الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[باب ما يثبت به الأمان]
الصيغة: الباجي: يثبت بكل إنسان عبر به عنه، ولو لم يفهمه المؤمن، والإشارة به كلفظه، وكذا لو أراد المؤمن منع أمانه، فظنه المؤمن أماناً؛ فهو أمان له.
قلت: لنقل الشيخ رواية ابن وهب: الإشارة بالأمان كالكلام، وليتقدم إلى الناس في ذلك.
ابن العربي: لا خلاف في إمضاء الإشارة به إن كانت معهودة بينهما.
قلت: انظر مفهوم قوله: إن كانت معهودة، وفي الموطإ: الإشارة به كالكلام.
وللشيخ عن محمد: أجمع فقهاؤنا في مركب مسلمين قاتلوا مركب عدو يومهم، فطلب العدو الأمان، فنشر المسلمون المصحف، وحلفوا بما فيه: لنقتلنكم، فظنه العدو أماناً، فاستسلموا، ثم طلبوا بيعهم أن ذلك أمان.
قال: ولو طلبوا مركباً للعدو، فصاحوا به: ارخ قلعك، فأرخاها؛ هو أمان إن كان قبل الظفر بهم.
قلت: وتقدم قول عمر للهرمزان.
ابن سحنون: ذكر لمالك ما روي عن عمر في القائل للعلج: مترس؛ وهو بالفارسية: لا تخف.
قال سحنون: هو أمان، وكذا بكل لسان قبطي أو غيره، ولو لم يفهمه الحربي.
ابن حبيب عن بعض أهل العلم: من رهق مشركاً فاتقاه، فقال له: لا تخف ولا بأس عليك، ثم أسره فأراد قتله، إن أراد بقوله له تأمينه من الضربة التي أشرف بها عليه لا من قتله؛ فله قتله، وإن أراد من القتل؛ فلا يقتله، فإن قتله؛ غرم قيمته للمغنم.
قلت: إن قيل: قتله مطلقاً يوجب ضمانه؛ لأنه لا يقتل أسيراً إلا الإمام.
قلت: مراده بأسره الاستيلاء عليه بالغلبة لا حصوله في قبضة الإسلام.
وفي الموطإ: مالك عن رجل من أهل الكوفة: أن عمر بن الخطاب كتب إلى عامل جيش: بلغني أن رجالاً منكم يطلبون العلج حتى إذا أسند في الجبل وامتنع.
قال الرجل: مطرس يقول: لا تخف، فإذا أدركه قتله، والذي نفسي بيده لا أعلم
مكان أحد فعل ذلك إلا ضربت عنقه.
قال يحيى: سمعت مالكاً يقول: ليس هذا الحديث بالمجتمع عليه، وليس عليه العمل.
ابن العربي: قيل: لم يصح هذا عن عمر.
قلت: في بعض الحواشي يقال: مطرس، ومطرس بشد الطاء وإسكانها، وبالتاء يدل الطاء مشددة وساكنة.
ابن حبيب: ذلك تشديد من عمر، ولا ينبغي أن يقتل.
ووقته الباجي: قبل أسر الحربي لغير الإمام.
سحنون: لو أشرف على أخذ حصن وتيقن أخذه، فأمنهم رجل مسلم؛ فللإمام رده.
اللخمي عن سحنون: من أمن أسيراً بعد أسره؛ لم يحل له قتله، ويجوز للإمام قتله إن رآه، ومنعه محمد.
قلت: ظاهره جواز قتل غير الإمام الأسير، فيؤول بما مر، وشرط المؤمن الرافع أمانه كون المؤمن فيئاً عقله الأمان واختياره، وعدم إعلام الإمام الحربي لغو أمانه.
وروى الباجي: شرط عقله مطلقاً، ونقله غير واحد.
