الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيمن طلق ثم ارتجع فلم تعلم برجعته حتى تزوجت، وفي ذلك قولان ومثله لابن الحاجب، وفي قولهما فسخ إجمال لاحتمال كونه مطلقًا أو ما لم يبن بها الثاني، وظاهر الرواية في المملكة فسخه مطلقًا، وفي تقسيمهما حال المملكة إلى كونها عالمة أو غير عالمة نظر؛ لأن نص الرواية أنه أقام بينة أنه قدم إليها وإنه كان ينفق، وقدومه عليها ونفقته عليها ملزومان لعلمها ذلك، ومثل تقسميهما حال المملكة للعلم وعدمه قول ابن عبد السلام إثر ذكره المسألتين، وإنما يكون علم المرأة معتبرًا في فسخ النكاح إذا قيد إقرارها بالشهادة قبل نكاح الثاني، وإلا لم يلتفت إليه؛ لأنه تتهم على فسخ نكاح الثاني، وتقدم حكم من عتقت تحت عبد غائب وتزوجت ثم ثبت قبل عتقها والخيار بالسنة أقوى من خيار الاقتراف.
وفيها: إن قال لها إذا قدم فلان فاختار فذلك لها إذا قدم ولا يحال بينه وبين وطئها، فإن وطئها بعد قدوم فلان، ولم تعلم المرأة بقدومه فلها أن تختار حين تعلم، وإن ثبت لها خيار في نفسها فأعطاها مالا على أن تختاره ففعلت لزمه، وفي سماع أَصْبَغ في النكاح قال أشهب: من شرط لامرأته إن تزوج عليها فأمرها بيدها فتزوج عليها، وهي لا تعلم وماتت المرأة التي تزوج عليها أو طلقها ثم علمت فلها الخيار.
ابن رُشْد: لأنه وجب لها بتزويجه فلا يسقطه موت ولا طلاق، ولو تزوجها على أن أمر كل من يتزوج عليها بيدها فتزوج عليها، ولم تعلم حتى طلقها طلاقا بائنًا ففي بقاء ما كان بيدها وسقوطه قولا أَصْبَغ مع سماعه ابن القاسم وسَحنون مع ابن الماجِشُون.
[باب في الرجعة]
الرجعة: رفع الزوج أو الحاكم حرمة المتعة بالزوجة لطلاقها، فتخرج المراجعة، وعلى رأي رفع إيجاب الطلاق حرمة المتعة بالزوجة بانقضاء عدتها، وقول ابن
الحاجب «رد المتعة عن طلاق قاصرٍ عن الغاية ابتداءً غير خلع بعد دخولٍ ووطء جائز قبلوه، ويبطل طرده بتزويج من صح رجعتها بعد انقضاء عدتها؛ لأن الاسم المشتق محكوم عليه لا به.
وشرطها ثبوت بنائه بها، ومثبته ما تقدم في الإحلال، وفي شرط الوطء بجوازه قولا المشهور وتخريج اللخمي على قول ابن الماجِشُون وطء الحائض يحل. قال: والوطء في الصوم التطوع والاعتكاف غير منذور معتبر لبطلانها بأول الملاقات والإمساك بعدها لا يجب وذكره قبل هذا في بعض فصول أول باب من إرخاء الستور عنه نصًا، ولمن طلق عليه لعسر نفقة أو عيب الرجعة إن أيسر في العدة، أو ذهب عيبه، وإلا فلا إن لم ترض، ويختلف إن رضيت فيهما أو في الإيلاء بعدم إصابته، ففي صحة رجعته قولا ابن القاسم مع الأخوين في الإيلاء وسَحنون فيه وفي المعسر.
وفيها: إن طلقها قبل أن يعلم له بها خلوة ثم أراد ارتجاعها وادعى الوطء وأكذبته فلا عدة عليها ولا رجعة له.
أشهب: ولو أقام بينة على إقراره قبل الفراق فوطئها لم ينتفع بذلك، ولا رجعة له وإن صدقته إذ ليس ببناء معلوم ولتعد إن صدقته ولها عليه السكنى والنفقة، وإن أكذبته في شيء من الثلاثة، وإن أقاما بينة على إقرارهما بذلك قبل الطلاق لم يصدقا وعليها العدة وعليه النفقة والكسوة ولا رجعة له.
ولأشهب في أمهات الأولاد: من طلق قبل البناء فلا رجعة له فإن ظهر بالزوجة حمل فادعاه لحق به وجازت له الرجعة.
