المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم ومن صحب النبي صلى الله عليه وسلم ورآه من المسلمين فهو من أصحابه - المنهل الحديث في شرح الحديث - جـ ٣

[موسى شاهين لاشين]

الفصل: ‌فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم ومن صحب النبي صلى الله عليه وسلم ورآه من المسلمين فهو من أصحابه

ويجيب المبطلون لبيع الفضولي بأن الحديث واقعة عين لا يحتج بها فقد يكون عروة قد وكل بالشراء والبيع معا فليس من قبيل بيع الفضولي

-[ويؤخذ من الحديث]-

1 -

مشروعية السوم في البيع والشراء

2 -

أن الشرع لا يحدد الربح فقد ربح عروة هنا 100/ وأقره الرسول صلى الله عليه وسلم

3 -

منقبة عظيمة لعروة بن الجعد أو ابن أبي الجعد البارقي

4 -

وفيه علامة من علامات النبوة وهي دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لعروة فاستجيب له

‌فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم ومن صحب النبي صلى الله عليه وسلم ورآه من المسلمين فهو من أصحابه

54 -

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه

ص: 214

-[المعنى العام]-

لا شك أن سب الصفوة من الناس وخيارهم ليس كسب العامة والسوقة ولا شك أن الجريمة في حق كبار القوم أعظم منها في صغارهم ولا شك أن الصحابة خير القرون على الإطلاق أيدوا وصدقوا وصدقوا ما عاهدوا الله عليه آووا ونصروا وأوذوا في سبيل الدعوة وتحملوا وأنفقوا في سبيل الله وضحوا درهمهم لا يعدله آلاف الدنانير من غيرهم والمد منهم لا يعدله مثل أحد ذهبا من غيرهم فكان فضلهم لا يدانيه فضل وكرامتهم لا تساميها كرامة

حفظ لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم جهادهم وصان لهم عرضهم وحذر من أن ينال أحد من أحدهم ولو كان واحدا منهم

لقد كان بين خالد بن الوليد وعبد الرحمن بن عوف شيء تشاحنا وتناولا غليظ القول فسب خالد بن الوليد عبد الرحمن بن عوف فعنف رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد وساق الحديث لا تسبوا أصحابي فإنهم قمة الناس حملوا لواء الدعوة ودافعوا عنها ونشروها وبذلوا في سبيلها النفس والنفيس لو أنفق آحاد الأمة مثل جبل أحد ذهبا ما بلغ في الأجر ما يبلغه أحدهم بإنفاقه حفنات من قمح أو شعير في سبيل الله بل ما بلغ أجر أحدهم في إنفاقه حفنتين اثنتين من الشعير فرضي الله عنهم وجزاهم عن الإسلام خيرا

-[المباحث العربية]-

(لا تسبوا أصحابي) الخطاب في الأصل موجه إلى خالد بن الوليد لسبه عبد الرحمن بن عوف والجمع ليشمل من على شاكلته فالنهي للصحابة أن يسب بعضهم بعضا

قال الحافظ ابن حجر وغفل من قال إن الخطاب بذلك لغير الصحابة ممن سيوجد من المسلمين المفروضين في العقل تنزيلا لمن

ص: 215

سيوجد منزلة الموجود للقطع بوقوعه قال ووجه التعقب عليه وقوع التصريح في نفس الخبر بأن المخاطب بذلك خالد بن الوليد وهو من الصحابة الموجودين إذ ذاك بالاتفاق أهـ

ونحن نقول إن الخطاب لكل من يتأتى خطابه أعم من أن يكون صحابيا أو من دونه إلى يوم القيامة فكأنه قال لا تسبوا معشر الناس أصحابي والمراد من أصحابي مطلق الصحبة ولسنا مع من يقول إن المراد به أصحاب مخصوصون سبقوا إلى الإسلام فهو كقوله تعالى {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل} فكأنه قال يا خالد لا تسب كبار الصحابة ومتقدميهم فهذا القول يشعر مفهومه عدم النهي عن سب متأخري الصحابة فالأولى جعل الخطاب لكل من يتأتى خطابه وتعميم المراد من الصحابة

(فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا) أي أنفق مثل جبل أحد ذهبا في سبيل الله وهذا التعبير مبالغة لا واقع له إذ من المستحيل امتلاك مثل أحد ذهبا فضلا عن إنفاقه

(ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) أي ما بلغ في الدرجة والثواب وعظم الأجر ما يبلغه إنفاق أحدهم مدا من الشعير أو التمر ولا نصف المد والمد حفنة بحفنة الرجل المعتدل

-[فقه الحديث]-

اسم صحبة النبي صلى الله عليه وسلم مستحق لمن صحبه أو رآه من المسلمين وإن كان العرف يخص الصحبة ببعض الملازمة وهذا هو الراجح في تعريف الصحابي فلا يشترط فيه أن يكون الرائي وقت الرؤية مميزا فإنهم ذكروا في الصحابة مثل محمد بن أبي بكر الصديق وقد ولد قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بثلاثة أشهر وأيام ومع هذا فأحاديث هذا الضرب مراسيل لا يقبلها حتى من يقبل مراسيل الصحابة

وفضيلة الصحبة وردت في أحاديث كثيرة منها في الصحيح خير

ص: 216

أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم

وسبب التفاوت في الأجر بينهم وبين غيرهم ما يقارن الأفضل من مزيد الإخلاص وصدق النية وعظم موقع ما أنفقوا حيث ضيق اليد وشدة الاحتياج ثم إن إنفاقهم كان في نصرة النبي صلى الله عليه وسلم وذلك غير حاصل بعد وفاته والنهي عن سب الصحابة مقصود به التشديد في الحرمة والجريمة وإلا فسب عامة المؤمنين حرام ثم إن النهي يشمل عموم الصحابة فيدخل فيهم من لابس الفتنة ومن لم يلابس الفتنة لأن من لابس الفتنة كان مجتهدا متأولا وحتى من كان منهم غير مجتهد وغير متأول على سبيل الفرض يحرم سبه لأن الخطأ لا يلغي الفضيلة

ومذهب الجمهور من العلماء أن من سب الصحابة يعزر ولا يقتل وقال بعض المالكية يقتل وقال بعض المحققين إن كان سبهم والطعن فيهم مخالفا للأدلة القطعية فهو كفر كقذف عائشة رضي الله عنها وإن لم يكن كذلك فهو بدعة وفسق

-[ويؤخذ من الحديث: ]-

1 -

فضيلة الصحابة على غيرهم

2 -

أن العمل الصالح الواحد يختلف أجره باختلاف الفاعل وباختلاف المكان والزمان والظروف المحيطة

3 -

توجيه الأحكام والتدليل عليها بما يقنع السامع والمكلف

4 -

جواز التعليق على المستحيل العادي كإنفاق جبل من ذهب للمبالغة وتقريب المعاني

ص: 217

55 -

عن عائشة رضي الله عنها أن امرأة من بني مخزوم سرقت فقالوا من يكلم فيها النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجترئ أحد أن يكلمه فكلمه أسامة بن زيد فقال إن بني إسرائيل كان إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف قطعوه لو كانت فاطمة لقطعت يدها

-[المعنى العام]-

كان قطع يد السارق معلوما للعرب فلما جاء الإسلام أقره شريعة بقوله تعالى {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم}

وكانت امرأة من بني مخزوم تستعير أمتعة وحليا من أناس ثم لا تردها فإذا طولبت بها جحدتها بعد أن تبيعها وتأخذ ثمنها ولما أحست أن بعض الناس قد اكتشفوا حالها فلم يعودوا يعيرونها لجأت إلى الاستعارة باسم أناس لهم وضعهم وهم لا يعرفون فتقول مثلا إن بنت فلان أو امرأة فلان تطلب منكم كذا وكذا عارية مردودة فتعطي فتبيع ويطالب الناس الذين أخذت العارية باسمهم فيفاجأون ويفزعون وقادها هذا السلوك المنحرف إلى أن سرقت قطيفة فيها حلي فرفع أمرها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سألها فأنكرت فقال اذهبوا إلى دارها فذهبوا فأتوا بالمسروق فاعترفت

