المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب ما التي تعمل عمل ليس: - اللمحة في شرح الملحة - جـ ٢

[ابن الصائغ]

الفصل: ‌باب ما التي تعمل عمل ليس:

‌بَابُ مَا الَّتِي تَعْمَلُ عَمَلَ لَيْسَ:

1

وَمَا الَّتِي تَنْفِي كَلَيْسَ النَّاصِبَهْ

فِي قَوْلِ سُكَّانِ الْحِجَازِ قَاطِبَهْ

فَقَوْلُهُمْ: مَا عَامِرٌ مُوَافِقًا

كَقَوْلِهِمْ: لَيْسَ سَعِيدٌ صَادِقًا

[95/ ب]

(ما) في لغة أهل الحجاز ترفع الاسم وتنصب الخبر إذا كان الخبر مؤخّرًا منفيًّا؛ لأنّهم شبّهوها بـ (ليس)، نحو قوله تعالى:{مَا هَذَا بَشَرًا} 2، وقولُه تعالى:{مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} 3.

وفي لغة بني تميم لا تعمل شيئًا، فيرفع ما بعدها بالابتداء والخبر؛ فهي عندهم كحروف الاستفهام الدّاخلة على الاسم والفعل4؛ فليس عملها في أحدهما بأولى من الآخر.

وشَبَهُها بـ (ليس) من ثلاثة أوجُهٍ؛ وهي:

دخولها على المبتدأ والخبر، وكونها5 للنّفي، وكون النّفي نفي حالٍ.

ومن شرط إعمالها: فقدان الزّيادة6، وبقاء النّفي7؛ فإن وُجدت

1 في أ: الّتي بمعنى ليس.

2 من الآية: 31 من سورة يوسف.

3 من الآية: 2 من سورة المجادلة.

4 ولأنّ (ما) حرف غير مختصّ؛ لدخوله على الاسم، نحو:(ما زيدٌ قائم) ، وعلى الفعل، نحو:(ما يقوم زيد) وما لا يختصّ فحقّه ألاّ يعمل. ابن عقيل 1/279.

5 في أ: كونهما.

6 في ب: الزّائدة.

7 وتأخير الخبر. يُنظر: ابن النّاظم 145.

ص: 587

قبل (إِنْ)، كقول الشّاعر:

بَنِي غُدَانَةَ مَا إِنْ أَنْتُمُ ذَهَبٌ

وَلَا صَرِيفٌ وَلَكِنْ أَنْتُمُ خَزَفُ1

بطل العمل لضعف شبهها بـ (ليس) .

ومتى انتقض النّفي بحرف الاستثناء2، نحو قوله تعالى:{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} 3؛ بطل عملها لبُطلان معناها.

ولا يجوز4 تقديم [معمول] 5 خبرها علىاسمها إلاّ إذا كان ظرفًا [96/أ]

1 هذا بيتٌ من البسيط، ولم أقف علىقائله.

و (غدانة) : حيّ من يربوع. و (صريف) : الفضّة. و (خزف) : فَخَار.

والشّاهدُ فيه: (ما إنْ أنتم ذهب) حيث زيدت (إنْ) بعد (ما) فبطل عملها.

يُنظر هذا البيتُ في: شرح عمدة الحافظ 1/214، وابن النّاظم 145، واللّسان (صرف) 9/190، والجنى الدّاني 328، وتخليص الشّواهد 277، والمقاصد النّحويّة 2/91، والتّصريح 1/196، والهمع 2/112، والأشمونيّ 1/247، والخزانة 4/119.

2 الّذي هو (إِلاّ) .

3 من الآية: 144 من سورة آل عمران.

4 لا يجوز تقديم خبرها على اسمها؛ لأنّ (ما) عامل ضعيف لا قوّة لها على شيء من التّصرّف؛ فلذلك لم تعمل حال تقدّم خبرها على اسمها إلاّ فيما ندر من قول الفرزدق:

فَأَصْبَحُوا قَدْ أَعَادَ اللهُ نِعْمَتَهُمْ

إِذْ هُمْ قُرَيْشٌ وَإِذْ مَا مِثْلَهُمْ بَشَرُ

ينظر: ابن النّاظم 146.

