المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌[باب المواضعة] المواضعة: جعل الأمة مدة استيراتها في حوز مقبول خبره - المختصر الفقهي لابن عرفة - جـ ٤

[ابن عرفة]

فهرس الكتاب

- ‌ باب فيما يثبت الوطء به [

- ‌ الأنكحة الفاسدة [

- ‌ باب في رعي الخلاف [

- ‌[باب في المتعة]

- ‌[باب الوليمة]

- ‌[كتاب الطلاق]

- ‌[باب طلاق الخلع]

- ‌[باب المطلق بالخلع]

- ‌[باب باطل الخلع]

- ‌[باب صيغة الخلع]

- ‌[باب في طلاق السنة]

- ‌[باب في شرط الطلاق]

- ‌[باب الأهل]

- ‌[باب لفظ الطلاق الصريح]

- ‌[باب الكناية الظاهرة]

- ‌[باب الكناية الخفية]

- ‌[باب شرط الاستثناء في الطلاق]

- ‌[باب فيما ينجز فيه الطلاق المعلق]

- ‌[باب المختلف في تنجيزه من الطلاق المعلق]

- ‌ باب التوكيل في الطلاق [

- ‌ باب الرسالة [

- ‌ باب التمليك [

- ‌[باب جواب المرأة في…التمليك]

- ‌[باب في صيغة التخيير]

- ‌[باب في الرجعة]

- ‌[كتاب الإيلاء]

- ‌[باب شرط المولي]

- ‌[كتاب الظهار]

- ‌[باب شرط المظاهر]

- ‌ باب صريح الظهار [

- ‌ باب الكناية الظاهرة في الظهار [

- ‌ باب الكناية الخفية في الظهار [

- ‌[باب العودة]

- ‌ باب كفارة الظهار [

- ‌[كتاب اللعان]

- ‌ باب شرط اللعان [

- ‌[باب شرط وجوب اللعان على الزوجة]

- ‌ باب في التوأمين [

- ‌[باب دليل براءة الرحم]

- ‌ باب فيما تجب فيه العدة [

- ‌[باب فيما تسقط به العدة]

- ‌[باب فيما تثبت به عدة الوفاة]

- ‌[كتاب الاستبراء]

- ‌[باب في استبراء الحرة في غير اللعان]

- ‌[باب المواضعة]

- ‌[باب في الإحداد]

- ‌[باب المفقود]

- ‌[كتاب الرضاع]

- ‌[باب ما يثبت به التحريم من الرضيع من موضعه]

- ‌[باب في النسبة الملغاة في الرضاع]

- ‌[باب النسبة الموجبة التحريم في الرضاع]

- ‌[باب في الغيلة]

الفصل: ‌ ‌[باب المواضعة] المواضعة: جعل الأمة مدة استيراتها في حوز مقبول خبره

[باب المواضعة]

المواضعة: جعل الأمة مدة استيراتها في حوز مقبول خبره عن حيضها. فيها: الشأن كونها على يدي امرأة، فإن وضعت بيد رجل له أهل ينظرونها أجزأ. وتعقب عبدالحق اختصارها أبو سعيد: أحبها على يدي النساء أو ذي أهل.

ص: 431

وفي الاكتفاء بخير الواحدة لزوم اتنتين:

نقل الصقلي عن ابن الكاتب مع ابن عبدالرحمن، واللخمي عن المشهور، والمتيطي والقرويين والأندلسيين وما به العمل، والصقلي عن الإبياني مع نقل اللخمي فيه، وفي الحمل وعيب الفرج وأجراء التونسي وابن محرز على الخلاف في القائف الواحد والترجمان ومقوم العيب يثبته في الرجل.

اللخمي: في كراهة مأمون لا أهل له ومنعه.

قول محمد: من أراد نزعها منهما من مأمون لا أهل له فله ذلك بخلاف ذي الأهل إلا لموجب وأصبغ.

وفي كراهة أمانة المبتاع والبائع ومنعهما قولان لها في المبتاع، ولمحمد في البائع وأصبغ فيهما.

قلت: ظاهر ابن الجلاب، ونص ابن حبيب في النوادر: ائتمان المبتاع جائز، وظاهرها في قسيم المحتبس كذلك في البائع.

الصقلي عن محمد عن ابن القاسم: وضعها عند غير مبتاعها أحسن، فإن وضعت عنده جاز، ولبائعها نزعها لعدل غيره، وليس لأحدهما نقلها من عدل إلا لوجه.

المتيطي: خبر الأمين عن حيضتها بقوله: أخبرتني به جاريتي أو زوجتي مقبول، وآخذه بعضهم من قولها: إن دفع الوديعة لخادمه أو أم ولده فضاعت لم يضمن.

قلت: حفظ الأنساب آكد من حفظ الأموال.

ابن رشد: المذهب وجوبها ولو في بيع سلطان أو مسافر.

وروى المتيطي: لا مواضعة علي مسافر عابر سبيل إلأا بشرط فى العقد، وعزاء ابن زرقون لابن شعبان: قال: ونحوه لمالك في المبسوط، وفي صحة شرط إسقاطها في العقد، وبطلانه، ثالثها: ببطلان مطلقاً، ورابعها: إن شرط نقد الثمن، وخامسها: إن تمسك بالشرط لابن رشد عن ابن عبدالحكم ولها وللأبهري مع الموازية وابن حبيب واللخمي، وعلى الأول قال الباجي عن ابن حبيب: تخرج من يد المشتري للمواضعة.

ابن رشد: وعلى الثاني إن ماتت في كونها من المشتري مطلقاً أو إن ماتت في مدة

ص: 432

استبرائها، روايتا إسماعيل، والمدونة.

وفيها: قبضها على تركها جهلا كتركها شرطا.

الجلاب: لو قبضها على الأمانة، وجهل كون هلاكها في مدة استبرائها أو بعده أو بعده ففي كونها من مبتاعها أو بائعها روايتان.

الشيخ عن ابن حبيب: ما به استبراؤها أيامها إن عرفت وإلا فشهر.

المتيطى: وراء عن مالك وأصحابه محمد: شهر مطلقاً، ولم يحك ابن رشد غيره ولا المتيطى غير الأول، وحكاهما الباجي قولين.

وفي صحة إسقاطها بعد العقد قولان لها وللشيخ عن ابن عبدوس عن سحنون قائلا: كأنه أٍقط ضمانها عن البائع لما تعجل من خدمتها، وكذا إن طاعا معا بذلك كأن عجل له الثمن بما تعجل من نفعها فهو كسلف ينفع، وذكره ابن رشد كأنه من عنده، فقال: فيدخله ابتياع الضمان.

وفيها: إن تبرأ عليه من حمل غير ظاهر بها. وشروط قبضها كوحش، وقال: ما وظئتها ضمنها مبتاعها بقبضه إياها، وفسخ بيعها ما لم تفت فيغرم قيمتها يوم قبضها، أقامت عنده مدة استبرائها أو يوما.

الصقلي عن محمد: هي من بائعها حتى تخرج من الاستبراء فى البيع الصحيح، ففي الفاسد أحرى، وكمن شرط النقد في بيع الخيار، وروده الصقلي بأن أمد الخيار أبقياه، وأمد المواضعة أسقطاه، وإنما يشبهها شرط النقد في المواضعة.

وفيها: فإن كان البائع أقر بوطئها ولم يستبرئ فالبيع فاسد، فإن هلكت فيما لا يكون فيه استبراء فهى من بائعها وولدها به لاحق لا ينفعه شرطه، وإن هلكت بعد مدة فيها استبراء فهي من مبتاعها، وعليه قيمتها يوم جعلناها تحيض في مثله لا ينفعه قوله: لم تخض.

قلت: ظاهرها حيث يضمنها بائعها لا يمين على مبتاعها.

وقال الصقلي عن ابن حبيب بعد يمين المبتاع: ما حاضت عنده.

وقال الشيخ: هذا الذي ذكر ابن حبيب أن شرط البراءة من الحمل في التي أقر بوطئها لفا يفسد البيع غير معروف لمالك، وفي المدونة: يفسد البيع، وكذا فى الموازية

ص: 433

عن مالك وغيره.

