المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب في السلب] - المختصر الفقهي لابن عرفة - جـ ٣

[ابن عرفة]

فهرس الكتاب

- ‌[كتاب الجهاد]

- ‌[باب الرباط]

- ‌[باب الديوان]

- ‌[باب الأمان]

- ‌[باب ما يثبت به الأمان]

- ‌[باب المهادنة]

- ‌[باب الجزية المعنوية]

- ‌[باب الجزية الصلحية]

- ‌[باب الاستيمان]

- ‌[باب ما ملك من مال كافر]

- ‌[باب الفيء]

- ‌[باب في النفل]

- ‌[باب في السلب]

- ‌[باب الغلول شرعاً]

- ‌[كتاب النكاح]

- ‌[باب صيغة النكاح]

- ‌[باب ولاية عقد النكاح]

- ‌[باب في النكاح الموقوف]

- ‌[باب العاضل في النكاح]

- ‌[باب الكفاءة]

- ‌[باب مانع النسب في النسب]

- ‌[باب مانع الصهر]

- ‌[باب في تحريم الجمع في النكاح بين المرأتين]

- ‌[باب النكاح المحلل المطلقة ثلاثًا لمطلقها]

- ‌[باب نكاح المطلقة ثلاثًا]

- ‌[باب الرق المانع من النكاح وقتا ما]

- ‌[باب الخنثى]

- ‌[باب الجب]

- ‌ باب الخصي [

- ‌ باب العنين [

- ‌ باب الحصور [

- ‌ باب الاعتراض [

- ‌ باب عيب المرأة في النكاح [

- ‌[باب شروط الصداق]

- ‌[باب الشغار]

- ‌[باب الشرط الذي يبطل في النكاح]

- ‌[باب في نكاح التفويض]

- ‌[باب في نكاح التحكيم]

- ‌[باب المعتبر من مهر المثل]

- ‌[باب متى يسلم المهر الحال للزوجة]

- ‌[باب البراءة لمشتري الجهاز]

- ‌[باب فيما يوجب كل المهر للزوجة]

الفصل: ‌[باب في السلب]

أسلابهم إن شاء، وإن اختلف بأسهم؛ جاز تنفيله أشدهم بأساً سلب قتيله، ولا ينفل غيره، ولا يجوز تنفيل أضعفهم بأساً دون غيره.

ويجوز أن يزيد أحدهم على سلب قتيله إن كان أشد بأساً، وقتيله أقل سلباً، والآخر أقل بأساً، وأكثر سلباً.

ويجوز أن يعطي أحدهم جميع سلب قتيله والآخر بعضه، وقد يكون أحد القتلى لا شجاعة عنده وسلبه كثير، فيعطي منه ما يرى أنه سداد لمثله، والآخر له شدة وبأس، ولا يزيد أحدهم ما يحط من سلب الآخر؛ لأنه فساد لقلوبهم.

[باب في السلب]

والسلب: قال ابن حبيب: كل ثوب عليه، وفرسه الذي هو عليه، أو كان يمسكه لوجه قتال عليه لا ما تجنب، أو كان منفلتاً عنه.

قال هو وسَحنون: ومنه سلاحه.

سَحنون: وفرسه وسرجه ولجامه، وخاتمه ودرعه، وبيضته وسيفه ومنطقته بما لذلك من حلية وساعداه وساقاه وراناه.

اللخمي: والفاتخه والخاتم.

سَحنون: لا ما في منطقته من نفقة، ولا ما في كمه وتكته.

اللخمي عن سَحنون: ولا الطوق والسواران والقرطان والتاج ولو كان عليه.

ابن حبيب: منه سواراه.

اللخمي: فعليه التاج منه وقرطاه.

ابن بشير: يفرق بأن لبس السوارين أكثر من لبس التاج، وعبر عن قول سَحنون بالمشهور، وفي كون الصليب منه نقلا الشيخ عن الوليد وسَحنون.

ص: 109

الباجي: تحقيق مذهب سَحنون أن لباسه المعتاد، وما يستعين به على الحرب من فرس وسلاح منه.

زاد ابن حبيب: ما كان عليه من الحلي والنفقة المعتادة.

سَحنون: لو وضع المبارز بعض سلاحه بالأرض، ثم قاتل المسلم فقتله؛ فليس له إلا ما عليه، ولو جعل فرسه بيده أو ربطه بمنطقته؛ فهو من سلبه.

وفيها: كره مالك قول الإمام: من قاتل بموضع كذا، أو من جاء برأس كافر؛ فله كذا، ولسرية ما غنمتم؛ فلكم نصفه.

محمد عن ابن القاسم: لأنه يفسد النيات.

زاد اللخمي: ويؤدي إلى التحامل على الهلاك.

وقال عمر رضي الله عنه: لا تقدموا جماجم المسلمين للحصون، بقاء مسلم أحب إلي من فتح حصن.

محمد عن ابن القاسم: لا أرى لمن خرج عليه أن يأخذ منه شيئاً.

أَصْبَغ: ما أرى أخذه حراماً.

ابن حبيب: النفل قبل الغنيمة كرهه العلماء، واستخفه بعضهم إن احتاج إليه الإمام؛ كخشية كثرة عدو، وفعله أبو عبيدة يوم اليرموك لما دهمه كثرة العدو حتى قاتل نساء من قريش.

سَحنون: قول الإمام ذلك أول القتال ينهى عنه، فإن نزل مضى.

قُلتُ: ويستحق سلبه بقتله قبل كمال الاستيلاء عليه؛ ولذا قال سَحنون: من أتى بعد ذلك بأسير للإمام فقتله لم يستحق سلبه؛ لأنه لم يقتله، وكذا لو بارزه، فصرعه، فأتى به الإمام فقتله، ولو جر كافراً لعسكر المسلمين أو صفهم، فإن قتله قبل استيلائه عليه؛ فله سلبه وإلا فلا، وكذا لو حمل حربي على صف المسلمين فقتله مسلم.

قُلتُ: ويثبت حكمه لمن صدق عليه لفظ الإمام حتى نفسه.

سَحنون: إن قاله الإمام، ثم قتل قتيلاً؛ فله سلبه ولو في مبارزة، فلو قال: منكم؛ لم يندرج، ولو خص نفسه لم يثبت له، ولو قال بعد ذلك: منكم، ولو عمم بعد ذلك اندرج، فلو قتل قتيلاً قبل تعميمه، وآخر بعده استحق الثاني فقط، ولو قال: إن قتلت

ص: 110

قتيلاً فلي سلبه، ومن قتل منكم قتيلاً؛ فله سلبه، فقتل الأمر قتيلين، وقتل غيره قتيلين؛ فللأمير سلب قتيله الأول لا الثاني، ولغيره سلباً قتيليه؛ لأن الأمير إنما خص نفسه بقتيل واحد.

الشيخ: مقالته هذه في نفسه، وغيره في فور واحد، والأولى فيهما في وقتين، ولو قتل قتيلين متعاقبين من قال له الإمام: إن قتلت قتيلاً فلك سلبه؛ فله سلب الأول فقط، فإن جهل؛ فقيل: له نصفهما، وقيل: أقلهما، ولو قال: من قتل منكم قتيلاً؛ فله سلبه، فلمن قتل منهم قتيلين، أو ثلاثة سلبهم، ولو قال لعشرة هو أحدهم: من قتل قتيلاً؛ فله سلبه، أو زاد: منا؛ فله إن قتل ثلاثة سلبهم كغيره من العشرة.

قُلتُ: إن كان من ضمه إليه ممن لا يتهم في شهادته، له وإقرار له بدين في مرض أو ذوي خصوصيَّة لا يشاركهم فيها غيرهم.

قال: ولو قال: يا فلان إن قتلت قتيلاً؛ فلك سلبه، فقتل اثنين معاً.

فقيل: له نصف سلبهما، وقيل: أكثرهما، وكذا إن أصبت أسيراً، فأصاب اثنين؛ فله نصف كل منهما، إن قلت: أيتخرج من قوله في قتلهما على التعاقب، واختلاطهما أن له أقلهما.

قُلتُ: لا، للفرق باحتمال سقوط الأكثر في الاختلاط، والتعاقب باحتمال تأخره فيسقط، وامتناع سقوطه في المعية لمساواته الأقل في موجب استحقاقه، فوجب تخييره فيهما، فيختار الأكثر كمبتاع ثوبين متقاربين على اختيار أحدهما، والشركة في موجب السلب توجبها فيه.

سَحنون: من أنفذ مقتل علج، وأجهز عليه غيره، فسلبه للأول، ولو جرحه، ولم ينفذ مقتله فبينهما.

قُلتُ: لا يتخرج في الأولى كونه للثاني من رواية قتل من أجهز على من أنفذ غيره مقتله دون من أنفذها لصيرورته بالإنفاذ أسيراً، ولا سلب في قتل أسير؛ بل قد يتخرج عليها حرمانهما معاً.

وقوله: إن لم ينفذ الأول مقتله، فبينهما إن أراد، ولم ينفذ الثاني مقتله فواضح، وإلا فالأظهر للثاني، هو نصه في ترجمة أخرى: إن احتز الثاني رأسه، وجرحه الأول، ولم ينفذ

ص: 111

مقتله فللثاني، ولو تداعى قتله جارحه، ومحتز رأسه، وقد ذهب جسده فبينهما؛ لاحتمال دعواهما، وأهل الشام يرونه للجارح، وإن لم ينفذ مقتله، وغيرهم يراه لمحتز رأسه لتيقن موته به.

