المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ باب عيب المرأة في النكاح [ - المختصر الفقهي لابن عرفة - جـ ٣

[ابن عرفة]

فهرس الكتاب

- ‌[كتاب الجهاد]

- ‌[باب الرباط]

- ‌[باب الديوان]

- ‌[باب الأمان]

- ‌[باب ما يثبت به الأمان]

- ‌[باب المهادنة]

- ‌[باب الجزية المعنوية]

- ‌[باب الجزية الصلحية]

- ‌[باب الاستيمان]

- ‌[باب ما ملك من مال كافر]

- ‌[باب الفيء]

- ‌[باب في النفل]

- ‌[باب في السلب]

- ‌[باب الغلول شرعاً]

- ‌[كتاب النكاح]

- ‌[باب صيغة النكاح]

- ‌[باب ولاية عقد النكاح]

- ‌[باب في النكاح الموقوف]

- ‌[باب العاضل في النكاح]

- ‌[باب الكفاءة]

- ‌[باب مانع النسب في النسب]

- ‌[باب مانع الصهر]

- ‌[باب في تحريم الجمع في النكاح بين المرأتين]

- ‌[باب النكاح المحلل المطلقة ثلاثًا لمطلقها]

- ‌[باب نكاح المطلقة ثلاثًا]

- ‌[باب الرق المانع من النكاح وقتا ما]

- ‌[باب الخنثى]

- ‌[باب الجب]

- ‌ باب الخصي [

- ‌ باب العنين [

- ‌ باب الحصور [

- ‌ باب الاعتراض [

- ‌ باب عيب المرأة في النكاح [

- ‌[باب شروط الصداق]

- ‌[باب الشغار]

- ‌[باب الشرط الذي يبطل في النكاح]

- ‌[باب في نكاح التفويض]

- ‌[باب في نكاح التحكيم]

- ‌[باب المعتبر من مهر المثل]

- ‌[باب متى يسلم المهر الحال للزوجة]

- ‌[باب البراءة لمشتري الجهاز]

- ‌[باب فيما يوجب كل المهر للزوجة]

الفصل: ‌ باب عيب المرأة في النكاح [

عنده مجرد تمكينها نفسها، أو هو مع كونه بصفة من يطأ، وبساطة العلة أرجح من تركيبها عند تساوي احتمالها، وقول ابن عبد الحكم في نقل الشيخ خامس.

المتيطي: بناؤه حين تأجيله كتأجيله قربه.

وروى ابن القاسم وابن نافع كأشهب، وبقول ابن القاسم الحكم.

اللخمي: فيمن عجز عن الإصابة أربعة: لمالك فيها لها نصفه إلا أن يطول استمتاعه بها سنة كامرأة العنين.

وفي الموازية: إن أجل العنين قرب دخوله بنصفه، وإن طال مكثه قبل تأجيله؛ فجميعه.

ابن أبي سلمة: لها نصفه ولو طال مقامه.

وروى ابن القصار: لها جميعه بعجزه، ولو لم يطل، وأرى لها نصفه، وتعاض من تمتعه بها كان المهر عبدًا أو ثوبًا، ولا تضمنه إن هلك، ولا ما نقص بانتفاع به إن كان شورة أو عينًا اشتريت بها.

وروى المدنيون: إن طال مكثه، وخلقت ثيابها، ورث المتاع؛ كان لها جميعه.

وفيها: يجوز ضرب ولاة المياه، وصاحب الشرطة الأجل للعنين والمعترض.

]‌

‌ باب عيب المرأة في النكاح [

وعيب المأة: فيها: ترد من الجنون والجذام والبرص وداء الفرج.

اللخمي: ترد بالجنون، وإن كان صرعًا في بعض الأوقات، وفي المبسوط لمالك: إن كانت لا تجن إلا عند الوطء حال السلطان بينها وبين زوجها.

ابن شعبان: ولا يلزمه طلاق إن أحب المقام؛ يريد: ولو لم يصب، فإن لم يكف عنها؛ طلقت عليه.

قلت: إلا أن يرضى بأن يخرج عنها دون طلاق.

الجذام: المتيطي واللخمي والباجي: ترد منه ولو قل.

وفي مختصر ما ليس في المختصر: يرد النكاح للجذام؛ لأنه يخشى حدوثه بالآخر، ولأنه لا تطيب نفس الواطئ، وقلما سلم ولدها، وإن سلم كان في نسله.

ص: 362

اللخمي: يلزم عليه رد النكاح بأن أحد الأبوين كان كذلك؛ لأنه يخشى أن يظهر في ولد المتزوج الآن أو ولد ولده، ورأيته في امرأة بنت أجذم، ولم يظهر فيها، وظهر في عدد من ولدها.

قلت: يرد إلزامه بأن الضرر في الأصل؛ وهو المجذوم أشد منه في المقيس؛ لأنه فيه بعض ما في الأصل؛ لصدق كل ضرر في ولد الأجذم فيه، وليس كل ضرر فيه في ولده.

والبرص: سمع ابن القاسم: ترد منه، لا أحد فيه قليلاً من كثير.

قلت: أخبرنا بعض الناس أنك لا ترد من قليله؛ فأنكره.

ابن القاسم: إن تبين قليله؛ ردت به إن لم أردها به، ثم تفاحش أدخلت عليه ضررًا، وسمعت أنه يزداد لو تيقن الناس في يسير منه عدم زيادته ما رددتها؛ لكنه لا يعرف؛ فلذا رأيت أن ترد.

ابن رشد: إن كان كثيرًا أو يسيرًا لا تؤمن زيادته؛ ردت باتفاق، وإن أمنت زيادة يسيرة؛ فباختلاف.

قلت: ونحوه للخمي، وقول ابن القاسم: لا يعرف، قد يعرف كامرأة بنت أربعين ظهر بها برص يسير ثبت كونه بها من صغرها، ولم يزد شيئًا.

الباجي عن اب حبيب: ترد بفاحش القرع؛ لأنه من معنى الجذام والبرص، ولم أره لغيره من أصحابنا، وظاهر المذهب خلافه وأنه كالجرب، ولفظ المتيطي عنه: ترد من القرع؛ لأنه يستر باللفافة والخمار.

قال فضل: هذا خلاف قول مالك.

وداء الفرج: الباجي عن ابن حبيب: هو ما يقطع لذة الوطء؛ كالعفل والقرن والرتق.

وروى محمد: ما هو عند أهل المعرفة من داء الفرج؛ فله الرد به، وإن لم يمنع الوطء؛ كالعفل القليل والقرن وحرق النار، وقول ابن عبد السلام إثر نقله قول ابن حبيب، وتبعه الباجي على ذلك، وفسر به كلام مالك، لم أجد للباجي إلا مجرد نقله قول محمد حسبما تقدم.

وفيها: إن كان عيب فرجها قرنًا، أو حرق نار، أو عيبًا خفيفًا يقدر على الوطء

ص: 363

معه، أو عفلاً يقدر معه على الوطء أترد به أم لا ترد إلا باختلاط؟ ونحوه مما يمنع الوطء كالعفل الكثير.

قال: قال مالك: قال عمر رضي الله عنه: ترد بالجنون والجذام والبرص، وأرى داء الفرج كذلك، فما هو عند أهل المعرفة من داء الفرج؛ ردت به، وإن جامع معه المجنونة والمجذومة والبرصاء تجامع وترد بذلك.

الجلاب: البخر والإفضاء؛ وهو اتحاد المسلكين منه.

اللخمي: منه العفل والقرن والرتق والنتن والاستحاضة وحرق النار.

عياض: العفل: بفتح العين المهملة والفاء؛ هو أن يبدو لحم من الفرج.

والقرن: بفتح القاف وسكون الراء مثله؛ لكنه يكون خلقة غالبًا لحما، وقد يكون عظمًا.

والرتق: بفتح الراء والتاء؛ التصاق محل الوطء والتحامه.

الجوهري: العفل: بفتح الفاء شيء يخرج من قبل المرأة وحيا الناقة يشبه أدرة الرجل والمرأة عفلاء.

قال: والقرن أيضًا العفلة الصغيرة.

الأصمعي: اختصم إلى شريح في جارية بها قرن فقال: أقعدوها إن أصاب الأرض؛ فعيب وإلا فلا.

قلت: ما أبعده من فقه.

اللخمي: في الرد بخفيف هذه العيوب مطبقًا، أو إن منع اللذة قولا مالك وابن حبيب، والأول أحسن.

وفي وثائق ابن العطار: ترد من العيوب الأربعة: الجنون والجذام والبرص، وداء الفرج ما يمنع من الجماع.

ابن الفخار: هذا خطأ، والمحفوظ غير ذلك، فذكر ما تقدم عن المدونة.

اللخمي: والرتق: إن لم يظن قطعه، ولا عيب في الوطء بعده؛ فالقول قول من دعا إليه إن طلق الزوج بعد رضاها به؛ لزمه نصف المهر، وبعد امتناعها لامتناعها لا غرم عليه، ومقابله القول قول من أباه لا غرم على الزوج؛ لطلاقه له مطلقًا، وإن كان في

ص: 364

القطع ضرر، ولا عيب بعده؛ فالخيار لها، إن رضيت؛ سقط مقاله، وإلا فلا غرم لطلاقه، وعكسه له جبرها عليه أو الطلاق ولا غرم.

وللشيخ عن محمد وابن حبيب مثله.

المتيطي عن الباجي: تؤجل المرأة لعلاج نفسها من الجنون والجذام والبرص، وداء الفرج، وأشار إليه ابن حبيب في علاج الرتقاء.

قال الباجي: وأجلها في الجنون والجذام سنة، وأما الرتق؛ فبالاجتهاد، وفي طرر ابن عات: أجل ابن فتحون في داء الفرج شهرين في وثائقه فانظره.

قلت: نظرتها؛ فلم أجده فيها.

الشيخ عن محمد عن أصبغ: إن طال تمتعه بها أيام العلاج كأمد العنين في علاجه ككثير الأشهر المقارب للسنة؛ فلها كل المهر، ومثله لابن حبيب.

وزاد: إن فارق بعد الشهر أو الأشهر وقال: تربصت رجاء العلاج، فإن أشهد على قوله هذا أول ما رآه، وأنه لا يتلذذ منها بشيء قبل قوله، فإن ادعت عليه تلذذه بها حلف، وإن لم يشهد بذلك، وفارق بعد شهر أو نحوه، وأنكر علمه عيبها حين بنى غرم نصف المهر، وإن قال: لم أعلم إلا اليوم، وكان يخلو بها؛ فالقول قولها مع يمينها أنه رآها، ولو تنازعا في برص بموضع يخفى على الرجل؛ صدق مع يمينه أنه لم يره، وإن كان بحيث لا يخفي؛ صدقت مع يمينها.

المتيطي عن بعض الموثقين: إن قالت: علم عيبي حين البناء وأكذبها، وذلك بعد البناء بشهر ونحوه؛ صدقت مع يمينها إلا أن يكون العيب خفيًا كبرص بباطن جسدها ونحوه؛ فيصدق مع يمينه، وهذا ما لم يخل بها بعد علمه عيبها، فإن فعل؛ سقط قيامه، وإن نكل حيث يصدق؛ حلفت وسقط خياره، ولو أنكرت دعواه عيبها، فما كان ظاهرًا كالجذم والبرص يدعيه بوجهها أو كفيها أثبت بالرجال، وما بسائر بدنها غير الفرج بالنساء، وما بالفرج في تصديقها، وعدم نظر النساء إليه، وإثباته بنظرهن إليه قولا ابن القاسم مع ابن حبيب، ونقل بعض الأندلسيين عن مالك، وكل أصحابه غير سحنون وابن سحنون عنه مع أبي عمران عن رواية علي قول ابن لبابه، ونقله عن مالك وأصحابه، ونقل حمديس وابن أبي زمنين رواية ابن وهب مثل قولها في نظر

ص: 365

النساء للفرج.

المتيطي: في نكاحها الأول: ما علم أهل المعرفة أنه من عيوب الفرج؛ ردت به، فإن كان استدلال ابن أبي زمنين بهذا؛ رد لإمكان تقارر الزوجين على صفته، ثم يسأل عنه أهل المعرفة، وعلى الأول قال ابن الهندي: وتحلف، وقاله الشيخ أبو إبراهيم، ولها رد اليمين على الزوج قال: ورأيت من مضى؛ يفتي به.

ابن حبيب: إن أتى الزوج بامرأتين شهدتا برؤية داء بفرجها، ولم يكن عن إذن الإمام قضى بشهادتهما، فإن قيل: منعهما من النظر يوجب كون تعمدهما نظره جرحه، قيل: هذا مما يعذران بالجهل فيه.

قال أبو محمد: أخبرني أبو بكر عن سحنون أنه قال: ابن القاسم يقول: لا ينظر إليها النساء في عيب الفرج، وقال: ترد به فكيف يعرف إلا بنظرهن.

قلت: عمل المانع من نظرهما حق المرأة في عدم الاطلاع على عورتها، فشهادتهما الغالب كونها بتمكينها إياهما ذلك؛ فلا يتوهم.

قلت: فلا يتوهم كونه جرحه.

وفي تكليف الخصم أكرًا لا يقدر على تحصيله إلا من قبله يبين به صدقه أو كذبه خلاف مذكور في تكليف من أنكر خطأ نسب إليه هل يكلف الكتب ليقين صدقه أو كذبه.

المتيطي وغيره: قال بعض الأندلسيين عن أبي المطرف: صفة نظرهن للفرج في قول سحنون: أن تجعل المرأة مرآة أمام فرجها، وقد فتحت فخذيها دون سراويل وتجلس امرأتان خلفها تنظران في المرآة تقولان لها: افتحيه بيدك، فإن نظرن فيه شيئًا؛ شهدن به.

قلت: ظاهر الرواية عن سحنون نظرهن للفرج نفسه.

وقال الشيخ عز الدين ابن عبد السلام: أنه لا فرق بين النظر لنفس العورة، والنظر لمثالها في مرآة.

اللخمي: وترد بكونها عيوطة وهي التي تحدث عند الجماع، ولها رد الزوج بذلك، ونزلت زمن أحمد بن نصر صاحب سحنون لا المتأخر، ورمى كل من الزوجين

ص: 366

به صاحبه، فقال أحمد: يطعم أحدهما تينًا والآخر فقوسًا.

قلت: هذه الكلمة كذا وجدتها بالعين المهملة، ثم بالذال المعجمة، ثم الياء باثنتين من أسغل، ثم الواو ساكنة، ثم الطاء المهملة، ثم تاء التأنيث كل ذلك بصورة الحروف، وكذا رأيتها في قانون ابن سينا في الطب.

وقال الجواليقي: تقول العامة: العضروط لمن يحدث عند الجماع؛ وإنما هو العذبوط بكسر العين وفتح الباء بواحدة من تحتها والذال والواو ساكنتان، والعذروط الذي تقوله العامة هو الذي يخدمك بطعامه، وجمعه عذاريط وعذارطة.

قلت: الكلمة التي صوب وجدتها كذلك في المحكم والصحاح لفظًا ومعنى، والتي تعقب لم أجدها في المحكم، ولا في الصحاح إلا قول صاحب المحكم: العضارطي الفرج الرخو، والعضروط الخادم بطعام بطنه، وأما بالياء باثنين من أسفل؛ فلم أجدها في كتب اللغة بحال.

الشيخ في الواضحة عن أصبغ: إن قال امرأة مقعد إنها تمكنه من نفسها، فيعجز وقال: هي تمنعني؛ صدقت مع يمينها، ويؤجل كمعترض، ولو جعل الإمام قربهما امرأتين إن سمعتا امتناعها أمر بها، فربطت وشدت وزجرها، وأمرها أن تلين له؛ فذلك أحسن.

قلت: كذا وجدته، ولعل معناه: تقديم الزجر دون ربط عليه، وألزم اللخمي قول ابن القاسم: ترد بيسير البرص؛ لأنه لا تؤمن زيادته، ردها بأوائل الذبول؛ لأنه معلوم تناهيه للموت.

قال فيه ابن عبد السلام: هذا بعيد لخفة التأذي بأوائل الذبول، وقوة رجاء برئه، وهما معدومان في أوائل البرص.

وفيها: إن وجدها سوداء أو عوراء أو عمياء؛ لم ترد، ولا ترد بغير العيوب الأربعة إلا أن يشترط السلامة منه.

قلت: فإن شرط أنها صحيحة، فوجدها عمياء أو شلاء أو مقعدة أيردها بذلك؟.

قال: نعم إذا اشترطه على من أنكحه إياها لقول مالك فيمن تزوج امرأة، فإذا هي لغية إن زوجوه على نسب؛ فله ردها وإلا فلا.

ص: 367

اللخمي: اختلف في علة قصر عيبهن على الأربع، قيل: لقول عمر: ترد من الجنون والجذام والبرص، ولقول علي رضي الله عنه بذلك وبالقرن، وقيل: لأن ذلك لا يخفى،.

روى محمد: لا ترد بالسواد، ونحوه قول ابن حبيب: لا ترد من العمى والقعد والشلل والعرج؛ لأنه ظاهر، والخبر عنه يفشو أو هذا منهما تسليم أن للزوج الرد بهذه العيوب إن بان جهله بها؛ كالطارئ يتزوج قرب قدومه، ولم يسمع بذلك الجيران أو اعترفت الزوجة أنه لم يعلم، وهي ممن يصح اعترافها؛ لأنها ثيب أو بكر معنس، وأرى إن بان أنها صغيرة بنت خمس سنين، وشبه ذلك مما يمتنع وطؤها أنها كالرتقاء إن كان صبره إلى بلوغها الوطء ضررًا عليه، وإن لم يضر به؛ فلا مقال له.

وفي الموازية: لا ترد بأنها عجوز، ولو بلغت في السن والفناء، وقام للزوج دليل على جهله ذلك؛ لكان له ردها؛ لأن العادة فيمن بلغ ذلك أن لا يتزوج؛ فهو كالشرط.

ابن حبيب: ترد من السواد إذا كانت من أهل بيت لا سواد فيهم وهو الشرط، كذا ذكره اللخمي بشرط كونها من أهل بيت لا سواد فيهم، وكذا ابن فتحون، ولابن رشد في رسم يوصي من سماع عيسى ما نصه: ابن حبيب يرى رد السوداء والقرعاء وإن لم تقر بذلك لا كالعيوب الأربعة.

عبد الحميد: انظر لو كان بكل منهما عيب كعيب صاحبه.

