الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يتعدي للأب فهو في غير قتله معروض للأمرين، فقول أصبغ في القاصر على الوالد وهو ظاهر من قوله دراءة عن ولده لا في المتعدي للأب، أما فب قتله فلا يشك في لحوقه للأب والأم والولد والأخ في بعض الأحوال، فلا ينبغي حمل ذلك على الخلاف؛ بل على التفصيل بحسب الأحوال، والوطء في نكاح الإكراه إكراها زنى من المكره لا المكره وإجازته بعد وقوعه اختياراً كنكاح موقوف.
الشيخ عن مسحون وغيره من أصحابنا: إن أكره على كفر أو شتم النبي أو قذف مسلم بقطع عضو أو ضرب يخاف منخ تلف بعض أعضائه لا تلف نفسه لم يجز له ذلك، إنما يسعه ذلك لخوف القتل لا لغيره وله أن يصبر حتى يقتل وهو أفضل له، سَحنون: وكذا لو أكره على أكل الميتة ولحم الخنزير وشرب الخمر لم يجز له إلا لخوف القتل.
قال: وقد أجمع أصحابنا وغيرهم أنه لا يسعه قتل غيره من المسلمين ولا قطع يده بالإكراه ولا على أن يزني، وأما على قطع يد نفسه فيسعه ذلك.
[باب لفظ الطلاق الصريح]
…
صريح: وهو ما لا ينصرف عنه بنية صرفه.
[باب الكناية الظاهرة]
وكنية ظاهرة: وهو ما ينصرف عنه بها.
[باب الكناية الخفية]
وخفية: وهو ما يتوقف به دلالته عليه عليها، وفي كون الصريح لفظ طالق وما
تصرف منه فقط أو مع خلية وبريه وحبلك على غاربط وشبهها نقلا ابن رُشْد عن القاضي وابن القصار، زاد الباجي عنه: السراح والفراق والحرام قائلاً بعضها أبين من بعض، وخرجهما على اعتبار كونه لغة الخالص، وعلى اعتبار كونه لغة البين ذكر ابن القصار.
وفي عيون المجالس: تسعة ألفاظ زاد على ما سميناه بتة وبتلة وبائن، وإليها أشار ابن رُشْد.
ابن الحاجب: وزاد ابن القصار خمسة في غير الحكم.
ابن هارون: يريد في الفتيا فالحكم أحرى.
ابن عبد السلام: يريد أنها لا تشارك لفظ الطلاق في الحكم الذي تقدم، وهو ظاهر في الحرام والبتة والبتلة، وأما السراح والفراق فهما مقاربان لمعنى الطلاق، ولهذا وافق بعض الشيوخ على أنهما من صريحه.
قُلتُ: يلزم على الأول في لفظ ابن الحاجب تكرار؛ لأنه مستفاد من الأولى، ويلزم على الثاني التناقض؛ لأن كونها من الصريح يقتضي كونها مثل لفظ الطلاق، وكونها لا تشاركه في الحكم نقيضه والأقرب الأول، والتكرار خوف توهم قصرها على الحكم، وخص ابن الحاجب الظاهرة بما لا ينصرف وجعل ما ينصرف كناية محتملة.
وفيها: إن قال أنت طالق، وقال نويت من وثاق لا الطلاق ولا بينة وهو مستفت، فهي طالق كقول مالك فيمن قال ابتداء أنت برية ولم ينو به الطلاق أنها طالق، لا ينفعه ما أراد من ذلك بقلبه، وقد قال مالك من قال طالق البتة، وقال أردت واحدة فزل لساني هي ثلاث.
قال بعضهم: هو قياس أحروي؛ لأن برية كناية، فإذا لم ينوه فيها فأحرى في طالق؛ لأنه صريح.
ابن عبد السلام: وفيه نظر لاحتمال أن قائل أنت طالق قصد بإطلاقه غير الطلاق وهو إطلاقها من وثاق، وقوله أنت برية قصد به إيقاع اللفظ ولم تكن له نيَّة مزاحمة للطلاق، فوجب حمل لفظه على مدلوله عرفا وهو الطلاق، ولهذا اختصرها غير واحد على لفظ السؤال والجواب تنبيهاً على ضعف قياسه.
قُلتُ: يرد بأن دعواه في قوله أنت برية لم تكن له نيَّة مزاحمة للطلاق باطلة، لقوله فيها لا ينفعه ما أراد من ذلك بقلبه، فقد نص على أنه أراد بقلبه شيئاً غير الطلاق وحكم بعدم نفعه إياه، فإن قُلتُ المزاحم في أنت طالق بين وهو إطلاقها من وثاق فما هو في أنت برية.
قُلتُ: هو كثير ككونها برية من الفجور أو الخلق القبيح أو الخير أو غير ذلك، ولو قامت قرينة تدل على إرادة حل الوثاق ككونه جوابا طلبه لم يلزمه الطلاق إلا أن ينويه فيها، إن قال: أنا خلي أو بري أو بائن أو بات وإن لم يقل منك، أو قال أنت خلية أو برية أو بائنة، وإن لم يقل مني وقال: لم أرد طلاقا، فإن تقدم كلام من غير طلاق يكون هذا جوابه فلا شيء عليه وإلا لزمه ولا نيَّة له، وإن قال أنت طالق فهو ما نوى، فإن لم ينو شيئاً فهي واحدة، وفي حلفه على أنه لم يرد أكثر من واحدة نقل اللخمي عن ابن القاسم ورواية المدنيين.
ابن بشير: الأول المشهور وهما على يمين التهمة، أما سرحتك وخليتك وخليت سبيلك وفارقت، فقال ابن رُشْد: قيل فيها وفي شبهها ثلاث في المدخول بها وغيرها إلا أن ينوي واحدة وقيل واحدة قبل البناء وثلاث بعده إلا أن ينوي واحدة والقياس أن ما هو قبل البناء ثلاث إلا أن ينوي واحدة أنه بعده ثلاث ولا ينوي، وهو ما قبل البناء واحدة إلا أن ينوي ثلاثا أنه بعد ثلاث إلا أن ينوي واحدة.
الشيخ: في كون سرحتك ثلاثا لا ينوي أو واحدة حتى ينوي أكثر قولا أشهب، محمد: لعل الثاني فيمن لم يبن، ولو قال لم أرد طلاقا في غير جواب سؤاله، ففي قبول قوله نقلا الشيخ عن ظاهر قول أشهب ونص محمد قائلا وخليتك مثله، ولو قال في فارقتك لم أرد طلاقا ففي قبول قوله ولزوم الثلاث نقل الباجي عن ابن القاسم قال ويحلف، ونقل زرقون عنه.
قُلتُ: كذا في النوادر فيها وفي خليت سبيلك.
محمد: إلا أن ينوي واحدة، وإن لم يبن فواحدة إلا أن نوي أكثر، وروى ابن القاسم في خليت سبيلك ينوي ويحلف، وقال محمد وأصبغ، وروى ابن وَهْب هي واحدة حتى
ينوي أكثر وقاله ابن عبد الحَكم.
ابن بشير: إذا حملت على الواحدة يختلف هل هي رجعية أو بائنة.
اللخمي: قال مالك مرة في فارقتك هي ثلاث بنى أو لم يبن إلا أن ينوي واحدة، وقال أيضاً بعد البناء ثلاث إلا أن ينوي واحدة، وقبله واحدة إلا أن ينوي أكثر، وقال مرة هي واحدة وإن بنى إلا أن ينوي أكثر.
أشهب: هي ثلاث ولا ينوي، وقال هي مرة واحدة إلا أن ينوي أكثر، والقول إنها واحدة مطلقاً أحسن؛ لأن الفراق والطلاق واحد. قال الله تعالى:(أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ)[الطلاق: 2]، (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ) [النساء: 130]، ولم يأمر بالثلاث.
قُلتُ: له نيته في خليت سبيلك ولو بنى، فإن لم تكن له نيَّة فهي ثلاث.
قال ابن وَهْب عن مالك: خليت سبيلك مثل فارقتك، ونقلها ابن الحاجب بقوله وفيها خليت سبيلك وفارقتك ثلاق بنى أو لم يبن قاصر.
وفيها لابن شهاب في أنت السراح هي تطليقة إلا أن يكون أرد بذلك بت الطلاق.
البتة: قُلتُ: المذهب أنها ثلاث ولا ينوى إن بنى.
الباجي: اتفاقاً وإن لم يبن فروايتان، لها، وللباجي مع ابن زرقون عن ابن الماجِشُون، وخرجه الباجي على تبعيضها والأولى على عدمه، وعلى الثانية قال مالك يحلف.
سنحون: إذا أراد نكاحها لا قبل ذلك.
ونحوه لابن الماجِشُون، الشيخ عن ابن عبدوس عن عبد الملك باتة قبل البناء إن أراد بها صفة الطلقة فهي واحدة ويحلف.
سنحون: إذا أراد نكاحها لا قبل ذلك قالا عنه ومبتوتة ثلاث؛ لأنها صفة المرأة.
قُلتُ: لا يقال القاعدة أن اسم الفاعل من معنى كاسم المفعول منه إلا في معنى الفاعلية والمفعولية كطالق ومطلقة، لأنا نقول باتة ومبتوتة اشتركتا في الدلالة على قيد الوحدة، فجريها على الطلاق يصيره واحدة فلا يلزم غيرها، وجريه على المرأة لا يصير
الطلاق واحدة فبقي على ظاهر عمومه، وذكر أبو داود عن نافع بن عجير "أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته سهيمة البتة فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال: والله ما أردت إلا واحدة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والله ما أردت إلا واحدة؟ فقال ركانة: والله ما أردت إلا واحدة، فردها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم". أبو داود: هذا أصح من حديث ابن جريج لحديث قبله.
عبد الحق: في بعض طرق هذا الحديث: "ما أردت إلا واحدة. قال آلله. قال آلله. قال: هو على ما أردت"، وفي إسناده عبد الله بن علي بن السائي عن نافع بن عجير عن ركانة، والزبير بن سعيد عن عبد الله بن علي بن يزيد بن ركانة عن أبيه عن جده وكلهم ضعيف والزبير أضعفهم. قال البخاري علي بن يزيد بن ركانة عن أبيه لم يصح حديثه.
قُلتُ: ذكره الشيخ تقي الدين في إلمامه باللفظ الثاني، وقال خرجه أبو داود ثم ابن حبان في صحيحه.
قُلتُ: فهو إذن مختلف في تصحيحه.
بتلة مثل بتة لم أعرفه لغير ابن شاس وهو صواب في صحاح الجوهري بتلت الشيء أبتلته بالكسر بتلا إذا أبنته من غيره، ومنه قولهم طلقتها بتة بتلة خلية وبرية في كونهما قبل البناء ثلاثا إلا أن ينوي واحدة أو واحدة إلا أن ينوي أكثر قولها، ونقل ابن زرقون عن ابن الماجِشُون وبعده ثلاث، وفي تنويته فيهما، ثالثهما: الوقف للخمي عن أشهب مع الباجي عن روايته ولها، ورواية اللخمي.
