المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ باب في رعي الخلاف [ - المختصر الفقهي لابن عرفة - جـ ٤

[ابن عرفة]

فهرس الكتاب

- ‌ باب فيما يثبت الوطء به [

- ‌ الأنكحة الفاسدة [

- ‌ باب في رعي الخلاف [

- ‌[باب في المتعة]

- ‌[باب الوليمة]

- ‌[كتاب الطلاق]

- ‌[باب طلاق الخلع]

- ‌[باب المطلق بالخلع]

- ‌[باب باطل الخلع]

- ‌[باب صيغة الخلع]

- ‌[باب في طلاق السنة]

- ‌[باب في شرط الطلاق]

- ‌[باب الأهل]

- ‌[باب لفظ الطلاق الصريح]

- ‌[باب الكناية الظاهرة]

- ‌[باب الكناية الخفية]

- ‌[باب شرط الاستثناء في الطلاق]

- ‌[باب فيما ينجز فيه الطلاق المعلق]

- ‌[باب المختلف في تنجيزه من الطلاق المعلق]

- ‌ باب التوكيل في الطلاق [

- ‌ باب الرسالة [

- ‌ باب التمليك [

- ‌[باب جواب المرأة في…التمليك]

- ‌[باب في صيغة التخيير]

- ‌[باب في الرجعة]

- ‌[كتاب الإيلاء]

- ‌[باب شرط المولي]

- ‌[كتاب الظهار]

- ‌[باب شرط المظاهر]

- ‌ باب صريح الظهار [

- ‌ باب الكناية الظاهرة في الظهار [

- ‌ باب الكناية الخفية في الظهار [

- ‌[باب العودة]

- ‌ باب كفارة الظهار [

- ‌[كتاب اللعان]

- ‌ باب شرط اللعان [

- ‌[باب شرط وجوب اللعان على الزوجة]

- ‌ باب في التوأمين [

- ‌[باب دليل براءة الرحم]

- ‌ باب فيما تجب فيه العدة [

- ‌[باب فيما تسقط به العدة]

- ‌[باب فيما تثبت به عدة الوفاة]

- ‌[كتاب الاستبراء]

- ‌[باب في استبراء الحرة في غير اللعان]

- ‌[باب المواضعة]

- ‌[باب في الإحداد]

- ‌[باب المفقود]

- ‌[كتاب الرضاع]

- ‌[باب ما يثبت به التحريم من الرضيع من موضعه]

- ‌[باب في النسبة الملغاة في الرضاع]

- ‌[باب النسبة الموجبة التحريم في الرضاع]

- ‌[باب في الغيلة]

الفصل: ‌ باب في رعي الخلاف [

لم تلزمها عدة إلا أن يموت بعد البناء فتعتد ثلاث حيض، وهو رواية محمد وسماع عيسى ابن القاسم ودليل ما في المدونة، وعليه لا يكون فسخه طلاقا، ولا يلزم فيه طلاق قبل العثور عليه، ولا نصف المهر إن طلق قبل البناء أو فرق بينهما قبله، وقيل: يثبت فيه الإرث والطلاق والهدة لو فاته بأربعة أشهر وعشر، ويكون فسخه بطلاق، ويكون لها نصف المهر إن فرق بينهما قبل البناء، ويراعى الخلاف في الحد ولحوق النسب، فيدرأ الحد وأسقط النسب إذا كان فاعل ذلك عالما غير جاهل، فرعي الخلاف في عدم الفرقة بينهما شذوذ، وترك رعيه في درء الحد ولحوق النسب شذوذ وغلو، ولا خلاف في المذهب في وقوع الحرمة به.

]‌

‌ باب في رعي الخلاف [

قلت: وكان منذ مدة وردت علي أسئلة اقترح مرسلها والوارد بها علي في أجوبتها، فمنها ما حاصله استناد مالك وغيره من أهل المذهب إلى رعي الخلاف، وجعله قاعدة مع أنهم لا يعتبرونه في كل موضع مشكل من ثلاثة أوجه:

الأول: إن كان حجة عم وإلا بطل، وأو لزم ضبط تخصيصه بموضع دون آخر.