قال: ولو عانق مبارزه، فقتله غيره، فإن كان العلج لا يتخلص من معانقه، فسلبه له وإلا فللقاتل.

قُلتُ: الأظهر إن كانت المبارزة بينهما فقط أو بين عدد لعدد والقاتل ليس منه؛ فلا شيء له لتعديه، ولا سيما على قول ابن القاسم أنه يريه حسبما مر، وإلا فالأظهر بينهما. قال: ولو جر مبارزه بعد صرعه إياه للعسكر فمات، فإن أنفذ مقتله؛ فله سلبه وإلا فلا، ولو قتل اثنان، فأكثر قتيلاً، فسلبه بينهم على السوية، ولو كان إنما قال: من قتل قتيلاً وحده؛ فلا شيء لهم.

ابن سَحنون: لو قال لعشرة: إن قتلتم هؤلاء؛ فلكم أسلابهم، لم يختص منهم القاتل بسلب قتيله؛ بل كل أسلابهم بينهم بالسوية، ولو قتل منهم تسعةٌ تسعة أعلاج وقتل عاشرهم عاشر المسلمين، فالأسلاب للقاتلين فقط، ولوبقي عاشر المسلمين شركهم.

قُلتُ: فيلزم لو مات بعض القاتلين؛ لم يكن لوارثه شيء، وإلا فلا شيء للحي العاشر المعين.

وقُلتُ: وسلب الأجير والتاجر والعبد والمرتد والذمي يلحق بأرض الحرب، والمريض، وأقطع اليد لقاتلهم، وإن لم يقاتلوا، والمرأة والصبي كذلك إن ثبت قتالهما، ولا شيء لقاتل الشيخ الفاني من سلبه إلا عند من يجيز قتله، ولا في الراهب، ولا في المسلم المكره على القتال، إلا أن يكون سلبه لحربي أعاره فهو لقاتله، ولا شيء له من سلب من لم يقاتل من صبي وامرأة وشيخ فان، ولو كان سلبهم عارية لحربي؛ لأنه قصد قتل من لا يحوز قتله.

وسلب القتيل المستحق سلبه إن ثبت أنه غصبه من مسلم، أو استعاره من مباح ماله فلقاتله، وإلا فلربه كمسلم تاجر أو رسول، فإن كان لمن أسلم بدار الحرب؛ فلقاتله عل قول ابن القاسم.

ص: 112

ولو قاتلنا الخوارج مع أهل حرب أعانوهم؛ لم يستحق قاتل خارجي سلبه إلا أن يكون عارية من حربي، ولو كان من سلب الحربيين من خوارج أخذهم الحربيون بعد دخولهم عسكرهم بأمان؛ لم يكن لآخذه؛ لأنه مال مستأمن لا يقسم ويوقف لأهله.

وسلب القتيل ما لم يملك يعده لقاتله.

سَحنون: ومن رمى علجاً في صف الكفار فقتله، ولم يقربه أحد حتى انهزموا؛ فسلبه لقاتله، ولو أخذوه ثم هزموا فأخذ، فإن أخذه وارثه أو وصيه أو ملكهم؛ ففيء لا لقاتله، وإن أخذه غيرهم سارق أو مختلس؛ فلقاتله.

قُلتُ: إن ثبت استحقاقه بمجرد قتله؛ وجب له ولو أخذه وارثه، وإلا فلا ولو أخذه غيره؛ لأنه أخذ مال كافر لا مال مسلم.

قال: ولو جهل آخذه، فما وجد عليه- لقاتله، وما نزع عنه ففيء، ولو وجدت دابته بعد سير العسكر بمرحلتين؛ فلقاتله، وبعد طول ففيء، والقتل الموجب لما رتب عليه إن ثبت بشاهدين فواضح، وإلا فإن كان، قال الإمام: من قتل قتيلاً له عليه بينة؛ لم يثبت دونها.

الباجي: ولا بشاهد ويمين؛ لأن المثبت القتل لا المال، ولا يثبت قتل يمين وإن لم يقل ببينة؛ ففي لزومها نقل الشيخ في باب قول الإمام ذلك قبل القتال

قال سَحنون أيضاً: من جاء بسلب وقال: قتلت صاحبه لم يأخذه إلا ببينة على قتله، وكذا إن جاء برأس، واختلف قوله في الرأس، وقول الباجي: احتجاج بعض أصحابنا بخبر أبي قتادة يدل على ثبوته بخبر الواحد قائلاً: ختلاف قول سَحنون في الرأس هو قوله أولاً له سلبه، والآخر لا يأخذ

إلا ببينة، الفرق بين الرأس والسلب أن الرأس غالباً لا يكون إلا بيد من قتله.

أبوعمر: قول الشيخ: حديث أبي قتادة يدل على أنه حكم فيما مضى لا أمر لازم في المستقبل؛ لأنه أعطاه السلب بشهادة واحد دون يمين؛ يرد بأنه إنما أعطاه؛ لأنه أقر له به من حازه لنفسه في القتال، وكان بيده مالاً من ماله.

ابن زرقون: كيف يكون مالاً له، وهو لم يدعه لنفسه، ولا أتى بشبهة تصدق دعواه.

ص: 113

قُلتُ: ظاهر قول الشيخ في نقل أبي عمر يدل أنه في المستقبل لا يثبت بشاهد واحد.

الشيخ: لو رأى قوم رجلاً يحز رأساً، فقال: أنا قتلته؛ فله سلبه بيمينه في أول قولي سَحنون، ولو رأوه جاء من مكان بعيد لا يقتله من مثله، فاحتز رأسه؛ فلا شيء له من سلبه في قوليه معاً.

ومسمى السلب تقدم، ولفظ غيره في الشرط أو جزائه يعتبر ظاهره في عرف قائله، وفيه فروع.

الشيخ: عن كتاب ابن سَحنون: لو قال الإمام بعد انهزام العدو: من جاء برأس، فله كذا، فأخذوا يقتلون، ويأتون بالرؤوس، فقال الإمام: رؤوس السبي لا رؤوس الرجال؛ لم يقبل قوله حتى يبينه، أو يكون عرف يقتضيه.

قُلتُ: لأنه في الأول حقيقة، وفي الثاني مجاز إطلاق الجزء على الكل.

قال: ولو كان لفظه: من جاء برأس؛ فله نصفه، أو رأس من رأسين، أو كان قوله الأول بعد تفرق جيش العدو، وكف المسلمين عن القتال قبل قوله، ولو عرف بطريقٌ بالنكاية في نصب رأسه، وهن على الكفار، فقال الإمام: من جاء به؛ فله كذا؛ فإن كان بحيث يخاف أن يقاتل عليه؛ كرهناه كراهة شديدة، فمن جاء به؛ فله جعله.

قُلتُ: وتقدم كراهة حمل الرؤوس.

ولفظ الذهب والفضة في قوله: من أصاب ذهباً أو فضة؛ فله كذا؛ يشمل مسماهما مسكوكاً وغيره، وكل محلى به تبعاً لحليته من سيف ومصحف وثوب لا ما هو تبع له، ويشمل خاتم ذلك، ولو عظم فصه؛ لأنه يضاف للذهب أو الفضة مطلقاً، والثوب المنسوج بالذهب إن قل ألغي ذهبه، وإلا اعتبر ونزع منه، والضبة منه أو من فضة بقصعة أو مائدة إن كانت زينة اعتبرت، فنزعت وإلا ألغيت، وأنف الكافر من ذهب معتبر لا ما ربط به أسنانه.

ويشمل مسمى الحلي مرصعة، وتاج المرأة وغيرها، والخاتم والسلك المنظوم والقرط المنظوم، وان لم يكن فيه ذهب.

ويشمل السيف جفنه وحليته التافهة لا الكثيرة إلا أن يعلم الإمام أن سيوف ذلك

ص: 114

العدو كذلك، ولا يشمل الحديد المصنوع غيره ولا غيره المصنوع.

قُلتُ: إن كان ببلد معدنه مثله وإلا شملهما لا نصب السيوف والسكاكين.

ومبهمه الأظهر إلا أن يكون تبعاً.

قال: ويشمل ركوب السرج لا مساميرها ولا مسامير السفن.

ويشمل البز ثياب الكتان والقطن، والثوب ثوب الديباج، والكساء الذي يلبس لا ما للنوم، ولا عمامة ولا قلنسوة، ولا الفرش ولا البسط، ويدخل هذا في المتاع لا الآنية، ويدخل في ثوب البز بطانة جبة منه، ووجهها من غيره، فيستحق مبلغ قيمة بطانتها منها.

ويشمل لفظ جبة حرير كل الجبة وجهها حرير فقط لا التي بطانتها حرير، ولا يشمل الصوف، ولا الشعر جلودهما ولا ثيابهما ولا غزلهما.

ويشمل الفرو الفرو بما ظهر به من حرير أو خز.

وما أراد الإمام قتله من رجال لا يتعلق به النفل، وإن استحياهم؛ تعلق بهم.

ولو قال: من جاء بشيء، فله منه طائفة، أو بعضه أو جزء، أونصيب؛ أعطي منه بقدر اجتهاده، وكذا فله شرك، ولا بأس ببلوغ النصف على غير قول ابن القاسم.

قُلتُ: مقتضى قول غيره لزومه لا استحبابه فضلاً عن جوازه.

وفي أخذه من ثاني سلمها نظرٌ يأتي إن شاء الله.