وللشيخ عن كتاب ابن سحنون: إن أمن مخالط العقل إلا أنه يصف الإسلام ويعرفه ويعقله؛ جاز أمانه، وللإمام إمضاؤه أو رده، وشرطه متفقاً عليه ذلك، والإسلام والذكورية والبلوغ والحرية، وكونه قبل القدرة على الحربي في غير الإمام.
فأمان الذمي قال اللخمي: اختلف فيه.
روى محمد: لا أمان له ومؤمنه فيء.
قلت: قال: اختلف فيه، ولم يذكر غير قول مالك، ولم يحك الباجي غيره.
وقال التونسي: في آثارها أمان الذمي جائز.
قلتك قول الصقلي عقب ذكره هذا الأثر.
قال سحنون: بهذا يقول أصحابنا، يقتضي أنه في المذهب.
ولسحنون في النوادر، وظاهره من كتاب ابن سحنون ما نصه: أجاز ابن القاسم
أمان العبد والذمي.
قال ابن القاسم: إن قالوا: ظننا الذمي مسلماً؛ ردوا لمأمنهم، وإن علموا أنه ذمي؛ فهم فيء.
سحنون: لا يجوز أمان الذمي بحال.
وقال المازري وابن بشير: المشهور لغو أمانه، والشاذ صحته.
اللخمي: وعلى لغوه لو قال المؤمن: ظننته مسلماً، ففي قبول عذره قولا ابن القاسم.
قلت: زاد الشيخ عن محمد: أحب إلي رده لمأمنه.
اللخمي: لو قال: ظننت صحة أمانه، فروى محمد: لا يقبل.
اللخمي: إن رده لمأمنه للشك في استباحته، ولو قال: علمت أن لا أمان لنصراني وجهلت أنه نصراني؛ لم يعذر؛ لأنهما أهل دين واحد، فدعواه جهله لا تشبه.
قلت: مفهومه لو كان يهودياً عذر، وخرج ابن بشير عليه ظن عقله وهو مجنون.
وأمان المرأة: الباجي: معتبر.
اللخمي: في اعتباره قولا ابن القاسم وأبي الفرج عن عبد الملك.
المازري: أولاً لا خلاف في تأمينها، ثم قال: المشهور اعتباره، وقيل: لا تأمين لها.
عياض: على جواز أمانها جمهور العلماء، وخالف فيه ابن الماجشون؛ إذ ليست ممن يقاتل.
وفي أمان الصبي عاقلة مطلقاً، أو إن أجازه الإمام للقتال قولا ابن القاسم فيها، والباجي مع اللخمي عن سحنون.
وفي أمان العبد ثالثها: إن أذن له ربه في القتال للباجي عن ابن القاسم مع قوله نقله القاضي كأنه المذهب، ورواية أبي عمر واللخمي مع الباجي عن رواية معن، وله عن سحنون قال: وقال ابن القصار: لا نص فيه، وهم يرون قياس قول مالك اعتباره، ونقل ابن بشير الثالث بلفظ: إن قاتل، ونقله ابن شاس.
رابعاً الشيخ عن سحنون: إن ثبت تأمين العبد، فرده الإمام، فأبوا إلا أن يقتلهم الإمام، أو يسبيهم أو يتم أمانهم، فإن تحولوا لبلد الإسلام ضرب عليهم الجزية، فإن
أبوا؛ فهم فيء يخير فيهم الإمام بالقتل وغيره.
وأمان الأسير: لم بيده بعد تخليتهم إياه صحيح، وقبله مع قولهم: أمناً وإلا قتلناك لغو.
ابن رشد: اتفاقاً فيهما.
وفي صحته لهو بقولهم: نخليك على أن تؤمننا ولغوه قولان؛ لأول لفظ سماع عيسى ابن القاسم وآخره مع ابن حبيب.
وفي صحته من أسير طلب من آسره تأمينه حين أحسوا بخيل المسلمين، فأمنهم وهو آمن، سماع أصبغ أشهب قائلاً: يصدق إن كان آمناً مع محمد قائلاً: إن اختلف قوله؛ أخذ بأوله.
