الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الأنعام
قوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38)} [الأنعام:38].
قال أبو جعفر الطحاوي: فأخبر عز وجل أنهم أمم أمثالنا، ولم يرد بذلك أنهم أمثالنا في الخلقة التي نتباين نحن وهم فيها، ولا أنهم مثلنا في أنا متعبدون بما أتانا الله عز وجل فيما نعبد لأنه مما لم يتعبدهم به، ومثل ذلك قوله عز وجل:{وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق:12]، يعني: مثل السماوات، ليس يعني بذلك فيما خلقهن عليه، ولكنه على أن لهن من العدد مثل ما للسماوات من العدد.
(شرح مشكل الآثار - 7/ 78)
الدراسة
بين الإمام الطحاوي أن المراد (بالمماثلة) الواردة في الآية هو: المماثلة في العدد، وليس في أي شيء آخر.
وإليك بيان أقوال المفسرين في ذلك:
القول الأول: أن المراد بالمماثلة هو: أن عدد كل أمة من المخلوقات يماثل عدد بني آدم.
ومن أمثلة المماثلة في العدد: قوله جل وعلا: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق:12].
فالمراد بالمماثلة في الآية: المماثلة في العدد، فكما أنه جل وعلا خلق سبع سماوات، فكذلك خلق سبع أرضين.
- وهذا قول: أبي جعفر الطحاوي.
(1)
القول الثاني: أن المراد بالمماثلة هو: أن هذه المخلوقات أجناس وأصناف تتمايز في الصور والأسماء.
فكل جنس من الحيوان أمة، فالطير أمة، والدواب أمة، والسباع أمة، تعرف بصورها وأسماءها كما يعرف بذلك بني آدم.
- وهذا قول: مجاهد.
(2)
(1)
شرح مشكل الآثار (7/ 78).
(2)
انظر: تفسير الماوردي (2/ 112) - وتفسير البغوي (3/ 141).
القول الثالث: أن المراد بالمماثلة هو: أن هذه المخلوقات مخلوقة بحيث يشبه بعضها بعضاً، ويأنس بعضها ببعض، ويفهم بعضها عن بعض، ويتوالد بعضها من بعض، وكذا حال بني آدم.
- وهذا قول: ابن عباس رضي الله عنه.
القول الرابع: أن المراد بالمماثلة هو: أن الله جل وعلا يخلق هذه المخلوقات كما يخلق بني آدم، ويميتها كما يميتهم، ويبعثها كما يبعثهم.
- وهذا قول: الزجاج.
(1)
القول الخامس: أن المراد بالمماثلة هو: المماثلة في الطباع والأخلاق.
فإنه ما من صنف من الدواب والطير إلا وفي الناس شبه منه، فمنهم من يعدو كالأسد، ومنهم من يَشْره كالخنزير، ومنهم من يعوي كالكلب، ومنهم من يزهو كالطاووس، فهذا معنى المماثلة.
- وهذا قول: سفيان بن عيينة - وأبي سليمان الخطابي.
(2)
القول السادس: أن المراد بالمماثلة هو: أن هذه المخلوقات تعرف الله جل وعلا، فهي توحده وتعبده كحال من عرف الله من بني آدم.
- وهذا قول: ابن عباس رضي الله عنه وعطاء - وأبي عبيدة - وخلف - ومكي بن أبي طالب.
واحتج أصحاب هذا القول: بقوله جل وعلا: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء:44].
وبقوله جل وعلا: {كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} [النور:41].
القول السابع: أن المراد بالمماثلة هو: أن هذه المخلوقات تحشر وتحاسب على أعمالها، ويقتص لبعضها من بعض، كما يفعل ببني آدم.
(3)
- وهذا قول: الزجاج.
(4)
(1)
انظر: تفسير ابن الجوزي (3/ 26) - وتفسير الرازي (12/ 213).
(2)
العزلة للخطابي (159).
(3)
انظر: تفسير ابن عطية (6/ 47) - وتفسير ابن الجوزي (3/ 26) - وتفسير الرازي (12/ 213).