وكانت من بيت كبير وأسرة عريقة والعرب الشرفاء يسيء إلى قبيلتهم

ص: 218

كلها أن يقال فيهم سارق واحد فضيحة كبرى لبني مخزوم أن تقطع يد امرأة منهم لكن ماذا يفعلون إنهم خائفون حتى من مكالمة رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأنها هيبة وإجلالا فليبحثوا عن وسيط وشفيع مقبول الرجاء فوجدوا الحبيب بن الحبيب أسامة بن زيد فطلبوا منه أن يشفع ليعفو عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يدفعوا الفداء ويرضوا الخصماء واستجارت المرأة بأم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وجاء أسامة يشفع فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا وعنف أسامة ورماه بالجهل كيف تشفع في حد من حدود الله ثم نادى بلالا يا بلال قم فخذ بيدها فاقطعها فقام فقطعها ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس فخطب فيهم وقال إن بني إسرائيل كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الوضيع أقاموا عليه الحد فأهلكهم الله بظلمهم والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها أما المرأة فقد تابت توبة خالصة واستضافتها يوم القطع امرأة أسيد بن حضير وآوتها بعد أن قطعوا يدها وصنعت لها طعاما وغضب أسيد من زوجته لعطفها عليها فشكاها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم رحمتها رحمها الله وظل رسول الله صلى الله عليه وسلم يرحمها ويصلها

-[المباحث العربية]-

(أن امرأة من بني مخزوم) اسمها على الصحيح فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم

(سرقت) قطيفة وقيل حليا وقيل كانت تستعير المتاع وتجحده وسمي بذلك سرقة لشبهه بالسرقة وسيأتي مزيد إيضاح في فقه الحديث

(فقالوا من يكلم النبي صلى الله عليه وسلم معطوف على محذوف أي فرفع أمرها للنبي صلى الله عليه وسلم أو فأتي بها للنبي

(فيها) أي في أمرها والشفاعة عنده أن لا يقطع يدها أي في العفو عنها

(فلم يجترئ أحد أن يكلمه) أي يشفع عنده فيها أن لا تقطع إما

ص: 219

عفوا وإما فداء ويجترئ بسكون الجيم وكسر الراء يفتعل من الجرأة بضم الجيم ويجوز فتح الجيم والراء مع المد والجرأة الإقدام

(فكلمه أسامة بن زيد) وكانوا يسمونه حب رسول الله صلى الله عليه وسلم بكسر الحاء أي محبوبه لما يعرفون من منزلته عنده لأنه كان يحب أباه قبله وأمه أم أيمن حاضنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يجلسه على فخذه صلى الله عليه وسلم بعد أن كبر وأبوه زيد بن حارثة استشهد في غزوة مؤتة أما أسامة فمات في المدينة سنة أربع وخمسين وفي رواية فكلمه فزبره أي أغلظ في القول حتى نسبه إلى الجهل

(فقال إن بني إسرائيل) في رواية أنه صلى الله عليه وسلم قام في الناس خطيبا فقال إنما أهلك من كان قبلكم

إلخ ويحتمل أنه قال ذلك لأسامة ثم قام يخطب في الناس

(كان إذا سرق فيهم الشريف تركوه) اسم كان ضمير الحال والشأن

(وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه) في رواية الوضيع والشريف يقابل الضعيف والوضيع لما يستلزم الشرف من الرفعة والقوة

(لو كانت فاطمة) فاطمة بالنصب خبر كانت واسمها ضمير يعود على السارقة وفي رواية لو فاطمة ويقدر فعل بعد لو لأنه لا يليها إلا الأفعال أو يقدر لفظ أن لتساير الرواية الأخرى وحذف أن مع لو كثير

