الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة العصر
مكية، وروى ابن عباس وقتادة: أنها مدنية، وهي ثلاث آيات [وأربع عشرة كلمة وستون حرفا] . بسم الله الرحمن الرحيم قوله تعالى: {و
العصر}
. قرأ العامة: بسكون الصاد، وسلام:«والعَصِر» بكسرها، و «الصَّبْرِ» بكسر الباء.
قال ابن عطية: «وهذا لا يجوز، إلا في الوقف على نقل الحركة» .
وروي عن أبي عمرو: «بالصبْر» بسكون الباء إشماماً، وهذا أيضاً لا يجوز إلا في الوقف انتهى.
ونقل هذه القراءة جماعة كالهذلي، وأبي الفضل الرازي، وابن خالويه.
قال الهذلي: «والعصر، والصبر، والفجر، والوتر، بكسر ما قبل الساكن في هذه كلها: هارون، وابن موسى عن أبي عمرو، والباقون: بالإسكان، كالجماعة» انتهى.
فهذا إطلاق منه لهذه القراءة في حالتي الوقف والوصل.
قال ابن خالويه: «وتواصوا بالصبر» بنقل الحركة عن أبي عمرو.
قال ابن خالويه [وقال صاحب «اللوامح» : وعيسى البصرة:]«بالصبر» بنقل حركة الراء إلى الباء، لئلا يحتاج، أن يأتي ببعض الحركة في الوقف، ولا إلى أن يسكن،
فيجمع بين ساكنين، وذلك لغة شائعة، وليست بشاذة بل مستفيضة، وذلك دلالة على الإعراب، وانفصال عن التقاء الساكنين، وتأدية حق الموقوف عليه من السكون انتهى، فهذا يؤذن بما ذكر ابن عطية، أنه كان ينبغي ذلك.
وأنشدوا على ذلك: [الرجز]
5296 -
واعْتقَالاً بالرِّجِلْ
…
يريد: بالرِّجْلِ.
وقال آخر: [الرجز]
5297 -
أنَا جَريرٌ كُنيَتِي أبُو عَمِرْ
…
أضْرِبُ بالسَّيْفِ وسعْدٌ بالقَصِرْ
والنقل جائز في الضم كقوله شعر:
إذ جد النَّقُرْ
…
وله شروط: «والعقد» الليلة واليوم قال: [الطويل]
5298 -
ولَنْ يَلْبثِ العقْدانِ: يَومٌ ولَيْلةٌ
…
إذَا طَلَبَا أنْ يُدْرِكَا تَيَمَّمَا
قال ابن عباس وغيره: «والعصر» أي: الدهر، ومنه قول الشاعر:[الطويل]
5299 -
سَيْلُ الهَوَى وعْرٌ وبَحْرُ الهَوَى غَمْرٌ
…
ويَوْمُ الهَوَى شَهْرٌ وشَهْرُ الهَوَى دَهْرُ
أقسم الله - تعالى - بالعصرِ لما فيه من الاعتبار للناظر بتصرف الأحوال وبتبدلها وما فيها من الأدلة على الصانع، والعصران أيضاً الغداة والعشي قال:[الطويل]
5300 -
وأمْطُلُهُ العَصْرَيْن حتَّى يَملَّنِي
…
ويَرْضَى بنِصْفِ الدِّيْن والأنْفُ رَاغِمُ
يقول: إذا جاءني أول النهار وعدته آخره.
وقيل: إنه العشي، وهو ما بين الزوال والغروب. قاله الحسن وقتادة.
[وقال الشاعر] :
5301 -
تَروَّحْ بِنَا يا عَمْرُو قَدْ قَصُرَ العَصرُ
…
وفي الرَّوحةِ الأولَى الغَنِيمةُ والأَجْرُ
وعن قتادة: هو آخر ساعة من النهار، فأقسم سبحانه بأحد طرفي النهار كما أقسم بالضحى، وهو أحد طرفي النَّهارِ، قاله أبو مسلم.
وقيل: هو قسم بصلاة العصر، وهي الوسطى؛ لأنها أفضل الصلوات، قاله مقاتل.
قال صلى الله عليه وسلم َ: «الصَّلاةُ الوُسْطَى، صلاةُ العَصْرِ» .
وقيل: أقسم بعصر النبي صلى الله عليه وسلم َ لفضله بتجديد النبوة فيه.