الباجي: تحتمل رواية أشهب أن الواحدة بائنة أو رجعية والأظهر الأول؛ لأن الرجعية لم تبن من الزوج ولا خلت منه.
…
في كونها ثلاثا، وينوي قبل البناء لا بعده أو واحدة قبل البناء إلا أن ينوي أكثر، ثالثها: واحدة رجعية بعد البناء لها مع اللخمي عن المشهور، وعن عبد
الملك وابن العربي عن ابن عبد الحَكم عن رواية ابن وَهْب.
قُلتُ: يتخرج إجراء بائنة صفة للمرأة أو الطلقة على ما مر لعبد الملك في باتة.
وحبلك على غاربك: روى أبو عمر: ينوي فيما أراد من الطلاق.
قال: وقال مالك مرة لا ينوي، لا يقوله أحد وقد أبقى من الطلاق شيئاً، هي ثلاث على كل حالـ وافق قوله على أنها طلاق وإن لم يرد الطلاق.
ابن زرقون عن محمد: ينوي قبل البناء فقط ويحلف، وقال أبو عمران ينوي قبل البناء اتفاقاً.
اللخمي: ظاهر المدَوَّنة لا ينوى، وقال ابن عبد الحَكم: هي واحدة ولو بنى، وفي المدنيَّة أنها واحدة قبل البناء وثلاث بعده.
الباجي: سمع أشهب إن لم يبن فعسى أن تكون واحدة، ولو ثبت أن عمر نواه ما خالفته.
الباجي: مقتضى مذهب مالك أنها للثلاث؛ لأن الحبل كناية عن العصمة، فقوله حبلك على غاربك إقرار بخروجه عن يده، وذلك يقتضي أنه طلاق لا رجعة له فيه، والغارب أسفل السنام وهو ما انحدر من العنق.
قُلتُ: قوله: (مقتضى مذهب مالك) هو نصها إن قال حبلك على غاربك فهي ثلاث ولا ينوى وكالميتة والدم ولحم الخنزير.
فيها: هي ثلاث وإن لم ينو به الطلاق.
اللخمي: يجري فيها من الخلاف ما في أنت علي حرام.
وَهْبتك ورددتك إلى أهلك، فيها: هي ثلاث إن بنى ولا ينوى فيما دونها، ولو درها أهلها وإن لم يبن فهي ثلاث إلا أن ينوي واحدة، وسمع ابن القاسم في كتاب التخيير من قال لأهل امرأته شأنكم بها إن بنى فهي ثلاث ولا ينوى كقوله وَهْبتك لأهلك أو رددتك لأهلك، وإن لم يبن فهي واحدة.
ابن رُشْد: قوله في شأنكم ووَهْبت ورددت أنها قبل البناء واحدة، وبعده ثلاث ولا ينوى وقيل هي قبل البناء واحدة وبعده ثلاث إلا أن ينوي واحدة وكذا الخلية والبرية والبائن تدخلها الأقوال الثلاثة، وظاهر قول غير ابن القاسم في ثاني عتقها أن
الموهوبة ثلاث قبل البناء وبعده ولا ينوى؛ لأنه قال: إذا وَهْبها فقد وَهْب ما كان يملك منها، وكان يملك منها جميع الطلاق، وقيل: في شأنكم بها أنها واحدة قبل البناء وبعده وهو الذي في الموطأ من قول القاسم بن محمد.
*****
الشيخ: لابن حبيب عن الأخوين اذهبي لا ملك لي عليك، أو لا تحلين لي، أو احتالي لنفسك، أو أنت سائبة، أو عتيقة، أو ليس بيني وبينك حلال ولا حرام، أو لم أتزوجط، أو تقنعي، أو استتري عني، أو اعتزلي، أو اخرجي، أو انتقلي عني، وشبه ذلك كله لا شيء فيه بنى أو لم يبن إلا أن ينوي طلاقاً فهو وما نوى.
أصبغ: إن لم ينو شيئاً ونوى الطلاق فهي ثلاث حتى ينوي أقل.
قُلتُ: في قبولهما إياه نظر؛ لأنه إن دل على الثلاث بذاته لم يفتقر لنيَّة الطلاق، وإن لم يدل إلا بنية الطلاق فالنيِّة كاللفظ، ولفظ الطلاق لا يوجب بنفسه عدداً.
وسمع ابن الماجِشُون: إن قال لها آذيتني فقد حللت عقالك فهي البتة.
وفيها: إن قال لها أنها حرة أو الحقي بأهلك لا شيء عليه إلا أن ينوي طلاقها فهو ما نوى ولو واحدة.
الشيخ في الواضحة: من قال لامرأته أنت حرة، أو لأمته أنت طالق غلطا فلا شيء عليه حتى ينوي أنها بذلك اللفظ الطالق وحرة.
قُلتُ: مفهوم "غلطا" ومفهوم "حتى ينوي" متعارضان والمعتبر الثاني.
قال: وقال ابن الماجِشُون إن قال لامرأته أنت مني حرة، أو لأمته أنت مني طالق، أو طالق لوجه الله، فامرأته طالق وأمته حرة ولا يسأل عن نيته، وروى محمد: من قال إن شئت أن تقيمي وإن شئت أن فالحقي بأهلك، فقالت: لحقت بأهلي، وقال: لم أرد طلاقاً إنما أردت تخويفها، حلف ولا شيء عليه، وقال ابن شهاب: هي واحدة، وإن قال لها في منازعة اجمعي عليك ثيابك، وقال لم أرد طلاقاً حلف وصدق، ولو قال لأبيها اقبل مني ابنتك، فقال قبلتها، قفال: على أن ترد إلي مالي؛ بانت منه، ولا شيء عليه ما لم يكن نسقا، ولو قال اذهبي تزوجي لا حاجة لي بك، أو قال لأمها زوجيها ممن شئت لا حاجة لي بها فلا شيء عليه ما لم يرد الطلاق، وسمع عيسى ابن القاسم في كتاب العدة:
من قال لامرأته اذهبي فتزوجي لا شيء عليه إن لم يرد طلاقاً.
ابن رُشْد: إن كان مسفتيا، وإن كان مخاصما حلف ما أراد طلاقا على ما مر في سماع ابن القاسم.
قُلتُ: قال فيه إن نكل عن اليمين جرى على الخلاف فيمن نكل عن اليمين لشهادة شاهد عليه بطلاق، قيل تطلق عليه، وقيل: يحال بينهما ولا يسجن، وقيل: يسجن حتى يطول، وسمع ابن القاسم فيه: من راد سفرا فطلب البناء بزوجته الليلة فأبوا، فقال لهم اتركوني ليس لي بها حاجة وانصرف، لا شيء عليه إن لم يرد طلاقا، وإن كان يخلفه حلف بالله ما أراد طلاقا.
ابن رُشْد: تهمته على إرادة الطلاق فيها ضعيفة وإن نكل عن اليمين تركه مع امرأته لا يدخله ما مر من الخلاف.
قُلتُ: ولذا قال في السماع إن كان لها من يحلفه.
وفيها: لا شيء على من قال لامرأته لست لي بامرأة أو لم أتزوجك إلا أن ينوي الطلاق، وسمع القرينان معها من أجاب من قال له ألك امرأة بلا؟ لا شيء عليه إلا أن ينوي الطلاق.
ابن رُشْد: لابن القاسم في سماعه ويحلف، وكذا لعيسى في سماعه من كتاب العتق.
قُلتُ: هذا صحيح وما لابن القاسم إنما قاله فيمن قاله وزوجها حسبما مر.
الشيخ عن محمد: من قال لا سبيل لي عليك ولم يرد طلاقا دين وحلف، وكذا ليس بيني وبينك حلال ولا حرام، وما أنت لي بامرأة، أو لم اتزوجك، لا شيء عليه حتى يريد الطلاق.
أصبغ: فيكون البتات إلا أن ينوي أقل، وكذا لا نكاح بيني وبينك، أو لا ملك لي عليك، أو لا سبيل لي عليك إلا أن يكون الكلام عتابا فلا شيء عليه حتى ينوي الطلاق.
قُلتُ: قوله: (وكذلك لا نكاح بيني وبينك إلى آخره) متعارض، أوله يقتضي أن لا شيء عليه مطلقاً إلا أن ينوي طلاقا، وآخره يقتضي إنما ذلك في العتاب، وفي قول أصبغ من النظر ما تقدم في مسألة اذهبي وأخواتها فانظره.
الشيخ عن سَحنون: من اشترت عصمتها من زوجها فهي ثلاث؛ لأنها ملكت جميع ما كان يملك من عصمتها، وقال بعض أصحابنا: ابن القرطبي والأبياني في لا عصمة لي عليك ثلاث إلا مع الفداء فهي واحدة حتى يريد ثلاثاً.
الشيخ: وذلك صواب لقول ابن القاسم فيها: من قال لعبده ابتداء لا ملك لي عليك أنه عتق.
وسئل النعالي من برقة عن من قال لامرأته إن لم تفعلي كذا فلست لي بامرأة وحنث، فتوقف فيها سنة يتأملها فلم يجب بشيء، وأجابهم الشيخ بوجوب الطلاق عليه.
ابن محرز: هذا صحيح وهو خلاف قولها فيمن قال لامرأته لست لي بامرأة؛ لأن هذا اللفظ ظاهره الخبر وهو كاذب، والحالف إنما أراد تحريمها ورفع عصمتها.
قُلتُ: نثل ابن عات وغيره نقل ابن محرز هذا ولم يتعقبوه، ومقتضى أقوالهم أنها غير منصوصة، وفي النوادر ما نصه: قال أبو زيد عن ابن القاسم من دعا امرأته للوطء فأبت، فقال: لإن قمت ولم تفعلي ما دعوتك إليه فما أنت لي بامرأة، يريد به الطلاق، فدق رجل الباب فقامت ولم ينو واحدة ولا أكثر. قال: هذا ثقيل، وكأنه رأى أن تلزمه البنة.
قُلتُ: وهذا كالنص، والتحقيق أن المسألة إما أن ينوي فيها الحالف الطلاق أو ينوي غيره، كالمريد بقوله لست لي بامرأة أنها غير قائمة بحقوقه الواجبة وأغراضه العارضة أو لا نيَّة له بحال، وظاهر تعليل ابن محرز أن الحالف مريد للتحريم، فإن كان الأمر كذلك فالمسألة إذا منصوصة لابن القاسم، وظاهر لفظه أنها غير منصوصة وإن نوى غير الطلاق، فالظاهر ينوي في الفتوى بغير يمين وفي القضاء بيمين، وإن لم ينو شيئاً ففيها نظر وهو محمل توقف أبي بكر النعالي، ومقتضى قول ابن القاسم أنها البتات؛ لأنه لو لم يلزمه شيء مع عدم إرداة الطلاق لما لزمه مع إرادته البتة؛ بل طلقة واحدة كقوله لست لي بطائعة مطلقاً ومعلقاً، فإن قُلتُ: مفهوم، "يريد به الطلاق" في جواب ابن القاسم أنه إن لم يرده فلا شيء عليه.