قال: وفيه فيمن جاء بشيء مثل سهم أحد القوم، وهم رجال فقط، أو فرسان فقط: مثل ما يجب لأحدهم، وإلا ففي استحقاقه سهماً من قسمه على عددهم بالسوية، أو نصف سهم راجل، ونصف سهم فارس قولان من قولي ابن القاسم وغيره في الوصيَّة بمثل نصيب أحد ورثته وفيهم رجال ونساء، ومن لم يبلغ ما جاء به ما جعل له؛ لم يزد عليه إلا لوجه يقصد.

قال فيه: لو قال: من جاء بمائة؛ فله مائتان، أومن جاء بعرض؛ فهو له وكذا، أو من جاء بوصيفة؛ فهي له وكذا، بطل الزائد، وقول هذا خطأ.

ولو قال: من جاء بأسير؛ فهو له، وكذا فخطأ، وإن نزل كان له الزائد؛ لأن فيه تحريضاً.

ص: 115

وفعل من فعل غير ما شرط فعله غير مستلزم له لغو فيه، لو قال: من قتل بطريقاً؛ فله سلبه فقتل غيره، أو من قتل صعلوكاً؛ فله سلبه، فقتل بطريقاً؛ فلا شيء له.

قُلتُ: لأن .. شوكة البطريق أشد، وسلبه أكثر، فلو اتفق كون سلبه كصعلوك؛ كان له،

وفيه: لو قال: من قتل شيخاً، فقتل شاباً؛ فله إلا أن يخص الشيخ لكيده، وفي العكس لا شيء له.

ولو قال: من جاء بأسير؛ فلا شيء لمن جاء بوصيف أو وصيفة، وفي العكس له إلا أن يريد تكثير السبي.

ولو قال: برضيع؛ فلا شيء لمن جاء بوصيف، وفي العكس له.

ولو قال: بوصيف، فجاء بوصيفة؛ فله إن بلغت قيمته وإلا فلا.

وفي من جاء بعشرة من الغنم، فله شاة، فجاء بعشرة من البقر؛ فله جعله.

وفي من جاء بثياب كذا إن جاء بثياب غيرها تبلغ قيمتها؛ فله وإلا فلا.

وفي من جاء بفرس أو برذون، فجاء ببغل أو حمار؛ لا شيء له.

وفي من جاء ببرذون، فجاء بفرس له لا العكس.

وفي من جاء بفرس، فله مائة درهم، فجاء بفرس لم يغنم غيره؛ له ذلك من خمسه إن بلغه.

ابن سَحنون عنه: والنفل قبل الغنيمة لا يبطل بموت الإمام أو عزله، وثبت عليه بعد قوله:(يبطل) ما لم يقبض.

ولو نفل سرية الربع بعد الخمس؛ لم يبطل بقدوم والٍ غيره حتى يلحقوا بالعسكر، فيبطل إلا أن يحدثه الثاني، ولومات أميرهم، واستخلف غيره؛ فالحكم باق إلا أن يبطله المستخلف.

ولو قال باعث الأول: إن مات فلان ففلان بعده؛ بطل تنفيل الأول بموته، ولو أشهد منفل السرية بعد أن فصلت أنه أبطل ذلك نظراً؛ بطل إلا أن يكون بعد أن غنمت.

ابن سَحنون عنه: لا يدخل في قول الإمام: من قتل قتيلاً؛ فله سلبه بعد القتال أو

ص: 116

قبله ذمي ولا امرأة إلا أن ينفذه لهما الإمام لقولة أهل الشام، وعلى قول أشهب يرضخ للذمي من الخمس يدخل؛ لأن السلب نفل.

ولو قال: من قتل كافراً من المسلمين؛ لم يدخل اتفاقاً، وشرط استحقاق التنفيل لأمر يفعل سماع بعض من يصدق عليه قول الإمام لنقل ابن سَحنون عنه: من لم يسمع قول الإمام: (من قتل قتيلاً؛ فله سلبه) كمن سمعه، ولو لم يسمعه أحد؛ فلغو.

ولو جعل لسرية نفلاً ذكره؛ فهو كذلك، وإن لم يعلمه جميعهم، ولو لم يسمعه أحدهم منهم؛ بطل، ولو دخل عسكر ثان لم يسمعوا ما جعل للأول؛ فلهم مثله إن كان أمر العسكرين واحداً.

ولو بعث الإمام سريتين على جزأين مختلفين بقدر صعوبة المواضع، وعين لكل سريه قوماً؛ فلا شيء لمن انتقل لغير موضعه، ولو قال: يخرج في كل سرية من شاء، فلمن دخل في غير سريته النفل مثل أصحابه، ولو ضل من السرية رجل، فترك الأمير من ينتظره، ثم رجع إليه غانماً؛ فلا نفل للضال فيما غنم دونه بخلاف القسم له من الغنيمة، ولمنتظر الضال من النفل ما لأصحابه، ولو غنم الضال اختص بنفله فيه، وضمت غنيمته لغنيمة الجيش، ولا يترك الأمر للضال منتظراً إلا بمحل آمن.

ابن سَحنون: لو ضل رجل من سرية؛ نفلت الربع بعد الخمس لأخرى نفلت الثلث بعده، ورجل من هذه الأولى، فقياس قول سَحنون يصير نفل الضال، وسهمه مع التي ضل إليها وعلى نفلهم.

وقال غيره من أصحابنا: بل يضم الضال نفله من التي ضل إليها إلى التي ضل عنها، فيأخذ نفله معهم كما يأخذون.

سَحنون: لو افترقت سرية من عسكر نفلت قدر فرقتين، فرجعت كل واحدة بغنيمة أو إحداهما؛ فلكل واحدة نفلها وغنيمتها دون الأخرى إن استقلت كل واحدة عن الأخرى، وإن افتقرت كل واحدة للأخرى، فكسرية واحدة.

قُلتُ: قوله: لكل واحدة قيمتها دون الأخرى إن أراد حيث يعرض استقلال كل سرية أو إحداهما بغنيمتها عن الجيش حسبما يأتي إن شاء الله فواضح وإلا فمشكل؛ لأن ضم غنيمتيهما للجيش يوجب مساواتها له، ومساوي المساوي لشيء مساوٍ له.

ص: 117

ابن سَحنون عنه: قول الأمير للسرية: ما غنمتم لكم دون تخميس مردود؛ لأن القول به شاذ.

ابنه: إن مضى به من صدر الأئمة مثل ما مضى في نفل جزء من الخمس مضى.

قالا: وأصحابنا يكرهون أن يبعث سرية، ثم ينفلها جميع الخمس؛ لأنه لم يعمل به سلف، وأما بعضه فجائز، والنفل الراجل فيه والفارس سواء.

محمد: لأنه إعطاء لما ينالهم والراجل أشد عذراً وتعباً، ولو بين في النفل قسمه بينهما كالغنيمة؛ لزم.

والغنيمة أرضاً في عدم قسمها طريقان:

الباجي: توقف لنوائب المسلمين، قاله مالك، وابن القاسم، وأشهب، وابن حبيب، وعزاه الشيخ لرواية محمد، وسماع ابن القاسم.

اللخمي: ما عجز المسلمون عن سكناه مطلقاً هدم وحرق، وما عجز عنه إلا بتمليك ساكنه أقطع لذوي النجدة؛ ليكونوا في نحر العدو مخرجاً من رأس الغنيمة، وما كان قريباً مرغوباً فيه في وقفه للنوائب، وقسمه كالأموال، ثالثها: يخير الإمام فيهما بالأصلح، لها ولبعض الناس، وللمبسوط مع بعض رواياتها، وهي أحسن، وعزا ابن بشر الثلاثة للمذهب معبراً عن الأول بالمشهور.

وفيها: قال: لا علم لي بجزية الأرض كيف كان يصنع فيها؟ إلا أن عمر لم يقسم الأرض بين فاتحيها، وأرى لو نزل هذا بأحد أن يسأل أهل تلك البلدة، وأهل العلم والأمانة كيف كان الأمر فيه؟ فإن وجد علماً يشفيه، وإلا اجتهد في ذلك هو، ومن حضره من المسلمين.

ابن رُشْد: أي لم يثبت عنده قدر ما وضع عمر على الأرض من الخراج؛ لأنه إنما توقف في قدر ذلك، وقيل: إنما توقف هل عليها خراج أو لا خراج عليهم؟ وتترك لهم إعانة على الجزية.

وقيل: إذا توقف في خراجها هل يصرف مصرف الفيء أو الصدقة؟ قاله الداودي.

وحكي عن ابن القاسم: أن الذي ينحو إليه مالك أن مصرفه مصرف الفيء.

ص: 118

قُلتُ: وعزا ابن محرز الثاني لابن شبلون قال: وقال: إنما شك هل يوظف عليها شيء لا يزاد عليه ولا ينقص أو هو بحسب الاجتهاد؟.

وقال غيرهما: يحتمل الأمرين.

وثالثاً: وهو هل يقسم خراجها على فاتحيها فقط أو عليهم وعلى غيرهم؟ وهو دليل قول سَحنون عقب مسألة الفيء والخراج قد أعلمتك ما قال في العنوة.

الباجي: قول مالك: إن مكة عنوة لا صلح لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمؤمنين، وإنما أحلت لي ساعة من نهار".

