرددها، فلما أصبح جاء النبي صلى الله عليه وسلم َ فذكر ذلك له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم َ:» والَّذي نَفْسِي بيدهِ، إنَّها لتعْدِلُ ثُلثَ القُرآنِ «» لأن القرآن أنزل ثلاثاً؛ ثلثاً: أحكام. وثلثاً: وعد ووعيد. وثلثاً: أسماء وصفات، وجمعت هذه السورة أحد الأثلاث، وهو الأسماء والصفات.
وروى مسلم عن عائشة رضي الله عنها «أن النبي صلى الله عليه وسلم َ بعث رجلاً على سرية فكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم، فيختم ب {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} ، فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم َ، فقال:» سلُوه لأيِّ شيءٍ يصْنَعُ ذلِكَ «؟ فسألوه: فقال: لأنَّها صفةُ الرَّحمنِ، فأنا أحبُّ أن أقرأ بها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم َ» أخبرُوهُ أنَّ الله تعالى يُحِبُّهُ «» .
وروى الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم َ سمع رجلاً يقول: {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم َ:» وَجَبَتْ «، قلتُ: ومَا وَجبَتْ؟ قال:» الجَنَّةُ «» .
وروى أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم َ أنه قال: «مَنْ قَرَأ: {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} خمسِينَ مرَّة غُفِرَتْ ذُنوبهُ» .
وروى سعيد بن المسيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم َ قال: «» مَنْ قَرَأ: {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} أحَدَ عشرة مرَّة بَنَى اللهُ لهُ قصْراً في الجنَّةِ، ومن قَرَأهَا عِشْرينَ مَرَّةً بَنى اللهُ لهُ قَصرينِ في الجنَّة، ومن قَرأهَا ثلاثين مرَّةً، بَنَى له بِهَا ثلاثة قُصُورٍ في الجنَّة «فقال عمرُ بن الخطاب: والله يا رسول الله إذاً لنُكثِّرنَّ قُصُورنَا، فقال عليه الصلاة والسلام ُ -:» اللهُ أوسعُ مِنْ ذلِكَ «» .
وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم َ: «مَنْ قَرَأ: {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} في مَرَضِه الَّذي يَمُوتُ فِيهِ لمْ يُفْتَنْ في قَبْرِهِ، وأمِنَ من ضغطهِ القبْرِ، وحمَلتهُ الملائِكةُ يومَ القِيامةِ بأكُفِّها، حتَّى يُجيزَ الصِّراطَ إلى الجنَّةِ» . فصل في أسماء هذه السورة
في أسمائها: قال ابن الخطيب: سورة التفريد، وسورة التجريد، وسورة التوحيد، وسورة الإخلاص، وسورة النجاة، وسورة الولاية، وسورة النسبة، لقولهم: انسبْ لنا ربَّك، وسورة المعرفة، وسورة الجمال، وسورة البراءة؛ لأنها تبرئ من النفاق، وسورة الأساس، وسورة المحضر؛ لأن الملائكة تحضر لسماعها، وسورة المانعة، والمنفرة، لأنها تنفر الشيطان، وسورة النور، لأنها تنور القلب، والله نور السموات والأرض. والله أعلم.