قلت: لفظ ابن حبيب الذي قال الشيخ هذا أثره، نصه: إن دفعها البائع إليه على التبري من وطئها أو البراءة من حمل إن ظهر بها من غيره، فإذا لم تكن رائعة جدا أو هي وسطة فذلك جائز، تدخل في ضمان المبتاع بالعقد، هذا قول من أوضحه لي من أصحاب مالك، وهو منهاج مالك ومذهبه.

قلت: وهذا لمن تأمله لا يدل على ما نسبه إليه، لأن معنى قوله: شرط البراءة من وظئها، أنه لم يطأها لا أنه وطنها.

وشرط البراءة مما ينشأ عن وطئه إياها، ولذا غاير بين متعلق البراءة، فقال في الأولي: على التبري من وطئها، وقال في الثانية: البراءة من حمل إن ظهر بها من غيره.

اللخمي: في ضمانها مبتاعها ببراءتها من حملة بقبضه إياها، ولو أقر بائعها بوطئها أو ما لم يقر وإلا فبعد حيضة أو مدتها.

ثالثها: إن كانت من المرتفعات فمن بائعها لمحمد ولها وله أيضا قائلا: مدة حيضها شهر.

وقولها أحسن، ولا براءة بمضي شهر، بل بثلاثة، ورأي إن قال المشتري: هلكت بعد شهر ولا علم لي بحيضها أو قبلها أن يصدق، إذ لا دليل علي براءتها بأقل من ثلاثة أشهر، ولقول ابن حبيب: إن جاء بها بعد ثلاثة أشهر معيبة، وقال: لم تحض، صدق.

ووجوبها في المشتراة ولو من عبد لسيده اللازم استبراؤها، غير زوجة ولا بينة حمل ولا مختملته من زنا ثبت ولو بعادتها عليه، لا في أول دمها مطلقا، أو وخشا غير مستبرأة من وطء ربها، وفي وجوبها في معتدة نقل اللخمي ورواية ابن رشد مع الصقلي عن سحنون، وفي مطيقة الوطء غير ممكنة الحمل قولا مالك والأخوين.

ابن رشد على القولين في استبرائها.

وسمع أبو الحسن ابن وهب: تحب مواضعتها، فإن جهلا مواضعتها فماتت في مدة استبرائها فهي من بائعها.

ابن رشد: ومثلها من لا تحمل لكبر.

اللخمي: كلما وجب الاستبراء، ولو لسوء ظن وجبت، فإن أسقطت ففي

ص: 434

الاستبراء الخلاف، وكلما سقط كالمودعة سقطت.

ابن رشد: وتسقط في المشتراة أول دمها على ما رجع إليه مالك.

وفيها: حيض العلية المحتبسة بالثمن نصا أو بعدم تمكين البائع من قبضها بعد بيعها لغو، وتجيب مواضعتها.

وقول اللخمي: هذا على أن المحبوسة من بائعها وعلى أنها من مبتعاعها لا مواضعة لدخولها بحيضها في ضمان مبتاعها، واستبراؤها كودعة رجعت لمالكها في وجوبه واستحبابه وسقوطه، يرد بأن معنى كون المحبوسة من مبتاعها، أنها كمقبوضة من بائعها، وكل مقبوضة في ضمان بائعها حتى تحيض بيد أمين أو يمضى أمده إن قبضها مبتاعها على الحوز، وكلاهما منفي فوجب بقاء ضمانها البائع.

ابن رشد: إن بقيت أمة تجب مواضعتها بيد بائعها لائتمانة مبتاعها على استبرائها فوضئها وصارت له أم ولد وبطل بيعها، وإن وطئها بعد استبرائها أو كانت وخشا لا مواضعة فيها، وقبض ثمنها حد، وهي وولدها لمبتاعها.

وإن كانت محبوسة به ففي درء حده وردها لمبتاعها إن قبضها على الحوز مع قيمة ولدها وكونها كالأولي قولا ابن القاسم وسحنون.

والإقالة من علية بعد قبضها مبتاعها إن قبضها على الحوز قبل مضي أمد استبرائها فكبيع وخش، وبعده أو على الأمانة بعد كبيع على، وقبله كرد مودعة وبعد قبضها أمين من قبل مضي معظم حيضها كودعة، وبعد طريقان.

الصقلي والشيخ: في كونها كمودعة أو كمبيعة قولان لمحمد ولها.

اللخمي: إن صدق البائع الأمين في أنها لم تكن تخرج ففي سقوط الاستبراء القولان، وإن استقال قبل قبضها منه وحيضها أو بعده ولم تكن تخرج فلا استبراء وإن خرجت فالمواضعة، وفى الاستبراء إن أسقطت خلاف.

وفيها: أن ردت بعيب بعد حيضها لزمت مواضعتها، ونفقتها فيها على المبتاع وإلا فلا استبراء.

سحنون: يريد لا مواضعة للبائع على الرد بالعيب، لأنه هلكت كان من البائع، وقال أشهب: لا مواضعة على الراد مطلقاً لانتقاض البيع.

ص: 435

وفي النوادر إثر ذكر قول ابن القاسم، وروي أشهب: ضمانها من البائع في الرد بالعيب، وإنما توضع ليعرف أيها حمل أم لا، وموتها من البائع ولو وطئها المبتاع.

وعزاء اللخمي لرواية محمد ولم يذكر غيره قال: والأول أحسن، لأن الرد بالعيب وإن كان نقض بيع فعلي المشتري أن يردها فارغة كما قبضها، لأن الذي يمنع البائع إذا رجعت إليه الوطء هو موجب المواضعة.

المازري: ناقض ابن عبدوس ابن القاسم بقوله: يرد السمسار الجعل برد السلعة بالعيب فجعله نقضا، وجعله في الاستبراء ابتداء، وأجاب بعض المتأخرين بأن قوله في الاستبراء ليس، لأنه ابتداء بيع، بل هو على أصله، أنه نقض وأوجب فيه المواضعة، لأن على المبتاع رد البيع على حال ما أخده عليه معلوما سلامته من الحمل، وليس له طلبه بالنفقة، وهو ممنوع من وطئها.

المازرى: ويوكده أحد القولين أن وطء المشتري الجارية فوت يمنع ردها بالعيب ويوجب الرجوع بأرشه، وناقضه أيضا بقوله: من باع عليه قاض عبده بعد عتقه لدينه ثم رد عليه بعيب قديم بعد يسره أنه يعتق عليه، فجعله نقضا، ولم يجب المازرى عن هذه المناقضة، وكذلك الصقلي.

ويفرق بأن كتم المفلس عيبه مع تجويزه رده به كالتزام عتقه إن رد.

المازرى: وناقض ابن عبدوس أشهب بقوله فى المفلس: لا يعتق عليه، وتقدم جوابه في فصل البراءة من كتاب الرد بالعيب، فجعله نقضا، ولم يجب المازرى عن هذه المناقضة، وكذلك الصقلي.

ويفرق بأن كتم المفلس عيبه مع تجويزه رده به كالتزام عتتقه إن رد.

المازرى: وناقض ابن عبدوس أشهب بقوله في المفلس: لا يعتق عليه، وتقدم جوابه في فصل البراءة من كتاب الرد بالعيب، وما أجبت به عن أشهب وجدته هنا للمازري وما كنت أذكره.

بعض القرويين: فسخ بيع أم الولد لا مواضعة فيه بخلاف المدبرة، وعلى القول بعدم فوات بيعها بعتقها هي كأم الولد، والمكاتبة كالمدبرة، ونحوه للمازري.

وقد تقدم قولها وكلام اللخمي في حكم استبرائها،

******

فيها: يفسده، وطوعه به بعده جائز في بيعها بتا وبخيار، مذكور في كتابة.

وروى محمد: بيع من لا يعرف المواضعة كمصر يبيعون على النقد، لا يشترطون نقداً ولا مواضعة صحيح، ويقضي بها وينزع الثمن من البائع إن طلبه المبتاع.

