الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله: {فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذكرى} . أي: فعظ قومك يا محمد بالقرآن {إِن نَّفَعَتِ الذكرى} أي: الموعظة، و «إن» شرطية، وفيه استبعاد لتذكرهم؛ ومنه قوله:[الوافر]
5180 -
لَقدْ أسْمعْتَ لوْ نَاديْتَ حَيًّا
…
ولكِنْ لا حَياةَ لِمَنْ تُنَادِي
وقيل: «إن» بمعنى: «إذا» كقوله: {وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران: 13
9]
أي: إذا كنتم مؤمنين.
وقيل: هي بمعنى: «قد» ذكره ابن خالويه وهو بعيد.
وقيل: بعده شيء محذوف، تقديره: إن نفعت الذكرى، وإن لم تنفع، كقوله:{سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحر} [النحل: 81] ، قاله الفراء والنحاس والجرجاني والزهراوي.
وقيل: إنه مخصوصٌ في قوم بأعيانهم.
وقيل: «إن» بمعنى: «ما» أي: فذكر ما نفعت الذِّكرى، فتكون «إن» بمعنى:«ما» لا بمعنى: الشرط؛ لأن الذكرى نافعة بكل حال. قاله ابن شجرة.
فصل في فائدة هذا الشرط
قال ابنُ الخطيب: إنه صلى الله كان مبعوثاً إلى الكل، فيجب عليه تذكيرهم سواء إن نفعت الذكرى، أو لم تنفعهم، فما فائدة هذا الشرط، وهو قوله:{إِن نَّفَعَتِ الذكرى} والجواب من وجوه: إمَّا أن يكون المراد: التنبيه على أشرف الحالين، وهو وجود النفع الذي لأجله شرعت الذكرى، قال: والمعلق ب «إن» على الشيء لا يلزمُ أن يكون عدماً عند عدم ذلك الشيء، ويدل عليه آيات منها هذه الآية، ومنها قوله تعالى:{واشكروا للَّهِ إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة: 172]، ومنها قوله تعالى:{فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصلاة إِنْ خِفْتُمْ} [النساء: 101] ، فإن القصر جائز عند الخوف وعدمه، ومنها قوله تعالى:{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ أَن يَتَرَاجَعَآ إِن ظَنَّآ أَن يُقِيمَا حُدُودَ الله وَتِلْكَ حُدُودُ الله} [البقرة: 230] ، والمراجعة جائزة بدون هذا الظنِّ، وإن كان كذلك، فهذا الشرط فيه فوائد منها ما تقدم، ومنها: تعقل، وهو تنبيه للنبي صلى الله عليه وسلم َ على أنهم لا تنفعهم الذكرى، أو يكون هذا في تكرير الدعوة، فأما الدعاء الأول فعام.
فإن قيل: الله - تعالى - عالم بعواقب الأمور بمن يؤمن، ومن لا يؤمن، والتعليق بالشرط، إنما يحسن في حق من ليس بعالم.
فالجواب: أن أمر البعثة والدعوة شيء، وعلمه تعالى بالمغيبات، وعواقب الأمور غيره، ولا يمكن بناء أحدهما على الآخر، كقوله تعالى لموسى وهارون - عليهما الصلاة والسلام -:{فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يخشى} [طه: 44] ، وهو تعالى عالم بأنه لا يتذكر ولا يخشى.
فإن قيل: التذكير المأمور به، هل هو مضبوط بعدد أو لا؟ وكيف يكون الخروج عن عهدة التذكير؟ .
والجواب أن المعتبر في التذكير والتكرير هو العرف.
قوله: {سَيَذَّكَّرُ مَن يخشى} ، أي: يتّقي الله ويخافه. قال ابن عباس رضي الله عنهما نزلت في ابن أم مكتوم.