ونقل ابن بشير مع الشيخ عن سحنون قائلاً: لا يصدق أنه كان آمناً، ولا يقدر إذا طلبوه منه إلا أن يؤمنهم، ونقل التونسي عن محمد عن ابن القاسم مثل قول أشهب.
وسمع يحيى ابن القاسم: إن خرج حربي من أرضنا بأمان من خالف على الإمام في ثغر؛ لم يستبح في نفس ولا مال، ويقال له: إن عهده لا يمضيه الإمام، فارجعوا إلى مأمنكم، فإذا ردوا لأرضهم؛ كانوا أهل حرب.
ابن رشد عن أصبغ: إن أغاروا على المسلمين لمخالفة من أعطاهم العهد الإمام؛ فلا أمان لهم.
الشيخ عن سحنون: أمان الخوارج، ولو لجمع معتبر، وللإمام نقضه بردهم لمأمنهم، ولو كانوا بمنعة، فأمنوا حربيين على الخروج إليهم للكون معهم بأرض الإسلام، فقاتلونا معهم؛ لم يستباحوا لو قاتلونا، ويرد لهم ما لهم ولو نفله الإمام.
قلت: ثم قال عنه في مثل هذا: إن قاتلونا؛ استحل منهم ما يستحل من الخوارج.
قال: وتأمينهم إياهم على مجرد الخروج ليقاتلونا معهم لغو؛ لأنهم لم يذكروا أماناً.
قلت: اعتبار تأمينهم بناءً على عدم تكفيرهم، والفرق بين الثانية والأولى التصريح بلفظ الأمان فيها دون الثانية.
فإن قلت: إنما جعل تأمينهم على الخروج للكون معهم بأرض الإسلام، وإن كانوا
يقاتلوننا معهم لتقرر لازم الأمان في هذه الصورة، وهو التزام المؤمن حكم الإسلام بالإطلاق، وإن كان فاسقاً، وجعل تأمينهم على مجرد الخروج لقتالنا لغواً؛ لانتفاء لازمه المذكور؛ لأن الخروج المخصوص بقتالنا خروج لحرب المسلم المناقض لالتزام حكمه.
قلت: يرده قوله: لو أمن عشرة من الخوارج مثلهم من الروم على أن يغيروا علينا، ولا منعة لكل فريق فهم كالخوارج لا فيء، ولو لم يؤمنوهم، وقالوا اخرجوا قاتلوا معنا فهم فيء.
قال: ولو دخل الخوارج أرض أهل الحرب، وأمن بعضهم بعضاً، فغن كان الحربيون في سلطانهم؛ سقط تأمين الخوارج لهم وإلا اعتبر، لو دخل الحربيون إلى الخوارج بأرضنا، فسألوهم قتالنا هم بناحية والخوارج بناحية، وأمير كل منهما منه، فإن كان الحربيون بمنعة بأنفسهم، فهو فيء وإلا فكالخوارج.
وأمان الإمام وأميره المجعول له لازم إمضاؤه.
وفي كون أمان غيرهما كذلكن وكونه لنظر الإمام أو أميره في إمضائه، ونقضه برده لمأمنه نقلا اللخمي عن محمد مع الباجي عن فهم القاضي المذهب، وابن القاسم، ومالك، وابن حارث عن سحنون مع اللخمي عنه، وعن ابن حبيب والباجي عن ابن الماجشون، وجعل ابن بشير الأول المشهور.
وفيها: لمالك: أمان المرأة جائز.
ابن القاسم: وكذا عندي العبد والصبي إن عقل الإسلام لحديث: يجير على المسلمين أدناهم.
قال غيره: لم يجعله صلي الله عليه وسلم لازماً للإمام؛ بل ينظر فيه بالاجتهاد.
الصقلي: جعل أصحابنا قول المغيرة وفاقاً لقول مالك، وجعله القاضي خلافاً.