وقيل: معناه وربِّ العصر.
فصل
قال مالك رضي الله عنه من حلف ألَاّ يكلم رجلاً عصراً، لم يكلمه سنة.
قال ابن العربي: [إنما حمل مالك يمين الحالف ألا يكلم امرءاً عصراً على السنة، لأنه أكثر ما قيل فيه، وذلك على أصله في تغليظ] المعنى في الإيمان.
وقال الشافعي: يبر بساعة إلا أن تكون له نيّة، وبه أقول، إلا أن يكون الحالف عربياً، فيقال له: ما أردت؟ فإذا فسره بما يحتمله قبل منه إلا أن يكون الأقل، ويجيء على مذهب مالك أن يحمل على ما يفسر.
قوله: {إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ} ، هذا جواب القسم، والمراد به العموم بدليل الاستثناء منه، وهو من جملة أدلة العموم.
وقال ابن عباس في رواية ابي صالح: المراد به الكافر.
وقال في رواية الضحاك: يريد جماعة من المشركين الوليد بن المغيرة والعاص ابن وائل والأسود بن عبد المطلب بن أسد بن عبد العزى والأسود بن عبد يغوث. وقوله تعالى: {لَفِى خُسْرٍ} أي: لفي غبنٍ.
وقال الأخفش: لفي هلكة.
وقال الفراء: لفي عقوبة، ومنه قوله:{وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً} [الطلاق: 9]، وقال الفراء: لفي شرّ.
وقيل: لفي نقص، والمعنى متقارب.
وقرأ العامة: «لفي خُسرٍ» بسكون السين، وزيد بن علي، وابن هرمز، وعاصم في رواية أبي بكر، وزاد القرطبيُّ: الأعرج، وطلحة، وعيسى الثقفي: بضمها. وهي كالعسر واليسر، وقد تقدم في البقرة، والوجه فيها الإتباع، ويقال: خسْر وخسُر مثل عسْر وعسُر.
وقرأ علي بن أبي طالب: «والعصر» : ونوائب الدهر، {إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ} ؛ وإنه فيه إلى آخر الدهر.
قال إبراهيم: إن الإنسان إذا عُمِّرَ في الدنيا وهرم لفي نقص، وضعف، وتراجع إلا المؤمنين، فإنهم يكتب لهم أجورهم التي كانوا يعملونها في حال شبابهم، ونظيره قوله تعالى:{لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} [التين: 4، 5] . قال: وقراءتنا: «والعصر إنّ الإنسان لفي خُسْر فإنه في آخر الدهر» . والصحيح ما عليه الأمّة والمصاحف.
[وقيل: المعنى أن الإنسان لا ينفك عن تضييع عمره؛ لأن كل ساعة تمر بالإنسان، فإن كان في المعصية، فالخسر ظاهر، وكذلك إن مرت في مباح، وإن مرت في طاعة فكان يمكن أن يأتي بها على وجه أكمل أي من الخشوع، والإخلاص، وترك الأعلى، والإتيان بالأدنى نوع خسران، والخسر والخسران مصدران، وتنكير الخسران إما للتعظيم، وإما للتحقير بالنسبة إلى خسر الشياطين، والأول أظهر، وأفرد الخسر مع كثرة أنواعه؛ لأن الخسر الحقيقي هو حرمان عن خدمة ربه سبحانه، وما عدا ذلك فالكعدم، وفيه مبالغات، ودخول «إن، واللام» ، وإحاطة الخسر به، أي: هو في طريق خسر وسبب خسر] .
قوله: {إِلَاّ الذين آمَنُواْ} . استثناء من الإنسان؛ إذ المراد به الجنس على الصحيح {وَعَمِلُواْ الصالحات} ، أي: أدوا الفرائض المفترضة عليهم، وهم أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم َ «قال أبي بن كعب: قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم َ» والعَصْرِ «ثم قلتُ: ما تفسيرها يا نبي الله؟ .
قال:» والعَصْرِ: أقسم ربكم بآخر النهار، {إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ} ؛ أبو جهل {إِلَاّ الذين آمَنُواْ} أبو بكر، {وَعَمِلُواْ الصالحات} عمر، {وَتَوَاصَوْاْ بالحق} : عثمان، {وَتَوَاصَوْاْ بالصبر} : عليّ «»
رضي الله عنهم أجمعين.
