المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب المختلف في تنجيزه من الطلاق المعلق] - المختصر الفقهي لابن عرفة - جـ ٤

[ابن عرفة]

فهرس الكتاب

- ‌ باب فيما يثبت الوطء به [

- ‌ الأنكحة الفاسدة [

- ‌ باب في رعي الخلاف [

- ‌[باب في المتعة]

- ‌[باب الوليمة]

- ‌[كتاب الطلاق]

- ‌[باب طلاق الخلع]

- ‌[باب المطلق بالخلع]

- ‌[باب باطل الخلع]

- ‌[باب صيغة الخلع]

- ‌[باب في طلاق السنة]

- ‌[باب في شرط الطلاق]

- ‌[باب الأهل]

- ‌[باب لفظ الطلاق الصريح]

- ‌[باب الكناية الظاهرة]

- ‌[باب الكناية الخفية]

- ‌[باب شرط الاستثناء في الطلاق]

- ‌[باب فيما ينجز فيه الطلاق المعلق]

- ‌[باب المختلف في تنجيزه من الطلاق المعلق]

- ‌ باب التوكيل في الطلاق [

- ‌ باب الرسالة [

- ‌ باب التمليك [

- ‌[باب جواب المرأة في…التمليك]

- ‌[باب في صيغة التخيير]

- ‌[باب في الرجعة]

- ‌[كتاب الإيلاء]

- ‌[باب شرط المولي]

- ‌[كتاب الظهار]

- ‌[باب شرط المظاهر]

- ‌ باب صريح الظهار [

- ‌ باب الكناية الظاهرة في الظهار [

- ‌ باب الكناية الخفية في الظهار [

- ‌[باب العودة]

- ‌ باب كفارة الظهار [

- ‌[كتاب اللعان]

- ‌ باب شرط اللعان [

- ‌[باب شرط وجوب اللعان على الزوجة]

- ‌ باب في التوأمين [

- ‌[باب دليل براءة الرحم]

- ‌ باب فيما تجب فيه العدة [

- ‌[باب فيما تسقط به العدة]

- ‌[باب فيما تثبت به عدة الوفاة]

- ‌[كتاب الاستبراء]

- ‌[باب في استبراء الحرة في غير اللعان]

- ‌[باب المواضعة]

- ‌[باب في الإحداد]

- ‌[باب المفقود]

- ‌[كتاب الرضاع]

- ‌[باب ما يثبت به التحريم من الرضيع من موضعه]

- ‌[باب في النسبة الملغاة في الرضاع]

- ‌[باب النسبة الموجبة التحريم في الرضاع]

- ‌[باب في الغيلة]

الفصل: ‌[باب المختلف في تنجيزه من الطلاق المعلق]

فذلك بيدها وإن افترقا، حتى توقف أو يتلذذ منها طائعة وكانت "إذا" عند مالك أشد من "إن"، ثم سوى بينهما.

وسمع عيسى ابن القاسم من قال لامرأته إذا قدمت بلد كذا فأنت طالق فهي بمنزلتها؛ لأنه ضرب أجلاً لا يدري أيبلغه أم لا، وليس كم قال أنت طالق يوم يموت أخي.

ابن رُشد في أول سماع زونان عن أبي القاسم، من قال لامرأته إذا بلغت معي موضع كذا فأنت طالق هي طالق تلك الساعة، كمن قال لامرأته وهي حامل إذا وضعت فأنت طالق فقال ابن لبابة ليس باختلاف، ومعنى رواية عيسى إذا لم يخرج ولا عزم على المسير، والصواب أنه اختلاف من قوله لرواية عيسى عنه في المدنية لا يقع عليه طلاق، وإن خرج متوجهاً حتى يقدم الموضع، وله في رسم يدير من سماع عيسى في العتق من قال لعبده إذا بلغت الإسكندرية فأنت حر، ثم بدا له في الخروج أنه حر إلى ذلك القدر الذي يبلغ، وإن لم يخرج، فيتحصل فيها ثلاثة أقوال، تعجيل الطلاق وإن لم يخرج لظاهر قول ابن القاسم في سماع زونان والآتي على سماع عيسى في العتق وتأخيره حتى يقدم البلد، وإن خرج، لابن القاسم في المدينة وظاهر قوله في هذا السماع، والفرق بين قوله ذلك قبل خروجه أو بعده لرواية زياد بن أبي جعفر في المدينة، وإليه ذهب ابن لبابة.

[باب المختلف في تنجيزه من الطلاق المعلق]

والمعلق على غالب الوجود كالحيض في تعجيله وتأخيره إليه نقلاً اللخمي مع غير واحد عن المشهور، وأشهب مع المخزومي وابن وهب وابن عبد الحكم، والشيخ عن روايته ولابن بشير وابن شاس، ثالثها: إن كان على حنث، وقول ابن عبد السلام تصوير الثالث في المسألة عسير حسن، ويمكن تصويره قوله إن كلمت فلاناً فأنت طالق إن حضت، وقوله إن لم تكلمي فلاناً فأنت طالق إن حضت، فكلمته في الأولى وتلوم لها في الثانية فلم تكلمه، وحكاه اللخمي عن أصبغ في المغيب حسبما يأتي.

وقول ابن عبد السلام قول بعضهم هذا في غير اليائسة والصغيرة، لو قال

ص: 203

لإحداهما: إذا حضت فأنت طالق، فلا خلاف أنها لا تطلق عليه حتى ترى الحيض، يرده بنقل الشيخ من الواضحة.

قال ابن الماجشون: من قال لزوجته ولم تحض إذا حضت فأنت طالق طلقت الآن، ولو كانت قعدت عن الحيض لم تطلق إلا أن تحيض؛ يريد: ويقول النساء أنه دم حيض.

اللخمي: عن مالك وابن القاسم يلزمه الطلاق مكانه حين تكلم بذلك، فأوقعا الطلاق بنفس اللفظ من غير حكم، وقيل في هذا الأصل لا يحنث بنفس اللفظ إلا أن يرفع للحاكم فيحكم عليه بالطلاق وهو أحسن للخلاف فيه، وعن ابن بشير الأول والثاني لغيرها.

وسمع عيسى ابن القاسم من قال لامرأته إن ولدت غلاماً فلك مائة دينار، وإن ولدت جارية فأنت طالق، الطلاق وقع عليه.

ابن رُشد: يريد أن الحكم يوجب أن يعجل عليه لا أنه وقع عليه بنفس اللفظ حتى لو مات أحدهما بعد ذلك لم يتوارثا، وهذا قول مالك فيها في نحو هذا.

قُلتُ: في النوادر عن الموازية لابن القاسم: من قال إذا ماتت ابنتك فأنت طالق، فمات لتمام لفظه قبل القضاء عليه دون مرض لم ترثه، وقاله ابن عبد الحكم.

قُلتُ: وهذا نص في خلاف ما حمل عليه ابن رُشد السماع المذكور، ويأتي مثله في التعليق على الحمل هو كله أصل واحد، ولو قال إذا حملت فأنت طالق وليست ظاهرة الحمل ففي وقوعه بتقدم وطئه في طهرها قبل حلفه أو بعده، ثالثها: له وطئها في كل طهر مرة ما لم يظهر حملها، ورابعها: له وطئها حتى يظهر لا بقيد مرة في الطهر، للخمي عن ابن القاسم في إذا حملت فوضعت فأنت طالق إن كان وطئها في ذلك الطهر فهي طالق مكانها، وابن القاسم أخرى وابن الماجشون وللصقلي عن أشهب، ولم يحك الصقلي عن ابن القاسم إلا قوله فيها إن كان وطئها في طهرها قبل قوله طلقت مكانها وإلا لم يمنع من وطئها مرة فتطلق عليه ونحوه لعياض، وخامسها قول اللخمي إن قال في طهر مس فيه لم يعجل طلاقها لإمكان عدم حملها، فإن ظهر حنث به؛ لأن العادة أنه إذا ظهر حمل قالوا حملت ولا يعتبرون ما كان قبل ذلك، وإن لم تكن عادة فإن كان حلفه دون أربعين يوماً من إصابته حنث بظهوره، وإلا لم يحنث لقوله ****: ((إن أحدكم يجمع

ص: 204

في بطن أمه أربعين يوماً ما نطفة ثم علقة مثل ذلك

)) الحديث، وإن قاله وهي ظاهرة الحمل فللخمي لا تطلق إلا بحمل مستأنف، ونقله الصقلي والشيخ عن سحنون، ونقل ابن بشير في الأيمان والنذور أنها تطلق بحملها ذلك، ونقل ابن عبد السلام عن سحنون في غير ظاهرة الحمل له وطئها في كل طهر مرة قائلاً: وأظنه قول ابن الماجشون لا أعرفه إلا له لا لسحنون حسبما نقله الشيخ واللخمي والصقلي وغيرهم.

ابن الحاجب: وفيها يمكن من وطئها مرة ولا يحنث بحمل هي عليه.

فيها: إذا حملت فوضعت فأنت طالق، إن كان وطئها في ذلك الطهر مرة حنث مكانه ولا ينتظر أن تضع، فقيل: اختلاف، والصحيح إن كان وطئها بعد اليمين، وقيل: القصد هنا الوضع.

قُلتُ: قوله: (ولا يحنث بحمل هي عليه) إن ساقه على أنه من المدونة فليس منها، إنما عزاه الشيخ والصقلي وعبد الحق في تهذيبه لسحنون في المجموعة، وذكره اللخمي غير معزو كأنه المذهب حسبما مر، وإن ساقه لا على أنه منها فواضح، وهو ظاهر قوله بعده.

قُلتُ: وما ذكره من الاختلاف يحتمل رده لقوله إن كان وطئها في ذلك الطهر مرة حنث مع قوله لاه (لا يحنث بحمل هي عليه) لتناقضهما في الحنث بيمين سابق على اليمين؛ لأن اللفظ الأول ينفيه والثاني يثبته، وتقرير ما ذكره من الجوابين واضح إلا أن القائل بحمله على الخلاف لا أعرفه في غير اللفظين، وقد تقدم نقل ابن بشير في الأيمان والنذور، ويحتمل كونه مع قولها إنما يحنث بوطئها بعد حلفه فيكون الاختلاف في لغو تقدم وطئه إياها في ذلك الطهر قبل حلفه واعتباره؛ لأن اللفظ الأول يلغيه والثاني يثبته، وتقرير جوابيه ظاهر وحامله على الخلاف على هذا التفسير اللخمي حسبما مر، جواب الصقلي عن معارضة قولها هنا لقولها في العتق من قال لأمته إذا حملت فأنت

ص: 205

حرة وطئها في كل طهر مرة ما لم يثبت حملها بإجماع مالك وأصحابه على أن الطلاق إلى أجل لا يجوز، وأن العتق إلى أجل جائز؛ حسن، فإن رد نفس الوطء إن حكم له بحكم الحمل لزم وقوع المعلق فيهما ضرورة بالوطء وإلا فلا عملاً لاستصحاب الحال السالم عن المعارض، وإنما يتم الجواب أن لو كان المعلق فيهما إلى قوله عن المعارض، قلنا المعارض قائم في مسألة الطلاق دون العتق، وهذا لأن الوطء يوجب الشك في إباحة وطئها في ذلك الطهر ضرورة احتمال حملها منه، فوجب منعه وتأخيره لرفع الشك بالعلم المستفاد من حيضها بعده ومن عدمه، ووجوب تأخيره في الزوجة يوجب الطلاق لمنافاة التأخير حيلة النكاح لشبهه حينئذ بالمتعة، ووجوب تأخيره في الأمة لا يوجب عتقها لصحة العتق إلى أجل.

الشيخ: قال بعض أصحابنا إن تأخر حيضها بعد وطئه إياها في طهر مرة نظرها النساء، فإن أيقن أن لا حمل فله وطئها، فإن شككن منع حتى يرتفع الشك أن يوقن حملها، ولو قال لحامل إذا وضعت فأنت طالق ففي تعجيله وتأخيره لوضعها، قولها، ونقل محمد عن أشهب ومن معه في الحيض، وعليه لو وضعت ولداً وبقى آخر ففي وقوع طلاقها بوضعها الأول وتأخيره لوضعها الثاني.

نقل الشيخ روايتي محمد قائلاً: اختل فيها قول ابن القاسم ولم يحك اللخمي غير الثاني قائلاً المعروف من قوله حنثه بالأول، ولو قال أنت طالق لما حضت ففي وقوع الثلاث أو اثنتين، ثالثها: لا شيء عليه حتى تحيض فتقع طلقة ويرتجع، فإن حاضت ثانية وقعت الثانية وارتجع، فإن حاضت الثالثة بانت، لها، ولسحنون واللخمي مع الشيخ عن رواية محمد.

وفيها: في أنت طالق كلما حضت أو كلما جاء يوم أو شهر أسنة طلقت عليه الآن ثلاثاً ولم تعد يمينه إن نكحها بعد زوج لذهاب الملك الذي طلق فيه.

قال سحنون: بعضها صواب وبعضها خطأ.

أبو عمران: الصواب كلما جاء يوم وفي كلما جاء شهر قوله فيه أنها تطلق عليه الساعة، وينظر هل تذهب عدتها في الشهر أو في السنة؟ إن ذهبت لم يقع عليها طلاق

ص: 206

كقوله في أنت طالق كلما حضت، وقبله ابن عبد السلام كالصقلي.

قُلتُ: ينقض قبولهما إطلاقه بالحامل لجواز وضعها قبل اليوم الثاني أو الثالث، وقول ابن عبد السلام لو قال لها أنت طالق كلما حضت فلانة لعجلت عليه الثلاث على قول ابن القاسم وسحنون معاً؛ يرد بمنع كونه كذلك على مذهب سحنون؛ بل الصواب جريها على قوله في كلما جاء شهر أو سنة لاحتمال انقضاء عدة المطلقة قبل الحيضة الثانية للأجنبية كالشهر والسنة، ثم قال: مذهب سحنون مشكل؛ لأنه إن جعل الطلاق واقعاً حين التكلم بكلما حضت لزم منه صحة قول ابن القاسم، وإن جعل وقوع كل طلقة عند حيضتها التي علقت عليها لزم أيضاً صحة قول ابن القاسم؛ لأن الثالثة واقعة قبل تمام العدة؛ لأن الأولى يقدر وقوعها في الحيضة الأولى، والثانية في الحيضة الثانية ولم يمض إلا قرء واحد، والثالثة في الحيضة الثالثة ولم يمض إلا قرءان؛ لأن الأقراء الأطهار.

قال: فإن قلت: يقدر الأولى في الحيضة الأولى ويجعلها قبلها؛ لأن مذهبه أن الغالب كالمحقق.

قُلتُ: بهذا المعنى يجب تعجيل الثانية والثالثة.

قُلتُ: قوله: (بهذا المعنى يجب تعجيل الثالثة) وهم لأن الأولى والثانية إنما وجب تعجيلهما؛ لأنهما علقتا على ما يقارن عصمتها، وهي الحيضة الأولى والثانية فثبتتا لذلك فعجلتا لغلبية ما علقتا عليه المقارن لعصمتها، والطلقة الثالثة إنما علقت على ما يناقض عصمتها، وهو الحيضة الثالثة الكائنة بعد انقضاء عدتها المنافية لعصمتها فوجب سقوطها لانتفاء المحل، وما سقط في ذاته امتنع تعجيله، ومن فهم الفرق بين لزوم طلاق القائل أنت طالق قبل موتي بشهر وعدم لزومه في أنت طالق بعد موتي بشهر اتضح له ما قلناه، وتقدم في فصل طلاق السنة من هذا النوع فروع، وفي الأيمان والنذور لفظ معنى التكرار ويأتي ما يخالفه.

والمعلق: على نفس فعل غير غالب وجوده يمكن علمه لا يلزم إلا به، ففي ثاني عتقها كإيلائها وغيره من قال لزوجته أنت طالق إذا قدم فلان لا تطلق حتى يقدم وله وطئها، فإن قصد وقت الفعل وهو تنبع فكمعلق على وقت.

ص: 207

الشيخ لابن سحنون عنه في أنت طالق: إذا قدم فلان إن قصد حفل قدومه أجلاً كقوله إذا صدر الحاج طلقت الآن، وإن أراد أنه لا يقدم هذا البلد فقدم ميتاً فلا شيء عليه، وقول ابن الحاجب "إن كان محتملاً غير غالب لا يمكن الإطلاع عليه، فغن كان مثبتاً انتظر، ولم يتنجز إلا أن يكون واجباً مثل إن صليت فيتنجز، إلا أن يتحقق المؤجل قبل التنجيز"، نص في أن التنجيز لنفس الفعل لوجوبه، وهو وقبوله.