قلت: عزا الشيخ قول الغير لابن الماجشون وسحنون، وكذا أبو عمر قائلاً: هو شاذ لم يقله أحد من أئمة الفتوى، ومقتضى الروايات وأقوالهم، ونص المازري أن الخلاف في
إمضاء أمان غير الإمام وأميره؛ إنما هو إذا كان لواحد أو جماعة لا على ناحية ألا تغزى، وخص ابن العربي هذا الخلاف بكونه في جيش فيه الإمام.
قال: فإن غاب الإمام عن موضع الأمان نفذ الأمان.
ونقل ابن عبد السلام عن بعض الشيوخ: أن معنى حمل قول الغير على الخلاف أن ابن القاسم يقول: الإمام مخير في إمضائه، ورده لمأمنه، والغير يقول في إمضائه وجعله فيئاً.
قلت: هذا لا أعرفه في عموم تأمين غير الإمام في ذي منعة، وأسير حسبما هو ظاهر المسألة، فإن قلت: نقل ابن شاس والباجي عن ابن القاسم: للإمام رد تأمين غيره يقتضي أنه فيء.
قلت: فسر الباجي رده فيمن أمن بعد نهي الإمام عن التأمين يرد الحربي إلى ما كان عليه، فأحرى فيمن لم يتقدمه نهي.
وللشيخ عن كتاب ابن سحنون: من أمن حربياً، فأدخله دار الإسلام، فكرهه الإمام؛ فيعذر إليه أن يرجع لبلده في أجل يمكنه ذلك فيه، ويحتاط له، فإن تعدى ذلك جعله ذمة، وهذا فيمن يقدر أن يرجع، وإلا فعلى الإمام إبلاغه مأمنه، إنما أعرفه في الأسير.
قال اللخمي: اختلف في الأمان بعد الفتح والأسر في القتل.
فقال محمد: من أمن أسيراً سقط قتله؛ يريد: لا استرقاقه.
وقال ابن سحنون عن أبيه: لا يحل لمن أمنه قتله، وللإمام قتله إن رآه مصلحة أو إمضاؤه بجعله فيئاً، وهذا أحسن.
وفي مثل هذا كان جوار أم ****:
قال ابن الماجشون وسحنون: إنما تم أمانها بإجازته صلي الله عليه وسلم.
اللخمي: ولو كان أماناً لمن في حصن كان ألا يهاج بقتل ولا غيره إلا أن يتبين أنه في النفس دون المال وغير ذلك، وفي متعلق الأمان في الأسير عدم قتله، وفي الحربي إن قيد به، وبعد استرقاقه أو بالأول فقط فواضح، وإن أطلق عمهما لنقل الشيخ عن كتاب ابن حبيب: إذا استأسر حربي في منعه؛ فهو آمن لا يقتل ولا يسترق، وإن استأسر
وقد رهقته؛ فلا أمان له.
الباجي: التأمين المطلق هو تأمين الإمام رجلاً أو جماعة، فيكون له الأمان من القتل والاسترقاق، وإن أراد البقاء على الجزية، فله ذلك، وإن أراد الرجوع، فهو آمن حتى يبلغ مأمنه، وهذا حكم من أمنه المسلم الجائز الأمان، والتأمين المترقب ماينظر فيه الإمام باِلإمضاء أو الرد إلى مأمنه، ولعل هذا تجوز ممن يقوله من أصحابنا؛ والصواب أن يرد إلى مثل حاله قبل التأمين، ولو لزم رده إلى مأمنه؛ لكان أماناً مطلقاً، فهذا عند سَحنون هو التأمين الصحيح، وابن الماجِشُون يرى هذا رد الأمانة.
ويثبت الأمان بشاهدين: وفي ثبوته بقول المؤمن فقط نقلا الباجي عن محمد مع أَصْبَغ وابن القاسم وسَحنون.
الشيخ: لو شهد جل مع الذي أمنهم، ففي قبوله أول قولي سَحنون وآخرهما قائلاً: قول الإمام: كنت أمنت مقبول إنما البينة في غيره.