الثاني: على فرض صحته ما دليله شرعا؟ وعلى أي شيء من قواعد أصول الفقه ينبني؟ مع أنهم لم يعدوه منها.

الثالث: أن الواجب على المجتهد اتباع دليله إن اتحد أو راجحه إن تعدد، فقوله له بقول غيره إعمال لدليل غيره دون دليله.

فأجبت بقولي تصور رعي الخلاف سابق على مطلق الحكم عليه فرعي الخلاف عبارة عن إعمال دليل الخصم في لازم مدلوله الذي اعمل في نقيضه دليل آخر كإعمال مالك دليل خصمه القائل بعدم فسخ نكاح الشغار في لازم

ص: 35

مدلوله، ومدلوله عدم فسخه ولازمه ثبوت الإرث بين الزوجين فيه، وهذا المدلول أعمل في نقيضه وهو الفسخ دليل آخر وهو دليل فسخه، فإذا تقرر هذا الجواب عن الأول أن نقول هو حجة في موضع دون آخر، قوله ما ضابطه؟ قلنا ضابطه رجحان دليل المخالف عند المجتهد على دليله في لازم قول المخالف كرجحان دليل المخالف في ثبوت الإرث عند مالك على دليل مالك في لازم مدلول دليله وهو نفي الإرث وثبوت الرجحان ونفيه بحسب نظر المجتهد في المسألة، فإن قلت: هذا يوجب القول بإثبات الملزوم مع نفي لازمه وهو باطل ضرورة.

قلت: جوابه من وجهين:

أنه في بعض المسائل ليس كذلك، منه هذه المسألة وشبهها؛ لأنه فيها من باب نفي الملزوم، وهو صحة النكاح الملزوم للإرث، هذا قول مالك بمقتضى دليل نفسه، ولا يلزم من نفي الملزوم نفي لازمه، ومن باب إثبات اللازم، وهو رعي مالك دليل مخالفة في لازم مدلوله وهو الإرث، ولا يلزم من إثبات اللازم إثبات الملزوم؟

إثبات الملزوم مع نفي لازمه إنما هو باطل مطلقا في اللوازم العقلية، وأما في الظنية الجعلية فلا قد يكون هناك مانع يمنع من ثبوت اللازم مع وجود ملزومه كموجبات الإرث هي ملزومة له، وقد ينتفي الإرث لمانع من وجود ملزومه شرعا وأمثلته واضحة، وأما دليله شرعا فبيانه من وجهين:

ص: 40

الأول: الدليل الدال على وجوب العمل بالراجح، وهو مقرر في أصول الفقه فلا نطول بذكره.

الثاني: حديث قوله صلى الله عليه وسلم: "الولد للفراش وللعاهر الحجر" و "احتجبي منه يا سودة"، وصحة الحديث ووجه دلالته على ما قلناه عندي واضحة بعد تأمل ما ذكرناه، وفهم ما قررناه.

والجواب عن الثالث قوله: إنه أعمال لدليل غيره، وترك لدليله، من وجه هو فيه ارجح وإعمال لدليل غيره فيما هو فيه عنده أرجح حسبما بيناه وحسبما تضمنه حديث:"الولد للفراش"، والعمل بالدليلين فيما كل منهما هو فيه أرجح، ليس هو إعمالا لأحدهما وتركا للآخر؛ بل هو إعمال للدليلين معا حسبما قررناه، ثم ورد علي من السائل ما نصه: قولكم إن مراعاة الخلاف في نكاح الشغار من باب نفي الملزوم ولا يلزم منه نفي لازمه ومن باب إثبات اللازم ولا يلزم منه إثبات الملزوم إلى آخره غير بين من وجوه:

الأول: أن هذا النكاح إما أن نقول إنه صحيح أو نقول إنه فاسد، فإن كان الأول فهو رأي الحنفية خلاف رأي المالكية فلا مراعاة لخلاف، وإن كان الثاني فمعنى الفساد سلب الأحكام وتخلف الثمرات، وهذا خلاف ما عليه مراعاة الخلاف؛ لأن النكاح معها فاسد مع عدم تخلف الثمرات كالميراث والطلاق وهذا متناف، وليس النهي في نكاح الشغار راجعا إلى وصف منفك حتى يكون كالصلاة في الدار المغصوبة تصح، وإن كان منهيا عنها إلا أن يقال إنه غير صحيح قبل الوقوع، فإذا وقع صح حسبما أشرتم إليه بقولكم إنه إعمال لدليله من وجه هو فيه أرجح وإعمال لدليل غيره فيما هو عنده فيه أرجح، وكيف يكون المنهي عنه إذا ارتكب فيه النهي يصير غير منهي عنه، هذا يحتاج إلى بيان وجه ذلك فإن النفوس تشمئز من قول من يقول هذا الفعل غير جائز، فإذا إلى بيان وجه ذلك فإن النفوس تشمئز من قول من يقول هذا الفعل غير جائز، فإذا فعلته جازه أو يقول هذا الفعل لا ثمرة له، فإذا فعل أثمر؛ هذا مشكل جدا في مراعاة

ص: 41

الخلاف إن كانت منزلة على هذا التنزيل فلكم الفضل في شرح هذا المعنى إن كان هو المقصود في مراعاة الخلاف، وتمثليه في المسائل حتى يكون طريقا لما بقى.

قلت: حاصله مع مسامحة فيما اشتمل عليه من الترديد في قولنا بصحة هذا النكاح وفساده لمن علم قبح الترديد في الواقع حسبما ذكره أهل علم النظر ضرورة العلم بقولنا بفساده أن الحكم بفساد العقد مع الحكم بترتب ثمراته عليه متناف؛ لأن معنى الفساد سلب الأحكام وتخلف الثمرات إلا أن يقال إنه قبل الوقوع غير صحيح وبعد الوقوع صحيح والنفوس من هذا مشمئزة إلى آخره.

وجوابه إن قوله: (الحكم بفساد العقد مع الحكم بثبوت ثمرات له متناف)، وهم سببه عدم ذكر أصل المذهب وقاعدته، وهو صدق القضية القائلة العقد الفاسد من نكاح وبيع وكراء يوجب ترتب جملة من الثمرات التي تترتب على العقد الصحيح وهذه القضية معلوم صدقها بالضرورة الفقهية لمن قرأ كتاب البيوع الفاسدة من التهذيب فضلا عمن قرأ سائر كتب البيوع والأكرية والنكاح، ومن جملة ذلك النكاح المجمع على أنه نكاح فاسد الواقع فيه البناء الفاسد كالوطء فيه في صوم رمضان أو في الحيض يوجب ترتب شيء من ثمرات النكاح الصحيح عليه كثبوت النسب وحرمة الصهر من الجانبين والنفقة والعدة وغير ذلك، ومنها البيع المجمع على فساده كشراء عبد بخمر أعتقه مشتريه أو باعه فإن عتقه ماض، وكذلك بيعه حسبما ذلك مذكور في المدونة وغيرها، وكذا لو كانت أمة فأولدها كانت له أم ولد، وهذا كله من ثمرات العقد الصحيح، وهو واضح الدلالة على وهم قول السائل الحكم بفساد النكاح مع عدم تخلف الثمرات متناف، وبه يعلم بطلان قوله معنى الفساد سلب الأحكام وتخلف الثمرات.