وقوله يوم الفتح: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن"؛ وفائدة الخلاف هل يجوز للإمام المن بكل الغنيمة مالاً ورجالاً وأرضاً اقتداءً بفعله صلى الله عليه وسلم في مكة؟.

وقال أبو عبيدة: ذلك خاص بمكة؛ لأنها إنما أحلت ساعة من نهار وبعدها رجعت لحرمتها، فحرمت غنيمتها فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أبو عمر: قول أبي عبيدة ضعيف، ثم قال: ما حاصله أنه صلى الله عليه وسلم دخلها مؤمناً من لم يقاتل، آمراً بقتال من يقاتل، فمن اعتبر أمره صلى الله عليه وسلم بالقتال جعلها عنوة، ومن اعتبر كون الواقع في فتحها عدم القتال لسابق التأمين بالشرط المذكور جعلها صلحاً.

وكره مالك كراء بيوت مكة، وقال: كان عمر ينزع أبواب أهل مكة، ثم قال أبو عمر: تبايع أهل مكة لدورهم قديماً وحديثاً أظهر من أن يحتاج فيه لذكر.

قُلتُ: فيها: لمالك: لا يفض كراء الأرض سنين على كل سنة بالسوية؛ بل بقدر نفاقها كل سنة.

قال ابن القاسم: لأن المتكاريين عرفاً ذلك، والناس مثل دور مكة في نفاقها أيام الموسم.

ص: 119

اللخمي: لم يختلف قول مالك وأصحابه أن فتح مكة عنوة وأنها لم تقسم، واختلف هل من بها على أهلها أو أقرت للمسلمين؟.

واختلف في كراء دورها وبيعها؛ فمنعها مالك مرة، وذكر أبو جعفر عنه أنه كرههما، فإن وقعا؛ لم يفسخا، وظاهر قول ابن القاسم فيها الجواز وذكر لفظه فيها.

وفي كون خيبر عنوة أو إلا حصني الوطيح والسلالم نقلاً ابن رُشْد عن ابن عبد البر مع ابن إسحاق، ومالك مع ابن شهاب.

السهيلي عن أبي عبيدة: قسم صلى الله عليه وسلم خيبر أثلاثاً إلا السلالم والوطيح والكتيبة تركها لنوائب المسلمين.

وسمع ابن القاسم: فتحت مصر عنوة.

ابن رُشْد: قال الليث: نحن أعلم بأرضنا إنما كانت صلحاً.

قُلتُ: في التجارة لأرض الحرب منها: لا يجوز شراء أرض مصر، ولا تقطع لأحد.

وإفريقيَّة: قال المازري: شك سَحنون فيها فكان يرى نفسه فيما بيده من سوادها عامل مساقاة.

قُلتُ: في الجعل والإجارة منها لابن القاسم: ما سكنه المسلمون عند افتتاحهم، واختطوه كالفسطاط والبصرة وإفريقيَّة والكوفة، وشبه ذلك من مدن الشام ليس لأهل الذمة إحداث كنيسة فيها إلا أن يكون لهم شيء أعطوه؛ لأن تلك المدائن صارت لأهل الإسلام مالاً يبيعون ويرثون.

قُلتُ: فصوب بعض شيوخنا أخذ بعض أصحاب بعض شُيُوخه منه كون إفريقيَّة عنوة، وهو ظاهر تاريخ الرقيق وابن سعيد وغيرهما.

قُلتُ: ولا يناقض قول تجارتها: لا تباع أرض مصر قول إجارتها: يبيعون ويرثون؛ لأن هذا فيما اختط للسكنى، والاختطاط لها يوجب الملك.

وقوله: في أرض مصر في بياضها وسوادها.

الباجي: أكثر أرض الأندلس عنوة، ومنها صلح كتدمير وغيرها، وقاله ابن حبيب.

ص: 120

ومستحق القسم من الغنيمة

ذو الإسلام والحرية، والذكورية والبلوغ، والعقل والصحة، وحضور الموقعة والخروج للقتال غير زمن اتفاقاً.

وفي العبد والذمي طرق:

اللخمي: في الإسهام لأهل الذمة يكونون في جملة الجيش، ثالثها: إن كان الجيش بحيث لو انفرد عنهم لم يقدر على الغنيمة؛ لقول ابن حبيب: إن نفر الذميون مع صوائفنا ترك لهم ما صار لهم دون تخميس.

وسماع ابن القاسم قائلاً: لا يستعان بالعبيد والذميين مع قول أشهب: ما غنمه عبيد وذميون خرجوا من عسكر لأهله دونهم.

وسَحنون: قلت: ظاهر أول لفظ اللخمي عدم اشتراط قتالهم في الإسهام، ومقتضى قولي قائله اشتراطه، وبه فسر ابن بشير القولين، وحكى المازري الثلاثة، وعزا الثاني للمعروف من المذهب.

وقال عقب ذكره الأول: أشار بعض الأشياخ إلى أن محمل ذلك على أن الإمام أذن لهم في القتال.

قال: وأشار بعض الأشياخ إلى تخريج هذا الخلاف في العبيد.

قُلتُ: حكى ابن العربي الأقوال الثلاثة في العبيد نصاً.

ابن حارث: لا يسهم لأهل الذمة اتفاقاً، وفي وجوب إعطائهم من الخمس شيئاً إن لم يرض الغانمون برضخ لهم من الأربعة الأخماس قولا أشهب وابن القاسم.

قُلتُ: الذي للشيخ عن كتاب ابن سَحنون: للإمام أن يرضخ لهم من الخمس لا وجوبه، وتذكر ما مر في فصل الاستعانة بالكافرين.

ابن رُشْد: لا يسهم للعبيد اتفاقاً.

وفي الإسهام للصبي المطيق للقتال طرق:

ابن رُشْد: لا يسهم له اتفاقاً.

ابن حارث: إن لم يقاتل؛ لم يسهم له اتفاقاً، وإلا فقولان لها، ولسماع ابن القاسم.

ص: 121

قُلتُ: لم أجده فيه.

اللخمي: في ترك الإسهام له، ولو قاتل وثبوته إن راهق، وبلغ مبلغ القتال، ثالثها:

إن قاتل، ورابعها: إن أنبت وبلغ خمس عشرة سنة أسهم له ولو لم يقاتل لها، ولرواية محمد، وله، ولابن حبيب، وأرى أن يسهم له إن قوي على القتال، وحضر الصف، وأخذ أهبة الحرب وإن لم يقاتل.

قُلتُ: عزا الشيخ الأول أيضاً لآخر قولي سَحنون، والثاني لأولهما، والرابع لابن وَهْب.

وفي

طرق:

ابن رُشْد: لا يسهم لها اتفاقاً.

الباجي: هذا قول جمهور أصحابنا.

وقال ابن حبيب: إن قاتلت قتال الرجال؛ أسهم لها.

قُلتُ: ونقله عنه الشيخ واللخمي وصوبه، واختار أن يسهم لها إن كانت ذات شدة ونصبت للحرب ولو لم تقاتل.

وعزو المازري الثاني للتخريج على قول ابن حبيب: تقتل المرأة الكافرة إن قاتلت؛ يقتضي أنه غير منصوص له، وليس كذلك لما مر.

التونسي: لا خلاف في تخميس ركازٍ وجده صبي أو امرأة.

وفي تخميس ما غنمه نساء بقتالهن وحدهن أو صبيان بقتالهم وحدهم نظر.

المازري: أشار غيره إلى إجرائه على العبيد فيما انفردوا به.

وسمع يحيى ابن القاسم: ما أصابه العبد المتلصص مع حرِّ خمس، ثم قسم بينهما.

قُلتُ: لم قسم بينهما، والعبد لا يقسم له من الغنيمة؟.

قال: لأن الغزو والتلصص واحد.

وقال أَصْبَغ وسَحنون: لا يخمس، ما أصابه العبد المتلصص كالذمي.

ابن رُشْد: لم يكن للعبيد والنصارى في المغنم حق مع الأحرار المسلمين في عسكرهم؛ لأنهم في حيز التبع، فإن لم يكونوا تبعاً؛ فلهم حقهم كالعبد والنصراني مع أربعة أحرار مسلمين.

ص: 122

الشيخ عن كتاب ابن سَحنون: من جن بعد الغنيمة؛ أسهم له فيما تقدم لا المستقبل، ولا يسهم لمطبق، ويسهم للمصاب الأهوج، ومثله يقاتل.

الباجي: المطبق الذي لا يتأتى منه قتال؛ لا يسهم له، ومن معه ما يمكن به القتال؛ أسهم له.

وفي المرض طرق:

الباجي: إن منع القدرة على القتال حالاً ومالاً؛ منع الإسهام وإلا فلا.

اللخمي: اختلف فيمن خرج مريضاً، وأرى ألا شيء له إلا أن يقتدى برأيه:(رب رأي أنفع من قتال)، ومن مرض بعد القتال؛ أسهم له، ويختلف إن مرض بعد الإدراب قبل القتال، فرده الإمام.

قُلتُ: نقل الشيخ وظاهره عن محمد: من مرض بعد الإدراب وقبل القتال، فرده الإمام لبلد الإسلام؛ أسهم له على قول ابن القاسم.

الصقلي: روى ابن سَحنون: يسهم للمريض، ما كل من حضر يقاتل، وقاله سَحنون.

وروى القرينان: لا يسهم له.