(4)
معاني القرآن للزجاج (2/ 245).
واحتج أصحاب هذا القول: بأن الله جل وعلا ختم هذه الآية بقوله: {ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} [الأنعام:38]. وقال في الآية التي قبلها: {وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} [الأنعام:36].
فدل هذا على أن المراد (بالمماثلة) في الآية: البعث للمحاسبة.
(1)
ومما يدل على أن هذه المخلوقات تبعث للمحاسبة: قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء".
(2)
القول الثامن: أن المراد بالمماثلة هو: أن هذه المخلوقات تطلب كل نافع لها كالغذاء والرزق، وتتوقى كل ما فيه إضرار بها، وهلاك لها، وهذا كحال بني آدم.
- وهذا قول: ابن قتيبة.
(3)
القول التاسع: أن المراد بالمماثلة هو: أن هذه المخلوقات مكتوبة أرزاقها وآجالها وأعمالها، كما كتبت لبني آدم.
- وهذا قول: الزمخشري - والبيضاوي - وأبي السعود.
واحتج أصحاب هذا القول: بأن الله جل وعلا قال: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام:38].
وليس لذكر هذا الكلام بعد قوله: {إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} [الأنعام:38] فائدة إلا القول بذلك.
(4)
(1)
تفسير البسيط للواحدي (2/ 189).
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه - كتاب: البر والصلة - باب: تحريم الظلم (حـ 6523 - 16/ 352)
والترمذي في سننه - كتاب: صفة القيامة - باب: ما جاء في شأن الحساب والقصاص (حـ 2425 - 9/ 254).
(3)
انظر: تفسير ابن الجوزي (3/ 26) - وتفسير السمعاني (2/ 101).
(4)
انظر: تفسير الزمخشري (2/ 342) - وتفسير البيضاوي (1/ 300) - وتفسير أبي السعود (2/ 380) - وتفسير الرازي (12/ 214).
الترجيح: والقول الراجح هو أن تحمل المماثلة في الآية على جميع الأقوال المتقدمة. لأن الآية دلت على أن هذه المخلوقات أمثالنا، وليس فيها ما يدل على أن هذه المماثلة في أي المعاني كانت، فوجب حمل المماثلة في الآية على كل وجه يمكن وجود شبه فيه كائناً ما كان.
(1)
وبهذا يتبين أن ما قاله الإمام الطحاوي هو خلاف القول الأولى في المراد بالآية.
والله تعالى أعلم.
قوله تعالى: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52)} [الأنعام:52].
قال أبو جعفر الطحاوي: عن خباب
(2)
: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الأنعام:52] الآية قال: جاء الأقرع بن حابس
(3)
،
(1)
انظر: تفسير الرازي (12/ 213) - وتفسير الشوكاني (2/ 118).
(2)
خباب هو: أبو عبد الله خباب بن الأرت بن جَنْدلة بن سعد، وهو من السابقين الأولين إلى الإسلام، شهد بدراً والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
- وكانت وفاته بالكوفة سنة (37 هـ). (أسد الغابة -2/ 114)
(3)
الأقرع هو: الأقرع بن حابس بن عِقال بن محمد التميمي، شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة، وحنيناً، استعمله عبد الله بن عامرعلى جيش سيره
إلى خرسان فكانت وفاته به. (أسد الغابة -1/ 128)
وعيينة بن حصن
(1)
فوجدوا النبي صلى الله عليه وسلم مع بلال
(2)
وعمار
(3)
، وصهيب
(4)
،
(1)
عُيينة هو: أبو مالك عيينة بن حصن بن حذيفة الفَزَاري، شهد فتح مكة مسلماً. (أسد الغابة -4/ 331)
(2)
بلال هو: أبو عبد الكريم بلال بن رباح، وهو مولى أبي بكر الصديق، كان مؤذناً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد معه المشاهد كلها، وكان من السابقين
إلى الإسلام، وكانت وفاته بدمشق سنة (20 هـ). (أسد الغابة -1/ 243)
(3)