قلت: الأظهر أن لكل منهما مقالًا كمتبايعي عرضين بان بكل منهما عيب.

عبد الحميد: ولو كان بكل منهما عيب غير عيب صاحبه، فقال بعض أهل النظر: لكل منهما الخيار.

الشيخ: روى محمد: ليس على الولي أن يخبر بعيب وليته، ولا بفاحشتها إلا العيوب الأربعة، أو أنها لا تحل له لنسب أو رضاع أو عدة.

وسمع ابن القاسم: لا ينبغي لمن علم لوليته فاحشة أن يخبر بها إذا خطبت.

ابن رشد: لأن من تزوج امرأة، فاطلع على أنها كانت أحدثت؛ لم يكن له ردها بذلك.

وفي الموطأ: أن ردلاً أخبر من خطب وليته أنها أحدثت، فضربه عمر أو كاد

ص: 368

يضربه.

وقال مالك: وللخبر، ولا يجوز له أن يخبر من عيبوها بما لا يوجب الرد من العور والسواد وشبهه، ورواه محمد.

والنكاح بخلاف البيع لا يجوز فيه كتم ما يكرهه المبتاع في المبيع؛ لأنه مكايسة والنكاح مكارنة.

ودليل الشرط واضح، وفي غيره المعتبر ظاهره.

المتيطي: قولنا: صحيحة في عقلها سليمة في جسمها؛ احتياط للزوج إن وجدها عمياء أو سوداء أو شلاء أو ذات عيب في جسمها؛ فله ردها.

قلت: في دلالة: (سليمة في جسمها) على نفي سوادها نظر.

المتيطي: اختلف إن قال: صحيحة في جسمها؛ فقيل: هو كشرط السلامة من كل عيب.

وحكى عبد الحق وغيره عن الشيخ: أنه لا يوجب له ذلك، ولو قال بدل:(صحيحة)(سليمة)؛ فله الرد بكل عيب.

قال الشيخ: وبه نفتي كفتوى علمائنا به.

المتيطي: نحوه قول اللخمي: إذا شرط السلامة؛ فله الرد متى وجدها عمياع قولاً واحدًا.

قال بعض الموثقين: أصل هذه اللفظة في كتاب الأيمان بالطلاق عن المدونة.

المتيطي: أصلها قولها في النكاح الثاني: لا ترد إذا وجدت عمياء أو عوراء أو مقعدة أو قطعاء أو شلاء أو ولدت من زنىً، ولا من شيء سوى العيوب الأربعة إلا أن يشترط السلامة مما ذكرنا، ولأبي عمران عن الدمياطي عن ابن القاسم: لا رد له في غير العيوب الأربعة ولو شرط السلامة.

ابن العطار: قولنا: صحيحة الجسم؛ تقوية للعقد لمنع نكاح المريض، وللعاقد إسقاطه؛ لأن الأصل الصحة.

ص: 369

قلت: شرط السلامة مطلق كلفظ سليمة مطلقًا عن ما هي منه سليمة، ومقيد كسليمة من كذا، فلعل قول اللخمي: قولاً واحدًا؛ في المقيد، ورواية الدمياطي في المطلق، فتكون خلافًا لنقل الشيخ دون نقل اللخمي، وهو الأظهر.

اللخمي: اختلف في كون قول الولي: سالمة؛ دون اشتراط في الموازية: إن قيل للخاطب: قيل لي: ابنتك سوداء فقال: كذب قائله؛ بل هي بيضاء، أو قال: ليست عمياء ولا عرجاء؛ فوجدها كذلك؛ فله الرد؛ لأنه غره.

أصبغ: هو كالشرط، ولابن القاسم في الأول من الموازية: إن رفع الولي في المهر، فأنكر عليه الخاطب فقال: لأن لها كذا رقيقًا وعروضًا، فيصدقها ما سأل، ثم لا يجد شيئًا لا مقال له، والمهر له لازم، كما لو قال: بيضاء جميلة شابة؛ فيجدها بخلاف ذلك لا مقال له ما لم يشترط فيقول: أنكحها على أن لها كذا، أو على أنها بيضاء أو شابة، فألزمه ابن القاسم مرة وأسقطه، وأراه الشرط لمقارنته للعقد، ولو قاله أجنبي بحضرة الولي فلم ينكره؛ لزمه.

قلت: سمع عيسى ابن القاسم: من قال للولي: أخاف كون وليتك سوداء أو عمياء أو عوراء، فقال: هي برية من ذلك؛ له ردها بذلك.

قال: نعم إذا شرط له ذلك، قاله مالك.

ابن القاسم: وكذا لو خطب، فقال لوليها: قيل لي: وليتك سوداء، فقال: كذب من قاله هي البيضاء الكذا؛ فذلك شرط له الرد به.

أصبغ: مثله من سام جارية وقال: لا تطبخ ولا تخبز، فقال ربها: هي تطبخ وتخبز، أو يقول: ليست بعذراء؛ فيقول: هي عذراء.

ابن رشد: لا خلاف إن أجاب الولي الخاطب عن قوله: قيل لي: وليتك سوداء أو عوراء بقوله: كذب من قاله؛ بل هي البيضاء الكذا؛ أن ذلك شرط يوجب ردها إن وجد بها بعض ذلك؛ إنما الخلاف إن وصفها الولي عند الخطبة بالبياض، وصحة العينين ابتداءً بغير سبب، وهي سوداء أو عوراء، ففي لغوه وكونه كشرط قولا محمد مع أصبغ ويحيى عن ابن القاسم وغيرهم، وعليه إن علم قبل البناء؛ فله ردها، ولا غرم عليه وبعده في رجوعه بالزائد على مهر مثلها عليها أو على وليها ما لم تكن ثيبًا عالمة كذب

ص: 370

وليها، فيرجع عليها قولا عيسى ابن دينار مع ابن وهب وابن حبيب.

ولابن القاسم في الدمياطية: لو قال له غير الولي الذي زوجها: أضمن لك أنها ليست سوداء، ولا عوراء، ولا عرجاء، فوجدها بخلاف ما ضمن؛ لرجع عليه بما زاد على مهر مثلها وليًا كان أو غيره، ولو شرط أنها عذراء دون شرط عليه؛ لجرى على الخلاف فيمن وصف وليته بالجمال أو المال، وفي كون أنها بكر شرط كذلك ولغوه نقل ابن فتوح عن المذهب مع ابن العطار، ونقل ابن عات عن أصبغ قائلًا: إلا أن يشترط عذراء مع جماعة من المتأخرين والمتيطي عن رواية ابن حبيب، وأشهب في العتبية، وابن عبد الرحمن، وعليه قال المتيطي وابن فتحون عن الباجي: لو بان أنها ثيب من زوج؛ فله الرد.

ابن عات: قال ابن عبد الغفور عقب ذكره قول ابن العطار: قال المشاور: ويرجع على الولي في هذا؛ لأنه لا ينبغي أن يخبر بذلك أحدًا، فصار متعديًا على المرأة بشرطه ذلك عليها إن علم ذلك منها بفاحشة.

قلت: كذا نقل ابن عات عن أصبغ، وفي سماعه ابن القاس في العتبية: سألت أشهب عمن تزوج امرأة على أنها بكر، فوجدها ثيبًا، وأقر أبوها أنها كانت تكنس البيت، فنزل بها شيء أذهب عذرتها، ورد على الزوج مهره؛ قال: يرجع الأب فيأخذ ما رده للزوج، ولا شيء له.

قال أصيغ: لا يعجبني هذا؛ لأنه إن كان شرطا عليه نكح كشرط البياض، وصحة العينين، وأن لها مالًا؛ فله الرد، وإن لم يكن اشتراطًا في العذرة، فقد دفعه الأب طائعًا؛ فلا رجوع له بالحمالة ولا يصدق، ويحمل على أنه أراد الستر منه؛ لأن ذلك يكون به فرقة، وترجع به المرأة على أبيها إن أخذه منها وأعطاه إياه.

ابن رشد: الشرط في النكاح هو أن يتزوجها على أنها على صفة كذا، أو على أنها لها كذا له الرد بقوت الشرط اتفاقًا، وإنما قال أشهب: تلزمه ولا رد له؛ لأن البكر في اللسان من لم يكن لها زوج، ولو لم تكن لها عذرة، فلم يعذره بالجهل، وألزمها إياه حتى يشترط بكرًا عذراء.

ص: 371

قال ابن لبابة: أو يقع في الشرط بيان كقوله على أنها بكر، فإن لم تكن بكرًا رددتها.

قلت: في دعواه البيان بقوله: على أنها بكر؛ وقبوله ابن رشد نظر؛ لأن لفظ البكر، كما لم يدل على عذراء مثبتًا؛ لم يدل عليه منفيًا ضرورة أن النفي لا يغير ما وضع اللفظ له.

ابن رشد: نحوه قول نوازل سحنون من كتاب العيوب: من اشترى عبدًا قال لبائعه: أبه عيب؟

قال: هو قائم العينين؛ فابتاعه، وسأل عن قائم العينين، فقيل: الذي لا يبصر؛ البيع لازمٌ، ولا رد له، ورد الأب المهر إن شرط الفراق لم يتبع به الزوج؛ لأنه عوض وتتبع البنت أباها به؛ لأنه أتلفه بغير حق، وإن رده على بقائها في عصمته؛ رجع به عليه؛ لأنه عذر بالجهل في خطئه في مال ابنته أولا على قول ابن القاسم: لا تجوز هبة الأب مال ابنه الصغير، وعلى قول الأخوين بإمضائها، ويغرم الأب عوضها إن عذر بالجهل؛ فله الرجوع على الزوج وإلا فلا، ويغرم ذلك لابنته، وإن رده على غير بيان، فحمله أشهب على غير الفدية، فأوجب للأب الرجوع على الزوج بما رد إليه، وحمله أصبغ على الفرقة، فأمضاه للزوج، ويغرمه الأب لابنته، وهذا كله على عدم حمل أنها بكر على شرط العذرة، وأما إذا حمل عليه، فرد الأب ماضٍ، ولا غرم عليه لابنته، ولا بيان في قول أصبغ على ما يحمل الشرط من ذلك هل على مقتضى اللسان، أو على ما يعرفه الناس أنها العذراء؟.

قلت: قوله: لا بيان في قول أصبغ خلاف نقل ابن عات عنه أنه على مقتضى اللسان، وهو ظاهر من قوله؛ لأنه في العتبية قسمه للأمرين، وما انقسم لأمرين لا دلالة له بذاته على أحدهما بعينه.

المتيطي: في الرجم من المدونة لمالك: إن ظهر بامرأة قبل البناء حملٌ، أنكره زوجها وصدقته بأنها زنت، وأنه ما وطئها حدت، ولا يلحقه الولد، ولا لعان فيه.

ابن القاسم: وهي زوجته إن شاء الله طلق أو أمسك.

المتيطي: فقول ابن القاسم يدل على أنه لا قيام له بالعيب إلا أن يقال: أنه لم يطلبه.

قلت: الأظهر الأول؛ لأنه حادث بعد العقد أو محتمل الحدوث.

ص: 372

قال غير واحد: ولا حد على من ادعى أنه وجد امرأته ثيبًا؛ لأن العذرة تذهب بغير جماع.

ابن رشد: إن أعاد ذلك عليها في عتاب أو بعد مفارقتها بسنين أنه ما أراد قذفًا، ولا حد عليه، قاله مالك وابن القاسم في المدنية.

ابن الحاج: عن أبي عبد الله بن فرج: إن قال: وجدتها مقتضة حد، وإن قال: وجدتها بكرًا؛ لم يحد.

ابن فتوح وابن فتحون والمتيطي: ينبغي لأولياء المرأة تذهب عذرتها بغير جماع أن يشيعوا ما نزل بوليتهم ويشهدوا به؛ ليرتفع عنها العار عند نكاحها.

قلت: إنما يرتفع عارها إن نزل ذلك بها، وهي في سن من لا توطأ، أو كانت سقطتها بمحضر جمع، وينبغي أن يثبت ذلك بشهادة ذلك الجمع، ولو كان ذا سترة قاصرة عن التعديل أو نساء.

ابن فتوح: يشهد أبوها فلان ابن فلان أنه كان من قدر الله أن ابنته فلانة الصغيرة في حجره سقطت من كذا، أو وثبت، فسقطت عذرتها.

زاد ابن فتحون: وكذا الأخ.

قالا: فإذا زوجها وليها؛ لزمه إعلام الزوج بذلك، فإن لم يعلمه بذلك جاء القولان في شرط البكارة.

المتيطي: وعلى ردها بالثيوبة إن أكذبته في دعواه أنه وجدها ثيبًا، فله عليها اليمين إن كانت مالكة أمر نفسها، أو على أبيها إن كانت ذا أب.

ابن حبيب: ولا ينظرها النساء، ولا تكشف الحرة في هذا.

ابن لبابة: هذا خطأ، وكل من يردها بالعيب؛ يوجب أن يمتحن العيوب بالنساء، فإن زعمت أنه فعل ذلك بها؛ عرضت على النساء، فإن شهدن أن الأثر بها يمكن كونه منه وتبين؛ حلفت، وإن كان سيدًا وردت.

قيل: دون يمين على الزوج.

وقال ابن سحنون عنه: لا بد من يمينه.

وفي قبول تصديقها له وهي في ولاية أبيها قولا ابن حبيب وابن زرب قائلًا: لأن

ص: 373

مالها بيد أبيها.

قلت: والأول؛ لأنه أمر لا يعلم من غيرها؛ فلها نظيره في إرخاء الستر.

الشيخ عن الموازية: ما حدث بالمرأة من عيب بعد العقد لغو هو نازلة بالزوج وهو تقبل غير واحد عن المذهب.

ونص ثاني نكاحها: أن تجذمت بعد النكاح حتى لا تجامع معه، فدعته للبناء.

قيل له: ادفع المهر وابن وادخل أو طلق.

ابن شاس: في كونه عيب الرجل كذلك في إيجابه المهر قولان في العيوب الأربعة.

وفي البرص: ثالثها: فيما أمنت زيادته، ورابعها في يسيره.

وفيها: مع سماع عيسى وغيره: إن زوج بعيب، ولم يمنها؛ فلاعن زمانه في المهر.

وفيها: عن عمر رضي الله عنه: من نكح امرأة، وبها جنون أو جذام أو برص فمسها؛ فلها مهرها بما استحل من فرجها، وكان ذلك لزوجها؛ غرما على وليها.

ابن القاسم: قال مالك: إنما يرجع به على وليها إن كان أباها أو أخاها، أو من يرى أنه يعلم ذلك فيها، وإن كان ابن عم أو مولى أو السلطان؛ فلا غرم عليها، وزاد المرأة بالخدمة إلا ما تستحال به.

وسمع أصبغ ابن القاسم: من وجد امرأته ضررًا برواية بعد منها، ووليها قريب القرابة؛ يريد: ممن يعلم، وإنما رجع الزوج عليه بكل مهر، ولاتباعه للولي عليها، ولا للزوج في عدمه؛ لأنه غرة دونها ليس عليها أن تعلم بدائها، ولا ترسل إليه به، وقاله أصبغ: والثيب والبكر سواء إن كان الولي ممن يحمل على القلم.

ابن رشد: قريب القرابة هو الأب والابن والأخ قاله مالك في موطئه، وابن حبيب في واضحته في العيوب الأربعة حتى داء الفرج الخفي.

علي: وكما هو قوله في السماع هو بما تردده، وقاله ابن حبيب في واضحته، وقول أصبغ: الثيب والبكر سواء؛ صحيح؛ لأن أمر البكر للأب، وتوكيل الثيب وليها على إنكاحها توكيل على إخباره بما علم موصيها، فإذا أكتم؛ فهو غارم.

ولابن حبيب: إن كان معدمًا رجع الزوج على الزوجة المؤسرة.

فإن كانا معدمين؛ قيل: أو كان يسيرًا ولا رجوع لمن عذر منهما على الآخر، ووجد

ص: 374

رجوعه عليها لعدمه، وإن كان ثمن الزوج أن المهر حصل لها بغير حق؛ فلا يترك لها إلا ما يستحيل به إن كانت توجب به جهات الرجعة منها إما باليسير فيه؛ إذ ليست متصلة به بخلاف إن كانت هي الغاز، ووجب فوقها على ما ذكره ابن حبيب، ولو كان للأب أو الأخ غائبًا غيبة طويلة يخفى عليه في مثلها خيرها، ومعرفة عيبها؛ فقال ابن حبيب: يحلف ما علم به، ولا غرم عليه؛ بل عليها.

وقال أشهب: يغرم كما يغرم في البرص بالمكان الخفي، وسائر الأولياء لا غرم عليهم، ومحملهم الجهل به حتى يثبت منهم، ومن اتهم منهم يعلم أحلف، قاله ابن حبيب؛ يريد: فإن نكل؛ غرم، فإن حلف؛ غرمت المرأة.

وفي الموازية: لا يمين عليه إلا أن يدعي الزوج علمه ليحلف، فإن نكل؛ غرم بعد أو من الزوج، فإن نكل للزوج أو حلفه المولى، فسقط عنها للغرم، بطل رجوعه على المرأة.

قال فضل: هذا قيد على أصولهم؛ يريد: لأن إبراء المرأة بدعواه علم الولي والولي إذا علم سر دونها؛ إذ هي العاقد الواجب عليه.

ولو زوجها بحضرتها وكتما معًا؛ كانا غارمة يتبع الزوج أنهما شاء إن غرم لا ولي رجع عليها، وإن أغرمها؛ لم ترجع حلفه.

وقال بعض المتأخرين: محمل كل الأولياء على العلم بالجنون والجذام؛ لأن الخبر بذلك لا يخفى عن الخيار فضلًا عن الولي؛ وهو ظاهر قول عمر رضي الله عنه: لم أرتجل زوج امرأة بها جنون أو جذام منها؛ فلها مهرها كاملًا، ويغرمه وليها لزوجها.

قال: هذا المتأخر، وكذا الأبرص الوجه والذراع والساق، وما عين يستره الثوب، فيحمل على العلم به الأب والابن والأخ فقط، وعيب الفرج إن كان لا يخفى على الأمر من التربية حمل على علمه دون غيره، فإن كان يخفى عليها لو يحمل الابن على علمه، فجعل العيوب أربعة معلوم لكل الأولياء: الجنون، وما ذكره معينة ومجهولة، سوداء الفرج الخفي، ومعلوم للأب فقط، أو الفرج الظاهر للأم، ومعلومة الأب والابن والأخ البرص مما يظهر من البدن.