فإن قلت: ظاهر قولها مع غيرها أنه إن كان طلاقه قبل أن يعلم له به خلوة أنه لا رجعة له، ولا يقبل قوله في ذلك، وهو نص اللخمي عن المذهب، ونصوص الموثقين مقتضية قبول قوله.
قال المتيطي وغيره: إذا أشهد الزوج بالرجعة وأراد أن يعقد بذلك عقدا كتبت ارتجع فلان زوجه فلانة بعد طلقة كان طلقها بعد بنائه بها منذ عشرين يومًا بما وجب له من رجعتها إلى آخره، ومثل عمل أهل الزمان.
قُلتُ: محمل ما ذكره المتيطي وغيره فيمن صدر منه طلاقه مقيدًا بكونه بعد البناء، ومحمل ما في المدَوَّنة وغيرها فيمن صدر منه الطلاق غير مقيد بكونه بعد البناء.
قُلتُ: إن خلا بها وأمكن منها في بيت أهلها غير دخول البناء وادعى الوطء وأكذبته فعليها العدة ولا رجعة له.
اللخمي: تثبت الرجعة بالخلوة وتصادقهما على الإصابة، ولو كانت خلوة زيارة، واختلف إن أكذبته بدعوى الإصابة فروى ابن عبد الحَكم لا رجعة، وقال محمد: حيث يقبل قولها في الصداق ويقبل في ثبوت الرجعة والعدة ودفع الصداق، وظاهر قول ابن القاسم تصح في خلوة البناء لا الزيارة.
وتثبت في الفاسد الذي يفوت بالبناء، والمعتدة إن ادعت انقضاء عدتها بوضع أو سقط صدقت.
فيها: إن قالت أسقطت فذلك لا يخفى عن جيرانها، والشأن تصديقها بغير يمين
وإن بعد يوم طلاقها أو أقل، ولا أنظر إلى الجيران لأنهن مأمونات على فروجهن، ولو رجعت فقالت كنت كاذبة لم تصدق وبانت بأول قولها، والسقط ما تكون به الأمة أو ولد في استبرائها إن ألقت مضغة أو دمًا أو شيئًا يستيقن النساء أنه ولد فاستبراؤها ينقضي به كما تنقضي بذلك عدة الحرة وتكون الأمة به أم ولد، وقال أشهب: الدم المجتمع لغو، وعكس عياض العزو فعزا لابن القاسم قول أشهب وله قول ابن القاسم والمعتبر الدم المجتمع ما لا يتفرق بجعله في ماء سخن. قاله بعضهم وهو حسن.
وفيها: وإن ادعت الأمة أنها أسقطت فالسقط لا يخفى دمه وينظر إليها النساء إن كان بها ما يعلم أنها أسقطت.
فُلتُ: هذا في الأمة في الاستبراء، وفي كونها كذلك في العدة أو كالحرة نظر، وفي أمهات الأولاد قال مالك في المطلقة: تدعي أنها أسقطت ولا يعلم ذلك إلا بقولها لا يكاد يخفى عن الجيران السقط والولادة، وأنها لوجوه تصدق النساء فيها وهو الشأن، ولكن لا يكاد يخفى عن الجيران.
اللخمي: إن ادعت انقضاءها في مدة تنقضي فيها الأقراء الثلاثة في غالب النساء صدقت، ولا رجعة لزوجها وحلت لغيره في مدة لا تنقضي فيها بحال لم تصدق، وفي مدة تنقضي فيها نادرا اختلف في تصديقها، ففيها لمالك إن ادعته لشهر سئل النساء، فإن قلن ذلك صدقت، وروى محمد لا تصدق في شهر، وقال أيضًا: ولا في شهر ونصف، ورأى أن تسأل المرأة، فإن قالت: طلقت آخر الطهر قرب قبول قولها، وتسأل إن ادعت النادر من عادة النساء، فإن قالت كانت عادتها على المعتاد، وانتقلت بعد الطلاق للنادر لم تصدق، وإن قالت كانت عادتي قبله على النادر وصدقها الزوج صدقت، وإن أكذبها لم تصدق.
قُلتُ: في أقل ما يقبل فيه قولها أحد عشر قولا.