والأمان بشرط جائز جائزٌ، فمن الأمير ماض ومن غيره.
قال سَحنون: للأمير رد تأمين غيره على مال بره، وإمضاؤه بأخذه منه.
سَحنون عن عبد الملك: من استأسر على أن يدل على عورة فلم يدل، فإن اتهم على كتم شيء جبر على أن يدل عليه، فإن أبى رد لمأمنه.
قُلتُ: وفي ترجمة النزول بعهد على شرط من النوادر.
قال سَحنون: إن نزل رل من الحصن على أن يؤمن على مائة دينار يعطيها، فلم يعطها، وقال: ماعندي شيء؛ فهو فيء للإمام قتله.
محمد عنه: إن بان أن المؤمن على الأخبار أخبرهم باطل تغريراً المسلمين، أو لم يجدوا لما أخبرهم به أثراً، أو غرهم بقلة عدد، فجاءهم أكثر منه، أو صرفهم عن طريق عدوهم، لولا ذلك ظفروا به قتل، لأنه جاسوس.
سَحنون: لو أمن على أن يدل على مائة رأس بقرية كذا أو مطمر، فلم يوجد، فإن بان كذبه أو قال: لا أدلكم على شيء؛ فللإمام قتله أو استرقاقه، وإلا فله إمضاؤه أو رده لمأمنه، ولو دل على بعض ماذكر، فللإمام نقضه بره لمأمنه، ولو شرط: إن لم أدلكم على ماشرطت؛ فأنا فيء، فلم يف فهو فيء ولا يقتل، ولو نزل على أن يدل على مائة
رأس بقرية أو على بطريق، فنزل فوجد المسلمين علموا ذلك، فإن كان معيناً؛ فللإمام ره لمأمنه، وإن لم يعينها؛ فهو فيء إلا أن يعرف صدقه، أو يدل على مثل ذلك.
ولو قال أهل حصن: تفتح لكم على أن تعرضوا علينا الإسلام فنسلم فأبوا؛ جبروا عليه بالسجن والضرب.
ولو شرط عليهم إن لم تسلموا؛ فلا أمام لكم؛ فهم فيء للإمام قتل من شاء منهم، ومن قال منهم: أمهلوني حتى أنظر؛ لم يمهل كالمملكة، ولو شرط أن يؤخر ثلاثاً؛ أخر لها، وحسب كسر يومه، ومن استرق منهم لذلك، ثم أسلم؛ فهو رقيق.
سَحنون: لو أمن الأمير أسيراً على أن يدله على حصن كذا، فدله، فله شرطه، ثم رجع فقال: لايخليه بهذا، وكأن فداء بمال، ولو كان ذلك على دلالة طريق جيش المسلمين حين خيف هلاكهم؛ مضى كفداء بأسرى المسلمين.
سَحنون: من أمن على شرط، فوفى به، ثم عاد لبلده، فلا أمان له إلا بعقد آخر، ولو أمن على أن يرجع، ولم يشترط شيئاً، فكل ما جاء به من مالٍ وأهلٍ فيءٌ من أي محل جاء به.
ويدخل في الأمان مادل اللفظ عليه عموماً أو السياق، لنقل الشيخ عن كتاب ابن سَحنون: لو قال الإمام لأهل حصن: من فتح الباب؛ فهو آمن ففتحه عشرون معاً فهم آمنون، ولو قال رجل من حصن حوصر غير أميره: أفتح لكم على أن تؤمنوني على فلان، أو على قرابتي أو أهل مملكتي أو حصني؛ دخل معهم في الأمن لا الأموال والسلاح.
وفي (أمنوني على أهل حصني على أن أدلكم على الطريق أو على كذا) يدخل الأموال والسلاح؛ لأن (أفتح) دليل على إرادة الناس فقط، وكذا في أمنوني على أهل حصني على أن أفتحه فتدخلوا فتصلوا فيه.