ص: 436

قلت: وإن لم يطلبه لقول محمد: لا يوقف بيد البائع ولو طبع عليه، وفرقوا بينه وبين زهن ما لا يعرف بعينه مطبوعا عليه بأنه في المواضعة عين حقه.

وفي لزوم وقف الثمن بيد عدل نقلا ابن رشد عن رواية الثلاثة: ابن حبيب وابن عبدوس ومحمد مع بيوعها الفاسدة، ورواية العتبي مع استبرائها.

وأخذ من قولها: حيض المحبوسة بالثمن عليه عند البائع لغو وقفه، ولم يعز ابن محرز وقفه إلا لعبد الملك. قال: وقول مالك بناء على تبدية بائع السلعة بدفعها، وقول عبدالملك بناء على أن التسليم في الثمن والمثمن إنما يكون في حالة واحدة.

فأوقف الثمن ليعتدل الحكم بينهما.

وسمع ابن القاسم: إن دفعها إليه وطلب ثمنها بعد يوم لم يلزم المبتاع حتى تنقضي مواضعتها.

ابن رشد: اتفاقا لرضاه دفعها دونه أولا، ولو هلك الثمن موقوفا، ففي كونه ممن يصير له أو من المبتاع قولها، ورواية ابن رشد، قال: وعليه إن تلفت الثمن وخرجت سليمة لزمته بثمن آخر، وقيل: يفسخ البيع، ومعناه: إن أراد المبتاع فسخه.

الصقلي: لابن عبدوس عن عبدالملك: هو مخير في أخذها بثمن آخر، ولابن حبيب عنه: فسخ البيع.

ابن عبدالرحمن: إن كان الثمن عرضا لا عينا.

ولو خرجت معيبة ففي أخذها بالتالف أو بآخر، ثالثها: إن عابت قبل تلف الثمن، لابن رشد عن أشهب مع ابن القاسم، والصقلي عن سحنون، وأبن الماجشون.

فيها: في بيع الغرر: لا بأس أن تقبل من أمة في مواضعتها لم تخض، فإن أربحته أو زادك شيئا، فإن لم تنتقد الزيادة حتى تحيض جاز ذلك، وإلا لم يجز، ويجوز للمبتاع بيعها من غير البائع بمثل الثمن أو أقل أو أكثر إن لم ينتقد.

ومدة المواضعة الضمان فيها من البائع في كل حادث.

وفيها: لا ينبغي للمبتاع فيها وطء ولا تلذذ ولا نظر لذة، ولا بأس به لغيرها، فإن وطئها فيها نكل إن لم يعذر بحهل، ولو خاضت بعد ذلك، ولو اقتضها ثم حدث بها عيب قبل حيضها فله ردها به مع ما نقصها الافتراع، وإن لم ينقصها فلا غرم عليه ولا

ص: 437

مهر إلا في الحرة، فإن ولدت لستة أشهر من يوم وطئه لحقه إن لم يكن البائع وطئها أو كان واستبرأها وإلا فهو لمن ألحقته القافة به منهما، ولما دونها للبائع إن أقر بوطئها ولم بسترئها منه وإلا فلغية.

الشيخ عن سحنون: إن افتضها فليس له أن يتلذذ منها حتى تحيض إلا أن ترضي يترك عهدة الاستبراء، وبكل ما يظهر من حمل فذلك له إن كان البائع لم يطأها.

قلت: هذا خلاف قولها: من باع أمة من وخش الرقيق وتبرأ من الحمل إن كان بها فلا يطؤها المبتاع حتى تحيض من قبولهم قول ثالث أنكحتها ألا يحل ما أمر الله به ما نهي عنه.

الشيخ: روى محمد: إن افترعها فظهر بها حمل فأنكره البائع تربص بها، فإن وضعته لأقل من ستة أشهر برئ منه وله حبسها والرجوع بقيمة عيب الحمل وردها به مع غرامه ما نقصها الافتراع، وإن لم يظهر حمل وحدث بها عيب فله ردها الآن به مع ما نقص الافتراع، ثم إن ماتت بعد رده إياها فهي من البائع، وإن ظهر بها بعد الرد حمل وضعته لستة أشهر فأكثر من وطء المبتاع ردت إليه أم ولد بقيمتها يوم وطئها لا بالثمن، لأنه ردها بالعيب أولا، ولو لم يكن ردها بما حدث بها من عيب حتى وضعت لستة أشهر فله ردها بالعيب فتلزمه بقيمتها يوم وطئها وتصير له أم ولد، وقبولها بالعيب فتلزمه بالثمن.

المازري: ولو اختار المبتاع بعد افتراعها الرضا بحادث عيبها في المواضعة، فإن ظاهر المدونة والموازية أن لا شئ عليه في افتراعها، وتعقبه الأشياخ وقالوا: مقتضي قول ابن القاسم غرمه قيمته، لأنه أحدثه وهي فى ضمان البائع، فيجب كون أرشه له كالجناية على العبد المبيع، فخيار أرش الجناية عند ابن القاسم للبائع، وعند ابن حبيب للمبتاع، فإن قيل: إنما ينضح الخلاف في جناية الأجنبي وجناية المبتاع تعد إمضاء منه فكانت جنايته على ملكه، فكذا افتراع المبتاع يعد رضا منه بالتزام اشترائها على أي حال كانت بعد حيضها، فيكون كالواطئ ولما استقر في ملكه.

قيل: الفرق بينهما أن جناية المبتاع على خيار إنما تعد اختباراً، لأنه قادر على بته الرافع ضمان البائع، بعد ذلك منه رفعا له، والمبتاع في المواضعة غير قادر على ذلك، لأن

ص: 438

وطأه فيها ممنوع، وقد يكون وطؤه لشهوته لا لرفع الضمان.

ابن محرز: لم يذكر في المدونة والموازية الحكم في إلزام المبتاع قيمة عيب افتراعها إن رضي بعيبها الحادث في مواضعتها بعد افتراعها، والجاري على ألسنة المذاكرين أن الظاهر فيها أن لا شئ عليه لذلك، وأنه مذهب آخر في الجناية الحادثة في المواضعة، والخيار أنها للمشتري إذا مضي البيع.

وفرق بين الوطء في المواضعة والجنابة في الخيار، بأن الواطئ بأول ملاقاته لها وكشفه عنها صار مسقطا حكم المواضعة، فصار النقص في ضمانه، وكذا جناية العمد في الخيار عند من يراها رضي.

قال: وليس هذا الفرق بشئ، لأنه لو كان بأول ملاقاته ضامنا لها لم يكن له ردها بما حدث بها من عيب في مواضعتها، والمسألة عندى محمولة على ما في الخيار.

وقولها: يردها بالعيب الذي حدث في الاستبراء، يريد بعد استبرائها من وطء المشتري بحيضة أو بثلاثة أشهر من نظر النساء إليها دون مواضعة على المشتري، لأنها لم تخرج من ضمان البائع.

قلت: قوله: يريد بعد استبرائها من وطء المشتري خلاف ما تقدم للشيخ في رواية محمد من قوله: وإن لم يظهر حمل وحدث بها عيب فله ردها الآن إلى قوله: ردت إليه أم ولد.

ابن محرز: إن أراد أن يتمسك بها بالثمن ويأخذ أرش العيب الحادث بعد وطئه فقيه نظر، إذ وطؤه تعد، فإن ظهر بها منه حمل لم يكن له ردها ولا الرجوع للعيب بشئ، لأنه إنما حدث بعد حملها منه ويقضي له بها الثمن المسمى.

وتجري على قولي ابن القاسم وأشهب فيمن وجد عيباً بعد أن وطئ واستبرأ. قالوا: قول محمد: إن ماتت قبل ردها للبائع فظهر بها حمل وضعته لستة أشهر من وطء المبتاع ردت إليه أم ولد بقيمتها يوم أصابها لا بالثمن، اعترضوه بأنه إذا ثبت أنها أم ولد له بطل ردها فيه ولزمته بالثمن، ويكون ما حدث بها بعد حملها منه لا شئ عليه فيه لبائعها، وينبغي أن يكون عليه ما نقصها الافتراع، لأنه أحدثه قبل أن تصير له أم ولد.