الشيخ عن الموازيَّة: قيل تصدق في شهر وليس بشئ، وروى ابن وَهْب: إن صدقها النساء فيه حلت، وروى أشهب: لا تصدق أربعين يومًا إلا أن يكون عند النساء معروفًا، وروى ابن وَهْب أن أبان بن عثمان صدقها في خمس وأربعين ليلة وحلفها.
أشهب: لا تحلف إن حاض النساء في مثل ذلك ثلاث حيض، وفيها لسَحنون وليس العمل على أن تحلف.
الشيخ: وروى محمد لا تصدق في شهر ونصف، وروى المتيطي تصدق في خمسة وأربعين يومًا، وقال عبد الملك أقله خمسون يومًا.
ابن العربي: قلت: الأديان في الذكران فكيف بالنسوان فلا تمكن المطلقة من التزويج إلا بعد ثلاثة أشهر من يوم الطلاق، ولا تسأل هل كان الطلاق أول الطهر أو آخره، وتقدم اللخمي أنها تسأل عن ذلك، ونحوه نقل الشيخ عن أشهب تصدق في الحيضة للأولى، ولو قالت: حضتها يوم طلقني وينظر في الحيضتين وطهرها كم قدر ذلك فتصدق في مثله.
قُلتُ: على قول ابن الماجِشُون أن أقل الطهر خمسة أيام وأقل الحيض خمسة أيام تنقضي عدتها في خمسة وعشرين يومًا غير يوم طلاقها، وعلى تصديقها في الأقل في حلفها، وثالثها: إن صدقها النساء لم تحلف لظاهر متقدم قول ابن وَهْب وسَحنون وأشهب، وخرج بعضهم وهو ابن رُشْد فيما أظن تحليفها على توجه يمين التهمة. قال: فإن نكلت لم يحلف الزوج على الصحيح من القول ومنعت التزويج لمضي المعتاد في إنقضاء العدد.
وفيها: إن قالت في قدر ما تحيض فيه ثلاث حيض دخلت في دم الحيضة الثالثة، ثم قالت: مكانها أنها كاذبة، وما دخلت في دم الحيضة الثالثة، ونظر النساء إليها فوجدنها غير حائض، ولم ينظر إلى نظر النساء إليها وبانت حين قالت ذلك إن كان في مقدرا ما تحيض له النساء.
ابن الحاجب: ولا يفيد تكذيبها نفسها، ولا أنها رأت أول الدم وانقطع ولا رؤية النساء لها في وضع ولا حيض.
ابن عبد السلام: في هذا الوجه عندي نظر، وقد اضطرب المذهب هل تخرج المعتدة بنفس دخولها في الدم الثالث تمادى بها أو لا؟ والأكثرون على شروط التمادي، وإن كان مذهبهم أن الأصل تمادية إلا أنه إذا تحقق انقطاعه بعد ساعة من ظهوره لم يعتبر في عدة ولا استبراء، فعلى هذا إذا قالت: انقضت عدتي عندما رأته بناء منها على
أنه يتمادى ثم انقطع فأخبرت بانقطاعه، وينبعي أن يقبل قولها، وكما هي مؤتمنة على وجوده أولا فهي مؤتمنة على تماديه وانقطاعه.
قُلتُ: من نظر وأنصف علم أنه قبل نقل ابن الحاجب أن المذهب إذا قالت رأيت أول الدم وانقطع أنه لا يقبل قولها، وأنه اختار من عند نفسه قبول قولها، وليس المذهب كما زعماه؛ لأنها إذا قالت: رأيت أول دم الحيضة الثالثة، ثم قالت: قد انقطع أنه لا يقبل قولها؛ بل المذهب كله في هذه الصورة على قبول قولها أنه لم يتمادى، وإنما الخلاف حسبما يأتي إن شاء الله في لغو انقطاعه واعتباره، وهو نصها ونص العتبيَّة كما نذكره إن شاء الله، وإنما القول قولها إذا قالت: دخلت في دم الحيضة الثالثة، ثم قالت أنها كاذبة وما دخلت في دم الحيضة الثالثة حسبما ذكره من لفظ المدَوَّنة ومثله لفظ التهذيب.
وسمع عيسى جواب ابن القاسم في المطلقة، وهي ترضع فيموت زوجها فتدعي أنها لم تحض وتطلب إرثها، وإن كانت لا ترضع فهي مصدقة حتى يأتي عليها سنة، وإن لم تذكره وعليها اليمين إلا إن كانت قالت: حضت ثلاث حيض، والتي ترضع مصدقة حتى تفطم ولدها وبعد فطامه سنة.
