المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب في الإحداد] - المختصر الفقهي لابن عرفة - جـ ٤

[ابن عرفة]

فهرس الكتاب

- ‌ باب فيما يثبت الوطء به [

- ‌ الأنكحة الفاسدة [

- ‌ باب في رعي الخلاف [

- ‌[باب في المتعة]

- ‌[باب الوليمة]

- ‌[كتاب الطلاق]

- ‌[باب طلاق الخلع]

- ‌[باب المطلق بالخلع]

- ‌[باب باطل الخلع]

- ‌[باب صيغة الخلع]

- ‌[باب في طلاق السنة]

- ‌[باب في شرط الطلاق]

- ‌[باب الأهل]

- ‌[باب لفظ الطلاق الصريح]

- ‌[باب الكناية الظاهرة]

- ‌[باب الكناية الخفية]

- ‌[باب شرط الاستثناء في الطلاق]

- ‌[باب فيما ينجز فيه الطلاق المعلق]

- ‌[باب المختلف في تنجيزه من الطلاق المعلق]

- ‌ باب التوكيل في الطلاق [

- ‌ باب الرسالة [

- ‌ باب التمليك [

- ‌[باب جواب المرأة في…التمليك]

- ‌[باب في صيغة التخيير]

- ‌[باب في الرجعة]

- ‌[كتاب الإيلاء]

- ‌[باب شرط المولي]

- ‌[كتاب الظهار]

- ‌[باب شرط المظاهر]

- ‌ باب صريح الظهار [

- ‌ باب الكناية الظاهرة في الظهار [

- ‌ باب الكناية الخفية في الظهار [

- ‌[باب العودة]

- ‌ باب كفارة الظهار [

- ‌[كتاب اللعان]

- ‌ باب شرط اللعان [

- ‌[باب شرط وجوب اللعان على الزوجة]

- ‌ باب في التوأمين [

- ‌[باب دليل براءة الرحم]

- ‌ باب فيما تجب فيه العدة [

- ‌[باب فيما تسقط به العدة]

- ‌[باب فيما تثبت به عدة الوفاة]

- ‌[كتاب الاستبراء]

- ‌[باب في استبراء الحرة في غير اللعان]

- ‌[باب المواضعة]

- ‌[باب في الإحداد]

- ‌[باب المفقود]

- ‌[كتاب الرضاع]

- ‌[باب ما يثبت به التحريم من الرضيع من موضعه]

- ‌[باب في النسبة الملغاة في الرضاع]

- ‌[باب النسبة الموجبة التحريم في الرضاع]

- ‌[باب في الغيلة]

الفصل: ‌[باب في الإحداد]

[باب في الإحداد]

الإحداد: ترك ما هو زينة ولو مع غيره، فيدخل ترك الخاتم فقط للمبتذلة.

وقول ابن الحاجب وابن محرز: ترك الزينة المعتادة يبطل طرده؛ لصحة سلب الزينة المعتادة عمن لبسته مبتذلة.

ص: 455

وفيها: يجب على كل معتدة لوفاة، ولو كانت ذات رق، صغيرة.

الباجي: إن عقلت الامتثال أمرت به وإلا فقال عيسى: يجنبها أهلها ذلك.

وفي الكافي: قيل: لا إحداد على صغيرة ولا ذمية.

وفي وجوبه على امرأة المفقود في عدة وفاة سماع ابن القاسم، ونقل ابن رُشْد عن ابن الماجشون مع سحنون.

وفي الكتابية قولان لها ولابن نافع فيها، وعزاه أبو عمر له مع أشهبوروايته: اللخمي عن محمد: يدوم إحداد المسترابة مدة استرابتها.

ابن حبيب: ولو بعد خمس سنين، وعلى قول أَصْبغ: إن تزوجت مسترابة بتأخر حيض أو مستحاضة بعد الأربعة الأشهر وعشر لم يفسخ نكاحها تمادي إحدادها بعدها احتياط لا إثم في تركه.

قلت لابن حارث: قال سحنون لا إحداد على المرتابة بعد أربعة أشهر وعشر، وروى ابن عبد الحكم: إحداد الحامل حتى تضع، والمرتابة حتى تنقضي ريبتها، وسمع ابن القاسم: لا تمس الحامل طبيا حتى تضع وإن قعدت سنين.

وفيها: لا تلبس حليا ولا قرطا ولا خاتم حديد ولا خلخالاً ولا سوارًا، ولا تمس طبيًا ولا تدهن بزنبث أو بنفسخ أو خيري، ولا تتمشط بدهن مربب ولا حناء ولا كتم، وتدهن بالشبرق والزيت، وتمتشط بالسدر وشبهه مما لا يختمر في رأسها.

وسمع القرينان: من توفي زوجها وقد امتشطت أتنقض مشطها؟

ص: 456

قال: لا، أرأيت إن كانت مختضبة كيف تصنع؟

ابن نافع: وهو رأي ابن رُشْد: يريد: إن كانت امتشطت بغير طيب، ولو كان بطيب أو تطيبت في سائر جسدها لوجب عليها غسله، كما يجب عليها نزع ثوب الزينة، وكما يجب على الرجل يحرم وهو متطيب غسل طيبه.

قُلتُ: قول ابن رُشْد: يريد: إن كانت امتشطت بغير طيب يقتضي منعها من الامتشاط بغير طيب، وهو خلاف متقدم قولها: تمتشط بالسدر، ولما نقل الباجي لفظها قال: ولو مات زوجها بعد أن مشطت رأسها بشئ من الطيب، فروى أشهب في العتبيَّة وذكر ما تقدم، وهذا خلاف ما تقدم لابن رَشْد.

وقول ابن رُشْد: لو كان بطيب أو تطيبت لوجب عليها غسله إلى آخره، خلاف قول عبد الحق في تهذيبه. قال بعض شيوخنا: إذا لزمتها العدة وعليها طيب فليس عليها غسله بخلاف من أحرم، وعليه طيب.

عبد الحق: يحتمل أن يفرق بينهما بأن المحرم أدخل الإحرام على نفسه، فلو شاء نزع الطيب عنه قبل أن يحرم وبأن فيما دخل على المرأة من وفاة زوجها والاهتمام به شغلا لها عن الطيب.