عمار هو: أبو اليقظان عمار بن ياسر بن مالك بن كِنانة العَنْسي، وهو من السابقين الأولين إلى الإسلام، وشهد بدراً وأحداً والخندق وبيعة
الرضوان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت وفاته سنة (37 هـ). (أسد الغابة -4/ 129)
(4)
صهيب هو: أبو يحيى صهيب بن سنان بن مالك بن عبد عمرو النَّمْري، وكان من السابقين الأولين إلى الإسلام، وشهد بدراً وأحداً والمشاهد
كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت وفاته بالمدينة سنة (38 هـ). (أسد الغابة -3/ 36)
وخباب في أناس من الضعفاء من المؤمنين، فلما رأوهم حوله حقروهم، فأتوه فخلوا به، فقالوا له: إنا نحب أن تجعل لنا منك مجلساً تعرف لنا به العرب فضلنا، وإن وفود العرب تأتيك فنستحيي أن ترانا قعوداً مع هذه الأعبد، فإذا نحن جئناك، فأقمهم عنا، فإذا نحن فرغنا فاقعد معهم إن شئت، قال:"نعم" قالوا: فاكتب لنا عليك كتاباً، فدعا بالصحيفة ليكتب لهم، ودعا علياً ليكتب، فلما أراد ذلك، ونحن قعود في ناحية، نزل جبريل عليه السلام فقال:{وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} [الأنعام:52] الآية، ثم ذكر الأقرع وصاحبه، فقال:{وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا} } [الأنعام:53] الآية، ثم ذكر، فقال:{وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا - إلى - الرَّحْمَةَ} [الأنعام:54] فرمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصحيفة ودعانا، فأتيناه، وهو يقول:"سلام عليكم" فدنونا منه، فوضعنا ركبنا على ركبته، فكان إذا أراد أن يقوم، قام وتركنا، فأنزل الله تعالى:{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} [الكهف:28] الآية، يقول: مجالس الأشراف، {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ} [الكهف:28] الآية، أما الذي أغفل قلبه فهو عيينة، والأقرع، وأما:{فرطاً} فهلاكاً، ثم ضرب لهم مثل رجلين، ومثل الحياة الدنيا، فكنا بعد ذلك نقعد مع النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا بلغنا الساعة التي يقوم فيها قمنا وتركناه حتى يقوم، وإلا صبر أبداً حتى نقوم.
(1)
(1)
أخرجه ابن ماجة في سننه - كتاب: الزهد - باب: مجالسة الفقراء (حـ 4179 - 2/ 412)
والطبراني في المعجم الكبير - (حـ 3693 - 4/ 75).
فتأملنا ما في هذا الحديث من ذكر القوم الذين كان سؤال الأقرع وعُيينة فيهم ما سألا، وفيما أنزل من أجل ذلك من قوله:{وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} [الأنعام:52] .. الآية، ومن قوله:{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ} [الكهف:28] .. الآية، هل هما خاصتان في النفر المذكورون في هذا الحديث، أم هما على من هو من أهل الصفة المذكورة فيهما، منهم هؤلاء النفر المذكورون في هذا الحديث؟
فوجدنا عن ابن عمر في هذه الآية: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الكهف:28]، أنهم الذي شهدوا الصلوات المكتوبات
فعقلنا أن المرادين في الآيتين اللتين تلونا أنهم الذين يشهدون الصلوات المكتوبات، وأنهما ليستا بخاصتين للنفر المذكورين في حديث خباب دون من سواهم من الناس، وأنهما على النفر الموصوفين في حديث ابن عمر، وأن منهم النفر المذكورين في حديث خباب وأمثالهم ممن كان يشهد ما يشهدون من الصلوات الخمس.
(شرح مشكل الآثار -1/ 339 - 342)
الدراسة
بين الإمام الطحاوي أن هذه الآية نزلت في فقراء المؤمنين في ذلك الوقت - كبلال، وعمار - عندما طلب بعض أشراف قريش من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يطردهم عنه، فنزلت هذه الآية للنهي عن ذلك.
