المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب الإغراء والتحذير - اللمحة في شرح الملحة - جـ ٢

[ابن الصائغ]

الفصل: ‌باب الإغراء والتحذير

‌المجلد الثاني

‌القسم الثاني: قسم التحقيق (تابع)

‌النص المحقق (تابع)

‌باب الإغراء والتحذير

بَابُ الإِغْرَاءِ [وَالتَّحْذِيرِ] 1:

وَالنَّصْبُ فِي الإِغْرَاءِ غَيْرُ مُلْتَبِسْ

وَهْوَ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ فَافْهَمْ وَقِسْ

تَقُولُ لِلطَّالِبِ خِلَاّ بَرَّا

دُونَكَ زَيْدًا2 وَعَلَيْكَ عَمْرَا

[83/ب]

الإغراء هو: التّحضيض على الفعل الّذي يُخشى فواتُه3.

والمُغْرَى به منصوبٌ بِلُزوم إضمار العامل4 فيه في ألفاظٍ يختصّ بها التّحذير والإغراء.

فالإغراء ألفاظُه: (عليك) - بمعنى: الزم -، و (دونك) و (عندك) و (شأنُك) - بمعنى: خُذْ من حضرتك، وتناول من قريب5-؛ فتقول

1 ما بين المعقوفين ساقطٌ من ب.

2 في متن الملحة 31، وشرح الملحة 231: دُونَكَ بِشْرًا.

3 أي: لكونِه محبوبا؛ وهذا التّعريف هو ما نصَّ عليه الحريريّ في شرحه على ملحته 231.

وقد عرّفه ابن مالكٍ في شرحه على الكافية الشّافية بقوله 3/1379: "إلزامُ المخاطَب العكُوفَ عَلَى ما يُحْمَدُ العُكوفُ عليه من مُوَاصَلةِ ذَوي القُرْبى، والمُحافظة على عُهُودِ المُعَاهَدين، ونحو ذلك".

وقال ابن هشام: ((هو تنبيه المخاطَب على أمرٍ محمودٍ ليفعَلَه)) . أوضح المسالك 3/114.

4 يجب إضمارُ عامل الإغراء إذا كان معطوفا، أو مكرّرًا، نحو:(الصّلاةَ والصّيامَ) و (النّجدةَ النّجدةَ) ؛ وإنْ كان بغير تكرار أو عطف جاز إضمارُ عامله، نحو:(الصّلاة) .

يُنظر: شرح الكافية الشّافية 3/1379، وابن النّاظم 609، وشرح التّحفة الورديّة 329، وأوضح المسالك 3/114، وابن عقيل 2/276، والتّصريح 2/195، والأشمونيّ 3/192.

5 في تفسير معاني هذه الكلمات تقديم وتأخير، يتّضحُ ذلك من قول الحريري في شرحه على الملحة 231:"فإذا قلت: (عليك زيدًا) نصبته على الإغراء، ومعناه: خذ زيدًا فقد علاك؛ وإذا قلت: (عندك عمرًا) فالمعنى: خذه من حضرتك؛ وإذا قلت: (دونك بشرًا) فمعناه: خذه من قربك".

ص: 527

من ذلك: (دونك زَيْدًا) و (عليك نَفْسَكَ) و (شَأْنَكَ والْحَجَّ) 1 أي: عليك شأنك والحجّ؛ ومنه: (أَهْلَكَ واللَّيْلَ) 2 أي: بادرهم قبل اللّيل.

ولا يجوز تقديم المنصوب بالإغراء على ألفاظه3؛ وهذه الألفاظ تُستعمَل في ضمير4 المخاطَب5.

1 تقديرُه: (الزم شأنك إذا صاحبت الحجّ)، وتفسيرُه: عليك شأنك مع الحجّ. و (الواو) بمعنى (مع) ؛ وليس المراد من الشّأن أمرًا وراء الحجّ، بل المُراد مقدِّمات الحجّ؛ ولذلك كانت الواو معيّن لئلاّ يكون المأمور به شيئين؛ أحدهما: الشّأن، والآخر: الحجّ. شرح ألفيّة ابن معطٍ 1/495.

ويُنظر: الكتاب 1/276.

2 هذا المَثل له شِقّان؛ أوّله: إغراء وحثٌّ على المبادَرة في الذّهاب، والآخر: تحذيرٌ من انتظار اللّيل.

يُنظر هذا المثل في: جمهرة الأمثال 1/196، ومجمع الأمثال 1/86، والمستقصى 1/443.

3 في أ: لفظه.

قال سيبويه (1/252، 253) : "واعلم أنّه يقبُح: (زيدًا عليك) و (زيدًا حذرك) ؛ لأنّه ليس من أمثلة الفعل، فقبح أن يجري ما ليس من الأمثلة مجراها".

ولا يمتنع عند الكسائيّ؛ إذْ أجاز فيه ما يجوزُ في الفعل من التّقديم والتّأخير.

يُنظر: ابن النّاظم 614، والتّصريح 2/200، والأشمونيّ 3/206.