وقيل: في عثمان بن عفان قال الماوردي: وقد يذكره من يرجوه إلا أنَّ تذكرة الخاشي أبلغ من تذكرة الراجي؛ فلذلك علقها بالخشية والرجاء قيل المعنى: عَمِّمْ أنْتَ التذكير والوعظ وإن كان الوعظ إنما ينفع من يخشى، ولكن يحصل لك ثواب الدعاء. حكاه القشيري، ولذلك علقها بالخشية دون الرجاء، وإن تعلَّقت بالخشية والرجاء.
فإن قيل: التذكير إنما يكون بشيء قد علم، وهؤلاء لم يزالوا كفاراً معاندين؟ .
فالجواب: أن ذلك لظهوره وقوة دليله، كأنه معلوم، لكنه يزول بسبب التقليد والعناد، فلذلك سمي بالتذكير، والسين في قوله:«سيذكر» يحتمل أن تكون بمعنى: «سوف» ، و «سوف» من الله تعالى واجب، كقوله تعالى:{سَنُقْرِئُكَ فَلَا تنسى} [الأعلى: 6]، ويحتمل أن يكون المعنى: أن من خشي، فإنه يتذكر وإن كان بعد حين بما يستعمله من التذكير والنَّظر.
قوله: {وَيَتَجَنَّبُهَا} أي: الذِّكرى، يبعد عنها الأشقى، أي: الشقي في علم الله تعالى، لمَّّا بيَّن من ينتفع بالذكرى بيَّن بعده من لا ينتفع بها وهو الكافر الأشقى.
قيل: نزلت في الوليد بن المغيرة وعتبة بن ربيعة.
{الذى يَصْلَى النار الكبرى} أي: العظمى، وهي السفلى من طباق النَّار، قاله الفراء.
وعن الحسن: «الكُبْرَى» : نَارُ جهنَّم، والصُّغرى: نارُ الدُّنْيَا.
وقيل: في الاخرة نيران ودركات متفاضلة، كما في الدنيا ذُنُوبٌ ومعاصي متفاضلة، فكما أنَّ الكافر أشقى العصاة، فكذلك يصلى أعظم النيران.
فإن قيل: لفظ الأشقى لا يستدعي وجود الشقي فكيف حال هذا القسم؟ .
فالجواب ان لفظ «الأشقى» لا يستدعي وجود الشقي إذ قد يرد هذا اللفظ من غير مشاركة، كقوله:{أَصْحَابُ الجنة يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً} [الفرقان: 24] ، «ويتَجنَّبُهَا الأشْقَى» ، كقوله:{وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم: 27] .
وقال ابن الخطيب: الفرق ثلاث: العارف، والمتوقف، والمعاند، فالسعيد: هوالعارف، والمتوقف له بعض الشقاء، والأشقى: هو المعاند.
قوله: {ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا} ؛ لا يموت فيستريح، ولا يحيى حياة تنفعه، كقوله تعالى:{لَا يقضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِّنْ عَذَابِهَا} [فاطر: 36] .
فإن قيل: هذه الآية تقتضي أن ثمَّة حالة غير الحياة والموت، وذلك غير معقول؟ .
فالجواب: قال بعضهم: هذا كقول العرب للمبتلى بالبلاء الشديد: لا هو حي، ولا هو ميت.
وقيل: إن نفس أحدهم في النار تمرُّ في حلقه، فلا تخرج للموت، ولا ترجع إلى موضعها من الجسم، فيحيى.
وقيل: حياتهم كحياة المذبوح وحركته قبل مفارقة الروح، فلا هو حي؛ لأن الروح لم تفارقه بعد، ولا هو ميت؛ لأن الميت هو الذي تفارق روحه جسده. و «ثمّ» للتراخي بين الرتب في الشدة.
قوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تزكى} أي: صادف البقاء في الجنة، أي: من تطهَّر من الشِّركِ بالإيمان قاله ابن عباسٍ وعطاءٌ وعكرمةُ.
وقال الربيعُ والحسنُ: من كان عمله زاكياً نامياً وهو قول الزجاج.
وقال قتادةُ: «تزكَّى» ، أي: عمل صالحاً.