ثم بين - رحمه الله تعالى - أن حكم الآية ليس خاصاً فيمن نزلت فيهم الآية، وإنما هو عام فيمن يشهد الصلوات المكتوبة، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
وهذا قول: جمهور المفسرين.
(1)
كما بين الإمام الطحاوي أن المراد (بالدعاء) في الآية هو: آداء الصلوات المكتوبة.
وإليك بيان أقوال المفسرين في المراد بذلك:
(1)
انظر: تفسير ابن عطية (6/ 56) - وتفسير أبي حيان (4/ 521) - ومباحث في علوم القرآن لمناع القطان (83).
- القول الأول: أن المراد بالدعاء في الآية هو: الصلوات الخمس المكتوبة.
- وهذا قول: ابن عباس - وابن عمر - وإبراهيم - ومجاهد - والحسن - والضحاك - وقتادة.
- القول الثاني: أن المراد بالدعاء في الآية هو: ذكرهم لله جل وعلا.
- وهذا قول: إبراهيم - ومنصور.
- القول الثالث: أن المراد بالدعاء في الآية هو: تعلمهم لقراءة القرآن.
- وهذا قول: أبي جعفر الطبري.
القول الرابع: أن المراد بالدعاء في الآية هو: عبادتهم لربهم.
- وهذا قول: الضحاك.
(1)
- وقد دل على أن (الدعاء) يأتي بمعنى (العبادة): قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الدعاء هو: العبادة"، ثم قرأ قوله جل وعلا:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)} [غافر:60].
(2)
- ومن أمثلة ورود الدعاء بمعنى العبادة:
قوله جل وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الأعراف:194]. أي: إن الذين تعبدون من دون الله عباد أمثالكم.
وكقوله جل وعلا: {لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا} [الكهف:14] أي: لن نعبد إلهاً دونه.
وكقوله جل ذكره: {فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [الشعراء:213] أي: لا تعبد مع الله إلهاً آخر.
(3)
(1)
تفسير الطبري - (5/ 201).
(2)
أخرجه أبو داود في سننه - كتاب: الصلاة - باب: الدعاء - (حـ 1479 - 2/ 161)
والترمذي في سننه - كتاب: تفسير القرآن - باب: ومن سورة البقرة - (حـ 2975 - 11/ 93) وقال: هذا حديث حسن صحيح. أهـ.
(3)
انظر: تهذيب اللغة للأزهري (مادة: دعا - 3/ 119) - والتصاريف ليحيي بن سلام (325).
الترجيح: والقول الراجح هو أن المراد بالدعاء في الآية: سائر العبادات القولية والفعلية.
لأن دعاء الله جل وعلا يكون بسائر الجوارح قولاً وعملاً واعتقاداً، ولأن القوم كانوا جامعين لذلك.
(1)
كما أن الآية محتملة لذلك، ولا مانع يمنع من ذلك.
وبهذا يتبين أن ما قاله الإمام الطحاوي هو خلاف القول الأولى في المراد بالآية.
والله تعالى أعلم.
قوله تعالى: {وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66)} [الأنعام:66].
قال أبو جعفر الطحاوي: إن الأشياء إذا كثرت، واتسعت أعدادها، جاز أن يضاف إلى كلها ما يراد به بعضها دون بقيتها، ومن ذلك قول الله لنبيه في كتابه:{وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ} [الأنعام:66]، ولم يرد به كل قومه، وإنما أراد منهم المكذبين له في ذلك، لا المصدقين له فيه، وقوله له:{وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} [الزخرف:44]، فلم يرد بذلك قومه المكذبين له على ذلك، وإنما أراد به قومه المصدقين له عليه.
(شرح مشكل الآثار -2/ 83)
الدراسة
بين الإمام الطحاوي أن قوله جل وعلا: {وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ} [الأنعام:66] ليس المراد به
سائر قومه، وإنما المراد به: قومه المكذبين من قريش دون المصدقين منهم.
- وهذا قول: جمهور المفسرين.