5 ما بين المعقوفين زيادة يقتضيها السّياق؛ وهي من ابن الناظم.

ص: 588

أو حرف جرّ؛ تقول: (ما زيدٌ آكِلاً طعامك) ولو قدّمت (الطّعام) على (زيد) لم يجز [إلاّ أن] 1 ترفع الخبر، [نحو] 2:(ما طعامك زيدٌ آكل)، ومنه قولُ الشّاعر:

وَقَالُوا تَعَرَّفْهَا3 المَنَازِلَ مِنْ مِنًى

وَمَا كُلُّ مَنْ وَافَى مِنًى أَنَا عَارِفُ4

وتقولُ: (ما عندك زيد مقيمًا، وما بي أنت معنيًّا) - بالتّقديم5-؛

1 ما بين المعقوفين ساقطٌ من ب.

2 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.

3 في أ: أتعرفها.

4 هذا بيتٌ من الطّويل، وهو لمزاحم بن الحارث العقيليّ.

و (تعرّفها) : تطلب معرفتها، وأسأل النّاس عنها. (ومنى) : مكانٌ معروف قريبٌ من مكّة.

والشّاهد فيه: (ما كلّ مَن وافى منى أنا عارف) على رواية نصب (كلّ) حيث أبطل الشّاعر عمل (ما) النّافية فرفع بعدها المبتدأ والخبر جميعًا؛ وهُما: (أنا عارف) ؛ لأنّ معمول الخبر - وهو: (كلّ مَن وافى منى) قد تقدّم على المبتدأ؛ وهذا المعمول ليس ظرفًا ولا جارًّا ومجرورًا.

ويجوز على رواية رفع (كلّ) أن تكون (ما) مهملة، وأن تكون عاملة؛ لأنّه لم يتقدّم فيها معمول الخبر.

يُنظر هذا البيتُ في: الكتاب 1/72، والخصائص 2/354، وابن النّاظم 147، واللّسان (عرف) 9/237، وأوضح المسالك 1/201، والمقاصد النّحويّة 2/98، والتّصريح 1/198، والأشباه والنّظائر 2/233، والأشمونيّ 1/249.

5 أي: تقديم معمول خبر (ما) على اسمها؛ أجازوا ذلك في الظّرف والجارّ والمجرور.

ابن النّاظم: 147.

ص: 589

لأنّ الظّرف والجارّ والمجرور [يتوسّع بهما في الكلام ما لا] 1 يتوسّع بغيرهما.

ولا يجوز نصب المعطوف بـ (لكن) ولا بـ (بل) على خبر (ما) ؛ لأن المعطوف بهما موجِب، و (ما) لا يَنصب الخبر [إلاّ] 2 إذا كان منفيًّا3.

فإذا عطف بهما على خبر (ما) وجب رفع المعطوف؛ لكونه خبر مبتدأ محذوف، تقول:(ما زيدٌ قائمًا بل قاعد) و (ما عمرو شُجاعًا لكن4 كريم) .

المعنى: بل هو قاعد، ولكن هو كريم.

وقد تُزاد (الباء) الجارّة في الخبر بعد (ما) ؛ توكيدًا للنّفي، كقوله تعالى:{وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} 5.

وقد تُزاد في الخبر بعد (لا)، كقولك:(لَا خَيْرَ بِخَيْرٍ بَعْدَهُ6 النَّارُ)7.

1 ما بين المعقوفين ساقطٌ من ب.

2 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.

3 في كلتا النّسختين: نفيًا، والصّواب ما هو مثبَت كما في ابن النّاظم 148.

4 في كلتا النّسختين: بل، والصّواب ما هو مثبَت؛ كما يتّضح من تفسير الشّارح فيما بعده.

5 من الآية: 132 من سورة الأنعام.

6 في ب: بعد.

7 هذا الشّاهد من خطبة لأبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه.

يُنظر: تاريخ الطّبريّ 3/225.

وفي هذا الشّاهد قولان:

أحدُهما: أنّ قوله (بخير) خبر (لا) ، و (بعده) صفة الخبر، والباء بمعنى في.

