الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الشهادات
الشهادات جمع شهادة والمشاهدة المعاينة مأخوذة من الشهود وهو الحضور لأن الشاهد مشاهد لما غاب عن غيره ومعناها شرعا إخبار عن مشاهدة وعيان لا عن تخمين وحسبان
13 -
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: -"خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته" قال إبراهيم وكانوا يضربوننا على الشهادة والعهد"
-[المعنى العام]-
يرغب الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه في الاستزادة من الخير بأنهم خير الناس ويستحث التابعين أن ينهضوا ليقربوا من الصحابة في الفضل بأنهم خير ممن يأتي بعدهم ويحذر من زمان يكثر فيه الجور ويقل فيه العدل وتباع فيه الشهادة ويفشو فيه الكذب ولا يتورع فيه عن الزور ويستهان فيه بالشهادة واليمين يجيء فيه أقوام يخونون ولا يؤتمنون وهانحن اليوم في هذا الزمن المقصود وإن نظرة واحدة إلى أفنية المحاكم اليوم لأكبر دليل
نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا يا رب العالمين
-[المباحث العربية]-
(خير الناس قرني) معناه خير الناس أهل قرني فحذف المضاف وقد
يسمى أهل العصر قرنا لاقترانهم في الوجود قال القرطبي القرن من الناس أهل زمان واحد وقال الخطابي واشتق لهم هذا الاسم من الاقتران في الأمر الذي يجمعهم وفي مقداره خلاف قيل أربعون سنة وقيل ثمانون وقيل مائة وهو المختار وقيل هو مقدار التوسط في أعمار الزمان والمراد بقرنه صلى الله عليه وسلم أصحابه
(ثم الذين يلونهم) من وليه يليه والولي القرب والدنو والمراد منهم التابعون والمراد من الموصول الذي بعده أتباع التابعين
-[فقه الحديث]-
يقتضي هذا الحديث أن الصحابة أفضل من التابعين وأن التابعين أفضل من أتباع التابعين ولكن هل هذه الأفضلية بالنسبة إلى المجموع أم إلى الأفراد محل بحث ذهب الجمهور إلى الثاني وقال ابن عبد البر بالأول وظاهر قوله تسبق شهادته يمينه ويمينه شهادته يلزمه الدور إذ الشهادة ستكون سابقة ومسبوقة ولذا حمل على حالين لا على حالة واحدة أي تسبق شهادة أحدهم يمينه أحيانا وتسبق يمينه شهادته أحيانا وقال البيضاوي في توجيهه الذين يحرصون على الشهادة مشغوفون بترويجها يحلفون على ما يشهدون به فتارة يحلفون قبل أن يأتوا بالشهادة وتارة يعكسون ويحتمل أن يكون مثلا في سرعة الشهادة واليمين وحرص الرجل عليهما والتسرع فيهما حتى لا يدري بأيهما يبتدئ فكأنه يسبق أحدهما الآخر من قلة مبالاته بالدين وقد احتج به المالكية في رد شهادة من حلف معها والجمهور على أنها لا ترد وقد جاء في البخاري في آخر هذا الحديث قال الراوي وكانوا يضربوننا على الشهادة والعهد ونحن صغار أي كان الآباء ينهون الأبناء عن المبادرة بالشهادة حتى لا تصير المبادرة بها عادة لهم عند الكبر ولا تنافي بين هذا النهي وبين ما جاء في مسلم ألا أخبركم بخير الشهداء الذي يأتي بالشهادة قبل أن يسألها لأن الحديث محمول على من كانت عنده شهادة نسيها
صاحب الحق أو مات صاحبها العالم وترك أطفالا لهم على الناس حقوق ولا علم للوصي بها فيجيء من عنده الشهادة فيبذلها فيحيي الحق الضائع أو أن الأول حديث البخاري في حقوق الآدميين والثاني حديث مسلم في حقوق الله تعالى ونحوها مما شهد فيه حسبة وقال ابن بطال إن النهي عن الشهادة مع الإيمان يدل على قوله يضربوننا على الشهادة والعهد وإنما كانوا يضربونهم خشية أن تصير الإيمان عادة فيحلفون في كل ما يصلح وما لا يصلح