ص: 375

وحكى فضل في داء الفرج الخفي عن عيسى بن دينار: أنه لا يرجع به إلا على المرأة، ويعينه للعتبية، ولم يقع له ذلك عندنا.

قلت: الظاهر أنه أراد ببعض المتأخرين للخمي، وظاهر نقله عنه: أنه إذا كان مما لا يخفى على الأم حمل الأب على العلم به مطلقًا، وليس كذلك.

قال اللخمي: إن كان مما لا يخفى على الأم والأب ممن يخبر به؛ حمل على العلم به، وإن كان ممن له القدر، ولا يحب أن يذكر ذلك عن ابنته؛ حمل على الجهل، وكذلك إن حلفت الأم من نفاسها أو ثبتها عم ماتت، وثبت عدوله بعده، وبنى ظاهر قول ابن الحاجب إن كان كابن عم؛ ففي تحليفه قولان وجوه القول بتحليفه، فإن لم يتهم؛ فهو خلاف ما تقدم لابن رشد ونقل ابن شاس.

الصقلي عن محمد: حيث يجب غرم الولي إن كان بعض المهر مؤجلًا؛ لم يغرمه للزوج إلا بعد غرمه.

قلت: هذا بين إن لم يختر فلسه، وإلا يتقضي الأصول كذلك؛ كمبتاع سلعة بثمن لأجل استحقت قبله وبائعها يخشى فلسه إليه.

قال محمد: لو زوج أخ أخته البكر بإذن أبيه؛ فعليه يرجع، ولو كانت ثيبًا؛ فعلى الأخ.

وسمع عيسى ابن القاسم: من زوج ابنته على أنها صحيحة، فتجذمت بعد سنة أو نحوها، فقال الأب: تجذمت بعد النكاح، وقال الزوج: قبله؛ فعليه البينة، والأب مصدق؛ لأن زوجه ذا تيمنه، ورواها أصبغ.

ابن رشد: إنما يصدق الأب إن تداعيا بعد البناء، وقيل: القول قول الزوج مع يمينه، وعلى الأب البينة، كما أن القول قول المبتاع في عيب عبد ظهر قبل قبضه يحتمل الحدوث والقدم، وبينا هذا في سماع سحنون في كتاب التخيير والتمليك.

وقوله: القول قول الابن لم يبين هل يحلف، وكيف يحلف؟ ولا حكم نكوله، وحكم ذلك كالبيع لا بد من يمين الأب، وينبغي كونها على العلم؛ لأنه مما يخفى، ولو كان ظاهرًا الابن لإمكان كونه يوم العقد صبيًا؛ لأنه يريد إلا أن يشهد أو مثله لا يكون يوم العقد إلا ظاهر أنه يحلف على البت، فإن نكل؛ حلف الزوج، فكان له أمر؛ قيل:

ص: 376

على العلم في وجهين، وقيل: على نحو ما وجبت على الأب هذا مشهور المذهب به يمنع يحيى كل الأيمان في ذلك على البنت والأخ كالأب وغيرهما من الأولياء لا يميمن عليه؛ بل عليها، قال ابن حبيب، وهو صحيح.

قلت: تفسيره قول: صدق بأنه يمين خلاف قوله في أجوبته: أنه مهما أطلق صدق، فحمله على عدم اليمين بخلاف قيل: قوله: وما أقال عليه هو سماع سحنون ابن القاسم: من صالحت زوجها على عبد، فظهر به عيب أو مات، فقالت: مات وحدث بعد الصلح، وأنكر الزوج؛ فعليها البينة، فإن ثبت موته بعده؛ فلا عهدة فيه.

ابن رشد: اعتراض بعض أهل النظر قوله: عليها البينة، وقال: هذا خلاف أصولهم في أن ما أنكر حدوثه من عيب القول فيه قول البائع غير صحيح الغيب كالموت إذا وجد به قبل القبض؛ لأن ذهاب البعض كالكل.

وخص ابن حبيب على ذلك، وفرق بين وجود العيب الذي يقدم ويحدث قبل القبض أو بعده.

قلت: الفرق بين الموت والعيب: أن الموت يمنع تقرر ماهية البيع؛ لامتناع تصوره دون مبيع، فالأصل عدم تقرره، فكان القول قول المشتري، والعيب لا يمنع تقرره؛ فهو حاصل، والأصل العلامة؛ فكان القول فيه قول البائع، وتمسكه بتفرقة.

ابن حبيب: معارض بظاهر تسوية المدونة بين القبض وعدمه.

الشيخ: روى محمد: من ظهر على عيب بامرأته يوجب ردها بعد طلاقها لا يرجع بشيء من مهرها، ولو كان قبل البناء، ويغرمه إن لم يكن دفعه.

ولو مات أحدهما قبل الفراق، وعلم العيب توارثا، وثبت المهر، وكذا في الواضحة وسماع ابن القاسم.

قلت: في كتاب العدة: سمع ابن القاسم: من طلقت أو ماتت أو اختلعت قبل علم الزوج عيبها؛ فلا شيء له.

سحنون: ويرجع بالمهر على من غرم، ولو كانت؛ رجع عليها لا ربع دينار.

ابن رشد: لا شيء له في موتها اتفاقًا؛ لأن بموتها وجب له إرثها كالتي لا عيب بها فهو كمن ابتاع عبدًا علم بعيبه بعد زواله.

ص: 377

قلت: لو كان موت المرأة؛ كزواله لزم في العبد.

وفي الجواب: بأن غرثها؛ كبناء بها، والإرث لا أثر لعيبها فيه، فصار كمعيب زال عيبه نظر؛ لاحتمال كونها ذمية أو أمة، وبأن معنى الإرث في العبد حاصل، ولو كان كافرًا.

ابن رشد: وأما الطلاق لغني قول سحنون فيه: أنه إن كان قبل البناء رجل بكل المهر على غره، ولو كانت؛ وإنما يترك لها ربع دينار إن كان بعد البناء، وفي حلفه يرجع على من غره بتمام ما نقص الخلع عما يجب له في الطلاق وجه قول مالك القياس على من علم بعيب عبد ابتاعه بعد بيعه، وقول سحنون: على من علمه بعد بيعه من بائعه.

قلت: هذا في الخلع واضح، وأما الطلاق؛ فهو كهبته بائعه يوجب رجوعه بما بين مهري مثلها سليمة، ومعيبة من مهرها.

قال ابن عبد السلام إثر ذكره قولي مالك وسحنون ما نصه: أصل المسألة في المدونة مختلف فيه للشيوخ تنازع في قيمتها أعني في رد كلامه بعضه لبعض هل هو خلاف أو فاق التعرض لذلك مما يلزق بالنظر في المدونة؟.

قلت: ظاهره: أن مسألة الطلاق قبل الاطلاع على العيب، فإن أراد ذلك؛ ففي جعله إياها أصلًا لمسألة الطلاق بعد، ولأن مسألة الخلع تأتي في فصله لابن الحاجب.

[الغرور في النكاح]

والغرور: إخفاء نقص معتبر بأحد الزوجين بذكر ثبوت نقيضه، أو تقرر عرف لثبوته، وهو موجب خيار الغرور، ولا مهر للفرقة به مثل القبلة مطلقًا.

ص: 378

ابن حارث: اتفاقًا في غير المعسر بالنفقة.

قلت: لأن الزوج مجبور على الفرقة باختيارها الزوجة أو بغرورها، أو بغرور وليها الزوج، وبعد البناء، والغرور الزوج رجوعه بالمهر، كما مر في العيب.

عياض: ظاهر نكاحها وصريح استحقاقها: أن رجوعه على من غره غير الزوجة بكل المهر، قاله سائر المختصرين والشارحين.

وقال بعض الشيوخ: يقول: للغار ربع دينار كالزوجة.

قلت: فيلزم في العيب أخرى.

وفيها: إن غرت من تزوجها في عدتها، فإن لم يعلمه أنها في عدة قال: بلغني عن مالك إن غره وليها، فبقي بها، ثم علم الزوج كذلك؛ فسخ نكاحه، ورجع بالمهر على من غره، فهذا إن غرته؛ رجع عليها إلا ما يستحب له.

في الجلاب: لو تزوجها في عدة جااهلًا، وبنى بها، ثم علم بها؛ فله ردها، وهو فمنزلته العيوب الأربعة، فاستشكله بعض شيوخنا.

الشيخ الفقيه المحصل أبو علي بن علوان: ولما ذكر القرافي قول الجلاب قال: قال الشراح؛ يريد في الرجوع بالمهر.

قلت: قوله: فله ردها باللام الظاهرة الدلالة في الاختيار قوى في استشكالها إلا أن تحمل على أنها بمعنى، والإنصاف إن كلامه مشكل، ولعل الموجب لذكره إياها في العيوب وقوعها في المدونة في ترجمة العيوب.

وفيها: لمالك: لو أخبر رجل رجلًا على أمة أنها حرة، وزوجها من غيره، ثم استحقت؛ فلا شيء على المخبر، وإن زوجه منها، ولم يعلمه أنه غير ولي؛ لرجع عليه بما

ص: 379

يغرم من المهر.

ابن القاسم: ولا أحفظه عنه، ولكن هو رأيي، ولو زوجه وأخبره أنه اعتبر ولي؛ فلا غرم عليه.

اللخمي: لأن الزوج دخل على فسخه بعقده غير ولي، وهذا إن كان مهرها أمة وحرة سواء، وإلا غرم الفار فضل مهرها حرة عليه أمة.

قلت: في غرمه الفضل نظر؛ لأن دخول الزوج على ما يوجب الفسخ إن منع تأثير الغرور في العزم؛ فلا غرم لشيء فضل ولا غيره وإلا غرم كل المهر، ولأنه إنما كان دخوله على الفسخ موجبًا لعدم الفار؛ لأن سيده حينئذٍ؛ فلا عقد نصًا؛ كقوله: دون عقده، وقد سلم في هذه المسألة عدم غرمه مطلقًا، وهو ظاهر لفظ المدونة في المسألتين.

قال اللخمي: وعدم غرمه إن لم يعقد له؛ لأنه غرور بالقول وفيه خلافه.

قلت: مثله في تضمين الصناع من المدونة وابن بشير يحكى في الغرم بالغرور بالفعل، والقول ثلاثة أقوال: ثالثها: في الفعل لا القول.

وفي أكرية الدواب والصناع: إن شاء الله تعالى استيفاؤه.

ولو غزت أمة حرًا بحريتها في نكاحها منه بعقد صحيح؛ فله البقاء بالمسمى لا بدونه.

اللخمي: أرى إن رضي بالمقام أن يحط عنه ما زاد في المسمى بمكان حريتها.

قلت: هذا غير ما تقدم؛ فهو نقص الثورة المشترطة، ولو بان غرورها بعد البناء، ففي كونه الوابج عليه؛ لها ربع دينار، أو مهر المثل أو الأقل منه، ومن المسمى رابعها: الأكثر منها، وخامسها: إن كان أصدقها ضعف مهر مثلها؛ فلها نصفا مهر أمة، ومهر حرة، وسادسها: المسمى.

للخمي عن نقل محمد مع ابن أبي حازم، ونقل ابن بشير والصقلي عنها، ونقله مع اللخمي عن ابن القاسم: إن كان المسمى أقل من مهر المثل يحمله لها، وأباه أشهب قائلًا: كما لو رضي بها طائعة.

ولسحنون عن غير ابن القاسم، وظاهر قول مالك الثاني فيها عندي: اللخمي ولابن القاسم في العتبية كأشهب، وقول ابن القاسم أحسن؛ لأن بيعها تلك المنافع

ص: 380

كبيعها خدمتها إن حلف؛ فلربها رد محاباتها، وليس كزناها؛ لأنه لو اغتصبها، أو زنت؛ لم يغرم مهرًا؛ بل ما نقصها، فإن لم ينقصها شيء؛ لم يغرم شيئًا، ولو كان النكاح كالزنى؛ لخير ربها في أخذ ما نقصها الوطء أو مهر المثل؛ كما لو وهبت خدمتها، فنقصت لذلك؛ لخير ربها في أجر المثل، أو ما نقصتها الخدمة، ومن قال: لها ربع دينار؛ رأى غرورها جناية، وإن كان فيه إذن من المجني عليه، فوضع عنه المهر.

وفي الموازية: مثله في العبد يدفع له ما يصنعه، فيتعدى عليه، فجعله جناية في رقبته.

وسمع سحنون ابن القاسم: إن غرت أمة من نفسها من تزوجها بضعف مهر مثلها، واستحقت بعد البناء؛ فسخ نكاحها، ولها مهر مثلها، وترد ما زاد عليه، ولو كان أصدقها ربع دينار، أو أقل من مهر مثلها، وكانت بكرًا فافتضها، وقيمة عذرتها أكثر من المسمى؛ فليس لها غيره إلا أن يصدقها أقل من ربع دينار، أو لم يصدقها شيئًا؛ فلها مهر مثلها.

سحنون: وقال غيره مثله إلا أنه قال: إن أصدقها ضعف مهر مثلها؛ أعطيت ما بين مهر أمة وحرة نصف مهر أمة، ونصف مهر حرة.

ابن رشد: قول ابن القاسم: لها مهر مثلها، ويؤخذ منها الفضل هو نص قول ابن القاسم فيها، وعليه ينبغي حمل قول مالك فيها، وإن كان ظاهره خلافه؛ إذ لا يصح أن يترك لها ما زاد على مهر مثلها وهي غارة، والقياس إن لم يراع حق سيدها أن لا يكون لها إلا ما يستحل به فرجها؛ كالحرة الغارة بعيبها، وقاله ابن أبي حازم، وإنما يستقيم أن لها مما أصدقها مهر مثلها على ما لابن القاسم في الموازية: أنه إن أصدقها أقل من مهر مثلها؛ كان لها تمامه لحق السيد، وتسويته بين أن لا يصدقها شيئًا، وبين أن يصدقها أقل من ربع دينار في أنها ترجع إلى مهر المثل يدل على أن النكاح بأقل من ربع دينار نكاح فاسد يفسخ قبل البناء، ويثبت بعده بمهر المثل، ولا خيار فيه للزوج مثل قول غيره فيها خلاف قوله فيها: وقيل: يفسخ قبل البناء، وقع في بعض روايات المدونة.

قلت: أخذه هذا يرد بأن ابن القاسم إنما قاله في هذه المسألة: الفاسد نكاحها لا من غير صور المهر عن ربع دينار، وهو تزويج الأمة دون إذن ربها.

ص: 381

وفيها: لمالك: من نكح امرأة أخبرته أنها حرة، فإذا هي أمة؛ أذن لها ربها أن تستخلف رجلًا على عقد نكاحها؛ فله فراقها قبل البناء دون غرم شيء من المهر، وإن دخل بها أخذ منها المهر الذي قبضته، ولها مهر مثلها، وإن شاء؛ ثبت على نكاحها بالمسمى.

قلت: أرأيت لو غرت أمة رجلًا بأنها حرة؟.

قال: قال مالك: لا يؤخذ منها المهر.

ابن القاسم: أرى إن كان أكثر من مهر مثلها؛ ترك لها مهر مثلها، وأخذ منها الفضل.

قلت: قوله: أولًا: يؤخذ منه المسمى، وقوله: ثانيًا: لا يؤخذ منها متناقض إلا أن يحمل الأول على أنه غير ما يقضى به في القيم؛ وهي العين، والثاني على ما يقضى به فيها.

وفي قوله: أرأيت، وجوابه نظرٌ؛ لأنه نفس المسألة التي قبلها.

ابن محرز: محمل قولها على أن تزويجه إياها على أنها حرة؛ ثبت ببينة، وإلا ففي تصديق الزواج أنه تزوجها على أنها حرة دون تصديق ربها في قوله: أنه تزوجها على أنها أمة أو السيد دون قولان لأشهب وسحنون.

قلت: لا يلزم تقييدها بأن شرطه كان ببينة؛ بل الصواب إطلاقها، فيؤخذ منها قول أشهب، وفي رد هذا بأن سحنون صاحب المدونة يقول بخلافه نظر.

وقول ابن الحاجب: تزويج الحر أمة، والحرة العبد دون بيان غرور واضح لقول أصبغ وسماعه ابن القاسم: من استحق أمة تزوجها حر، وولدت منه، فقال الناكح: ظننتها حرة؛ صدق دون بينة.

قال أصبغ: ولو أقر الزوج أنه تزوجها على أنها أمة، والفاشي أنها غرته بالسماع أو المأخذ أو الشك أو السبب؛ لم يصدق الأب؛ لأنه يدفع عن نفسه الغرم.

ابن رشد: هذا بين؛ لأن نكاحه إياها بإذنها دليل حريتها.

وقول أصبغ: لا يصدق الزوج أنه علم أنها أمة إذا كان ظاهر أمره أنه تزوجها على أنها حرة صحيح؛ لأن فداء ولده بالقيمة حق لله عليه لا له في قول مالك وكل أصحابه، فإن قلت: كون السكوت غرورًا يعارضه.

ص: 382

نقل المتيطي: عن الباجي في قول فضل: مما يجب على الثيب إذا طلبت السلطان أن يزوجها أن تثبت كونها حرة، هذا على قول أشهب، وغيره من أصحاب مالك: أن الناس حر وعبد، وعلى قول ابن القاسم: إن الناس أحرار لا يحتاجون لإثبات أنها حرة.

قلت: إنما قاله أشهب حيث لا دليل على رجحان الحرية، وهنا دليل الحرية قائم، وهو ما أشار إليه ابن رشد من استقلال المرأة والرجل بعقد النكاح؛ ولذا قال أشهب هنا: أن القول قول الزوج أنه على الحرية دخل، فإن قلت: نقل ابن محرز عن سحنون: القول قول رب الأمة أن الزوج؛ إنما تزوجها على أنها أمة خلاف ما قررتم أن ظهور الرق مع السكوت غرور.

قلت: ليس كذلك؛ لأن ما قررناه إنما هو بناءً على أن الغالب الحرية لا الرق، وهذا لا يعارضه قول سحنون؛ لأن قوله بناء على ترجيح الأصل على الغالب لا على أن الغالب الرق، وهذا لأن الأصل أن ولد الأمة ملك لربها باعتبار عينه لا قيمته، فجعل سحنون القول قول ربها بناءً منه على ترجيح الأصل على الغالب إذا عارضه، وهذا فيه خلاف مشهور لا على أن الغالب لرق.