قال: وفي الموازيَّة: لا تحضر حاد عمل طيب، ولا تتجر فيه ولو كان كسبها.

وللبرقي عن أشهب: لا تدخل الحمام ولا تطلي بالنورة، ولا بأس أن تستحد، والكحل لها تداويا معرى عن الطيب، ظاهر المذهب جوازه اتفاقًا.

وفي وجوب مسحه بالنهار قولان للباجي عن رواية محمد: إن اكتحلت لضرورة بالصبر فلتمسحه بالنهار، مع رواية الشيخ: لا تكتحل إلا أن تضطر فتكتحل بالليل وتمسحه بالنهار من غير طيب فيه، ولظاهرها.

الباجي: وجدت لمالك ولم أتحققه: لا تكتحل بإثمد ولا بذي سواد ولا بذي صفرة ولا بذي طيب وإن اشتكت عينها.

ومعناه: إلا أن تدعو لذلك ضرورة، وأشار في الموطأ أنها تكتحل بما فيه صبر للضرورة، وهو المعروف من المذهب.

قُلتُ: ففيه بما فيه طيب لضرورة، ثالثها: وتمسحه نهارا لظاهرها، ولعبد الحق عن

ص: 457

رواية المختصر، وله مع الباجي عن رواية محمد، وقال في رواية المختصر: لا تكتحل إلا أن تضطر فتكتحل ليلا وتمسحه بالنهار من غير طيب يحتمل أنها لم تضطر للطيب، وأطلقها عبد الحق.

وفيها لمالك: لا تلبسوها من الثياب المصبغة ولا من الحلي شيئًا.

قيل: أتلبس المصبغة من هذه الدكن والصفر والمصبغات بغير الورس والزعفران والعصفر؟ قال: لا ولا صوفا ولا قطنا ولا كتانا ضبغ بشئ من هذا إلا أن تضطر لذلك لبرد ولا تجد غيره. وقال عروة: إلا أن تصبغه بسواد.

قُلتُ: ظاهر قول مالك أولا: منع لبس الأسود، وفسر اللخمي المذهب بجوازه، وعزاه الباجي لرواية محمد. قال: وفيها تلبس أبيض الحرير.

قال القاضي: وأسوده والسابري.

الباجي: يريدون بالأسود: الغرابي لا السماوي. فإنه يتجمل به.

وقال القاضي: كل لون يتزين به النساء تمنعه الحاد.

اللخمي: وهذا أحسن، ورأى أن تمنع الثياب الحسنة وإن كانت بيضاء، وكذا رفيع السواد، ولا تمنع الأخضر ولا الأزرق الرديء، وتمنع النفيس من الحرير، وإن لم تجد إلا مصبوغا باعته أو غيرته بسواد، وقد يستخف بقاؤه بحاله إن كان في تغييره فساد.

وفيها: لا تلبس رقيق عصب اليمن، ووسع في غليظه، وتلبس رقيق البياض كله من الحرير وغيره، ولا تلبس خزا.

الصقلي: في المختصر لمالك: إلا أبيضه وأسوده.

وفيها: لا تتزين الأمة الحاد للبيع بما لا تلبسه الحاد، وقول ابن الحاجب: ولا تلبس مصبوغا إلا الأسود والأدكن إلا أن لا تجد غيره خلاف متقدم نصوصهم.

فضل: روى على: يستحب لها إذا تمت عدتها أن تتطيب ليلا تزيد في الإحداد.

وقال ابن القاسم: هي مخيرة.

وفي الحج الثاني منها لمالك: يستحب لمن حل من إحرامه الأخذ من لحيته وشاربه، وتقليم أظفاره، وفعله ابن عمر.

وتلزم المعتدة مقامها في مسكنها حين وقوع سبب عدتها طلاق أو وفاة، والتهمة

ص: 458

على نقلها منه لطلاقها بغيره توجب ردها إليه.

اللخمي في الموازية، وظاهره لابن القاسم: من اكترى منزلا نقل إليه زوجته فلما سكنه طلقها لزمه ردها لمسكنها الأول.

ويجب للمدخول بها على زوجها سكناها لفرقة حياة، ولو لفسخ مجمع عليه.

وفي ثالث نكاحها: إذا وقعت الفرقة بينهما وهما مجوسيان أو ذميان وقد بنى بها فرفعتها حيضتها فلها السكنى؛ لأنها إن كانت حاملا اتبعته بما في بطنها، وكذا من نكح ذات محرم ولم يعلم ففرق بينهما بعد البناء فلها السكنى؛ لأنها تعتد منه، وإن كان فسخا.

وفي وجوبها لها بالوفاة:

ثالثها: إن كان مسكنها له ولو بعارية أو حبس.

للمتيطي عن ابن كنانة، وابن القصار مع رواية ابن خويز منداد وتخريج اللخمي على رواية ابن نافع في المطلقة التي لها السكنى: تسقط بموته في العدة كنفقة الحمل، والمشهور معها. قال: والأول أولى لحديث الفريعة.

قُلتُ: هو رواية مالك عن سعد بن إسحاق، عن كعب بن عجرة، عن عمته زينب بنت كعب بن عجرة: أن الفريعة بنت مالك بن سنان أخت أبي سيعد الخدري أخبرتها أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة، فإن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا، حتى إذا كان بطرف القدوم لحقهم فقتلوه، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلى فإني لم يتركنى في مسكن يملكه ولا نفقة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم. قالت: فخرجت حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد دعابي أو أمربي فدعيت له، فقال: كيف قلت؟ فرددت عليه القصة التي ذكرت من شأن زوجي. قالت: فقال: امكثي حتى يبلغ الكتاب أجله.

قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرًا.

قالت: فلما كان عثمان أرسل إلى، فسألني عن ذلك فأخبرته فاتبعه وقضى به.

ص: 459

أخرجه أبو داود.

قال تقي الدين ابن دقيق العيد: ثم ذكره الحاكم من وجهتين، وذكر أنه صحيح الإسناد من الوجهين معًا.

وحكي عن محمد بن يحيى الذهلي أنه قال: حديث صحيح.