14 -
عن أبي بكرة رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثا قالوا بلى يا رسول الله قال الإشراك بالله وعقوق الوالدين وجلس وكان متكئا فقال ألا وقول الزور .. قال فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت
-[المعنى العام]-
كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحذر أصحابه من أمهات المعاصي بكثير من التنفير ويظهر عند ذكرها الاهتمام بها أكثر من سواها مراعيا في ذلك مقتضى
الحال ومناسبة القول للسامعين فهو يحذر من الكذب وشهادة الزور فيسترعي انتباههم ويستجمع فهمهم ويثير أحاسيسهم بقوله ألا أخبركم بأكبر الكبائر فيقولون بلى أخبرنا يا رسول الله فيكررها ثلاثا فيكررون بلى أخبرنا يا رسول الله فلا يبدأ بمطلوبه بل يقدم عليه ما رسخ في أذهانهم قبحه وما استقر في طبائعهم عظمه ليقترن المقصود بالمعلوم فيقول ألا وقول الزور ألا وقول الزور ألا وقول الزور يظل يكررها حتى يشفق عليه القوم ويقولون في أنفسهم تألما من انزعاجه ليته يسكت لا يقدرون على النطق تأدبا معه وتقديسا له صلى الله عليه وسلم ورضي عن أصحابه الصادقين
-[المباحث العربية]-
(ألا أنبئكم) بالتشديد والتخفيف أي ألا أخبركم وألا بفتح الهمزة وتخفيف اللام للتنبيه ليدل على تحقيق ما بعدها
(بأكبر الكبائر) جمع كبيرة وهي الفعلة القبيحة فهي في الأصل صفة لموصوف محذوف وفي معناها الشرعي خلاف قيل كل معصية وقيل كل ذنب قرن بنار أو لعنة أو غضب أو عذاب والأقرب أنها كل ذنب ورد فيه وعيد شديد من كتاب أو سنة وإن لم يكن فيه حد
(ثلاثا) معمول لقال أي قال ذلك ثلاثا تنبيها للسامع على استحضار فهمه
(الإشراك بالله) خبر مبتدأ محذوف أي أكبر الكبائر الإشراك بالله والمراد به مطلق الكفر ويكون تخصيصه بالذكر لغلبته في الوجود ولا سيما في بلاد العرب فذكره تنبيها على غيره ويحتمل أن يراد به خصوصيته إلا أنه يرد عليه أن بعض الكفر أعظم قبحا من الإشراك وهو التعطيل لأنه نفي مطلق والإشراك إثبات مقيد فيترجح الاحتمال الأول
(وعقوق الوالدين) من العق وهو القطع والعاق هو الذي شق عصا الطاعة لوالديه قال النووي هذا قول أهل اللغة أما حقيقة العقوق المحرم شرعا فقل من ضبطه وقال ابن الصلاح: العقوق المحرم كل فعل يتأذى به
الوالدان تأذيا ليس بالهين وقال وربما قيل طاعة الوالدين واجبة في كل ما ليس بمعصية ومخالفة أمرهما في ذلك عقوق
(وكان متكئا) الجملة حالية على تقدير قد عند من يوجبها في الجملة التي فعلها ماض مثبت إذا وقعت حالا
(ألا وقول الزور) فصل بين التعاطفات بحرف التنبيه تعظيما لشأن قول الزور وإضافة القول إلى الزور من إضافة الموصوف إلى صفته
-[فقه الحديث]-