4 في أ: في ضمير؛ مكررة.

5 يُنظر: الكتاب 1/250، والمقتضب 3/280.

وقال ابن عصفورٍ في المقرّب 1/136: "ولا يُغرى إلاّ لمخاطَب؛ فلا تقولُ: (على يدٍ عمرًا) ؛ فإن جاء من إغراء الغائب شيء حُفظ ولم يُقَسْ عليه".

ص: 528

وتختصّ (على) بشيئين: إدخالها على ضمير الغائب1، وإلحاقُ الباء بمنصوبها2، كقولك:(عليك بتقوى الله) .

[والتّحذير] 3 هو4: تنبيه المخاطَب على مكروهٍ ينبغي الاحترازُ منه بألفاظٍ؛ وهي: (إيّاكَ) - بمعنى: احذر -، و (إليك) - بمعنى: تَنَحّ -؛ تقول مِن ذلك: (إيّاك والأسدَ) ؛ فهو مفعولٌ بفعلٍ لا يجوزُ إظهارُه [84/أ] ؛ لأنّه قد كثُر به التّحذير، وجُعِلَ بدلاً من اللّفظ بالفعل5؛ سواءٌ كان معطوفا عليه، نحو:(إيّاكَ والشّرَّ) ، أو مكرّرًا، نحو:

فَإِيَّاكَ6 إِيَّاكَ المِرَاءَ فَإِنَّهُ7

................................

1 حكموا على دخولها على ضمير الغائب بالشّذوذ؛ وفي نحو: (عليه رجلاً ليسني) . قال سيبويه 1/250: "وهذا قليلٌ، شبّهوه بالفعل"؛ وقال المبرّد 3/280: "لأنّ هذا مَثل؛ والأمثال تجري في الكلام على الأصول كثيرًا".

ويُنظر: المقرّب 1/136، والأشمونيّ 3/201.

2 في أ: على منصوبها.

3 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.

4 في أ: وهو.

5 فلذلك التزموا معه إضمارَ العامل.

يُنظر: شرح الكافية الشّافية 3/1378، وابن النّاظم 607.

6 في أ: إيّاك.

7 هذا صدرُ بيتٍ من الطّويل، وعجزه:

إِلَى الشَّرِّ دَعَّاءٌ وَلِلشَّرِّ جَالِبُ

وهو للفضل بن عبد الرّحمن القرشيّ.

و (المِراء) : الجدال والمعارضة بالباطل.

والشّاهدُ فيه: (فإيّاك إيّاك) فإنّه تحذير؛ ومعناه: احترز؛ وقد التزم معه إضمار العامل لتكراره.

يُنظر هذا البيت في: الكتاب 1/279، والمقتضب 3/213، والأُصول 2/251، والخصائص 3/102، وشرح المفصّل 2/25، وابن النّاظم 607، وشرح الرّضيّ 1/183، ورصف المباني 216، وأوضح المسالك 3/24، والمقاصد النّحويّة 4/113، 308، والخزانة 3/63.

ص: 529

أو مفرَدًا، نحو:(إِيَّاكَ الأَسَدَ)1.

فإنْ كان التّحذير بغير (إيّاكَ) ونحوه كان المحذّر2 منصوبا بفعل جائز الإضمار والإظهار إلاّ مع العطف والتّكرار؛ تقولُ: (نَفْسَكَ الشَّرَّ) أي: جنِّب نفسك الشّرّ؛ وإن شئتَ أظهرتَ الفعل، فتقولُ [نفسك والأسد، أي] 3: (قِ4 نَفْسك واحذر الأسد) ؛ ومثله: (مَازِ رَأْسَكَ والسَّيْفَ) 5 أي: يا مَازِنُ6 قِ7 رَأْسَكَ واحْذَر السَّيْفَ.

1 تقديرُه: أُحذّركَ الأَسَدَ.

2 في أ: المحذوف، وفي ب: المحذور؛ وكلتاهما محرّفة والتصويب من ابن الناظم 607.

3 ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السّياق، وهي من ابن النّاظم 607.

4 في كلتا النّسختين: وقِ، والصّواب ما هو مثبَت.

5 هذا مثلٌ يضرب في الأمر بمجانبة الشر؛ وأصله: أن رجلاً يقال له: مازن أسر رجلاً، وكان رجل يطلب المأسور بثأر فقال له:"مازن رأسك والسيف! "؛ فنحّى رأسه فضرب الأسير.

ينظر هذا المثل في: مجمع الأمثال 3/271، والمستقصى 2/339.

6 في أ: مازن، بدون حرف النداء.

7 في كلتا النّسختين: وقِ، والصّواب ما هو مثبت.

ص: 530

وَتَنْصِبُ الاسْمَ الَّذِي تُكَرِّرُهْ

عَنْ عِوَضِ الفِعْلِ1 الَّذِي لَا تُظْهِرُهْ

مِثْلُ مَقَالِ الخَاطِبِ الأَوَّاهِ

اللهَ اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ

الفعل قد يعمل محذوفا إذا دلّت الحالُ عليه؛ وذلك أن ترى إنسانا قد دخل أَجَمَةً2 فتقول: الأسد، أي: احْذرِ الأسد؛ ويجوز إظهارُ الفعل النّاصب.