قُلتُ: يريد إنما هو في السؤال، سلمناه، لا نسلم أن مفهومه لا شيء عليه؛ بل مفهومه إن لم يرده لزمته اليتة من باب أحرى؛ لأن إرادته قرينة في إرادة مدلوله وهو
طلقة واحدة، فإذا لزمته البتة مع هذه القرينة فأحرى مع عدمها، ولابن رُشد في سماع أبي زيد مفهومه إن لم يرد الطلاق فلا شيء عليه، ول نواه ففي لزوم الثلاث احتياطاً أو بالحكم، ثالثها: واحدة لأصبغ عن ابن القاسم وسماعه أبو زيد مع قول أصبغ وعيسى.
وفيها زيادة في آخر فصل التعليق وهي جارية على أصل مذكور في الفقه مختل فيه، وهو كون مدلول اللفظ معلقاً هل هو كذلك غير معلق أو أشد أو أخف؛ لأن قوله لست لي بامرأة المنصوص فيها أنها لغو إلا أن يريد به الطلاق، فإن قلنا المعلق مثله أو أخف لم يلزم الحالف شيء، عن قلنا بالعكس لزمه الطلاق إن لم يكن نواه، والثلاث إن نواه حسبما تقدم في النذور في قوله علي هدي، وقوله إن فعلت كذا فعلي هدي، ونحوه في أول كتاب المدبر وفي كتاب الهبات.
ابن بشير: من قال لا عصمة بيني وبينك لم يلزمه طلاق، ولو قال إن فعلت كذا فلا عصمة بين وبينك وشبه هذا اللفظ، فوقف فيه بعض الأشياخ، وأجاب الشيخ بلزوم الطلاق، وقول ابن عبد السلام ليس الأمر كما ظنه، واحتج بما تقدم عن سحنون ابن شعبان والإبياني حسن.
وفيها: من قال لا نكاح بيني وبينك، أو لا ملك لي عليك، أو لا سبيل لي عليم، فلا شيء عليه إن كان الكلام عتاباً إلا أن ينوي الطلاق، عياض: ظاهره إن لم يكن عتاباً ولم ينو شيئاً أنه الطلاق مثل قوله ذلك لعبده في كتاب العتق، وتقدم نقلها من الموازية وما في لفظها من التنافي، ونقل اللخمي ألفاظ المدونة من الواضحة في جملة ألفاظ بجواب لا شيء عليه إلا أن ينوي به الطلاق من غير قيد قوله عتاباً، وقال أشد هذه الألفاظ لا سبيل لي، ولا ملك لي عليك، ولست مني بسبيل، وأنت سائبة، ومني عتيقة، ورأى أنها طلاق لا يصدق أنه لم يرده إلا لوجه، وقد قال ابن القاسم لقوله لعبد لا سبيل لي عليك، أو لا ملك لي عليم ابتداء عتق، وإن كان قبله ما يدل على أنه لم يرد العتق قبل قوله فكذا الطلاق.
وسمع ابن القاسم: من عاتبته امرأته فقال برئت مني لا شيء عليه، هذا من قول الناس في العتاب إن اتهم أحلف.
ابن رُشد: لأنها من ألفاظ الطلاق التي تذكر عتاباً لا طلاقاً كقولها في لا نكاح
بيني وبينك، ولا سبيل لي عليك، ولا ملك لي عليم، لا شيء عليه إن كان الكلام عتاباً، وقوله لزوجته أنت علي حرام في كونها ثلاثاً وينوي قبل البناء لا بعده، أو لا مطلقاً، أو واحدة قبله وثلاثاً بعده، أو واحدة بائنة، خامسها واحدة رجعية، وسادسها ينوى كطلقاً، وسابعها لغوها، للمشهور، وعبد الملك، وأبي مصعب مع ابن عبد الحكم ورواية ابن خويز منداد وابن سحنون عن ابن أبي سلمة، والكافي عن مالك مع جماعة من أصحابه وعياض عن أصبغ، وظاهر لفظ اللخمي والمازري والباجي وغيرهم أن معنى القول بأنه لا ينوى بعد البناء أنه مطلقاً ولو كان مستفتياً، ويأتي لابن رُشد وبعض أصحاب ابن سحنون خلافه وأطلق المازري وعياض والأكثر فرض المسألة، وقيدها اللخمي بكونه أراد الطلاق فيسقط السابع، وعبر عنها المازري أولاً بقوله أنت علي حرام، وثانياً بقوله الحلال عليه حرام، وقال اختلفت أجوبة مالك وأصحابه في الكناية في بعضها ثلاث لا ينوى في أقلل منها وفي بعضها ينوى، وفي بعضها واحدة حتى ينوى أكثر، وفي بعضها ينوى قبل البناء لا بعده، وفي بعضها قبل البناء واحدة وبعده ثلاث، واختلف في تعيين بعض الألفاظ لبعض هذه الأقسام وسر اختلافهم، وسببه أن اللفظ الدال على الطلاق لغة أو عرفاً إما أن يدل على بينونته وعدده كثلاث فيلزمان، أو على الأقل فقط فيتعين.
وفي صحتها بواحدة دون فداء وقصرها على الثلاث خلاف، أو على عدد معين غالباً وعلى غيره نادراً، فيلزم الغالب إن فقدت النية وإلا قبلت من المستفتي، ومن عليه بينة تختلف فروعه أو عليهما بالسوية إن وجدت نية قبلت، وإلا ففي حمله على الأقل استصحاباً للعصمة وإلغاء للشك أو الأكثر احتياطاً للفروج واستصحاباً لحرمة الطلقة المخققة اضطراب، هذا من أسرار العلم به تنحصر أقوال العلماء وتنضبط مسائل الفتوى، وأقرب مثال لهذا مسألة الحلال علي حرام أول أقوالها على أنها للبينونة فالبتة غالباً في الثلاث نادرة فيها دونها.
قُلتُ: لو كانت نادرة في الواحدة ما نوي فيها في القضاء، ولو قال محتملة لها وللثلاث صح. قال والثاني على أنها موضوعة للثلاث، والثالث البينونة ولا تصح بعد البناء بغير فداء، والرابع للبينونة وتصح بواحدة بعده دون فداء، والخامس لأقل عدد
وأقل تحريم.
قُلتُ: والسادس لمطلق العدد دون بينونة، والسابع على عدم دلالتها على طلاق بحال، وقول ابن الحاجب بعد ذكره ستة الأقوال في مطلق الكناية الظاهرة، وجاءت غير الأول في الحلال علي حرام قصور كقول ابن حارث: اتفقوا في الحرام أنها ثلاث في المدخول بها وأن له نيته إن لم يدخل بها؛ لأن الواحدة تحرمها، وقول ابن الحاجب قيل: ينوى قبل البناء اتفاقاً إلا البتة أظن قائلة أبا عمران لقوله في حبلك على غاربك ينوى اتفاقاً، ويرد هذا الاتفاق بما تقدم في الحرام وغيره فتذكره.
وفي الكافي نق عن مالك لا ينوى في البتة دون سائر الكنايات، وسمع عيسى ابن القاسم من قالت له امرأته: مالي عليك حرام فقال: وأنت علي حرام إن أراد أني أوذيك وأستحل منك ما لا ينبغي فلا شيء عليه وإن كان كقول الرجل لامرأته: أنت علي حرام بانت منه.
ابن رُشد: إنما ينوى إن كان مستفتياً، وإن كانت عليه بينة لم ينو على أصولهم؛ لأنه صريح بتحريمها والبساط يقويه لا يضعفه؛ لأن ظاهره أنه لما حرمت عليه مالها عاقبها بأن حرمها.
الشيخ عن ابن سحنون عنه من حلف بالحلال عليه حرام ونوى واحدة قبل البناء فحنث بعده وقامت عليه بينة؛ لم تقبل نيته؛ لأنا يوم الحنث لا ينوى فيها.
ابن سحنون: قال بعض أصحابنا إن علمت البينة من ذلك قبل البناء لم يلزمه إلا طلقة وله الرجعة، وإن لم تقم بينة وجاء مستفتياً فله نيته بين وبين الله تعالى؛ يريد: بعد البناء، وذكرها اللخمي بلفظ أن القائل: قال بعض أصحابنا هو سحنون لا ابنه. قال: وهذا أبين؛ لأنه يوم حلف كان ممن ينوى ولو كانت عليه بينة.
قُلتُ: قول ابن رُشد نص في أنه ينوى بعد البناء في أنت علي حرام ونحوه ما ذكره ابن سحنون، وقال ابن حارث إثر هذه المسألة وقال أشهب في العبد يحنث في زوجته بعد عتقه بيمين قبله أنها تبقى عنده على ثنتين.
قُلتُ: لا يختلف في هذه كالأولى ولو كانت يمينه بطلقتين، وهو يجهل قدر طلاق العبد أشبهتها، وسمع عيسى ابن القاسم في التخيير من قال لامرأته: وجهي من
وجهك حرام، لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره.
ابن رشد: اتفاقاً؛ لأنه كقوله: أنت علي حرام هي بعد البناء ثلاث لا ينوى في أقل منها إلا أن يأتي مستفتياً.
قُلتُ: قوله: (نص في أنه ينوى بعد البناء إن كان مستفتياً) ونحوه ما تقدم من نقل ابن سحنون خلاف ظاهر ما تقدم لغيرهما، وهذا هو ظاهر المدونة، وقول ابن رُشد اتفاقاً قصور لقول اللخمي: قال ابن عبد الحكم: في قوله وجهي من وجهك حرام: لا شيء، وحمله على معتاد بعض الناس في قوله: عيني من عينك حرام، ووجهي من وجهك حرام، يريدون به البغض والمباعدة.
وما أعيش فيه حرام في لغوه وحرمة زوجته، ونقل عبد الحق عن محمد وغيره قائلاً: أظنه في السليمانية.
قال: وأجاب أبو عمران في قول من عادتهم قصد تحريم الزوجة بكل ما أعيش فيه حرام هو طلاق، ونقل اللخمي قول محمد بلفظ قال: لا شيء عليه؛ يريد: أن الزوجة ليست من العيش فلم تدخل في لفظه إلا أن ينويها فيصير كقوله أنت علي حرام، وقيل: لا شيء عليه وإن أدخلها في يمينه جهلاً أنها من العيش كمن قال ادخلي الدار يريد به الطلاق جهلاً وطناً أنه من ألفاظ الطلاق؛ وليس كذلك؛ لأن هذا نوى الزوجة وغلط في ظنه أنها من العيش وأوقع عليها الطلاق بلفظ حرام، وهو كمن غلط في اسم زوجته فأوقع عليها الطلاق والآخر سمى الزوجة ولم ينطق بالطلاق.