-[فقه الحديث]-

في بيان المسروق أخرج ابن ماجه لما سرقت المرأة القطيفة من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظمنا ذلك فجئنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نكلمه

وفي رواية مرسلة أنها سرقت حليا ويمكن الجمع بينهما بأن الحلي كانت في القطيفة

لكن جاء عند مسلم وأبي داود أن المرأة كانت تستعير المتاع وتجحده وعند النسائي أنها استعارت حليا على ألسنة ناس كوسيطة لهم

ص: 220

فباعته وأخذت ثمنه وقد أثارت هذه الرواية إشكالا فقهيا هل يقطع في جحد الوديعة قال بالإيجاب وأخذ بالظاهر أحمد في أشهر روايتيه وانتصر له ابن حزم وذهب الجمهور إلى أنه لا يقطع في جحد العارية إذ لا قطع على خائن ولا مختلس ولا منتهب

وأجابوا بأن رواية سرقت أرجح ولو أنها قطعت في جحد العارية لوجب قطع كل من جحد شيئا إذا ثبت عليه

وقد اختلف العلماء في جواز الشفاعة في أصحاب الذنوب فقال ابن عبد البر لا أعلم خلافا أن الشفاعة في ذوي الذنوب حسنة جميلة ما لم تبلغ السلطان وذكر الخطابي وغيره عن مالك أنه فرق بين من عرف بأذى الناس ومن لم يعرف فقال لا يشفع للأول مطلقا سواء بلغ الإمام أم لا وأما من لم يعرف بذلك فلا بأس أن يشفع له ما لم يبلغ الإمام وعن عائشة مرفوعا أقيلوا ذوي الهيئات زلاتهم إلا في الحدود كما اختلفوا هل يجوز للإمام أن يعفو أو لا يجوز يقول ابن عبد البر على السلطان أن يقيم الحد إذا بلغه وعند أبي داود وأحمد وصححه الحاكم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله في أمره وأخرج الطبراني عن عروة بن الزبير لقي الزبير سارقا فشفع فيه فقيل له حتى يبلغ الإمام فقال إذا بلغ الإمام فلعن الله الشافع والمشفع وبسند صحيح أن ابن عباس وعمارا والزبير أخذوا سارقا فخلوا سبيله فقيل لابن عباس بئسما صنعتم حين خليتم سبيله

وعند الدارقطني من حديث الزبير مرفوعا اشفعوا ما لم يصل إلى الولي فإذا وصل فعفا فلا عفا الله عنه

-[ويؤخذ من الحديث: ]-

1 -

منع الشفاعة في الحدود إذا بلغت الوالي

2 -

تمسك بالحديث من أوجب إقامة الحد على القاذف إذا بلغ الإمام ولو عفا المقذوف وهو قول الحنفية وقال مالك والشافعي وأبو يوسف

ص: 221

يجوز العفو مطلقا ويدرأ بذلك الحد

3 -

وفيه دخول النساء مع الرجال في حد السرقة

4 -

وفيه ترك المحاباة في إقامة الحد على من وجب عليه

5 -

وفيه منقبة عظيمة لأسامة

6 -

وأن فاطمة عليها السلام عند أبيها في أعظم المنازل لأنه ما خصها بالذكر إلا لأنها أعز أهله عنده ولأنه لم يبق من بناته حينئذ غيرها فأراد المبالغة في إثبات الحد على كل مكلف

7 -

وفيه جواز ضرب المثل بالكبير القدر للمبالغة في الزجر عن الفعل

8 -

وفيه الاعتبار بأحوال من مضى من الأمم ولا سيما من خالف أمر الشرع

9 -

وفيه جواز الشفاعة فيما يقتضي التعزيز

10 -

وفيه ما كان عليه الصحابة من تهيبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجلاله

11 -

وفيه أن الإسلام يسوي بين أفراده على اختلاف منازلهم في القضاء

ص: 222