وعن عطاءٍ، وأبي العالية: نزلت في صدقة الفطر.
قال ابن سيرين: {قد أفلح من تزكَّى، وذكر اسم ربه فصلَّى} قال: خرج فصلَّى بعد ما أدى.
والأول أظهر؛ لأن اللفظ المعتاد أن «يقال» في المال: زكَّى، ولا يقال: تزكَّى، قال تعالى:{وَمَن تزكى فَإِنَّمَا يتزكى لِنَفْسِهِ} [فاطر: 18] .
وقال أبو الأحوصِ وعطاءٌ: المراد بالآية؛ زكاة الأموال كلها.
قال بعضهم: لا أدري ما وجه هذا التأويل؛ لأن هذه السورة مكية، ولم يكن ب «مكة» عيد، ولا زكاة فطر.
قال البغويُّ: يجوز أن يكون النزول سابقاً على الحكم، كقوله تعالى:{وَأَنتَ حِلٌّ بهذا البلد} [البلد: 2] ، والسورة مكية، وظهر أثر الحل يوم الفتح، قال صلى الله عليه وسلم َ:«أحِلَّتْ لِي ساعةً مِنْ نَهارٍ» .
وقيل: هذا في زكاة الأعمال، لا زكاة الأموال، أي: زكى أعماله من الرياء [والتقصير] وروى جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم َ: «قَدْ افْلحَ مَنْ تَزَكَّى؛ أي: شهد أن لا إله إلا الله، وخلع الأنداد، وشهد أنِّي رسُول اللهِ» وهذا مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وروى عطاءٌ عن ابن عباسٍ، قال: نزلت في عثمان رضي الله عنه قال: كان ب «المدينة» منافق كانت له نخلة ب «المدينة» ، مائلة في دار رجل من الأنصار، إذا هبت الرياح أسقطت البُسْر والرطب في دار الأنصاري، فيأكل هو وعياله، فخاصمه المنافق، فشكاه الأنصاري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم َ فأرسل إلى المنافق، وهو لا يعلم بنفاقه، فقال: إنَّ أخاك الأنصاريَّ ذكر أنَّ بُسركَ ورُطبَكَ يقعُ إلى منزله، فيَأكلُ هُوَ وعِيالهُ، فهل لَكَ أنْ أعْطيكَ نَخْلَةً في الجنَّة بدلها؟ فقال: أبيع عاجلاً بآجلٍ؟ لا أفعلُ، فذكروا أن عثمان بن عفان رضي الله عنه أعطاه حائطاً من نخل بدل نخلته، ففيه نزلت:{قَدْ أَفْلَحَ مَن تزكى} ، ونزلت في المنافق:{وَيَتَجَنَّبُهَا الأشقى} .
وقال الضحاكُ: نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
قوله: {وَذَكَرَ اسم رَبِّهِ فصلى} .
قال ابن عباس والضحاكُ: وذكر اسم ربه في طريق المصلى، فصلى صلاة العيد.
قال القرطبيُّ: «والسورة مكية في قول الجمهور، ولم يكن ب» مكة «عيد» .
قل القشيريُّ: ولا يبعد أن يكون أنثى على من يمتثل أمره في صدقة الفطر، وصلاة العيد فيما يأمر به في المستقبل.
قوله: {وَذَكَرَ اسم رَبِّهِ} ، أي: وذكر ربه.
وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: معناه ذكر معاده وموقفه بين يدي الله تعالى، فعبده وصلى له.
وقيل: ذكر اسم ربه: التكبير في أوَّل الصلاة؛ لأنها لا تنعقد إلا بذكره، وهو قوله:«اللهُ أكبر» ، وبه يحتجُّ على وجوب تكبيرة الإحرام وعلى أنَّها ليست من الصلاة؛ لأنَّ الصلاة معطوفة عليها، وفيه حُجَّةٌ لمن قال: الافتتاح جائز بكل اسم من أسماء الله تعالى.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: «هذا في الصلوات المفروضة» .