ابن عبد السلام: خلاف ظاهر الرواية في النوادر، وفي آخر باب الطلاق إلى أجل قال ابن سحنون عنه: لو قال أنت طالق إذا صليت أنت أو إذا صليت أنا فهو سواء، وتطلق الساعة؛ لأنه أجل آت لا بد من الصلاة.

قُلتُ: إنما عجله بمجموع كونه أجلاً، وكون الفعل غالباً، وهو المجموع خلاف ما جعله ابن الحاجب منه، وقوله إلا أن يتحقق المؤجل قبل التنجيز استثناء من المستثنى؛ أي: فلا يلزمه الطلاق وهو على حذف مضاف؛ أي: إلا أن يتحقق عدم المؤجل كقوله إن صليت الظهر في قامته اليوم فتمضي القامة دون صلاتها قبل تنجيز الطلاق، وهو بناء على وقف التنجيز على الحكم، وفي رفع ظهور مقتضى البر لزوم الطلاق خلاف مذكور في الحلف على مغيب مستقل.

قال ابن عبد السلام: يعني إلا أن يقول مثلاً إن صليت الظهر في هذه الساعة فامرأتي طالق فتقضي الساعة، ولم يصل فقد تحقق انتفاء ما علق عليه الطلاق قبل تنجيزه، وينبغي أن يكون هذا الأجل أقل من زمن صلاة الظهر المحلوف على فعلها إن كان أوسع من وقتها لم يتم هذا الحكم، وهو ظاهر كلام المؤلف في قوله قبل التنجيز.

قُلتُ: فيما قاله نظر؛ لأن كلام المؤلف مطلق في الأقل، وقوله:(وهو ظاهر كلام المؤلف) لا يخفى على منصف عدم ظهوره، واستدلاله بقوله:(قبل التنجيز) كونه على العكس أقرب، ومقتضى الأصول في قوله لها ولم يبق من القامة الأولى إلا قدر ركعة إن صليت الظهر في قامتها الأولى أداء كلها فأنت طالق أنه كقوله إن لمست أسماء فأنت طالق.

وفيها: إن قال لها أنت طالق بعد قدوم زيد بشهر طلقت عليه حين قدومه، ولو قال قبل قدومه بشهر بقي تعجيله وعدمه فيضرب له أجل الإيلاء فانقضى قبل قدومه

ص: 208

طلقت بالإيلاء، فإن قدم بعد انقضاء عدتها بأكثر من شهر لم يقع عليه به طلاق، وإن قدم قبل شهر من يوم طلقة الإيلاء أو من يوم انقضاء عدتها لزمته طلقة ثانية بما انكشف من وقوع طلقة عليه قبل طلقة الإيلاء، وبعدها قبل انقضاء عدتها، ولو ارتجع من طلقة الإيلاء ولم يأت لم يصح له الوطء، فإن لم يأت حتى انقضت عدتها بطلت رجعته، وإن قدم قبل انقضاء أجل الإيلاء لزمته طلقة وبطل الإيلاء، وعدتها من هذه الطلقة من يوم وقعت عليه قبل قدومه بشهر إلا أن يكون وطئها قبل ذلك.

قُلتُ: على عدم فعل ممكن للحالف غير ممنوع، ولا مؤجل يمنع الوطء حتى يفعله إن مات لم يفعله، ومتعلق فعله كائن في عتقها ورثته وورثها إذ لا تطلق ميتة، ولا يوصي ميت بطلاق، وفي الأيمان منها من قال: أنت طالق إن لم أفعل كذا حيل بينه وبينها حتى يفعل ذلك وإلا دخل عليه الإيلاء.

اللخمي: روى ابن شعبان من حلق بالطلاق ليفعلن ترك الوطء محدث ليس من الأمر القديم؛ يريد: لم تكن الفتيا بمنعه، وقول ابن كنانة يؤمر بالكف من يتوقع حنثه في الحياة لا من لا يحنث إلا بموته أو موت زوجته أحسن.

الشيخ: إن تعدى فوطئ لم يلزمه استبراء.

الصقلي: لضعف القول بمنعه والاختلاف فيه.

قُلتُ: يرده وطء المعتكفة والمحرمة والصائمة فالأولى؛ لأنه ليس لخلل في موجب الوطء، وقول استبرائها كل وطء فاسد لا يطأ فيه حتى يستبرئ؛ يريد: فاسد لسبب خليته، وهو دليل ما قبله في وطء الأب أمة ابنه.

وما له أجل عرفاً: سمع عيسى ابن القاسم فيه من قال إن لم أحج فامرأتي طالق البتة، ولم يسم عام حجة، لا ينبغي له وطئها حتى يحج إن قال بيني وبين ذلك زمان، قيل أحرم واخرج؛ لأنها إن رفعته ضرب له أجل المولي إن لم يحرم، ولو كان ذلك في المحرم، وإن رضيت بالمقام دون مسيس حج متى شاء.

ابن رُشد: ظاهره كظاهر قول ابن القاسم فيها يمنع الوطء من يوم حله، وإن لم يأت إبان خروج الناس للحج، وإن وقفته ضرب له أجل المولي.

قال غيره فيها: إن تبين ضرره بها وقيل له أخرج وأحرم وإن كان في المحرم،

ص: 209

ومعناه على ما قال عيسى ابن دينار إذا وجد صحابة، وإلا لم يؤمر بإحرام ولا يضرب له أجل الإيلاء، وروى ابن نافع لا يمنع من الوطء ولا يضرب له الأجل حتى يأتي إبان خروج الحج، فإن ضرب له أجل الإيلاء فحج قبل انقضائه سقط عنه الإيلاء، وإن لم يحج طلق عليه به عند انقضائه، وإن انقضى أجل الإيلاء قبل وقت الحج لم يطلق عليه حتى يأتي وقت الحج، فإن أتى فحج بر وسقط الإيلاء، وإن لم يحج طلق عليه به، وإن لم يؤجل للإيلاء ولا خرج حتى فاته الحج أجل للإيلاء، وقيل له: اخرج وأحرم على القول الأول، وعلى القول الثاني قال ابن القاسم: يطلق عليه، وقال أشهب: يرجع إلى الوطء، وقيل: لا يرجع إلى الوطء، وقيل: لا يرجع إلى الوطء أبداً، ويؤجل للإيلاء متى قامت به امرأته، وثالثها: لا يمنع الوطء حتى يخشى فوت الحج فيمنع ويؤجل للإيلاء إن قامت امرأته به، وقيل له: اخرج، فإن أسرع وحج سقط الإيلاء، وإن لم يدرك الحج طلق عليه بالإيلاء إن انقضى أجله أو عند انقضائه، ورابعها: لا يمنع الوطء حتى يفوته الحج، فإن فاته وقامت به امرأته ضرب له أجل الإيلاء إن خرج لم تطلق عليه بانقضاء أجل الإيلاء حتى يأتي وقت الحج، فإن حج بر وسقط عنه الإيلاء، وإن لم يحج طلق عليه بالإيلاء، وإن لم يخرج حتى انقضى أجل الإيلاء طلق عليه بالإيلاء، وهذا وما قبله قائمان من المدونة، وإن كان يوم حلف لم يبق يبنه وبين وقت الحج ما يدرك فيه الحج لم يمنع من الوطء، ولم يدخل عليه إيلاء في بقية ذلك العام وهو دليل قوله في السماع، فإن لم يحج عامه وعليه من الزمان ما يحج في مثله.

قُلتُ: عزا الصقلي الرابع لعبد الملك وروايته.

عياض: لابن القاسم في الظهار كقول الغير في إيلائها إذا بان ضرره، وله في الموازية مثل قول ابن نافع.

الصقلي عن محمد: إن حلف على فعل شيء أو الخروج لبلد، ولا يمكنه حينئذ لم يكن على حنث حتى يمكنه، وكذا إن لم يكن لخروجه وقت ومنعه فساد طريق أو غلاء كراء فهو عذر، وكذا حلفه ليكلمن فلاناً الغائب فلا يوقف حتى يقدم، ولو طالت غيبته، فإن مات فيهما فلا شيء عليه، ولو حضر وطال مقامه بما يمكنه الفعل فلم يفعل حتى مات فلان حنث.

وقال ابن الحاجب: لو حبسه عذر في المنفي ففي حنثه قولان مشكل؛ لأن ظاهره

ص: 210

لو علق الطلاق على عدم فعل ممكن له غير مؤجل لقوله إن لم أدخل موضع كذا فامرأتي طالق، فحبسه عن دخوله عذر أن في حنثه قولين، والقول بحنثه دون عذر فضلاً عن العذر لا أعرفه، وأصول المذهب تنفيه حسبما ذكرناه من نص عتقها بثبوت الإرث في الموت مع عدم الفعل، وقولها إذ لا تطلق ميتة ولا يوصي ميت بطلاق.

قال ابن عبد السلام: وجود القولين على الوجه الذي حكاه المؤلف عزيز في هذا الموضع، لكن أصول المذهب تشهد له لولا الإطالة لذكرنا ما يدل عليه.

قلت: قوله: (أصول المذهب تشهد له) دعوى من نظر وأنصف نفى نفيها هذا إن حمل قوله في حنثه على ظاهره، وإن حمل على حذف مضاف أن في حكم حنثه أمكن تفسيره بالقولين في منعه الوطء بعذر منعه الفعل كنقل اللخمي وغيره فيمن حلف ليخرجن إلى بلد فحيل بينه وبين الخروج، أو كانت يمينه ليتزوجن فلانة فلم يزوجوه لا يحال بينه وبين زوجته، وقيل: يحال بينه وبينها مطلقاً.

قلت: مثل هذا سمع يحيى ابن القاسم في الإيلاء.

ابن رشد: هو الآتي على القول بأن من حلف بالطلاق ليفعلن فعلاً لا يمكنه في الحال ويمكنه في حال أخرى مول من يوم حلفه، وهو ظاهر قول ابن القاسم فيها، ونص رواية عيسى عنه في ليحجبن وهو في غير وقت الحج خلاف قول غيره فيها.

والمعلق على عدم فعل غير الحالف: في كونه كعدم فعله والتلوم له بقدر ما يرى أنه أراده، ثالثها: إن حلف على غائب كأنت طالق إن لم يقدم فلان أو إن لم يحج، فالأول وإن حلف على حاضر كقوله إن لم تهب لي ديناراً أو إن لم تقضني قي فالثاني لسماع عيسى ابن القاسم في الإيلاء ولعتقها الأول، وسماع عيسى ابن القاسم في الإيمان بأنه طلاق، وعلى الثاني في منعه الوطء، ثالثها: إن كان ليمينه سبب وقت أراده دون حكم قول ابن القاسم: إن مضى قدر ما كان السلطان يتلوم له وقع حنثه، إن ماتت بعد ذلك لم يرثها، وإن مات ورثته ما لم يفرق الحاكم.

قال الأخوان: لا يقطع طلاق، ولو طال إلا بالحكم، والقياس الأول ولا ميراث بينهما.

ولو قال أنت طالق إن لم أطلقك مطلقاً أو إلى أجل ففي وقوعه حينئذ وتأخيره

ص: 211

لإيقاعه عليه بوقفها إياه، ثالثها: بتأخيره لانقضاء أجل الإيلاء رجاء صبرها دون وطء لابن القاسم وغيره.

فيها: ونقل اللخمي مع ابن رشد قائلاً: هما قائمان من إيلائها، ودعوى حقية الأول بأنه مقتضى البرهان العقلي في استلزام كل متصلة منفصلة مانعة جمع من عين مقدمها ونقيض تاليها ومانعة خلو من نقيض مقدمها ونفس تاليها، وبيانه أن الأولى في مسألتنا هي إما ون زوجته غير موقع عليها طلاقه، وأما كونها غير مطلقة بمعنى منع الجمع ولا يصدق كونها مانعة جمع إلا بوقوع الطلاق عليها فوجب وقوعه، والثانية هي إما كونه موقعاً عليها طلاقه، وإما كونها طالقاً بمعنى منع الخلو، وقد حلت عن الأول فتعين ثبوت الثاني، يرد بأن هذا في اللزوم العقلي ثابت لا بقيد زائد إما في اللزوم الجعلي فلا بد فيه من إرادة الملتزم معنى لفظه ولازمه وإرادته فرع علمه لزومه وأكثر فقهاء الوقت فصلاً عن العوام لا يعلمون وما لا يعلم لا يراد.

اللخمي: ويختلف إن لم يضرب أجلاً فعلى قول مالك يمنع منهما، وقول انب كنانة لا يمنع؛ لأن كل طلاق عنده لا يبين إلا بالموت لا يمنع فيه من الزوجة، واختلف إن ضرب أجلاً، ولو أجل برأس الشهر طلاقها وحده بعدم طلاقها البتة ففي سقوط حلفه إن عجل الطلقة، وإلا وقف لتعجيلها أو وقوع البتات وسقوطه بتعجيلها، وإلا لم يوقف، فإن حل الشهر ولم يعجلها وقعت البتات، ثالثها: يسقط تعجيلها ويترك لحلول الشهر إن طلق عنده وإلا لزمت البتات، لسماع عيسى ابن القاسم مع ابن رشد عن الآتي على قولها في أنت طالق إن لم أطلقك، وأصبغ مع سحنون والآتي على سماع أبي زيد ابن القاسم في التخيير والمغيرة.

قلت: ذكرها اللخمي وعكسها، وذكر فيهما قولاً بلزوم تعجيل أقل الطلاقين المعلق والمعلق على عدمه.

قلت: عزاه في النوادر لعبد الملك.

اللخمي: وأرى في أنت طالق وحدة إن لم أطلقك رأس اشهر ثلاثاً تعجيل طلقة الحنث وهي واحدة، فإن أراد البر فطلق ثلاثاً بانت وإلا كان حانثاً بواحدة وقد عجلت، فإن انقضت العدة قبل وقت الحنث بانت بها، وفي عكسها أن لا تعجل طلقة

ص: 212

البر؛ لأنه لم ينوها، وإن عجلت طلقت من الثلاث التي يحنث بهن.

قال إنما أوجب البر بطلقة أوقعها فتصير مع الأولى طلقتين فالوقف لبره أو حنثه أحسن، وزاد في المسألة الأولى عن ابن القاسم الوقف، وعن محمد إن حلف لسؤالها أو سؤال أهلها طلاقها لم ينفعه تعجيل الطلقة، وإن كان ذلك ابتداء إليهما أجزأه.

اللخمي: ولو حلف عند سؤالهم أن لا يؤخره عن رأس الشهر؛ جاز تعجيلها هذا في حلف ليطلقنها رأس الهلال، ولو قال إلى رأس الهلال صح تعجيله الطلقة؛ لأن إلى غاية، وعزا ابن الحاجب الوقف لمالك إنما هو في الموازية لابن القاسم حسبما هو في النوادر.

اللخمي: إن حلف بالثلاث إن لم يطلقها قبل الهلال ثلاثاً لم يعجل أحد الطلاقين. قال محمد: لأن له أن يصالح قبل الأجل فلا يلزمه غير واحدة.

الشيخ: روى محمد في أنت طالق إلى شهر ثم قال أنت الآن طالق الطلقة التي إلى شهر لم يلزمه إلا طلقة.

محمد: هذه جيدة ووقف عن ماقبلها ورآها إيماناً لم يجب فيها طلاق، وقال أرأيت إن قال أنت طالق البتة إن لم أطلقك إلى سنة البتة أتعجل عليه البتة، وهوأن يدر أن يصالح قل السنة ويتزوجها بعدها فيسلم من البتة ولا أحرم عليه وطئها إلى الأجل، كقوله أنت طالق البتة لأعتقن جاريتن إلى سنة لا يحرم عليه وطئها. قلت: ظاهره الاتفاق على عدم التعجيل في تعليق البتة على عدمها، وقول ابن الحاجب بعد ذكره القول بالتعجيل في أنت طالق إن لم أطلقك، وكذلك إن لم أطلقك رأس الشهر البتة فأنت طالق البتة يقتضي أن فيها قولاً بالتعجيل، وكذا فعل ابن بشير. الشيخ في الموازية عن عبد الملك قوله أنت طالق إلى مائة سنة إن لم أطلقك الآن لغو، وفي أنت طالق الساعة إن لم أطلقك إلى مائة سنة هي طالق الساعة. وسمع عيسى ابن القاسم من قال لامرأته إن لم أتزوج عليك فانت طالق البتة، ثم قال من تزوجتها عليك فهي طالق البتة طلقت عليه الساعة بالبتة إلا أن تقيم لا يطأها، ولا ينظر إلى شعرها، فغن رفعته طلقت مكانها.

ابن رشد: قيل إن رفعته ضرب له أجل الإيلاء، والقولان قائمان من إيلائها،

ص: 213

وروى اللخمي من قال لإحدى امرأتيه أنت طالق إن لم أطلق الأخرى إلى سنة يوقف؛ لأن يطلق إحداهما، ولأصبغ: من قال لامرأته أنت طالق البتة لأعتقن جاريتين فلانة إلى سنة لا تحرم عليه واحدة منهما، فخرج في كل منهما قول الأخرى.