وما ذكر أن النفوس مشمئزة منه وأنه مشكل، إن فهمه على معنى قولنا أن الفعل قبل إيقاعه محكوم عليه بذم فاعله، وبعد إيقاعه تترتب عليه بعض أحكام الصحيح فواضح عدم اشمئزاز النفوس العالمة بالقواعد الشرعية من ذلك، وإن فهمه على غير ذلك فليس بلازم لما قررناه بحال، وكيف كان فهمه لمسائل مالك في المدونة والجلاب

ص: 42

وغيرهما في كثير من الأنكحة أنها تفسخ قبل البناء وتمضي بعده، وهل كانت نفسه مشمئزة منها أم لا؟

قال الوجه الثاني: أنكم بنيتم على أن اللازم في المسألة أعم من الملزوم فيه يصح ما قررتم ولم يظهر أن ذلك كذلك هنا؛ بل اللازم هنا مساو للملزوم، فإن الإرث اللازم للنكاح الصحيح هو إرث مخصوص لا الإرث مطلقا، وكذلك لو كان النكاح متفقا على تحريمه لم يترتب عليه إرث، ولو كانت الزوجة بنت عم الزوج ثم ماتت لورثها بالنسب لا بالنكاح كما أنه لو كان متفقا على حليته لترتب عليه الإرث المخصوص، ولو كانت الزوجة بنت عم الزوج، ثم ماتت لورثها بالسببين معا فليس اللازم للنكاح من حيث هو نكاح الإرث من حيث هو إرث؛ بل إرثا ما هو إرث النكاح، فإذا انتفى أحدهما في غير مسألة النزاع انتفى الآخر، وإذا ثبت أحدهما تبت الآخر فاللزوم تام كتمامه في قولنا إن كانت الشمس طالعة فضوء النهار موجود فينتج المطالب الأربعة فكذلك في مسألة النزاع، وإنما يستمر ما قلتم في العقليات كقولك: إن كان هذا إنسانا فهو حيوان، أما في الأمور الوضعيات فلا يستمر، إذ يجعل الشارع النكاح سببا في مطلق الإرث مطلقا، فإن مثل هذا عقلي، ولم يقصده الشارع.

قلت: حاصله أنه أبطل بزعمه ما ادعيناه من أن لزوم الإرث للنكاح لزوم أعم لأخص بادعائه أنه مساو له، واستدلاله عليه بدور انه معه ثبوتا في النكاح الصحيح، ونفيا في النكاح المجمع على فساده، وجوابه أنه إما أن يريد أنه مساو لمطلق النكاح غير المجمع على فساده، وإما أن يريد أنه مساو للنكاح الصحيح، فإن أراد الأول رد بالقول بموجبه، وبيانه أنا إنما جعلنا الملزوم المحكوم بنفيه النكاح الصحيح لا مطلق النكاح، وجعلناه ملزوما لمطلق إرث النكاح الأهم من كونه نكاحا صحيحا أو فاسدا، وهذا اللازم أعم من الملزوم المذكور ضرورة كون الملزوم المذكور مقيدا بالصحة؛ فقد بان أنه إن أراد أنه مساو لمطلق النكاح لم يكن معارضا لقولنا بحال، وإن أراد أنه مساو للنكاح الصحيح الذي هو الملزوم في قولنا منعنا ذلك، وسند المنع ما قررنا به كونه أعم، والموجب لتوهم كونه مساويا للنكاح الصحيح اعتقاد أن العقد الفاسد إذا وقع

ص: 43

لا تترتب عليه ثمرة بحال، وقواعد المذهب الضرورية تنفيه حسبما تقدم، وما تقدم من كلام ابن رشد في سماع أبي زيد وتعقبه على ابن القاسم رعي الخلاف في عدم فسخ النكاح وقصره رعيه على الإرث، والطلاق يؤيد ما قررناه في رعي الخلاف، واعتبار اللازم وألغاء الملزوم ومن لم يفهم ما قررناه لم يتضح له فهم كلام ابن رشد، وتفرقته بين ما هو شاذ، وما هو مشهور في رعي الخلاف.