ابن رُشْد: معنى قوله في التي ترضع أنها مصدقة حتى يأتي عليها سنة أنها مصدقة أنها لم تحض فيما بينهما وبين سنة مع يمينها ولها الميراث، ولا تصدق إن انقضت السنة فطلبت الميراث وزعمت أن عدتها لم تنقض؛ لأن بها جسما في بطنها تجره حتى تراها النساء ويصدقنها، ومن دليل هذه الرواية والله أعلم.
أخذ ابن العطار قوله: إن المطلقة إذا مرت بها سنة، وزعمت أنها مستبرأة ينظر إليها النساء إن رأين بها ريبة تمادت في سكناها ما بينها وبين خمسة أعوام، وزاد أنها تحلف لم تحض في المدة الماضية، ولا يصح ذلك إنما تحلف فيها دون السنة إذا صدقت دون أن ينظرها النساء، وقوله ذكرت ارتفاع حيضتها في حياة زوجها أو لم تذكره خلاف ما في الموازيَّة لا تصدق ولا إراث لها إلا أن تذكر ذلك في حياته، وكذا لو ادعت قرب انسلاخ السنة أنها لم تستكمل الحيض الثالث صدقت مطلقًا على هذه الرواية مع يمينها، ولا تصدق على ما في الموازيَّة إلا أن تكون ذكرت ذلك قبل وفاته، ولو ادعت
ذلك بعد أربعة أشهر ونحوها لا نبغى أن تصدق دون يمين، وإن ادعته بعد ستة أشهر ونحوها لانبغى أن تصدق مع يمينها وإن لم تذكر ذلك، ولو ادعت بعد موته بأكثر من عام أو عامين أنها لم تستكمل الحيض الثالث لتأخر الحيض عنها لانبغى أن لا تصدق إلا أن تكون ذكرت تلك في حياته قولاً واحدًا، وحكم التي ترضع من بعد الفطام كالتي لا ترضع من يوم الطلاق إذ ارتفاع الحيض مع الرضاع ليس بريبة اتفاقًا.
وفيها: إن أشهد على رجعتها فصمتت، ثم قالت بعد يوم أو أقل انقضت عدتي قبل رجعته لم تصدق وثبتت رجعته.
وسمع عيسى ابن القاسم في النكاح من شرط لامرأته في نكاحه إن قرب أم ولده إلا بإذنها فأمرها بيدها فوطئها دون استئذان امرأته، وهي تعلم ثم غارت وأرادت القيام بشرطها لا قيام لها.
أَصْبَغ: لو شرط كون ذلك برضاها فوطئها، وهي تنظر وزعمت أنها لم ترض فهو حانث، فإن ادعى أنه بإذنها فعليه البينة، فإن لم يأت بها مضى عليه الأمر.
ابن رُشْد: قول أَصْبَغ في الرضا ليس بخلاف لقول ابن القاسم في الإذن؛ لأنه خلاف الرضا لا يعد السكوت رضيً اتفاقًا، قد يسكت الإنسان عن إنكار الفعل وهو لا يرضاه، وفي كون السكوت إذنا أو إقرارا أم لا؛ قولان من ذلك ما في سماع أصْبَغ في المدبر، وسماع عيسى في المديان وفي الدعوى والصلح، وسماع أصْبَغ في جامع البيوع، وقولها في إرخاء الستور فيمن راجع امرأته فسكتت، ثم قالت: كانت انقضت عدتي، فقول ابن القاسم في وطء أم ولده هو على أحد القولين، وأظهرهما أنه غير إذن؛ لأن قوله صلى الله عليه وسلم في البكر:"إذنها صماتها" يدل على أن غيرها بخلافها وأجمعوا عليه في
النكاح، فوجب قياس غيره عليه إلا ما يعلم بالعرف أن أحدا لا يسكت عليه إلا راضيا به، فيتفق فيه أن السكوت عليه إقرار كمن يرى حمل امرأته فيسكت ثم ينكره، وتعقب ابن عبد السلام قول ابن الحاجب: لو أشهد برجعتها فصمتت ثم ادعت أنها كانت انقضت لم تقبل بأنه أخل بها في المدَوَّنة من طول زمن السكوت، يرد بمنع دلالتها على الطول؛ لأن قولها أو أقل يتناول الطول والقصر، قوله مجموع طول السكوت والإشهاد يدل عرفا على تصديقه مع قوله حكى ابن رَشْد فيها قولا ثانيًا خلاف قول ابن رُشْد ما علم عرفا أن أحدا لا يسكت عنه إلا راضيًا هو إقرار اتفاقًا.