(2)
فهذه الآية فيها مجاز مرسل، والعلاقة فيه الكناية، حيث ذكر الكل وهم (القوم) وأراد به الجزء وهم (المكذبين).
- ومن أمثلة ذلك:
قوله جل وعلا: {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} [البقرة:19].
(1)
تفسير الطبري (5/ 203).
(2)
انظر: تفسير الطبري (5/ 224) - ومختصر تفسير المنار (2/ 485).
فالأصبع لا يمكن أن يجعل كله في الأذن، ولكن لما كان الغرض المبالغة في تمثيل حال المنافقين بحال ذوي العيب الذين تزعجهم أصوات الرعد، جاء بهذا الأسلوب لبيان أنهم لو استطاعوا أن يجعلوا أصابعهم كلها في آذانهم لفعلوا ذلك. فعبر بالأصبع وأراد الأنملة، والعلاقة بينهما علاقة الجزء بالكل.
وكقوله جل وعلا: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء:54].
فليس المراد بـ (الناس) سائرهم، وإنما المراد بهم:(الرسول محمد صلى الله عليه وسلم) الذي اختصه الله جل وعلا بكونه خاتم الرسل والأنبياء.
ومن أمثلة ذلك قولك: (شربت ماء زمزم) أي: شربت جزءاً منه، وليس جميعه.
(1)
فكذلك قوله جل وعلا: {وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ} [الأنعام:66] المراد به: وكذب به أكثر قومك وهم المعاندون من قريش.
وبهذا يتبين صحة ما قاله الإمام الطحاوي في المراد بالآية. والله تعالى أعلم.
قال أبو جعفر الطحاوي: إن هذا الكلام كلام عربي خوطب به قوم عرب، يعقلون ما أراد به مخاطبهم، والعرب قد تخاطب بمثل هذا على جماعة، ثم ترده إلى بعضهم دون بقيتهم، فمن ذلك قول الله عز وجل:{يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} [الأنعام:130] فكان الخطاب في ذلك بذكر الجن والإنس، ومعقول أن الرسل من الإنس لا من الجن.
(شرح مشكل الآثار -5/ 361)
(1)
انظر: البلاغة فنونها وأفنانها (2/ 152) - والبلاغة الميسرة (168).
الدراسة
بين الإمام الطحاوي أن هذه الآية غير دالة على أن من الجن رسلاً، وإليك بيان أقوال المفسرين في ذلك:
القول الأول: أن هذه الآية دالة على أن من الجن رسلاً وأنبياء.
- وهذا قول: الضحاك بن مزاحم - ومقاتل - وأبي سليمان.
(1)
- ومن أدلة هذا القول:
1 -
قوله جل وعلا: {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} [الأنعام:130].
فقد أخبر الله جل وعلا في هذه الآية أن من الجن رسلاً أرسلوا إليهم، كما أخبر أن من الإنس رسلاً أرسلوا إليهم. ولو جاز أن يكون خبره عن رسل الجن بمعنى: أنهم رسل من الإنس، لجاز أن يكون خبره عن رسل الإنس بمعنى: أنهم رسل من الجن.
وفي فساد هذا المعنى ما يدل على أن معنى الآية: بيان أن الله جل وعلا أرسل رسلاً إلى الجن منهم، كما أرسل إلى الإنس رسلاً منهم.
(2)
وقد رد هذا الاستدلال بما يلي:
أ- أنه لما كانت الإنس والجن ممن يخاطب ويعقل، وكان النداء والتوبيخ لهما معاً، جرى الخطاب عليهما على سبيل التجوز المعهود في كلام العرب، فقال:{أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} [الأنعام:130] وإن كانت الرسل من الإنس خاصة.
(3)
ب- أن الله جل وعلا خاطب الجميع فقال: {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} [الأنعام:130] وهذا يقتضي أن رسل الجن والإنس تكون بعضاً من أبعاض هذا المجموع.
وإذا كان الرسل من الإنس كان هؤلاء الرسل بعضاً من أبعاض ذلك المجموع، فكان هذا القدر كافياً في حمل لفظ الآية على ظاهره.