الشيخ: لو قال كلما أو إذا ما أو متى ما وقع عليك طلاقي فأنت طالق لزمه بطلاقها واحدة ثلاث، ولو قال طلقتك بدل وقع عليك طلاقي ففي كونه كذلك ولزوم اثنتين فقط ثاني قولي سحنون وأولهما مع بعض أصحابه. قلت: وظاهره أن إذا ما ومتى ما مثل كلما دون إرادة كونهما مثلها خلاف نصها، ونص رواية ابن حبيب في باب تكرير الطلاق في لفظ ابن شاس أن مهما ما ومتى ما مثل إن في عدم التكرار.

ابن سحنون: من قال لزينب أنت طالق إذا طلقت عمرة ثم قال بعمرة مثل ذلك إن طلق زينب لزمته فيها طلقتا وفي عمرة طلقة، وقال بعض أصحابنا لا تطلق زينب إلا طلقة.

وسمع أبو زيد ابن القاسم في العدة من قال لامرأته: سلامة أنت طالق يوم أطلق زوجتي ميمونة، ثم قال لميمونة كذلك، من طلق منهما أولاً لزمته فيها طلقتان.

ابن رشد: هذا أبين، ومثله سمع عيسى في الأيمان بالطلاق. قلت: زاد فيه ولو كان بلفظ "كلما" لزمه في كل منهما ثلاث قاله سحنون. قلت: مقتضى قول بعض أصحاب سحنون كون طلاق الأولى واحدة لا طلقتان قتأمله، وقول ابن الحاجب إثر نقله القولان في كلما طلقتك بناء على إلغاء المعلق أو اعتباره؛ يريد: إلغاء الطلاق الواقع باليمين في جعل الملتزم طلاقه سبباً في طلاق آخر كأنه قال كلما طلقتك طلاقاً بسيطاً لا معلقاً؛ لأنه المتبادر في فهم طلق فلان أو اعتباراً يف السببية للفظ كلما، وقول ابن عبد السلام الطلاق الأول بمباشرته، والثاني: بالحكم لا بها فهو على الخلاف في أن فاعل السبب غير فاعل المسبب أو فاعله إليه أشار المؤلف بالإلغاء والاعتبار، يرد بأن كليهما بمباشرته ضرورة أن طلاق من قال: إن كلمت فلاناً فامرأته طالق فكلمه بمباشرته، والمباشرة أعم من كونها بطلاق بسيط أو معلق؛ بل لفظ المؤلف على حقيقته في المعلق والإلغاء والاعتبار فتأمله.

ص: 214

الشيخ عن الموازية لو قال لإحدى امرأتيه إن طلقتك فصاحبتك طالق فطلق المقول لها فوقع على الأخرى طلقة، ثم طلق الأولى ثانية فلا شيء عليه في الثانية، ولو قال للثانية: كلما طلقتك فالأخرى طالق لزمه بطلاقه المقول لها كلما في كل منهما طلقتان، ويلزمه بطلاقه المقول لها إن طلقتك فيها طلقتان في الأخرى طلقة، ولو كان طلاق المقول لها إن طلقتك فأنت طالق قبل البناء لتخرجت على قاعدة الحكم بوقوع المسبب لوقوع سببه معه أو بعده، على الأول يلزمه طلقتان، وعلى الثاني طلقة واحدة عليها في أنت طالق أنت طالق قبل البناء، وعلى المشهور طلقتان، وتقدم هذا الأصل فيمن حلف بطلاق امرأته لا خالعها، وقال ابن شاس: قال ابن سحنون في إن طلقتك أو مهما أو متى ما فأنت طالق إن طلقها واحدة طلقت طلقتين بعد البناء وطلقة واحدة قبله؛ لأن المطلق يصادف حال البينونة، وقبله القرافي، وتبعه ابن الحاجب في عزوه لسحنون وزاد أو في الخلع على أصله بناء على أن المشروط مقدر بعد الشرط أولاً.

قلت: قوله: (على أصله) لا أعرفه، إنما عزا هذا الأصل غير واحد لإسماعيل القاضي في الخلع، وفي تكرير الطلاق قبل البناء.

ابن شاس: من قال إن طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثاً ألغى لفظ قوله قبله إن طلقها لزمه تمام الثلات.

قلت: قال الطرطوشي هذه المترجمة بالسريجية قال: دهماء الشافعية لا يقع عليها طلاق أبداً، وهو قول ابن سريج، وقالت طائفة منهم يقع المنجز دون المعلق منهم أبو العباس المروزي وأبو العباس القاضي، وقالت طائفة: يقع مع المنجز تمام الثلاث من المعلق.

قاله أبو حنيفة ومن الشافعية أبو عبد الله المعروف بالحسن وغيره، وأبو نصر بن الصباغ من خيار متأخريهم، وهو الذي نختاره، وليس لأصحابنا في هذه المسألة ما يعول عليه، ولمالك ما يدل على تصحيحها، وهو عدم قبوله شهادة عدلين على من أعتقها أنه غصبهما لمن ادعاهما؛ لأن ثبوتها يؤدي إلى نفيها، وعدم قبوله شهادتهما بدين عليه يبطل عتقهما، ووقع له ما يدل على خلاف هذا وهو ثبوت ما يؤدي إلى نفيه منه، قوله من أعتق ولده أو والده في مرضه بتلاً صح عتقه وورثه، معأن إرثه يؤدي إلى

ص: 215

نفيه؛ لأن العطية في المرض كالوصية لا تصح لوارث فبثبوت إرثه يبطل للعطية له وبطلان العطية يبطل حريته، وبطلان حريته إرثه.

الشيخ: من شرط لامرأته أن كل امرأة يتزوجها عليها طالق فتزوج أخرى وشرط لها أن كل امرأة طالق، فقال محمد وأصبغ تطلقان عله، وقال ابن القاسم: لا تطلق الثانية وذكرها الطرشوشي، وقال: وجه قول ابن القاسم إن معنى شرطه للأولى أن كل امرة يتزوجها عليها يعني وأنت ميمة فهي طالق، وعقد الثانية يوجب طلاق الأولى فكأنه لم يجامعها، والقصد كراهة أن يجمع معها أخرى.

قال: وقال بعض أصحابنا جواب ابن القاسم وهم، والصواب قول أصبغ؛ لأن شرط كل واحدة يوجب طلاق الأخرى.

قال الطرطوشي: هذه المسألة هي المسألة السرجية وقد أوضحتها في كتاب الطلا.

قلت: وللمسألة توقف على أصل لم يذكروه فيها، وهو جعل أمر مستقبل سبباً في طلاق مقيد بزمن ماض عنه هل يلزم اعتباراً بوقت التعليق أو لا اعتبار بوقت حصول السبب؟

سمع عيسى ابن القاسم: من ال لامرأته أنت طالق اليوم إن دخل فلان غداً الحمام لا تطلق عليه حتى يدخل، وله مسها فقبلها الشيخ ولم يقيدها.

وقال ابن رشد: في هذا اللفظ تجوز مثله في كتا الظهار منها وليس على ظاهره، فيه تقديم وتأخير، وحقيقة تركيبه من قال لامرأته اليوم أنت طالق إن دخل فلان غير الحمام، وقوله له مسها يريد فيما بينه وبين غد.

قلت: ولابن محرز عن ابن القاسم من قال لامرأته إن دخلت الدار فأنت طالق أمس دخولك لزمه.

ابن عبد الحكم: إن قال أنت طالق اليوم إن كلمت فلاناً غداً فكلمه لا شيء عليه. الشيخ: هذا خلاف حمل مالك؛ بل يلزمه الطلاق؛ لأنه لا يتعلق بزمن.

قلت: ففي لغو المعلق مقيداً بزمن قبل زمن سببه طريقاً ابن رشد مع نص ابن عبد الحكم وابن محرز مع الشيخ ونص ابن القاسم، فإن قلت: محمد عن ابن القاسم من قال

ص: 216

لأجنبية إن تزوجتك فأنت طالق غداً، إن تزوجها غداً لزمه وبعده لا شيء عليه، وهذا خلاف متقدم نقل ابن محرز عنه.

قلت: يفرق بأن زمن إنشاء التعليق فيما نقله ابن محرز قابل للطلاق لو نجز، وفيما نقله عنه محمد غير قابل، ومقتضى طريقة الشيخ وهي أسعد بالروايات صحة ما فهمه الطرطوشي عن المذهب في السريجية، وتبعه ابن العربي وابن شاس، فإن كان عدم الفعل منه أو من غيره المعلق عليه مؤجلاً ففي منعه من الوطء نقلاً ابن رشد عن أول قولي ابن القاسم في سماع عيسى في الإيلاء مع غيره فيأول عتقها الأول.

قال: وهو الصحيح لاتفاق مع مالك على أنه على بر، وعلى منع الوطء قال الشيخ: لا استبراء عليهز

قلت: إذ ليس لخلل في سبب حلية الوطء، فإن كان الفعل محرماً حكم بتعجيل حنثه ما لم يفعله، وشاذ قول ابن الحاجب على المشهور لا أعرفه، وفي تخريجه على أن النهي يدل على فساد المنهي عنه منهما لكونه على حنث نظر، ويتم تخريجه على ما في المغيب للمغيرة. انتهى بحمد الله تعالى وحسن عونه السفر الثالث.

وتعليقه على الجزم بمغيب وجوداً أو عدماً لا يعلم حين الجزم عادةً يوجب الحكم بتنجيزه.

فيها: إن قال لامرأته حاملاً إن لم يكن في بطنك غلام فانت طالق طلقت حينئذ؛ لأنه غيب، وإن أتت بغلام لم ترد إليه، وكذا إن لم تمطر السماء وقت كذا فأنت طالق، ولا يؤخر لظهور ما حلف عليه بخلاف إن لم يقدم؛ أي وقت كذا فأنت طالق لدعوى علمه يخير أو غيره، ومثله سماع عيسى ابن القاسم بزيادة إن وجد ما حلف عليه حقاً فلا شيء عليه.

قلت: هو على وجهي، إن حلف على أنه لا بد من كونه أو عدمه لكهانة أو تنجيم أو تقحماً على الشك دون سبب تجربة أو توهم شيء ظنه عجل عليه الطلاق حينئذ اتفاقاً، فغن غفل عنه حتى جاء الأمر على ما حلف عليه ففي لزوم طلاقه قولاً عيسى بن دينار مع المغيرة، وهذا السماع إن حلف عليه لغلبة ظنه لتجربة أو لشيء توهمه عجل طلاقه، فإن لم يجعل حتى جاء الأمر على ما حلف عليه لم يعجل عليه.

ص: 217

قاله عيسى بن دينار وهو دليل سماع أبي زيد ابن القاسم، ولو ألزم نفسه الطلاق على وجود ذلك أو على عدمه على غير وجه اليمين لم يعجل طاقه إلا أن يكون ما الشك فيه كقوله امرأته طالق إن كان في بطن فلانة جارية أو إن وضعت جارية أو لامرأته إن كنت حاملاً أو لم تكوني حاملاً وشبهه، ففي تعجيل طلاه وتأخيره قولاً مالك وابن الماجشون.

وسمع عيسى رواية ابن القاسم من قال لامرأته إن لم تكن من أهل الحنة فهي طالق هي طالق ساعتئذ.

ابن القاسم: ومثله إن لم أدخل الجنة. ابن رشد: مثل تسويته بينها لمالك في المبسوط إن حلف عليه حتماً، وقال الليث بن سعد: لا شيء عليه لقوله تعالى: {ولمن خاف مقام ربه جنتان} [الرحمن: 46]، وقاله ابن وهب، فغن نوى أنه لا يدخل النار فتعجيل طلاقه ظاهر؛ لأن المسلم لا يسلم من الذنوب ولا يعصم منها لا نبي، ولا ينبغي أن يختلف فيه؛ لأنه حلف على غيب، وإن نوى أنه يدخل الجنة من الذين لا يخلدون في النار؛ فمعنى يمينه أنه لا يكفر بعد إيمانه ويثبت عليه لموته فلا شيء عليه، كمن حلف بالطلاق ليقيمن بهذا البلد حتى يموت لا ينبغي فيه خلاف، وإن لم تكن له نية فظاهر قول مالك وابن القاسم حمله على الوجه الأول، والأظهر حمل قوله إن لم يكن منأهل الجنة عليه، وحمل قوله إن لم أدخل الجنة على الثاني كما لو قال إن دخلت الدار؛ لأن معناه ألا يكفر، وقول الليث وابن وهب: بناء على حمل قوله على الوجه الثاني، ولا يتأول عليهما أنهما حملاً قوله على الوجه الأول لم يوجب طلاقه؛ لأنه خروج إلى الإرجاء.

قلت: هذا يناسب قول ابن سحنون: إخبار المرء عن إيمان نفسه جزم فقط، والأول يناسب قول ابن عبدوس: يجب تقييده بأن شاء الله، وعزا المتكلمون الأول لأبي حنيفة وأتباعه، والثاني لابن مسعود مع جمع عظيم من الصحابة والشافعي وأتباعه، وقول عياض الخلاف حالي، إن أراد حالاً واستقبالاً فالأول، وإن أراد حالاً فقط فالثاني سبقه به الحس البصر، وفي الأخبار عن من سمع لفظ إيمانه بأنه مؤمن عند الله مطلقاً أو بقيد قول إن وافقت سريرته على نيته قولاً ابن التبان والشيخ، واحتجاج

ص: 218

ابن التبان بقوله تعالى: {فإن علمتموهن مؤمنات} [الممتحنة: 10] حجة لابن سحنون لا له. الجلاب: لو حلف بطلاقها أنها وأنه من أهل الجنة أو من أهل النار أو أن رجلاً كذلك طلقت عليه، وسمع عبد الملك بن الحسن ابن القاسم: من قال امرأته طالق البتة إن لم يكن عمر بن الخطاب أو أبو بكر من أهل الجنة لا شيء عليه، وكذا عمر بن عبد العزيز.

ابن رشد: سائر العشرة كأبي بكر في ذلك، وكذا من ثبت بطريق صحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه من أهل الجنة كعبد الله بن سلام، ووافقه مالك في تحنيث من حلف بذلك في عمر بن عبد العزيز، وقال: هو رجل صالح إمام هدى لم يزد على ذلك لعدم ورود نص فيه، ووجه قول ابن القاسم ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: ((أنتم شهداء الله في أرضه فمن أثنيتم عليه بخير وجبت له الجنة

)) الحديث، وشبهه وحصل إجماع الأمة على حسن الثناء عليه والإجماع معصوم، فإن قلت: قوله: وكذا من ثبت بطريق صحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه من أهل الجنة على القول بأن الحلف على الظن ليس غموساً واضح، وعلى أنهغموس ينبغي أن يحنث الحالف هنا؛ لأن خبر الواحد الصحيح إنما يفيد الظن.

قلت: الظن الناشئ عن خبر الواحد قوي لوجوب اعتباره والعمل به بخلاف الظن العارض لإنسان لأمر عرض له.

قلت: ففي وقوع طلاق الحالف على الجزم بمغيب يبين بعد ذلك بنفس حلفه أو بالحكم، ثالثها: يؤخر لبيانه، ورابعها: هذا إن كان على بر كقوله إن أمطرت السماء غداً. اللخمي عنها وعن ابن حبيب وأصل أشهب وأصبغ مع الصقلي عن ابن حبيب، وبالثاني فسرها ابن رشد، وعزاه والأول بفضل الثاني قولي ابن القاسم وأولهما، وعلى

ص: 219

الثاني لو لم يحكم به حتى بان بره ففي عدم حنثه نقل ابن رشد عن سماع عيسى.

ابن القاسم مع الصقلي عن ابن حبيب وفضل عن أصبغ وابن رشد عن المغيرة مع عيسى: وظاهر قول غيره التسوية بين استناده لشبه تنجيم أو غيره وعدمه خلاف ما مر له.

اللخمي: من قال إن لم تمطر السماء فأنت طالق فلا شيء عليه عم أو خص إذ لا بد منه زمنا ما، وكذا إن ضرب أجل خمس سنين ولو غير شهراً فعلى ما مر من الخلاف.

*****

ابن رشد: اتفاقاً لأن تعليقه على مشيئة الله إياه تعليق له على واقع لانحصار ظاهر قوله إن شاء الله في إن أراده أو شرعه، والأول واقع؛ لأن قوله ذلك ملزوم لإرادته، وكل مراد للبشر مراد لله لعموم إرادته كل حادث، والثاني كذلك لشرع الله لزومه بقول أنت طالق، وقول بعضهم "إنما ألزمه مالك؛ لأن مشيئته تعالى مجهولة لنا لا يمكننا علمها، فوقع الطلاق للشك فيه" مرغوب عنه لاقتضائه تشابه مشيئته تعالى بمشيئة العبد لجعله ذلك كقول من قال: امرأتي طالق إن شاء زيد فغاب قبل علم مشيئته حيث لا يعلم، وهو مضاه لقول القدرية بحدوث الإرادة.