وفي حرمتها بقوله: كلامك علي حرام ولغوه.
نقل محمد عن أشهب قائلاً ولا ينوى في عدم الطلاق وابن عبد الحكم مع ابن القاسم، واحتج محمد بحرمة نظر أمهات المؤمنين دون كلامهن وكتحريم السعال والبزاق، وسحنون قائلاً العتق كالطلاق.
اللخمي: السعال لا يتلذذ به، وكذا البزاق؛ لأنه بعد طرحه من الم وتحرم بتحريم الريق؛ لأنه في الفم وهو الرضاب يتلذذ به.
**** إن قصد حرمة استماعه لغو وإن قصد التلذذ هـ حرمت، وفي حرمتها بتحريم شعرها قولاً أصبغ وسحنون، وصوب اللخمي الأول: لأنه يتلذذ
برؤيته ولمسه.
وفي لغو يمين: ما أنقلب إليه حرام إن كنت لي بامرأة لقرينة حله على الزوجة في إخراجها ولزوم حنثه فيها، نقل اللخمي عن ابن القاسم وأصبغ.
ومن قال: أردت بأنت علي حرام الظهار في لغو نيته وإعمالها، ثالثها: تطلق فإن تزوجها لزمه الظهار، للخمي عن ابن القاسم وسحنون ويحيى بن عمر.
ذكر ابن رُشد قول ابن القاسم يلزمه الطلاق.
قال: ونقل اللخمي عن سحنون في العتبية أنه ينوى وليس ذلك بموجود عندنا في العتبية فأراه غلطاً.
وفيها: إن قال: أنت علي حرام، وقال: أردت الكذب لا الطلاق لزمه التحريم، ولا ينوى لقول مالك في شبهه: لا نية له، سئل عمن لاعب امرأته فأخذت بفرجه تلذذاً فنهاها فأبت، فقال لها: هو عليك حرام، وقال: أردت أن أحرم أن تمسه لا تحريم امرأتي، فوقف وخشي أنه حنث، وألزمه غيره من أهل المدينة التحريم، وهذا عندي أخف والذي سألت عنه أشد وأبين ألا ينوى؛ لأنه ابتدأ التحريم من قبل نفسه، وما سئل عنه مالك كان له سبب ينوى به.
قُلتُ: قوله: (كان له سبب ينوى به) ظاهر في أنه لا يلزمه تحريم، وأن تحريم مسها إياه غير تحريم، وعدم ذكر البرادعي لفظ ابن القاسم هذا مخل بفائدة.
الشيخ عن ابن حبيب: من قال لامرأته فرجي عليم حرام أو: فرجك أو دبرك علي حرام؛ حرمت عليه، إلا أن يريد الدبر حكاية ما جاء في ذلك ولم يقصد التحريم فلا شيء عليه، وسمع عيسى ابن القاسم: من قال لامرأته: أنت أحرم علي من أمي كقوله البتة.
ابن رُشد: هذا إن أراد به الطلاق وإلا فهو ظهار لقولها في أنت حرام كأمي ولا نية له أنه ظهار، ولا فرق بين اللفظين وذلك بين من سماع ابن القاسم من كتاب الظهار.
قُلتُ: فيه لابن القاسم مثل تسوية ابن رُشد بين للفظين وفيه نظر؛ لأن أحرم تقتضي أن الزوجة أشد حرمة والتشبيه عكسه، وسمع عيسى ابن القاسم من قال: حلفت بالطلاق حتى أن امرأتي معي حرام، حلف ما أراد الطلاق وما امرأته معه حرام
وخلي بينهما فقبله الشيخ، وقال ابن رُشد: قال ابن دحون هذه حائلة لا أصل لها في الفتيا، الواجب أن تبين منه بإقراره، وإيه ذهب ابن زرب وجعل أول مسألة من رسم يشتري الدور والمزارع من سماع يحيى مخالفة لها وليس كذلك؛ إذ ليس ذلك بإقرار صريح فاحتمل عند مالك أنه خشي على نفسه الحنث لكثرة حلفه بالطلاق.
قُلتُ: حاصل مسألة رسم يشتري الدور لزوم الإقرار بالطلاق وهذا هو المذهب، وللشيخ عن ابن حبيب عن أشهب من قال لقوم: طلقت امرأتي البتة، فسألوه كيف كان؟ فأخبرهم بسبب لا يلزمه به طلاق لا شيء عليه، ولو كان بين قوله وإخباره بسببه صمات، وقال أصبغ: يلزمه الطلاق بإقراره الأول وفيها: قيل: فمن قال: علي حرام إن فعلت كذا؟ قال: لا يكون الحرام يميناً في شيء إلا أن يحرم امرأته فيلزمه الطلاق واختصرها البرادعي سؤالاً وجواباً لاحتمال لفظ أن يحرم امرأته كونه بالنص عليها أو بالنية أو بمجرد التعليق.
اللخمي: من قال علي حرام ولم يقل أنت، أو قال: الحلال حرام ولم يقل علي؛ فلا شيء عليه.
وفيها: اعتدي طلاقٌ بقدر ما نوى وإلا فواحدة إلا أن يكون جواباً لعدة دراهم ونحوه فلا شيء عليه، وأنت طالق اعتدي طلقتان إلا أن ينوي إعلامها أن عليها العدة فطلقة واحدة.
اللخمي عن المجموعة: أنت طالق فاعتدي طلقتان إلا أن ينوي واحدة، وطالق واعتدي طلقتان ولا ينوى.
ابن عبد الحكم في أنت طالق اعتدي أو فاعتدي طلقة واحدة وهو أبين؛ لأن موضوع اعتدي الأمر بالعدة لا الطلاق.
وفي كون أنت طالق طلاق الصلح ثلاثاً أو واحدة بائنة، ثالثها: رجعية، للشيخ عن ابن الماجشون وأصبغ مع المتيطي عن مالك وابن القاسم قائلاً به القضاء والشيخ عن ابن حبيب عن مُطرف.
وفيها: إن قال: أنت طالق تطليقة ينوى بها لا رجعة لي فيها فله الرجعة، وقوله:(لا رجعة لي عليم ونيته) باطل إلا أن ينوي بلا رجعة لي البتات باطل اللخمي؛ يريد
قوله ذلك ونيته سواء.
محمد: وكذا ولا رجعة لي عليك ونيته باطل.
ابن عبد الحكم: في طالق لا رجعة لي عليم في البتة، وفي ولا رجعة؛ له الرجعة.
اللخمي: قوله طلقة ينوي لا رجعة فيها أو قاله نطقاً كقوله طلقة بائنة؛ لأنه صفة للطلقة؛ بخلاف لا رجعة لي عليك إنما هو إسقاط لحقه في الرجعة، وأنت طالق طلاقاً لا رجعة فيه ثلاث اتفاقاً؛ لأنه صفة للطلاق، وظاهر المذهب من قال لزوجته بعد طلاقها: أسقطت حقي في رجعتك أو لا رجعة لي عليك أن له الرجعة، والقياس أن لا رجعة له؛ لأنه حق له عليها أسقطه كسائر الحقوق.
السيخ عن الموازية: أنت طالق أبداً هي البتة له نكاحها بعد زوج ما لم يرد كلما نكحتك.
محمد: كمن قال أنت طالق كل يوم أبداً، كذا في نسخة مكتوب في آخر هذا الكتاب منها:"قوبلت بكتاب الشيخ أبي محمد"، وذكر اللخمي المسألة إلى قوله كلما تزوجتك وأصلاً بها ما نصه.
محمد: وكذلك الذي يقول: أنت طالق كل يوم أتزوجك أبداً، فعلى لفظ اللخمي يجب رد التشبيه لمسألة كلما، وعلى الفظ الأول يحتمل هذا، وعوده لمسألة طالق أبداً، ومن الكناية الخفية ما جعله ابن الحاجب قسيماً لمطلقها: قوله اسقني، وقولها: كلي واشربي، وقول عتقها ادخلي الدار، المشهور إن نوى الطلاق مطلقاً أو عدداً لزمه منويه.
اللخمي: وقال أشهب لا شيء عليه إلا أن يريد أنت طالق إذا قلت: ادخلي الدار، يريد أن الطلاق إنما يقع عندما أقول لا بنفس اللفظ، وذكر أبو عمر الأول لمالك وقال: لم يتابعه عليه أصحابه، ولم يذكر لأشهب خلافاً، وكذا الباجي لم يذكر فيه خلافاً. قال: قال أصحابنا: هذا على وقوع الطلاق بمجرد النية، ومذهب ابن القاسم يقتضي أنه لا يقع الطلاق في هذه المسألة بمجرد النية، إنما يقع بما قارن النية من اللفظ الذي قصد به الطلاق، وقال مالك: من أراد أن يقول أنت طالق فقال: كلي واشربي لا يلزمه شيء، وإن وجدت منه النية.
قُلتُ: في تمسكه بهذا على لغو الطلاق بالنية نظر؛ لأنه فرق بين النية المستقلة
بإرادة الطلاق بها فقط، وبين النية التي هي بعض المجموع منها ومن لفظ خاص مراداً به الطلاق لا بأحد جزئية فقط.
ابن بشير: في جري الطلاق به على الخلاف في الطلاق بالنية قولا المتأخرين، الصقلي عن القاضي: قيل لا يكون طلاقاً وإن نوى به الطلاق، ووجهه الاتفاق على أنه لو ضربها أو مسها بيده وقال: أردت به الطلاق أنه لا يكون طلاقاً.
قُلتُ: في هذا الاتفاق نظر ويأتي الخلاف في مجرد بيعه زوجته، والشائع عن أهل العمود في أرضنا أن جل طلاقهم بمجرد فعل الزوج حفر شيء من الأرض ودفن المرأة إياه، وسمع عيسى رواية ابن القاسم من قال لامرأته وهو جاهل: أمرك بيدك يظنه طلاقاً. قال: إن أراد به الطلاق فهو طلاق.
ابن رُشد: هذا كقولها أن ما ليس من ألفاظ الطلاق لا يلزم به إلا أن ينويه باللفظ بعينه، وقيل: لا يلزمه الطلاق ولو نواه، وهو قول مُطرف وروايته ويقوم من قول ابن الماجشون في كتاب الظهار منها، وقال أشهب: لا يلزمه به طلاق إلا أن يريد أنها طالق إذا فرغ من لفظه لا بنفس لفظه ولا وجه له.