وأخرجه ابن ماجه من حديث أبي خالد الأحمر عن سعد، وفيه: فجاء نعي زوجي وأنا في دار من دور الأنصار شاسعة عن دار أهلي، وفيه: امكثي في بيتك الذي جاء فيه نعي زوجك حتى يبلغ الكتاب أجله.

قُلتُ: وقال عبد الحق: ذكره الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، وقال علي بن أحمد: زينب هذه مجهولة لم يرو حديثها غير سعد بن إسحاق بن كعب، وهو غير مشهور بالعدالة.

مالك وغيره، يقول: فيه إسحاق بن سعد، وسفيان يقول: سعيد، وقال أبو عمر أن في هذا الحديث: حديث مشهور معروف عند علماء الحجاز والعراق.

ابن القطان: ابتع عبد الحق الحديث بتصحيح الترمذي له، وقول ابن حزن: زينب مجهولة، لم يرو حديثها غير سعد بن إسحاق، وهو غير مشهور بالعدالة. وارتضى هو هذا القول من علي بن أحمد، ورجحه على قول ابن عبد البر أنه حديث مشهور.

وعندي أنه ليس كما ذهب إليه؛ بل الحديث صحيح، فإن سعد بن إسحاق ثقة ممن وثقه النسائي، وزينب ثقة، وفي تصحيح الترمذي إياه توثيقها وتوثيق سعد بن إسحاق، ول يضر الثقة ألا يروي عنه إلا واحد، وقوله:(مالك يقول فيه: إسحاق بن سعد، وسفيان يقول: سعيد)، كذا وقع إسحاق بن سعد، وقد نبه عليه في نسخ أنه كذلك وقع، وهو خطأ، صوابه سعد بن إسحاق كما ذكرنا.

قُلتُ: قول ابن حزم: لم يرو حديث زينب غير سعد بن إسحاق، وقبوله عبد الحق وابن القطان يرد بأنه إن أراد لم يرو عنها إلا سعد فليس كذلك.

قال الإمام المزي في كتابه تهذيب الكمال في أسماء الرجال في الكتب الستة: روى

ص: 460

عنها سعد بن إسحاق وسليمان بن محمد، وخرج لها الأربعة: أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه، وإن أراد أنه لم يرو عنها هذا الحديث إلا سعد فليس ذلك بعلة فيه حسبما ذكره ابن الصلاح وغيره.

وذكر المزي: سليمان بن محمد، وقال: ابن محمد بن يحيى بن عروة بن الزبير خرج له الأربعة: أبو داود ومن بعده.

وقوله في سعد غير مشهور العدالة، ذكر المزي أنه خرج له الأربعة، وهذا مع توثيق النسائي له، وعدم رميه بجرحة كافٍ في شهرة عدالته له.

وفيها: للملاعنة السكنى، ورجح ابن رُشد قول إسماعيل القاضي: لا سكنى لها. قاله ابن عات.

وفيها: لا سكنى لمعتدة غير مدخول بها إلا أن يكون أسكنها مسكنا له، ولو بكراء نقد عوضه، ومن دخل بصغيرة لا يجامع مثلها فلا عدة عليها ولا سكنى لها في طلاق، وعليها عدة الوفاة ولها السكنى إن كان ضمها إليه. والمنزل له أو نقد كراء ما اكترى لها، وإن لم يكن نقلها اعتدت عند أهلها، وكذا الكبيرة يموت عنها قبل البناء إن كان أسكنها دارا له أو اكتراها ونقد الكراء كانت أحق بالسكنى مدة عدتها وإلا فلا سكنى لها.

عبد الحق عن بعض القرويين: قوله: إن نقد الكراء إنما هذا؛ لأنه أكرى كل سنة بكذا، بدليل قوله: إن لم ينقد الكراء غرمته المرأة إلا أن يطلب منها صاحب المسكن ما لا يشبه؛ إذ لو كان الكراء في سنة بعينها لم يكن له أن يطلب ما لا يشبه من الكراء؛ لأن العقد قد لزمه، فإن كان أكراها سنة بعينها كانت أحق وإن لم يكن نقد.

الصقلي: وذكر غيره من القرويين: أن أبا قرة رواه كذا، وهو خلاف ما في الموازية وغيرها: أن نقده شرط في كونها أحق في السنة بعينها.

وروى محمد: إن مات وبقي من المدة بقية ولم ينقد؛ الكراء لازم للميت في ماله، ولا تكون أحق بذلك، ويحاص الورثة في ذلك ولهم إخراجها، إلا أن تشاء أن تسكن في حصتها وتؤدي كراء حصتهم.

الصقلي: برضاهم، وإن نقد بعض الكراء سكنت في حصة ما نقض، والحكم فيما

ص: 461

لم ينقد كما تقدم، فإن أكروا منها لزمها المقام، ولهم إخراجها كصاحب الدار بعد المدة، وعلى شرط النقد مطلقًا حمل اللخمي المسألة، وعزاه لمالك، وكذلك الباجي، ولما ذكر ابن زرقون من كلامه أن للورثة إخراجها إن لم يكن نقد.

قال: ولابن كنانة في المبسوطة: ليس للأجنبي إخراجها إلا لعذر، ولا له أن يزيد عليها في الكراء على ما كان أكراه من الزوج، فعليه لا ينظر إلى رضا الورثة.

قُلتُ: إن كان قول ابن كنانة: ولو كان أكراها من الزوج وهو عزب، فتخريجه الورثة عليه تام وإلا فرق بدخول المكري على ذلك بخلاف الورثة.

ولأبي عمران: إن مات بعد نقد كراء المسكن وقبل أن تسكنه فليس لها أن تنتقل إليه ولتعتد حيث كانت.

قُلتُ: أخذه بعضهم من قولها: إن مات قبل البناء فلا سكنى لها إلا أن يكون اكترى لها منزلا نقد كراءه ومات وهي فيه.

قُلتُ: وتكررت المسألة في الباب الثاني في مواضع رتب فيها كونها أحق على مجرد نقد الكراء.

الصقلي عن ابن عبد الرحمن: إن أخذ الزوج الصغيرة ليكفلها فقط فلا سكنى لها، وأظن أن ابن الموَّاز ذكره.