قال ابن شاس: كإن شاء هذا الحجر.

ابن رشد: تمثيل بعضهم بإن شاء زيد فغاب أنه ليس مثل إن شاء هذا الحجر، إذ لا مشيئة له، وللجن والملك مشيئته لا تعلم كزيد المفقود.

وفيها: إن قال أنت طالق إن شاء فلان، نظر ما يشاء فلان فإن مات قبل أن يشاء وقد علم بذلك أو لم يعلم أو كان ميتاً قبل يمينه فلا شيء عليه.

اللخمي: إن قال أنت طالق إلا أن يشاء فلان.

قيل: الطلاق لازم؛ لأنه لا يرتفع بعد وقوعه. وقال أصبغ في المنتخبة: من قال أنت طالق إلا أن يمنعني أبي.

اللخمي: يريد: أن وقوع الطلاق لم يكن منه مرسلاً؛ بل موقوفاً على مشيئة أبيه. قلت: مثله في نوازله.

ص: 220

ابن رشد: قياسه الأول صحيح لا قياسه الثاني أنه كقوله إن شاء أبي؛ لأن وقف الطلاق على مشيئة الأب صحيح ورفع مشيئة الأب الطلاق غير صحيح، ولا ينبغي جعل لفظ رفع المشيئة الطلاق بمعنى وقعاً الطلاق على مشيئته؛ لأنه ضده إلا أن يدعي أنه نوى ذلك فينوي إن جاء مستفتياً، ولا يصح على أصولهم أن ينوي مع البتة فضلاً عن أن يحمل يمينه عليه إذا لم تكن له نية، ووجه قول أصبغ أنه لما كان قوله إلا أن يئاء إلا أن يمنعني لغواً لا أثر له في الطلاق حمل على إرادته به إن شاء أبي لعدم تفرقة العوام والجهال بين هذه الألفاظ، فهذا يشبه أن يفتي به الجاهل على أن من قوله في نوازله ليست الجهالة بأحسن حالاً من العلم في الطلاق، فقوله بكل حال ضعيف وما ذكرناه من معنى لفظه هو أظهر محتملاته، ويحتمل أنه أراد امرأتي طالق لا ألزم نفسي ذلك إلا أن يشاء أبي، وإليه نحى أصبغ بجعله كإن شاء أبي، ويحتمل وجهاً ثالثاً، وهو أن يريد امرأتي طالق إن فعل فلان كذا، وإن لم يفعل فلان كذا وكذا، كمن حلف على غيره أن يفعل فعلاً فيحال بينه وبين امرأته ويدخل عليه الإيلاء أويتلوم له على الخلاف في ذلك، إن أراد الحالف أحد هذه الوجوه حملت عليه يمينه، وإن لم تكن له نية فيختلف على أنها يحمل.

قلت: قولها في النذور من قال على المشي إلى بيت الله إلا أن يبدو لي أو أرى خيراً من ذلك لا ينفعه استثناؤه.

الصقلي: وكذا في الطلاق والعتق. قال إسماعيل القاضي ما رواه ابن القاسم في المشي إنما هو في قوله على المشي إلا أن يشاء الله، ولا يشبه قوله إلا أن يبدو لي أو أرى خيراً من ذلك، واستحسنه بعض فقهائنا وقال: ما قوله إلا أن يبدو لي إلا كقوله إلا أن ياشء فلان، فكما لا يلزمه إلا أن يشاء فلان فكذا لا يلزمه إلا أن يشاء هو.

التونسي لم ينفعه استثناءه بقوله إلا أن يبدو لي؛ لأنه لم يضفه إلى فعل لم يقع؛ بل إلى وجوب شيء قد الزمه نفسه فليس له ذلك كالقائل أنت طالق إلا أن يبدو لي، ولو قال أنت طالق إن شئت كان له ذلك.

قلت: ففي لزوم الطلاق بقوله طالق إلا أن يشاء فلان ولا نية له ووقفه على

ص: 221

مشيئته، ثالثها: ثالث وجوه ابن رشد لنقل اللخمي مع فهم ابن رشد المذهب، ومقتضى قوله التونسي، ونقل الصقلي عن بعض الفقهاء مع مقتضى قول إسماعيل القاضي، وقول ابن رشد يختلف، وجعل ابن الحاجب الثاني الأشهر اتباع منه لقبول الصقلي قول بعض الفقهاء، وقوله:(بخلاف إلا أن يبدو لي على الأشهر) خلاف نص تسويته بينهما، ووجه تفرقته أن الرافع في إلا أن يبدو لي هو الموقع فكان منه تلاعباً، وفي إلا أن يشاء فلان غيره فأشبه كونه تفويضاً، وقال ابن عبد السلام: الفرق أن قوله: (إلا أن يشاء زيد) يمين حمله على إن شاء زيد، وقوله:(إلا أن يبدو لي) لا يمكن رده للشرط؛ لأنه إخراج حالة مستقبلة بعد وقوع الطلاق لا يمكن تعلقه بالحال بوجه.

قلت: فيلزم كونه في إلا أن يشاء كقوله إلا أن يشاء زيد لصحة حمل إلا أن شاء على قلت: فيلزم كونه في إلا أن يشاء كقوله إلا أن يشاء زيد لصحة حمل إلا أن شاء على إن شئت، والمنصوص في إن شئت عدم اللزوم وفي إلا أن أشاء اللزوم، ونصوص الروايات تسوية العتق والنذر والمبين بالطلاق في الاستثناء.

ابن شاس: في الفرق بين الطلاق واليمين بالله في الاستثناء للأصحاب طريقان:

لفظ الطلاق يوجبه لفا يرتفع بالاستثناء، واليمين بالله لا يتعلق بها حكم.

قول البغداديين تأخر الاستثناء عن الطلاق مع وقوعه بلفظ كاستثناء علق بماض فيسقط كسقوطه في تعلقه به في اليمين بالله.

المازري: تحقيقه إن أراد إن شاء الله إيقاع لفي لزمه الطلاق عند أهل السنة، وإن أراد إن شاء لزوم الطلاق للحالف به لزمه قولاً واحداً، وإن أراد إن شاء الله طلاقك في المستقبل فأنت طالق الآن جرى على الخلاف في تعليق الطلاق بمشكوك في وقوعه، وإليه أشار مالك بقوله علقه بمشيئة من لا تعلم مشيئته، وإن قصد التزام الطلاق مع الاستثناء فهو أشكل الوجوه، والحق فيه الرجوع إلى اختلاف الأصوليين هل لله تعالى في الفروع حكم مطلوب نحن غير عالمين به فيرجع إلى تعليقه بالمغيبات، أو ليس له حكم؛ بل كل مجتهد مصيب، فيكون الحق معلقاً باجتهاد المفتي.

قلت: ما ذكره عن المازري ليس من التفريق في شيء؛ بل هو بحث في أعمال الاستثناء ولغوه، والأقرب في التفريق أن مدلول الطلاق حكم شرعي، فاستحال تعليقه لقدمه، ومدلول اليمين فعل أو كف عنه فصح تعليقه لحدوثه، والأولى طريقة

ص: 222

بعضهم الأصل لغو الاستثناء بمشيئة الله في غير المعلق ورد أعماله في اليمين بالله وبقي غيره على الأصل، وقول ابن الحاجب فرق بأمرين:

أحدهما: أن لفظ الطلاق بمجرده حكم شاءه الله فلا يقبل التعليق عليها لتحققها فلا يرتفع بخلاف اليمين.

والثاني: أنه متحقق فكان كاليمين على الماضي.

قلت: هو الأول في لفظ ابن شاس، ولفظه بين في مغايرة الأول الثاني، ولفظ ابن الحاجب غير بين فيها، وتعقبه ابن عبد السلام بأن سببية لفظ الطلاق في حل العصمة إن لم تقبل التعليق بوجه وجب أن لا تقبله في مشيئة زيد في أنت طالق إن شاء زيد إلى غيره من التعاليق، وهو خلاف الاتفاق، وإن بلته في مشيئة زيد قبلته في مشيئة الله فيعود السؤال، وأيضاً فقوله لفظ الطلاق وبمجرده حكم شاءه الله إن أراد شاء الله حكمه فصحيح، لكن لم قال انه حكم بأنه لا يقبل التعليق، هذا لم ينص الشرع عليه ولا أومأ إليه، وإن أراد كل ما حكم إليه فقد شاءه فليس بصحيح على قول أهل السنة؛ لأن الأمر عندهم لا يستلزم الإرادة.

قلت: قوله: (لفظ الطلاق فيه إن لم يقبل التعليق على مشيئة الله وجب أن لا تقبله على مشيئة الآدمي) دعوى اعتقدها باعتقاده اتحاد حالة مدلول أنت طالق إن شاء الله أو ما شاء فلان، وليس الأمر كذلك؛ لأن قوله أنت طالق فيهما تارة يكون ابتداء صدوره غير مقيد بحيث لو لم يأت بلفظ بعده لزمن وتارة يكون على إرادة التقييد بالشرط بحيث لو لم يأت بالشرط لم يلزمه شيء كما مر من قولها لو أخذ ليحلف، فلما قال طالق ثلاثاً بدا له فلا شيء عليه، فالأول: هو محل النزاع المطلوب فيه الفرق بينه وبين اليمين بالله تصدر حيثيته، وأما الثانيك فواضح تعليقه، وقد قسمه المازري حسبما مر، فقوله لو لم يقبل التعليق بمشيئة الله لم يقبله بمشيئة آدمي إن أراد ذلك في أنت طالق بالحيثية الأولى سلمنا الملازمة ومعنا بطلان اللزوم، ودعواه بطلانه اتفاقاً ليس كذلك إنما هو باطل اتفاقاً في إطلاقه بالحيثية الثانية سلمناه، وليس هو محل النزاع، وقوله في تعقبه بعد قوله:" وأيضاً إن أراد شاء الله حكمه فصحيح، لكن لم قال أنه حكم بأنه لا يقبل التعليق هذا لم ينص الشرع عليه" يرد

ص: 223

بأنه لا يلزم من عدم دليل النص عدم دليل العل، وهو كون الحكم الشرعي قديماً يمنع تعليقه بعد تقرره بمقتضيه، وفرق بين تعليقه بعد تقرره وتعلق تقرره الأول مستحيل والثاني جائز، وعليه صحت التعاليق مطلقاً، وهذا بناء منه على أن معنى قول المؤلف شاءه الله شاء الحكم حسبما صرح به في قوله: إن أراد شاء حكم الله حكمه فصحيح، وهو نص منه بصحة تعلق إرادة الله لحكمه وليس كذلك، لأن الحكم قديم وكل مراد ححادث؛ بل معنى كلام المؤلف لفظ الطلاق بمجرده شاء الله؛ اي: شاء الله لفظ الطلاق، والضمير الفاعل في قوله فلا يقبل التعليق عائد على مفهوم من السياق، وهو الحكم بالطلاق أي شاء الله لفظ الطلاق فلزم تقرر الحكم بالطلاق عملاً بصيغته فلا يقبل الحكم بالطلاق بعد تقرره التعليق؛ اي: لقدم الحكم، وقوله:(بخلاف اليمين بالله)؛ أي: فيقبل التعليق؛ لأن المقصود من مدلول لفظ اليمين فعل أو كف وكلاهما حادث، وبما قررناه تتضح المغايرة بين وجهي التفريق، ولو علق معلقاً على أمر بمشيئة الله تعالى ففي لغو استثنائه مطلقاً أو لم يرد للمعلق عليه قولان للمشهور وابن الماجشون مع أصبغ وابن حبيب والشيخ عن أشهب، وصوبه غير واحد.

قال ابن رشد: أصح القولين إعماله؛ لأنه إذا صرفه للفعل فقد بر فلم يلزمه طلاق؛ لأنه علقه بصفة لا توجد وهو أن يفعل الفعل والله لا يشاؤه، وذلك باطل إلا على مذهب القدرية مجوس هذه الأمة، فعلى ابن القاسم في قوله درك عظيم.

قلت: هذه المسألة فرع بالنسبة لمسألة الاستثناء في اليمين بالله؛ لأنه فيها متفق عليه، وفي هذه مختلف فيه، ورده للفعل في هذه المسألة يحتمل تفسيره بأن تعلق مشيئة الله بالفعل يوجب تعلق الحلف به، أو بأن تعلقها به يمنع تعلق الحلف به، فابن رشد بناه على الثاني فلزم ما ألزم، ولقائل أن يقول مجيباً عن ابن القاسم بأنه على المعنى الأول، وحينئذ ينعكس الأمر في جري قول ابن القاسم على مذهب أهل السنة وقول غيره على مذهب القدرية.

فغن قلت: الاستثناء في اليمين بالله هو الأصل، وهو فيها على المعنى الثاني لا الأول.

قلت: بل على الأول وهو تقييد المحلوف عليه بأنه إن شاءه الله، سلمناه، إنما كان

ص: 224

في اليمين بالله على الثاني؛ لأن حمله على الأول مناف لنص حكم الشرع فيه أنه يرفع مقتضى اليمين، فوجب حمله على الثاني لموافقته مقتضى النص فيه بخلاف حمله على الأول في الطلاق المعلق هو فيه حمل اللفظ على ظاهره مع السلامة عن معارضة نص فيه، أما أنه حمل اللفظ على ظاهره فبيانه أن قوله أنت طالق إن قمت إن شاء الله قيامي، أنه شرط تعقب شرطاً قبله على أنه متعلق به، والقاعدة أن الشرط إذا تعقب فعلاً مسنداً أن يؤثر في وقف إسناده على الشرط لا أن يؤثر في وقف نقيض الإسناد المذكور، كقوله اضرب أربعين جلدة، هذا إن كان قذف حراً عفيفاً إن كان عبداً، فقوله إن كان عبداً مؤثر في إسناد ضرب أربعين بمعنى وقفه على الشرط الأخير، وهو غن كان عبداً وحمله على تأثير الشرط في نقيض الإسناد، وهو عدم ضرب المذكور حمل له على غير مدلوله لا يصح إلا لمعارض شرعي كما في اليمين بالله فتأمله.

ابن رشد: إن لم تكن له نيَّة في صرفه للفعل أو للطلاق فلا أعلم فيه نص رواية، والنظر عندي كونه مصروفاً للفعل إن قصد به حل اليمين، ولم يكن لهجاً دون قصد الاستثناء؛ لأن صرفه للطلاق لغو لا معنى له، وصرفه للفعل له معنى له صحيح، وحمل اللفظ على وجه له معنى أولى من حمله على ما لا معنى له.

القرافي: من الأحكام ما جعل الشارع لها أسبابه بيد المكلف كالطلاق جعل للمكلف فيه سبباً من قول أو فعل، فقوله هي طالق إن فعل كذا فقط جعل منه للفعل مطلقاً سبباً فيه، فإن زاد إن شاء الله فهو نزوع منه عن جعله مطلقاً سبباً؛ بل فوض كونه سبباً لله، وهذا هو قول عبد الملك في رد الاستثناء للفعل، وعلى هذا التقدير لا يكون الفعل سبباً فلا يلزم به شيء إجماعاً، ولا يكون هذا خلافاً لابن القاسم مع أن صاحب المقدمات حكاه خلافاً، وقال: الحق عدم اللزوم كاليمين بالله إذا رد الاستثناء للفعل، وهذا يشعر أن ابن القاسم يوافق في اليمين بالله ويخالف في الطلاق فيكون هذا إشكالاً، وإن حمل قول عبد الملك على ما ذكرته فلا إشكال ويصير المدرك مجمعاً عليه وغلا فلا تعقل المسألة ولا يصير لها حقيقة.

قلت: من تأمل ما قدمناه من توجيه القولين بان له سقوط هذا الكلام، ومخالفته لفهم الأشياخ في حمل المسألة على الخلاف حسبما مر للشيخ كغيره.

ص: 225

وسمع عيسى ابن القاسم من قال لامرأته: إن فعلت كذا إلا أن يقدر فأنت طالق؛ إن فعله فهي طالق. ابن رشد: لأشهب في المجموعة لا شيء عليه وهو مقتضى النظر؛ لأن قدر الله وقضائه ومشيئته هي إرادته، فلا فرق بين الاستثناء بقدر الله وقضائه ومشيئته، وابن القاسم فرق بين ذلك ولم يره بقضاء الله، ولا في إرادته عاملاً بين اليمين بالله كما مر في سماع عيسى في النذور وعليه يأتي قوله هنا، ولو قال إن فعلت كذا إلا أن يشاء الله فامرأته طالق نفعه استثناؤه عند الجميع لنصه على رد الاستثناء للفعل بذكره عقبه قبل الطلاق، وما روى عن ابن القاسم من الاستثناء بمشيئته الله في اليمين بالطلاق غير عامل، وإن رده للفعل معناه إذا ادعى ذلك وعليه بينة فلا يصدق في ذلك خلافاً لابن الماجشون.