قُلتُ: ففي لزوم الطلاق بإرادته من لفظ لا يحتمله، ثالثها: إن قصد تعليقه على النطق به للمشهور ومُطرف مع ابن الماجشون وأشهب.
وفيها لمالك: إن قال لها: تقنعي أو استري يريد به الطلاق فهو طلاق وإلا فلا.
وفيها: كل كلام نوى به الطلاق فهو كما نوى.
قُلتُ: ظاهرها مع سماع عيسى أن نية الطلاق بما ليس من لفظه بحال، غنما يلزم به ما يلزم بلفظ الطلاق لا الثلاث إلا أن ينويها.
وفيها: الذي سمعت واستحسنت أنه لو أراد أن يقول لها أنت طالق البتة فقال: أخزاك الله أو لعنك الله فلا شيء عليه.
ابن محرز: من المذاكرين من أجراه على أحد قولي مالك في الطلاق بالنية وأنه غير لازم، ومنهم من أباه؛ لأن هذا لم يعقد على أن يطلق بنيته؛ بل على أن يطلق بلفظه.
وفيها: لمالك قوله يا أمه أو يا أخته أو يا عمة أو يا خالة لا شيء فيه، وهو من كلام أهل السفه.
قُلتُ: كونه منه دليل حرمته أو كراهته.
قال ابن عبد السلام: روى أبو داود عن أبي تيمية الهجيمي أن رجلاً قال لامرأته: يا أخية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((أختك هي؟!!))، فكره ذلك ونهى عنه، ولا يعارض هذا بقول إبراهيم عليه السلام في سارة إنها أختي؛ لأنه قاله لضرورة دعنه لذلك وأراد أنها أخته في الدين، وبوب عليه البخاري: إذا قال لامرأته وهو مكره أختي فلا شيء عليه.
قُلتُ: ظاهره أن حديث أبي داود مسند صحيح وليس كذلك؛ بل هو مرسل؛ لأن أبا تيمية ليس صحابياً إنما هو تابعي، وقال عبد الحق: هو منقطع دون تعليل له، وتعقبه ابن القطان فقال: يعني بمنقطع مرسلاً وكان له أن يذكره صحيحاً على أحد رأييه؛ لأن أبا داود ذكره بطريق أخرى عن عبد السلام بن حرب عن خالد الحذاء عن أبي تيمية عن رجل من قومه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً
…
الحديث، وعبد السلام حافظ وعدم تسمية الرجل لا يضر على أحد رأييه.
قُلتُ: لفظ حافظ لا يدل على عدالته ولم أجده في كتاب المزي.
وفيها: ما علم من الأخرس بإشارة أو كتاب من طلاق أو خلع أو عتق أو نكاح أو شراء أو قذف لزمه حكم المتكلم به، وروى الباجي إشارة السليم بالطلاق برأسه أو يده كلفظه لقوله تعالى:(تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا)[آل عمران: 41].
قُلتُ: إنما يحسن هذا دليلاً للأخرس، وقياس السليم عليه فيه نظر.
ابن شاس: الإشارة المفهمة للطلاق هي من الأخرس كالصريح ومن القادر كالكناية، وتبعه ابن الحاجب وتعقبه ابن عبد السلام بأن تقرر في أصول الفقه أن الفعل
لا دلالة له من ذاته إلا بما ينضم إليه من القرائن، فإن أفادت القطع فهي كالصريح كان من الأخرس أو القادر، وإلا فهي كالكناية منهما.
قُلتُ: ظاهر نقل الباجي أنا منهما سواء، وما استدل به ابن عبد السلام يرد بأن دلالة القرائن مع الإشارة من الأخرس لا يزاحمها إمكان ما هو أدل منها من غير نوعها بحال فكانت كالصريح، ودلالة القرائن مع الإشارة من القادر يزاحمها إمكان ما هو أدل منها من غير نوعها وهو النطق فلم تكن في حقه كالصريح.
*****
اللخمي: في صفة كتب الغائب به أقوال.
ابن القاسم: يكتب: إذا جاءك كتابي وأنت طاهر فأنت طالق لا يزيد عليه، وإن كانت حاملاً كتب إن كنت حاملاً أو طاهراً بعد وضعك فأنت طالق، لا يزيد عليه، إن كانت على ما شرط وقع الطلاق فيهما وإلا بقيت زوجة، وأجاز أشهب أن يقول: إن كنت حائضاً فأنت طالق إذا طهرت على أصله في قوله وهي حائض أنت طالق إذا طهرت لا تطلق تطهر، وثالثها: لابن المعذل يكتب بإيقاعه حين كتبه.
وفيها: مع سماع القرينين إن كنت بطلاقها مجمعاً عليه أو أخرج كتبه به غير مجمع مجمعاً أو وصل إليها غير مجموع فيهما لزمه الطلاق وإلا فله رده ولا شيء عليه.
ابن رُشد: إن كتبه مجمعاً على الطلاق أو لم تكن له نية لزمه الطلاق، فإن كانت حائضاً أجبر على الرجعة، وإن كتبه عل أن يرى رأيه في إنفاذ فله ذلك ما لم يخرجه من يده. قال في الواضحة والموازية: ويحلف على نيته فإن أخرجه عازماً على الطلاق أو لم تكن له نية لزمه الطلاق، وإن لم يصل، فإن كانت حائضاً جبر على الرجعة.
ولو أخرجه على أن يرده إن بدا له ففي صحة رده ولزوم الطلاق بإخراجه قولها وسماع أشهب، سواء على قول ابن القاسم كتب أنت طالق أو إذا طهرت فأنت طالق، وقال أشهب: إن كتب إذا طهرت فأنت طالق أو إذا حضت فأنت طالق لم يجعل عليه وأخر حتى تطهر أو تحيض، فقوله في إذا حضت له وجه؛ إذ قد لا تحيض فأشبه إذا قدم فلان فأنت طالق، وقوله في إذا طهرت ليس ببين إذ لا بد أن تطهر، وإن تمادى دمها فهي مستحاضة والمستحاضة في حكم الطاهر، والذي نحا إليه أنها قد تموت قبل أن
تطهر فيكون الطهر لم يأت بخلاف الأجل الذي لابد من إتيانه ولو ماتت.
وإن كتب على مذهب أشهب إذا طهرت فأنت طالق فإن كانت حائضاً لم يقع عليها طلاق حتى تطهر، وإن كانت طاهراً وقع عليها الطلاق، وقيل: لا يقع إلا بالطهر الثاني على الخلاف فيمن قال لأمته إذا حملت فأنت حرة وهي حامل. قال محمد: وأحب إلى لمن أراد أن يطلق امرأته الغائبة أن يكتب لها: إذا جاءك كتابي هذا فإن كنت حضت بعدي وطهرت فأنت طالق خوف وقوع طلاقه لها حال حيضها، وهذا جيد إلا أنه قد لا يقع عليها طلاق أصلاً عن كانت لم تحض بعده وطهرت؛ لأنه إنما طلقها على هذا الشرط، فغن كتب إن وصلك كتابي هذا فأنت طالق وأرسل إليها به يخرج ذلك على قولين:
أحدهما: أن ذلك ككتبه: إن وصلك كتابي هذا.
والثاني: أن الطلاق يقع عليه مكانه على الخلاف فيمن قال لامرأته إذا بلغت معي موضع كذا فأنت طالق حسبما مر في رسم سل من سماع عيسى من الأيمان بالطلاق وسماع عبد الملك بن الحسن منه.
قُلتُ: للخمي إن كتبه غير عازم لم يقع طلاق، وإن خرج من يده إذا علم أنه أخرجه لينظر في ذلك، واختلف إن أخرجه من يده ولم يعلم هل كان عازماً أم لا؟ فقال ابن القاسم فيها: ذلك له وله رده ما لم يبلغها إذا كتب غير عازم، وقال محمد: ذلك له ما لم يخرجه من يده ويحلف، فإن أخرجه عن يده كان كالناطق به والإشهاد.
قال مالك: ولا ينوى إذا خرج من يده وإن لم يصل إليها.
قُلتُ: زاد في النوادر عن الموازية وقاله أشهب وأصبغ.
قُلتُ: هذا عكس ما تقدم لابن رُشد فتأمله، وظاهر ما لابن رُشد فيها.
قُلتُ: إن كتبه غير عازم وأخرجه غير عازم.
قال: لا أحفظ عنه فيه شيئاً، وأرى أنها طالق بإخراجه إلا أن يخرجه غير عازم فله رده ما لم يبلغها.
وسمع القرينان من كتبت لأبيها الغائب أن يزورها فأبى، فسألت زوجها أن يكتب إليه:"إني طلقت ابنتك" ليأتيها ففعل، ولم يرد بكتبه طلاقاً؛ إن صح أن كتبه على هذا، فلا شيء عليه فيما بينه وبين الله تعالى، ولو قام عليه أبوها بكتابه فلا شيء عليه إن أقام بينة أنه أشهدهم على هذا، وقال: إنما سألتني أن أكتب بهذا لكذا وكذا وأنا أكتب به لذلك لا أريد به طلاقاً فا شيء عليه.
قيل: أرأيت إن لم يكن أشهدهم وجاء أبوها بالكتاب فجاءت هي، وهو يقتص هذه القصة أيستحلف.
قال: ما أدري ما الناس كلهم سواء، الرجل المأمون مصدق.
قيل: لو قالت المرأة أردت خديعته بذلك وأردت الطلاق فأنكر ذلك، فقال: إن علم ذلك من شأنها فلا شيء عليه، وإن لم يكن إلا قوله وظهر كتابه بطلاقها طلقت عليه.
قيل: أي الطلاق قال ينوى وتكون واحدة.
ابن رُشد: في ألفاظها إشكال، وفي ظاهر كلامه اضطراب، وحاصلها إن صح الوجه الذي ذكر في كتابه أنه طلقها؛ يريد ببينة تشهد على ذلك أو جاء الزوج مستفتياً وحده فلا طلاق عليه، وإن جاءوا معاً فذكر الزوجان القصة، وقال الأب: لا أدري صدقهما من كذبهما صدق الزوج مع يمينه إن كان مأموناً، وإن قام الأب بالكتب في غيبة الزوج فلما وقف عليه أقر به وادعى أنه إنما كتبه لذلك لما ذكر لم يصدق إلا أن يكون أشهد بينة على أنه إنما كتب بالطلاق لذلك، فإن لم تقم بينة لزمه الطلاق. قال في الرواية ينوى وتكون واحدة أي يدين فيما ادعى من أنه لم يرد بذلك طلاقاً وتكون واحدة. قاله أشهب في نظير هذه المسألة، وهو على أصولهم فيمن ادعى على رجل حقاً فأنكره المدعي عليه وأقام المدعي بينة على بعض ما ادعاه أن المدعي عليه يحلف ما له عنده شيء، ويغرم ما شهدت عليه به البنية، إذ لا خروج له من ذلك كما لا خروج له من الطلقة الواحدة المستيقنة، ولو رجع فقال: أردت به الطلاق واحدة كانت واحدة، ولا يمين عليه على القول بأن من قال طلقت امرأتي ولا نية له أنها واحدة، وأما على القول أنها ثلاث فقيل: لا ينوى لإنكاره أو لا أنه أراد الطلاق وتكون ثلاثاً، وقيل: يحلف وتكون واحدة
والخلاف فيه على خلافهم فيمن أنكر وديعة ثم أقر بها وادعى تلفها.