(1)
تفسير ابن الجوزي (3/ 86).
(2)
تفسير الطبري (5/ 346).
(3)
انظر: معاني القرآن للنحاس (2/ 492) - وتفسير أبي حيان (4/ 648).
ولم يلزم من ظاهر الآية إثبات رسل من الجن.
(1)
خاصة وأنهم قد أمروا باتباع رسل الله إلى الإنس.
ونظير هذه الآية: قوله جل وعلا: قال تعالى: {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16)} [نوح:15 - 16]. فالقمر في سماء الدنيا، فلا يوجد في كل سماء قمر.
(2)
وكقوله جل وعلا: {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا} [الشمس:14].
فلم يتقدموا جميعاً لعقر الناقة، وإنما عقرها واحد منهم، كما دل على ذلك قوله جل وعلا:{فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (29)} [القمر:29].
(3)
2 -
قوله جل وعلا: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} [الأنعام:9].
فالسبب في أن الله جل وعلا لم يجعل من الملائكة رسلاً إلى الناس: أن استئناس الإنسان بالإنسان أكمل من استئناسه بالملك.
فوجب في حكمة الله تعالى أن يجعل رسول الإنس من الإنس ليكمل هذه الاستئناس.
إذا ثبت هذا المعنى، فإن هذا السبب حاصل في الجن، فوجب أن يكون رسول الجن من الجن.
(4)
وقد رد هذا الاستدلال: بأن الله جلا وعلا قد جعل في الجن نذراً، وهذا كاف في إيجاد الاستئناس المطلوب تحققه.
القول الثاني: أن هذه الآية غير دالة على أن من الجن رسلاً وأنبياء.
- وهذا قول: جمهور المفسرين.
(5)
- ومن أدلة هذا القول:
(1)
تفسير الرازي (13/ 195).
(2)
طريق الهجرتين (394).
(3)
تفسير الشنقيطي (1/ 367).
(4)
تفسير الرازي (13/ 195).
(5)
تفسير أبي حيان (4/ 648).
1 -
قوله جل وعلا: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ} [العنكبوت:27] فحصر النبوة والكتاب بعد إبراهيم في ذريته، ولم يقل أحد إن النبوة كانت في الجن قبل إبراهيم ثم انقطعت عنهم ببعثته.
(1)
2 -
قوله جل وعلا: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} [يوسف:109]. وهذا يدل على أن الله جل وعلا لم يرسل جنياً ولا امرأة ولا بدوياً.
(2)
فالجن ليس فيهم رسل، وإنما فيهم نذر، وهم الذي لقوا الرسول صلى الله عليه وسلم فأخذوا الدين والقرآن منه، ثم رجعوا إلى قومهم مبلغين ومنذرين، فهم بمنزلة المرسلين من رب العالمين. وقد دل على ذلك:
(3)
الترجيح: والقول الراجح هو أن الله جل وعلا لم يبعث إلى الجن رسلاً منهم، لأن هذا لم يثبت بدليل صريح معتبر.
(1)
تفسير ابن كثير (2/ 183).
(2)
طريق الهجرتين (395).
(3)
معاني القرآن للنحاس (2/ 492).
وعليه، فإن معنى قوله جل وعلا:{يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} [الأنعام:130] أي: ألم يأتكم رسل من جملتكم، لكن لا على أنهم من جنس الفريقين معاً، بل من جنس الإنس خاصة، وإنما جعلوا منهما لتأكيد وجوب اتباعهم، ولبيان أن الفريقين متحدين تكليفاً وخطاباً حتى كأنهما من جنس واحد.
(1)
وبهذا يتبين أن ما قاله الإمام الطحاوي هو القول الأولى في المراد بالآية. والله تعالى أعلم.
قال أبو جعفر الطحاوي: وقد جاءت الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، مجيئاً متواتراً، في نهيه عن أكل لحوم الحمر الأهلية. فمما روي عن في ذلك: عن الحسن، وعبد الله
(2)
ابني محمد بن علي بن أبي طالب، عن أبيهما
(3)
(1)
تفسير أبي السعود (2/ 444).