ابن حارث: اختلف في الصغيرة التي لا يدخل بمثلها إن أسكنها زوجها في حياته ثم مات. فقال ابن القاسم: هي أحق بالسكنى لتمام عدتها.

وقال ابن عبدوس في كتاب الشرح.

قال سحنون: كيف تكون أحق وإنما هو متطوع لها في حياته؟

قُلتُ: ففي كون الصغيرة المضمومة أحق، ثالثها: إن ضمها لا لمجرد كفالتها، لابن حارث عن ابن القاسم وابن عبدوس مع سحنون وابن عبد الرحمن مع محمد.

وفيها لمالك: تعتد الأمة المتوفى عنها زوجها حيث كانت تبيت ولأهلها نقلها معهم.

ص: 462

حمديس: قولها لأهلها نقلها معهم خلاف قولها لا يبيعها لمن يخرجها في العدة، فإذا لم يجز ذلك لمشتريها فبائعها أولى، وقبله الصقلي وابن عات وغيرهما، وساقه ابن محرز سؤالا من عند نفسه، وأجاب بأن قال: إنما يمنع المبتاع من إخراجها في العدة، ولو أراد النقلة لبلد آخر لجازله كبائعها، قوله: لا يبيعونها ممن يخرجها؛ يريد ممن يرى أنه يتعدى في إخراجها.

ابن محرز واللخمي وغيرهما لابن القاسم في الموازية: إن بوئت مع زوجها بيتا لم يجز لأهلها نقلها حتى تنقضي عدتها.

أبو عمران: هو معنى المدونة وقبله ابن عات، وفيه نظر لقولها: إن انتجع سيدها لبلد آخر فله أن يخرجها معه كالبدوية، والبدوية تنتقل مع أهلها، وقد بؤئت مع زوجها بيتا.

فإن قلت: يرد هذا تفرقتها بعد هذا بين أن تبوأ معه بيتًا أو لا.

قُلتُ: إنما ذلك في وجوب السكنى على زوجها وسقوطها، ولا يلزم من وجوبها عليه منع انتقال سيدها بها كالحرة البدوية.

اللخمي: إن كانت غير مبوأة انتقلت مع سيدها؛ لأن حكمها بعد العدة كالحكم قبلها، وله قبلها أن ينتوي بها ويتبعها زوجها، وإن بيعت على ألا يسافر بها مشتريها حتى تتم عدتها اعتدت حيث كانت عند السيد أو الزوج، وانتقال السيد الأول والمشتري يختلف لا يسقط حكم مسكنها عند سيدها الأول إلا بانتقاله، فإن انتقلا لبلد واحد بقيت عند سيدها الأول، وإن كانت مبوأة في عدة وفاة، ولا مسكن للميت؛ لأنه كان في كراء وانتقضت الوجبية، وكان الحكم رجوعها إلى السيد فللمشتري أن ينتقل بها وقبله ابن عات، وفي قوله: وكان الحكم رجوعها للسيد نظر؛ لأنه لم يكن لها اختصاص به، لأنها قد بوئت مع زوجها بيتا، وبالبيع انقطعت نسبتها إليه.

وفيها: إن عتقت أمة تحت عبد فاختارت فراقه فلها عليه السكنى إن كانت بوئت معه بيتا.

قال مالك: إن كانت لا تبيت عند زوجها اعتدت حيث كانت تبيت، ولا شيء عليه

ص: 463

من سكناها، إنما يلزم الزوج ما كان يلزمه حين طلقها، وما حدث بعد ذلك لم يلزم الزوج منه شيء، هذا نصها.

ونقله عياض بلفظ فرق بين أن تبوأ معه بيتا أم لا. قال: ثم قال: إنما حالها اليوم بعد ما طلقها كحالها قبل أن يطلقها في ذلك، ولم أسمعه من مالك.

قال بعض الأندلسيين: قوله هذا يدل أن سكنى العدة تبع لسكنى العصمة، ويدل أن المرأة إذا طاعت لزوجها بسكناه بها دارها دون كراء ثم طلقها فطلبت منه كراء العدة لم يلزمه، وبه أفتى أبو عمر ابن المكوي وابن القطان وقال به الأصيلي.

وقال القاضي ابن رَرْب وابن عتاب: عليه الكراء.

وقال اللخمي: لأن المكارمة قد زالت بالطلاق، ومثلها بمسألة التي يسكن بكراء في منزل اكترته فطلقت، ولم تطلب الزوج بكراء حتى انقضت العدة. قال: ذلك لها.

ابن عات: قال ابن رُشد: قول ابن المكوي وهم؛ لأن مسألة الكتاب إنما تكلم فيها على ما يوجبه الحكم، وذلك غير مفترق في العصمة والعدة، ثم ذكر ما تقدم للخمي من اعتبار مودة العصمة كأنه من عند نفسهز قال: ولو كتبت له إسقاط خراج دارها أمد العصمة وتوابعها لم يكن عليه شاء، ولو قالت: أمد العصمة فقط، لزمه اتفاقًا فيهما، وأفتى ابن الطلاع في ذلك بغرمه نصف كراء المثل.

وفيها: إن مات أو طلق في سيرهما لحج رجعت فيما قرب كثلاثة أيام لا يفسخ كراء كريها إلا أن أحرمت أو بعدت كالمدينة من مصر.

ابن عات: قال ابن عبد الرحمن: هذا في حج الفرض، وترجع في التطوع والرباط ولو بعدت.

ص: 464

وقال أبو إسحاق: لم يذكر هل هو حج فرض أو تطوع، وذكر الخلاف في الغزو بعد إقامة الأشهر والسنة هل ترجع ألا لا، وإن مات بالطريق رجعت لم يذكر فيه خلافا، والغزو قربة وفضل لا فرق بينه وبين حج التطوع، وكان يجب في الغزو إن مضت أكثر من يومين أنها لا ترجع ولا ترجع بعد وصولها، وتمضي إن أحرمت كموته في اعتكافها، وانظر لو كان مقامها في الموضع الذي ليس فيها حق آدمي كظئر استؤجرت بشرط مكثها بدار أبوي الصبي فمات زوجها.

قال أبو إسحاق: أعرف في هذا فسخ إجارتها وترجع إلى بيتها بخلاف حق الله تعالى في الإحرام والعكوف.