فإن كرّرت الاسم قام تكريرُه مقام إظهار الفعل، ولم يجز إظهارُه3، كقولك:[84/ب](الأسدَ الأسدَ)، وللمُجِدِّ في سيرٍ:(السُّرعةَ السُّرعةَ، النَّجاءَ النَّجاءَ)، ومنه قولُ الخطيب:(اللهَ اللهَ عِبَادَ اللهِ) ؛ وكان الأصل: (اتّقوا اللهَ) فقام التّكريرُ مقام الفعل المحذوف4.

1 في أ: الاسم، وهو سهو.

2 الأَجَمَةُ: منبت الشّجر كالغيضة، وهي الآجام؛ وقيل: الشّجر الكثير الملتفّ؛ وتأَجّم الأسدُ: دخل في أَجَمَتِهِ. اللّسان (أجم) 12/8.

3 هذا مذهب أكثر النّحويّين؛ وأجاز بعضهم إظهار العامل هُنا مع التّكرير، قال الرّضيّ 1/181: "وأجاز قومٌ ظهور الفعل مع هذا القسم، نحو:(احذر الأسد الأسد) و (إيّاك إياك احذر) نظرًا إلى أنّ تكرير المعمول للتّأكيد لا يوجِبُ حذف العامل، كقوله تعالى:{كَلَاّ إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكا دَكا} [الفجر: 21] .

ومنعه الآخرون؛ وهو الأولى لعدم سماع ذكر العامل مع تكرير المحذّر منه".

ويُنظر: شرح المفصّل 2/29، وابن النّاظم 608، والتّصريح 2/195، والأشمونيّ 3/190، 191.

4 أي: مقامَ إظهار الفعل المحذوف.

يُنظر: شرح الملحة 234.

ص: 531

وقد جاء التّحذير للغائب1؛ وهو شاذّ2، ومنه قولُ بعضِهم3:

1 حقُّ التّحذير أنْ يكون للمخاطب، وشذّ مجيئُه للمتكلّم في قوله:(إيّاي وأن يحذف أحدُكم الأرنب) ، وأشذُّ منه مجيئُه للغائب، كما مثّل الشّارح.

يُنظر: شرح الكافية الشّافية 3/1378، وابن النّاظم 608، وشرح الرّضيّ 1/181، وأوضح المسالك 3/113، وابن عقيل 2/275، والتّصريح 2/193، 194، والأشمونيّ 3/191، 192.

2 قال السّيوطيّ في الهمع 3/26: "ولا يكون المحذور ظاهرًا ولا ضمير غائب إلا وهو معطوفٌ، نحو:(إيّاك والشّرّ) و (ماز رأسك والسّيف)، وقولُه:

فَلَا تَصْحَبْ أَخَا الجَهْلِ

وَإِيَّاكَ وَإِيَّاهُ

أي: باعِد منه وباعِدْهُ منك".

وعلى ذلك لا يكون التّحذير بضميري الغائب والمتكلّم شاذًّا إلاّ إذا كان محذّرًا لا محذّرًا منه.

وذكر الرّضيّ أنّ المحذّر منه المكرّر يكون ظاهرًا، نحو:(الأسد الأسد) ، ومضمَرًا، نحو:(إيّاك إيّاك) و (إيّاه إيّاه) و (إيّايَ إيّايَ) . شرح الكافية 1/181.

ويُنظر: الصّبّان 3/193، والدّرر 3/10.

3 هذا قولٌ سُمِعَ عن العرب كما قال سيبويه 1/279: "وحدّثني مَن لا أتّهِمُ عن الخليل أنّه سمع أعرابيا يقول: إذا بلغ الرّجل السّتّين فإيّاه وإيّا الشَّوابِّ".

و (الشّواب) : جمع شابّة؛ ويُروى: السوءات جمع سوأة.

ومعناه: إذا بلغ الرّجل ستّين سنة فلا يتولّع بشابّة، أو لا يفعل سوأة.

والتّقدير: فليحذر تلافي نفسه وأنفس الشّوابّ.

ويُنظر هذا القولُ في: الأصول 2/251، وشرح الكافية الشّافية 3/1378، وابن النّاظم 608، وشرح الرّضيّ 1/181، وأوضح المسالك 3/113، والتّصريح 2/194، والأشمونيّ 3/192، والصّبّان 3/192.

وهذا القولُ فيه ثلاثة شذوذات:

أحدها: مجيء التّحذير فيه للغائب.

والثّاني: اجتماعُ حذف الفعل وحذف حرف الأمر.

والثّالث: إضافة (إيّا) إلى ظاهر وهو (الشّوابّ) .

يُنظر: المصادر السّابقة.

ص: 532

(إِذَا بَلَغَ الرَّجُلُ السِّتِّينَ فَإِيَّاهُ [وَإِيَّا] 1 الشَّوَابِّ) .

1 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.

ص: 533