(2)
عبد الله هو: أبو هاشم عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي المدني، وثقة ابن حبان وغيره، وكانت وفاته سنة (98 هـ).
(تهذيب الكمال-4/ 276)
(3)
محمد هو: أبو القاسم محمد بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي المدني، المعروف بابن الحنفية، وثقة العجلي وغيره، وكانت وفاته سنة (73 هـ). (تهذيب الكمال -6/ 444).
أنه سمع علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، يقول لابن عباس رضي الله عنهما:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الحمر الإنسية، وعن متعة النساء، يوم خيبر".
(1)
وقد تواترت الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في النهي عن لحوم الحمر الأهلية، بما قد ذكرنا، ورجعت معانيها إلى ما وصفنا. فليس ينبغي لأحد خلاف شيء من ذلك.
فإن قال قائل: فقد رويتم عن ابن عباس رضي الله عنهما إباحتها، وما احتج به في ذلك من قول الله عز وجل:{قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام:145] الآية.
قيل له: ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك، فهو أولى مما قال ابن عباس رضي الله عنهما.
وما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك، فهو مستثنى من الآية، على هذا ينبغي أن يحمل ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا المجيء المتواتر في الشيء المقصود إليه بعينه، مما قد أنزل الله عز وجل في كتابه، آية مطلقة على ذلك الجنس. فيجعل ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك، مستثنى من تلك الآية، غير مخالف لها، حتى لا يضاد القرآن السنة، ولا السنة القرآن.
فهذا حكم لحوم الحمر الأهلية، من طريق تصحيح معاني الآثار.
قال أبو جعفر: ولو كان إلىَّ النظر، لكان لحوم الحمر الأهلية حلالاً، وكان ذلك كلحم الحمر الوحشية، لأن كل صنف قد حرم، إذا كان أهلياً، مما قد أجمع على تحريمه، فقد حرم إذا كان وحشياً.
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب: الذبائح والصيد - باب: لحوم الحمر الإنسية - (حـ 5203 - 5/ 2102).
ومسلم في صحيحه - كتاب: الصيد والذبائح - باب: تحريم أكل لحم الحمر الإنسية - (حـ 4981 - 13/ 91).
ألا ترى أن لحم الخنزير الوحشي كلحم الخنزير الأهلي، فكان النظر على ذلك أيضاً، إذا كان الحمار الوحشي لحمه أن يكون حلالاً، أن يكون كذلك الحمار الأهلي.
ولكن ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى ما اتبع، وهذا قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد، رحمة الله عليهم أجمعين.
(شرح معاني الآثار -4/ 204 - 210)
الدراسة
بين الإمام الطحاوي أن ابن عباس رضي الله عنه احتج بهذه الآية: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [الأنعام:145] على إباحة لحوم الحمر الأهلية. وأن الصحيح خلاف قوله، بدلالة ما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم من تحريمها، فيكون حكمها مستثى من الآية.
وإليك بيان أقوال المفسرين في عموم الحكم الوارد في الآية، وهل هو دال على تحليل الحمر - الأهلية؟:
- القول الأول: أن الآية عامة فيما حرم الله جل وعلا، فما لم يذكر تحريمه فيها فهو حلال.
وعليه فالآية دالة على حل الحمر الأهلية.
- وهذا قول: ابن عباس - وابن عمر - وعائشة - ومالك - في رواية عنهم
(1)
- والشعبي - وابن جبير.
(2)
- ومن أدلة هذا القول: أن ظاهر قوله جل وعلا: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [الأنعام:145] يقتضي أن كل ما عدا المذكور المحصور فيها حلال وليس بحرام، ومن ذلك الحمر الأهلية.
(3)
وقد رد هذا الاستدلال بما يلي:
1 -
أن هذه الآية مكية، وخبر تحريم الحمر الأهلية رواه متأخروا الصحابة كأبي هريرة وابن عباس وأبي ثعلبة رضي الله عنهم وكلهم لم يصحبوا الرسول صلى الله عليه وسلم إلا بالمدينة، فوجب العمل بالمتأخر دون المتقدم.