والثّاني: أنَّ (بعده) صفة اسم (لا) ، و (بخير) خبره مقدّم، والباء زائدة، والتّقدير: لا خيرَ بعدَه النّارُ خيرٌ.

يُنظر: اللُّباب في علل البناء والإعراب 1/246.

ص: 590

وتُزاد بعد (لم) 1، كقوله تعالى:{أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ [وَلَمْ يَعْىَ بِخَلْقِهِنَّ] 2 بِقَادِرٍ} 3، ومنه4 قولُ الشّاعر:

دَعَانِي أَخِي وَالْخَيْلُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ

فَلَمَّا دَعَانِي لَمْ يَجِدْنِي بِقُعْدَُدِ5

[96/ب]

1 في أ: كم، وهو تحريف.

وقد أورد ابن مالكٍ هذه الآية فقال: "ومثال دخولها بعد (أنّ) المسبوقة بـ (أو لَمْ يروا) ، قوله تعالى

". وذكر الآية، ثمّ قال: "وهذا من إجراء الشّيء على ما هو في معناه؛ لأنّ معنى: {أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ} أو ليس الله". شرح التّسهيل 1/383.

2 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.

3 من الآية: 33 من سورة الأحقاف.

4 هذا مثال دخولها بعد نفي فعل ناسخ للابتداء.

5 هذا بيتٌ من الطّويل، وهو لدُريد بن الصّمّة.

و (القُعْدَُدُ) : الجبان اللّئيم، القاعد عن المكارِم والخامل.

والشّاهدُ فيه: (لم يجدني بقعدد) حيث دخلت الباء الزّائدة على مفعول (وجد) الثّاني؛ لنفي النّاسخ.

يُنظر هذا البيت في: شرح التّسهيل 1/383، وابن النّاظم 149، واللّسان (قعد) 3/362، وتخليص الشّواهد 286، والمقاصد النّحويّة 2/121، والتّصريح 1/202، والهمع 2/127، والأشمونيّ 1/251، والدّيوان 48.

ص: 591

فَصْلٌ:

[ (ما) كلمةٌ] 1 تُستعمل2 اسمًا وحرفًا؛ وأقسامُها عشرة: خمسة منها أسماء، وخمسة [منها] 3 حروف.

فالأسماء هي: أنْ تكون استفهامًا، كقوله تعالى:{مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} 4، أو شرْطًا، كقوله تعالى:{وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ} 5، أَوْ تَعَجُّبًا، كقوله تعالى:{فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} 6، أو بمعنى الّذي، كقوله تعالى:{مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللهِ بَاقٍ} 7، أو نكرة موصوفة، كقول ابن دُرَيْد8:

1 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.

2 في أ: وتستعمل.

3 ما بين المعقوفين ساقطٌ من ب.

4 من الآية: 75 من سورة ص.

5 من الآية: 197 من سورة البقرة.

6 من الآية: 175 من سورة البقرة.

7 من الآية: 96 من سورة النّحل.

8 هو: محمّد بن الحسن بن دُرَيْد، أبو بكر الأزديّ، اللّغوي: وُلد بالبصرة سنة (223هـ) ، ونشأ بعُمان، وتنقّل في الجزائر البحريّة ما بين البصرة وفارس؛ وطلب الأدب، وعلم النّحو واللّغة؛ كان من أحفظ النّاس، وأوسعهم علمًا، وأقدرهم على الشّعر؛ ومن مصنّفاته: الجمهرة، والاشتقاق، والملاحِن، والمقصورة؛ توفّي سنة (321هـ) .

يُنظر: مراتب النّحويّين 135، وإنباهُ الرُّواة 3/92، وإشارة التّعيين 304، وبُغية الوُعاة 1/76.

ص: 592

فَكُلُّ مَا لَاقَيْتُهُ مُغْتَفَرٌ

فِي جَنْبِ مَا أَسَأَرَهُ شَحْطُ النَّوَى1

والحروف: إذا كانت نافية بمعنى (ليس)، كقوله تعالى:{وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَاّ اللهُ} 2.

أو كافّة؛ وهي الّتي تدخل على (رُبّ) 3، [كقوله تعالى:{رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ} 4] 5، و (إنّ) وأخواتها6.