وهكذا خطب ابن عباس على المنبر، موقوفاً عليه.
ومعنى تواصوا أي تحاثوا أوصى بعضهم بعضاً وحث بعضهم بعضاً بالحق أي بالتوحيد وكذا روى الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما وقال قتادة بالحق أي بالقرآن وقال السدي الحق هنا الله تعالى وتواصوا بالصبر على طاعة الله والصبر عن المعاصي.
روى الثعلبي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم َ: «مَنْ قَرَأ سُورةَ {والعصر} خَتمَ اللهُ لَهُ بالصَّبْرِ، وكَانَ مَعَ أصْحابِ رسول اللهِ يَوْمَ القِيَامَةٍ» والله أعلم.
سورة الهمزة
مكية، وهي تسع آيات، وثلاث وثلاثون كلمة، ومائة وثلاثون حرفا. بسم الله الرحمن الرحيم قوله:{ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَة} ، «الوَيْل» لفظ الذم والسّخط، وهي كلمة كل مكروب، وقد تقدم الكلام في الويل، ومعناه: الخزي، والعذاب، والهلكة.
وقيل: وادٍ في جهنم.
{لِّكُلِّ هُمَزَةٍ} ، أي: كثير الهمز، وكذلك «اللُّمَزَة» ، أي: الكثير اللَّمْز. وتقدم معنى الهمز في سورة «ن» واللمز في سورة «براءة» .
والعامة: على فتح ميمها، على أن المراد الشخص الذي كثر منه ذلك الفعل.
قال زياد الأعجم: [البسيط]
5302 -
تُدْلِي بِوُدِّي إذَا لاقَيْتَنِي كَذِباً
…
وإنْ أغَيَّبْ فأنْتَ الهَامِزُ اللُّمَزَه
وقرأ أبو جعفر والأعرج: بالسكون، وهو الذي يهمز ويلمز أي يأتي بما يلمز به واللمزة كالضحكة [لمن يكثر ضحكه، والضحكة: بما يأتي لمن يضحك منه وهو مطرد، يعني أن «فُعَلَة» بفتح العين، لمن يكثر من الفعل، وبسكونها لمن الفعل بسببه] .
قال ابن عباس رضي الله عنهما وهم المشَّاءون بالنميمة، المفرقون بين الأحبة، الباغون للبُرآء العيب، فعلى هذا هما بمعنى، وقال صلى الله عليه وسلم َ: «شِرارُ عبادِ اللهِ تَعالَى:
المشَّاءُونَ بالنَّمِيمَةِ المفسِدُونَ بَيْنَ الأحبَّةِ، الباغُونَ للبُرَآءِ العَيْبَ» .
وعن ابن عباس رضي الله عنه أن الهمزة: القتَّات، واللُّمزة: المغتاب، والقتَّاتُ: هو النمام، يقال: قتّ الحديث يقتّه: إذا زوره وهيّأه وسواه.
[وقيل: النَّمامُ الذي يكون مع القوم يتحدثون لينمّ عليهم، والقتَّات الذي يتسمع على القوم وهم لا يعلمون، ثم ينم، والقتات الذي يسأل عن الأخبار، ثم ينميها نقله ابن الأثير.
وقال أبو العالية، والحسن، ومجاهد، وعطاء بن أبي رباح: الهمزة: الذي يغتاب ويطعن في وجه الرجل، واللُّمزة: الذي يعيب به من خلفه، وهذا اختيار النحاس.
قال: ومنه قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصدقات} [التوبة: 58] .
وقال مقاتل هنا هذا القول: إن الهمزة: الذي يغتاب بالغيبة، واللمزة الذي يغتاب في الوجه.
وقال قتادة، ومجاهد: الهمزة: الطَّعَّان في أنسابهم، وقال ابن زيد: الهامز: الذي يهمز الناس بيده ويضربهم، واللامز: الذي يلمزهم بلسانه ويلمز بعينه] .
وقال ابن كيسان: الهمزة: الذي يؤدي جلساءه بسوء اللفظ، واللُّمزة: الذي يكسر عينه على جليسه، ويشير بعينه، ورأسه، وبحاجبيه.
وقرأ عبد الله بن مسعود، وأبو وائل، والنخعي، والأعمش:«ويلٌ للهمزة اللمزة» .