الشيخ عن محمد من كتب لذي دين عليه يمينه بطلاقه ليقضينه حقه وقت كذا، فامتنع الشهود أن يكتبوا فيه لذكر الطلاق فخرقه، وكتب غيره بغير ذكر طلاق لزمه الطلاق إن رضي بالكتاب الأول.
وفيها: من قال لرجل أخبر زوجتي بطلاقها أو أرسل به إليها رسولاً وقع الطلاق حين قوله ذلك بلغها الرسول أو كتمها.
قال ابن عبد السلام: إن تقدم تلفظ الزوج بالطلاق على قوله للرسول فواضح، وإن كان إنما تكلم الآن به فانظر هل هو طلاق بالنية أم لا؟
قُلتُ: كيف ينظر فيه مع أنه تكلم به.
وفيها: من قال لرجل: فلان يقول إنك زان إن أقام بقوله بينة حد الأول وإلا حد الثاني ولا حد بالنية.
وفي لغو بيعه زوجته وكونه طلقة بائنة، ثالثها: البتة لابن رُشد في سماع يحيى من كتاب العتق عن ابن الحكم مع سماع عبد الملك ابن وهب وسماع ابن القاسم في تزويجها ولا فرق، ورواية سحنون مع سماع عيسى واستبراء الأسدية في سماع عبد الملك وابن نافع.
اللخمي عن مالك: من باع زوجته نكل نكالاً شديداً وتطلق عليه واحدة، ولا يرتجعها، ولا يتزوجها ولا غيرها حتى تعرف توبته وصلاحه خوف أن يعود لذلك.
ابن نافع: هي طلقة بائنة.
سحنون: ولو لم يغب عليها، وقال ابن عبد الحكم وأصبغ حرمت عليه كالموهوبة.
ابن المواز: وهذا أحب إلينا من قول ابن القاسم، وقال ابن القاسم في العتبية بيعه طلاق.
ابن وهب: وترجم إن أقرت بوطئها مشتريها طائعة، وإن ادعت الإكراه لم ترجم، وقول مالك أنه ليس بطلاق أحسن إلا أن ينويه؛ لأن البيع إنما يتضمن التمكين منها، ولا خلاف فيه من غير بيع أنه ليس بطلاق، وسمع عيسى ابن القاسم: من باع زوجته
لمسغبة وأقرت له بذلك عذر أو لم تحد وتكون طلقة بائنة، وقاله مالك ويرجع عليه مشتريها بالثمن.
اللخمي: يختل إذا زجها على مثل ذلك.
أصبغ: من قال لأم زوجته زوجي ابنتك لا حاجة لي بها، فزوجتها بعد وفاء عدتها من يوم قال بحضرته وعلمه فقد بانت، ولا يقبل قوله لم أرد طلاقاً.
محمد: لا يعجبني قوله إلا أن يعلم الزوج أن ذلك ليس بطلاق وألزمه نفسه، وإن ظن أن ذلك طلاق فتركها حتى اعتدت لم يضره إلا أن يتزوجها غيره أو يقول: أردت به الطلاق فيلزمه إلا أن يتزوج بعلمه وتسليمه فيلزمه الطلاق ويفسخ النكاح الثاني؛ لأنه إذا لم يلزم الطلاق إلا بتزويجها فالعدة من يوم تزوجت.
قُلتُ: كذا وجدته في غير نسخة منه ولا يخفى إجماله، وحاصله من قال لأم زوجته: زوجي ابنتك لا حاجة لي بها فزوجتها بعد وفاء عدتها من يوم قوله بحضرته وعلمه بانت منه ولا يقبل قوله لم أرد طلاقاً، فإن كان علم أن ذلك ليس بطلاق وأراده منه صح نكاح الثاني وإلا فقولان لأصبغ ومحمد بناء على أن رضاه بتزويجها قرينة بإرادة سابق قوله الطلاق، وقصر ثبوته من حين رضاه بتزويجها، وعليه تحرم عليه للأبد إن بنى.
الشيخ عن أصبغ: من باع زوجته أو زجها هازلاً فلا شيء عليه، وإن كان جاداً فيهما فهي البتات، وكون طاق الحر ثلاثاً وذو الرق طلقتين وما فيه من سؤال وجواب تقدم في النكاح.
وفيها من نوى بأنت طالق واحدة الثلاث لزمت وفي كونه بمجرد النية نحو ما مر لمباينة الواحدة الثلاث، وفي لغو الطلاق بمجرد النية الجازمة روايتا الأكثر وأشهب، ابن القصار: الأولى قول جميع الفقهاء.
عبد الحق: احتج للثانية الأبهري بأن حقيقة الكلام في القلب واللسان مخبر وكثبوت الردة بالقلب، وأجاب ابن الكاتب بأن الردة والإيمان من أعمال القلوب؛ والطلاق لفظي لقوله تعالى: ***********، والله تعالى أعلم.
وفيها: لو أراد أن يطلق ثلاثاً أو يحلف بها فقال: أنت طالق، ثم سكت عن ذكر الثلاث وتمادى في يمينه، إن كان حالفاً فهي واحدة إلا أن يريد بلفظة بطالق الثلاث فتكون الثلاث.
اللخمي: يريد إن قصد بقوله طالق طلقة وبقوله ثلاثاً تمام الثلاث، ولو أراد بقوله طالق الثلاث، وبقوله ثلاثاً بيان مراده لزمه الثلاث.
قُلتُ: الأظهر أنه لم يرد بقوله طالق قيد واحدة ولا عدد؛ بل مطلق الطلاق عازماً على جعله بقوله ثلاثاً فبدا له عن ذلك الجعل فلزمه مطلقه، ولا يتقرر وجوده بأقل من واحدة فلزمته لذلك، ومفهوماً أول كلام اللخمي وآخره في صورة إطلاقه متعارضان، وظاهر المذهب فيه ما قررناه خلاف ما مر لأصبغ في الكنايات الخفية، ولابن رُشد في مسألة من كتب لأبي امرأته "أني طلقتها ليأتيها"، وذكر ابن حارث مسألة مريد الحلف وقال فيها اتفاقاً، وقال فيها اللخمي هذا إن كان مستفتياً أو فهمت البينة قصده ذلك لمنازعة وقعت وإلا لم يصدق.
ابن حارث: إن قال أنت طالق وفي نيته أن يقول البتة، فقيل له: اتق الله فسكت، ففيها لا تلزمه إلا واحدة، وسمع ابن نافع تلزمه البتة.
وتكرير اللفظ: الدال على الطلاق دون تعليق وعطف يعدده إن لم ينو وحدته، في تخييرها أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، ثلاث إلا أن ينوي واحدة بنى أو لم يبن، ومثله في الأيمان بالطلاق في أنت طالق طالق طالق، ونقل ابن عبد السلام عن الواضحة لا ينوى لا أعرفه؛ بل نقل ابن حارث ينوى اتفاقاً، وما في الواضحة إنما نقله الشيخ في العطف حسبما يأتي، وكذا وجدته في اختصار الواضحة لفضل، وفي تخييرها اعتدي اعتدي اعتدي كذلك، ومال اللخمي في تكرير اعتدي لواحدة فقط محتاجاً بما حاصله: اعتدي ليس من لفظ الطلاق في شيء فيلزمه طلقة لامتناع حمل أول لفظه على مدلوله لعدم تقرره فأعمل في لازمه، ولا امتناع في حمله على مدلوله فيما بعده فوجب، واستظهر بحكايته عن بعض أهل العلم.
قُلتُ: ذكره بعضهم من رواية ابن أبي مريم وهو محمد بن زرقون.
قُلتُ: ابن أبي مريم لم يدرك مالكاً إنما سمع من سحنون وابنه وأشد منه قول ابن
شعبان في زاهية في: قد سرحتك، قد سرحتك، قد سرحتك واحدة إلا أن يريد الثلاث، وفي اختصار مبسوطة ابن إسحاق لابن رُشد في أنت طالق إن كلمت فلاناً يكرره ثلاث مرات أنها واحدة إلا أن ينوي أكثر، وفي كون ذلك قبل البناء كذلك وقصره على واحدة قولها مع غيرها، ونقل اللخمي عن إسماعيل القاضي، وتعقب ابن عبد السلام المشهور بالاتفاق على جواز نكاح المطلق قبل البناء أو بالخلع خامسة أو أخت المطلقة وصحة عقد غيره عليها بنفس طلاقه، وإن تبع فيه من سبقه به يرد بأن قرب اتباعه مظنة لإرادته مع الأول بخلاف صور النقض من جملتها عدم الإرث بالموت عقبه وهو معلق على واحد بالشخص ككون مطلقاً وعلى غيره ولو أعمه أو أخصه لازم التعدد، الشيخ عن الموازية: من قال إن كلمت إنساناً فأنت طالق، ثم قال إن كلمت فلاناً فأنت طالق فكلمه لزمه طلقتان.
قُلتُ: لأن تناول اليمين له وحده ليس كتناولها إياه مع غيره ضرورة أن الشيء في نفسه لي كهو مع غيره.
وافتراق الزمان في المعلق اتحاده بخلاف غيره.
الشيخ عن الموازية: من قال أنت طالق إن فعلت كذا، ثم قاله بعد وقت نوى، فإن لم تكن له نية فالبتة، ولا ينوي في الطلقة الأولى يرددها.
قُلتُ: للحاجة لتكرير اليمين خوف أن يطلب بما يوجب حنثه.
ويرد بتكرير المعلق قبل حنثه ولو قبل البناء، وفي غير المعلق بعد البناء، أم قبله فالافتراق يوجب واحدة فقط.
ابن عات: لابن سحنون: إن قال أنت طالق الطلاق فهي طلقتان إلا أن يريد واحدة.