إنما جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد اتكائه حينما أراد أن يحذر من قول الزور وكرره ثلاثا اهتماما به وتأكيدا لتحريمه وتعظيما لقبحه وليس ذلك لعظم قولة الزور بالنسبة إلى الإشراك والعقوق وإنما لكثرة المفاسد المترتبة على قول الزور والمتعدية إلى غير الشاهد وقول الزور أسهل وقوعا على الناس والتهاون به أكثر فإن الإشراك ينبو عنه قلب المسلم والعقوق يصرف عنه الطبع وأما قول الزور فالحوامل عليه كثيرة كالعداوة والحسد وغيرهما فاحتاج إلى الاهتمام والمراد بقول الزور ما هو أعم من الشهادة فيشمل الكذب في المعاملات وقيل المراد به شهادة الزور خاصة ويؤيده ما رواه ابن ماجه من أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصبح فلما انصرف قام قائما فقال عدلت شهادة الزور بالإشراك بالله ثلاث مرات ثم تلا قوله تعالى {فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور} فقد حمل صلى الله عليه وسلم قول الزور في الآية على شهادة الزور وإذا قلنا إن المراد من قول الزور الكذب فليس معنى ذلك أن أية كذبة كبيرة بل مراتب الكذب متفاوتة بحسب المكذوب عليه وبحسب المترتب على الكذب من المفاسد وإنما قال الصحابة ليته سكت شفقة عليه صلى الله عليه وسلم وكراهية لما يزعجه أو لما حصل لهم من الرعب والخوف من هذا المجلس وهذا التكرار وليس المراد من الاقتصار على ذكر هذه الثلاثة انحصار أكبر الكبائر فيها بل ذكرها لمناسبتها للسامعين في ذلك الوقت ولا يلزم من كون المذكورات أكبر الكبائر استواء
رتبتها نفسها فإننا لو قلنا البطيخة والبرتقالة أكبر من التمرة لا يقتضي استواء البطيخة والبرتقالة في الكبر وهذا الحديث يدل على انقسام الكبائر في عظمها إلى كبير وأكبر ويؤخذ منه ثبوت الصغائر وأما قول بعضهم إن كل ذنب كبيرة فهو محمول على كراهية تسمية معصية الله صغيرة إجلالا له عز وجل فالخلاف بينه وبين الجمهور خلاف لفظي.
ووجهة نظر هذا القائل أنه كره تسمية معصية الله صغيرة إجلالا له عز وجل وذلك لا يساير ما وافق عليه من أن الجرح لا يكون بمطلق المعصية وأن من الذنوب ما يكون قادحا في العدالة ومنها ما لا يقدح وهذا مجمع عليه وإنما الخلاف في التسمية والصحيح التغاير والتخالف بين الذنوب لورود القرآن والأحاديث بذلك ولأن ما عظم فساده أحق باسم الكبيرة بل نص القرآن في انقسام الذنوب إلى صغائر وكبائر ولذا قال الغزالي لا يليق إنكار الفرق بينهما وقد عرف من مدرك الشرع
-[ويؤخذ من الحديث: ]-
1 -
عظم حرمة قول الزور وفي معناه كل ما كان زورا من تعاطي المرء ما ليس له أهلا
2 -
ما كان عليه الصحابة من كثرة الأدب معه صلى الله عليه وسلم والمحبة له والشفقة عليه
15 -
عن عبد الرحمن بن أبي بكرة رضي الله عنه قال أثنى رجل على رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال ويلك قطعت عنق صاحبك قطعت عنق صاحبك مرارا ثم قال من كان منكم مادحا أخاه لا محالة فليقل أحسب فلانا والله حسيبه ولا أزكي على الله أحدا أحسبه كذا وكذا إن كان يعلم ذلك منه
-[المعنى العام]-
سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يثني على رجل في مدحه فخشي على المسلمين من فتح باب المدح على مصراعيه أن يؤدي إلى كذب المادح أو إلى مراءاته أو إلى مجازفته بما لا يعلم أو إلى اغترار الممدوح وفتوره عن الخير اتكالا على ما قيل فيه فقيد باب المدح بقوله عجبا لك أيها المادح أهلكت صاحبك الممدوح أهلكت صاحبك الممدوح لا تمدحوا الناس في وجوههم لا تكثروا الثناء لا تقطعوا بخيرية أحد لأن علم بواطن الأمور عند الله فإن أبيتم إلا أن تمدحوا وكنتم واثقين مما تقولون فقولوا نحسب ونظن فلانا كذا وكذا والله حسيبه وكافيه وعالم بحقيقته ولا نزكي على الله أحد