وقول ابن الحاجب: بخلاف تزويج العبد الأمة واضح؛ لنص الشيخ والصقلي عن الموازية، ولقولها: إن نكح عبد حرة على أمة أو أمة على حرة؛ فلا خيار للحرة؛ لأن الأمة من نسائه.

وقوله: وتزويج الحر المسلم النصرانية؛ واضحٌ أيضًا؛ لأن الكفر إن كان عيبًا في النكاح؛ فهو قاصر عليها غير متعد لولدها، ولا ترد المرأة بغير أحد العيوب الأربعة، وتوجيهه ابن عبد السلام بقوله لحصول الأحسن للزوجة؛ ولذا قال الشيخ: روى محمد: من تزوج نصرانية؛ لم يعلم لا حجة له حتى يشترط إسلامها، أو يظهر، ويعلم أنه إنما تزوجها على أنها مسلمة، لما كان سمع منها، ولو غر مسلم كتابية بأنه مثلها؛ ففي خيارها في فراقه قولان لسماع عيسى ابن القاسم مع نقل ابن رشد عن الموازية، وعن رواية ابن نافع في المبسوط.

ابن رشد: الأول أظهر لا لأن الإسلام عيب؛ بل لأن لها في شرطها غرضًا كمشتري الأمة على أنها نصرانية؛ ليزوجها عبده النصراني، أو لحلفه لا يملك مسلمة له

ص: 383

ردها، ولو ظنته على دينها دون شرط؛ فلا حجة لها.

وسمع سحنون ابن القاسم: إن قالت حرة تحت مكاتب بعد سنين: لم أعلم حين نكحته أنه مكاتب؛ حلفت على ذلك ولها الخيار، ومن العبيد من هو في حاله، وتجره، ومنظره كحر، وهي امرأة في خدرها لا تعلم ذلك.

ابن رشد: تحلف إن ادعى علمها ذلك اتفاقًا، وتفارقه ولها المسمى بالمسيس، وهذه أقوى في إيجاب اليمين ممن قام بعيب في سلعة، فأراد البائع أن يحلفه ما علم بالعيب، ولم يدع أنه أعلمه به؛ فلا يدخل في هذه ما في مسألة العيب من الخلاف، وإن لم يدع علمها، وطلب تحليفها؛ تخرجت على الخلاف في يمين التهمة.

وقال ابن كنانة: إن تزوجها ببلده الذي يعرف به، وأمر كتابته فيه ظاهر معروف؛ لم يقبل قولها ما علمت ذلك؛ إنما يقبل قولها، وتصدق إن تزوجها بغير بلده، ولو كانت مكاتبة أو أمة وادعت أنها تزوجته، وهي تظن أنه حر؛ لم يكن لها شيء إلا أن تدعي أنه أخبرها أنه حر، وتزوجته على ذلك، فيحلف، فإن نكل؛ حلفت، وكان لها الخيار.

قلت: نحوه للشيخ والصقلي عن الموازية.

زاد عن أصبغ: ولا ينفعها إن قال: ظننت أن المكاتب حر.

وعن ابن حبيب: ولا إن قالت: جهلت أن لي الخيار.

وسمع ابن القاسم: إن تزوج عبد أبق ببلدة حرة، وقال لها بعد عشرين ليلة: إني عبد؛ فلا تخبري أحدًا؛ فأقامت معه، ثم ظهر عليه سيده، فأقر نكاحه، فعلم أبوها ذلك فقال: لك الخيار، فقالت: اشهدوا أني طلقت نفسي، فقال لها زوجها: ليس لك ذلك قد كنت علمت ذلك، فأقرت بذلك؛ أرى له أن يطلقها؛ لأنها طلقت نفسها، وما أقرت به لا أدري ما هو كأنه ضعفه.

ابن رشد: لا تصدق في إقرارها أنها علمت ذلك قبل طلاقها إياه؛ إذ لا بينة به، فتتهم على إرادة البقاء معه بعد طلاقها إياه، واستحبابه للزوج أن يطلقها إن علم صدقها فيما أقرت به؛ لتكون في سعة من نكاح غيره؛ إذ لا يجوز لها نكاح غيره على ما أقرت به؛ لأنها زوجه له؛ ولا يباح له البقاء معها؛ لما ظهر من طلاقها إياه، ولا أن يتزوجها قبل زوج إن كانت فارقته بثلاث، فطلاقه إياها لا يضره وينفعها.

ص: 384

قلت: مقتضى هذا التقرير وجوب طلاقه إياها إن كانت طلقتها إياه طلقة الثلاث أو ما دونها، ولم يرض بتزويجها مع رضاها به؛ لأن عدمه يوجب عليها ضرر منعها من تزويج غيره، ولا منفعة له في عدم طلاقها، ولا ضرر يلحقه به قياسًا على قاعدة وجوب ارتكاب أخف الضررين قياسًا أحرويًا، وعلى ما قاله ابن رشد في أجوبته: إذا تعارض ضرران؛ وجب رفع أشدهما، وعلى منصوص المذهب فيمن انهارت بئره، وخيف على زرعه التلف من العطش، ولجاره ماء هو غني عنه؛ أنه يجبر على إعطائه إياه.

وسمع أبو زيد ابن القاسم: من تزوج على أنه قرشي، أو من فخذ من العرب، فوجد من غيره، إن كان مولًى؛ فلها فراقه إن كان عربيةً، وإن كان عربيًا من غير القبيل الذي سمى؛ فلا خيار لها إلا أن تكون قرشية تزوجته على أنه قرشي، فإذا هو عربي أو تكون عربية تزوجته على ادعائه؛ فذلك لها.

ابن رشد: قوله هذا مضطرب؛ لأن قوله أولًا: إن كانت عربية؛ يدل على أنها إن كانت مولاة تزوجته على أنه قرشي أو عربي، فوجد مولى؛ فلا خيار لها، وإن كانت عربية تزوجته على أنه قرشي، فوجد عربيًا، فلا خيار لها، فلم ير لها على هذا خيارًا بشرطها إلا أن يوجد أدنى منها؛ ككونها عربية تزوجته على أنه عربي أو قرشي، فوجدته مولى، أو تكون قرشية تزوجته على أنه قرشي، فوجد مولى أو عربيًا.

وقوله أخيرًا: أو تكون عربية تزوجته على ادعائه؛ يريد: على أنه قرشي، فوجد عربيًا أن لها الخيار؛ خلاف قوله أولًا؛ إذ جعل لها الخيار إذا وجدته أدنى مما شرطت، وإن كان مثلها، ولم يجعل لها أولًا خيارًا إلا أن يوجد أدنى منها، ويلزم على قوله أخيرًا: إن كانت مولاة تزوجته على أنه قرشي، فوجد عربيًا أو مولى أو على أنه عربي، فوجد مولى أن لها الخيار، وهو أظهر على قياس قولهم: من ابتاع عبدًا على أنه من جنس، فوجده من جنس أدنى منه؛ أن له رده.

فتحصيله: إن وجدته أفضل مما شرطت؛ فلا خيار لها، وإن وجدته أدنى مما شرطت، وأدنى منها؛ فلها الخيار، وإن وجدته أدنى مما شرطت وهو أرفع منها أو مثلها، ففي خيارها قولان قائمان من هذه الرواية بيناه، وإذا وجب خيارها، فاختارت قبل البناء؛ فلا شيء لها من المسمى، وإن لم تعلم حتى بنى بها، واختارت؛

ص: 385

فهي طلقة بائنة، وولها المسمى، وحكم الرجل في اشتراط كونها قرشية أو عربية كما تقدم؛ يكون له الرد حيث يكون لها الخيار.

وولد الحر المغرور بحرية زوجته منها حر:

ابن رُشْد: القياس أنه رق لمالك أمه؛ لإجماعهم أن ولد الأمة من غير سيدها ملك له، وترك هذا القياس لإجماع الصحابة على حريته خلافاً لأبي ثور وداود في قولهم: أنه رقيق.

قُلتُ: إن ثبت إجماع الصحابة رضي الله عنهم؛ فقول أبي ثور وداود باطل؛ لأنه خلاف إجماع تقرر، والمعروف أخذ رب الأمة الأمة.

وفي الجلاب والرواية الأخرى: أخذه قيمتها، ولا شيء له في الولد، وعبر عنها المازري بقوله في الجلاب: رواية شاذة هي القضاء على الزوج بقيمتها.

وفي كون ولد العبد كذلك طريقان، الأكثر: ولده رقيق دون ذكر خلاف فيه.

فيها: إذ لابد من رقة مع أحد أبويه، فكان لمالك أمه، والعبد لا يغرم قيمته.

غير واحد عن محمد: ويتبع العبد من عزه بالمهر، ولا يتبع الغار به الأمة، وإن لم يغره أحد؛ رجع عليها بالفضل على مهر مثلها.

التونسي: كان يجب حرية ولده لشرطه ذلك، وما الفرق بينه وبين الحر؟.

والفرق بعجزه عن غرم قيمته، ويبطل بالحر العديم، وتوقع اليسر كتوقع العتق، والفرق بأن لربه إبطاله من ذمته غير بين.

قُلتُ: قوله: غير بين، والمرجو في الحر العديم يسره فقط، وفي العبد عتقه ويسره، والموقوف على أمر أقرب للوجود من الموقوف على ذلك الأمر وآخر.

ابن بشير وابن شاس: قيل: ولده حر، واستشكل صدق قولها؛ لابد من رقه مع أحد أبويه بأن اعتبار شرط حرية أنه يوجب حريته كاعتباره في الزوج الحر؛ إذ هو موجب حريته لا حرية أبيه؛ لأنها في الزوجة الأمة لغو، ويجاب بأن اعتبار الشرط في الحر؛ لم يوجب حريته لذاته؛ لأنه صدر من غير أهله؛ بل لأن الإجماع حكم للولد من الزوج المغرور بحكم ولد الأمة من سيدها لمكان شرطه، وولد الأمة من سيدها الحر حر، ومن سيدها العبد عبد لسيده، فإذا كان المغرور عبداً؛ لزم رق الولد مع أمه إن

ص: 386

ألغى الشرط، ومع أبيه إن اعتبر؛ فصدق لا بد من رقه مع أحد أبويه، فإن قلت: يلزم عليه إن كان المغرور ذا عقد حرية لازم كمعتق بعضه ومدبر ونحوهما كون الولد مثله؛ لأن ولده من أمته كذلك.

قُلتُ: هذا غير لازم؛ لأن مناط الحكم المذكور هو الحكم للولد بحكم ولد الأمة من سيدها فقط لا مع الحكم للأمة بأنها ملك للمغرور؛ ولذا تعلق الغرم بقيمة الولد فقط لا بقيمة أمه، وسريان عقد حرية الأب لابنه بملكه أنه.

وقيمة ولد الحر عليه لا على من غره الصائغ:

قال بعض الشُيُوخ: يغرم الغار للأب ما غرم من قيمة ولده، وفي المذهب ما يدل عليه، وكان بعض المذاكرين يقول: قد يقال: لا يغرم الأب قيمة ولده؛ لأنه سلط على الإيلاد ظناً منه أن المالك سلطه، ولو غر سيد أمةٍ من زوجها منه على أنها ابنته؛ ففي غرم الزوج قيمة ولده منها نقل اللخمي عن ابن حبيب مع قول ابن الماجشُون على من أولد أم ولد ابتاعها من سيدها قيمة ولده منها، وتخرجه على قول مُطرف: لا قيمة عليه، وولد المستحقة من مالك لا زوج مذكور في الاستحقاق.

وفي كون قيمة الولد في النكاح يوم الحكم أو الولادة ثالثها: يوم القيام لمعروف المذهب وأشهب مع المغيرة، وتخريج ابن بشير من المستحقة بملك، ونقله ابن عبد السلام غير معزو، ولم نجد من نقله في المستحقة بملك غير ابن بشير.

وفي الضمان في موت الولد اضطراب.

ابن بشير: وعلى الأقوال: إن مات الولد قبل يوم قيمته عند قائله سقطت، ولو اختلف فيها؛ اعتبرت قيمة يومها عند قائله.

ابن محرز: إن مات الولد؛ سقطت قيمته.

المازري: قال المغيرة: القيمة يوم الولادة، فما حدث بعده من نماء؛ فلا يضمنه، كما لو مات بعد الولادة؛ لضمن قيمته، وأشار أشهب لرد هذا بأن الواطئ غير متعد، ومن بيده شيء بوجه شبهة؛ لا يضمنه بتعديه عليه، فوجب أن يكون الموت قبل الاستحقاق يرفع ضمان الأب.

قُلتُ: الأصوب إسقاط قوله بتعديه؛ لأن في التعدي خلافاً، والزوج هنا

ص: 387

غير متعدٍ.

وقال ابن رُشد: في أول مسألة من نوازل عيسى في كتاب الغصب: لا خلاف أن المشتري لا يضمن قيمة من مات من الولد، وقال في أول مسألة من رسم الكراء من سماع أصبغ من كتاب النكاح.

وقوله: القيمة فيه يوم الحكم، ولا شيء عليه فيمت مات منهم قبل ذلك هو قول مالك في المدونة وجميع أصحابه إلا المغيرة وأشهب أوجبا على الأب قيمته يوم ولد؛ فلا تسقط القيمة عندهما بموته قبل الحكم، فظاهر نقلي ابن رُشد التناقض إلا أن يقال: ولد المستحقة عن ملك مستند؛ لضمان الأب الأم بثمنها.

وفي النكاح هو غير ضامن، وعلى هذا الاضطراب يجري النظر في استدلال محمد على ضعف قول المغيرة بأنه لو كانت القيمة يوم الولادة؛ لما سقطت بموته بعد ذلك.

قال ابن عبد السلام: ما قاله إن صحت موافقة المغيرة عليه ضعف قوله، وإلا فغير واحد من الشُيُوخ يرى أن الموت بعد الولادة، وقبل الحكم من ثمرات الخلاف.

قُلتُ: فلم يجزم بموافقة المغيرة ولا بعدمها، والمنقول في ذلك ما قلناه، وقوله: إن صحت موافقة المغيرة ضعف قوله؛ يرده ما نقله المازري عن أشهب فتأمله.

وفيها: لو قتل الولد عمداً؛ فعلى أبيه الأقل مما أخذ من قاتله أو قيمته، ولو أسقطت أمه بضرب، ولم يستهل بل الاستحقاق أو بعده؛ غرم الأب الأقل من الغرة، أو عشر قيمة أمه يوم ضربت.

عياض: في أصل المختلطة: يوم استحقت، والأول أصوب.

ابن وضاح: لم يصوب سحنون ما في المختلطة، فأمرنا أن نكتب يوم ضربت.

قُلتُ: تقرر في علم الحديث: أن الصواب في مثل هذا ذكر ما في الأصل، والتنبيه على أن صوابه كذا لا إسقاط ما في الأصل، وذكر ما يعتقد أنه الصواب.

محمد عن أشهب: لا شيء على الأب في القتل والإسقاط، كما لو اقتص من الجاني، أو هرب، أو مات الولد عن مال كثير.

أصبغ: لو أعدم الأب بعد أخذه الدية؛ لم يتبع المستحق غيره.

وفيها مع الشيخ عن المجموعة: لو استحقت حاملاً؛ فعلى أبيه قيمته يوم وضعه.

ص: 388

وقال ابن الحاجب: أثر هذه تالية لأوليين قبلها.

وقال أشهب: لا شيء عليه في الجميع.

ففسره ابن عبد السلام: بأنه لا شيء عليه في مسألة: المستحقة حاملاً كاللتين قبلها وهو وهم منهما، إنما قاله أشهب في القتل والغرة حسبما ذكره الشيخ والصقلي وابن بشير.

الشيخ عن الموازية: لو قتل خطأ؛ اختص الأب عن سائر ورثته من أول النجوم بقدر قيمته، وورث مع سائر ورثته ما بقي، وفي تقويم الولد بماله نقل المازري قولين عن المذهب، عزا الثاني لابن القاسم في العتبية ولقول المدونة: إن أعدم الأب؛ أخذت من الولد، وقيمته بماله أكثر منه، فلو قوم بماله؛ استحال أخذ قيمته من ماله؛ لامتناع كون الجزء أعظم من الكل أو مثله وقبلوه، ويرد بمنع الملازمة؛ لجواز حدوث مال له بعد تقويمه، وقبل غرمه، وبنقل ابن رُشد في ثالثة رسم الأقضية من سماع يحيى: مال الأمة لا يسمى عند التقويم؛ إنما يقال: كم قيمتها بما لها من المال دون تسميته ووصفه، كما لاحظ له من الثمن لو استحق، وعزاه الشيخ لابن كنانة، وعزا عياض الأول لقوم. قال: وحكوه رواية، ولم يوقف عليها.

ولو كان الأب يوم الحكم بالقيمة عديماً، والولد مليء؛ ففي غرمه قيمة نفسه قولا ابن القاسم فيها مع الشيخ عن المجموعة عن أشهب، وقول الغير في المدونة.

الشيخ في المجموعة عن أشهب: لو فلس الأب؛ حاص المستحق بقيمة الولد غرماء أبيه.

وفيها: إن كانا عديمين؛ غرمها أولهما يسراً، ولا رجوع لمن غرمها منهما على الآخر، وموته عديماً كحياته كذلك.

ولو استحق الولد من يعتق عليه؛ فلا قيمة له، ولا ولاء له عليه؛ لأنه حر إنما أخذت القيمة فيه بالسنة.

ابن عبد السلام: تعليله فيها مشكل؛ لأنه ينبغي عليه أن يغرم قيمته لمن يعتق عليه؛ إنما يمتنع غرمها له لو كانت عوض ما يصح تملكه.

قُلتُ: يرد بأن مراده بالنسبة: أنها لا عن عوض ثبت بالفعل كثمن عبد بيع ممن

ص: 389

يعتق عليه، وأن السنة مع ذلك معللة بقبول ملك مالك الأم ولدها، لا أنها محض تعبد.

الشيخ: في المجموعة عن سحنون: إن غرت امة أبا ربها؛ فتزوجته على أنها حرة فأولدها؛ غرم قيمتها لابنه، وكانت له أم ولد، ولا قيمة عليه للولد، ولا مهر مثل، ولا مسمى ونكاحه لغو، وذلك كوطئه إياها يظنها له أو عمداً، بخلاف غرور أمة الأب ولده بذلك هو فيها كالأجنبي في غرم مهر مثلها لا في قيمة ولدها.