**** **** **** **** وقال اللخمي: إن كان مستفتياً رأيت أن ينوى، وثم كذلك.
المتيطي: اتفاقاً، وقول ابن عبد السلام:(وحكى بعضهم أنه ينوى في الفاء وثم) لا أعرفه إلا ما نقله ابن عات، ونصه: وفي الدعوى لو قال أنت طالق ثم طالق ثم طالق، أو طالق وطالق وطالق ولم تكن له نية لزمه الثلاث؛ لأن الواو للفصل وثم
للاستئناف، وسواء دخل بها أو لم يدخل، وفي المدونة هي ثلاث ولا ينوى، وكذلك قوله أنت طالق وأنت طالق وأنت طالق هي ثلاث ولا ينوى، ونحوه في الواضحة، وروى عيسى عن ابن القاسم في قوله أنت طالق وطالق وطالق أنها ثلاث ولا ينوى، وهذا أحسن من الذي في كتاب الدعوى، ووجه أخذ الخلاف منه في "ثم" أنه جعل رواية عيسى لا ينوى في الواو وخلاف قوله في كتاب الدعوى ولا يتقرر من قوله في الدعوى والخلاف إلا من مفهوم قوله: ولم تكن له نية، وإذا تقرر هذا منه في الواو لزم في ثم لجمعهما معاً في قيد قوله: ولم تكن له نية.
وللشيخ عن ابن حبيب: إن قال أنت طالق ثم طالق ثم طالق، أو قال ثم طالق، أو قال وأنت، أو قال وطالق حتى أتم ثلاثاً فهي ثلاث لا ينوى بنى أو لم يبن، خص ابن شاي وابن الحاجب لزوم الثلاث في الفاء وثم بمن بنى بها، وهما فيمن لم يبن بها واحدة فقط، وقول ابن عبد السلام في نقلهما:"لا أتحقق الآن صحته عن المذهب، ولعلي أجد فيه لغيرهما ما يوافقهما، ولعلهما فهماه من كلامه في المدونة "ميل لقبوله، والصواب رده لما تقدم من قبول الشيخ نقل ابن حبيب في "ثم" قائلاً بنى أو لم يبن، ومن قول ابن عات: سواء دخل بها أو لم يدخل.
وفيها: ما نصه قال ربيعة: إن قال لامرأته قبل أن يدخل بها أنت طالق أنت طالق أنت طالق كلاماً نسفاً واحداً لم تحل له حتى تنكح زوجاً غيره.
قُلتُ: أرأيت إن قال لها أنت طالق وأنت طالق وأنت طالق.
قال: سألت مالكاً عنها فقال: فيها إشكال، وأرى أنها طالق ثلاثاً.
قال: فقلت لمالك: فإن قال لها أنت طالق ثم أنت طالق ثم أنت طالق.
قال: هذه بينة لا ينوى فيها وهي ثلاث، وأنا أرى إذا قال ذلك بالواو أنها ثلاث ولا ينوى.
قُلتُ: فمن أنصف علم أن لفظها في لزوم الثلاث في ثم والواو ظاهر أو نصف فيمن بنى أو لم يبن، وهو مقتضى مشهور المذهب فيمن أتبع الخلع طلاقاً، وتوهم التمسك بقول البرادعي إثر قول ابن القاسم وكذلك إن قال أنت طالق وأنت طالق وأنت طالق لأجنبية، وقال معه إن تزوجتك، والواحدة تبين غير المدخول بها والثلاث
تحرمها إلا بعد زوج، يرد بأنه في المدونة إنما ذكره بعد أن ذكر أقوال الصحابة أن من طلق قبل البناء ثلاثاً لم تحل إلا بعد زوج، وإن طلقها واحدة حلت له قبله، فهو فيها نص في أنه ليس راجعاً لحكم العطف بحال، ولو كان راجعاً له كان مناقضاً لقول ابن القاسم قبله، يليه في لفظ البرادعي؛ لأن قوله فيها لزوم الثلاث قبل البناء، ولو كان العطف بالواو ففي قبول نيته تأكيد الواحدة ولغوها فتلزم الثلاث، ثالثها: الوقف لابن حارث عن إحدى روايتي ابن القاسم مع اللخمي عن ابن شعبان في عطف سرحتك بها، وقول ابن القاسم مع ابن حارث عن المغيرة وإحدى روايتي ابن القاسم وروايتها، وقول البرادعي (قال مالك إلى أخره) في النسق بالواو إشكال.
قال ابن القاسم: ورأيت الأغلب من قوله أنها مثل ثم ولا ينويه وهو رأيي.
قُلتُ: لم يقع في المدونة لابن الاسم لفظ قوله ورأيت الأغلب من قوله أنها مثل ثم بحال إنما له فيها: وكأني رأيته يريد بقوله أنه لا ينويه في ذلك وأنها ثلاث وهو رأيي، ثم ذكر قول مالك في ثم أنه لا ينويه، فيها حسبما قدمناه، فعبر البرادعي عن ذلك بقوله مثل ثم لأن معنى مثل ثم لا ينويه، وقول ابن الحاجب في مختصره:"الأصلي وقول مالك والأظهر أنها مثل ثم إنما قاله في المدخل بها، يعني تقع الثلاث ولا ينوى في التأكيد لا أنها بمعنى ثم" إن أراد أنه قاله في المدونة فليس كذلك، إنما قاله ابن القاسم حسبما مر في لفظ البرادعي، وإن أراد أنه قال في غير المدونة فهو في عهدته ولا أعرفه، وقوله إنما قاله في المدخول بها ليس كذلك حسبما بيناه.
وفيها: من طلق زوجته فقيل له ما صنعت قال هي طالق، وقال إنما أردت إخباره بالتطليقة التي طلقتها؛ قبل قوله.
الصقلي: ويحل، وحكى عن بعض شيوخنا إنما يحلف إن تقدمت له فيها طلقة.
قُلتُ: وهو قول ابن محرز قال: ليملك رجعتها الآن، وقال عياض: إنما ذلك إذا أراد رجعتها وحيث يحب حلفه.
قال عبد الحق: إن أبي فلا رجعة وعليه نفقتها في عدتها لإقراره إلا أن يقر أنها الثالثة أو يوقعها.
ابن شاس: إن لم تكن له نية ففي لزوم طلقة أو طلقتين قولا المتأخرين.
قُلتُ: الأول هو قول اللخمي لو علم عدم نيته لم يكن عليه غير تطليقة؛ لأن بساط سؤاله يدل على أنه خر عما فعل، وقال مالك فيمن طلق امرأته فسئل عنها فقال ما بيني وبينها عمل لا شيء عليه ويحلف ما أراد طلاقاً.
قُلتُ: في حلفه في هذا بعدٌ.
ابن محرز: لو أجاب بطلقتها لم يحلف.
عياض: ولو لم ينو إعلامه؛ لأنه خبر عما فعل. وروى محمد من أشهد رجلاً أن امرأته طالق ثم آخر كذلك ثم آخر كذلك، وقال أردت واحدة دين وحلف.
الصقلي: يمين هذا أبين، عياض: قولهم هذه أبين من الأولى ليس كذلك؛ بل القرينة هنا تكثير الشهود وهو في الثاني أعذر منه في الثالث، وكذا لو أشهد أولاً شاهدين فهو سواء خلاف تفريق بعضهم لاستغنائه بشاهدين لا وجه له؛ لأن تكثير الشهود يقصده الناس.
وسمع القرينان من حلف بطلاق لا كلم فلاناً، ثم حلف كذلك بعد أيام ثم حلف كذلك بعد أيام ثم كلمه وقال: إنما أردت واحدة رددها ليعلمها ويهددها حلف ولزمته طلقة واحدة.
ابن بشير: يريد أنه طولب باليمين هو مقر بها لذا وجب حلفه، ولو أتى مستفتياً غير مخاصم لم تلزمه يمين وهو معنى ما في المدونة؛ لأن طلاق الرجل امرأته وحلفه به في مجالس شتى وأيام مفترقة إن أتى فيه مستفتياً غير مخاصم ولا مطلوب نوي دون يمين، وإن طولب بذلك وخوصم فيه وهو مقر نوي مع يمينه عل ما تأولنا قوله في هذا السماع، وإن قامت عليه البنية فأقر ولم ينكر، ففي لغو تنويته لحضوره البينة قولان لسماع عيسى ابن القاسم في الشهادات مع قول ربيعة في الأيمان بالطلاق منها أن الشهادات في الطلاق لا تلفق إن اختلفت المجالس، وإسماعيل القاضي مع الآتي على قولها تلفق الشهادات على الطلاق، ولو اختلفت المجالس ومثله سماع عيسى منه، والخلاف عندي إنما هو في إذا شهدت كل بينة أنه قال أشهدكم أنها طالق، ولو قال أشهدكم أني طلقتها نوي قولاً واحداً يقوم ذلك من قول أصبغ في رسم حمل صبياً من سماع عيسى من الشهادات، وإن أنكر أنه طلق فلما شهدت عليه البينة قال أردت
واحدة لم ينو ولزمته الثلاث على المشهور، وتتخرج تنويته على ما في رسم الكبش من سماع يحيى من هذا الكتاب وعلى ما في كتاب التخيير في رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم، ورسم الطلاق من سماع أشهب ورسم الكبش من سماع يحيى.
قُلتُ: كلام ابن رُشد نص في تسوية الطلاق غير معلق عليه معلقاً في وقوعه في أوقات متعددة خلاف ما تقدم للشيخ عن الموازية، وهو ظاهر أقوالهم في مسألة من طلق فقيل له ما صنعت وما ذكر معها.
ابن شاس: في أنت طالق طلقة مع طلقة أو معها طلقة أو تحت طلقة أو فوق طلقة طلقتان قبل البناء أو بعد، ولو قال لمدخول بها أنت طالق طلقة قبل طلقة أو قبلها طلقة أو بعد طلقة أو يعدها طلقة لزمته طلقتان، وقبله القرافي، ومفهومه أنه قبل البناء ليس كذلك والأظهر أنه كذلك.
الشيخ عن ابن سحنون عنه: في أنت طالق واحدةً في واحدةٍ، واحدةٌ، وفي اثنتين في اثنتين أربعة تبين منها بثلاث وكذا بقية هذا المعنى.
قُلتُ: هذا إن كان عالماً بالحساب أو قصده وهو لم يعلمه وإلا فهو ما نوى إن كان مستفتياً أو علم من قرائن الأحوال عدم قصده معنى الضرب كقول من علم جهله من البادية أنت طالق طلقتين في طلقتين وقال أردت طلقتين فقط.
وفي الذخيرة: حكى صاحب كتاب مجالس العلماء أن الرشيد كتب إلى قاضيه أبي يوسف هذه الأبيات:
**** **** ****
…
**** **** أشام
**** **** ****
…
**** **** وأظلم
**** **** ****
…
**** **** الثلاث مقدم
وقال له: إن نصت ثلاثاً كم يلزمه، وإن رفعته كم يلزمه فأشكل عليه فحملها للكسائي فقال له يلزمه في الرفع واحدة وفي النصب ثلاثة، يعني أن الرفع يقتضي أنه خبر عن المبتدأ الذي هو الطلاق الثاني ويكون منقطعاً عن الأول فلم يبق إلا قوله أنت
طالق فيلزمه واحدة وبالنصب يكون تمييزاً لقوله: (فأنت طلاق) فيلزمه الثلاث، زاد في القواعد: إن قلت إن نصت أمكن كونه تمييزاً عن الأول كما قلت، وأمكن كونه منصوباً على الحال من الثاني أي الطلاق معزوم عليه في حال كونه ثلاثاً أو تمييزاً له فلم خصصته بالأول؟
قُلتُ: الطلاق الأول منكر يحتمل بحسب تنكيره جميع مراتب الجنس وأعداده وأنواعه دون تنصيص على شيء من ذلك، فاحتاج للتمييز ليحصل المراد من المنكر المجهول، وأما الثاني فمعرفة استغنى بتعريفه واستغراقه الناشئ عن لام التعريف عن البيان. قال: ويحكى أن الرشيد أثابه على جوابه بجائزة حفيلة، فبعث أبو يوسف بجميعها للكسائي.