وفي كتاب محمد: من دخل دار الحرب، فلم يبلغ العسكر حتى مرض، فخلفوه بالطريق لعله يعيش فيلحقهم، فغنموا ورجعوا؛ فله سهمه، وكذا إن كان يلحقه ببلد الإسلام قبل أن يدرب القتال في بلد الحرب؛ أسهم له.

ابن بشير: إن مرض بعد شهود القتال والإشراف على الغنيمة؛ أسهم له، وإلا فثالثها: إن مرض بعد ابتداء القتال، ورابعها: بعد الدخول في حد أرض الحرب.

قُلتُ: فيها: لمالك: من خرج غازياً، فلم يزل مريضاً حتى غنموا؛ أسهم له.

وفي الموازيَّة: يقسم للزمنى.

اللخمي: ويختلف في الأعمى.

قال سَحنون: يسهم له؛ لأنه يبري النبل، ويكثر الجيش ويدبر، والصواب ألا يسهم له، وإن كان يبري السهم؛ فهو من الخدمة.

سَحنون: يسهم لأقطع اليدين والأعرج والمقعد.

ص: 123

والصواب ألا يسهم لأقطع اليدين، ويسهم لأقطع اليسرى، وللأعرج إن حضر القتال ما لم يجبن عن حضوره لعرجه إلا أن يقاتل فارساً، ويسهم للمقعد إن كان فارساً يقدر على الكر والفر وإلا فلا.

قُلتُ: ظاهره: أن شرط كونه فارساً من عنده، وهو نص نقل الشيخ عن سَحنون قال: يسهم له، وهو يقاتل فارساً.

وزاد عنه: يسهم للمجذوم لا المفلوج يابس الشق.

وعلى المعروف في منع الإسهام قال اللخمي: فيها: لا يرضخ للنساء والصبيان والعبيد، وقال ابن حبيب: يرضخ لهم، وهو أحسن، لحديث ابن عباس:(لم يكن صلى الله عليه وسلم يسهم للعبد والمرأة إلا أن يحذيا من المغانم)، وكذلك كل من للجيش فيه منفعة.

ونص المازري على أن الإرضاخ إنا هو من الخمس.

وفي النوادر عن ابن حبيب: كان صلى الله عليه وسلم يحذي النساء والصبيان والعبيد من الغنيمة. وروى ابن وَهْب وابن القاسم: ما علمته.

وفي كتاب ابن سَحنون: عن مالك: لا يسهم للمرأة والعبد وإن قاتلا، وإن قاتلا وأحذيا، ولو حذاهم من الخمس؛ فلا بأس به، وله عن أشهب: يرضخ لأهل الذمة إن قاتلوا من الخمس، وكذا العبيد.

ابن سَحنون: لو لم يأذن للعبد سيده في القتال؛ لم يرضخ له في قول أشهب، وينبغي في قياس قوله: أن يرضخ له، كما لو آجر نفسه بغير إذن سيده؛ لكان له أجره.

قُلتُ: إن أراد بقوله: لم يرضخ له في قول أشهب؛ أي: في نص قوله فواضح، وإن أراد في القياس عليه ناقضه قوله ثانياً:(وينبغي في قياس قوله). إلا أن يريد بالقياس الأول على قوله في الجهاد، وبالقياس الثاني على قوله في الإجارة، ويرد القياس الثاني بأن الإرضاخ لمصلحة عود المرضخ له لمثل ما صدر منه من القتال، وهي منتفية إن كان

ص: 124

قتاله بغير إذن سيده؛ لأنه منه عداء، وهي حاصلة إن كان بإذنه، والأجرة في الإجارة عوض عمله وقد حصل.

وفي الإسهام لمن ضل عن الجيش فيما غنمه الجيش بعده قولها مع الصقلي عن ابن نافع، وله مع اللخمي عن روايته، وتخصيص اللخمي قولها بالضال بأرض العدو يتعقب بأن نصها: (قلت: إن غزا المسلمون أرض العدو فضل منهم رجل؛ ورجع إليهم بعد أن غنموا.

قال: أخبرتك بقول مالك في الذين ردتهم الريح، وهم ببلاد المسلمين أن لهم سهمهم في الغنيمة".

قُلتُ: وكذا نقل الشيخ عن محمد عن أَصْبَغ عن ابن القاسم: سواء ضل بأرض العدو أو أرض الإسلام.

ابن بشير: في القسم له، ثالثها: إن ضل بأرض الحرب.

الشيخ عن أشهب: من ضل من سرية لأخرى من غير عسكرها قبل القتال، ثم قاتل معها؛ فله سهمه معهم يرده لغنيمة سريته التي ضل منها، وذكر ابن سَحنون عن أشهب: لا شيء للضال مما غنمه جيشه الذي ضل عنه بعده، ويختص حكمه بالتي ضل إليها.

وقال التونسي: أما حظه فيما غنمه جيشه الذي ضل منه بعده فصواب؛ لأنه غلب على الكون معهم، وفي رد ما أخذ بعد مع السرية الثانية نظرٌ؛ لأنه لم يتقو بهم فيما غنمه مع السرية الثانية.

قُلتُ: ما صوبه ملزوم لرده ما أخذ مع الأخرى، وإلا كان محكوماً له بأنه منها، ليس منها هذا خلف، ولو ردت الربح بعض السفن لأرض الإسلام، ففي الإسهام لأهلها مما غنمه النافدون قولان لها مع الشيخ عن كتاب ابن سَحنون عن مالك قائلاً: ولو كان المردود سلطانهم، وعن أول قولي سَحنون.

محمد: ولو تكسرت بعض السفن، فأقام أهلها لإصلاحها بأرض الإسلام، فخافوا بعد إصلاحهم أن يلحقوا بأصحابهم؛ فلا شيء لهم فيما غنموه، فإن أسهموهم فلا رجوع عليهم لفوته بإنفاقهم، ولو كان ذلك بعد دخول أرض العدو شركوهم

ص: 125

فيما غنموا.

وفي القسم للتاجر بشهوده القتال، أو إن قاتل نقل اللخمي عن محمد والمدَوَّنة قال: وقال ابن القُصَّار: إن خرج للجهاد والتجر قسم له، ولو لم يحضر القتال وإلا فلا إلا أن يشهد القتال.

وفي الأجير طرق.

اللخمي: إن كان في رحله؛ لم يقسم له وإلا ففيها يقسم له إن حضر القتال.

وروى أشهب: لا قسم له ولو قاتل.

ابن القُصَّار: إن خرج للجهاد والإجارة دون خدمة كالخياط قسم له، ولو لم يحضر القتال وإلا فلا.

وقال سَحنون: لا يقسم لأجير الخدمة إلا أن يقاتل، فيسقط من أجره قدر ترك عمله.

المازري: في القسم للأجير ثلاثة.

قيل: لايقسم له.

محمد: يقسم له إن شهد القتال.

وفيها: إن قاتل.

الصقلي عن كتاب ابن مزين: إن قاتل أسهم له، وفيما غنم قبل قتاله، ولو كان القتال مراراً شهد منها مرة فقط قسم له في جميع تلك الغنيمة.

ابن نافع: لا يقسم له إلا أن يحضر أكثر ذلك.

يحيى: هذه أحسن، وإن قاتل مرة قسم له من غنيمتها فقط.

وسمع القرينان: لا يقسم لأعوان استؤجروا لعمل البحر من قذف، وغيره من أعمال السفن أو لعمل البر من تسوية الطرق، وقطع الشجر، وإصلاح ما فيه ضرر على المسلمين ولو قاتلوا قتالاً عظيماً.

ابن رُشْد: هذا خلاف ما في المدَوَّنة والواضحة.

وقال بعض أهل النظر: ليس خلافهما، ومعنى السماع في الإجارة العامة، وما في المدَوَّنة، وغيرها في الخاصة، وليس بصحيح؛ لأن العامة أقرب إلى القسم من الخاصة.

ص: 126

ابن محرز: لا خيار لمؤاجر الأجير الغانم في أخذ حظه بدلاً عن مناب ما عطل من عمله؛ كقولهم فيمن آجر أجيراً لخدمة مدة آجر نفسه في بعضها لمجانسة ما آجر نفسه فيه لما استحق من عمله ومباينة عمل الجهاد الخدمة؛ ولذا لو كانت المؤاجرة امرأة، فتزوجت لم يكن لمؤاجرها أجر صداقها؛ لأن عوضه لم يملكه المؤاجر، ولو غصبت ذات زوج لم يكن لزوجها أخد صداقها من الغاصب لها على الغاصب؛ لأن زوجها لم يملك وطئها بالغصب.

محمد: لو بعث الأمير قوماً من الجيش قبل وصوله بلد العدو لمصلحة الجيش من حشد أو إقامة أسواق، ونحوه قسم لهم فيما غنم في غيبتهم.

سَحنون: ورواه ابن نافع.

وعن مالك: لا شيء لمن بعثه الإمام في بعض مصالح المسلمين فيما غنم بعده، وبالأول أقول، وإن رد الإمام قوماً لضعف الناس وأثقالهم وما وقف من دوابهم فكل من رده لمصلحة المسلمين إن كان أدرب قسم له وإلا فلا، وكان قال: لا أعرف الإدراب، ولم يقله من أصحابنا غير عبد الملك، وأنكر ذكره عن المغيرة، وكل من رده لمصلحة قسم له، ولا أعرف رد الإمام المرضى والخيل، ولكن، يرد الرجل للجبن

وغيره.