قال: الوجه الثالث على تسليم ما قلتم فالسؤال باق، فإنه وإن كان كما قررتم فلقائل أن يقول هو أيضا من باب إثبات الملزوم، وهو فساد النكاح الملزوم لانقطاع الإرث على قول مالك بمقتضى دليل نفسه، ويلزم من إثبات الملزوم إثبات اللازم، ومن باب نفي اللازم، وهو انقطاع الإرث فينتفي هذا الانقطاع رعيا لدليل المخالف، ويلزم من نفي اللازم نفي الملزوم، وإذا كان ثابتا في المعقولات أن إثبات الملزوم مع نفي لازمه أو نفي اللازم مع إثبات ملزومه باطل فكذلك مسألتنا، وليس جعلكم إياها من باب نفي الملزوم أو من باب إثبات اللازم بأولى من جعلها من باب إثبات الملزوم أو من باب نفي اللازم.

قلت: حاصله المعارضة في الحكم حسبما فسره أهل النظر، وهو قول السائل للمستدل ما ذكرت من الدليل، وإن دل على ثبوت الحكم في صورة النزاع فعندنا ما يدل على نفيه، وذلك بادعائه أن فساد النكاح ملزوم لعدم الإرث، فحينئذ يؤول الأمر إلى الحكم بثبوت الملزوم مع نفي لازمه، وإلى الحكم بنفي اللازم مع الحكم بثبوت ملزومه، وجوابه من وجهين:

منع كون الفاسد ملزوما لنفي الإرث، وسند المنع أن الملزوم لأمر لا بد من علاقة بينه وبين ذلك الأمر تقتضي ربط أحدهما بالآخر، وبهذا فرق الأئمة بين الشرطية اللزومية وبين الشرطية الاتفاقية كقولنا كلما كان الإنسان ناطقا كان الفرس صاهلا، ومن نظر وأنصف علم أن النكاح الفاسد باعتبار ذاته لا علاقة بينه وبين عدم الإرث؛ بل عدم الإرث معه ثابت بالأصل، وعلم أن نسبة النكاح الفاسد إلى عدم الإرث كنسبة النظر الفاسد إلى عدم العلم والمنصوص لأئمتنا أن النظر الفاسد لا يستلزم الجهل بحال، وأن حصول الجهل عقبه اتفاقي.

ص: 44

الثاني: أن النكاح الفاسد مستلزم للإرث لا لعدم الإرث، ودليله ما قررناه من قاعدة المذهب في أن العقد الفاسد يوجب ترتب بعض ثمرات الصحيح عليه، ومن ثمرات الصحيح الإرث فلزم أو أمكن إيجاب هذا النكاح الفاسد الإرث، وأيا ما كان بطل كونه ملزوما لعدم الإرث.

قال: ثم قولكم في الجواب الأول أنه في بعض المسائل ليس كذلك يشعر بأنه كذلك في بعض، وقد أبطلتموه.

قلت: جوابه أن قوله: (وقد أبطلتموه) ليس كذلك؛ بل أثبتناه، وهو مقتضى جوابنا الثاني فتأمله.

قال: وأما الجواب الثاني فظاهره غير ظاهر، فإن اللوازم العقلية قد لا توجد مع وجود الملزومات لمانع كالنظر، فإن إفضاءه إلى العلم عقلي عندهم، وقد يوجد النظر ولا يوجد العلم لطرآن سهو أو قاطع غيره فلا يلزم في العقليات باطلا مطلقا.