روى عبد الله رضي الله عنه: «من أقام الصلاة ولم يؤت الزكاة فلا صلاة له» .
قوله: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الحياة الدنيا} ، قرأ أبو عمرو: بالغيبة.
والباقون: بالخطاب ويؤيده قراءة أبيٍّ: «أنْتُمْ تُؤْثِرُون» .
وعلى الأول معناه: بل تؤثرون أيها المسلمون الاستكثار من الدنيا على الاستكثار من الثواب.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه: أنَّه قرأ هذه الآية، فقال: أتدرون لم آثرنا الحياة الدنيا على الآخرة؟ قال: لأن الدنيا حضرت وعجلت لنا طيباتها وطعامها وشرابها ولذاتها وبهجتها، والأخرى: غيبت عنا فأخذنا العاجل، وتركنا الآجل.
قوله: {والآخرة خَيْرٌ وأبقى} ، أي: والدَّار الآخرة خير، أي: أفضل وأبقى أي: أدوم.
قوله: {إِنَّ هذا لَفِي الصحف الأولى} .
قرأ أبو عمر، في رواية الأعمش وهارون: بسكون الحاء في الحرفين، واختلفوا في المشار إليه بهذا.
فقيل: جميع السورة، وهو رواية عكرمة عن ابن عباس.
وقال الضحاكُ: إن هذا القرآن «لفي الصحف الأولى» أي: الكتب الأولى.
{صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وموسى} يعني: الكتب المنزلة عليهما، ولم يرد أن هذه الألفاظ بعينها في تلك الصحف، وإنما معناه: أن معنى هذا الكلام في تلك الصحف.
وقال قتادة وابن زيد: المشار إليه هو قوله تعالى: {والآخرة خَيْرٌ وأبقى} وقال: تتابعت كتب الله تعالى - كما تسمعون - أن الآخرة خير وأبقى وقال الحسن: إن هذا لفي الصحف الأولى يعني من قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تزكى} إلى آخر السورة؛ لماروى أبو ذر رضي الله عنه قال: «قلت: يا رسول الله هل في أيدينا شيء مما كان في صحف إبراهيم وموسى؟ قال صلى الله عليه وسلم َ:» نعم «» ، ثم قرأ أبو ذر:{قَدْ أَفْلَحَ مَن تزكى} إلى آخر السورة.
وروى أبو ذرٍّ رضي الله عنه «أنَّه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم َ كم أنزل من كتاب؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم َ:» مائة وأربعُ كتبٍ: على آدم عشرةُ صحفٍ، وعلى شيثٍ خمسُونَ صحيفةً، وعَلى إدْريسَ ثلاثُونَ صَحيفَةً، وعلى إبْراهِيمَ عشرةُ صَحائفَ، والتَّوراة والإنجيلُ والزَّبورُ والفُرقانُ «» .
قوله: «إبراهيم» قرأ العامة بالألف بعد الراء، وبالياء بعد الهاء.
وأبو رجاء: بحذفهما والهاء مفتوحة، أو مكسورة، فعنه قراءتان.
وأبو موسى وابن الزبير: «إبراهام» - بألفين - وكذا في كل القرآن.
ومالك بن دينار: بألف بعد الراء فقط، والهاء مفتوحة.
وعبد الرحمن بن أبي بكرة: «إبْرَهِمَ» بحذف الألف وكسر الهاء وقد تقدم الكلام على هذا الاسم ولغاته مستوفى في سورة «البقرة» ولله الحمد على كل حال.
وقال ابن خالويه: وقد جاء «إبْراهُم» يعني بألف وضم الهاء.
وروى الثعلبي عن أبيّ رضي الله عنه: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم َ: «مَنْ قَرَأ سُورةَ الأعْلَى أعطاهُ اللهُ تعالَى من الأجْرِ عَشْرَ حسناتٍ، عدد كُلِّ حرفٍ أنزله اللهُ على إبْراهيمَ ومُوسَى ومحمدٍ، صلواتُ الله عليْهِم أجْمعِينَ» .