******** ولو وافقته إلا بدليل في كونه البينة على أنه كان يخلو بها في العدة ويبيت عندها، وأحدهما قولها، ونقل ابن بشير، ونقل اللخمي عن محمد: يبيت عندها في بيت في كونه ثالثها نظر، ونقل ابن عبد السلام: رأي أشهب: أنه لا يقبل قوله إلا أن يقيم بينة أنه جامعها في العدة؛ يريد: أقام بينة على إقراره بذلك في العدة لا أعرفه، إنما ذكر ابن محرز عنه في الموازيَّة: أنه إن أقام بينة عادلة أنه كان أقر عندهم أنه أغلق بابا وأرخى سترا عليها في عدتها لم يكن رجعة إن ادعاها بعد العدة، وقول ابن عبد السلام مع غيره: ينبغي أن لا يعتبر مجموع الخلو بها، والمبيت عندها إلا على رواية منعه الدخول عليها، والنظر إليها إما على رواية عدم منعه الدخول عليها فلا، إذ اختصاص لذلك المجموع بالرجعة، يرد بأن بعض المجموع الدال على صدقه مبيته معها، وهو أخص من الدخول عليها والأكل معها، ولا يلزم من دلالة الأعم على شيء عدم دلالة الاخص منه عليه.
اللخمي: حيث لا يقبل قوله إن أكذبته الزوجة حلت للأزواج، وإن صدقته لم تحل لغيره وجبر على نفقتها إلا أن يطلق، فإن أنفقها وقامت بالطلاق لعدم الوطء، فمعروف المذهب لا قيام لها؛ لأنه لم يقصد ضررا ولها ذلك على أحد قولي مالك فيمن قطع ذكره بعد البناء، وطلاق المرتجع أبين؛ لأنه يحال بينه وبينها ولمن قطع ذكره المتعة بغير الوطء، وللزوج جبرها على أن يعطيها ربه دينار، ويحضر الولي كما لو كانت أمة، واعترف السيد بأنه كان ارتجعها. قاله محمد عن أشهب.
زاد عبد الحميد عن بعض المذاكرين: إن أبي الوارث عقد له السلطان، وإن أبت لم
تعتبر وعقد له عليها السطان. قال: ولا يتزوج أختها ولا خامسة، وذكر عبد الحق أن أبا عمران ترجح في جبر الزوجة إذا دفع لها ربع دينار.
قُلتُ: مقتضى منعه تزويج أختها أنه لا يقبل رجعوعه عن قول راجعتها، ومقتضى قولهم يجبرها له إذا أعطاها ربع دينار عدم قبول رجوعها عن تصديقه، ونقل عبد الحق عن بعض القرويين قبول رجوعهما عن قولهما كم ادعت أن زوجها طلقها ثلاثا فأكذبها ثم خالعها ثم أرادت مراجعته، وأكذبت نفسها أنه يقبل رجوعهما واختاره، وعن بعضهم لا يقبل رجوعهما.
قُلتُ: وتجري المسألة عندي على قول عتقها الثاني إن شهد رجلان على رجل بعتق عبده فردت شهادتهما، قم ابتاعه أحدهما عتق عليه، وقال أشهب: إن أقام على قوله بعد الشراء، وإن قال كنت كاذبا لم يعتق عليه، وتخريجها على قبول رجوع مدعية الطلاق ثلاثا، يرد بعذرها بإراتها الراحة من عشرته، والمقرة بالرجعة لا عذر لها ولا له.