وفي: (أفتح لكم على أن تؤمنوني على ألف درهم من مالي) له ذلك، ولو كان عروضاً، واستغرق ماله، وماقصر عنه سقط، ولو قال: من دراهمي؛ فلم تكن له دراهم، فكل ماله فيء كالوصايا في المسلمين فلو لم يكن هل مال، فلا شيء عليه ولا له.
وفي (أفتح لكم على عشرة من الرقيق أو من كذا) له ذلك على المسلمين وماله فيء.
وفي (أمنوني على أن أنزل إليكم على ألف درهم من مالي) يكون له طلبهم بها؛ لأنه فداء بخلاف (أفتح لكم على أن تؤمنوني على ألف درهم من مالي فلم توجد؛ فلا شيء له ولا عليه)؛ لأنه شرط لنفسه.
وفي (أفتح لكم وأعطيكم مائة دينار من مالي) يلزمه إعطاؤها، فلو زاد على أن تعطوني عشرة آلاف درهم فربا لا يجوز، ولو قال: (أعطيكم مائة دينار من مالي على أن تؤمنوني بألف درهم من مالي؛ فجائز، وله شرطه، ومن أموالهم ربا لا يجوز.
محمد: إن وقع على مالا يحل رد إلى مأمنه إلا أن يدع الألف فيتم أمانه.
سَحنون: ولو قال صاح حصن: أمنوني على حصني على أن أفتحه لكم فالحصن، ومافيه من مال وغيره آمن، وكذا قول الملك: تؤمنوني على أهل مملكتي، ولو قال الإمام لأهل حصن: ليخرج أربعة نراوضهم الأمان، فخرج أكثر أختار الإمام أربعة يؤمنهم والوائد فيء، لا يقتلون إن خرجوا بإرسال طاغيتهم، وإلا فكلهم فيء جائز قتلهم.
ولو قال الإمام: عشرة منكم آمنون على فتح الباب فدخل المسلمون؛ فللإمام اختيار عشرة يؤمنهم ليسوا من أراذلهم وعبيدهم وصبيانهم، وأحب كونهم من خيارهم وما سواهم فيء، ولو كانوا هم القائلين ذلك؛ فالخيار لهم لا من عبيد ونساء وذرية ولا يترك لهم إلا ما غلبهم، فإن اختلفوا فيما يختارونه؛ أقرع بينهم.
ولو قال الإمام: يخرج إلينا هؤلاء الأربعة، ولم يزد، أو زاد: وهم آمنون، أو نراوضهم؛ فهم آمنون مطلقاً.
أنكر سَحنون قول أهل العراق في الأولى للإمام قتلهم، ولو خرج غير الأربعة المشار إليهم فهم فيء، ولو أشكل هل الأربعة الخارجون هم المعينون صدقوا أنهم هم دون يمين، ولو خرج عشرون كل منهم يقول: هو أحد الأربعة؛ فكلهم آمنون.
ولو قال أمير الحصن: افتح لكم على أني آمن على عشرة من الحصن، أو على أن لي عشرة آمنين، فهو وعشرة يختارهم آمنون في أنفسهم وأموالهم.
قُلتُ: قف على دخول المال في الأمان في قول الأمير بخلاف ما تقدم في غيره.
وروى: أن صاحب حصن قال لأبي موسى: أمن لي عشرة من الحصن أصحابي
وأفتح لك.
فقال أبو موسى: اعزلهم، فعزل عشرة، ونسي نفس فقتله.
سَحنون: لا نأخذ به، لأن مخرج ذلك أنه أراد نفسه، وأمرهم عمر مع الهرمزان بأقل من هذا.
قال الشيخ: ولَسحنون قول آخر: أنه يكون عاشر تسعة يختارهم.
قُلتُ: والأظهر في مثقل قضية أي موسى تذكير المؤمن أن ليس له إلا عشرة هو أحدها أو غيره دونه.