قلت: حاصله نقض تخصيصنا انفكاك الملزوم عن لازمه باللوازم الشرعية دون العقلية باعتقاد عموم جواز الانفكاك في الشرعية والعقلية، واستشهاده على ذلك بمسالة النظر، وهذه مقالة من نظر وأنضف علم هل هي من المقالات التي يتردد الذهن في صحتها أو فسادها أو فضيحة نشأت عن التكلم بالهوى الحامل على رد ما لم يحط به الراد علما، ولو كان الأمر كما توهمه لبطل القياس الشرطي بنوعيه، وقد أجمع العلماء على إنتاج نوعه الأول والأكثر على نوعه الثاني، وهو الاقتراني، وكيف يفهم هذا السائل ما قرره الأئمة من المذهب الكلامي، والبرهان الإسلامي في قوله تعالى:} لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَاّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا {] الأنبياء:22 [، وقد جرى في كلام هذا السائل قوله:(اللازم المساوي ينتج المطالب الأربعة) وهذا يشعر بمشاركته في علم مقدمة مختصر ابن الحاجب الأصولي التي هي من أقل كاف في ذلك، وفيها مع غيرها كثرة ما نصه وشرط إنتاجه أن يكون الاستثناء بعين المقدم فلازمه عين التالي أو بنقيض التالي فلازمه نقيض المقدم، وهذا حكم كل لازم مع ملزومه وإلا لم يكن لازما، فقوله:(وإلا لم يكن لازما) نص في أن الانفكاك مانع من اللزوم، ومن نظر طرفا من المنطق علم صحة ما

ص: 45

ذكرناه ضرورة، وكذلك من نظر طرفا من فن علم الكلام، من جملة ذلك قول الشيخ أبي العز المقترح في شرح الإرشاد في باب القول في إثبات العلم بالصفات قال ما نصه: معنى التعليل التلازم، وما وجب في العقل ملازمته لشيء استحال ثبوته بدونه.

قلت: وهذا نص في استحالة الانفكاك في التلازم العقلي ولله قول المتنبي:

وكيف يصح في الأفهام شيء

إذا احتاج النهار إلى دليل

واحتاجه بمسألة النظر وهم أو نقص من الكتب التي استند في نقله إليها، وبيانه أن استلزام النظر الصحيح العلم مذهب الشيخ فيه أنه عادي لا عقلي، وعليه لا مدخل لمسألته في التلازم العقلي بحال، ومذهب الحكماء أنه عقلي، وهو دليل الإرشاد والمعالم، وقاله جماعة من متأخري أصحابنا وكلهم قيدوه بانتفاء الآفة حسبما نص عليه في الإرشاد والمعالم، والمقترح في شرحه وغيرهم، فإن أراد السائل أن النظر الصحيح يستلزم العلم بشرط تقييده بانتفاء الآفة لم يكن النظر المصحوب بآفة أو سهو أو قاطع ملزوما للعلم بحال، فالنقض به حينئذ وهم، وإن أراد أن النظر الصحيح يستلزم العلم مطلقا لا بقيد انتفاء الآفة رد باعتقاده نقضه، ونقصت عن سائر الكتب كتبه لترك التقييد بالسلامة من الآفة رد باعتقاده نقضه، ونقصت عن سائر الكتب كتبه لترك التقييد بالسلامة من الآفة حسبما تجده في كتب الأئمة، وقد كان والله بعض أشياخنا إذا خاطبه الطالب بنحو هذا الوهم أعرض عن جوابه لفظا فأحرى كتبا، وأما شيخنا أبو عبد الله بن الحباب: يزجره بالقول زجرا شديدا، ولا جواب لمن نازع فيما قلناه إلا بقوله تعالى:} وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ {] سبأ:24 [.

ثم قال: وأيضا فمن أين يلزم إذا كان الرق أو الكفر أو القتل مثلا في مسألة الإرث مانعا من إثبات اللازم، وهو الإرث أن يكون دليل المخالف في مسألتنا مانعا أيضا من انقطاع الإرث اللازم لدليل منع النكاح، وقد فرضناه مرجوحا، وهل السؤال إلا فيه.

قلت: موانع الإرث إنما ذكرناها بيانا لقولنا اللزوم الشرعي قد ينفك لمانع فقط، ولم نذكره دليلا على أن دليل المخالف مانعا من انقطاع الإرث بحال، وهذا الكلام منه بناء على ما سلف له من أن عدم الإرث لازم للنكاح الفاسد، وقد مر إبطاله.

وقوله: (وقد فرضاه مرجوحا) ليس كذلك؛ بل قدمنا أن دليل المخالف على

ص: 46