وسمع يحيى ابن القاسم في أهل مركب بعثوا بعد نزولهم جزيرة للروم رجلاً لناحية منها؛ ليخبرهم ما فيها من سفن المسلمين، فأبطأ فأقلعوا فغنموا، وكان الرجل دخل بعض سفن المسلمين إن قعد عنهم تاركاً لهم؛ فلا شيء له معهم وإلا؛ فله حظه معهم.

وغنيمة من استند لغيره دونه بينهما:

الشيخ: روى محمد: كل سرية خرجت من عسكر فصل عن بلد الإسلام للغزو ما غنمت بينها وبين كل الجيش، ولو أخرجها من بلد الإسلام اختصت بما غنمت، ولو قدم والي الجيش سرية من بلد الإسلام، ثم أتبعها ببقية عسكره، فغنمت قبل لحوقه بها، ففي كون غنيمتها شركة بينهما شركة مطلقاً، أو إن غنمت بعد فصول الجيش من أرض الإسلام، وإلا اختصت بها نقلا الشيخ عن محمد عن عبد الملك، ومحمد مع نقله عن

ص: 127

أشهب ومالك قائلاً: ولو كان بعثه لها ليتبعها.

وفي الموازيَّة: لو قسم عسكر غنيمته، فتسرعت طائفة منه للرجوع، فلقيهم عدو أخذهم، ثم غنم بقية الجيش لم تدخل فيها المتسرعة من بقي منها، ولا من قتل، ولو غنمت آخذي المتسرعة رد ما أخذ لها على حيها ووارث من مات منها.

وما غنمته من غير ذلك بينهم، وبين أحياء المتسرعة، ولو كانوا أسرى في الحديد، وكذا الأسرى منهم والزمنى.

ابن سَحنون عن عبد الملك: لو بعث الوالي سرية ردءاً لأخرى، فقدمت فغنيمة الأولى- ولو قبل بعث الثانية- بينهما، وكذا ما غنمته الثانية وحدها.

سَحنون: لا تدخل الثانية فيما غنمته الأولى قبل خروجها مستغنية عنها.

عبد الملك: ولو بعث الثانية لغير الأولى اختصت كل واحدة بما غنمت، ولو غنمت إحداهما فقط، ثم اجتمع العدو عليهما معاً، فكانت نجاتهما باجتماعهما؛ ففي كون ما غنمته إحداهما بينهما، أو لها فقط قولا عبد الملك وسَحنون قائلاً: لو أخذ العدو غنيمة إحداهما، ثم اجتمعتا فاستنقذتاها منه؛ ردت لغانمتها كمال مسلم غنم.

ابن سَحنون عنه مع بعض أصحابه: إن مات أمير جيش بأرض العدو، فانقسم طائفتين، قدمت كل طائفة أميراً، وانحازت عن الأخرى؛ فما غنمته إحداهما بينهما.

محمد: قياس قول سَحنون إلا أن تتباعد كل واحدة عن الأخرى بحيث لا يمكن تعاونهما ولم يجتمعا إلا بدار الإسلام؛ فلكل واحدة ما غنمته إحداهما دون الأخرى.

ابن سَحنون عنه: لو ارتدت طائفة من عسكر بدار الحرب، واعتزلوا باقي المسلمين؛ ثم غنم باقي المسلمين، وغنم المرتدون، ثم رجعوا للإسلام؛ لم يدخل المرتدون فيما غنمه المسلمون أدباً لهم، ودخل المسلمون فيما غنمه المرتدون، ولو قتلوا على ردتهم، وحظ المرتدين لهم إن أسلموا وإلا فللمسلمين.

وسمع يحيى ابن القاسم في أمير سرية عرض له نهر بأرض العدو، فأجازه ببعض من معه، وتخلف الآخرون معتذرين عن طاعته بشدة خطره، فرجع بغنيمة، ووجد المتخلفين بمكانهم لا قسم لهم إن ثبت تخلفهم بإقرارهم، أو ببينة من غير الغانمين، ولا يقبل عليهم قول الأمير.

ص: 128

ابن رُشْد: ظاهره حرمانهم بتخلفهم، ولو كان جوازه خطراً.

وقال سَحنون: إن كان قسم لهم لعذرهم، وأخطأ الذين أجازوا، وعندي إن كان في وقوف المتخلفين بمكانهم وجه منفعة للغانمين مثل أن يكون النهر قرب بلد العدو بحيث يظن العدو جوازهم أجمعين؛ قسم لهم معهم وإلا فلا، ولا تقبل شهادة الغانمين على من أنكر أنه لم يجزه؛ أنه لم يجزه اتفاقاً إلا أن يكون ما يجب له من ذلك يسيراً، فيجري على الخلاف في شهادة العدل لغيره بما يجر به لنفسه ما لا يتهم على مثله لقلته.

وسمع أشهب إجازتها.

وفي رد قول الإمام عليهم، وقبوله إن كان عدلاً هذا السماع، وقول سَحنون وهو بعيد؛ لأنه إن حكم عليهم حكم بعلمه ولنفسه، وإن رفع الأمر لغيره وجب كونه كغيره، ووجهه أنه جعله كحكم القاضي بعلمه بما أقر به الخصم في محله.

قُلتُ: فأين إلغاء مانع كونه يحكم لنفسه؟.

سَحنون: إن بعث الإمام سريتين نفل إحداهما الربع قبل الخمس قسم ما غنمتا على عددهم، فإن كانت المنفلة مائتين والأخرى مائة أخذت المنفلة نفلها من الثلثين؛ وهو الربع قبل الخمس، وخمس ما بقي، وقسم بين العسكر والسريتين، ولو دخل جيش أرض العدو، ثم دخله متطوعون دون أمر الإمام؛ فلهم حكم الجيش فيما يغنمه، وأخطأوا في خروجهم دون إذن الإمام إن كان غير مضيع، ولو اجتمع جيشان بأرض العدو، فإن كان كل جيش غنياً عن الآخر؛ اختص كل بما غنم، وإلا فما غنماه أو أحدهما فبينهما.

ابن سَحنون عنه: ما غنمه أهل بلد من عدو دخلها عليهم بين أهلها من قاتل ومن لم يقاتل، وفيه الخمس، ولو خرج الناس في أثره بعضهم بعد بعض فما غنم الأولون بعد خروج الآخرين بينهم أجمعين.

وفي كون ما غنموه قبل خروجهم كذلك أو للأولين فقط قولا عبد الملك وأشهب، وهو أحب إلي لقول مالك في الروم تغير قرب المصيصة فيقال: يا خيل الله اركبي، فيخرج أهل النشاط، فما غنموه أدنى أرض الروم لهم دون من لم يخرج.

وسمع يحيى ابن القاسم في عدو أغار على ثغر، فخرج في طلبه خيل المسلمين

ص: 129

متلاحقين ما غنمه أولهم بين جميعهم من قاتل أو لا، ومن خرج أو لا؟ إن كانوا من

مسالح نصبت للرباط أهلها، مقيمون للذب عن من وراءهم، أو كانوا من أهل حصن

في رأس الثغر.

وإن كانوا من قرى مسكونة بعيالٍ فجأهم العدو، فركبوا في طلبه؛ قسم ما أصابوا بين كل من طلب القتال، ولو لم يدركه لا لمن لم يخرج.

ابن رُشْد: هذه مسألة حسنة ذكرها ابن سَحنون لأبيه فأعجبته.

ابن حبيب: عن أصحاب مالك: إن أغار عدو على بعض الثغور، فتداعى عليه المسلمون خمس ما غنموه منه؛ لأنه كالإيجاف، وباقي الغنيمة لأهل المكان الذين كانت فيهم الغارة، ولو تفرقوا في القرى، فأهل كل قرية أولى بما أصابوا، وفيه الخمس، إلا أن تكون قرى متقاربة يتلاحق تناصرهم، فهم فيه شركاء.

وفي الموازيَّة: لأشهب مثله.

سَحنون: إنما يقسم لمن خرج، وبرز للعدو لا لمن لم يبرز إلا أن يكون من أقام في القرى للخوف عليها، وعدة لمن خرج.

قال: ولو أغار العدو على مدينة على عشرة أميال منها، فخرجوا منها متفاوتين، فغنموا لم يدخل في ذلك إلا من برز من المدينة، وإن لم يبصرهم العدو لا لمن خرج بعد الوقعة، ولو كانت المدينة حرساً كالمنستير والحصون التي على ساحلنا، ومثل بعض مواضع بالأندلس، فالغنيمة لمن برز، ومن لم يبرز؛ لأن هذه المواضع كجيش مجتمع.

وليحيى عن ابن القاسم مثله، ولسَحنون عن أشهب مثل هذه، وقال: لا شيء لمن لم يبرز، ولم يذكر إن كان ثغراً أو محرساً.

سَحنون: لو حبس الإمام حين خرج الناس من المدينة طائفة لحفظها؛ كان لهم حقهم في الغنيمة؛ لأنهم حبسهم لمصلحة المسلمين.

قال: ولو أن أهل طرطوس حين خرجت مراكبهم حبس الإمام من كل مركب نفراً لحفظ المدينة لم يدخلوا فيما يغنمه الخارجون؛ لأن هؤلاء لم ينزل بهم عدو؛ بل هم خرجوا إليه، وأولئك نزل بهم العدو، فهم متظاهرون عليه.

وفي الموازيَّة: لو أتت مراكب الروم بلد الإسلام، فخرج إليهم مراكب المسلمين،

ص: 130

فقاتلوهم بالبحر بمرسى المدينة؛ فالغنيمة لمن قاتل بالبحر دون أهل البر، ولو نازلوهم في البر، فقاتلوهم فيه وفي البحر؛ فالغنيمة بين من حضر الحرب بالبر والبحر.