وقال ابن دحون: لو قال إن فعلت كذا إلا أن يشاء الله فأنت طالق ففعله؛ كان حانثاً على قياس هذه الرواية؛ لأن لا يفعل فعلاً إلا بقدر الله ومشيئته، فذكر ذلك لغو لا ينفعه، ووجه ما ذهب إليه أن هذا هو الأصل فخصت السنة من ذلك الاستثناء.

قلت: نصه في المقدمات على اختلاف قولي ابن القاسم وابن الماجشون مع ذكره دليل ترجيحه، وقوله في هذا السماع أنه لا يخالف فيه ابن القاسم إلا مع البينة لعدم تصديقه حيث كونه غير نص في رده للفعل متنافيان، ففي اتفاقهما في قوله أنت طالق إن فعلت كذا إن شاء الله مع دعواه رد الاستثناء للفعل على عدم حنثه، واختلافهما فيه، ثالثها: هذا إن قامت عليه بينه للقرافي، والأكثر مع المقدمات والبيان.

وفي عتقها الأول إن قال لامرأته أنت طالق إن أكلت معي شهراً إلا أن أرى غير ذلك فقعدت بعد ذلك لتأكل معه فنهاها ثم أذن لها فأكلت، إن كان ذلك مراده ورأى ذلك فلا شيء عليه، ولو علقه على واضح نقيضه مؤخراً

عنه كأن لم يكن هذا الإنسان إنساناً فانت طالق فلا شيء عليه ومقدماً عليه.

قال ابن الحاجب: حانث كانت طالق أمس. قلت: الأظهر أنه كإن شاء هذا الحجر، وتقدم نقل اللخمي في أنت طالق أن هذا العمود، ولابن محرز في أنت طالق أمس لا شيء عليه، وتقدم في السريجية نقل الشيخ

ص: 226

تقييد الطلاق بالماضي كإطلاقه.

اللخمي: لو قال أنت طالق ثلاثاً أنت طالق ثلاثاً إن فعلت كذا، ففي لغو تعليقه بجعله نادماً وإعماله بعد حلفه على تعليقه قولاً مالك وابن القاسم.

قلت: نصها في سماع ابن القاسم من قالت له امرأته وعنده هشود ائذن لي أن أذهب لأهلي، فقال: أنت طالق البتة أنت طالق البتة أنت طالق البتة إن أذنت لك قد طلقت عليه، فقال: غنما أردت أن أسمعها وأردد اليمين ولم أقطع كلامي، فقال مالك: ما أظنها إلا بانت منه وقد ألبس، وفيه ما ترى من الإشكال وما هو باليمين.

ابن القاسم: يحلف ما أراد إلا أن يفهمها والقول قوله ولا حنث عليه. ابن رشد: الواجب على المشهور من رعي البساط أن لا يلزمه طلاق ولا حلف؛ لأن سؤالها الإذن لأهلها دليل على صدقه لا تبتيل الطلاق، ولو سألته تبتيله فقال ذلك اللفظ بعينه بانت منه بالثلاث قولاً واحداً، وإنما يصح هذا الاختلاف على القول بلغو البساط، ووقعت هذه المسألة في رسم سلف من سماع عيسى معراة من البساط، وقال مالك وابن القاسم فيها مثل ما تقدم لهما، وعلى مذهبه في المدونة لا يمين عليه.

قال فيها: من قال: أنت طالق أنت طالق أنت طالق إن دخلت الدار أنه ينوي إن دخلها في أنه إنما أراد واحدة فلم ير عله طلاقاً إلا أن يدخل الدار، وهو على أصله فيها على من أقر بنفقة لرجل، وقال البناء له أو بخاتم، وقال الفص له قبل قوله إن كان كلامه نسقاً، ولأصبغ عنه في كتاب المديان من قال لفلان علي ألف دينار وعلى فلان وفلان أنها كلها عليه، وإن كان كلامه نسقاً بخلاف قوله لفلان علي وعلى فلان وفلان ألف دينار، وخالفه أصبغ فلم ير عليه إلا ثلث الألف إن كلام متتابعاً، فرواية أصبغ هذه عنه على قياس قول مالك في مسألة الطلاق، وقوله على قياس قول ابن القاسم في المدونة وإيجاب ابن القاسم اليمين عليه استحسان لرعي الخلاف، وهو أصوب الأقوال عند عدم البساط، وقول ابن الحاجب إن علقه على ما لا يعلم حالاً، وما لا طلقت كقول ابن رشد في مسألة الشك منه ما يتفق على جبره كالطلاق كقوله امرأتي طالق إن كان أمس كذا وكذا؛ لشيء يمكن أن يكون وأن لا يكون ولا طريق لاستعلامه، وقول ابن عبد السلام: "لا يبعد تخريجه على الخلاف في المعلق على مشيئة

ص: 227

الملائكة والجن" فيه نظر؛ لأن الأرجح في مشيئتهما العدم، والمخرج الفرض فيه تسوية الأمرين.

وسمع يحيى ابن القاسم: من قال امرأته طالق إن لم يكن فلان يعرف هذا الحق لحق يدعيه، فقال المدعى عليه: امرأته طالق إن كان يعرف له فيه حقاً؛ ديناً جميعاً، ولا حنث على واحد منهما.

ابن رشد: مثله في الأيمان بالطلاق منها والعتق الأول منها ولم ذكر يميناً، وروى محمد السبائي أنها يدينان ولا يحلفان، ولعيسى عن ابن القاسم يدينان ويحلفان، ومثله في سماع أشهب في نحو المسألة، وهذا الاختلاف إنما هو إن طولب بحكم الطلاق، وهو على الخلاف في يمين التهمة، وإن أتيا مستفتيين فلا وجه لليمين.

وفي اختصار المبسوطة لابن رشد سئل مالك عمن نازع رجلاً فقال: أنت. قلت: كذا وكذا فينكر الآخر، فيقول الأول يميني في يمينك بالطلاق البتة إن لم يكن ما أقول حقاً، وقال الآخر: طلقت امرأته ثلاثاً إن كان ما يذكر حقاً، فقال مالك: الأول حانت قد طلقت امرأته البتة، وقال ابن نافع: إن حلف الأول على ما استيقن فلا حنت عليه، وفي الأيمان بالطلاق منها: من قال لرجل امرأته طالق لقد قلت لي كذا وكذا، فقال الآخر: امرأته طالق إن كنت قلته فلدينا ويتركا إن ادعيا يقيناً، وفي عتقها الأول إن كان عبد بين رجلين، فقال أحدهما إن كان دخل المسجد أمس فهو حر، وقال الآخر إن لم يكن دخل المسجد أمس فهو حر، إن ادعيا علم ماحلفا عليه ديناً في ذلك، وإن قالا ما نوقن أدخل أم لا وإنما حلفنا ظناً فليعتقاه بغير قضاء، وقال غيره يجبران على عتقه، فعبر الصقلي عن الغير بأشهب، ونقلها التونسي بلفظ حلفاً على الشك بدل حلفاً ظناً، ولفظها في الأم قال: إن ادعيا علم ما حلفا عليه ديناً، وإن لم يدعيا علم ما حلفا عليه ويزعمان أنهما حلفا على الظن، فإنه ينبغي أن يعتق عليهما؛ لأنهما لا ينبغي لهما أن يسترقاه بالشك.

ابن القاسم: لا يقضي عليهما بذلك. سحنون: وقال غيره يجبران على ذلك، وقول ابن عبد السلام عكس بعضهم النقل، وأتى بها ظاهرة أنه جعل القولين في جزم كل واحد منهما بصحة ما حلف عليه،

ص: 228

وإن لم يجزما لزمهما الطلاق، وأجمل بعضهم النقل وأتى بما يدل على الخلاف في مسألة من حيث الجملة. قلت: ما حكاه من عكس النقل لا أعرفه، وإجمال النقل هو ظاهر سماع يحيى. وفيها: من أقر بفعل كذا ثم حلف بالطلاق ما فعله صدق مع يمينه، ولا يحنث، ولو أقر بعد يمينه أنه قد فعله ثم قال: كنت كاذباً لم ينفعه، ولزمه الطلاق بالقضاء.

قلت: مثله في رسم الدور والمزارع من سماع يحيى من كتاب النكاح، وفيه من شهد عليه قوم بحق أو فعل شيء ينكره فحلف بعد شهادتهم بالطلاق أنهم شهدوا عليه بزور حلف أنهم كاذبون ودين، فإن أقر بعد ذلك بتصديقهم أو شهد آخرون بصدق شهادة الأولين حنث في يمينه، وكذا لو حلف بالطلاق وإن كان لفلان عليه كذا وكذا، وإن كان كلم فلاناً اليوم فشهد عليه عدول بالحق أو بالكلام فقد حنث.

ابن رشد: أصل هذه المسائل في الأيمان بالطلاق منها، وتكررت في سماع ابن القاسم من كتاب الشهادات: ولا خلاف في شيء منها، والفرق بين أن يتقدم اليمين على ما يناقضه هو أن اليمين إذا تقدم فقد لزم حكمه، ووجب أن لا يصدق في إبطاله، وإذا تقدم الفعل ببينة أو إقرار لم يثبت لليمين بتكذيب ذلك حكم إذا لم يقصد الحالف إلى إيجاب حكم الطلاق الذي حكم به على نفسه إنما قصد تحقيق نفي ذلك الفعل.

قلت: الأصل أن ثاني المتنافين ناسخ لأولهما فيما فيه النسخ ورافع له في غيره، فإن تقدم الحلف كان ما بعده رافعاً لمدلول ما حلف عليه فكان إقرار بالحنث، وإن تأخر كان رافعاً ما قبله فلا حنث.

اللخمي: قال في الموازية إن قيل له: فلان وفلان يشهد عليك بكذا فحلف بالطلاق أن لا شيء عنده من ذلك ثم شهد عليه مل يحنث، وقال مالك: من شهد عليه شاهدان بريح خمر فحلف بالطلاق ما شرب خمراً حد ودين في يمينه، ولا تطلق عليه.

قلت: ظاهره دون يمين ولا ينقض فرع الموازية ما ذكرناه من الفرق؛ لأن حلفه فيه في حكم المتأخر عن الشهادة؛ لأنه أتى به رداً لها لما أخبر بها.

وفيها: لو لم تشهد البينة على إقراره بعد اليمين، وعلم أنه كاذب في إقراره بعد يمينه حل له المقام عليها بينه وبين الله، ولم يسع امرأته المقام معه إن سمعت إقراره هذا

ص: 229

إلا ألا تجد بينة ولا سلطاناً، فهي كمن طلقت ثلاثاً ولا بينة لها.

قال فيها مالك: لا تتزين له ولا يرى لها شعراً، ولا وجهاً إن قدرت، ولا يأتيهما إلا وهي مكرهة، أحسن من قوله في المدونة إلا كارهة إذ لا تنفعها كراهتها لإتيانه لها، إنما ينفعها أن تكون مكرهة.

قلت: قوله: (أحسن من قوله في المدونة) صوابه في التهذيب: غذ هو لفظه لا لفظ المدونة، إذ لفظها وهي كارهة ولا تطاوعه، فالمتعقب إنما هو اختصار البرادعي على كارهة لا لفظ المدونة لزيادتها ولا تطاوعه.

ابن محرز: إنما منعه من رؤية وجهها لقصد اللذة كالأجنبي لا لغير اللذة إذ وجه المرأة عند مالك وغيره ليس عوة، قد قال في الظهار، وقد يرى غيره وجهها.

محمد: ولتفتد منه بما قدرت ولو بشعر رأسها، وتقتله إن خفي لها كغاصب المال؛ يريد: مثل العادي والمحارب، وقال سحنون: لا يحل لها قتله ولا قتل نفسها، أكثر ما عليها الامتناع وأن لا يأتيها إلا مكرهة.

ابن محرز: هذا الصواب. ابن بشير: اختلف هل يباح لها قتله إن أمكنها وخفي لها، فقيل لها ذلك وأراه من باب تغيير المنكر، وقيل: لا ورآه من باب إقامة الحدود، ويحتمل أن يتخرجا على الخلاف في تغيير المنكر هل يفتقر إلى إذن أم لا، وقاس محمد قتله على المحارب، وأنكره ابن محرز بأن ن طلب أخذ ماله مخير في التسليم والمحاربة، والمرأة لا يجوز لها التسليم ولا سبيل لها إلى القتل؛ لأن قبل الوطء لم يستحق القتل بوجه وبعده صار حداً والحد ليس لها إقامته، والجواب أنه من تغيير المنكر بمدافعته، فإن لم يندفع إلا بقتله قتلته. قلت: تفريق ابن محرز بأن المغصوب مخير بخلاف المرأة ينتج كون القياس أحروياً في القتل، والصواب: إن أمنت من قتل نفسها إن قتلتله أو حاولت قتله، ولم تقدر على دفعه إلا بقتله وجب عليها قتله لا إباحته، وإن لم تأمن قتل نفسها في مدافعته بالقتل أو بعد قتله فهي في سعة، وكذا من رأى فاسقاً يحاول فعل ذلك بغيره، وفي جهادها إن نزل قوم بآخرين يريدون أموالهم وأنفسمهم وحريمهم ناشدوهم الله فإن أبوا فالسيف.

ولو علق على مغيب حالاً يعلم مآلا كإن كنت حاملاً أو كإن لم تكوني حاملاً ففيها

ص: 230

طالق مكانها.

اللخمي: في ذا الأصل في الواضحة لا يقع إلا بحكم، يؤخر للمآل، وقاله أصبغ في إن كنت وبالأول في غن لم تكوني؛ لأنه على حنث، وصوب اللخمي الثالث وخص الخلاف بكون قوله في طهر مس فيه وأنزل، وإلا لم تطلق في إن كنت، وطلقت في إن لم تكوني.

قلت: فيه -على المشهور أن الحامل تحيض- نظر، وحكى ابن شاس: في إن كنت عن السيوري إن كانت بينة الحمل فبين أنها تطلق، وإن كان يطأ ولا ينزل أو ينزل ويعزل عزلاً بيناً فلا شيء عليه، وإلا وقف؛ لأن الحمل مشكوك فيه، وإن كانت ممن لا يمكن أن تحمل فلا شيء عليه، وإلا وقف؛ لأن الحمل مشكوك فيه، وإن كانت ممن لا يمكن أن تحمل فلا شيء عليه، وفي إن لم تكوني إن وطء وأنزل جرى على القولين في التعجيل والوقف وإلا عجل.

قلت: مقتضى جعله قول السيوري خلافاً كون تقييد اللخمي كذلك، وحكى ابن حارث عن ابن نافع كقول اشهب.

اللخمي: في توارثهما، ثالثها: ترثه ولا يرثها لسحنون فقيده ببيان بره، وإلا لم ترثه وبكون يمينه بالثلاث.

قال: وعليه محمل قول مالك فيها: ولو كانت يمينه بدونها توارثاً اتفاقاً. فيها: في أنت طالق إن لم يكن في بطنك غلام لابن القاسم تطلق عليه كقوله إن لم تمطر السماء غداً.

ابن حارث عن سحنون: ينتظر وضعها إذ لم يقصد أن ما في بطنها غلام كقصد القائل إن لم تمطر السماء غداً أنها تمطر بكل حال.

الشيخ لابن سحنون عنه: من قال لزوجته إن كان حملك جارية فأنت طالق واحدة، وإن كان غلاماً فطلقتان فولدتهما، إن ولدت الغلام أولاً لزمه طلقتان، وتنقضي العدة بوضع الجارية، ولا يوجب طلاقاً، وعكسه تلزمه بوضع الجارية طلقة فقط، وبوضع الغلام تنقضي العدة.

ولو قال في وعاء: إن كان فيه حنطة فامرأته طالق، وإن كان فيه تمر فعبده حر، فكانا فيه حنثاً فيهما؛ لأن الحنث عندنا بالأقل، ولو قال: إن كان كل ما فيه، أو قال إن

ص: 231

كان كل حملك غلاماً أو كله جارية، فكان في الوعاء الأمران، وفي الحمل الصنفان فلا شيء عليه، كقوله إن هدمت هذه البئر كلها فلا شيء عليه فهدم بعضها.

قلت: مر في الأيمان في هذا خلاف.