وفيها لابن القاسم: من طلق بعض طلقة لزمته طلقة.
ابن شهاب: ويوجع ضرباً، وفي آخر التخيير منها عنه من قال أنت سائبة أو مني عتيقة أو ليس بيني وبينك حلال ولا حرام وأراد به الطلاق كان ما أراد من الطلاق ويحلف على ذلك، وينكل من قال مثل هذا عقوبة موجعة؛ لأنه ليس على نفسه وعلى حكام المسلمين.
قال ابن عبد السلام: اختلف العلماء في ذلك منم من كمل عليه التجزئة إما احتياطاً؛ وإما لأنه رآه هازلاً، ومنهم من لم يلزمه ذلك وهذا القول خارج المذهب وكأنه أجرى على مهيع الدليل لعدم استلزام الجزء الكل.
قُلتُ: قوله: (منهم من لم يلزمه ذلك) يقتضي عدم شذوذ قائله، وقال ابن المنذر: اجمع كل من يحز فظ عنه من أهل العلم أن من طلق زوجته نصف تطليقة أو سدس تطليقة أنها تطليقة واحدة، وقال ابن القصار في عيون الأدلة: حكى عن داود أن من قال لزوجته أنت طالق نصف تطليقة لا يقع عليه شيء والفقهاء على خلافه.
قُلتُ: وتقرر في أصول الفقه أن ندور المخالف مع كثرة المجمعين لا يقدح في كون إجماعهم حجة، ومثل هذا لا ينبغي أن ينقل بتلك العبارة واستلاله على ترجيحه بعدم استلزام الجزء الكل، يرد بأنه ليس منه؛ بل من باب إبطال الكل بإبطال جزئه، وهذا؛ لأن الطلقة إنما هي عبارة عن بطلان جزء حكمي من العصمة المجزأة ثلاثة
أجزاء للحر وجزأين للعبد عندنا، فمن طلق بعض طلقة أبطل بعض ذلك الجزء وبطلان الجزء يبطل لكل ضرورة.
ابن شاس: في أنت طالق نصفي طلقة أو نصف طلقتين طلقة واحدة، وفي ثلث وربع وسدس طلقةٍ طلقةٌ واحدة، وفي ثلث طلقة وربع طلقة وسدس طلقة ثلاثٌ، وقول ابن الحاجب: قالوا في نصف وربع طلقةٍ طلقةٌ واحدة، وفي نصف طلقة وربع طلقة وطلقتان استشكال منه، والأظهر عوده للأولى لجريان الثانية على أصل تكميل الطلقة، وتقرير إشكال الأولى أن تقرير لفظها أنت طالق نصف وربع طلقة، فنصف مضاف قطعاً في النية والمنوي مع اللفظ كالملفوظ به فساوت الأولى الثانية، فافتراقهما في الحكم مشكل، وجوابه على أصلين في الفقه والعربية واضح، أما الفقهي فهو لو قال لها أنت طالق نصف طلقة وربعها لم يلزمه إلا طلقة واحدة لإضافته الجزأين لطلقة واحدة لا يزيد مجموعهما عليها كما مر في نصفي طلقة، وأما أصل العربية فهو قول جمهور النحويين: أن المضاف إليه إذا حذف فلا بد من تنوين المضاف إلا أن يكون المضاف بعد الحذف على هيئته قبل الحذف، كقولهم قطع الله يد ورجل من قاله.
قالا التقدير قطع الله يد من قاله ورجله فحذف الضمير وأقحم المضاف بين المضاف والمضاف إليه، وحذف التنوين من يد لإضافته إلى من، وحذف من رجل؛ لأنه مضاف إلى من في المعنى وبمنزلة المضاف إليه في اللفظ، وهذا الأصل يوجب تقدير تركيب لفظ المسألة أنت طالق نصف طلقة وربعها، وقد قررنا أن اللازم في هذا اللفظ طلقة واحدة فقط، وقوله قالوا يقتضي عزوه لغير واحد، ولا أعرفه نصاً لواحد لكن أصول المذهب بما قررناه تقتضيه، وقول ابن عبد السلام في أنت طالق طلقة وربع الطلقة طلقة واحدة حسن جار على ما قررناه.
وفي كون تعدد الطلاق بنصف طلقة وربع طلقة كتعدده بتكرير لفظه اعتباراً بلازم اللفظ فيلحقه حكم دعوى نية التأكيد وامتناعه اعتباراً باختلاف اللفظ نظر، ويتخرج ذلك على قولي ابن القاسم وأشهب في عتقها فيمن حلف بحرية أمة لتفعلن كذا فأبت فتلوم لها الحاكم أجلاً لفعلها فات فيه قبل فعلها ولم تفعل في عتقها عليه قولاهما بناء على لغو لازم لفظه واعتباره والعكس.
الشيخ: عن ابن سحنون عنه: في أنت طالق الطلاق كله إلا نصفه طلقتان، وكذا ثلاثاً إلا نصفها، وفي أنت طالق الطلاق كله إلا نصف الطلاق يلزمه الثلاث؛ لأن الطلاق المبهم واحدة فاستثناؤه نصفه لا ينفعه.
قُلتُ: إن قيل إن نوى بأل الجنس أو مطلق الحقيقة فواضح، وإلا فالأولى كونها للعهد في اللفظ فيصير كقوله إلا نصفه.
قُلتُ: إنما أولوية ذلك لو كان الأول نكرة، أما المعرفة فإرادة معنى المعهد فيها لفظة الضمير لا أل.
الشيخ عن سحنون عنه لو قال لأربع نسوة بينكن طلقة أو قال طلقتان أو قال ثلاث أو قال أربع لزمت لكل واحدة طلقة.
وفيها لابن القاسم: وإن قال خمسة إلى ثمان طلقن اثنين اثنين، وإن قال تسع إلى ما فوق ذلك طلقن ثلاثاً ثلاثاً.
ابن سحنون عنه: لو قال شركت بينكن في ثلاث لزم كل واحدة ثلاث وفي طلقتين طلقتين، وقول ابن عبد السلام أشار بعض المؤلفين أن في مسألة التشريك قولاً مثل قول مسألة بينكن، فإن كان القول نصاً فلا كلام، وإن أراد أنه يتخرج من الأولى في الثانية فقد نص سحنون على التفرقة بينهما، والفرق أنه في الأولى إنما ألزم نفسه ما توجبه القسمة ولم يلزم نفيه قبل القسمة شيئاً، وفي الثانية ألزم نفسه ما نطق به من الشركة، وذلك يوجب لكل واحدة منهن جزءاً من كل طلقة لا أعرفه، ونص المجتهد على حكمين مختلفين في صورتين متحدتي العلة فيهما لا يمنع تخريج قول إحداهما في الأخرى، وقد تقدم مثله في غير موضع، وقاله ابن رُشد غير مرة.
فإن قلت: لا فرق بين مسمى شرك وبين مسمى بين لتلازمهما صدقاً وكذباً لو كان لزيد عبد ولعمرو عبد كذب قولهما بينهما وشركة بينهما، ولو ورثاهما من عمهما مثلاً وأحدهما أخو أحدهما لأمه والآخر لأبيه صدق كونها بينهما وشركة بينهما.
قُلتُ: إنما تلازماً فيما يملكه من أضيف إليه بين كما في المثالين، وأما فيما ليس كذلك من المؤلم وما نزل منزلته فلا، كقول السيد لعبديه بينكما سوطان أو قطعان هذا يصدق فيه بين دون الشركة وللطلاق حكم المؤلم ولذا شطر كالحد، فإذا نض معه على
الشركة جاز كقوله بينكما طلقة، ولعل ما ذكره إنما هو على العكس وهو وجود قول في بينكن مثل القول في شركت بينكن.
نقله ابن رُشد في الثانية من نوازل أصبغ وعلله بقوله؛ لأن كل واحدة منهن حصل لها جزء من كل طلقة. قال: وهذا الاختلاف على اختلافهم فيمن صرف دنانير بدراهم فوجد في الدراهم زائفاً هل ينتقض صرف الدنانير كلها أو صرف دينار فقط، ولم يذكر في مسألة لفظ التشريك خلافاً، وفي نوازل أصبغ: من قال لإحدى نسائه الثلاث أنت طالق ثلاثاً البتة ثم للأخرى أنت شريكتها ثم للثالثة أنت شريكتهما هن طوالق البتة، لا ينفعه قوله: ثلاثاً؛ لأنها لغو مع البتة قدمت أو أخرت والبتة لا تتبعض، ولو قال ثلاثاً فقط وقع على الأولى الثلاث، وعلى الثانية طلقتان، وعلى الثالثة ثلاث من شركة الأولى طلقتان ومن الثانية طلقة، وقول أصبغ نص في عدم تبعيض البتة وأنها مرادفة أنت طالق بآخرة الثلاث، وفي تبعيضها نقل البيان عن أشهب مع سحنون، وقولها: تضم الشهادة بت للشهادة بواحدة وأصبغ مع ابن حبيب عن ابن القاسم ورواية المبسوطة ومثله في الموازية وفي اختصار المبسوطة اختلف فيه قول ابن القاسم وقول سحنون، وطلاق جزء المرأة ككلها، ابن حارث: يدها ورجلها ككلها اتفاقاً، وفي كلامك أو شعرك طالق قولا أصبغ وسحنون، وتقدم الخلاف في تحريمهما.
ابن عبد السلام: قال بعضهم اختلف عندنا إن طلق بعض ما ينفصل كالشعر والكلام والسعال والبزاق.
قال ابن عبد السلام: ولم أقف في السعال للمتقدمين إلا على عدم اللزوم.
قُلتُ: ظاهر ما تقدم من استدلال محمد وابن عبد الحكم على لغو تحريم الشعر والكلام بلغو تحريم السعال والبزاق الاتفاق على لغوهما، ولابن القصار ما نصه لا أعرف في الدمع والدم والريق نصاً.
قال: ورأيت بعض أصحابنا قد ركبه وخالف إذا قال حملك طالق؛ لأنه في وعاء ليس متصلاً اتصال الخلقة.