قُلتُ: فقولها: لو غرت أمة الأب ولده، فتزوجها، وولدت منه، ثم استحقها الأب؛ فلا شيء له من قيمة ولدها؛ إذ لو ملكهم؛ عتقوا عليه، وكذا إن غرت أمة الولد والده؛ يريد في قيمة الولد فقط.

وفيها: وقف قيمة ولد المكاتبة إن عتقت أخذها الأب وإلا فسيدها.

الشيخ عن محمد: يتعجلها السيد؛ لتعلق حكم الكتابة بولدها، فإن وفت بالكتابة؛ عتقت وإلا حسب من آخرها كجناية عليها.

زاد الصقل عنه: إن زادت قيمته على الكتابة؛ سقط الزائد عن الأب، وقاله اللخمي.

قال: وأرى إن شك في عدم الواطئ؛ لاحتمال أدائها بقيت القيمة في ذمته إن كان مأموناً ملياً، أو أتى بحميل كذلك، وإلا تعجلها السيد إن كان مأموناً غير ملد بردها إن وجب وإلا وقفت.

وقول ابن عبد السلام: ظاهر كلام محمد لا فرق بين كون القيمة مثل بقية الكتابة أو أقل، وفهم بعضهم أنه إنما يكون هذا إن كانت مثل بقية الكتابة فأكثر؛ يقتضي أنها إن كانت أكثر؛ أخذها السيد، وإن كانت أقل؛ فالحكم بخلاف إن كانت مثل الكتابة، والمنصوص خلاف ذلك فيهما حسبما تقدم للصقلي واللخمي، ولا أعرف فيه خلافاً، ولا يخفى ضعفه؛ لأنها إن كانت أكثر؛ بقيت من القيمة فضله عن حريتها، فيجب سقوطها، ويمتنع توهم أخذها السيد، وإن كانت أقل؛ وجب أيضاً أخذها السيد في الكتابة؛ لرجاء أدائها أو عجزها؛ فيستحقها السيد.

وفيها: قيمة أو الولد على رجاء عتقه بموت سيد أمهم، ونفيه بموتهم قبله، ولو مات سيدها قبل القضاء بها؛ سقطت.

ص: 390

وولد أم الولد في كون الواجب فيه لمستحق أنه قيمته على رجاء عتقه بموت سيد أمه، ونفيه بموته قبل السيد، أو قيمته عبداً ثالثها: أجرة خدمته كل يوم من يوم استحق لا من قبله، فإن استحق صغيراً؛ فلا غرم يطيق الخدمة.

لمالك فيها/ وابن الماجشون.

ومالك: في الثمانية.

مُطرف: إن مرض؛ فلا شيء فيه حتى يصح، وإن صار ذا صنعة؛ ففيه الأجرة على أن لا عمل بيده.

وفيها: لو مات السيد قبل القضاء بقيمته؛ سقطت.

اللخمي: على قول المغيرة: القيمة يوم ولد؛ لا تسقط بموته، ولا موت السيد، ولو قتل الولد؛ ففي كون قيمته كذلك، أو عبداً نقلاً ابن محرز عن الشيخ وفضل، وعزاه الصقلي لبعض القريين، واحتج بأنها الواجبة في قتل ولد أم الولد، وغلطه الصقلي بأن القيمة فيه على المغرور بخلافها على الأجنبي.

ابن محرز: وحكم قطع يده يجري على القولين، وقيمة بقيته على الرجاء والخوف، ويحتمل كون اليد كذلك اتفاقاً، وهو أقوى لبقاء متعلق رجاء الحرية فيه.

الصقلي والشيخ عن محمد: وولد المعتقة لأجل قيمته على أنه حر إليه.

اللخمي: هذا على قولها، وعلى قوله في ثمانية؛ أبي زيد: تقوم خدمته.

ابن الماجشون: قيمته قيمة عبد.

وولد المدبرة: في كون قيمته على رجاء حريته بعتق التدبير، أو عبداً قولها وقول محمد.

اللخمي: لو مات السيد قبل النظر فيه؛ اعتبر حكم موته في رقة وعتقه أو بعضه مناب ما عتق منه ساقط، ومناب ما رق منه يغرمه أبوه.

وعتق الأمة تحت عبد يوجب تخييرها في فراقه.

في الإيمان بالطلاق منها: إن عتقت تحته؛ حيل بينهما حتى تختار، وعدم ذكر أكثرهم: حيل بينهما؛ يخل بفائدة معتبرة.

الباجي: روى القعنبي: عتق التدبير والإيلاد والكتاب؛ كعتق البتل؛ لأن حكمهن

ص: 391

كأمة ما بقي فيهن شعبة رق، والعتق تحت الحر المذهب لغوه.

وفيها: عتق بعضها لغو.

قُلتُ: فأحرى التدبير والكتابة والإيلاد بوطء السيد أمته الزوجة في غيبة زوجها بعد حيضة من وطئه، وهو نص اللخمي عن المذهب.

وروى اللخمي وغيره: علة تخييرها نقص زوجها بعدم حريته.

اللخمي: وقيل: لأنها كانت مجبورة على النكاح.

اللخمي: فيكون لها الخيار تحت الحر.

وعزاه ابن بشير لأبي حنيفة، وقال: لم يعين اللخمي قائله.

وعزاه أبو عمر لأبي حنيفة، وغيره خارج المذهب.

وسمع ابن القاسم: للمعتق بعضها تحت عبد الخيار بعتقها.

قُلتُ: لم، ولم أنكحت إلا برضاها؟.

قال: لن حدودها وكشف رأسها كالأمة.

ابن رُشد: علية تخييرها نقص زوجها لا جبرها على النكاح؛ ولذا قلنا: لا خيار لها تحت الحر، وعلى قول أهل العراق: لها الخيار علته جبرها.

وفيها: لها الخيار عند غير السلطان، وبعد مجلي علمها بالعتق ما لم توطأ.

وفي سماع القرينين من كتاب التخيير: قال أشهب: كتب مالك لابن فروخ بلغو قول أمة تحت عبد: إن عتقت تحته؛ فقد اخترت نفسي، أو قالت: اخترته؛ لأنه طلاق لأجل مشكوك فيه، وخلاف عمل الماضيين.

ابن رُشد: وقال مالك: من شرط لها زوجها: إن تزوج عليها، فأمرها بيدها، فقالت: إن تزوج علي؛ فقد اخترت نفسي، واخترت زوجي؛ لزم قولها؛ ففرق بين المسألتين، ولهذه المسألة التي تحكى أن ابن الماجشون سأله عن الفرق فيها بين الحرة والأمة، فقال له مالك: أتعرف دار قدامة؛ دار كانت يلعب فيها بالحمام معرضاً بقلة تحصيله، وترك إعمال نظره حتى لا يسأل إلا عن مشكل كقوله لابن القاسم في سؤال له: أنت حتى الساعة تسأل عن مثل هذا، ولعمري إن مثل ابن الماجشون في تحصيله وجلالة قدره لحرٍ أن يوبخ على مثل هذا السؤال؛ لأن مالكاً لم يفرق بين الحرة والأمة،

ص: 392

إنما فرق بين خيار وجب بالشرع بشرط، وخيار جعله الزوج باختياره بشرط.

قُلتُ: وسمعت في صغري والدي يحكي عن بعض الشُيُوخ، وأظنه شيخه؛ الشيخ الفقيه أبا يحيى ابن جماعة، أو الشيخ الفقيه الخطيب أبا محمد البرحيني أن قوله له: أتعرف دار قدامة؛ تعريض له بتقدم دخول كان.

لابن الماجشون: لدار قدامة فاته بها علم ما سأله عن من الفرق، ونحو هذين الأمرين قول عياض:

قال ابن حارث: كانت لابن الماجشون نفس أبيه كلمه مالك يوماً بكلمة خشنة، فهجره عاماً كاملاً، استعصى عليه الفرق بين مسألتين، فقال له مالك: أتعرف دار قدامة، وكانت دار يلعب فيها الأحداث بالحمام.

وقيل: بل عرض له بالعجز، ثم قال ابن رُشد الفرق بينهما، فذكر ما تقريره تخيير العتق موجب به شرعاً، فلو لزم سابق قولها على العتق، بطل التخيير به ضرورة مناقضة التخيير اللزوم، كل ما بطل التخيير به؛ بطل ما أوجبه الشرع، فل لزم سابق قولها؛ بطل ما أوجبه الشرع، واللازم باطل قطعاً، واختيار ذات الشرط قبل حصوله لما لم يكن ملزوماً لإبطال ما أوجبه الشرع؛ لزم؛ لأنه التزام على تقدير وقوع أمر قبل وقوعه لو التزمه بعده؛ لزمه، فكذا قبله كقول الزوج امرأته طالق إن كان كذا، ثم استشهد على لغو التزام الأمة تعتق بقوله: ألا ترى لو أن غنياً قال: إن افتقرت؛ فلا آخذ الزكاة التي أباح الله للفقير، أو عن افتقرت؛ فأنا آخذها، ثم افتقر؛ لم يحرم عليه أخذه ولا يلزمه؛ لأن الشرع خيره فيهما.

قُلتُ: فيما فرق به نظر من وجهين:

الأول: أنه يلزمه لغو الطلاق المعلق على العصمة قبل حصولها كقوله: إن تزوجت فلانة؛ فهي علي حرام؛ بيان الملازمة أن الشرع جعل النكاح موجباً لحلية الزوجة لزوجها، فإلزامه تحريمها قبلها؛ مناقض لموجب النكاح الواجب بالشرع.

الثاني: منع مناقضة إلزامها ما التزمت لما أوجبه الشرع من خيارها، وسنده أن اللزوم اللاحق لا يناقض التخيير الأصلي؛ كعدم مناقضة الوجوب العارض الإمكان الذاتي، واستشهاده بقوله: لو أن غنياً قال إلخ؛ يرد بأن الكلام في التزام ما يلزم غير

ص: 393

معلق إن التزم معلقاً، وما جاء به لا يلزم غير معلق بحال، ومن أنصف علم أن سؤال ابن الماجشون ليس عن أمر جلي؛ ولذا سوى بينهما مالك مرة وبعض أصحابه.

حصل ابن زرقون في التسوية بينهما في لزوم ما أوقعتاه قبل حصول سبب خيارهما وعدمه.

ثالثها: التفرقة المذكورة لابن حارث عن أصبغ مع رواية ابن نافع والباجي عن المغيرة مع فضل عن ابن أبي حازم، ومعروف قول مالك، وفرق الصقلي أيضاً بأن خيار الأمة؛ إنما يجب بعتقها، فاختيارها قبله ساقط؛ كالشفعة، وإسقاطها قبل الشراء، والمملكة جعل لها الزوج ما كان له إيقاعه، وله إيقاعه معلقاً على أمر، فكذا الزوجة.

قُلتُ: ينتج هذا لزوم ما أوقعته من طلاق لا ما أوقعته من اختيار زوجها. فتأمله.

وقول ابن رُشد: لحر يقع بياء بعد الراء ودونها وكلاهما صحيح.

قال الجوهري: يقال: هو حري أن يفعل كذا بالفتح؛ أي: خليق لا يثنى ولا يجمع.

أنشد الكسائي:

ومن حرىً أن لا يثبنك نقرة

وأنت حرى بالنار حين يثيب

وإن قلت: هو حرٍ بكسر الراء، أو حريٌ على فعيل؛ ثنيب وجمعت.

فإن نجزت مختارها حين علمها بعتقها فواضح، ولو وقفها الزوج، فقالت: أنظر وأستشير، ففي قبول قولها، والحكم عليها بتنجيزه.

نقل اللخمي عن المذهب مع نصها في الأيمان بالطلاق: قال مالك: لها أن تمنعه حتى تختار أو تستشير.

والشيخ عن رواية محمد: إن وقفها السلطان؛ قضت، وإلا أخرج ذلك من يدها.

وعلى الأول قال اللخمي: استحسن تأخيرها ثلاثة أيام، واختلف هل يوقف الشفيع على الأخذ، والترك بالحضرة، أو يؤخر ثلاثة أيام؟.

قُلتُ: الأول قولها، والثاني عزاه ابن رُشد، وغيره لرواية ابن عبد الحكم.

وفيها: ولو وقفت سنة فمنعته وطأها، وقالت: لم أسكت رضىً بالمقام؛ صدقت

ص: 394

دون يمين كالتمليك، وصوبه اللخمي بأن لها دليلاً على صدقها، وهو منعها نفسها طول المدة.

وقول ابن عبد السلام: حكى بعضهم في مسألة الكتاب هذه: سقوط خيارها لطول المدة لا أعرفه.

ونقله عن العتبية: أنها تحلف، وأن بعضهم أجراه على أيمان التهم؛ لم أجده في العتبية؛ إنما فيها في رسم حلف من سماع ابن القاسم في كتاب التخيير والتكليك: من قالت له زوجته عند سفره: أخاف أن تبطئ عني، فقال لها: إن لم آتك لأجل سماه، فأمرك بيدك، فمضى الأجل، وأقامت بعده شهرين، واختارت نفسها، وقالت: أقمت انتظاراً له، ولم أترك حقي؛ لها ذلك ولا يمين عليها.

ابن رُشد: لم يختلف قول مالك في هذه إلا في يمينها؛ أسقطها فيها، وأوجبها في الموازية، ورواه ابن عبد الحكم عن ابن القاسم في رسم باع من سماع عيسى: وهو على الخلاف في يمين التهمة.

ولو أقامت أكثر من شهرين؛ سقط خيارها بخلاف الأمة تعتق تحت العبد، وتمام كلامه في التمليك.

وفيها: إن عتق معها، أو قبل اختيارها؛ سقط.

وسمع عيسى ابن القاسم: إن لم تختر لمنعها الحيض ذلك حتى عتق؛ فلها الخيار؛ لأنه ثبت بالخيار لها إنما منعها حيضها.

ابن رُشد: فقوله: لها الخيار؛ ليس خلاف قولها: إن عتق قبل خيارها سقط لقوله: إنما منعها الحيض؛ يريد: أنها لم تفرط، وهو ظاهر الروايات، ويأتي على ذلك: لو عتق إثر عتقها حيث لا تفريط منها كانت على خيارها.

وقال ابن زرب: سماع عيسى خلاف المدونة، وهو القياس؛ لأن علة الخيار النقص، وقد ارتفع؛ وهو الظاهر من الروايات، ولما ذكر الباجي سماع عيسى قال: روى القعنبي: إن لم يبلغها العتق حتى عتق؛ بطل خيارها.

وقال: لا خيار لها إن لم تحتر حتى عتق، فيحتمل أن يكون على روايتين، ويحتمل الفرق بأن حيضها منعها.

ص: 395

ابن زرقون: بالأول قال ابن زرب، وبالثاني قال اللخمي.

قُلتُ: ففي بقاء خيارها إن عتق قبله ثالثها: إن عتق إثر عتقها لتخريج ابن زرب مع أبي عمر عن ابن القاسم مضعفاً له بأن زوال العيب يسقط خياره ولها ولتخريج ابن رُشد من تعليله في الحيض، وعزو ابن عبد السلام الأول لعلي بن زياد لا أعرفه.

اللخمي: إن عتقت وهي في عدة من طلاق رجعي؛ فلها الخيار لتسقط رجعته، ولو قيل: تمنع من الطلاق إن قال: لا أرتجع؛ رأيته حسناً.

وقول ابن عبد السلام: في هذا نظر؛ لاحتمال أن لا يفي لها بذلك ويرتجعها، يرد بتمكينها من طلاقه عملاً بموجبه السالم عما يعارضه.

ابن شاس وابن الحاجب: إن طلقها قبل اختيارها؛ فلها الخيار إن كان رجعياً، وإن كان بائناً؛ فلا.

ابن عبد السلام: إن قيل: على القول: إن طلقة اختيارها رجعية؛ لا يكون لها طلاق لحصوله بطلقة الزوج، فالجواب بأن طلقة اختيارها، وإن كانت رجعية؛ فالرجعية فيها مشروطة بعتقه، فهي أشد من طلاقه الرجعي؛ فلم يغن عنها.

قُلتُ: يرد بأن مقتضاه لو لم تكن أشد بما ذكره ما كان لها الخيار، وهو خلاف قولها في التمليك لو قال لها: أمرك بيدك، ثم طلقها، فإن قضت بواحدة؛ لزمته طلقتان، وطلقة التمليك رجعية تمكنها من طلقة رجعية، وهي في عدة من طلقة له رجعية، والجواب الحق الذي يتوجه به قولها: إن الطلاق كلي شائع في عدد آحاد متباينة بخصوصيات الأولى والثانية والثالثة، فما أوقعه الزوج من طلقة هي غير ما يجب بتخيير عتق أو تمليك؛ لأنهما إنما يتعلقان بما يصح إيقاعه حين حصول العتق، وإرادة القضاء بالتمليك، وما يصح إيقاعه بهما حينئذ مباين لما سبق قبله بالأولية، وبكونها ثانية والمباين لا يقوم مقام مباينه بحال.

وفي ثاني نكاحها: إن اختارت قبل البناء؛ فلا مهر لها، وإن قبضه سيدها؛ رده؛ لأن الفسيخ من قبله.

محمد: هذا إن كان السيد موسراً به يوم عتقها.

ابن محرز: هذا أصل يخالف فيه ابن القاسم، يرى في هذه وشبهها أنه دين طرأ بعد

ص: 396

العتق؛ فلا يبطله، وإن كان معسراً به يوم العتق.

ابن شاس: إن كان معسراً به يوم أعتقها؛ ففي سقوط خيارها؛ لأنه يؤدي لطلب سيدها بمهرها، وهو عديم به يوم أعتقها فيرد؛ فيبطل خيارها ناداً ثبوته لنفيه وثبوته، ثم تباع في مهرها نظراً لموجب الأحكام ثالثها: ثبوته ولا تباع؛ لأنه دين طرأ بعد عتقها.

قال ابن عبد السلام: هذا الذي يشبه أصل المدونة لقولها في العتق الأول منها: قال ابن القاسم: إن باع عبدك سلعة بأمرك، ثم أعتقته، ثم استحقت السلعة، ولا مال لك؛ فليس للمبتاع رد العتق؛ لأنه دين لحق السيد بعد العتق، فلم يجعله سابقاً على العتق مع أن استحقاق السلعة يوجب نقض البيع من أصله، وليس كذلك الطلاق؛ لأنه يقتضي وجود زوجته يقع عليها الطلاق.