ولو قال إن كنت تبغضيني فأنت طالق، فقالت نعم أولاً ونحوه أمر بفراقها، وفي جبره، ثالثها: إن قالت: نعم لعياض عن طرق الأشياخ، وعزا الثالث لابن القاسم أيضاً ولرواية الواضحة: لا يقضى عليه، ولأصبغ يقضى عليه، وقول ابن الحاجب، ورابعها: إن صدقها حنث يقتضي الخلاف فيه، وهو بعيد، ولابن عبد السلام كابن شاس عن عبد الحميد: إن قصد نفس لفظها فلا طلاق عليه إن أجابته بما لا يقتضيه، وإن علقه بما في قلبها فهو من وقوع الطلاق بالشك.

قلت: وفي المجموعة نحوه قال اللخمي في كتاب العتق عن المجموعة، قوله: أنت حرة إن كنت تحبيني، فقالت: أنا أبغضك أشد؛ لأنها لو كان كانت تغضه ما. قالت: ما يكره ولحبها إياه لم تذكر محبتها إياه خوف الخروج من يده، وكذلك هذا في الطلاق.

قال: إلا أن يقول نويت ما تعليمين من ذلك فله ذلك مع يمينه.

وقد يكون للسياق، في إرخاء الستور منها: من خالع امرأته، ثم ظاهر منها في عدتها أو آلا لزمه الإيلاء لا الظهار إلا أن يقول إن تزوجتك أو يجري قبل ذلك ما يدل عليه فيلزمه إن تزوجها، كمن خالع إحدى امرأتيه فقالت له الأخرى ستراجعها، فقال لها هي طالق أبداً ولا نية له.

قلت: وكثير ما يقع شبهه فيمن يقال له تزوج فلانة فيقول هي عليه حرام، أو يسمع حين الخطبة عن المخطوبة أو عن بعض قرابتها ما يكرهه فيقول ذلك، فكان بعض المفتين يحمله على التعليق فيلزمه التحريم محتجاً بمسألة المدونة، وفيه نظر؛ لأنه لا يلزم من دلالة السايق على التعليق في الطلاق كونه كذلك مع السايق ناهض في الدلالة على التعليق والتحريم يعقله العوام في غير الزوجة، ولهذا يحرمون الطعام وغيره، وأرى أن يستفهم القائل هل أراد بقوله معنى تحريمه طعاماً أو ثوباً أو أنها صيرها كأخته وخالته أو معنى أنها طالق، فإن أراد الأول لم يلزمه شيء، وإن أراد الأخير لزمه التحريم، وكذا

ص: 232

إن لم يبن منه شيء إذ لا تباح الفروج بالشك.

وتعليق التعليق على مجموع الأمرين كإن دخلت الدار فأنت طالق إن كانت لزيد، لا يحنث إلا بدخولها مع كونها لزيد، ولو على التحنيث بالأقل اعتباراً بالتعليق، وعلى هذا الأصل اختلاف مذكور في إيلائها، وفي كون الحلف على التعليق حلفاً عليه فيخير إن وقع المعلق عليه بين حنث اليمين وحنث التعليق أو تأكيد التعليق فيتنجز بالمعلق عليه حنث التعليق قولاً أكثر المتأخرين وأقلهم، لابن سهل عن ابن زرب من قال لزوجته: الأيمان له لازمة إن دخلت دار فلان إن كنت له بزوجة فدخلها ثم بارأها.

قال ابن دحون: تحير فيها أهل بلدنا فقال القاضي قد بر بمبارأتها، وله أن يتزوجها ولا حنث عليه كمن قال لزوجته: أنت طالق إن لم أطلقك، فقال له أبو الأصبغ الحشي وغيره ليست مثلها؛ لأنه قال: لا كانت لي بزوجة فمتى ردها صارت له زوجة ولزمه الحنث، فقال القاضي: هي عندي مثلها إلا أن ينوي لا كانت بزوجة أبدأً، فإن نواه لزمه الحنث متى تزوجها، وقال بعض أهل المجلس: أفتى فيها بعض فقهاء بلدنا بطلاق الثلاث وأن المباراة لا تنفعه ولا يجوز له أن يتزوجها بعد زوج، وقال ابن محسن: نزلت بقرطبة، وكتب بها لابن أبي زيد فقيه القيروان فأفتى بفتيا القاضي منذ أربعة أعوام ونحوها.

قلت: جواب القاضي عن إيراد ابن الحشاء لغو؛ لأنه تكرير لعين دعواه أولاً، ولو قال: لأن الفعل في سياق النفي لا يعم لكان جواباً، وهو مذهب الغوالي، وقول ابن الحشى على تعميمه، وهو اختيار ابن التلمساني، وهو مقتضى مسائل المذهب في الأيمان. فإن قلت: فتوى الشيخ: بأن المبارأة كافية، ولا تلزمه الثلاث خلاف متقدم فتواه في أن فعلت كذا فلست لي بامرأة أنها ثلاث.

قلت: الفرق أن قوله إن كنت لي بزوجة حلف على تحصيله مسمى عدم الزوجية، وهو قادر على تحصيله بالمبارأة، وقوله:(إن فعلت كذا فلست لي بامرأة) التزام لحصول مسمى لست لي بامرأة، وحصوله بنفس وجود متعلق عليه يوجب البينونة حينئذ، ولا

ص: 233

بينونة فيمن لم تخالع إلا بالثلاث على المشهور، والفرق بينهما كالفرق بين قوله إن فعلت كذا فأنت طالق طلقة بائنة، وبين قوله أنت طالق ثلاثاً إن لم أطلقك طلقة بائنة لا تتقدر بينونة الأولى إلا بالثلاث، ويكفي في بينونة الثانية المبارأة.

وفي نوازل ابن الحاج: من قال لامرأته والله الذي لا إله إلا هو إن شاررت أمي وخرجت من الدار إن خرجت إلا كخروجها، فشاررتها وخرجت الأم لا يلزمه إلا كفارة يمين، بهذا أفتى أصحابنا وخالفهم الفقيه القاضي أبو عبد الله بن حمدين، وأرى أنها طالق ثلاثاً وقضى به على الحالف، ولما ذكر ابن رشد ما نقلناه عنه في مسألة القائل إن كان كذا فلست لي بامرأة.

قال كان بعض الناس يفتي من هذه المسألة في نازلة تنزل كثيراً، وهو قول الرجل لامرأته بالله إن فعلت كذا إن كنت لي بامرأة، ولا يراعى عقد يمينه، ويقول إنما معنى ذلك أنه حلف أنه قد طلقها وذلك لا يصح؛ لأنها يمين منعقدة يصح فيها البر والحنث، ومعناها والله أو علي المشي إن فعلت كذا وكذا لأطلقنك طلاقاً لا تكونين به بامرأة فيبر في يمينه بأن يباريها بطلقة تملك بها نفسها.

على مقدر بإن ونحوها ظاهر في تعليقه لا في بته ولا محتمل لهما خلافاً لابن رشد وسماع القرينين في التخيير من قالت لزوج ابنتها إنك مع ابنتي على حرام، فقال: لا، فقالت: بلى، فلما أكثرت عليه قال: إن كان ما تقولين حقاً فشدي يديك بها إلى آخر قوله، فإن نكل طلقت البتة.

ابن رشد: لأن النية التي ادعاها محتملة، فإن نكل طلقت ثلاثاً؛ لأن قوله شدي بها يديك إلى آخر كقوله رددتها إليك أو وهبتها لك وذلك يوجب البتات.

بعصمة لا يرتفع إلا ببتها بالثلاث لا بطلاقها وتزويجها غيره.

فيها: إن حلف بطلاقها إن أكلت هذا الرغيف فأكلته أو بعضه بعد أن تزوجها بعد طلاقه إياها وزواجها غيره حنث ما بقي من طلاق ملك حلفه شيء، فإذا تم لم يحنث بما أكلت عنده في الملك، وذكر ابن حارث إثر نقله نصها لابن القاسم وروى البرقي عن أشهب: لا يحنث إذا فعلت ذلك بعدما تزوجها، وشهدت أبا جعفر أحمد بن نصر يفتي بمذهب أشهب.

ص: 234

وتقييد المعلق عليه بما الظاهر كونه طردياً لغو إلا أن يقصد بالنية فيعتبر.

فيها: من قال أنت طالق يوم أدخل دار فلان فدخلها ليلاً أو حلف على الليل فدخلها نهاراً حنث إلا أن ينوي نهاراً دون ليل أو ليلاً دون نهار فينوي.

قلت: ظاهره دون يمين وتجري على التهمة. والشك في الطلاق: سمع فيه من كتاب العدة عيسى ابن الاسم: من شك في طلاق امراته لم يقض به عليه وذلك إليه.

ابن رشد: الشك فيه على خمسة أقسام: منه ما يتفق على أنه لا يؤمر به ولا يجبر، مثل حلفه على رجل لا فعل فعلاً، ثم يقول لعله فعله دون سبب يوجب شكه فيه، ومنه ما يتفق على أنه يؤمر به ولا يجبر مثل حلفه أن لا يفعل فعلاً، ثم يشك هل حنث أم لا؟ لسبب يدخل عليه الشك، ومنه ما يتفق على أنه لا يجبر ويختلف هل يؤمر أو لا مثل أن يشك هل طلق امرأته أم لا؟ ويشك هل حنث في يمينه فيها، فقال ابن القاسم يؤمر ولا يجبر، وهو قوله في هذه الرواية، وقال أصبغ: لا يؤمر ولا يجبر، ومنه ما يختلف فيه هل يجبر أو لا؟ مثل أن يطلق فلا يدري طلق واحدة أو اثنتين أو ثلاثاً، أو يحلف ويحنث ولا يدري أكان حلف بطلاق أو مشي، أو يقول امرأتي طالق إن كان فلانة حائضاً، فتقول لست بحائض، وإن كان فلان يبغضني فيقول أنا أحبك، وإن لم يخبرني بالصدق فيخبره ويزعم أنه صدقه ولا يدري حقيقة ذلك، والخلاف في المسألة الأولى من قول ابن القاسم ومن قول ابن الماجشون، وفي الثانية من قول ابن القاسم وأصبغ، ومنه ما يتفق على أنه يجبر مثل قوله: امرأتي طالق إن كان أمس كذا لشيء يمكن أن يكون وأن لا يكون ولا طريق لاستعلامه، ومثل أن يشك أي امرأتيه طلق.

قلت: انظر ما الفرق بين الأول والثالث، ولا فرق بينهما في الحقيقة بينهما إلا أن يحمل الأول على احتمال الطلاق مع رجحان عدمه، والثاني مع تساويه؛ فيكون قد جعل الوهم من أقسام الشك، والمعروف أنه قسيمه، وللخمي عن ابن حبيب عن ابن الاسم: من شك في طلاق امرأته ابتداء يقول لا أدري حلفت فحنثت أم لا، أو يحلف بطلاق امرأته لا تخرج لم يشك هل خرجت، أو لا كلم فلاناً ثم يشك هل كلمه؛ هذا لا يؤمر بالفراق بقضاء ولا فتيا.

ص: 235

قلت: هذا خلاف نقل ابن رشد عن ابن القاسم في القسم الثالث.

قال اللخمي: ويختلف إذا شك هل طلق أم لا؟

فعلى وجوب وضوء من أيقن بالوضوء وشك في الحدث يحرم عليه هنا، وعلى استحباب وضوئه يستحب فراقه في تحرمه الوجوب نظر؛ لأن الوضوء أيسر من الطلاق، ولأن أسباب نقض الوضوء متكررة غالبة بخلاف أسباب الطلاق، ولما حكى ابن عبد السلام التفريق بمشقة الطلاق دون الوضوء.

قال: ما أشار إليه في المدونة من الفرق أحسن، وذلك أنه جعل الشك في الحدث من الشك في الشرط، والشك في الشرط شك في المشروط، وذلك مانع من الدخول في الصلاة، والشك في الطلاق شك في حصول مانع من استصحاب العصمة، والشك في الكانع لا يوجب التوقف بوجه، والنكتة أن المشكوك فيه مطرح، فالشك في حصول الشرط يوجب طرح الشرط وذلك يمنع الإقدام على المشروط، والشك في المانع يوجب طرحه وذلك موجب للتمادي.

قلت: من تأمل وأنصف علم أن الشك في الحدث شك في مانع لا في شرط، لكنه في مانع لأمر هو شرط يف غيره.

والمعروف أن الشك في المانع لغو مطلقاً، ويؤيده قوله النكتة أن المشكوك فيه مطرح، والمشكوك فيه مسألة الوضوء إنما هو الحدث لا الوضوء فيجب طرحه.

وفيها: فكل يمين لا يعلم صاحبها أنه فيها بار وهي بالطلاق فهو حانث فلم يقيده الصقلي وقال ابن الحاجب يعني يشك.

قلت: لأنه أتى بها مصدرة بالفاء عقب قوله من حلف لا كلم فلاناً ثم شك هل كلمه طلقت عليه؛ لأن يمينه خرجت منه وهو لا يتقين أنه فيها بار، ومن شك هل طلق واحدة أو اثنتين أو ثلاثاً ففي حرمتها إلا بعد زوج وأمره بفراقها دون قضاء قولها، ونقل اللخمي رواية ابن حبيب، وعلى الأول إن طلقها طلقة بعد نكاحها بعد زوج ففي لزوم الثلاث، ولو نكحها كذلك بعد مائة زوج ما لم يبت طلاقها ثلاثاً دفعة، أو ما لم يتزوجها بعد ثلاثة أزواج، ثالثها: ما لم يطلقها ثلاثاً، ولو كن متفرقات لها، ولرواية الصقلي مع نقله عن أشهب وأصبغ وابن وهب وتوجيهه الأقوال الثلاثة دليل مغايرتها

ص: 236

عنده، والحق لا تغاير بين الأخير وما قبله.

وسمع أصبغ ابن القاسم: من قال لامراته: إن تزوجتك فأنت طالق، ولا يدري ما أراد، إن تزوجها بانت منه خوف أن يكون طلق البتة ولها نصف المهر، ولم يكن ينبغي له أن يتزوجها حتى تنكح زوجاً، كذا أبداً حتى تبين منه بثلاث تطليقات لكل نكاح طلقة محسوبة، إن طلقها إياها لا ترجع إليه حتى تنكح زوجاً غيره.

قال: واختلف الناس إن رجعت إليه بعد الذي فسدت لك أن يبتدئ الطلاق أو تكون على طلقة واحب إلي أن تكون على تطليقة أبداً يعمل باليقين ويطرح الشك، وقاله أصبغ وأشهب أيضاً في المدخول بها وهما سواء.

ابن رشد: حمل ابن القاسم قوله ولا أدري على أنه لم يدري ما أراد من عدد الطلاق، وأنه أراد شيئاً فنسيه خلاف قول سعيد بن المسيب ويحيى بن سعيد في التخيير والتمليك من المدونة، وقول ابن القاسم هذا كقوله فيها في الأيمان بالطلاق أن الشك باق أبداً لا ترجع إليه أبداً إلا على طلقة، وهو قول سحنون. قال: ولو نكحها بعد عشرة أزواج إلا أن يبت طلاقها، وحكى الشيخ في المختصر عن أشهب: أن الشك يرتفع بعد ثلاثة أزواج وترجع إليه إن تزوجها على كل الطلاق وهو قول ابن وهب، وبه أخذ ابن حبيب.

قال يحيى بن عمر تدبرته فوجدته خطأ، وقال الفضل أيضاً أنه خطأ واضح. قلت: جعل ابن رشد قول ابن وهب هو قول أشهب خلاف جعل الصقلي قول ابن وهب خلاف قول أشهب وهو وهم.

ابن بشير: إن شك في واحدة وثلاث ففي وجوب الثلاث قولان، إن قلنا لا تجب أمر بالرجعة، فإن لم يفعل حتى تمت العدة ففي جواز نكاحه إياها القولان. قلت: وهذا نص منه بأن القول الثاني أنها طلقة رجعية وحكاه ابن الحاجب، قال ابن عبد السلام: تبع فيه غيره، وأنكر غيرهما من الحفاظ وجوده في المذهب، وأصول المذهب تشهد لوجوده، ثم حكى رواية ابن حبيب على أنها غيره.

قلت: لا أعلم من أنكر ثاني نقل ابن بشير، وهو عندي نفس رواية ابن حبيب، ولذا لا تجد من جمع بينهما في النقل، حكاه ابن بشير ولم يزد رواية ابن حبيب، واللخمي

ص: 237

عكس، وقال: لا يختلف أنه يؤمر أول مرة بالإمساك عن رجعتها حتى يتزوجها إن شاء، فإن ارتجعها أمر أن لايصيب، أنه لا يدري في حليتها من حرمتها، ويؤمر أن يطلقها لإمكان كون رجعته صحيحة فلا تحل لغيره من غير طلاق؛ لأن منع الأول إنما هو لإمكان كون الطلاق ثلاثا لا على وجه القطع، فمنع الناس أولى؛ لأنه في شك من زوال الأول عليها طلاقا، فإن أبى ولم يجبر على رواية ابن حبيب، فإن لم يجبر ووقف عنها فرفعته للسلطان طلق عليه الحاكم.