وفي كتاب ابن سحنون: لو دخل العدو بعض مدننا، فقاتله أهلها على بابها، فما غنموه لهم دون من لم يخرج، ولو تأهبوا بالسلاح، فخرج بعضهم، والآخرون خلفهم متأهبون؛ فالغنيمة بين من حضر القتال، ولو لم يقاتل، فله سهمه، وكذا إن انتهى الزحام لبابه، وهو واقف متسلح في داره، أو ركب فرسه قد فتح بابه أو أغلقه؛ فله سهمه؛ لأن إغلاقه بابه خوف تقحم الجميع عليه، ومن لم يتأهب للقتال لا سهم له، ولمن على السور يرمي بنبل، أو حجر، أو يحرض ويرهب سهمه.

ولو نزل العدو على أميال من المدينة، فخرجوا إليه، فلمن أمره الأمير أن يقف على بابها حفظاً من العدو سهمه، وأجاب سحنون شجرة عن سفن أخذت جفناً تركوه مع بعضهم؛ لتعذر سيرهم به، وانصرف سائرهم للغزو على أن يجتمعوتا بمرسى معين، يقيم به من سبقه عشرين يوماً، ثم ينصرف لبلد الإسلام، فغنم المنصرفون، ثم سبقوا إلى محل الموعد، وانصرفوا بعد المدة المذكورة لبلد الإسلام أتى الآخرون وقد غنموا بأن ما غنماه أو أحدهما بينهما؛ لثبوت شركتهم لنصرة بعضهم بعضاً، ويقسم لم مات بعد أن قتل قتال الغنمية قبلها اتفاقاً.

ابن رشد: في استحقاق القسم منها بمجرد الإدراب، وفي كل ما يغنم إلى قفول الجيش، ولو مات قبل لقاء العدو، أو بشهود القتال في كل ما غنم بعده مطلقاً، أو فيما غنم بقربه، رابعها: فيما غنم به فقط لابن الماجشون، وسماع يحيى ابن القاسم، وسماعه عيسى، ويشبه كون الرابع مذهبها.

قلت: فيها: لمالك: إن مات قبل لقاء العدو قبل وأن يغنموا لم يسهم لمن مات قبل الغنمية، وإن مات بعد أن قاتل، وغنموا بعده أسهم له، وعزاه الشيخ لسحنون وابن حارث لسماع يحيى ابن القاسم، ونقل الشيخ عن ابن حبيب عن أصحاب مالك: يقسم لمن مات بعد رؤية الحصن أو الجيش قبل قتاله فيما غنم فيه.

وبقربه يشبه أن يكون خامساً.

ص: 131

وزاد عن ابن حبيب: أجمع أصحاب مالك إلا ابن الماجشون أنه لا يقسم لمن مات قبل القتال، فعزو ابن زرقون قول ابن الماجشون لسماع يحيى ابن القسم خلافه، وخلاف نقل ابن رشد وابن حارث.

وللشيخ عن رواية عيسى عن ابن القاسم: إن تتابع القتال دون انقطاع؛ فله سهمه في كل ذلك، وقد يقاتل عشرة أيام، وهذا قريب.

قلت: لم أجد في العتبية: عشرة أيام.

وللشيخ عن سحنون: من مات بعد قيام صفوفنا وصفوف العدو، وقبل المناشبة لم يسهم له.

ابن حارث لابنه عنه: لا حق لمن مات بعد القتال الأول، فيما غنم بقتال ثان.

قلت له: قد روي عن ابن القاسم: إن كان القتال متتابعاً وجب سهم الميت في كل ما غنم.

قال: لا أعرفه عنه إلا أن يكون من هزم ثانياً هم من ثالثا؛ كالعسكر تنهزم طلائعه، ثم ميمنته، ثم ميسرته ثم قلبه، فسهم من مات خلال ذلك واجب، وللشيخ عنه: إن نزل المسلمون بحصن فيه حصون بعضها في بعض، ففتح الحصن الأول، ثم مات رجل أو قتل، ثم فتح حصنين بعده أو ثلاثة في يوم أو أيام؛ لم يسهم له إلا في غنيمة الحصن الأول، ثم قال عنه: لو كان للمدينة أرباض ولها أسوار، فأخذ الناس في قتال المدينة، ففتح الربض الأول، فصار العدو في الثاني، فأخذ الناس في قتاله في الثاني، وانتهب الربض الأول، فتمادوا حتى فتحوا الثاني، وانتقل العدو للثالث، وتمادى الناس في قتاله في غير فور واحد حتى فتحوا المدينة، فلمن مات أو قتل بعد أن أخذوا في قتال المدينة سهمه في جميع ذلك.

قلت: قوله: هذا خلاف ظاهر قوله: في الحصن فيه حصون.

وللشيح عن كتاب ابن سحنون: من جن بعد الغنيمة سيهم له فيما مضى له المستقبل.

محمد عن أشهب: إن ظفر بعدو بيده أسرى مسلمون أسهم لهم معهم في كل ما غنموا.

ص: 132

التونسي: جعل أشهب الذين أسروا شركاء في ذلك؛ لأن أصل خروجهم بالإيجاف، فصاروا كمن منع الحرب، كما لو أسر العدو رجلاً أصل دخوله بالإيجاف فأخذناه؛ فله سهمه.

قلت: إن كان الأسير من جيش أخذناه فواضح، وإلا فالأظهر عدم القسم له كلقاء جيش بعد أن غنم، وكل منهما غني عن الآخر لنقل الشيخ عن سحنون: إن هرب أسرى من عدو لجيش بعد أن غنم، فلقيه عدو، فإن نجا الجيش بمعونة الأساري؛ فالغنيمة بينهم وإلا فاللجيش فقط، وله عن سحنون في أبواب قسم الخيل: من أسر في قتال غنم بعده، وفي قتال غيره أسهم له من غنيمة قتاله فقط.

سحنون: الردة كالموت، وما يورث عن الميت يورث عن المرتد ويرجع له بتوبته.

وقسم الغنمية

حظ الفارس: منها ثلاثة أمثال الراجل للخبر والعمل، وعللوه بكلفة نفسه وفرسه وخادمه.

الشيخ عن سحنون: ينبغي للإمام كتب أهل الجيش للغنيمة إذا دنا من العدو وقبل السير إليه.

قلت: به يحفظ حظ من يموت في القتال.

ونقل ابن عبد السلام عن بعض المؤلفين عن ابن وهب: للفارس ضعف ما للراجل كأبي حنيفة لا أعرفه؛ بل نقل ابن رشد المذهب قائلاً: اتفاقاً، ونقل الشيخ عن ابن وهب إسناده حديث حجة المذهب، وأكثر ابن المنذر من ذكر أحاديث حجة المذهب، وعزو القول بها للفقهاء والمحدثين، وقال: لا أعلم من خالف في ذلك إلا النعمان، وخالفه أصحابه، فبقي قوله مهجوراً مخالفاً للأخبار، وذكر المازري نحوه، والشأن في نقل الغريب تعيين قائله، ولعله التبس عليه ذلك بقول ابن وهب في الإسهام لفرسين، وفي القبس لابن العربي: يسهم لكل فرس سهم واحد عند أكثر العلماء.

ص: 133

وقيل: سهمان للفرس، والأول أصح، وله في عارضته حديث ابن عمر رد على أبي حنيفة، ومن اغتر من علمائنا فقال: لا تفضلوا البهيمة على الآدمي.

الشيخ: روى ابن وهب: من غزا على حمال أو بغل أيأخذ فرسا أعطي في السبيل؟

قال: الحمار ضعيف، والبغل أقوى، ولا يأخذ الفرس إلا أن يعلم من نفسه القوة على التقدم إلى الأسنة.

وفيها: الرهيص كصحيح، وما مات قبل لقاء العدو لغو، وبعده يقسم له.

الباجي عن مالك: يسهم لما يدرب به رهيصا.

قلت: ولابن حارث في الإسهام للرهيص حيث اللقاء قولاً أشهب مع سحنون، ونقل ابنه رواية ابن نافع.

الباجي: في الإسهام للفرس المريض قولاً مالك والقرينين.

قلت: عزاه اللخمي لروايتهما، ولابن عبد الحكم قائلاً بخلاف المريض؛ لأنه فيه الشمورة، ونقل ابن حارث فيه ما في الرهيص.

الباجي: لا يسهم لما أدرب به كسيراً، ويسهم لما كسر بعد حضوره القتال، وفي الإسهام لما كسر قبله بعد الإدراب قولاً أصبغ مع أشهب، ومقتضى قول ابن الماجشون ومقتضى قول محمد.

الشيخ عن سحنون: ما أدرب به مما لا يقاتل عليه لكبر أو صغر لغو، وينبغي للإمام أن لا يجيزه، فإن صار الصغير يقاتل عليه أسهم له من يومئذ.

ابن حبيب: الصغير الذي لا مركب فيه، ولا حمل لغو، وإن كان فيه بعض قوة

ص: 134

أسهم له.

قلت: إنما عزاه اللخمي لسحنون في كتاب ابنه وضعفه بأنه أضعف البرذون، ويرد بأن ضعف الصغير قريب الزوال، وقد يظن رائيه قوته، وفي القسم للفرس الثاني نقل الباجي عن سحنون عن ابن وهب مع الشيخ عن ابن سحنون، وابن حبيب عن ابن وهب وأبي عمر عن ابن الجهم، والمشهور، والثالث لغوه اتفاقاً.