وأصل الهمز: الكسر، والعض على الشيء بعنف، ومنه همز الحرف، ويقال: همزت رأسه، وهمزت الجوز بكفي: كسرته.
وقيل: أصل الهمزِ، واللمز: الدفع والضرب لمزه يلمزه لمزاً، إذا ضربه، ودفعه، وكذلك همزه: أي: دفعه، وضربه؛ قال الراجز:[الرجز]
5303 -
ومَنْ هَمَزْنَا عِزَّهُ تَبَركَعَا
…
عَلى اسْتِهِ زَوْبعَةً أوْ زَوْبَعَا
البركعة: القيام على أربع وبركعه فتبركع، صرعه، فوقع على استه، قاله في «الصحاح» .
فصل فيمن نزلت فيه السورة
روى الضحاك عن ابن عبَّاس: أنها نزلت في الأخنس بن شريق، كان يلمز الناس، ويعيبهم مقبلين، ومدبرين.
وقال ابن جريج: نزلت في الوليد بن المغيرة، كان يغتاب النبي صلى الله عليه وسلم َ من ورائه، ويقدح فيه في وجهه.
وقيل: إنها نزلت في أبي بن خلف.
وقيل: في جميل بن عامر الثقفي.
وقيل: إنها عامة من غير تخصيص، وهو قول الأكثرين.
قال مجاهد: ليست بخاصة لأحد، بل لكل من كانت هذه صفته.
وقال الفراءُ: يجوز أن يذكر الشيء العام، ويقصد به الخاص، قصد الواحد إذا قال: أزورك أبداً، فتقول: من لم يزرني فلست بزائره، تعني ذلك القائل.
فصل في نظم الآية
قال ابن الخطيب: فإن قيل: لم قال: «ويلٌ» منكراً، وفي موضع آخر:«ولَكُمُ الويْلُ» ، معرفاً؟ .
فالجواب: لأن ثمة قالوا: {ياويلنآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} [الأنبياء: 14، 46]، فقال:«ولكُمُ الويْلُ» وهاهنا نكر، حتى لا يعلم كنهه إلا الله تعالى.
قيل: في «ويْلٌ» إنها كلمة تقبيح، و «ويس» استصغار، «ويح» ترحم، فنبه بهذا على قبيح هذا الفعل.
قوله: {الذى جَمَعَ} قرأ ابن عامر والأخوان: بتشديد الميم، على المبالغة، والتكثير.
والباقون: مخففاً، وهي محتملة للتكثير وعدمه.
وقوله تعالى: {وَعَدَّدَهُ} ، العامة: على تثقيل الدَّال الأولى، وهي أيضاً للمبالغة.
وقرأ الحسن والكلبي: بتخفيفها، وفيه أوجه:
أحدها: أن المعنى جمع مالاً، وعدد ذلك المال، أي: وجمع عدده: أي: أحصاه.
والثاني: أن المعنى وجمع عدد نفسه من عشيرته، وأقاربه وعدده، وعلى هذين التأويلين اسم معطوف على «مالاً» ، أي: وجمع عدد المال، وعدد نفسه.
والثالث: أن عدده فعل ماض بمعنى عده، إلا أنه شذّ في إظهاره كما شذَّ في قوله:[البسيط]
5293 -
…
...
…
...
…
...
…
...
…
... ..... إنِّ أجُودُ لأقوامٍ وإنْ ضَنِنُوا
أي: ضنوا وبخلوا، فأظهر التضعيف.
و «الذي» بدل من كل أو نصب على الذم، وإنما وصفه تعالى بهذا الوصف، لأنه يجري مجرى المسبب والعلة في الهمز واللمز وهو إعجابه بما جمع من المال، وظنه أن الفضل فيه لأجل ذلك فسيتنقص غيره.
فصل في معنى جمع المال
قال المفسرون: {جَمَعَ مالاً وعدَّدهُ} ، أي: أعده لنوائب الدهر، مثل: كرم، وأكرم.
وقيل: أحصى عدده. قاله السدي.
وقال الضحاكُ: أي: أعد ماله لمن يرثه من أولاده.
وقيل: تفاخر بعدده، وكثرته، والمقصود: الذم على إمساك المال على سبيل الطاعة، كقوله:{مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ} [ق: 25] .