قلت: فحاصل كلامه أن اللازم له على رواية ابن حبيب إنما هي طلقة رجعية، وقوله تفريعاً عليها أنه يوقف على إصابتها، وتطلق عليه إن رفعته غير صحيح، وقوله إذا منع الأول مع الشك فالثاني أولى إن أراد على رواية ابن حبيب فلا خلاف في حرمتها على غير الأول إلا أن يوقع الأول عليها طلقة أو يموت، وإن أراد على المشهور فليس كذلك؛ لأنه فرق بين كون الشك طريقاً لوجوب الحكم، والحكم المشكوك فيه الأول معتبر، والثاني لغو كمن شك في وجوب ظهر وعصر ثم تيقن وجوب الظهر بعينها بعد صلاتهما فقط أو بعد وصلاتهما معاً فلا إعادة عليه، ولو شك في وجوب الظهر لشكه في دخول وقتها فصلاها ثم بان له أنه صلاها بعد دخوله فإنه لا تجزئه، وقد أشار إلى هذا القرافي في قواعده، واخبر بعض شيوخنا عن الشيخ الفقيه أبي عبد الله بن شعيب أنه سمع الشيخ الفقيه المعروف بابن بنت العز في مجلس تدريس حضرة فقهاء الديار المصرية يرجح الفتوى برواية ابن حبيب محتجاً بانه لو ألزمناه الثلاث بشكه لأبحناها لغير بالشك، واللازم باطل فالملزوم مثله، ولم يحك لاحتجاجه رداً وهو نحو كلام اللخمي، ورده واضح حسبما مر.

اللخمي: إن شك هل طلق وحدة أو ثلاثاً أمر أن لا يقر بها حتى تنكح زوجاً غيره، فإن تزوجها بعده ثم طلقها فله أن يرتجعها اتفاقاً لانتفاء الشك في الثلاث، فإن طلقها ثانية لم تحل له إلا بعد زوج لتقرر الشك في الثلاث، وإن شك في واحدة أو اثنتين فله الرجعة، فإن ارتجعها ثم طلقها جاء الشك في الثلاث.

قلت: صور الشك في العدد أربع مسألة الكتاب، والشك في واحدة أو اثنتين،

ص: 238

والشك في واحدة أو ثلاث، والشك يف اثنتين أو ثلاث، وضابط ما تحرم عليه فيه قبل زوج إن طلقها بعد أن تزوجها بعد زوج طلاقاً دون البتات كل ما لم ينقسم مجموع عدد طلاقه بعد زوج مع عدد طلاق كل شك بانفراده على ثلاث لم تحرم، وإن انقسم، ولو في صورة واحدة حرمت، الطرطوشي: إن شك في عدد طلاقه لزمه أكثره، ولو تيقن واحدة وشك في الثانية لم يلزمه إلا واحدة.

قلت: لأن الأول: شك في عدد ما وقع، والثاني: شك في الوقوع. وفيها مع عتقها: من طلق واحدة من نسائه مث نسيها طلقن كلهن بغير ائتناف طلاق.

الصقلي وابن رشد: اتفاقاً. القرافي: إجماعاً. قلت: فإن تذكر عين المطلقة فكقولها من شك في واحدة أو اثنتين أو ثلاث، فقال مالك هي ثلاث.

ابن القاسمك إن ذكر في العدة أنها أقل فله الرجعة فكذا يكون أحق بغير من ذكر عينها ويكون فوت غيرها كامرأة المفقود، وقال ابن عبد السلام في قول ابن الحاجب طلقن بغير استئناف طلاق، قد يكون تنبيهاً على خلاف أبي حنيفة القائل إنما يقع الطلاق على التي طلقها، وتطلق من عداها لتحل للأزواج فيقول من لم يقع عليها طلاقي من نسائي طالق، واستحسنه بعضهم وهو عندي حسن، وتقدم تنبيهاً على اختلاف الأصوليين في الميتة إذا اختلطت بالذكية هل تحرمان أو لا تحرم إلا الميتة؟ وعليه لا بد من استئناف الطلاق لمن لم يطلقها، وكذا على القول الأول إذ لا يلزم منع الاستمتاع بالزوجة لموجب ما وقوع الطلاق؛ لأن المنع من الاستمتاع من لوازم الطلاق لا ملزوم له، ولا يلزم من وجود اللازم وجود الملزوم.

قلت: قوله: (قد يكون تنبيهاً على خلاف أبي حنيفة) هو كالمتعين؛ لأن أصل المدونة إنما هي مسائل حصلها أسد بن الفرات عن محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة، ثم جاء لابن القاسم فكان يسأله عنها ويثبت فيها أجوبة ابن القاسم على مذهب مالك حسبما نقله ابن الرقيق وغيره، واستحباب بعضهم إيقاع الزوج طلاق غير المطلقة في

ص: 239

نفس الأمر لتحل لغيره بناء على نحو ما مر للخمي خلاف ما مر من رده، وهنا زيادة اعتبار قاعدة ما لا يتوصل للواجب إلا به فهو واجب، وما نقله في الشاتين من القول بأنه لا تحرم إلا الميتة قول ضعيف نقله الغزالي في المستصفى وزيفه هو وغيره.

قال السراج في تحصيله: إذا اشتبهت منكوحة بأجنبية وجب الكف عنهما، لكن قيل: الحرام هو الأجنبية وهو باطل؛ لأن إثبات الحرج في الفعل ينفي حله، نعم حرمت الأجنبية لكونها أجنبية والمنكوحة لاشتباهها بها.

قلت: وهو مختصر كلام الغزالين وقوله: (المنع من الاستمتاع من لوازم الطلاق لا ملزوم له .. إلخ 9 إن أراد وقتاً ما أو الأعم من كونه بمنكوحة أو مملوكة فمسلم وليس محل النزاع، وإن أراد بالزوجة دائماً إلا بنكاح جديد، فإن أراد أنه كذلك على قول سلم ولم يفد احتجاجاً؛ بل تخريجاً، وإن أراد أنه كذلك اتفاقاً، وهو ظاهر سياقه رد بما تقدم من الخلاف في أنت طالق إن لم أطلقك أحد الأقوال يعجل الطلاق لحرمة متعته بها، وبالقول بلزوم الطلاق في قوله إن وطئتك فأنت طالق حسبما يأتي إن شاء الله.

وسمع عيسى ابن القاسم في كتاب العدة: من طلق إحدى امرأتيه بعد بنائه بإحداهما ثم نسيها ثم ماتتا، إن ماتت المدخول بها في العدة ورثها والأخرى إن شاء ورثها أو لم يرثها ذلك إليه في الاحتياط.

ابن رشد: قوله في المدخول بها صحيح، وفي قوله في الأخرى نظر؛ لأنه أباح له أخذ ما لا يدري هل هو له أم لا؟ ويلزم عليه لو لم يمت أن يؤمر بفراقها ولا يجبر، ووجه قوله أنه لما ورث المدخول بها فكأنه لم يشك في طلاقها وإنما شك في طلاق الأخرى فأشبه من شك في طلاق امرأته فيؤمر بفراقها، وأن لا يرثها ولا يجبر على ذلك؛ لأن العصمة متيقنة فلا ترفع بالشك وليس ببين؛ لأن الطلاق في هذه متيقن في إحداهما، فكما لا يجوز أن يمسك إحدهما خوف كونها المطلقة، فكذا لا يجوز إرث التي لم يبن لها خوف كونها المطلقة إلا أن يتذكر أن الأخرى هي المطلقة يقيناً، ونحى فضل إلى أن لأه نصف ميراثه منهما كما لكل واحدة منهما نصف ميراثهما منه لو مات بعد انقضاء العدة وليس بصحيح؛ لأن في موته تحقق ثبوت إرث إحداهما له يقسم بينهما بين أيمانهما على حكم التداعي وإرث الزوج مشكوك فيه بالنسبة لنفس كل واحدة منهما.

ص: 240

وفيهما: ومن قال إحدى نسائي طالق أو حنت بذلك في يمين، فإن نوى واحدة طلقت فقط وصدق في الفتيا والقضاء، وإن لم ينوها طلقن كلهن بغير ائتناف طلاق. الصقلى عن محمد: هذا قول المصريين وروايتهم، وقال المدنيون: ورووا يختار واحدة للطلاق كالعتق كذلك، والأول أحب إلى ; لأن العتق يتبعض ويجمع في أحدهم في السهم بخلاف الطلاق، وفرق ابن هشام بأن الطلاق فرع أصل لا يقبل الخيار وهو النكاح، والعتق فرع أصل يقبله وهو الشراء، ومثله سمع اصبغ ابن القاسم،

ابن رشد: وهو المشهور ورواية المدنيين شذوذ، والقياس أن العتق كالطلاق وتفرقة مالك استحسان.

وفيها: إن جحد فشهد عليه كان كمن لا نيًة له.

قُلتُ: يرد تخريج قبول قوله في النيًة بعد جحده من قول ابن القاسم في لعانها وإن أقامت المرأة بينة أن الزوج قذفها، وهو ينكر حد إلا أن يدعي رؤية فيلتعن وقبل منه بعد جحوده لدفع الحد بالشبهة، وتخريجها على قبول قول المودع ينكر الوديعة فتقوم عليها بينة أنها تلفت يرد بأن حفظ الفروج أكد من الأموال.

ولابن رُشد فى رسم الشجرة من سماع ابن القاسم في الشهادة

قيل: تقبل منه نيته في يمينه بالطلاق بعد إنكاره، وهو قول مالك في كتاب التخيير في رسم كتب من سماع ابن القاسم، وفي رسم الطلاق من سماع أشهب، ورسم الكبش من سماع يحيى منه، ومن كتاب الأيمان بالطلاق في عتقها الأول زيادة، ولو قال أحد عبدي حر، ولم ينو واحدًا بعينه فهو مخير في عتق أحدهما، وقال ابن بشير في تخييره في التق والطلاق: ثالثها: فيه، وفي المستصفى إثر المسألة السالفة: لو قال إحدى زوجتي طالق احتمل أن يقال حرمتها معًا، فإنه لا يشترط تعيين المحل للطلاق ثم عليه التعيين، وإليه ذهب أكثر الفقهاء والمصير إلى أن إحداهما محرمة والأخرى منكوحة كما توهموه في اختلاط منكوحة بأجنبية فلا ينقدح هنا; لأنه جهل من الآدمى عرض بعد التعيين، وهو هنا ليس متعينا في نفسه والله علمه مطلقًا لإحداهما لا بعينها، فإن قيل إذا وجب عليه التعيين فالله أعلم ما يعينه فتكون المحرمة المطلقة بعينها في علم

ص: 241

الله، وإنما هو مشكل علينا.

قُلتُ: الله تعالى يعلم الأشياء على ما هي عليه، ولا يعلم الطلاق الذي لم يعين محله متعينًا; بل يعلمه قابلا للتعيين، ويعلم أنه سيعين زينب مثلا فيتعين الطلاق بتعيينه وإذا عين لا قبله.

اللخمي: اختلف في يمينه هل يحلف انه نواها، ولا أرى أن يحلف أن نسق قوله وإن لم يكن نسقا، وكانت منازعته معها، فإن قال نويت الشابة أو الحسناء منهما أو من يعلم ميله لها لم يحلف، ويحلف في عكسها غلا أن تكون المنازعة معها فلا يحلف، وإن لم تكن عليه بينة لم يحلف على حال.

وسمع عيسى رواية ابن القاسم من قال: امرأته طالق التبة أو غلامه حر إن لم يفعل كذا فمات، ولم يفعله ترقه امرأته، ويعتق الغلام في ثلثه.

ابن رُشد: لأن الحالف على حنث لا يحنث إلا بموته فيعتق العبد في ثلثه على حكم العتق بعد الموت احتياطا للعتق لئلا يسترق بالشط وترثه زوجته; لأن الطلاق لا يصح بعد الموت، ولأنه لو حنث في حياته خير بين العتق والطلاق كما سمع يحيى، ولو قال قائل تنزل ورثته بعد موته فى التخيير منزلته فلا يعتق العبد في الثلث إلا برضاهم لكان له وجه; لأن الأصل براءة الذمة والعتق لا يكون إلا بيقين.

قُلتُ: هذا وهم؛ لأن تخييره هو إيقاعه الطلاق بدل العتق وهذا بعد موته ممتنع، والأصل في الفقه والبرهات أن انتفاء أحد الأمرين المخير فيهما يوجب تعيين الأخر كتعذر العتق والكسوة في الكفارة يوجب الإطعام، ومن ثم كان انتفاء إحدى جزئي الحقيقة المنفصلة ينتج ثبوت الأخر وسماع يحيى ابن القاسم هو من قال امرأته طالق أو عبده حر إن

فعل كذا فحنث فهو مخير في طلاقها وفي عتقه.

ابن رُشْد: لأن أو في الماضي للشك، وفي المستقبل للتخيير.

قُلتُ: لم يحك فيه خلافا، ومثله نقل الشيخ في نوادره عن الموازيًة وعن أصْبَغ في الواضحة، ثم قال: ومن كتاب ابن سَحنون عنه: من قال لامرأتيه: أنت طالق أو أنت طالق طلقت الأولى وحلفت في الثانية، ولو قال: أنت طالق أو أنت حر لعبده طلقت عليه المرأة وحلف في العبد أنه ما أراد عتقه إن نكل عتق عليه، ومن له أربع نسوة قال:

ص: 242

لواحدة أنت طالق، ثم للثانية لا أنت، ثم للثالثة أو أنت، ثم للرابعة؛ بل أنت نسقا، طلقت الأولى والرابعة لا الثانية ويحلف في الثالثة، وقال بعض أصحابنا: تطلق الأخيرة ولا شئ في الثانية وخير في الأولى والثالثة يطلق إحداهما فأنكره سَحنون.

قُلتُ: هما بناء على ما مر في أنت طالق أو أنت هل يلزم طلاق الأولى ويحلف في الثانية، أو يخير فيهما؟

قال الشيخ: ولو قال لواحدة أنت طالق ثم للأخرى؛ بل أنت طلقتا معًا، ولو قال لا أنت طلقت الأولى فقط، ولو قال للثانية؛ بل أنت وللثالثة أو أنت ففي قول سَحنون تطلق الأولى والثانية ويحلف في الثالثة، وفي القول الآخر الثانية طالق وخير في الأولى والثالثة وما أنكره سَحنون هو قول أَصْبغ في الموازيًة والواضحة.

قال ابن حبيب عنه: إن قال أنت طالق ولأخرى لا أنت، فإن أراد لا؛ بل أنت طلقتا معَا، وإن أراد لست أنت لم تطلق الثانية.

قُلتُ: فإن لم تكن له نيًة فظاهر ما مر لسَحنون أنه محمول على الثاني، وهو الجاري على ما أصلوه في مسألة التعارض؛ لأن اللازم على الثاني التأكيد؛ لأن المعنى حينئذ صرف الطلاق عن الثانية، وكان عنها مصروفا بالأصل،

واللازم على الأول النسخ؛ لأن المعنى حينئذ رد النفي لطلاق الأولى وقد وقع.

قال الشيخ: ولو قال للأولى أنت طالق، وللثانية لا أنت، وللثالثة؛ بل أنت، وللرابعة أو أنت لم تطلق الثانية على منعني ما ذكرنا، وتطلق الثالثة بكل حال ويخير في الأولى والرابعة يطلق من شاء منهما وكأنه لم يقل ذلك إلا لهما.

قُلتُ/ قوله يطلق أربعين لطلاقه السابق إحداهما لا يقول لها أنت طالق إذا قد تكون هي المطلقة بما سبق فيلزمه بهذا طلقة أخرى، وقد يتزوجها فيبني على أن الباقي له فيها طلقتان وليس كذلك.

اللخمي: من قال أنت طالق أو أنت، خير في طلاق أيهما شاء، ولو قال أو أنت بنية أحدثها بعد تمام قوله أنت طالق طلقت عليه الأولى، إذ لا يصح رفع طلاقها بعد وقوعه، ولا تطلق الثانية؛ لأنه جعل طلاقها على خيار، ولا يختار طلاقها لما طلقت الأولى، ولو قال أنت طالق وللثانية أو أنت ثم التفت إلى الثالثة فقال أو أنت، فإن طلق

ص: 243

أحد الطرفين خير في الأخر والوسطى، وإن طلقها ثبت الطرفان، وإن أمسكها طلقا، وإن قال أنت طالق أو أنت؛ بل أنت، فإن أراد ببل الإضراب عن الثانية إلى الثالثة، أي الخيار بينك وبين الأولى بقيت الثانية وطلقت الأولى وخير في الثالثة، وإن أراد حصر الخيار بين الثانية والثالثة بقيت الأولى وطلقت الثانية وخير في الثالثة، ولو قال أنت طالق؛ بل أنت أو أنت طلقت الأولى وخير في عيرها، وفي أنت طالق لا أنت؛ بل أنت طلقت الأولى والأخيرة إلا ان يردي رفعه عن الأولى وإثباته للثانية فيطلقن ثلاثتهن.