ولو قال: أمنوني مع عشرة فله نسه وعشرة يختارهم.
ولو قال: في عشرة من أهل بيتي؛ فله نفسه وعشرة منهم يختارهم.
وفي قوله الآخر: هو تسعة، وكذا في عشرة من بني أبي أي في اختلاف قوله، فأما في عشرة من إخوتي، فهو أبين أن له نفسه وعشرة ويختارهم؛ لأنه لا يحسن أن يقال هذا من إخوته، ويحسن هذا من بني أبيه.
ولو قال: أمنوا عشرة من إخوتي، أو من ولدي، أو من أهل بيتي، أو من حصني أنا فيهم أو أحدهم، فرجع سَحنون عن كونه عاشر عشرة إلى أن له عشرة مع نفسه كلهم بأموالهم.
قال: ولا تؤخذ الأعاجم بمعاني اللغة؛ بل بظاهر قولهم، وإذا ميز العدد بينه؛ فله اختيارهم ذكوراً أو إناثاً، أو منهما من بنيه، أو بني بنيه لا من بني بناته.
وقال بعض العراقيين: إذا قال عشرة من بني وكلهم إناث؛ فذلك باطل، ولا أمان إلا له؛ لأن البنات لا يقال لهن بنون.
سَحنون: هذا لو كان المستأمن يعرف كلام العرب ومعانيه، فأما العجم؛ فلا، ولو قال: في عشرة من إخوتي لم يجخل بنوهم في لغة أحد، ويدخل الأخوات في لغة العجم لا العرب، وكذا الأعمام والعمات وبنوهم والأخوال.
ولو قال الإمام لفارس: أنت آمن في عشرة فرسان إن فتحت الباب ففتحه؛ فهو آمن مع تسعة.
وفي قوله الآخر: مع عشرة، ولو قال: من الرجولة؛ لم يكن بد من عشرة سواه.
ولو قال لرجل: أنت آمن في عشرة من الرجالة؛ فعلى القولين.
ولو قال: من الفرسان؛ فعشرة سواه، ولا يدخل بنات البنات، ولا الذكور في لفظ بناتي، ولو لم يكن له؛ فلا أمان لا أن يسمي مايعرفون به كقوله: لي بنات بنات ماتت أمهم، فأمنوني في بناتي؛ فهن كبناته، أو تكون لغتهم لا تفصل بين بنات البنات، وبنات البنين، ولو قال: من موالي، وله موال من فوق وأسفل؛ صدق فيما نوى، فإن لم تكن له نية، فالأسفلون، فإن لم يكونوا؛ فالأعلون.
ولو قال: على قريبي زيد بن عمرو، وله قريبان كذلك ابن عم وابن خال؛ فهو ما نوى، فإن لم ينو؛ خير فيهما.
ولو قال: في عشرة من عبيدي، وله ذكور وإناث؛ فله تعيين العشرة منهما، أو من أحدهما، ولو لم يكن له إلا الإناث؛ بطل الأمان فيهن، وكذا العتق في ذلك، لأنه لا يقال للإماء إذا انفردن عبيد، وكذا الإخوة والأخوات، والبنون والبنات.
ولو قال بدل عبيدي، موالي؛ صدق على الصنفين الذكور والإناث، وعلى من انفرد منهما، لأن لفظ موالي يقع على الإناث.
سَحنون: لو رضي الطاغية بحكم عشرة أنزلهم من الحصن؛ ليوافقونا على الأمان، فعقده العشرة لأنفسهم مع أهليهم وأموالهم فقط، ومضوا وفتحوا الحصن، ودخل المسلمون؛ فلا أمان لغيرهم، لتقدم رضى الطاغية بعقدهم، وكذا لو كذب العشرة لهم فقالوا: عقدناه لكم، وهم مصدقون في أموالهم وعيالهم مالم يأتوا بمستنكر.