ص: 439

وإذا كان المشتري في المبيعة بخيار إذا جني عليها والخيار لبائعها فالأرش له، لأنها في ضمانه، ويحدث للمشتري الخيار بسبب النقص الذي حدث في أيام الخيار، فينبغي في مسألة الاستبراء إذا حملت، فوجب على المشتري أ {ش افتراعها أن يجب له حق في القيام بعيب الافتراع، وقد فاتت بالحمل فتجب له قيمة عيب الافتضاض على بائعها، لأنه حدث في ضمانه، فوجب لكل منهما على صاحبه مثل ما وجب له عليه، فيسقط الحقان، لتقابلهما.

قالوا: ويحتمل أن يفرق بينهما بأن المبتاع أحبل الجارية مختارا لتفويتها بالإنزال بعد وجوب نقص الافتراع عليه فلم يكن له رجوع على بائعها بحق الافتضاض.

قلت: يريد: اختياره إنزاله بعد عيب نقص افتراعها رضي منه بذلك العيب فيسقط حقه فيه. قال: وقول محمد: إن لم يردها حتي وضعت لأكثر من ستة أشهر فله أن يقول: أردها بالعيب بالحادث، فتلزمه بقيمتها يوم أصابها أو يوم احتبسها بالثمن المسمى، يعارض بأنه ظهر حملها قبل الحكم يردها، ومعلوم أن العيب الذي حدث بها بعد ثبوت حملها.

قالوا: ويلزم تسليمهم انتقاض الثمن أن يكون لمن وجد عيباً قديماً بأمة بعد أن استبرأها، ثم أولدها وترجع إليه بقيمتها معيبة حتى لو كان ثمنها مكيلاً أو موزونا لرجع به أو بمثله، وغرم قيمتها عينا.

قد يرد بأن إيلاد المبتاع في مسألة المواضعة هو قبل تمام عيبها، لأنه في وقت ضمانها فيه من بائعها، فأشبه وطء ذي شبهة كوطء الأب أمة إبنه بخلاف مسألة العيب، وطء المبتاع فيها بعد كمال ابتياعه.

قال: وقوله: له حسبها بالثمن، ظاهره، ولا يحط عنه للعيب شئ ووجهه أنه قادر على ردها، فإذا تماسك كان كمن وجد عيبا فتماسك به.

ابن محرز: هذا التشبيه غلط، لأن للمشترى حجة باختلاف ما بين الثمن والقيمة في القدر أو الجنس، فكان كمن قام بعيب بعد ما حدث عنده نفص يلزمه فيه غرم.

قالوا: وقوله: إذا افتضها المشتري في حال الاستبراء، ثم جاءت بولد لأقل من ستة أشهر من وطئه يدل على أن البكر تحمل دون افتضاض.

ص: 440

قلت: وأشار التونسي إلي بعض ما تقدم إولا، لابن محرز. قال: وكل كلام محمد فيه نظر، تقدم كلامنا عليه في مسائل الموازية.

وسمع ابن خالد ابن القاسم: عتق المشتري المتواضعة إن أقر البائع بعدم وطئها، لازم لا يردها بحمل إن ظهر، لأنه رضيه.

الشيخ عن محمد: له الرجوع به إن طهر، وخرج ابن رشد: عدم لزوم عتقها من منع سحنون إسقاط المواضعة بعد العقد، ونوقض ابن القاسم بسماعه.

أبو زيد: إن حلف لغريم بعتقها فظهر حملها من غير بائعها لم يلزمه إن حنث.

وفرق ابن رشد بأن بت العتق نص في ترك عيب الحمل، والحالف إنما قصد الخلاص من غريمه، ومن ابتاع رائعه برائعتين متفاوتتين فأولاهما حيضا كثمن موقوف في سلامته وضمانه، فإن حاضت المنفردة أو العليا قبل الأخرى حلتا لمبتاعهما وموت إحيداهن أو ظهور حملها كاستحقاقها أو ظهور عيب قديم بها، وفي انفساخ بيعهن بموت التي هي أدني أو ظهور حملها قولان لأولي، روايتي محمد وله مع أخراهما وسماع عيسى ابن القاسم وكما لها في العيوب.

الشيخ: من ابتاع علية وعبدا تبعا لها، ففي وقف بيعه على تمام بيعها فلا يقبضه مبتاعه قبل حيضتها، وضمانه كثمنها الموقوف، وتمامه دونها فيتعجل قبضه، ويضمنه، نقل محمد روايتي أصبغ وأبي زيد عن ابن القاسم، وللشيخ عن الموازية: لو ابتاعها مع طعام كيل أو دار أو عرض، كل تبع لها فهلك دونها، فإن خاضت فهو من مشتريها وإلا فمن بائعها، ولا يجوز قبض الطعام قبل قبضها، لأنه تارة بيع وتارة سلف.

والرجعة تهدم عدة الرجعية كموت الزوج فيها مطلقاً.

وقول ابن شاس عن ابن القصار: إلا أن يريد برجعته تطويل عدتها فلا، وقبوله هو والقرافي، وجعله ابن الحاجب المذهب، وقبوله ابن عبدالسلام وابن هارون: لا أعرفه، بل نص الموطأ: السنة قدمها، وقد ظلم نفسه إن كان اترجعها ولا حاجة له بها، وقبله شراحه.

ولا يهدم عدة البائن نكاحها زوجها، بل بناؤه، فلو مات قبله لزوم الحائل أقصى العدتين، وهدمها عدة الوفاة.

ص: 441

قول سحنون مع الشيخ عن رواية محمد والصقلي عن أبي عمران قائلا: والحامل وضعها للعدتين.

وإن عرض لمعتدة موجب استبراء أو العكس حلت بأقصاهما، ولو فسخ نكاح معتدة بنت فوضع حملها للأول بهدم عدة الثاني، وفي كونه له بوضعه لستة أشهر من يوم نكحها بعد حيضة أو من يوم دخل بها، قول اللخمى مع الجلاب والصقلي عن أًبغ، والشيخ عن العتبية والموازية، وابن رشد مع الباجي، وسماع أصبغ ابن القاسم، ونصها، وابن محرز قائلا: عقد الثاني دون وطنه لغو لفساده وصحة فراش الأول.

وقول ابن عبدالسلام: روي المدنيون أنه للأول أ [دا لا للثاني، ولو وطئها بعد حيضتين لا أعرفه إلا رواية عياض وأبي عمر والجلاب والشيخ: إن علم بالتحريم فهو زان ولا يحلقه ولد، وفي كون وضعه للثاني يحلها منهما إن كانت مطلقة ولزوم تمام عبدة الأول.

ثالثها: تأتنفها لعياض عن الشيخ عن ابن القاسم مع رواية أشهب، والأكثر عن محمد مع الباجي عن روايته والصقلي مع عبدالحق عن لفظ الأمهات.

وعن الشيخ مع ابن رشد: ورده عياض للثاني، فحمل قوله: تأتنف على ما إذا لم يكن حيض قبل نكاحه قائلا: لا يقول أحد الوضع يهدم ما مضي من عدتها.

قلت: هذا وهم، لأنه حينئذ، والثاني من قولها في عدة الوفاة وضع الولد الثاني بحلها، وهو آخر الأجلين، فاعتباره عدة الأول في الوفاة يوجب ائتنافها ثلاث حيض بعد وضعها للثاني، وأخذه عياض من قولها: إن مات زوج المنعي لها بعد قدومه حاملا لم يحلها من عدة وفاته وضعها قاله فيها وفيمن تزوج في عدة وفاة، وفي حملها على ما وصف.

عياض عن فضل: أخطأ من قال: يجزئ وضعه للثاني عن عدة الأول، أو من فرق بين البتات وغيره، وعلي الثاني ظاهر كلامهم للأول رجعتها قبل تمام عدتها منه وبعد وضعها، واختار أبوحفص العطار منع رجعته، لأن إتمام عدتها منه إنما هو احتياط.