قُلتُ: هو الجاري على قولهاك من قطع يمين رجل ثم سرق قطعت يمينه فقط للسرقة، ويلزم عليه أن من ورث أخاه وقد كان الميت وأجره سنة أن تسقط باقي الإجارة، ويعتق إلا أن يقال: الاستئجار لا ينافي الحرية فيمضي عقد الإجارة، ويكون الأجر للعبد.

اللخمي: قول مالك: ترجع عن الحج وإن لم تبعد، ولم تحرم بناء على عدم فوره، وعلى أنه على الفور لا ترجع ولو لم تبعد، وكذا لو لم تكن خرجت كان عليها أن تخرج.

ابن عبد السلام في قوله: كا عليها أن تخرج نظر، فإنه حينئذ يكون كواجبين تعارضا فيسلك مسلك الترجيح.

قُلتُ: قد قرنه بالترجيح، وهو قول عائشة وابن عباس، وقول الصحابي مرجح حسبما ذكره في كتاب الترجيح، ولأن الحج أحد قواعد الإسلام.

وفيها: لابن القاسم: لا تخرج لحج الفرض حتى تتم عدتها، وإن مات في خروجه بها لغزو أو غيره أو لإقامة الأشهر لا لانتقال رجعت، ولو وصلا لتمام عدتها ببيتها.

اللخمي: روى محمد: من خرج إلى المصيصة بعياله ليقيم بها الأشهر أو السنة اعتدت امرأته بها. وقول مالك الأول أحب إليَّ.

اللخمي: اعتبر مالك مرة طول المدة وهو أحسن، والسنة وما قاربها انقطاع،

ص: 465

ومسكن أقامت به هذه المدة أولى من الأول، ولو كان له داران سكناه بإحداهما فانتقل للأخرى ليقيم بها سنة وما قاربها، فمات بالمنتقل غليها اعتدت بها، ولو كان موته في أول سكناه.

وفيها: كل من أمرت بالرجوع إن كانت لا تصل حتى تنقضي عدتها لم ترجع ولتقم بموضعها أو حيث شاءت.

ابن القاسم: ولا تنتجع انتجاعا بعيدًا، ولا ترجع إن بعدت أو في الحج إلا مع ثقة وإلا قعدت حتى تجده.

اللخمي: إنما ترجع من مسيرة يوم وليلة مع ذي محرم أو جماعة لا بأس بهم وإلا أقامت، فإن كانت في غير مستعتب تمادت مع رفقتها إليه، إن رجت ثقة ترجع معه قبل تمام عدتها وإلا تمادت.

وفيها: ترجع لبقية عدتها إن كان ما ترجع إليه تدركه قبل انقضاء عدتها.

قال اللخمي وبعض الفاسيين: إن كان لما تدركه قدر.

قُلتُ: الأظهر أقله ما يشترط في مسافته الصقة يوم وليلة.

وفيها: إن نقلها اعتدت حيث نقلها، فإن مات في مسيرهما اعتدت في أحدهما، ولو بعدا، والمقام بموضع موته أو تعدل حيث شاءت؛ لأنه مات ولا قرار له، وكذا الطلاق بائنا أو رجعيا.

ابن عات: إنما تنتقل لما لا يبعد؛ لأنها مخاطبة بالتحفظ، فليس لها جعل عدتها بالقفار، ولو اكترى بالبلد المنتقل إليه منزلا ومات قبل انتقاله إليه وقبل أن تتخذ مسكنا كانت كمن لا مسكن لها تعتد حيث شاءت من تلك المدينة أو غيرها إن قرب، ولو مات بعد انتقاله لما اكتراه اعتدت به.

أبو عمران: إن طلقها في سفره فلزمها الرجوع إلى وطنها فعليه كراء رجوعها، وانتقال الأمة بانتقال سيدها تقدم.

وفيها: تنتوي البدوية حيث انتوى أهلها لا حيث انتوى أهل زوجها، الانتواء: البعد.

عياض: أخذ بعضهم منه أنه إنما لها ذلك إن كان رحيلهم لبعد، وإن كان لقرب

ص: 466

بقيت لتمام عدتها.

قُلتُ: سئلت عمن ماتت، فأراد زوجها دفنها في مقبرته، وأراد عصبتها دفنها في مقبرتهم، فأجبت بأن القول عصبتها أخذا من هذه المسألة لفقد النص فيها.

وفيها: إن كانت في قرار فانتوى أهلها لم تنتو معهم، وإن انتوى زوجها فمات رجعت للعدة في بيتها.

قوله: (رجعت للعدة في بيتها) يدل أنه لم ينتقل للبادية رفضا للإقامة، ولو كان رفضها لها لكانت كالبدوية.

وفيها: لا تنتقل من مسكنها إلا لضرر لا قرار معه كخوف سقوطه أو لصوص بقرية لا مسلمين بها، وإن كانت بمدينة لم تنتقل لضرر جوار، ولترفع ذلك إلى الإمام.

قُلتُ: ضابطه إن قدرت على رفع ضررها بوجه ما لم تنتقل، وحملها ابن عتاب على الفرق بين القرية والمدينة؛ لأن بها من ترفع إليه أمرها بخلاف القرية غالبا.

اللخمي: وإن وقع بينها وبين من يساكنها شر، فإن كان منها أخرجت عنه، في مثله جاء حديث فاطمة بنت قيس، وإن كان من غيرها أخرج عنها، فإن أشكل الأمر أقرع بينهم.

قُلتُ: إنما يقع الإخراج للشر بعد الإياس من رفعه بزجر من هو منه، وقبل ابن عات وابن عبد السلام وغيرهما قوله أقرع بينهم، والصواب إخراج غير المعتدة؛ لأن إقامتها حق الله، وهو مقدم على حق الآدمي حسبما تقدم عن قرب.

وفيها: حكمها فيما انتقلت إليه كما انتقلت عنه، وإن انتقلت لغير عذر ردها الإمام، ولا كراءها فيما أقامت في غيره.

الصقلي عن ابن عبد الرحمن: الفرق بينها وبين ما إذا هربت من زوجها أن لها النفقة؛ لأن السكنى حق لها تركته، والهاربة زوجها قادر على ردها بالحكم، فحق النفقة باقٍ عليه، ولو كان عاجزًا عن ردها لم تكن عليه.

