الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس: منهجه في إيراد القراءات والتعليق عليها
إن اختلاف ترتيب حروف الكلمة واختلاف ضبطها بالشكل له الأثر الواضح في اختلاف المراد بها، ولذ أهتم المفسرون بذكر القراءات التي تقرأ بها بعض ألفاظ القرآن الكريم، وهذا ما كان من الإمام الطحاوي، إلا أن عنياته بها كانت قليلة، وكان منهجه في عرض تلك القراءات: أنه يذكر القراءة، ومن قرأ بها، ويوجه معناها غالباً. ومن الأمثلة على ذلك ما يلي:
1 -
ما ذكره عند قوله جل وعلا: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1].
حيث قال: عن ابن جرير عن أبيه، قال:(قدم ناس على النبي j من مضر، متقلدي السيوف، مجتابي النمار - قال المسعودي: النمار: الصوف- بهم ضر شديد، (فقام النبي عليه السلام فحمد الله، وأثنى عليه ثم قال: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1] تصدقوا قبل أن لا تصدقوا، ليتصدق الرجل من ديناره، وليتصدق الرجل من درهمه، وليتصدق الرجل من بره، وليتصدق الرجل من شعيره، وليتصدق الرجل من ثمره)
قال أبو جعفر: فكان في هذه الروايات قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1] عند حضه إياهم على صلة أرحامهم، لما رأى من أهلها من الجهد، والضر، والحاجة، فكان ذلك دليلاً أنه قرأها بالنصب بمعنى:(أتقوا الأرحام أن تقطعوها)، وكان ما حملها عليه من قرأها بالجر على تساؤلهم كان بينهم بالله تعالى والأرحام، ولم تكن تلاوة رسول j إياها على من تلاها عليه على التساؤل، وإنما كان على الحض على التواصل، وترك قطيعة الأرحام، وفي ذلك ما قد دل على أنه قرأها بالنصب لا بالجر.
وكذلك روي عن ابن عباس أنه كان يقرؤها كذلك.
فعن الأعمش قال: سمعت مجاهداً يقول: كان ابن عباس يقرأ هذه الآية {الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} [النساء:1] منصوبة، يقول: اتقوا الله والأرحام.
وقد قرأها كذلك أكثر القراء فعن خلف بن هشام، قال: قرأ عاصم {وَالْأَرْحَامَ} [النساء:1] نصب، ونافع كمثل، وأبو عمرو كمثل.
(شرح مشكل الآثار -1/ 225 - 226)
2 -
حيث قال: قول الله عز وجل: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء:25]. وهذا الحرف مما قد اختلف القراء فيه، فقرأه بعضهم بالفتح، وممن قرأه كذلك عبد الله بن مسعود، فعن النخعي أن معقل من مقرن سأل ابن مسعود فقال: أمتي زنت، فقال: أجلدها خمسين، قال: إنها لم تحصن، فقال: أليست مسلمة؟ قال: بلى، قال: فإسلامها إحصانها.
قال خلف: وكذلك يقرؤه الأعمش وعاصم وحمزة، وقرأه بعضهم بالضم:{فَإِذَا أُحْصِنَّ} [النساء:25]. وممن قرأه كذلك عبد الله بن عباس.
فعن سعيد بن جبير عن ابن عباس:: {فَإِذَا أُحْصِنَّ} [النساء:25]. يعني: (بالزواج).
وممن قرأه كذلك نافع وأبو عمرو بن العلاء.
(شرح مشكل الآثار 9/ 345 - 347).