قُلتُ: إنما سياق حال الطاغية رضاه بعموم مايعقده العشرة في حال أمان يشمله لا فيما يختص بغيره.
ولو بعث الإمام مع العشرة مسلماً يشهد إخباره إياهم بصلحه مع العشرة فقط، فقالوا: إنما أخبرنا العشرة تأميننا، فصدقهم العشرة، وقال المسلم: كذبوا إنما أخبروا بأمان أنفسهم فقط، ففي سقوط شهادته؛ لأنه واحد، وقبولها لإرساله الإمام أول قولي سَحنون وثانيهما، وعلى الأول لو كان اثنين؛ جازت شادتهما، ولو كان لهما في الغنيمة حظ.
قال: إلا أن يعظم قدره، فيسقط، أو أرسله الطاغية لمقاضاة، فقاضوا على أمر،
فقال: إنما أرسلتهم على غيره فأكذبوا؛ صدقوا إلا أن يقيم بينه إسلام بما قال، فيرد عقدهم، ولو نزلوا على تعريف الطاغية ليرضى فقالوا: رضي فأنكر؛ لم يصدقوا عليه ولو أسلموا، وكذا لو أخبروا الطاغية بخلاف ما عقدوا فرضي؛ لم يلزمه ما عقدوا، وإن فات في حصنه نهب، رد أو قيمته، ولو رضي المسلمون بما أخبروا به الطاغية ورضيه، فبدا له لما كذبهم، فرجع سَحنون عن لزوم ذلك الطاغية، ويرد لحال أمنه.
قال: كمأمور ببيع سلعة بما رأى الآمر باعها بخمسة عشر فأخر ربها فرضي، ثم ظهر أنه باعها بثلاثة عشر، فلم يرضى، فقال المبتاع: أؤدي خمسة عشر، وأبى البائع؛ فله ذلك، ولو اختلف في أسر وتأمين قبل قول مدعيه، فيقبل أو يرد لمأمنه إلا مع قرينه الأسر، فيصدق مدعيه.
سَحنون: إن خرج للعسكر من بلد الحرب علجٌ مع مسلم ادعى أنه أسيره، وقال العلج: جئت مستأمناً أو أمنني؛ صدق حتى يرد لمأمنه، ولو جاء معه مقهوراً ككونه في وثاقه كمجيئه، وفي عنقه حبل يقوده به، صدق المسلم، ولو جاء مع عدد كثير قالوا: أسيرنا؛ صدقوا؛ لأنه في كثرتهم كمقهور، ولو أنهم مائة شهد أحدهم له؛ لم يصدق إلا بشهادة عدلين، ولو خرج عبد مسلم كان أبق لبلد الحرب، ومعه عبيد استألفهم فأنكروا وقالوا: نحن أحرار جئنا للإسلام؛ صدقوا إن لم يكونوا في وثاقه، وللإمام تأمينهم أو ردهم لمأمنهم، وإن كانوا في وثاقه؛ فهم له عبيد، لو قالوا: إنما أوثقنا ببلد الإسلام حين خفنا، فإن استدل على قولهم؛ صدقوا وإلا فلا.
قُلتُ: مثله سمع يحيى ابن القاسم.
قال ابن رُشْد: إن لم يكونوا في وثاق صدقوا اتفاقاً، ولو ارسل مسلم أسيره على أن يأتيه بابنه أو زوجته فداءً له، فأتاه بهم، فقالوا: خرجنا معه بعهد، وقال: بل سرقتهم، ففي قبول قوله أو قولهم سماع أَصْيَغ ابن القاسم وقول محمد، ونقل الشيخ وابن رُشْد عن ابن ميسر: اختيار الأول وتعليه بأن تقدم خروجه ليأتي بهم قرينة توجب قبول قوله.
ابن رُشْد: لو أتى بهم دون تقدم سبب؛ لم يقبل قوله اتفاقاً.
سَحنون: صح النهي عن إنزال العدو على حكم الله عز وجل فإن جهل الإمام،