ابن عات: أقام منها ابن الشقاق ألا نفقة لناشر.

ابن رشد: الفرق بينهما أن الكراء تعين لها في ذلك المسكن لا في ذمته.

اللخمي: لا كراء لها إن خرجت عن مسكن يملكه الزوج أو اكتراه وجيبة ولم

ص: 467

يكره بعد خروجها، فإن أكراه رجعت بالأقل مما اكترت أو أكرى به الأول، ولها نفقتها إن كان طلاقها رجعيا، ولو خرجت بغير رضاه، والكراء بخلاف النفقة؛ لأن المطلقة لا منفعة له فيها، ولو ارتجعها فامتنعت من الرجعة سقطت من حينئذ نفقتها.

وفيها: لها التصرف نهارًا والخروج سحرًا قرب الفجر، وترجع ما بينهما وبين العشاء الآخرة.

اللخمي: قول مالك: لا بأس أن تخرج قبل الفجر، وأرى أن تحتاط للأنساب، فتؤخر خروجها لطلوع الشمس، وتأتي حين غروبها.

ابن عات: ويدخله قول ابن القاسم أن لها الرجوع إلى ثلث الليل، ورواية مُطرف وقول محمد: إلى قدر هدو الناس، وقول: إلى نصف الليل.

قولها في الحج: لا دم على من بات في غير مني ليالي منى إلا أن يبيت جل ليلة.

قُلتُ: مسمى المبيت في حق المعتدة أضيق منه في غيرها.

اللخمي: روى محمد: لا أحب كونها عند أمها النهار كله. وسمع ابن القاسم: للمتوفى عنها الخروج للعرس.

ولا تبيت إلا في بيتها، ولا تتهيأ بما لا تتهيأ به الحاد.

ابن رُشْد: هذا إن لم يكن فيه من اللهو إلا ما أجيز في العرس.

وفيها: تبيت المعتدة من دارها حيث كانت تبيت، ولو كانت دارا ذات بيوت في إحداها متاعها وسكناها فلتعتد فيه، وتبيت من بيتها هذا وأسطوانها وساحة حجرتها حيث شاءت، وإن كان بها مقاصير لقوم فلا تبيت إلا بمقصورتها.

أبو عمران: كل ما تقطع فيه إن سرقت منه مما هو محجور عليها لا تبيت فيه، وما لا تقطع فيه تبيت فيه.

قُلتُ: كأنه تعريف بمساوئ أو أخفى.

عياض: بينه في كتاب إسماعيل القاضي. قال: تبيت في جميع ما كانت تسكنه في حياة زوجها.

قال بعض المتأخرين: وهو كل ما لو سرقت منه دار زوجها لم تقطع.

عياض: فيه نظر، وما ذهب إليه الأبهري وابن القصار: ألا تبيت إلا حيث كانت

ص: 468

تبيت استحسان، ولعل كلامه في الكتاب على هذا.

ابن عات: قولها خلاف ما في الموازية: لا تبيت إلا في البيت الذي كانت تبيت فيه.

وسمع سحنون ابن القاسم: من طلقت البتة فكان لها السكنى في دار زوجها فمات فقسمت تركته ولم يصر لها ما يسعها مسكنا، على الورثة أن يوسعوا لها مسكنا مدة عدتها.

ابن رشد: إن كانت الدار ذات بيوت تقسم فللورثة قسمها، إن صار للمرأة ما يسعها فليس لها غيره، وإن ضاق عن مسكنها فعليهم أن يوسعوا لها ما يكفيها، كما قال: وهذا على أن للمرأة أن تعتد حيث شاءت من مساكن الدار التي كانت تسكن مع زوجها، وأن تصيف في قاعة الدار، وإن لم تكن تصيف فيها مع زوجها، وهو قول ابن القاسم وروايته فيها، وعلى رواية محمد: لا تصيف إلا في المكان الذي كانت تصيف فيه معه، فيلزمها العدة حيث كانت تسكن معه، وعلى قوله: تسكن في ذلك المسكن بعينه على كل حال اقتسم الورثة الدار أم لا.

وفيها مع غيرها: المتوفي عنها أحق بسكنى دار الميت من غرمائه، وتباع ويشترط سكناها مدة عدتها.

الصقلي وابن رشد وغيرها: قال ابن عبد الحكم: لا يجوز البيع بهذا الشرط؛ لأنه غرر ويفسخ.

وسمع أبو زيد: إن بيعت عليه، فلما مضى أربعة أشهر وعشر ارتابت فلها السكنى حتى تخرج، وهي مصيبة نزلت به.

سحنون: ولو تمادت لخمس سنين لعلم المبتاع أقصى العدة خمس سنين، كأنه قدم على علم منه.

ابن رشد عن سحنون: إن ارتابت خير المشتري بين فسخ البيع عن نفسه والتماسك على أن لا يرد عليه البائع شيئاً، ومثله في الواضحة، واختاره محمد. قال: لأن البيع إنما يقع على استثناء العدة المعروفة.

ولو وقع البيع بشرط الاسترابة كان فاسداً، وتعقبه التونسي، فقال: إن كان البيع بشرط الاسترابة لا يجوز لغرر كونها سنة أو خمسا، فإذا ملك الخيار في الأخذ والرد كان

ص: 469

أخذه على أن تسكن المرأة إلى انقضاء ريبتها، كابتداء الشراء على ذلك إلا أن يكون على أحد القولين فيمن خير بين شيئين أنه لا يعد منتقلا.

وأدري معنى تخريجه هذا، إذا لا خلاف فيه، كما لا خلاف في أنه لا يجوز بيع سلعة بعشرة نقدًا وبخمسة عشر إلى أجل على الإلزام.

وإنما يتخرج جواز ذلك على القول بأن لمن ابتاع سلعًا استحق أكثرها على العدد التماسك بما بقي بمنابة من الثمن، ويحتمل كون معنى قول محمد: أنه مخير بين الرد والتماسك على أنه بالخيار في الرد مالم تنقص الريبة، لا على أنه يتمسك بع على أن البيع لازم طالت الريبة أو قصرت، وهو أولى ما يحمل عليه قوله.