بعض شيوخ عبد الحق: إن ادعى بعد العدة بينة غائبة على رجعته في العدة، إن قربت البينة منعت المرأة النكاح حتى ينظر في ذلك، وإن بعدت لم تمنع، فإن تزوجت ثم قدنت البينة بذلك فرق بينهما وبين من تزوجها وردت لزوجها، وكذا لو تزوجت وأتت بولد لأقل من ستة أشهر من يوم تزوجها الثاني، ولا يكون الثاني واطئان في عدة؛ لأنها ذات زوج، وقول ابن عبد السلام "في قول ابن الحاجب ردت إلى الأول برجعته؛ يريد: أن دعوى الزوج قبل ذلك الارتجاع يتنزل منزلة إنشاء الارتجاع وفيه نظر؛ لأن الدعوى تحتمل الصدق والكذب والإنشاء لا يحتملهما "يرد بأن هذا اللازم إنما نشأ عن تفسيره قول ابن الحاجب بأنه أراد أن دعوى الزوج قبل ذلك أنه كان ارتجعها يتنزل منزلة إنشائه رجعتها، وما فسره به غير صحيح ولا لازم؛ بل معنى قولهم ردت إليه برجعته أنها ردت إليه لقيام دليل صدق في دعواه أنه كان أنشأ ارتجاعها، لا لأن دعواه إنشاء لارتجاعها، وإنما الإشكال قبل هذا في قولها إن قال لزوجته في العدة كنت راجعتك أمس صدق وإن كذبته؛ لأن ذلك يعد مراجعة الساعة، فجعل الخبر إنشاء.
واعلم أن مدلول الخبر تارة يكون إنشاء كقول من كان طلق أمس طلقت زوجتي بالأمس، وتارة لا يكون إنشاء كقول من قام أمس قمت أمس، وإذا علمت هذا
فالجواب عن الإشكال أن قوله يعد مراجعة الساعة يحتمل أنه لجعله نفس قوله كنت راجعتك إنشاء فيلزم جعل نفس الخبر إنشاء، ويحتمل أنه؛ لأن مدلول خبره هذا إنشاء فلا يلزم جعل نفس الخبر إنشاء فيجب حمله على هذا لصحته دون الأول لبطلانه.
وفيها: إن أقام بعد العدة بينة بأنه أقر فيها بوطئها فهي رجعة إن قال: أردت الرجعة.
وفيها: بعد ذكر حكم امرأة المفقود تتزوج، ثم يقدم واسلك بالتي تعلم بالطلاق ولا تعلم بالرجعة حتى تعتد وتنكح هذا المسلك في فسخ النكاح وجميع أحكامها.
اللخمي: روى محمد: من ارتجع وهو حاضر منع زوجته فلم يعلمها برجعته حتى تزوجت وبنا بها من تزوجها مضت له زوجة والحاضر أعظم ظلمًا، وليس يبين، لو رأى رجل زوجته تتزوج، ولم ينكر عليها لم يكن ذلك طلاقًا، ولو عد طلاقا لاستأنفت العدة من الأول، وفي ثالث نكاحها من طلق امرأته الأمة ثم ارتجعها في سفره قبل انقضاء عدتها وأشهد بذلك، فوطئها سيدها بعد عدتها قبل علمه برجعتها، ثم قدم الزوج فلا رجعة له، إذ وطء السيد بالملك كوطئها بالنكاح، وما يمنع النكاح أو لا يشترط فيه قد لا يكون كذلك في الرجعة، فالمذهب صحتها من المحرم والمرض والعبد دون إذن سيده.
*********
فيها راجعتها وفي ثالث نكاحها وارتجعتها.
ابن شاس: ورجعتهما ورددتهما إلى النكاح، ولفظ الإمساك وكل لفظ يحتمل الارتجاع إذا نواه به كأعدتها ورفعت التحريم.
عبد الحميد: في نكحتك وتزوجتك وكلما صح به ابتداء العقد نظر، يحتمل كونه كذلك لصحة ابتداء العقد به، ويحتمل إلا إذ الرجعة غير ابتداء العقد.
قُلتُ: الأظهر الأول مع إراتها منه.
اللخمي: إن قارن القول البينة صح، وإلا فقال أشهب: ليس برجعة.
وفيها: إن قال: راجعتك، ثم قال: كنت لا عبا ولا بينة على قوله فهي رجعة، وهما على قول مالك في لغو هزل النكاح وصحته، وعلى الخلاف في لغو الطلاق العري عن النية.
قُلتُ: الأظهر أن اللفظ الصريح كارتجعت لا يفتقر إلا نية، وغيره كأمسكت ورددت يفتقر.
ابن رَشْد: القول دون نَّية لا تصح به رجعة فيما بينه وبين الله، وإن حكمنا عليه بها لظاهر لفظه، إلا على القول بلزوم طلاق المستفتي بلفظه دون نَّية وهو قائم من المدَوَّنة وهو بعيد.