قُلتُ: تقدم له هذا الأخذ في بيع الأمة من زوجها، والتنبيه على أن الأخذ من مسألة الرهن أقرب؛ وهي من استهلك مهر أمته قبل البناء وأعتقها، ثم طلقها زوجها قبل البناء، ولا مال للسيد؛ لم يرد عتقها؛ لأن الدين إنما لزم السيد حين طلق الزوج لا يوم العتق.

وفي ثاني نكاحها: إن اختارت بعد البناء؛ فمهرها لها كمالها، إلا إن اشترطه السيد أو أخذه، ولو كان نكاحها تفويضاً، وفرض لها زوجها بعد العتق؛ فهو لها ولا سبيل لسيدها عليه؛ إذ لم يكن مالاً لها فيشترطه، وإذ لو مات الزوج، أو طلق قبل الفرض؛ لم يكن لها شيء.

ابن محرز: يجري على ألسنة المذاكرين: إنما هذا على قول ابن القاسم فيمن أعتق عبده، وعليه مائة دينار أنها ساقطة، وعلى قول مالك بلزومها؛ فلسيد ما اشترطه من مهرها قبل فرضه.

ابن محرز: وهذا غلط؛ لأن قول مالك؛ إنما هو فيها ألزمه السيد ذمة عبده، استثناؤه المهر قبل فرضه؛ ليس إلزاماً لذمتها.

قُلتُ: قد يرد بأن إلزام شرطه في الذمة أشد في مناقضة حكم العتق منه في جزئي جرى سببه؛ فلزومه في الجزئي أحرى.

وفراقها إياه بطلقة المشهور بائنة.

ص: 397

فيها: لم جعلها مالك بائنة، وهو لا يعرف طلقة بائنة قال: لأن كل فرقة من السلطان بائنة.

اللخمي: روى ابن شعبان: إن عتق في عدتها؛ فله رجعتها؛ وهو القياس كمن طلق عليه لعيب، فزال في العدة.

قال محمد: إن طلق عليه لجنون أو جذام أو برص، ثم ذهب عنه في العدة؛ فله الرجعة.

وسمع عيسى ابن القاسم في كتاب العدة: إن عتقت أمة تحت عبد، فطلقت نفسها ثم مات زوجها وهي في عدتها؛ رجعت لعدة الوفاة أربعة أشهر وعشراً.

ابن رُشد: هذا خلاف المدونة لنصها: لا ترجع إلا في طلاق رجعي، ونصها: طلقة الأمة لخيارها بائنة.

وروى ابن نافع: له الرجعة إن عتق في عدتها.

ابن نافع: ولا أقوله.

أبو عمر: لا معنى للقول: إنها رجعية؛ لأنه لو ملك زوجها رجعتها لم يكن لاختيارها معنى.

ابن رُشد: قول أبي عمر هذا وهمٌ؛ لأنه لم يقل أحد أنه أملك لها، وإن لم يعتق.

قُلتُ: في الكافي له ما نصه: وهي طلقة بائنة.

وقال بعض أصحاب مالك: إنها رجعية وليس بشيء.

قُلتُ: ظاهره: أنها رجعية طلقاً خلاف نقل ابن رُشد، فعلى قول أبي عمر الأقوال ثلاثة.

اللخمي: اختلف قول مالك: إن قضت باثنتين في سقوط الثانية، وسقوطها الثانية، وسقوطها أصوب؛ لزوال ضررها بواحدة.

ابن زرقون عن الباجي: اختل قول مالك: إن كانت مدخولاً بها فقال في المدونة مرة: لا تطلق إلا واحدة، ثم قال: لها أن تطلق ثلاثاً.

وفي المبسوط عن ابن القاسم: ثنتين؛ لأن ذلك جميع طلاق العبد.

وفي المدينة: قوله الأول: لها إيقاع الثلاث.

ص: 398

عيسى: وبه قال ابن القاسم: ووجهه أن جهة الزوجة لما انتقل إليها الطلاق انتقل إليها العدد، وكانت جهة حرية، فكلمت فيها الثلاث.

وقد روى زياد بن جعفر: إن طلقها طلقتين؛ فهي أملك بنفسها، وهو خاطب من الخطاب؛ فلم يحرمها بالثنتين.

وروى محمد بن يحيى السبائي في أمة تحت عبد طلقها، ثم أعتقت في عدتها، فاختارت نفسها: بانت منه؛ لأن طلاق العبد ثنتان، فثبت في المسألة روايتان.

ابن زرقون: تأمل هاتين الروايتين في قول أبي الوليد فيهما نظر.

قُلتُ: أخذه الثلاث من لفظ: لها إيقاع الثلاث؛ يرد باحتمال أن يريد به البتات لا عدد الثلاث، وبتات العبد باثنتين، ويأتي من لفظ المدونة ما يؤيده، وأخذه من رواية: وهو خاطب من الخطاب؛ يرد باحتمال إرادة بعد زوج، وبأنه طلاق صدر من عبد لا من زوجته بعد عتقها، فلا يتناوله توجيهه المذكور، فإن صح ما ذكره فظاهر تحصل عليه في كون طلاق العبد الحرة ثنتين أو ثلاثاً، ثالثها: هذا إن صدر من زوجته؛ لعتقها تحته للمشهور، ورواية زياد ورواية المدنية، وظاهر نقل اللخمي، وغير واحد أن اختلاف قول مالك فيها زاد على الواحدة؛ إنما هو بعد الوقوع، وظاهر كلام الباجي وأي عمر في الكافي، وأول لفظ المتيطي أنه قبل الوقوع، وهو ظاهر لفظ البراذعي في النكاح الأول، والصواب الأول في نكاحها الأول.

قال مالك: إن طلق السيد على عبده لتزوجه بغير إذنه واحدة أو اثنتين أو ثلاثاً؛ فذلك جائز.

قُلتُ: إنما طلاق العبد طلقتان، فما قول مالك: ثلاثاً؟ قال: كذلك قال، وإنما يلزم الاثنتان، ألا ترى أن في حديث زبراء قالت: ففارقته ثلاثاً، وإنما طلاقه اثنتان، فإن قلت: لفظ حديث زبراء أخف من قول مالك؛ لاحتمال أن تريد زبراء بالثلاث البتات لا عدد الثلاث، ولفظ مالك لا يقبل هذا لقوله: اثنتين أو ثلاثاً، فعطفه الثلاث على اثنتين يدل على إرادة العدد لا البتات، وإلا لزم عطف الشيء على نفسه.

ص: 399

قُلتُ: إنما قاله مالك حكاية لأمر وقع فبين حكمه، ولفظها في الأيمان بالطلاق: إن طلقت نفيها اثنتين؛ فهي اثنتان تحرم عليه حتى تنكح زوجاً غيره؛ لأن ذلك جميع طلاق العبد.

وفيها: إن عتقت وهي حائض، فاختارت نفسها أيكره ذلك؟ قال: لم أحفظه من مالك، وأكره ذلك إلا أن تختار، فيجوز ذلك لها.

وسمع عيسى ابن القاسم في كتاب التخيير: لا تختار حتى تظهر، فإن فعلت؛ جاز على الزوج، ولو أخرت وعتق زوجها قبل طهره؛ لم يقطع خيارها.

ابن رُشد: إن طلقت وهي حائض؛ لم يجبر الزوج على رجعتها؛ لأن الطلقة بائنة، وعل رواية أن له الرجعة إن عتق؛ أجبر على رجعتها.

قُلتُ: ظاهره: ولا طلاق لها بعد ذلك.

وقال اللخمي: على أنها رجعية في جبرها إشكال؛ لأن الرجعة ليست بيدها، ولا بيد الزوج؛ لأن ذلك حق عليه، فإن ارتجعها السلطان، وعادت زوجة؛ أبطال حقها في الخيار، وليس لها أن تطلق أخرى؛ لأن الطلقة التي كانت بيدها قد أوقعتها، وأرى إن جبرها السلطان وعادت زوجة أن يكون لها أن توقع أخرى، وهذه ضرورة.

قال: فإن كانت صغيرة؛ نظر السلطان بما يراه حسناً لها، وكذا السفيه إلا أن تبادر باختيار نفيها، ولو رضيت بالمقام؛ لم يلزمها على قول ابن القاسم إن لم يكن حسن النظر، ولزمها على قول أشهب.

قُلتُ: قوله: ولو رضيت بالمقام؛ يريد: الصغيرة، ويريد بقولي ابن القاسم وأشهب ما ذكره عنهما في كتاب التخيير قال فيه: اختلف إن خيرها، وهي صغيرة، فاختارت نفسها، فقال مالك: ذلك طلاق إن كانت بلغت في حالها.

قال ابن القاسم: يريد: إذا بلغت الوطء فيما أظن.

وقال أشهب وعبد الملك: ذلك خيار، وإن كانت صغيرة، وتمامها في التمليك.

ويسقط خيارها فيها بقولها: رضيت بالزوج أو بوطئه إياها بعد علمها بعتقها، ورواه محمد وقال: يعني طائعة.

اللخمي: القبلة والمباشرة كالإصابة، وكذا إن أمكنته ولم يفعل.

ص: 400

قُلتُ: هو ظاهر قولها؛ يريد: إن أمكنته بعد العلم بعتقها؛ فلا خيار لها.

قال: ولو ادعى علمها بالعتق قبل وطئه إياها وأكذبته؛ صدقت.

الشيخ عن محمد: لو ادعى وطئها بعد علمها بالعتق وأكذبته، فإن ثبت خلوته بها؛ صدق مع يمينه، وإلا صدقت دون يمين.

اللخمي: إن اتفقا على المسيس، وادعت الإكراه، وزوجها الطوع؛ صدق مع يمينه.

ابن بشير: إن وطئها بعد عتقها قبل علمها به؛ لم يسقط خيارها اتفاقاً، ولو وطئها بعد علمها به، وقالت: جهلت أن لي الخيار فطرق:

اللخمي: في تصديقها روايتان لابن عبد الحكم ولها، والأولى أحسن؛ لأنه لا يعرفه إلا العلماء، وقد قال: من وطئ زوجته بعد طلاقها ثلاثاً، وادعى الجهل؛ لم يحد، وحرمة المثلثة أشهر من خيار الأمة.

قُلتُ: الحد يدرأ بالشبهة.

ابن محرز: القياس أن تعذر بجهلها، ووجه المشهور قوله صلى الله عليه وسلم لبريرة:((لك الخيار ما لم يطأك)).

المازري: معروف المذهب سقوط خيارها.

وقال بعض أصحابنا: هذا بناء على أنها ادعت ما لا يشبه؛ لاشتهار الحكم بالخيار عند الإماء، ولو كانت ممن يتبين جهلها به؛ كحديث عهد بسبي جرت على القولين فيمن زنى جاهلاً بحرمة الزنا هل يحد أم لا؟.

ص: 401

والصحيح: إن لم يثبت أثر بسقوط خيارها مع جهلها بقاء خيارها؛ لأن من ثبت له حق؛ لم يسقط إلا بنص أو فعل يقوم مقامه، فتمكين العالمة كنصها، وتمكين الجاهلة لا دلالة له، ومثله لابن بشير قائلاً: علل ابن القُصار سقوط خيارها بشهرة حكم التخيير بالمدينة، وعليه تكلم مالك.

قُلتُ: ظاهر كلام اللخمي وابن القُصار: أن متعلق الخلاف هو تصديقها في الجهل بالحكم وعدمه، وظاهر قول المازري، والصحيح: إن لم يثبت أثر بسقوط خيارها مع جهلها بقاؤه إلى آخر كلامه أن متعلق الخلاف هو سقوط خيارها في حالة جهلها وثبوته فيها، وإلا كان استلالاً منه في غير محل النزاع، وصحة الطريقين تثبت تعلق الخلاف بالأمرين، وللمسألة ذكر في عدد ما لا يعذر فيه بالجهل مذكوراً في كتاب التخيير والتمليك.

الشيخ: روى محمد: إن بيع زوجها قبل عتقها بأرض غربة، فظنت أن ذلك طلاق، ثم عتقت، فلم تختر نفسها حتى عتق زوجها؛ فلا خيار لها.

قُلتُ: في جري الشاذ في هذه نظر، والأظهر عدمه.

الشيخ عن محمد: إن عتقت وزوجها قريب الغيبة؛ كتب له خوف تقدم عتقه، فلو اختارت قبل ذلك؛ لزم، ولا حجة لزوجها، ولو عتق في عدتها، ولو بعدت غيبته حتى يضرها انتظاره؛ فهي كمن أسلمت وزوجها الكافر بعيد الغيبة.

اللخمي: إن عتقت في غيبة زوجها، فاختارت نفيها، ثم ثبت عتقه قبلها؛ فهو أحق لها ما لم تتزوج، وفي فوتها بالتزويج أو الدخول ثالثها: لا تفوت به.

الشيخ عن ابن حبيب عن أصبغ: إن عتقت، فاختارت نفسها، ثم تزوجت، وثبت عتق زوجها قبلها وهو حاضر؛ فهو أحق بها، وإن دخلت، وإن كان غائباً؛ لم يكن أحق بها إلا أن يدركها.

قُلتُ: الأظهر العكس.

اللخمي: إن علمت بعتقها قبل بنائه بها بعده؛ فلها الأكثر من المسمى، ومهر المثل على أنها حرة، وإن كان العقد فاسداً؛ فمهر مثلها حرة اتفاقاً.

الشيخ عن ابن حبيب عن أصبغ عن ابن القاسم: إن عتقت تحت عبد، وقد أراد

ص: 402

لعانها قبل بنائه بها إن اختارت نفسها قبل اللعان؛ فلا شيء لها من المهر، وإن اختارتها بعده؛ فلها نصفه.

وله عن الموازية: إن كان الزوجان نصرانيين لمسلم فعتقت؛ فلها الخيار.

وقال ابن عبد الحكم: أحب إلى أن يحكم لها بحكم الإسلام، وقاله أصبغ، وذكرها سحنون عنه، وزاد: وكذا لو كان السيد نصرانياً.

وقال سحنون: إن كان نصرانياً؛ لم أعرض لهما.

قُلتُ: هذا الجاري على المذهب في عتق الكافر وطلاقه.

التنازع في الزوجية ودعوى النكاح على منكره دون شاهد في سقوطها ولزوم يمين المنكر كغير النكاح ثالثها: إن كانت بين طارئين لمعروف المذهب، ونقل حكاية المتيطي، نقل ابن الهندي قائلاً: لما روي أشبه شيء بالبيع النكاح وقول ابن حارث: اتفقوا على لغو دعوى النكاح اتفاقاً مجملاً، فسره سحنون بقوله: إن كانا طارئين؛ وجبت الأيمان بينهما، وقول ابن عبد السلام: قول غير واحد: الدعوى في الطارئين متوجهة؛ لأنهما لو تصادقا على النكاح صدقا فيه نظرٌ؛ لأن مراد أهل المذهب بتصديق الطارئين إنما هو إذا قدما مجتمعين مردود بنقل اللخمي في ترجمة الصداق بين النصرانيين في النكاح الثالث ما نصه: لو طرأت امرأة، ثم طرأ رجل ادعى نكاحها، فأقرت له؛ صدقا، ويأتي نحوه لابن رُشد: وكانت نزلت بتونس عام بضع وأربعين وسبعمائة، وكان قاضي الجماعة بها، فبحث عن المسألة، وقضى فيها بنقل اللخمي قاضي الأنكحة يومئذ الشيخ الفقيه أبو محمد الأجمي بموافقته لهز.

وسمع يحيى ابن القاسم: من زوجه امرأة وليها، وأشهد له، ثم أنكرت علمها ذلك ورضاها، إن كان الإشهاد ظاهراً، وإطعام الوليمة، واشتهار الأمر في دارها أو حيث يرى أنها تسمعه وتعلمه أحلفت: ما وكلته، ولا فوضت إليه ذلك، وما ظننت ما كان من لعب وطعام إلا لغير وليمتي، فإن نكلت؛ لزمها النكاح، وإن كان الإشهاد بحيث يرى أنها لم تقارب علمه ككونه بالمسجد وشبهه؛ فلا يمين عليها.

ابن رُشد" قيل: لا يمين عليها بحال؛ لأنها لو نكلت؛ لم يلزمها، وقيل: تحلف رجاء أن تقر، فإن نكلت؛ لم يلزمها نكاح، وتقسيمه في السماع قول ثالث.

ص: 403

وقوله فيه: إن نكلت؛ لزمها النكاح؛ يريد: مع يمين الزوج إن حقق عليها الدعوى، وإلا فعلى الخلاف في رجوع يمين التهمة.

وسمع ابن القاسم: من زوج أخته وهي بنت عشر سنين ابن عمها ولها أم، فأقام زوجها معهم يجوز مال امرأته، ويقوم به، ثم طلب الدخول بالجارية، فقال أخوها: لا زوجة لك؛ لأن أختي لم تكن رضيت ولا أعلمناها، فأنكرت الجارية أن تكون رضيت إن كانت للزوجة بينة على رضاها، وإلا حلفت هي أخوها على ذلك، وفرق بينهما.

ابن رُشد: إيجابه يمينها رجاء أن تقر بالنكاح، فإن حلفت؛ سقط عنها النكاح، وإن نكلت؛ لم يلزمها، قاله مالك في المبسوط؛ ومعناه: إن كانت بلغت، وقيل: لا يمين عليها؛ لأنها إن نكلت؛ لم يلزمها نكاح، حكى القولين ابن حبيب.

وفي رواية يحيى: فذكر ما تقدم قال: ولا وجه لإيجابه يمين الأخر؛ لأنه مقر بالتزويج، وإنما يجب حلفه إن أنكر معها التزويج، فإن حل أحدهما؛ سقط النكاح، وإن نكلا؛ لم يلزمهما؛ لأن حلفهما رجاء أن يقرا.

ولو أقام المدعي منهما شاهداً؛ ففي لغوه، وثبوت دعوى مقيمه مع يمينه ثالثها: يجب حلفه إن نكل، فإن كانت؛ فلا شيء لها ولا حبس، وإن كان الزوج؛ غرم نصف المهر لنقل المتيطي عن مالك وجميع أصحابه.

وعن ابن القاسم في الموازية حاكياً قول القاضي: إن نكل؛ جرى على اختلاف قول مالك في دعوى الطلاق مع الشاهد، ونقل ابن شاس.

وفيها: في كتاب الأيمان بالطلاق: من ادعى نكاح امرأة فأنكرته؛ فلا يمين له عليها، وإن أقام شاهداً، ولا تحبس ولا يثبت نكاح إلا بشاهدين.