قُلتُ: يرد تعقبه بالاتفاق على المنع بعشرة نقدًا وبخمسة عشر لأجل، لأنه للغرر ببيعتين في بيعة لا للانتقال.

وقول ابن الحاجب: والبيع بشرط زوال الريبة فاسد خلافًا لسَحنون، لأنه دخل على العدة.

قال الباجي: بناء على الخيار، وإلا فلا أثر للشرط، ظاهرة أن قول سَحنون نص له وليس كذلك، إنما هو تخريج للباجي على قول سَحنون، كذا هو الباجي، وهو بناء على أن كل مايقتضيه العقد يجوز شرطه، وفيه بحث تقدم في الصرف.

الباجي: إنما يجوز هذا في عدة الوفاة، لأنها أيام محصلة، وذلك إذا دعا الغرماء الورثة لبيعها، ولا يجوز في عدة الطلاق.

قُلتُ: في تهذيب عبدالحق ذكر لي أنهما سواء في الجواز.

زاد المنبطي: قال بعض القرويين: وليس بصواب.

اللخمي: إن قام الغرماء والمسكن ملك للزوج بيع، واستثنى أمد العدة، كانت عدة طلاق أو وفاة، وإن كان بكراء ونقد فهي أحق من ذلك الكراء بقدر العدة وبيع الباقي للغرماء، وإن لم ينقده والعدة من طلاق فللمكري أخذ مسكنه أو إسلامه، فتكون الزوجة أحق به، ويضرب المكري مع الغرماء فيما سواه، وإن كانت لوفاة لم يكن المكري أحق ولا الزوجة، وبيع للغرماء والمكري أحدهم، وإن لم يكن عليه غرماء بيع وليس له أخذه.

ص: 470

ابن عبد السلام: في قول أهل المذهب بتقديم حق المعتده على الغرماء نظر، لأنه يوجب كون حقها بعد الموت وانقطاع الزوجية أقوى منه في الحياة مع بقاء العصمة، فيكون التابع أقوى من متبوعة، هذا خلاف، لأن سكنى العدة إنما وجبت تبعا لسكنى الحياة.

قُلتُ: تقريره أنه كلما كانت سكنى عدة الوفاة تبعا لسكنى الحياة، كان التابع أقوى من متبوعه وهو خلف، والملزوم حق فاللازم حق، وجوابه أن كون الشيء تبعا للشيء يطلق باعتبارين:

الأول: وهو المعروف عندي أنه تبع له في القصد والطلب والمصلحة، كما العبد، ومؤنة الأذان، والإقامة لمؤنة الإمامة ونحوهما.

الثاني: أنه تبع في الوجود لتأخره عنه، وسبييته عنه ككون رد السلام تبعا للسلام، وكان ثواب الهبة تبعا للهبة ونحوهما، خوف التطويل منع من تكثير ذكر أمثالها.

إذ تقرر هذا قلنا: إن أراد بتبعية سكنى عدة الوفاة المعنى الأول سلمنا الملازمة ومنعنا حقيقة الملزوم، لأن تبعيه سكنى العدة لسكنى الحياة ليست من المعنى الأول بحال، بل الأشبه أنها ضده أو نقيضه، لأن سكنى الحياة غير مطلوبة بمعنى كونها حق لله، وسكنى العدة مطلوبة بذلك، وإن أراد بها المعنى الثاني سلمنا حقية الملزوم والملازمة، ومنعنا كون اللازم خلفا.

ابن عات: خرج بعضهم من بيعها للغرماء أن من خلف حملا وعليه دين وله عقار انه يباع للغرماء، وخالف فيه ابن أيمن، وقال: لايباع حتى تضع الحمل.

قُلتُ: قد يفرق بأن الحمل مانع لوجوب الإعذار في الدين لولد الحمل، والمعتدة المبهمة المانع منها مشكوك فيه، والقاعدة أن الشك في المانع لغو بخلاف تحققه، وقولها: إن طلقها طلاقا بائنا فلزمه السكنى فمات في العدة في باب النفقات، وعلى الزوج إن تعذر مسكنها بهدم أو انتهاء مدة مكرىّ أو معارا بدله.

فيها: إن انهدم فدعت لمسكن غير مادعاها إليه فذلك لها فيما لايضر به لكثرة كراء أو سكنى، ولو أسقطت الكراء سكنت حيث شاءت.

اللخمي: إن دعت لموضع مأمون واستوى الكراء، أو كان مادعت إليه أقل أو

ص: 471

أكثر، وتحملت الزائد، ولو دعا لما يملكه فالقول قوله.

قُلتُ: إنما يلزمها الزائد في الأكثر إن كان مادعا إليه يليق بها.

الصقلي: قولها: حيث شاءت، يريد حيث يعرف كونها معتدة لايخفي عليه خبرها.

وقول أبن عبدالسلام: لا يبعد أن يكون القول قوله كما كان ذلك قبل الطلاق، ير بأنه قبل الطلاق مقارن معها في السكنى فغلب حكمه.

وفيها: لا تخرج معتدة أمير لوالٍ بدله قبل تمامها كذى الحبس حياته.

اللخمي: أما في الطلاق فالحق عليه قائم لحياته وفي الموت استحسان، لأن الحبس إنما هو حياته، وقد انقضت كالكراء إلا أن تكون عادة. وقال محمد: تعتد فيه، وإن تأخرت لريبة خمس سنين وفيه ضرر على المحبس، لأنه لم يرد هذا، ودار الإمارة أوسع، لاأنها ليست لأحد.

وفي كون امرأة إمام المسجد في الدار المحبسة عليه كذلك، وخروجها بموته إن أخرجها جماعة المسجد قولان للمتيطي عن بعض القرويين مع ابن عات على ماجرى عليه عمل قرطبة، وقول ابن العطار مع قبوله عبدالحق في تهذيبه، والباجي.

وعليه فرق ابن رُشْد بينها وبين امرأة الأمير، أن امرأة الأمير لها حق في بيت المال، وهذه الدار من بيت المال، وقبله ابن عات.

قال: وفرق ابن المناصف بأن أصل أجره الإمام مكروهة.