(4)
(1)
تفسير القرطبي (7/ 115).
(2)
تفسير أبي حيان (4/ 674).
(3)
تيسير البيان لأحكام القرآن (2/ 886).
(4)
الاستذكار (15/ 317).
2 -
أن الغرض من سياق هذه الآية الكريمة: الرد على المشركين الذي ابتدعوا ما ابتدعوه من تحريم البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ونحو ذلك، فأمر جل وعلا رسوله صلى الله عليه وسلم أن يخبرهم أنه لا يجد فيما أوحاه الله إليه أن ذلك محرم، وأن الذي حرمه هو الميتة وما ذكر معها، وما عدا ذلك فلم يحرم، وإنما هو عفو مسكوت عنه، فكيف تزعمون أيها المشركون أن الله حرمه.
فالآية جاءت بقصد الرد على المشركين، لتحليلهم وتحريمهم أشياء من عند أنفسهم.
وعليه فالآية لا تدل على حصر المحرمات، وإنما تدل على أنه عليه الصلاة والسلام لم يجد فيما أوحي إليه محرماً إلى وقت نزول الآية غير ما ذكر، ولا ينفي إمكانية حدوث تحريم لأشياء أخرى بعد ذلك.
(1)
كما ورد تحريم المنخنقة وما ذكر معها في سورة المائدة في قوله جل وعلا: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ} [المائدة:3].
وكما ورد تحريم كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير بالسنة. فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع، وعن كل ذي مخلب من الطير".
(2)
- القول الثاني: أن الآية غير عامة فيما حرم الله جل وعلا.
وعليه فالآية غير دالة على حكم الحمر الأهلية.
(1)
انظر: تفسير ابن كثير (2/ 190) - وفتح الباري لابن حجر (9/ 573).
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه - كتاب: الصيد والذبائح- باب: تحريم أكل كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير (حـ 4970 -
13/ 85). وأبو داود في سننه - كتاب: الأطعمة - باب: النهي عن السباع (حـ 3803 - 4/ 159).
وإنما دل على حكمها السنة النبوية، حيث جاءت بالنهي عن أكلها وتحريمها، فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الحمر الإنسية، وعن متعة النساء يوم خيبر".
(1)
وقد روى هذا التحريم عن الرسول صلى الله عليه وسلم عدد كبير من الصحابة ومنهم:
ابن عباس - وابن عمر - وجابر بن عبد الله - والبراء بن عازب - وأبو هريرة - وأبو ثعلبة الخشني - وسلمة بن الأكوع - وعبد الله بن أبي أوفى، وغيرهم.
(2)
فوجب الأخذ بهذا الحديث والعمل به، لأن الله جل وعلا قال:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7].
- وهذا قول: جمهور أهل العلم.
(3)
الترجيح: والراجح هو القول الثاني الدال على أن تحريم أكل الحمر الأهلية مستثنى من حكم الآية.
وأما القول بتحليلها فقول ساقط، ومذهب في غاية الضعف لاستلزامه إهمال غير هذه الآية مما نزل بعدها، وإهمال ما صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم مما هو مضموم إلى حكم ما جاء في هذه الآية.
(4)
وعليه فالاستدلال بهذه الآية إنما يصح في الأشياء التي لم يرد نص بتحريمها. وأما الحمر الأهلية فقد تواترت النصوص على تحريمها، والتنصيص على التحريم مقدم على عموم التحليل.
(5)
وبهذا يتبين صحة ما قاله الإمام الطحاوي في المراد بالآية. والله تعالى أعلم.
(1)
تقدم تخريجه (505).
(2)
أحكام القرآن للجصاص (3/ 27).
(3)
تفسير القرطبي (7/ 115).
(4)
تفسير الشوكاني (2/ 177).
(5)
فتح الباري لابن حجر (9/ 572).