وسمع أصبغ ابن القاسم: من ادعى نكاح امرأة تحت زوج، وأقام شاهداً واحداً أنه تزوجها قبله عزل عنها زوجها إن كان ما يدعي قريباً لا شهادة بعيدة، وقاله أصبغ.

ابن رُشد: هذا صحيح على ما في المدونة الموازية والواضحة من وجوب توقيف العرض المدعى فيه بشاهد واحد.

قال عبد الملك في الواضحة: لا يعزل بدعواه حتى تقيم شاهداً عدلاً.

قال محمد: فإن لم يصح له شاهداً آخر، أو كان ذلك بعيداً؛ فلا شيء على الزوجة

ص: 404

ولا الزوج.

ابن رُشد: لأنهما لو أقرا أو أحدهما بدعواه النكاح؛ لم ينتفع بذلك.

ولو لم تكن المرأة تحت زوج، وادعى رجل نكاحها وهما طارئان، وعجز عن إثبات ذلك؛ لزمها اليمين؛ لأنها لو أقرت له بدعواه النكاح كانا زوجين، وقيل: لا يمين عليها؛ لأنها لو نكلت؛ لم يلزمها نكاح، وهذا على الخلاف فيمن زوجها وليها، فأنكرت أن تكون علمت، لا فرق بين المسألتين؛ لثبوت النكاح بإقرار الزوجة، وكان القياس إن نكلت في المسألتين أن يحلف الزوج، ويجب له النكاح إلا أن ذلك لا يوجد لهم نصاً، وقد ألزمها النكاح بالنكول في آخر سماع يحي: إذا كان ثم سبب يدل على علمها به، وقد مضى القول فيه.

قُلتُ: الذي مضى له انه لا يثبت النكاح بمجرد نكولها؛ بل حتى يحلف الزوج، وظاهر قوله هنا ثبوته بمجرد نكولها.

المتيطي: إن أتى المدعي ببينة سماع فاش من أهل العدل، وغيرهم على نكاحه، وشهرته بالدف والدخان؛ ثبت بينهما، هذا المشهور المعمول به.

وقال أبو عمران: إنما تجوز شهادة السماع في النكاح: إن اتفق الزوجان على ذلك، وإن أنكر الآخر؛ فلا.

وسمع أصبغ ابن القاسم: من ادعى نكاح امرأة، فأنكرته، وادعى بينة بعيدة لا تنتظره إلا أن تكون بينة قريبة لا تضر بالمرأة، ويرى الإمام لما ادعاه وجهاً، فإن عجزه، ثم أتى بينة، وقد نكحت المرأة أولاً؛ فقد مضى الحكم.

ابن رُشد: قوله: لا يقبل منه بعد تعجيزه بينة خلاف سماع أصبغ من كتاب الصدقات وظاهر المدونة؛ إذ لم يفرق فيها بين تعجيز الطالب والمطلوب، وقال: يقبل منه القاضي ما أتى به بعد تعجيزه إن كان طالباً أو مطلوباً، وفرق ابن الماجشون بين أن يعجزه في أول قيامه قبل أن يجب على المطلوب عمل، وبين أن يعجز بعد أن وجب عليه عمل، ثم رجع عليه، ففي تعجيز المطلوب قولان، وفي تعجيز الطالب ثلاثة، قيل: هذا في القاضي الحاكم لا من بعده من الحكام، وقيل: فيهما، والخلاف إنما هو إن عجزه القاضي بإقراره على نفيه بالعجز، وإن عجزه بعد التلوم والإعذار، وه يدعي حجة لم

ص: 405

يقبل منه ما أتى به بعد ذلك من حجة؛ لأنه رد من قوله: قبل نفوذ الحكم عليه.

قال ابن عبد السلام: التعجيز في النكاح مشكل؛ لأنه يتضمن حقًا لله في لحوق الولد وغير ذلك.

قلت: لما حكى ابن سهل القول بالتعجيز قال: إلا في ثلاثة: العتق والطلاق والنسب، قاله مطرف، وابن وهب، وأشهب، وابن القاسم.

قال ابن سهل: وشبهها الحبس وطريق العامة، وليس النكاح منها لما في سماع أصبغ، وبالتعجيز فيه أفتى ابن لبابة، وابن وليد، ومحمد بن غالب، ومحمد بن عبد العزيز، وأيوب بن سليم، وأحمد بن يحيى، وأشار إلى استدلالهم بسماع أصبغ.

قال ابن سهل: ولا يضرب فيه من الآجال ما يضرب في الحقوق لما في عقل الفروج من الضرر الذي ليس في الأموال.

قلت: فقوله: لا يضرب فيه من الآجال ما يضرب في الحقوق، عكس استشكال ابن عبد السلام التعجيز فيه، وجوابه: أن منع التعجيز؛ إنما هو فيما ليس للمكلف إسقاطه بعد تقرر ثبوته، والنكاح ليس من ذلك للمكلف إسقاطة إجماعًا وأحكامه، واللد الممتنع إسقاطهما؛ إنما بعد ثبوتها، والتعجيز إنما يتعلق بما فيه الخصومة، والنزاع وهو النكاح نفسه لا أحكامه. فتأمله.

وسمع يحيى ابن القاسم: من ادعت في ميت أنه زوجها ببينة على إقراره في صحته أنها امرأته كان أصدقها كذا، ولم تشهد البينة بإقرارها بذلك في حياته إن كانت في ملكه وتحت حجابه قبل قولها، وإن كانت منقطعة عنه بمسكنها؛ فلا مهر لها ولا إرث؛ إذ لو ماتت؛ لم يرثه بذلك الإقرار حتى يعرف إقرارها ما ادعاه مع شهرة ذلك وإعلانه، وتقادم إدعائه ذلك، ولو ادعت كونها في عيال ببينة على إقراره أن له امرأة لم يسمعها ولا عرفوها، ولا أدعى زوجيته غيرها؛ فلا إرث لها؛ لأنها شهادة غير قاطعة.

ابن رشد: لثباته إرثها بإقراره، وكونها في ملكه؛ لأن ذلك كإقرارها بنكاحه، ولو ماتت لورثها على سماع عيسى فيمن ابتاع جارية، فولدت منه أولادًا، فكان يخبر الناس أنه تزوجها، ويحلف بطلاقها، وقيل: إنما ثبت إرثها لظهور الولد بعد إقراره بنكاحها، ولو لم يكن ولد؛ لم ترثه بكونها تحت حجابه؛ لأنها على ذلك بأصل الملك، ولو تقارا

ص: 406

بالزوجية معًا، ولم تكن في ملكه، ولا تحت حجابه؛ ففي ثبوت نكاحها بذلك، وعدمه قولان لابن القاسم في هذه الرواية مع سماع يحيى ابن وهب، وسماعه ابن القاسم مع أشهب: لا يثبت إلا ببينة، ويصح للشاهد أن يشهد بالقطع عليه من ناحية السماع إذا حصل العلم به؛ لكثرته وتواتره على ما في سماع أبي زيد ونوازل سحنون.

وفي سماع ابن القاسم: روى أشهب وابن نافع: الجارية ينكحها أخوها، فيموت زوجها فيقول ورثته: أقيموا البينة أنها كانت رضيت تسأل إن كانت رضيت.

ابن رشد: القول قولها مع يمينها أنها رضيت، فإن نكلت؛ حلف الورثة إن حققوا دعوى أنها لم ترض، وسقط إرثها، واختلف إن لم يحققوا في وجوب يمينها، وفي وجوب ردها إن نكلت.

وفي شماع أشهب: ابن القاسم قال لي أشهب وابن وهب: من أقام بينه أنه تزوج امرأة وهي تجحد، وأقامت أختها بينة أنه تزوجها، وهو ينكر، ولم توقت البينتان؛ فسخ النكاحان تكافأتا في العدالة أو لا، شهدتا بالدخول أو لا، وللمدخول بها مهرها.

ابن رشد: لأن أحد النكاحين فاسد بكل حال، فلما جهل؛ وجب فسخهما بطلاق، ولا عدة ولا مهر لمن لم يبن بها، وإن ماتت التي أقام البينة أنه تزوجها قبل الفسخ؛ فله نصف ميراثها؛ لنزاعه فيه مع وارثها، يقول: هي زوجتي، ويقول الوارث: بل الأخرى؛ ونكاح هذه فاسد، وإن شك الوارث في ذلك؛ حلف مدعي الزوجية، واستقل بالإرث، وقيل: لا إرث منها لعدم اليقين، وإن ماتت قبل الفسخ؛ فلمن أدعى نكاحها مهرها والإرث؛ لتيقن إرث إحداهما ادعته إحداهما، وأنكرته الأخرى؛ فلا إرث لها ولا مهر إن لم يبن بها، وتعتد كل واحدة أربعة أشهر وعشرًا إن لم يبن بها، وأقصى الأجلين إن بنى.

ومن ادعت نكاح ميت بشاهد واحد؛ ففي ثبوت إرثها به مع يمينها ثالثها: الوقف للخمي عن ابن القاسم وأشهب وابن شاس عن أصبغ قائلًا: بناء على ما ليس بمال يئول إليه.

قلت: نحوها قول ولائها: من مات عن ابنتين شهدتا لمدعي ولاء أبيهما بعد موته، وهما عدلتان؛ حلف وورث الثلث.

ص: 407

وقال غيره: لا يحلف ولا إرث له؛ لأن شهادته بالعتق لا تجوز.

ابن شاس: من أقر في صحته بزوجة، ثم مات، فإن كانا طارئين، أو كان معها ولد أقر به ورثته مطلقًا، وإلا ففي ذلك خلاف، واختصره ابن الحاجب فقال: وتورث بإقرار الزوج الطارئ، وفي غيره قولان، وقبله ابن عبد السلام دون تقييد، وقول الثلاثة خلاف ما تقدم من سماع يحيى: أن ذلك مقيد بشهرة ذلك وإعلانه، وتقادم إدعائه ذلك.

ابن شاس: ولو أقر بوارث غير الزوجة جرى على الخلاف في إقراره بالزوجة حيث لا ولد بناء على أن الإقرار بهما كإقرار بمال أو لا؟

قلت: عبر عنه ابن الحاجب بقوله: وفي الإقرار بوارث غير الزوج والولد قولان، فقال ابن عبد السلام: أراد في إقرار المرأة بوارث ليس زوجًا، ولا ولدًا قولان، أما إقرارها بزوج؛ فلا يصح لما تقدم، وبالولد قالوا: لا يصح؛ لأنه استلحاق، ولا يصح استلحاق غير الأب، وفيمن عدا هذا من القرابة قولان، فإن أراد هذا؛ فلا معنى لفرض المسألة في إقرار المرأة خاصة؛ لأن الخلاف أيضًا في إقرار الرجل بأخ أو ابن عم.

قلت: تعقبه عليه فرض المسألة في إقرار الزوجة إلى آخر وهم؛ لأن ابن الحاجب لم يقل: وفي إقرار الزوجة، أنما قال: وفي الإقرار؛ وهو عام في إقرار الزوجة وغيرها أو أعم إن لم تكن (أل) للعموم، فحمله هو على الزوجة، وتعقبه عليه كمن رمى بريئًا وحده، وتقدم نحو هذا في قوله: والجاري كالكثير إذا كان المجموع كثيرًا، والتمسك في حمله هو على المرأة بقوله: بوارث غير الزوج لا يتم؛ لأن لفظ الزوج ليس خاصًا بالرجل؛ بل يصدق على المرأة صدقا غير شاذ.

الشيخ عن ابن سحنون: إقرار أبوي غير بالغين بنكاحهما يلزمهما إياه، وإقرار سيد الأمة بنكاحها يلزمها بخلاف سيد العبد.

قلت: أصل المذهب في جبره يوجب إلزامه، والفرق بجواز مباشرته العقد دون غير البالغ والأمة لغو.

قال: وإن قال: ألم أتزوجك أمس، أو ما تزوجتك أمس، فقالت: بلى، ثم جحد؛ فهو إقرار منه، وإن قال: قد تزوجتك أمس فأنكرت، ثم قالت: بلى قد تزوجتني، فقال:

ص: 408

ما تزوجتك؛ لم يلزمه، وقال غيرنا: يلزمه، وإن قالت له: طلقني أو خالعني وهما طارئان، فإقرار منها بالزوجية، وكذا لو قال الزوج: اختلعت مني.

ابن عبد الحكم: قولها: خالعني أو راجعني من طلاقك إياي، إقرار منها.

ابن سحنون: وقوله: اختاري أو أمرك بيدك؛ إقرار.

وقوله: أنت على حرام أو بائنة أو بتة؛ فليس بإقرار؛ لأن الأجنبية كذلك إلا أن تسأله الطلاق، فيجيبها بذلك فإقرار، وكذا أنا منك مول؛ بخلاف أنت علي كظهر أمي.

وقوله: أنا منك مظاهر، أو أنت علي كظهر أمي إن وطئتك أو دخلت دار فلان؛ إقرار، وقولها -وهما طارئان-: خالعتني أمس، وأنت مظاهر أو مول مني، أو هذا ابني منك؛ فصدقها، أو قاله فصدقته إقرارً.

ابن عبد الحكم: قولها: (ما أنفقت علي كما ينفق على الزوجات، أو أجر على ولدك مني هذا النفقة، أو اجعل لي طلاق نفسي منك) إقرار، ولو قال: تزوجتك قبل أن أولد؛ لم يلزمه في قولنا وقول أبي حنيفة، وهذا يدل أن اللعب في النكاح لا يلزم.

قلت: إجراؤه عليه يوجد فيه قولا بلزومه، والحق أنه لا يدل على أن اللعب في النكاح لا يلزم؛ لأن هذا لعب في الإقرار بالنكاح لا نكاح لعب، والفرق بينهما واضح كوضوحه بين الإقرار بالنكاح والنكاح الثابت.

وفي كتاب ابن سحنون: لو قال: تزوجتها بعد عدتها، وقالت: فيها؛ فالقول قوله، ولو قال: بعد أن أسلمت -وكانت مجوسية وهو مسلم- وقالت: قبل أن أسلم؛ فالقول قوله، وقال محمد بن عبد الحكم: القول قولها أنها كانت مجوسية.

قلت: وعليهما لو قال: بعد أن عتقت؛ قالت: قبله.

ابن سحنون: لو قال في يتيمة بعد أن بلغت وقالت: قبله، فرجع سحنون عن قبول قولها لقبول قوله.

ابن سحنون: لو قال: تزوجتك وأختك في عقد واحد.

ابن عبد الحكم: أو قال: وأختك عندي؛ وقالت: تزوجتني وحدي، ولم تكن عندك أختي فسخ لإقراره بفساده، وعليه نصف المسمى إن لم يبن، وإن لم يسم؛ فلا

ص: 409

شئ عليه.

ابن عبد الحكم: لها المتعة.

ابن سحنون: وإن بنى؛ لم يصدق في إبطال الطلاق والسكنى، وكذا إن قال: تزوجتها في عدة.

قلت: كذا وجدته في نسخة عتيقة مصححة في إبطال الطلاق والسكنى وهو وهم في السكنى لاقتضائه سقوطها، لو ثبت قوله: بيمينه، وليس كذلك، وتقدم نحوه لابن بشير، والرد عليه بثالث نص نكاحها: من نكح ذات محرم، ولم يعلم، ففرق بينهما بعد البناء؛ فلها السكني؛ لأنها تعتد منه، وإن كان فسخًا.

الشيخ عن كتاب ابن سحنون: من أقر في صحته بنكاح امرأة بمهر سماه وصدقته، تم جحد وهما طارئان؛ لزمه، وإن كانا حاضرين؛ صح إن أقر به الولي، وأشهدا إن لم يعترفا بالوطء وإلا حدا، ولو مات قبل إدعائها، ولم يبن صدقت إن أقر به الولي وورثته، ولو أقر بذلك في مرضه، فإن كانا طارئين؛ صدق في النكاح مطلقًا، وفي المهر إن ورثه ولد، وكان مهر مثلها، ولو كانا حاضرين، وصدقها الولي؛ بطل ولا إرث ولا مهر، وإقرار مثله في الجميع إلا سقوط المهر إن كان صحيحًا، ولو قال: تزوجتها ببينة، وقالت: بغير بينة؛ وعجز هو عن البينة، وصدقها الولي؛ صح وأشهدا، ولو أقرا بالبناء حدا إن عجزا عن البينة.

قلت: هذا خلاف سماع عيسى ابن القاسم: من تعلق بها رجلان كل يدعيها زوجة، وزعمت أنهما زوجاها، وأن أولهما أجاعها وضربها، فهربت وظنت أن ذلك فراقه، فتزوجها الآخر، وأنه طلقها فسأل الأول البينة إن أقامها؛ ردت إليه بعد حلفه ما طلقها، ولا صالحها ولا يطؤها حتى يستبرئها بثلاث حيض، وإلا فرق بينهما، وتنكح من أحبت منهما.

ابن رشد: معنى المسألة: أنها ليست في ملك أحدهما وتحت حجابه، وقوله: يسأل الأول البينة؛ تحتمل أنه الذي أقرت أنه أول أو الأول على دعوى الرجلين كقول أحدهما: تزوجان في محرم عام كذا، ويقول الآخر: في رجبه ولا أعلم فيها نكاحًا قبلي؛ والأول أظهر، وإنما حلف الأول مع بينته، ولم تدع امرأته طلاقه؛ لبينونتها بنفسها عنه،

ص: 410

ومصيرها إلى غيره على ما زعمت شبهة على طلاقها لعلها أقوى من الشاهد الواحد، ويمين الثاني لدعواها طلاقه مع كونها خارجة عن حوزه، وكذا يقول على هذا: لو انتقلت امرأة عن زوجها، وبانت بنفسها، ولم يظهر منه إنكار حتى طال الأمر، وأرادت التزويج، وزعمت أنه طلقها؛ لزمته اليمين، وإن لم تقم شاهدًا، ولو أقام كل منهما بينة ولم تؤرخا؛ لم يكن لواحد منهما نكاح إن كانتا عدلتين، وإن كانت إحداهما أعدل، ولو كانت في ملك أحدهما وعياله، وتحت حجابه، وهما طارئان أو مقران بالنكاح مع شهرة ذلك، وإعلانه كانت البينة على الآخر، فإن عجز؛ ثبتت لمن هي في ملكه دون يمين عليه على ما في سماع يحيى.