قُلتُ: تقدم منع كونها إجارة في الإمامة، بل هي إعانة، وإلا افتقرت لضرب الأجل، ولا قائل به.

ابن زرقون: ماذكره ابن العطار إنما هو إذا كانت الدار حبسا على المسجد حبسا مطلقًا، وأما إن حبست على أثمة المسجد فهي كدار الإمارة، وقبله ابن عبدالسلام وفيه نظر، لأن كونها حبسا على المسجد مطلقًا إما أن يوجب حقًا للإمام أو لا فإن كان الأول فلافرق بين كونها على المسجد مطلقً أو على إمامه، وإن كان الثاني لم يجز لإمامه أن يسكنها إلا بإجارة مؤجلة، فلا تخرج منها زوجته إلا لتمام أجله كمكتراة من أجنبي.

وسمع عيسى ابن القاسم: من طلق امرأته بعد أن اسكنه أخوه منزلا لا تخرج زوجته منه إن أخرجها إلا بعد تمام عدتها.

ص: 472

ابن رُشْد: تعقبه التونسي بأنه إسكان مطلق، فله إخراجها كما له إخراجه لو لم يطلق.

وأجاب بما حاصله: سكنى ماقبل العدة سبب في وجوب سكنى العدة، وقد ثبت السبب فيثبت المسبب.

وفي كون لزوم سكنى أو الولد مدة حيضتها لموت سيدها عليه، ثالثها: مع إحدادها، ورابعها: ولها تركها، وخامسها: بكرة تركها، لظاهرها، والموازيَّة، وابن عات عن أَصْبَغ، ولنقليه مع اللخمي في الأخير عن أشهب. قالا: والخلاف في سكنى عتقها كذلك.

ابن محرز: من مات عن أمة حامل منه ففي وجوب نفقتها قولا عبدالملك وابن القاسم، بناء على عدم إيجاب حملها لها حكم أم الولد وإيجابه كقولها في عدم قتل قاتلها، واللعان بنفي الحمل حتى تضع، وقتله واللعان به قبل وضعها، ولو وضعت قبل ذلك فلا نفقة اتفاقًا.

وفي التهذيب لأم الولد سكنى حيضتها إن مات سيدها أو عتقها، ولا نفقة لها، وإن كانت حاملا حين أعتقها فلها معها نفقتها.

قال غيرة: لا نفقة لها، وقبله ابن عات، وفسر الغير بعبدالملك، ولم أجد فيها قول الغير.

وفيها: كل من تحبس له فيه فعليه سكناها كان من العدة أو الاستبراء.

وفيها: أيكون للمرتدة النفقة والسكنى إن كانت حاملا؟ قال: نعم، لأن الولد يلحقه.

عياض: رد بعضهم جوابه للنفقة فقط، إذ هي مسجونة على ماقاله ابن اللباد.

واختصرها المختصرون على رده لها وللسكنى، وقيل معناه: إن غفل عن سجنها، وقد يقال على أن لموضع الاعتقال كراء.

اللخمي: إن ارتدت زوجة حاملا أخرت ونفقتها على زوجها، وإن كانت غير حامل وهي أول دمها أو قال زوجها: لم أصبها بعد حيضها استتيبت، وإن قال: لم تحض بعد أن أصبتها، وأشكل هل هي حامل أم لا فمن حق الزوج تأخيرها حتى تحيض أو

ص: 473

يمر لها ثلاثة أشهر من يوم أصابها، فإن أسقط حقه ولم يمض لإصابته أربعون يومًا لم تؤخر، لأن الماء لم يخلق منه ولد، وإن مضى لها أربعون يوما أخرت.

وإذا أخرت فلا نفقة على الزوج عن ابن القاسم، لأن ردتها طلقة بائنة ولا عند أشهب وعبدالملك، وإن رأيا أن الطلاق مترقب بعدم رجوعها، لانها فعلت مامنعت به نفسها، فإن بان حملها وجبت لها وتبعته بماضيها، وعلى أن ردتها طلاق تبيت بيتها ويتحفظ بها، وعلى أنه فسخ أو مترقب يستحب نقلها لموضع تعتد فيه.

قُلت: في قوله: (يستحب) نظر، بل هو الواجب.

وفيها: كل شئ يحبس له فعليه سكناها كان من العدة أو الاستبراء.

وفي ثالث نكاحها: إذا فرق بين الزوجين بإسلام أحدهما، وهما مجوسيان أو ذميان وقد بنا بها، فرفعتها حيضتها فلها السكنى، لأن مافي بطنها يتبعه، وكذا من نكح ذات محرم منه ولم يعلم ففرق بينهما فلما السكنى.

قُلتُ: وتقدم وهم ابن بشير في ذلك، ولجميع ذلك أشار ابن الحاجب بقوله: وكذا كل من تحبس بسببه في السكنى، ونفقة الحمل كفسخ النكاح لإسلام أحدهما بعد البناء، وكمن نكح محرمًا، ولم يعلم وبنى.

قال ابن هارون في تفسيره: تقييده نكاح المحرم بعدم العلم لامعنى له، بل الحكم في ذلك سواء إلا أن تكون منه إشارة إلى أنه لايلحق به الولد إذا كان عالمًا بالحكم، ويحد للزنا، وهو بعيد إذا لم يثبت تحريم ذلك بدليل قطعي.

قُلتُ: وهذا غلط فاحش نشأ عن تصحيفة (محرما) بفتح الميم والراء (بمحرم) بضم الميم وكسر الراء، وهذا الفاحش غفلته، وعدم ذكره على مسألة المدَونة، لأنها ليست في كتاب العدة، أسأل الله التسديد وحسن التأمل.

وفي نفقة المستبرأ لوطئها غير زوجها قبل بنائه غلطا عليه أو عليها، نقل الصقلي عن بعض التعاليق وأبي عمران قائلا: إن ظهر حملها رجعت على واطئها بها، وأما من وطئ زوجة غيره ليلا يظنها زوجته ولم تحمل فنفقتها على زوجها كما لو مرضت.

قُلتُ: وسكنى المغلوط بها قبل بناء زوجها بها على الغالط، لقولها: كل من تحبس له فعليه سكناها، وقول ابن الحاجب:(وفي الغالط بغير العالمة ذات زوج قولان) غير

ص: 474