ص: 442

وتعقب قول الشيخ قول محمد: لو كان وضع حملها من زنا لم يبرها من عدة لزمتها، ولا تبري بحمل لا أب له إلا ولد الملاعنة لصحة استلحاقه، فإن كونها فراشا يمنعه لوجوب لحوقه بذي الفراش إلا أن يتفيه بلعان فيكون ولد لعان لا زنا.

وأجاب الصقلي بتصوره في أمرأة المحبوب والخصي القائم الذكر: لا يلحقه ولد وتعتد منه، لأنه يطأ، وعبدالحق بتصوره على رواية نفي الولد بتقارر هما عليه دون لعان أو كانا تلاعنا وأقرت بأنه لزنا.

قلت: يرد بأنه فيهما كولد لعان لصحة استلحاقه، وعزا التونسي قول محمد لأشهب وقال: لا فرق بين حمل الزنا وغيره في دلالته على براءة الرحم.

الشيخ عن محمد عن ابن القاسم: وطء السيد أمته زوجة لعبده أو أمة له كناكح المعتدة في الولد، ولو لم يكن حمل والعدة من طلاق، ففي لزوم عدة بعد تمام الأولي أو دونه رواية الجلاب مع رواية الباجي، وروايتها مع الباجي عن ابن القاسم، ورواية ابن وهب.

وفيها: إن كانت من وفاة فأقصي الأجلين، فقال: فضل تمام عدة الوفاة غير مندرجة لازم اتفاقا لمخالفتها عدة الطلاق.

وسوى ابن رشد بينهما في لغو الأولي وبقاء حكمها في السكني والإحداد.

وفي سماع عيس ابن القاسم: من تزوجت لنعي زوجها ثم قدم وهي حبلى من الثاني، ففرق السلطان بينها وبين الثاني، ثم توفي القادم بعد أيام، ورثته واعتدت منه أربعة أشهر وعشرا، إن انقضت قبل وضعها انتظرته، وإن وضعته قبل أربعة أشهر وعشرا انتظرت تمامها.

ابن رشد: موت المنعي يوجب عليها أقصي الأجلين، مات وهي حامل من الثاني أو في استبرائها منه، وإن طلقها الأول وهي حامل من الثاني فلابد لها من ثلاث حيض بعد الوضع، كمن منع حيضها مرض أو رضاع، وإن طقها في استبرائها من الثاني كفتها ثلاث حيض من يوم طلاقها على مذهب مالك، وعلي ما روي عن عمر: تستكمل استبراءها من الثاني ثم تستأنف عدة الأول.

وسمع أبو زيد ابن القاسم: من غصبت امرأته فحملت منه لا يطأها حتى تضع،

ص: 443

فإن أبتها زوجها فلابد لها من ثلاث حيض بعد الوضع، ولو لم تحمل من الغاصب كفتها ثلاث حيض للطلاق والماء الفاسد.

قلت: قول ابن رشد: إن طلقها وهي حامل من الثاني فلابد لها من ثلاث حيض بعد الوضع إلي آخر تعليله.

وقول ابن القاسم في هذا السماع: فلابد لها من ثلاث حيض بعد الوضع نص في أن دم نفاسها لا يعتد به حيضة خلاف قول ابن محرز.

قول محمد: لابد لها من ثلاث حيض، يعني: وتحسب دم نفاسها قرءا، وجعله عياض محل نظر، ثم نقل عن أصبغ مثل لفظ ابن القاسم المتقدم.

ابن الحاجب: ووضعه من الفاسد يهدم أثر الفاسد، ولا يهدم في المعتدة للوفاة اتفاقا فعليها أقصي الأجلين.

قال ابن عبدالسلام: ما حاصلة قوله ظاهر في إمكان بقاء عدة الوفاة بعد وضعه وهو ممتنع، لأن الفرض أن العدة الصحيحة هي الأولي، وأنها من وفاة، وهي أربعة أشهر وعشر، ومحال تأخرها عن وضع حمل لستة أشهر من وطء بعد حيضة بعد الوفاة.

قال: إنما قصد - والله أعلم - إلى تحصيل ما في المدونة، والذي فيها: لا يرد عليه هذا، لأنه قال في آخر كلامه: وعدتها منهما وضع الحمل ألحقت الولد بالأول أو بالثاني، وهو فيهما أقصي الأجلين.

قلت: هذا التعقب وهم، واستدلاله عليه بقوله: عدة الوفاة أقل من مدة الحمل المذكور، والوفاة متقدمة على وطء الحمل المذكور فمحال تأخرها عنه، يرد بأن هذا إنما لزم من قصر كلامه على فرض أن عدة الوفاة هي الأولي، مع كون وطء حمل النكاح الفاسد بعد الوفاة وذلك غير لازم، بل لفظه مطلق أو عام في ذلك، وفي كون وطء النكاح الفاسد قبل الوفاة وهذا واصح فيه، تقرر كون عدة الوفاة متأخرة عن وضع حمل الوطء المذكور، أما ما ادعيناه نحن فهو قولها: والمنعي لها زوجها إذا اعتدت وتزوجت ثم قدم زوجها الأول ردت إليه، وإن ولدت الأولاد من الثاني، ولا يقربها القادم إلا بعد العدة من ذلك الماء بثلاث حيض أو ثلاثة أشهر أو وضع حمل إن كانت حاملا، فإن

ص: 444

مات القادم قبل وضعها اعتدت منه عدة الوفاة ولا تحل بالوضع قبل تمامها ولا بتمامها دون الوضع.

قلت: فإذا علم أن وفاة الأول وهي في خامس شهر من شهور حملها من الثاني أمكن تأخر انقضاء عدة الوفاة لها عن وضع حمل الثاني، فإن قلت: فرض المسألة أن العدة الصحيحة - وهي عدة الوفاة - هي الأولي ومسألة المنعي لها هي فيها ثانية، لأن موت الأول متأخر عن نكاح الثاني.

قلت: ليس الأمر كذلك، وتأخر موته عنه غير موجب تأخر عدة وفاته عن عدة فرقة نكاح الثاني، لأن فرقتها من الأول بموته، ومن الثاني بفسخ نكاحه، وثبوت موته هو السبب الموجب لفسخ نكاح الثاني، فعدة الوفاة فيها سابقة على عدة فسخ نكاحها الثاني ضرورة وجوب تقدم السبب على مسببه حكما وعادة، لأن الحكم بالفسخ يتوقف على موجبات شرعية يتأخر الحكم بالفسخ عنها في العادة تأخرا بينا، فبان بهذا لمن تأمل وأنصف أن لفظ ابن الحاجب من أشد العبارات، لوضوح صادقيته على مسألتي المدونة حسبما قررناه، والله تعالي أعلم.

وولد ذات فراشي نكاح لأولهما: إن كان وطء ذي الثاني قبل حيضة أو وضعته لأقل من سنة أشهر من يوم وطئه وإلا فله، فإن نفاه من هو له منهما لا عن دونها، لأنه نفاه لفراش الآخر فيلحقه، فإن نفاه تلاعنا، ومن نكل منهما حد ومن أقر به منهما بعد لعنها أولا لحقه دون الآخر، ولو أقرا معا للأول. وإقرار الأول بعد لعانه قبل لعان الثاني لغو، وفي حرمتها على الأول بلعانه، ثالثها: إن لاعنت الثاني لابن رشد عن أصبغ، ومحمد مع سحنون والصقلي لهما، بناء على أن الفرقة بلعان الزوج أو الزوجين، والصقلي عن أصبغ، وفي حد الأول: إن أقر بعد لعانها الثاني نقلا ابن رشد عن دوي الأولين.

وولد الموطوءة بنكاح وملك أو شبهة للنكاح إلا أن يكون وطء الثاني بعد مدة براءة رحمها.

قال في التهذيب: إن أتت أم ولد الابن بعد وطء الأب إياها بولد لحق بالابن إلا أن يكون معزولا عنها قبل وطء الأب بغيبة في مثلها استبراء فيلحق بالأب.