وسمع عيسى ابن القاسم: من تعلقت برجل زعمت أنه زوجها، وأن نبطية زوجتها منه، وادعت بشهود، فجحد الشهود ما ادعت إن أقرا بالدخول؛ أحسن أدبهما وفرق بينهما ولو دخل؛ لأنه لو ثبتت لها بينة؛ كان نكاحهما حرامًا، ومنعني أن أعاقب في المسألة الأولى أن ذلك أمر طال عسى الشهود أن يكونوا ماتوا أو غابوا.

ابن رشد: إنما لم يحدهما لإظهارهما الأمر قبل العثور عليهما، ولو أخذا في بيت فأقرا بالوطء، وادعيا الزوجية؛ حدا إن لم يأتيا ببينة على ما في قذفها ورجمها، ولو لم يقرأ بالوطء، ولا شهد به عليهما؛ أدبًا لو يحدا، وعليه محمل ما في نكاحها الأول، ويحتمل سقوطه لشهادة الأب والأخ: أن الأب زوجها إياه فرآه شبهة؛ ويريد بالمسألة الأولى التي قبلها؛ لأن كلا من الزوجين أقر بالبناء بالمرأة، وأدعى أنها زوجته، فلم ير على من عجز عن البينة حدا؛ لأنه أقر طائعًَا بأمر لا ريبة فيه، ولا رأى عليه؛ أدبًا لما ذكر من طول الأمر.

قلت: ظاهر ما نقله الشيخ عن كتاب ابن سحنون: إن جحد من صدق دعوى امرأة نكاحه وهما طارئان أنه لا يعد طلاقًا منه.

وقال المتيطي: من ادعت نكاح رجل، وأقامت عليه بينة، وهو ينكرها، وعجز عن دفعها؛ لزمه النكاح والنفقة، ولا ينحل نكاحه إلا بطلاق، فلو أبى الدخول؛ عزم عليه فيه أو الطلاق، إن طلق؛ لزمه نصف المهر الذي شهدت به البينة، فإن أبى البناء والطلاق.

ص: 411

قال ابن الهندي: كان بعض من أخذت عنه يقول: يطلق السلطان عليه بعد أربعة أشهر من وقت إبايته كالمولى؛ لأنه مضار، ويغرم نصف المهر.

المتيطي: لم يجعل ابن الهندي ولا ابن العطار ولا غيرهما من الموثقين فيما أعلم إنكار الزوج النكاح طلاقًا، ولا شك أنه أصل مختلف فيه.

قال أصبغ في الواضحة: من قال لأب: أنكحتني فلانة، وقال الأب: بل فلانة؛ فسخ ولا أيمان بينهما، وإن رجع أحدهما لتصديق صاحبه؛ لم يقبل منه، وغرم الزوج نصف مهر كل واحدة الأولى بإقراره، والثانية برجوعه لها.

واختلف في مسألة الابن الذي زوجه أبوه وهو ساكت هو نكوله طلاق أم لا؟

وفي العتبية ما ظاهره لزوم النكاح، ونحوه لأصبغ في النوادر عن أشهب.

ولابن زرب: إن أنكح وصي يتيمته من رجل، فأنكر الناكح، فقال له القاضي: طلقها، فقال: كيف أطلق من لم أنكح؟

قال له: ولعلك فعلت، فطلاقك خير لك ولها؛ فلم ير الإنكار طلاقًا.

قال: وفي رسم العزبة وسماع عيسى من رواية أصبغ عن ابن القاسم: من قال في جارية بيده: اشتريتها، وقال سيدها: بل تزوجتها؛ تحالفًا وتفاسخًا، ولا تكون زوجة ولا أم ولد، وترجع الأمة لسيدها؛ لأن المشتري أقر بأنها ليست له بزوجة؛ فهو كمطلق، وأدعى أنها أمته ولا بينة له.

ابن زرب: قوله: هو كمطلق؛ ليس على أصولهم، وليس إنكاره طلاقًا، واختلف أيضًا في نكاح الهزل فقال الشيخ أبو الحسن: إذا لم يقم عليه دليل؛ لزم الزوج نصف المهر، ولم يمكن من الزوجة لإقراره أن لا نكاح بينهما.

وقال أبو عمران: يمكن منها ولا يضر إنكاره.

قلت: هذا هو الحق؛ لأن العدم اللاحق مباين للعدم السابق كعدم العالم السابق هو ثابت في الأزل؛ لإنتفاء نقيضه وعدمه اللاحق حادث؛ لأنه بعد وجوده الحادث، إذا ثبت هذا؛ فالطلاق شرعًا إنما هو من باب العدم اللاحق، وهو رفع العصمة، أو بعض أجزائها، وإنكار النكاح من باب العدم السابق؛ فهما متباينان، والمباين لا يستلزم مباينه بل ينافيه، وما أشار إليه في رسم العزبة هو سماع عيسى في كتاب الدعوى والصلح إثر

ص: 412

سماعه رواية ابن القاسم: من طلب ثمن جارية بيد من ولدت منه، وزعم أنه باعها منه فقال من هي بيده: لم أشترها؛ بل زوجتنيها، إن كان ممن لا يتزوج الإماء لشرفه وماله؛ غرم ثمنها، وإن كان ممن يتزوجها قبل قوله: وتركت؛ له يطؤها؛ لأنها حلال له زوجته، أو أم ولده لإقرار خصمه أنها ولدت منه بابتياع، ولو لم يكن ولد حلف أنه صادق، وفسخ النكاح، وأخذ الجارية ربها.

وقال سحنون وأصبغ: رب الجارية أقر أنها أم ولد؛ فولدها أحرار، وأدعى مالًا؛ فلا يثبت له إلا ببينة، فتوقف الجارية، وتنفق على نفسها، فيأخذ ربها من تركتها ثمنها، ويوقف باقيهما حتى يقر من هي بيده بشرائها فيأخذه.

قال: فإن مات من أدعى نكاحها قبلها؛ كانت حرة لإقرار ربها أنها أم ولد، فإن ماتت بعد ذلك؛ فمالها لورثة من أقر ربها أنه باعها منه.

ابن رشد: قوله: إن كان ممن لا يتزوج الإماء غرم ثمنها؛ معناه: أن القول قول رب الجارية مع يمينه إن كان ما ادعاه من الثمن يشبه، وإن لم يشبه؛ تحالفًا وغرم قيمتها يحلف ربها لقد باعها منه بما أدعى؛ ليحقق عليه شراءها، ويحلف الآخر لقد تزوجها، وما اشتراها؛ ليسقط عنه ما زاد على قيمتها.

وقيل: لا يصدق ربها فيما ادعاه من الثمن، وإن أشبه إن كان أكثر من قيمتها، وهو الآتي على قول الغير في الجعل والإجارة منها: فعليه يحلف ربها لقد باعها منه بالثمن الذي ادعاه؛ ليحقق الشراء، ويحلف الآخر ما اشتراها، وإنما تزوجان؛ ليسقط ما زاد على قيمتها.

وقوله: إن كان ممكن يتزوج الإماء قبل قوله؛ معناه: في تكذيب رب الجارية أنه باعها منه لا في أنه تزوجها؛ لأنه في ذلك مدع، وإن زاد في يمينه:(ولقد تزوجها منه) تحقيقًا لدعواه عند من سمعه؛ لم يثبت بذلك زوجيتها؛ لأنها لو لم تلد حلف أنه صادق في دعواه أنه تزوجها، وما اشتراها، ويحلف ربها لقد باعها منه، وما زوجها منه، ويفسخ النكاح والبيع، ويأخذ الجارية ربها.

وقول سحنون: إن ولدت؛ وقفت حتى تموت؛ أظهر من قول مالك؛ لأن كل واحد من المتنازعين مدع على صاحبه، وقد أبطل صاحبه دعواه عنه بيمينه، فلم يثبت

ص: 413

كونها زوجة ولا أم ولد.

وضعف ابن دحون قول سحنون بأن الأمة لا تخلو عن كونها زوجة على دعوى من هي بيده أو أم ولد على دعوى ربها؛ فهي مباحة له؛ لأنه لو قال رجل: كنت أولدت إمائي كلهن، وتزوجتهن كلهن إلا واحدة لا أدري هل هي زوجة أو أم ولد؟ لم يمنع من وطئها؛ لأنه حلال على أي وجه كانت.

ابن رشد: تضعيف ابن دحون ضعيف؛ لأن الشراء والتزويج لم يصحا، وانفسخا بيمين كل منهما على تكذيب صاحبه؛ فلا يصح لحاكم أن يقرها بيد من هي بيده بدعواه تزويجها لانفساخه بيمين من هي بيده، ولاحتمال كذبهما معًا، وما نظرها به ابن دحون لا يشبهها؛ لأن من شك في المرأة هل هي زوجة أو أم ولد؟ لا شك في حليتها له، والحاكم في مسألتنا يشك في حليتها؛ لاحتمال كذبهما كما قررناه، وقول سحنون: الولد أحرار مفسر لقول مالك.

قلت: هذا يضعف قول ابن رشد، ويصحح قول ابن دحون؛ لأن الحكم بحرية الولد؛ حكم يلازم الدعويين، وإلا لزم رقه؛ لأن أمة أمة، فكما حكم بلازمهما في الولد، فكذا في حلية وطئها من هي بيده.

قال: وقوله: نفقته عليها صحيح، فإن عجزت؛ أنفقا عليها أو أعتقاها، ولا توقف بغير نفقة.

وقوله: إن ماتت؛ أخذ ربها من تركتها الثمن؛ صحيح، لإقرار من هي بيده أن جميع تركتها لربها، وباقيها موقوف من كذب منهما نفسه أولًا، ورجع لقول صاحبه أخذه.

وقول أصبغ: إن مات من ادعى تزويج الأمة قبلها؛ عتقت صحيح لإقرار ربها أنها أم ولد له، وكذا قوله: إن ماتت بعد ذلك لا يكون لربها من مالها شئ؛ لأنها ماتت حرة، فيرثها عصبتها الذين يرثون ولاءها لإقرار سيدها أنها أم ولد، ولا حق له قبلهم، إنما حقه قبل الميت الذي أدعى أنه باعها منه.

قلت: وفي الرسم المذكور مسألة إثر هذه المسألة هي: قال سحنون: لو قال حائزها: اشتريتها، وقال ربها: زوجتكها؛ فالقول قوله، وولدها رقيق ينسب لأبيه.

ص: 414

أصبغ عن ابن القاسم: يتحالفان ويتفاسخان وترد لربها، ولا تكون زوجة ولا أم ولد، والحائز بإقراره أنها ليست له زوجة كمطلق، والولد في الوجه الأول حر تبع لأبيه لا قيمة عليه فيه، وفي الوجه الثاني الذي قال: زوجتك؛ رقيق.

ابن رشد: هذه عكس التي قبلها لا يقبل قول حائزها؛ لأنه مدع شراءها دون بينة، وولده رقيق ينسب إليه، ويفسخ النكاح لإنكاره تزويجها مع يمينه على ذلك، فترد لربها ولا يلزمه فيها طلاق؛ بل يكون عنده إن تزوجها على طلاق مبتدأ على ما قاله أصبغ عن ابن القاسم: أنهما يتحالفان ويتفاسخان.

وقوله: أنه كمطلق؛ يريد: أنه لا يصح له المقام عليها؛ لإنكاره نكاحها.

قلت: هذا خلاف ما تقدم لابن زرب من حمله على أنه طلاق.

ابن رشد: ولو لم تشبه دعوى ربها أنه زوجها منه؛ لكونه ليس مثله من يتزوج مثلها الإماء لشرفه وحاله موجب أن يكون القول قوله في دعواه الشراء، ويكون ولده حرًا على ما قاله مالك في المسألة التي قبلها.

ص: 415

الصداق

الأظهر أن غير ركن في صحيح النكاح، وإسقاطه مناف له، فإمكان لزوم الصداق شرط في صحيح النكاح، ولا يرد بلزومه في نكاح التسمية؛ لأن اللزوم لعارض لا ينافي الإمكان الأصلي.

وقول ابن الحاجب وغيره: ركن؛ يرد بعدمه في نكاح تفويض وقع فيه طلاق أو موت قبل البناء؛ لأن ركن الأعم لا يوجد أخصه بدونه، فإن قيل: يمنع عدمه فيها ذكر، وسنده أن عدم الشئ في وقت ما لا يدل على عدم تقدم وجوده؛ فعدمه في الطلاق والموت قبل البناء، كعدم أحد الزوجين بموته لحكم الشرع بإسقاطه بهما، كما أسقط نصف أقله المسمى بالطلاق وأبقى نصفه، وإن لم يكف في ركنيته، أجيب بأنه لو كان ثابتًا قبل في الطلاق والموت كالنصف الثاني في المسمى، أو كثبوت كله على قول لما صح قولها: لو استثنى من أعتق أمته قبل البناء مهرها؛ صح في نكاح التسمية، وبطل في التفويض قبل فرضه؛ إذ ليس بمال لها، فيشترطه، ولما ذكر ابن عبد السلام ما رددت به قول ابن الحاجب قال: والجواب أن عقد النكاح عقد معاوضة كل من العوضين فيه ركن، والصداق في النكاح أحد العوضين، ونكاح التفويض أحد تحكمات الشرع في الصداق، وتحكماته مألوفة في أركان النكاح عمومًا، وفي الصداق خصوصًا.

قلت: فحاصل جوابه: أن الصداق ركن في مطلق النكاح؛ لأنه عقد معاوضة، وأنه في نكاح التفويض غير ركن، وإليه الإشارة بقوله: ونكاح التفويض أحد تحكمات الشرع، ومن تأمل هذا الكلام علم تنافيه، لأن كون الشئ ركنًا لمطلق ماهية غير ركن لأخصها متناف.

وأكثر المهر لا حد له، وقول عمر ورجوعه عنه؛ لإنصافه قصته فيه مشهورة.

أبو عمر: لم يختلفوا في أكثره لقوله تعالى: (وآتَيْتُمْ إحْدَاهُنَّ قِنطَارًا)[السناء: 20].

الباجي عن الجلاب: لا أحب الإغراق في كثرته.

قلت: لحديث عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يمن المرأة تسهيل أمرها

ص: 416

وتيسير أمرها وقلة صداقها".

قالت عائشة: "وأنا أقول من عندي: ومن شؤمها تعسير أمرها وكثرة صداقها"؛ أخرجه الحافظان الحاكم وابن حبان واللفظ له، وذكر الحاكم أنه على شرط مسلم.

وأقله: المشهور ربع دينار أو ثلاثة دراهم، أو ما قيمته أحدهما، وقيل: أو ما قيمته ثلاثة دراهم فقط.

اللخمي: هو كقول ابن القاسم في نصاب السرقة قال: ولابن وهب: يجوز بالدرهم والسوط والنعلين.

وعزا المتيطي الثاني لابن شعبان.

وزاد عن ابن وهب في الواضحة: يجوز بأدنى من درهمين، وبما تراضى عليه الأهلون.

وفي نكاحها الأول: لا يزوج الرجل عبده أمته إلا ببينة وصداق، ومن نكح بأقل من أقله؛ أتمه وإلا فسخ.

فيها: إن نكح بدرهمين، أو بما يساويهما، ولم يبن؛ أتم ثلاثة دراهم وإلا فسخ.

قلت: لم أجزته؟

قال: لأن من الناس من أجاز هذا الصداق، وفي لزوم نصف الدرهمين في فسخه نقلا الباجي عن محمد مع جماعة من أصحابنا، والجلاب مع التلباني، وجماعة من المتأخرين.

ابن محرز: صوب القابسي الأول، وابن الكاتب الثاني؛ لأنه فسخ يجبر، بخلاف لو طلق؛ لأنه بنفس اختياره، وكون الزوج قادرًا على إتمامه بتكميله كحالة في اختلافهما في المهر مع قدرته على إتمامه بتصديق منازعه.

المتيطي: صوب الأول غير واحد من القرويين.

وقيها إن بنى؛ أجبر على إتمامها.

ص: 417

قال بعض الرواة: لا يجوز قبل البناء، وإن أتم الزوج ربع دينار، فإن بنى؛ فلها مهر مثلها، والنكاح مفسوخ قبل البناء وبعده؛ لأنه كأنه تزوج بغير مهر.

وعزا الباجي الأول لأشهب وابن القاسم، والثاني لابن الماجشون، وفسر المتيطي بعض الرواة به، وقال إثر نقله قوله: يفسخ قبل البناء؛ زاد في رواية الدباغ: ويفسخ أيضًا بعد البناء، ولها صداق المثل كمن تزوج بغير صداق، وعلى هذه الرواية اختصر ابن أبي زمنين، والبراذعي وغيرهما، وأسقطها ابن أبي زيد وغيره.

قلت: ففي حمل قول الغير على الفسخ بعد البناء طريقان:

الثانية: نقل ابن رشد عنه.

وفيها: إن طلق قبل البناء؛ قلها نصف الدرهمين.

اللخمي: وعلى قول الغير لا شئ عليه.

قلت: تقدم لابن الكاتب ما يرد تخريجه عليه، ونقله ابن بشير نصًا لا تخريجًا.

وسمع عيسى ابن القاسم: من أعطته ثيب دنانير على أن يتزوجها إن زادها عليها ربع دينار؛ فلا بأس، ومن أعطته بكر ذلك؛ فسخ نكاحه قبل البناء إن لم يتم لها المهر، وإن بنى؛ لزمه مهر المثل، ثم رجع إلى ثبوته، وإن لم يبن، وعليه ما أصدقها من ماله.

ابن رشد: إن زاد الثيب ربع دينار؛ جاز النكاح؛ لأنها مالكة أمر نفسها، وإن زادها أقل من ربع دينار؛ كان كمن تزوج به، فذكر قول ابن القاسم فيها: وقول الغير معبرًا عنه بقوله: يفسخ قبل البناء.

وفي فسخه بعده كالموهوبة وثبوته بعده بمهر المثل كنكاح فاسد لمهره قولان:

والبكر قال ابن القاسم: إن أعطاها ما أصدقها من ماله قبل البناء؛ ثبت نكاحه وإلا فسخ، وإن بنى؛ صح ولزمه مهر المثل؛ لأنه لم يرض بالمسمى إلا لظنه إمضاء العطية، ثم رجع للزوم نكاحه بغرمه ما أصدقها لاستحقاقها إياه كمشتر عبدًا بمال أعطاه إياه، ولم يستثن ماله.

ص: 418