عليها ومن لم يدر بما حلف؛ بطلاق أو عتق أو مشي أو صدقة فليطلق نساءه وليعتق رقيقه وليتصدق بثلث ماله وليمش إلى مكة يؤمر بذلك دون قضاء، وللشيخ في الواضحة عن أَصْبَغ: من أيقن بالحنث ولم يدر أحلف بطلاق او عتق أو ظهار أو مشي أو بالله فليلزم هذه الأيمان كلها بالفتيا والقضاء إلا ما لا يشك انه لا يجرى على لسانه منها فلا يلزمه، وما كان يجري على لسانه يلزمه بالشك.

قال اللخمى بعد نقله هذا: قول أَصْبَغ يجبر على الصدقة والمشي خلاف معروف المذهب؛ لأنه في الصدقة على غير معين، وهو في المشي أبين إن لا يجبر؛ لأنه حق الله لا لآدمي كقوله إن كلمت فلانا فعلي صلاة أو صوم فإنه لا يجبر.

قُلتُ: ليس في قول أصْبَغ في النوادر: ولا في نقل اللخمى ذكر الصدقة، ولا لفظ الجبر إنما فيه لفظ اللزوم، وكون اللزوم لا يستلزم الجبر بذاته واضح، وقول ابن بشير إثر نقله تعقب اللخمى قول أَصْبَع ولعل أَصْبَع أراد بالجبر أنه جيب ذلك عليه لا أنه يلزمه تورعا، اتكالٌ منه على صحة نقل اللخمي عنه لفظ الجبر، وهو لم ينقله عنه إنما نقل عنه لفظ اللزوم.

وفيها مع سماع عيسى: شك الموسوس في طلاقه أنه طلق لغو.

ابن رُشْد: اتفاقًا.

وسمع عيسى ابن القاسم: من قال لرجل يميني على يمينك لا شئ عليه.

ابن رُشْد: إن قال ظننت أنه لا يحلف غلا بالله لسماع ابن القاسم ذلك، ونقله ابن حبيب وزاد: ويحلف وإن صمت لزمه، وسمع أبو زيد ابن القاسم شرط لزومه أن يكون للحالف زوجة وفي العتق عبد، وسمع عيسى ابن القاسم من أجاب من قال له

ص: 244

أطلقت امرأتك بنعم كما طلقت أنت امرأتك، وقد طلق السائل فقال المسئول لم أعلم بطلاقه، إن لم يعلمه ولم يرد هو طلاقا حلف ذلك ولا شيء عليه.

ابن رُشْد: إن شهد عليه وقيم عليه لم يصدق إلا بما يدل على صدقه بقياس من شاهد حال أو مقال.

وسمع ابن الفاسم في العدة: من شهد عليه انه طلق امرأته البتة، وقد ماتت لا يرثها، وإن مات دونها ورثته،

قال سَحنون: معناه أن الشهود كانوا قياما معه فلم يقوموا عليه حتى مات،

ابن رُشْد: قول سَحنون ليس بصحيح إذ لو كانوا قياما معه فلم يقوموا حتى مات لوجب أن يرث كل منهما صاحبه لبطلان شهادتهم بترك قيامهم، ووهم سَحنون في تفسير قول مالك؛ لقول يحيى بن سعيد في الأيمان بالطلاق منها في شهود شهدوا على رجل بعد موته أنه طلق امرأته لا تجوز شهادتهم إن كانوا حضورا وترثه امرأته، وكذا كان يقول يحيى لو ماتت هي أنه يرثها، فإنما معنى مسألة مالك أن الشهود كانوا غيبًا ولذا وقع له في رسم "حمل صبيا" من سماع عيسى من الأيمان بالطلاق أن الشهود كانوا غيبًا فمالك أحق بتبيين ما أراد، ووجه تفرقته بين ميراثه منها وميراثها منه أنه إن كان الميت فهو لم يعذر له فى الشهود، ولعله لو أعذر له فيهم لأبطل شهادتهم فرأى لها الميراث منها، وقال محمد بن المواز: أنما ورثته ولم يرثها؛ لأنه كالمطلق في المرض؛ لأن الطلاق وقع يوم الحكم؛ ولو لم يقع يوم الحكم كان فيه الحد.

قال التونسي: فيه نظر؛ لأن الحاكم إنما ينفذ شهادة البينة، وهي تقول أن الطلاق وقع قبل الموت وإنما درئ الحد بالشبهة إما لنسيانه أو لإمكان كونه صادقا في إنكار الشهادة، ولو كان الطلاق وقع بعد الموت لورثها هو أيضًا، والقياس أن لا ترثه كما لا يرثها؛ لأن الإعذار يجب لهما معا وهو قول سَحنون.

وتقييد إقراره نسقا بما يلغيه في قبوله اختلاف لو قال طلقتك وأنا صبي أو قبل أن أتزوجك أو في منامى أو قبل أن اولد، في تصديقه ولزوم طلاقه قول ابن القاسم فيها في

ص: 245

الأولين مع قوله في كتاب ابن سَحنون في الجميع وقول سَحنون، وثالثها: للخمي عن الموازيًة يصدق بيمينه، ولو قال: وأنا مجنون فثالثها: إن علم أنه كان به جنون للشيخ عن محمد وسَحنون، ولها مع ابن القاسم في الموازيًة وعزا اللخمي الأول والثاني لأصلي وأشهب وابن القاسم فيمن أقر بوطء بنكاح لا يعلم إلا بدعواه نسقا بإقراره ونحوه.

قال: وقول أشهب أحسن،

***

تامة: متعلقها واحد واضح فلو شهد رجلان بطلاقه واحدة معينة من نسائه ثم نسيا عينها ففي لغوها ويحلف أو دون يمين، ثالثها: تثبت في إحداهن مبهمة لنصها، واللخمي عن محمد وقول ابن رُشْد في رسم سلف من سماع عيسى في الوصايا أجاز الشهادة، وإن عمي على الشهود الفرس الذي عينه الموصي للموصى له وشكوا فيه،

فقيل: هو على ما في الأسدية من الأيمان بالطلاق، ومن المدَوًنة فيمن طلق إحدى امرأتيه وشك الشهود في المطلقة منها هل التي دخل بها أم لا؟ وعلى قول ابن وَهْب خلاف مشهور قول ابن القاسم.

اللخمي: أرى أن يحال بينه وبينهن ويسجن حتى يقر بالمطلقة لقطع البينة بحرمة إحداهن.

قُلتُ: مقتضى مشهور المذهب على قبول هذه البينة طلاق جميعهن، كمن شهد عليه أنه طلق إحدى امرأتيه، وهو ينكر تقدم أنه كمن لا نيًة له، وإن كان متعلق الشهادتين عن موطنين ففيه اختلاف.

سمع عيسى ابن القاسم: من شهد على رجل أنه صالح امرأته وآخر بطلقة في شوال؛ لأن شهادة هذين على الطلاق بعينه وشهادة الآخرين في أمرين مختلفين كشهادة أحدهما عليه أنه حلف بالطلاق إن دخل وآخر إن كلم فدخل وكلم شهادتهما باطلة.

أّصْبَغ عن ابن القاسم: وكذلك شهادة أحدهما بالبتة والآخر بأنه صالحها،

ابن رُشْد: هذه وشبهها من الشهادة على الأقوال أربعة أقسام إن اختلف اللفظ واتفق المعنى لفقت اتفاقًا، وإن اختلف اللفظ والمعنى وما يوجبه الحكم لم تلفق اتفاقًا، وإن اتفق اللفظ والمعنى واختلفت الأيام والمجالس فالمشهور تلفق، وقبل: لا تلفق، وإن

ص: 246

اختلف اللفظ والمعنى ويتفق ما يوجبه الحكم فالمشهور لا تلفق، وقيل: تلفق وهو قول ابن الماجِشُون وأَصْبَغ، فقوله:

(لا تلفق الشهادة بالصلح إلى الشهادة بطلقة واحدة) صحيح لا اختلاف فيه؛ لأنه من القسم الثاني وحكمه أنه يحلف على تكذيب كل منهما، إن نكل حبس حتى يحلف، وقيل: تطلق عليه طلقة بائنة على اختلاف مالك فيها،

قُلتُ: وفيها بلغنى عن مالك إن طال سجنه دين وخلي.

قال: وقوله ليس هذا كمن شهد عليه انه طلق في رمضان وآخر أنه طلق في شوال؛ يريد: على المشهور، وقيل: لا هو قول ربيعة في الأيمان بالطلاق منها ويقوم من قول ابن القاسم في رسم حمل من سماع عيسى بعد هذا من شهد عليه شاهدان أنه قال امرأته طالق إن دخل دار عمرو بن العاص، وشهد عليه آخران أنه قال ذلك من الغد ثم آخران بذلك بعد الغد إن دخلها لزمه ثلاث تطليقات ولا ينوى، وقوله:(وشهادة الآخرين ي أمرين مختلفين .... إلخ)

يريد: على المشهور، وقول أَصْبَغ عنه لو شهد شاهد عليه بالتبة وآخر بأنه صالحها لم تحز شهادتهما، يريد على المشهور؛ لأنه مما اتفق فيه ما يوجبه الحكم، ويحلف على رواية أَصْبَغ أنه ما صالحها وأنه ما طلقها،

اللخمى: اختلف في ضم الشهادتين عن موطنين، فقيل تضمان مطلقَا، وقيل: لا، وقيل: إن كانتا على قول لا على فعل، وقيل: تضمان وإن كانتا على فعل، وإن كان أحداهما على فعل والآخر على قول لم يضما، وأرى أن يضما في الطلاق إن شهد كل واحد بالثلاث أو كل واحد بطلقة وكانت آخر الثلاث، وإن لم يتقدم له فيها طلاق لم تضما وحلفا على تكذيب كل واحد منهما؛ لأن الشهادة بالثلاث أو بآخرها شهادة بمعين وبغيرهما شهادة بغير معين إذا قال الأول أوقع عليها أمس طلقة، وقال الآخر أوقع عليها اليوم طلقة وقعت على قولهما طلقتان، ولا يصح جمع الطلقتين في طلقة واحدة وقد يكون بين الطلقتين ما تنقضي فيه العدة، فعلى شهادة الأول لا تقع الثانية، وإذا كان الحكم لو سمع كل طلقة شاهدان أن تقع عليه طلقتان لم يصح إن انفرد كل شاهد بطلقة أن تجعلا واحدة، وإن شهد واحد بطلقة وآخر بثلاث ضمتا وقضى بواحدة وحلف على الباقي.

ص: 247

قُلتُ: الضم في انفراد كل واحد بطلقة أبين منه في هذه؛ لأن الشيء وحده ليس كهو مع غيره.

قال: وفي كون البتة كذلك أو لا تضم؛ لأنها لا تتبعض قولان، ولو شهد واحد بحلفه لأدخل كذا وانه دخله وآخر بأنه لا كلم فلانا وأنه كلمه لم تضما، واختلف في يمينه فقيل يحلف؛ لأن هذا لطخ، وقيل: لا إلا أن يثبت شاهدات على اليمين وواحد على الدخول أو العكس، وتقدم الخلاف في حلف من شهد عليه بإقراره بوطء امته رجل

"وعلى ولادتها امرأة".

قُلتُ: إن كان القول بترك تحليفه في الأولى نصا فواضح، ويلزم مثله في كل شاهد بطلاق، وتخريجه من الثانية يرد بأن بينتها لا تتم إلا بشهادة اثنين رجل وامرأة، وبينة الأولى تتم بشهادة واحد مثل الأولى، وما توقف ثبوته على أقل أقرب مما يتوقف ثبوته على أكثر،

وفيها لابن شهاب: عن شهد ثلاثة مفترقون أحدهم بطلقة وآخر باثنتين وآخر بثلاث لزمته طلقتان،

اللخمي: هذا يصح في بعض وجوه الشك عن علمت التواريخ فكان الثاني في ثاني يوم الأول، والثالث في ثالثهما لزمت الطلقتان واحدة بضم الأولى للثانية في واحدة وثانية بضم باقي شهادة الثاني لشهادة الثالث في وحدة، وكذا إن شهد الأول باثنتين والثاني بواحدة والثالث بثلاث ويحلف على باقي شهادة للآخر، وفي عكس الأولى يلزمه الثلاث؛ لأن شهادة الثاني إذا ضمت إلى شهادة الأول لزمه طلقتان قبل أن يسمعه الثالث يوقع الأخرى، فلما سمعه ضمت شهادته إلى الباقي من شهادة الأول فتمت الثلاث، وكذا إن شهد الأول بثلاث والثاني بواحدة والآخر باثنتين لزمه ثلاث، بضم الأولى للثانية تلزمه طلقة ويبقى من الأولى طلقتان؛ لما سمعه الثالث طلقها اثنتان ضمت لباقي الأولى فلزمته أخرى فتمت الثلاث.

قُلتُ: كذا وجدته في نسختين إحداهما عتيقة صحيحة، وصوابه فلزمته طلقتان.

قال: وكذا لو شهد الأول بطلقتين والثاني بثلاث والآخر بواحدة لزمته الثلاث؛ لما سمعه الثاني لزمته طلقتان قبل أن يسمعه الثالث، وبقى من شهادة الأوسط طلقة

ص: 248

أضيفت لشهادة الآخر بطلقة، ويختلف إن عدمت التواريخ هل تلزمه ثلاث أو طلقتان؛ لأن الزائد عليهما من الطلاق بالشك، وسئل ابن رُشْد عن قول ابن شهاب فيها من شهد عليه شاهد بثلاث وآخر باثنتين وآخر بواحدة.

قيل له: وفي نسخة أخرى واحد بواحدة وآخر باثنتين وآخر بثلاث لزمه طلقتان، فأجاب لا أثر لاختلاف النسخ فيها يوجب الحكم من تلفيق البينة على القول به، والجب على القول به لزوم الطلقتين وهو قول ابن القاسم وروايته خلاف ما لهما في غيرها، سواء أرخ كل واحد شهادته أو لم يؤرخ اختلفوا في التاريخ أو اتفقوا عليه لا أثر للتاريخ فيها يجب من تلفيق الشهادة إذ لو قبل شهادة الواحد بانفراده في تعيين اليوم لوجب قبول شهادته وحده في الطلاق الذي شهد به فلا يعاد بالتواريخ إذ لا أثر لها ألا ترى أن العدة لا تكون في ذلك إلا من يوم الحكم، وإن أرخ كل واحد منهم شهادته، ولو اجتمع شاهدان على تاريخ واحد كانت العدى منه، وما فصله اللخمي من الفرق بين كون تاريخ الشاهد بالثلاث متأخرًا عن تاريخ شهادة الشاهدين أو متقدمًا عليهما أو على أحدهما ليس له وجه يصح، وكذا وقوله يختلف إن عدمت التواريخ هل تلزمه طلقتان أو ثلاث؛ لأن الزائد على الشك من باب قي الطلاق غلط ظاهر إذ لا خلاف أن الحاكم لا يحكم على المنكر بالشك، إنما الخلاف هل يحكم عليه بالشك إذا أقر به على نفسه،

قُلتُ: قول ابن رُشْد: لو وجب قبول شهادة الشاهد بواحدة في تعيين يومها لوجب قبول شهادته فيما انفرد به من الطلاق .... إلخ،

يرد بأن الملازمة المذكورة إنما تدل على عدم اعتبار زمن الطلقة في كونه قيدا فيها، وهذا لا يخالف فيه اللخمي إذ لو اعتبر ذلك لأبطل الضم مطلقًا لاختلاف متعلق الشهادتين كشهادة أحدهما بثوب معين آخر بمثله، وإنما اعتبر اللخمي التاريخ من حيث كونه موصلا لأحد الطلاقين مخيرًا به عن طلاق آخر إخبارًا يقصد به كمال الطلاق بشهادة رجلين، وكذا لزمه في الثلاثة التي أولها الشاهد بواحدة وآخرها الشاهد بالثلاث طلقتين، وفئ عكسه ثلاثا وهو فقه حسن، وصور تقدم بعضها على بعض ست ضابطها على مأخد اللخمي، وهو كون الطلاق مخيرًا به كما مر أنه كلما تأخرت بينة

ص: 249