ص: 445

عبد الحق نقله: يلحق بالابن إلا أن يكون عزولاً عنها على ما ذكر ليس في الأمهات: يلحق بالابن، إنما قال: ينظر، فإن كان الولد غائبا عنها غيبة في مثلها الاستبراء فالولد للأب، ولم يذكر إذا لم يكن معزولا عنها، هل يلحق بالابن؟

والذي ينبغي إذا وطئاها في طهر واحد أن يدعي للولد القافة كوطء ماكين، لشبهة الأب في مال ولده، وقاله لي بعض شيوخنا القرويين، ثم وجدناه نصا لعبد الملك في كتاب أمهات الأولاد من المستخرجة:

إذا وطئ أمة ابنه ثم وطئها الابن فحملت، وقد وطئاها في طهر واحد يدعي لهما القافة، ولفظها في الأمهات: إن جاءت بولد بعدما وطئها نظر، فإن كان الابن غائبا قبل ذلك غيبة يعلم في مثلها أن قد استبرئت فالولد للأب؛ لأن مالكًا قال: من زوج أمته غلاما فوطئها سيدها بعد دخول زوجها بها فولدت ولدًا، وإن كان الولد غير معزول فالولد له، وإن كان معزولا أو غائبًا استوقن أنها حاضت بعده، واستبرئ رحمها فالولد للسيد، وترد الأمة لزوجها، فكذا الأب في جارية ابنه.

قال عبد الحق: فلم يذكر أن الولد يلحق بالابن، إنما تكلم إذا غاب غيبة في مثلها استبراء، وسكت عن غيرها، فإن قيل: مثلها بمسألة من زوج أمته غلاما ثم وطئها سيدها، وقال في هذه: إن كان العبد غير معزول عنها فالولد له، فكذا إذا كان الولد غير معزول عن أم ولده يكون الولد له، فلذا نقلها أبو سعيد كما ذكر.

قلنا: الفرق بينهما أن زوجة العبد فراش له فكان بالولد أولى من سيد زوجته، وأما في وطء الأب أو ولد ابنه فليس ههنا زوج له فراش؛ بل هما كمالكين وطئاها.

قُلتُ: لفظ اختصار أبي سعيد كالشيخ وتفريق عبد الحق بأن الزوجة فراش يرد بأن أم الولد كذلك. وقد يفرق بأن فراش الإيلاد أضعف؛ لأنه يقبل ورود فراش عليه مع بقائه ضرورة صحة تزويج أم الولد، مع بقاء حكم إيلادها بدليل رجوعها لفراش إيلادها عند انقضاء التزويج الطارئ عليه وعدته، وفراش النكاح يمتنع ذلك عليه، وذكر القافة بأتي في آخر أمهات الأولاد إن شاء الله تعالى.

وفيها لابن القاسم: من اشترى معتدة من طلاق، وهي فيمن تحيض وارتفعت حيضتها، حلت بسنة من الطلاق وثلاثة أشهر من الشراء.

ص: 446

الصقلي لسحنون: لا مواضعة في معتدة بعقد شرائها يضمنها المبتاع.

عبد الحق: إن تمت عدتها لوفاة بعد شرائها بيوم لم تحل إلا بحيضة ولا موضعة فيها، ولو حاضت بعد البيع قبل تمام العدة حلت بتمامها، ولو ظهر بها حمل لم ترد به إن وضعت لستة أشهر من يوم الشراء.

الصقلي: لدخوله على ذلك بالزوج المرسل عليها.

وفيها روى ابن وهب: لا يجردها المبتاع لينظر إليها عند البيع، ولا يتلذذ منها في عدتها لطلاق أو وفاة.

عياض: يؤخذ منه جواز تجريد الجارية عند التقليب للنظر إليها، كما في خيارها خلاف ما في الواضحة وغيرها، وتقدم في فصل استبراء العتق قول القابسي وتعقبه فتأمله.

وقال هنا إن رفعتها حيضتها في عدة طلاق لم توطأ، وإن قالت القوابل بعد ثلاثة أشهر: لا حمل بها إلا بعد حيضتين أو سنة، وفي عدة الوفاة إن قلن: بعد ثلاثة أشهر قبل تمام تسعة أشهر لا حمل بها حلت لانقضاء عدة الوفاة بشهرين وخمس ليال؛ لأن الريبة زالت، والعدة في الوفاة قبل الريبة، والمطلقة عدتها بعد الثلاثة الاشهر التي هي لزوال الريبة.

وفيها لمالك: من اشترى زوجته قبل البناء أو بعده لا استبراء عليه.

عياض لابن كنانة: يستبرئ غير المدخول.

قُلتُ: وذكر هذا القول في آخر كتاب العدة رواية فيها لابن عيسى.

وقال ابن عبد السلام: أظن في بعض نسخ الجلاب من نكح أمه ثم اشتراها فعليه استبراؤها. قال: وأجاب بعضهم عن استشكال استبرائها؛ لأن الماء ماؤه، فإن فائدته ظهور كون الولد من وطء الملك، فتكون به أو ولد اتفاقًا، أو من وطء النكاح فتكون به أو ولد باختلاف.

قُلتُ: لم أجده في نسخة من نسخ الجلاب بوجه، وهذا اللفظ الذي ذكره عن الجلاب خلاف لفظ عياض.

قال ابن كنانة في غير المدخول بها: يستبريها، ومفهومه: أنه لا يستبرئ في المدخول

ص: 447

بها، ولا سيما على ما تقدم لبعضهم من التعليل.

وفيها لابن القاسم: من باع زوجته الأمة بعد شرائه إياها وقبل أن يطأها بعد شرائها، فإن كان بعده فبحيضتين، ها هنا عدة لفسخ نكاحها. قال مالك: ولو اشتراها بعد حيضة بعد طلاقه استبرأها مشتريها بحيضة.

عياض: قوله: يستبرئها المشتري بحيضتين لفظ مشكل على أصله الذي بينه بقوله: لو اشتراها وقد حاضت بعد طلاقه حيضة ثم باعها بعين: ولم يصبها فاستبراؤها حيضة؛ لأن بها تمت العدة، ومعنى المسألة انها لم تحض عند زوجها بعد استبرائها إلى أن باعها.

وفي المبسوط لابن القاسم: تستأنف حيضتين من يوم باع لا من يوم طلق، وهذا نحو ما تقدم، وقد وهم الرواية شيخنا أبو الوليد وقال: الصواب من يوم طلق، وهو معنى ما في المدوَّنة.

وفيها: إن عجز مكاتب اشترى زوجته بعد البناء أو مات فإن لم يكن وطئها، فقد قال مالك: مرة بعد مرة عدتها حيضة، ثم قال: أحب إليَّ حيضتان، وقول مالك: إن كل نكاح فسخ فعلى المرأة عدتها التي تكون في الطلاق، وإن وطئها بعد شرائها فحيضة استبراء لهدم وطئها عدة النكاح.

ابن القاسم: وقوله: الآخر أحب إليَّ حيضتان أن يوم الشراء، ولو مات أو عجز بعد أن حاضت عنده حيضتين استبرأها سيدها بحيضة، ولو خرجت حيضة، فقال المكاتب: لم أطأها بعد شرائها، فلا بأس أن تنكح مكانها؛ لأنها خرجت من ملك إلى حرية لا من ملك لملك.

عياض: اختلاف قوله في مسألة المكاتب في استبرائها بحيضة أو حيضتين إنما ذلك لغيره لا له؛ إذ له وطؤها بملك يمينه للحين.

وقيل: هذا الخلاف مبني على الخلاف في الاستبراء من الفسوخ، هل هو استبراء أو عدة؟ وقيل: ليس من هذا الباب، إنما هو هل إباحة الوطء للمكاتب مبطل لحكم العدة كنفس الوطء وهادم لها أم لا؟

قُلتُ: الإجراء الأول هو قول ابن محرز من مذاكري هذا الوقت، من قال: هذا

ص: 448

الاختلاف جارٍ في كل فسخ، وإن كل نكاح فسخ مختلف في قدر استبرائه كاختلاف قول مالك في هذه، وهذا غلط، إنما يذهب إلى هذا من لم يبلغه فكره إلى معرفة معناهن فيفزع إلى الاستراحة من إتعاب فكره إلى التعلق بمظاهر الاختلاف فيها، ومعنى المسألة عندي أن هذا المكاتب لما اشترى زوجته صارت إلى حالة إباحة الوطء بملك اليمين، والوطء لما أبطل حكم الاعتداد كانت إباحة كذلك.