-[المباحث العربية]-
(رجل على رجل) قيل: المثني محجن بن الأدرع الأسلمي والمثنى عليه عبد الله ذو البجادين بكسر الباء صحابي جليل مات في غزوة تبوك ودفنه النبي صلى الله عليه وسلم بيده في قبره وقال اللهم إني أمسيت عنه راضيا فارض عنه وقال ابن مسعود فليتني كنت صاحب الحفرة
(ويلك) لفظ الويل في الأصل الحزن والهلاك والمشقة ويستعمل بمعنى التفجع والتعجب وها هنا كذلك وينتصب عند الإضافة ويرتفع عند القطع وناصبه عامل مقدر من غير لفظه أي هلكت هلاكا أو أتعجب منك تعجبا
(قطعت عنق صاحبك) مستعار من قطع العنق الذي هو القتل لاشتراكهما في الهلاك أي أهلكت صاحبك بإدخال الغرور عليه
(مرارا) يريد أن النبي صلى الله عليه وسلم كررها مرارا وجاء في رواية ثلاثا وهو معمول لقال
(لا محالة) أي لا حيلة له في ترك ذلك فالميم زائدة ومعناه لا بد
(أحسب) بكسر السين وفتحها ومعناه أظن أما أحسب بضم السين فهي للعدد
(فلانا) مفعول أحسب الأول ومفعولها الثاني كذا وكذا وأحسبه الثانية تأكيد للأولى أعيدت لطول الفصل
(والله حسيبه) أي كافيه فعيل بمعنى فاعل والجملة لا محل لها من الإعراب معترضة هي والجملة التي بعدها بين معمولي أحسب وهما أيضا من مقول القول
(ولا أزكي على الله أحدا) أي لا أقطع على الله بعاقبة أحد بخير ولا غيره لأن ذلك مغيب عنا لكن نقول نحسب ونظن والله يعلم الحقائق، وعدى فعل التزكية بعلى مضمنة معنى الجرأة أي لا أمدح متجرئا على غيب الله
(وإن كان يعلم ذلك منه) اسم الإشارة يعود على صفات الكمال التي هي منشأ المدح وجواب الشرط محذوف أي إن كان يعلم فليقل أحسب والعلم مراد به الظن لئلا يقال إذا كان يعلم ذلك منه فلم يقول أحسبه
-[فقه الحديث]-
ظاهر الحديث يقتضي النهي عن المدح وقد حمله العلماء على
المدح في الوجه الذي يؤدي إلى غرور الممدوح وإعجابه بنفسه وافتتانه عن الرغبة في الخير اتكالا على ما ظنه في نفسه بسبب الإطراء وحمله البعض على الإفراط في المدح وحمله البعض على المدح بما ليس فيه وبهذه التوجيهات أول العلماء قوله صلى الله عليه وسلم احثوا في وجوه المادحين التراب وقول عمر إياكم والمدح فإنه من الذبح أما مدح من لا يخاف عليه بما فيه من غير إفراط فلا يدخل في النهي فقد مدح صلى الله عليه وسلم في الشعر والخطب وكل ما هنالك أنه نهى مادحيه عن الإطراء لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم وقد يستحب المدح إن حصل به مصلحة كأن يشجع الممدوح فيزداد في الخير أو يستنهض به همم الغير ليقتدوا به كما قال النووي في شرح مسلم ويستحب للممدوح حينئذ أن يقول اللهم اغفر لي ما لا يعلمون ولا تؤاخذني بما يقولون واجعلني خيرا مما يظنون وقد احتج أبو حنيفة بهذا الحديث على الاكتفاء في التزكية بواحد لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعب على الرجل إلا الإغراق والغلو في المدح والراجح عند الشافعية والمالكية اشتراط اثنين في التزكية كما في الشهادة
-[ويستنبط من الحديث: ]-
1 -
أن الثناء على الشخص في وجهه عند الحاجة لا يكره وإنما يكره الإطناب في ذلك
2 -
الندب إلى مراعاة الحيطة والدقة عند التحدث عن الغير