الصقلي والشيخ: عن ابن حبيب: المعتبر في كون الفارس فارساً كونه كذلك عند مشاهدة القتال، ولو أوجف راجلاً عند مالك وابن الماجشون قائلاً: من ركب فرسا في لحمة القتال، فسهم الفرس لصاحبه لا له إلا أن يكون من خيل العدو؛ فلا سهم له.

وفيها: لابن القاسم: منع موت الفرس الإسهام، وعدم منعه كالآدمي، وكون الفرس لفارسه بحيث يقاتل عليه.

فيها: إن حملوا الخيل معهم في السفن، فلقوا العدو، فغنموا؛ فللفارس ثلاثة أسهم.

اللخمي: القياس عدم الإسهام لخيل السفن من غنيمتها؛ لأنها لم تقد للبحر، ولم تبلغ محل قتالها، وسمع أصبغ ابن القاسم: يسهم لخيل غزاة قاتلوا على أرجلهم، وخيلهم في رحالهم لاستغنائهم عنها.

ابن رشد: اتفاقاً.

سحنون: من أدرب راكباً حماراً أو رجلاً وهو يقود فرسه؛ أسهم له.

الشيخ عن سحنون: من خرج بفرسه للقتال، ثم أمر غلامه برد فرسه؛ فهو راجل، ولو رده العبد، ولم يخرج من معركة القتال حتى انهزم الكفار؛ فلربه سهم فارس في قول أشهب وسحنون.

الباجي: لو حضر رجل ثان قتالاً على فرس بعد أول ثم غنم؛ فسهمه للأول إن اتحد المقاتل، واتصل قتاله عادة.

سحنون: لمن حضر قتالاً على فرس يوماً، وحضره مبتاعه منه اليوم الثاني، ومبتاع ثان اليوم الثالث، ولم يغنم إلا فيه؛ فسهمه للأول؛ لأنه قتال واحد، وكذا لو كان بدل المبتاع وارث، ولو قاتل عليه الثاني في قتال مبتدأ؛ فسهمه له لا للأول.

ص: 135

اللخمي: يختلف إن باعه الأول بعد الإدراب قبل القتال، ثم قاتل عليه الثاني في كون سهمه له أو للأول.

وفيها: لابن القاسم قائلاً: لم أسمعه من مالك ذو البغل والحمار والبعير راجل.

ابن العربي: وذو الفيل.

وفي البراذين ثلاثة.

في الموطأ: كالخيل.

ابن حبيب: إن أشبهتها في الكر والفر.

وفيها: إن أجازها الإمام.

ابن حبيب: هي الخيل العظام.

الباجي: يريد الجافية الخلقة الغليظة الأعضاء، والعراب أضمر وأرق أعضاء.

ابن سيده: البرذون معروف، والأنثى برذونة.

وفي الموطأ: هجين الخيل منها.

ولم يذكر ابن بشر في البرذون غيرقول ابن حبيب، ثم قال: وكذلك الهجين وما في معناه، ونحوه قول الجلاب: الهجن، والراذين كالخيل إن أجازها الإمام.

ابن حبيب: الهجين ما أبوه عربي، وأمه من البراذين.

المازري: فسر غير ابن حبيب البراذين بما كان أبوه وأمه نبطين، فإن كانت الأم نبطية، والأب عربياً، كان الفرس هجيناً، وإن كان بالعكس؛ كان الفرس معرباً، ومنهم من عكس هذا.

الشيخ عن سحنون: أجمع أصحابنا أنه لا يرضخ لذي حمار أو بغل أو برذون؛ لم يجزه الوالي.

الباجي: روى ابن عبد الحكم: إناث الخيل كذكورها، وفي كتاب ابن سحنون: إن أدرب رجلان بفرس لهما، فسهماه لمن قاتل عليه منهما، وعليه للآخر نصف أجرته لصاحبه إن عرف ذلك، وإلا اقتسما الجميع وتحالا، ولو ركبه أحدهما كل الطريق، وقاتل عليه الآخر؛ فسهماه له وعليه نصف أجرته، وله نصف أجر ركوبه في الطريق.

المازري: إن قاتلا عليه؛ فلكل منهما بقدر ما حضر من القتال عليه.

ص: 136

الشيخ: لو انفلت فرس من ربه بأرض العدو، فقاتل عليه غيره، فغنم، ففي كون سهمه لربه، أو لمن قاتل عليه نقل محمد عن أصبغ مع ابن سحنون عن ابن القاسم وسحنون قائلاً: إلا أن ينفلت بعد شهود ربه عليه القتال؛ فهما له، ولا أجر للمتعدي.

التونسي: من غصب منه فرسه؛ فالصواب أن له سهمين، وقال أشهب: هما للغاصب، وعليه إجارة الفرس.

اللخمي: من غصب فرساً من أرض الإسلام فسهماه له، ولو غصب قبل أن يقاتل عليه؛ ففي كونه كذلك أو لربه نقلا محمد قولي ابن القاسم، والقولان جاريان على القولين في المتعدى عليه، وعلى القول بأن من غصب داراً، فأغلقها أو عبداً، فأوقفه يغرم غلتهما، فسهما المغصوب لربه مطلقاً، ومن غصب فرساً لذي فرسين، فسهماه لغاصبه، وعليه أجره، وكذا من غصب فرساً من الغنيمة.

قلت: ومن ثم خص ابن بشير الخلاف بغصب فرس الغازي، ولم يفرق بين كونه من أرض الإسلام أو الحرب.

ابن سحنون عن ابن القاسم: لو شد القوم على دوابهم للقتال، فعدا رجل على فرس آخر؛ فسهماه لربه.

زاد محمد: وكذا لو تعدى عليه قبل القتال.

سحنون: بل سهماه للمتعدي، وعليه أجر مثله إلا أن يأخذه بعد انتشاب القتال؛ فلربه.

ابن القاسم: لو عدا عليه بأرض الإسلام، أو بأرض العدو قبل حضور القتال؛ فسهماه للمتعدي ويضمنه.

سحنون: هو كذلك في السهمين، وأما الضمان؛ فإن رده بحاله لم يضمنه وعليه أجره، وإن تغير أو عطب؛ فلربه تضمينه قيمته، أو أخذ أجره فيما استعمله فيه، وقاله أشهب.

قلت: كلام ابن القاسم أصوب؛ لشموله ما لو رده بعد طول دون تغير، والمنصوص في المدونة في هذا ضمانه، والمسألة تشبه مسألة غصب الفرس للصيد عليه، أو التعدي عليه لذلك، وتقدم فيه بحث في الفرق بين التعدي والغصب مع أن المازري

ص: 137

هنا لم يعبر عن المسألة إلا بالغضب، وأجرى الخلاف على الخلاف في رد غلات المغصوب، وخلط اللخمي الغصب بالتعدي حيث أجرى الغصب عليه، ولفظ ابن القاسم في التعدي لا الغصب.

المازري: لو قاتل عبد على فرس سيده، فإن أسندنا السهمين للفرس؛ كانا لربه، وإن أسندناهما للفارس؛ فالعبد لا يسهم له، ولا نص فيها، وفيها نظر.

قلت: لعل النظر كون القسم للفرس مشروطاً بكون فارسه من أهل القسم أولا؟

وقوله: إن أسندنا السهمين للفرس كانا لربه؛ ظاهره سواء كان ربه غازياً أو لا؟ ومقتضى ما تقدم إن لم يكن غازياً لم يستحقهما.

اللخمي: المعار قبل القتال في كون سهميه للمعار، أو للمعير أحد قولي ابن القاسم مع مالك، وثانيهما: ولو أعاره بعد القتال عليه؛ فللمعير.

الشيخ عن سحنون: سهما الفرس المعار للمعار، أعاره قبل الإدراب أو بعده، ولو أعاره في حومة القتال، فإن كان أوله قبل بيان الظفر؛ فهما للمعار، وإن كان في آخره بعد بيانه؛ فهما لربه، ثم رجع فقال: هما لمن ناشب عليه القتال أوله.

قلت: الفرق بين المرجوع عنه وإليه أنه إن ناشب عليه ربه، ثم أعاره في أول القتال قبل بيان الظفر؛ فسهماه له على المرجوع إليه، وللمعار على المرجوع عنه.

وسمع القرينان في الوالي يعير بأرض الحرب فرساً من خيله سهماه للغازي، وكذا لو اشتراه أو اكتراه أو تعدى عليه، أو وجده غائراً في حومة القتال فقاتل عليه، وكذا لو أعاره إياه على أن سهمي الفرس بينهما، أو على أنهما لصاحب الفرس على أن عليه فيه أجره مثله، ومن ليس له إلآ فرس واحد، فتعدى عليه من قاتل عليه، وصاحبه حاضر، أو وجده في القتال غائراً؛ فسهماه لصاحبه بخلاف الاشتراء والعارية والكراء والتعدي إذا لم يكن ربه حاضراً، هذا على قول ابن القاسم، وروابته: أن السهم إنما يستحق بالقتال لا الإيجاف، وعلى قول ابن الماجشون: أنه يستحق بالإيجاف لا يكون لمن قاتل على فرس سهماه في شيء من هذه الوجوه إلا أن يوجف عليه، أو يصير بيده بحدثان

ص: 138