فإن قيل: قد قالوا: من خالع امرأته ثم تزوجها في العدة ثم طلقها قبل أن يدخل بها تبقي على عدتها الأولى، ولم تكن إباحتها له تقوم مقام الوطء في إسقاط حكم العدة الأولى، قيل: يحتمل أن يكون هذا القول في هذه المسألة جاريا على أحد القولين في المسألة الاولى.

وأحسب أني رأيت في هذه المسألة اختلافا أيضًا، ويحتمل أن يفرق بينهما بأن ملك اليمين منافٍ للنكاح، فكذا فيما يعلق به من الأحكام كالعدة وغيرها، فلذا لا يصح أن تكون له مباحة بملك اليمين ومعتدة من نكاحه، ولذا لا يجب لها عليه سكنى عدة.

والذي تزوج امرأة بعد ما خالعها لو طلبت منه كراء المسكن بقية عدتها وجب لها ذلك، وإن كان عليه النفقة والسكنى بحق هذا التزويج الثاني، ولو طلق زوجته الأمة قبل أن يشتريها ثلاثا ثم اشتراها لا ينبغي أن تمر في عدتها؛ لأنها غير مباحة له بهذا الملك.

فإن قيل: فيمنع أن تكون في عدة الفسوخ قولان.

قيل: لا؛ لأنه قد نص على الخلاف فيه، ولكني أمنع أن يوجد في هذه المسألة، وأن يجري في هذه عليه.

قال ابن عبد السلام في قوله: لو طلبت منه كراء المسكن بقية عدتها وجب لها نظر؛ لأنه إن أراد به كراء ماضي عدتها قبل أن يراجعها فمسلم؛ لأن ذلك دين في ذمته، والنكاح لا ينافي الدين، وإن أراد به في عدة الزوجية التي بين عقد المراجعة والطلاق الثاني فممنوع، ولأن المنافاة حاصلة، ألا ترى أن المعتدة من الطلاق البائن محرمة على زوجها في العدة، والمراجعة مباحة.

قُلتُ: قوله: إن أراد به في هذه الزوجية التي بين عقد المراجعة والطلاق.

ص: 449

الثاني فممنوع.

يرد بأنه منع لما دلت القواعد الجلية على ثبوته فوجب سقوطه، وبيانه أنه لو مضى من عدة طلاقها الأول حيضة ثم راجعها أول طهرها منه ولم يبن بها حتى حاضت حيضة ثانية ثم طلقها فهي في مدة الحيضة الثانية، وهي مدة التزويج؛ إن كانت معتدة لزم صحة ما قاله ابن محرز فمنعه دون سند ساقط؛ لأنه منع لما دل الدليل على ثبوتهن وإن كانت غير معتدة لزم حل تزويجها غيره بنفس طلاقه إياها إن لم تفتقر عنده لعدة، وإن افتقرت إليها لزم ابتداؤها ثلاث حيض أو حيضتين، وكل ذلك خلاف المذهب فتأمله.

وقوله: ولأن المنافاة حاصلة الخ رد منه لقول ابن محرز؛ لأن الاعتداد من نكاحه الأول لا ينافي ما دخل فيه من النكاح الثاني، وهو المعبر عنه في كلامه بالمراجعة يوجب حليتها، والحلية منافية للحرمة.

ويرد اعتراضه هذا: بأن مراد ابن محرز بالمنافاة الكائنة بين النكاح والملك المنفية بين الاعتداد من النكاح الأول وما دخل فيه من النكاح الثاني، هي المنافاة بين الشيئين المانعة من صحة طريان أحدهما على الآخر، وهذه كائنة بين الملك والنكاح ضرورة امتناع طرو النكاح على الملك، وليست هذه المنافاة كائنة بين الحرمة اللازمة للاعتداد من نكاحه الأول، وبين مراجعته إياها ضرورة صحة ترتب مراجعتها على حرمتها باعتداده من النكاح الأول بتلك، والنصوص واضحة بتغليب حكم استصحاب ما ثبتت حرمته على حليته، ولغو احتمال رفع حرمته، وفي عبارة ابن الحاجب وغيره عن هذا المعنى هنا بالاحتياط نظر؛ لأن الاحتياط إنما هو في احتمال الحرمة والإباحة دون تقرر سبق الحرمة، فإمساك من شك في غروب الشمس ليس احتياطًا، والإمساك في أول يوم الشك احتياط منه.

نقل اللخمي في قولها في الإيمان بالطلاق: من طلق إحدى امرأتيه اللتين بنى بإحداهما، ومات قبل انقضاء العدة، وجهلت المطلقة منهما، على كل واحدة أربعة أشهر وعشر؛ لأنه مات على زوجة واحدة، ولم يعلم أيتهما هي، ولو كان الطلاق ثلاثا وعلمت المطلقة كان عليها ثلاث حيض من يوم الطلاق، وعلى الأخرى أربعة أشهر

ص: 450

وعشر، وإن لم تعلم المطلقة ومات قبل مضي ثلاث حيض فعلى كل واحدة أربعة أشهر وعشر؛ لإمكان أن تكون هي المطلقة، وثلاث حيض من يوم الطلاق لإمكان أن تكون هي المطلقة.

وعليه قال ابن شاس: من مات عن نسوة منهن من نكاحها فاسد، بحكم من علم صحة نكاحها أو فساده واضح، ومن أشكل أمرها فعليها أقصى الأجلين.

ومنه مسألة أم الولد يموت عنها زوجها وسيدها وتقدم ذكرها، وعبر عنها ابن الحاجب بلفظ: وكالمستولدة المتزوجة يموت الزوج والسيد ولا يعلم السابق منهما، فإن احتمل ما بينهما عدة الأمة فأربعة أشهر وعشر من موت الثاني وحيضة فيها أو إلى تمام تسعة أشهر، وهذا على أن استبراء المستولدة كذلك، لا على أنه ثلاثة أو ستة، فإن لم تحتمل فأربعة أشهر وعشر من موت الثاني.

قُلتُ: قوله: إن احتمل ما بينهما عدة الأمة في دلالته على أنه لو كان بينهما شهران وخمس ليال فهو كالأقل منهما، وهو ما تقدم لابن شلبون، وهو قول عبد الحق غير معزو، كأنه المذهب، أو كالأكثر، ولا أعرفه نصا، والأول أظهر؛ لأن قوله:(مايحتمل عدة الأمة) إنما يريد به مايسع عدة الأمة، لا الإحتمال الذي هو بمعنى الشك، فعدة الأمة مظروفة فيه، والظرف غير المظروف، فيكون ما بين المدتين ظرفا لعدة الأمة، فهو معها أكثر منها وحدها.

وقوله: (لا على أنه ثلاثة أو سته) يقتضي أن المذهب قوله بأن عدة أم الولد من سيدها إذا استبرأت بعدم حيضتها سنة، وقبله ابن عبد السلام، ولا أعرفه بوجه.

وفي نوازل ابن الحاج: الحيضة الواجبة عليها مع الأربعة أشهر وعشر إنما يجزيها إذا كانت في الشهرين والخمسة الأيام الأخيرة من الأربعة أشهر وعشر، وإن كانت في الشهرين والخمسة الأيام الأول من العدة لم يجزئها؛ لأنها في عدة الزوج، ويمكن أن يكون الزوج مات أولا فيكون عليها شهران وخمس ليال، فوجب عليها ثلاثة أشهر بموت السيد إذ هي ممن لا تحيض، وهذا ما لم ترتب في العدة، فإن ارتابت فيها فعدتها أربعة أشهر وعشر، وتنتظر أقصى الريبة ثم حلت، إلا أن يكون بين الموتين أكثر من الأربعة أشهر وعشر والريبة، فإن كان كذلك اعتدت أربعة أشهر وعشرا، وبعد الريبة

ص: 451

إن جاءها حيض حيضة، وإن لم يأتها حيض ثلاثة أشهر؛ لأن السيد إن مات في الريبة لم تحل له فلم يجب عليها شيء بموت السيد، وإن كان مات بعد الريبة فقد حلتا له فوجب عليها الاستبراء بموته.