أو زائدة؛ وتقع كثيرًا بين الجارّ والمجرور، كقوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ

1 هذا بيتٌ من الرّجز.

و (مغتفر) أي: متجاوَزٌ عنه متروك.

و (أسأره) : أبقى له؛ والسّؤر مهموز: البقيّة من الشّيء. و (الشّحط) : البعد. و (النّوى) : التّفرّق والبُعد.

والتّميثيل به في: (فكلّ ما لاقيته) على أنّ (ما) نكرة موصوفة، أي: فكلّ شيء لاقيتُه مغتفر.

يُنظر هذا البيت في: شرح مقصورة ابن دُريد 23، وديوان ابن دُريد 116.

2 من الآية: 7 من سورة آل عمران.

3 أي: التّالية لـ (رُبّ) فتكفّها عن طلب الاسم، وتوقع بعدها الفعل.

4 من الآية: 2 من سورة الحِجر.

5 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.

6 فتكفّها عن نصب المبتدأ، كقوله تعالى:{قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [الأنبياء:108]، وقوله تعالى:{إِنَّمَا اللهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [النّساء:171] .

ص: 593

اللهِ لِنتَ لَهُمْ} 1؛ وقد زيدت بين (قَدْ) والفعل في رواية مَنْ رَوَى2 قَوْلَ الشَّاعِرِ:

وَقَدْ مَا هَاجَنِي فَازْدَدَتُ شَوْقًا

بُكَاءُ حَمَامَتَيْنِ تَجَاوَبَانِ3

أي: وقد هاجني.

أو مهيّئة لإعمال اسم4، أو فعل، أو حرف، لِمَا [لَمْ] 5 يكن له من العمل [97/أ] والاتّصال، كـ (إذْ ما) 6، و (حيثما) فلولاها لم يكونا من أدوات الشّرط، وقلّما يفعل ذلك؛ فبدخولها جاز أن تلي الفعل، و {رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} 7 فيها أتى الفعل بعد (رُبّ) أيضًا.

1 من الآية: 159 من سورة آل عمران.

2 وهي رواية أبي الحسن الأخفش.

يُنظر: الكامل 1/191، والعقد الفريد 5/414.

3 هذا بيتٌ من الوافر، وهو لجَحْدَر بن معاوية المحرزيّ.

والشّاهد فيه: (وَقَدْ مَا هَاجَنِي) حيث زيدت (ما) بين (قد) والفعل على هذه الرّواية.

يُنظر هذا البيت في: الوحشيّات 183، والكامل 1/191، والعقد الفريد 5/414، وأمالي القالي 1/282، والتّذكرة الحمدونيّة 8/15، والحماسة البصريّة 2/98، وشرح شواهد المغني 1/408، وشعره - ضمن شعراء أمويّون - 1/184.

وهُناك رواية أُخرى في البيت: (وَقِدْمًا) ولا شاهد فيه على هذه الرّواية.

4 في ب: الاسم.

5 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.

6 في ب: كإذ.

7 من الآية: 2 من سورة الحِجر.

ص: 594

واختلف في [ (ما) ] 1 المصدريّة [الّتي تقدّر هي وما عملت فيه بالمصدر] 2؛ لاتّصالها بالفعل، كقولك:(أعجبني ما صنعتَ) تقديرُه: أعجبني صنعُك.

فقيل فيها3: اسم.

وقيل: حرف4.

والأوجَهُ أنّها اسم.

1 ما بين المعقوفين ساقطٌ من ب.

2 ما بين المعقوفين ساقطٌ من أ.

3 في أ: فيهما.

4 القول باسميّتها مذهب الأخفش، وابن السّرّاج، وجماعة من الكوفيّين؛ فتفتقر إلى ضمير.

وعند سيبويه، والمبرّد، وجمهور البصريّين، أنّها حرفٌ؛ فلا يعود عليها ضمير من صلتها.

يُنظر: الكتاب 2/326، 3/11، ومعاني القرآن للأخفش 1/196، والمقتضب 3/200، والأصول 1/161، وشرح الرّضيّ 2/54، ورصف المباني 381، والجنى الدّاني 332، والمغني 402، والهمع 1/281.

ص: 595