قُلتُ: انظر هل مرادهم بقولهم دون نَّية أنه نوى بلفظ الطلاق والرجعة غير معناهما أو مجرد عدم نيتهما، والأول ظاهرٌ معنىً، بعيدٌ لفظا، والثاني عكسه. قال: واختلف هل يجوز له الوطء إذا ألزم الرجعة على القول أنها لا تصح له فيما بينه وبين الله، وإن حكمنا عليه بها لظاهر لفظ الأصح، وإذا ألزم الرجعة من طلق في الحيض وأبي أن يرتجع قيل له للوطء وهو صحيح؛ لأنها رجعت لعصمته بالحكم، وإن أبي فيجوز له الوطء كالمجبور على النكاح بأب أوصي أوسيد، وإليه ذهب أبو عمران واحتج بجواز وطء من نكح هازلا ومنعه بعض البغداديين حتى ينوي رجعتها، وفي ثبوتها بمجرد النيَّة ولغوها تخريج ابن رَشْد مع اللخمي على أحد قولي مالك بلزوم الطلاق واليمين يمجردها، وقول محمد والاستمتاع بنية الرجعة رجعة إن قارنته.
اللخمي: إن بعد ما بينهما فلا رجعة، ولمحمد: إن نواها ثم قبل أو باشر أو ضم لمكان ما نوى فهو رجعة؛ يريد: إن أصاب ساهيا عن الطلاق المتقدم لم يكن رجعة إن لم
تقارنه نية، وقد اختلف في شرط مقارنة نَّية الظهار.
أبو عمر: روى لقرينان أن القبلة والنظر إلى الفرج ليستا برجعة، وفي لغو الوطء دون نية، وكونه رجعة روايتها وقول ابن وَهْب، وعزاه ابن رَشْد لليث فقط. قال: يريد في الحكم الظاهر، ولا يصدق أنه لم يرد به الرجعة، وهذا الأظهر كوطء مبتاع الأمة بخيرا في مدته، وقد يفرق بأن المبتاع لو حبسها حتى مضت أيام الخيار وتباعدت عد مختارًا، والزوج لو تمادى على إمساكها حتى انقضت عدتها أبانت منه، وهذا التفريق لا يسلم من الاعتراض.
قَلتُ: يعترض بأن نسبة المبتاع للأمة إنما بوصف ابتياعها المناسب لحليتها، ونسبة المطلق للزوجة إنما هو بالطلاق المناسب لحرمتها، فلا يلزم من إيجاب إمساك الأول الأمة إباحتها.
وفي تهذيب عند الحق: إن قيل لم جعل وطء الأمة المبيعة بخيار رضى من المشتري بالبيع ولم يجعل وطء الزوج دون نَّية الرجعة رجعة.
قيل: لأن الخيار تعلق فيه حق للبائع وحق للمشتري، فإن فعل المشتري في الأمة ما يفعل المالك كان اختيارا منه، والرجعة إنما هي في حقوق الزوج فلا يثبت حقه إلا بإقراره أنه أراد بفعله الرجعة.
وأجاب أبو عمران فيمن طلق واحدة وتمادى على وطئها غير مريد به الرجعة ثم حنث بطلاقها ثلاثا تلزمه الثلاث كالطلاق في النكاح المختلف فيه في فساده لقول ابن وَهْب والليث، وقال: وعلى إلغاء وطئه دون نية.
روى محمد: وسمع عيسى ابن القاسم له مراجعتها فيما بقى من العدة بالقول والإشهاد ولا يطأها إلا بعد الاستبراء من مائه الفاسد بثلاث حيض.
ابن رُشْد: فإن تزوجها وبنى بها قبل الاستبراء ففي حرمتها عليه للأبد قولان، على كون تحريم المنكوحة في الحدة بمجرد تعجيل النكاح أو به مع اختلاط الأنساب.
وفي كون الأمر بالإشهاد على الرجعة مستحبًا أو واجبًا قولان للقاضي مع ابن القصار، والأكثر عن المذهب، وابن بكير مع المتيطي عن رواية بكر القاضي.
ابن محرز: معناه أنه لا تثبت الرجعة إلا ببينة؛ لأنه لو انقضت العدة فزعم أنه
ارتجع لم يصدق إلا ببينة، ومعنى استحبابه كونه مقارنا للرجعة.
وفيها: من طلق فليشهد على طلاقه وعلى رجعته، وقال مالك فيمن منعت نفسها، وقد ارتجع حتى يشهد قد أصابت.
قُلتُ: تصويبه منعها إياه دليل وجوب الإشهاد إذ لا يمنع ذو حق من حقه لأمر غير واجب.