ابن محرز: إن كانت ممن لا تحيض في مقدار هذه الأشهر فلا بد لها من الحيضة بعد أن تعتد بالأربعة الأشهر وعشر من يوم آخرهما موتا، وإن كانت ممن تحيض في مقدار الأشهر التي يعتد بها، فإن حاضت فيها أجزت عنها وإلا رفعت إلى تسعة أشهر عدة المسترابة من آخرهما موتا، وناب لها ذلك عن الأمرين معًا؛ لأنها مسترابة من نكاح، والتسعة الأشهر تنوب عن استبراء الملك.

قُلتُ: ومن تأمل هذا تبين له ضعف نقل ابن الحاجب المتقدم لا على أنه ثلاثة أو ستة.

قال ابن محرز: ولو كان بين الموتين أكثر من شهرين وخمس ليال، وقالت: إني لم أحض تلك المدة؛ إرادة أن تسقط عن نفسها العدة من سيدها؛ لأنها لا تكون بزعمها أنها لم تحض حلت للسيد، فإن كان سمع منها ذلك في حياة السيد صدقت وإلا لم تصدق، لأنها تتهم إن لم يكن سمع ذلك منها أن تسقط عن نفسها ما لزمها من العدة للسيد في الحكم الحق الظاهر بغالب العادة، كقول مالك فيمن طلق زوجته فأقامت مدة طويلة ثم مات فزعمت أنها لم تحض إلا حيضة واحدة: إن كانت تذكر في حياته ذلك صدقت وإلا فلا لتهمتها على الميراث، لما كان ظاهر أمرها أنها بانت قبل موته.

قال ابن شلبون: لو كان بين الموتين شهران وخمس ليال لم يلزمها حيضة؛ لأنها لم تحل للسيد.

قال ابن محرز: لو جاءت هذه بولد، فقال بعض المذاكرين: إما أن تلحقه بمن شاءت منهما، وقال بعضهم: بل هو لاحق بالزوج لتيقن فراشه وعدم تيقن فراش السيد، ولو علم تقدم موت الزوج ومات السيد بعد عدتها من زوجها وما علم منه إقرار بالوطء، فيحتمل أن يلحق بالسيد وليس لها إلحاقه بالزوج، ويحتمل أن يلحق بالزوج دون السيد؛ لأن فراش السيد غير مستيقن لما لم يعلم إقراره بالوطء.

وفراش الزوج معلوم، ألا ترى أن من تزوج امرأة في عدتها، ولم يلحق بها أن الولد

ص: 452

يلحق بالأول دونه، وإن كانت تصير فراشا بعقد النكاح لكنه لم يطأها، فكان فراش الأول أثبت حرمة.

قُلتُ: يرد هذا بأن سبب كونها فراشا للسيد سبب صحيح، وسبب كونها فراشا إن تزوجت في العدة فراش فاسد، فلا يلزم من إلغائه السبب الصحيح.

قال ابن الحاجب: فإن لم يحتمل ما بينهما عدة الأمة فأربعة أشهر وعشر، وحكم الحيضة ما في عدة الحرة للوفاة.

ابن هارون: يعني: أن الخلاف يجري في اشتراط حيضة في تلك الأشهر، كما في عدة الحرة للوفاة.

وزاد ابن عبد السلام قوله: وسكت في المدَوَّنة عن ذكر الحيضة؛ بل تقسيمه للمسألة وتنويعه الكلام عليها يدل على سقوط الحيضة في هذه العدة؛ لأنه قال: إن كان بين الموتين أقل من شهرين وخمس ليال فأربعة أشهر وعشر، وإن كان أكثر فأربعة أشهر وعشر فيها حيضة، فلو وجبت الحيضة في القسم الأول كما في الثاني لما كان للتنويع معنى، وإنما اختلف حذاق الشيوخ هل هذا الحكم مطرد في المدَوَّنة في كل عدد وفاة فلا تجب فيها حيضة لإسقاطه لها في هذا الموضع، أو الفرق بين هذا وغيره؛ لأن الأربعة الأشهر والعشر هنا وجبت بالنص؛ بل رفعا للشك، فلا تجب زيادة الحيضة؛ لأن إيجابها في عدة الوفاة إنما هو لرفع ريبة في تلك العدة، ولا سيما على المشهور هناك، وفي هذا الموضع لم يتحقق وجوب هذه العدة حتى تراعى الريبة فيها.

والحاصل أن رعي الريبة هو من اعتبار وصف الواجب، وذلك الواجب لم يتحقق حصوله باعتبار تلك الريبة من باب اعتبار الشك المركب، وهو مطرح في الفقهيات.

فإن قلت: قد اعتبرت الحيضة فيها إذا كان بين الموتين أكثر من شهرين وخمس ليال.

قُلتُ: اعتبارنا لها هنا كاعتبار عدة الحرة لا رعيا لتقدير شك في حال هي أحوال عدة الحرة.

قُلتُ: ما عزاه للمدوَّنة من التقسيم إنما لسَحنون، ونصها: قال ابن القاسم: لم أسمع من مالك فيها شيئًا، وأرى أن تعتد بأكثر العدتين أربعة أشهر وعشر مع حيضة

ص: 453

لا بد منها.

قال سَحنون: هذا إذا كان بين الموتين أكثر من شهرين وخمس ليال، وإن كان بين الموتين أقل من شهرين وخمس ليال اعتدت أربعة أشهر وعشرًا.

قُلتُ: فتقسيم سَحنون راجع إلى لزومها عدة وفاة الحرة مع عدة أم الولد من وفاة سيدها؛ لاحتمال موته عنها بعد أن حلت له في القسم الأول، وإلى لزومها مجرد عدة وفاة الحرة فقط؛ لعدم احتمال موت سيدها عنها بعد أن حلت له.

قال ابن عبد السلام: لو وجبت الحيضة في القسم الأول كالثاني لما كان للتنويع معنى.

قُلتُ: المانع من التنويع بمعنى التقسيم بين شيئين إنما هو تماثلها، أما إذا تخالفا بأمر فلا، وهو في آخر كلامه قد أخذ بمخالفة كل منهما الآخر؛ حيث قال: حيضة عدة الوفاة وجبت للشك، وحيضة أم الولد من سيدها وجبت لوجوبها بموت السيد، وما ذكره عن بعض الحذاق أن هذا الحكم مطرد في المدَوَّنة في كل عدة وفاة لم أجده لأحد من مشاهير أهل المذهب لا لابن محرز، ولا لعبد الحق، ولا للخمي، ولا للصقلي، ولا لأبي عمران، ولم يذكره أبو إبراهيم، فالله أعلم من أين نقله.

قال ابن الحاجب: ولا بد مما تحل به الأمة المعتدة للوفاة من موت الأول.

ابن عبج السلام: يعني أن قوله في هذه المسألة من موت الثاني إنما هو للاحتياط، فإن أوجب رعي حال موت الأول زيادة احتياط اعتبر ذلك.

قُلتُ: في هذا الكلام نظر؛ لأنه يقتضي صحة فرض زيادة الاحتياط على ماذكره من حكم المسألة وذلك ممتنع فتأمل ذلك.

وقال ابن هارون: لما قرر أن العدة من موت الثاني ذكر أصلا مضافا إليه، وهو أنه لا بد من اعتبار ما تحل به من موت الاول، وتفسيره ما تقدم.

قُلتُ: حمله على هذا محض تكرار لما تقدم، والاظهر أنه غير راجع للمسألة المفروضة، وأنه تأسيس حكم في سبهها، كمن تزوج أمه رجل ثم وطئها سيدها في حياة زوجها ثم مات فعليها حيضة من وطء سيدها، ولا بد معها من شهرين وخمس ليال من وفاة زوجها.

ص: 454