وفيها: إن قال: ارتجعتك ولم يشهد فهي رجعة، وفي لغو شهادة السيد برجعة أمته وصحتها، قولها، وسماع القرينين في طلاق السنة.
الشيخ عن الموازيَّة: وللمطلق أن يرتجع بغير علم المطلقة، ووليها وسيدها إن كانت أمة، وفي عدتها قال مالك: من طلق امرأته طلاقا يملك فيه الرجعة لا يتلذذ منها بنظرة أو غيرها، ولا يأكل معها، ولا يرى شعرها، ولا يخلو معها، وإن كان يريد رجعتها حتى يراجعها، وكان يقول لا بأس أن يدخل عليها، ويأكل معها إذا كان معها من يتحفظ بها ثم رجع فقال: لا يفعل.
عياض: ظاهره منع التلذذ بها على كل حال، وقال اللخمي: الباب كله واحد وأن قوله اختلف في جميع هذا، وخرج الخلاف في التلذذ بها، وهو بعيد في التلذذ جدًا، ويبعد في النظر إلى الشعر والخلوة، وكيف يصح في الخلوة، وقد شرط في إجازة القول بالدخول عليها أن يكون معها من يتحفظ بها، وإليه ذهب ابن محرز وغيره من الشيوخ أن الخلاف إنما هو في الجلوس عندها والأكل معها لا في التلذذ بشيء منها، والنظر إلى وجهها وكفيها لغير لذة جائز اتفاقًا؛ لأن الأجنبي ينظر إليه.
وفيها: لا تغسل المطلقة واحدةً زوجها إن مات في عدتها، وقوله إذا جاء غد فقد راجعتك ليس برجعة.
عبد الحق: كالنكاح إلى أجل لا يصح.
اللخمي: يحتمل كونه لذاك أو لعدم مقارنة النَّية للرجعة والأول اظهر؛ لأن الطلاق يفتقر للنيَّة وأجمعوا على صحته دون مقارنته في قوله إن دخلت فأنت طالق.
قال: فإن لم يصبها في العدة بانت، وإن أصابها فيها لاعتقاده أن ذلك رجعة فهو رجعة.
ابن محرز: قولها ليس برجعة؛ لأنه لم يرتجعها الآن لوقفه ذلك على مجاء غد، وهو
لم يجيء، فإذا جاء ثبتت رجعته؛ لأنه حق له أن شاء عجله أو علقه، وفي تعليق أخذ الشفعة بمثل هذه الشروط بعد معرفة الثمن نظر؛ لأنها من المعاوضة.
قُلتُ: هذا خلاف ما تقدم لعبد الحق واللخمي، وفي نكاحها الأول من قال لامرأته إذا مضى شهر فأنا أتزوجك فرضيت هي ووليها فهو نكاح باطل لا يقام عليه.
الشيخ: لابن سَحنون عنه: من قال لا مرأته إن دخلت الدار فأنت طالق فأراد سفرًا فخاف أن يحنثه في غيبته فأشهد إن دخلت فقد ارتجعتك فليس بمرتجع إن حنثته، وله مع سماع القرينين لو قال لها متى طلقتك فقد ارتجعتك لم يكن قوله ذلك رجعة.
ابن رُشْد: لأن الرجعة لا تكون إلا بنية بعد الطلاق لقوله تعالى: ........... ، والفرق بين الطلاق قبل النكاح، والرجعة قبل الطلاق أن الطلاق حق على الرجل والرجعة حق له فالحق الذي عليه يلزمه بالتزامه، والحق الذي له ليس له أخذه قبل أن يجب له إذ لا خلاف في أنه ليس لأحد أن يأخذ حقا قبل أن يجب له، إنما اختلف في إسقاطه قبل وجوبه كالشفعة ليس له أخذها قبل وجوبها، وفي إسقاطها قبله خلاف.
قُلتُ: تقدم هذا الأصل في فصل الامة تعتق تحت عبد، ومقتضى الروايات أن المطلقة الطلاق الرجعي في العدة محرمة حتى ترتجع حسبما تقدم لعياض، ونقل ابن بشير أنها على الإباحة حتى تنقضي العدة مثل ما تقدم للخمي، والاستدلال على ذلك بثبوت خواص الزوجية من الإرث والنفقة يرد بأن الزوجية أعم من إباحة الاستمتاع بدليل المحرمة والمعتكفة