الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قدوم الأشعريين وأهل اليمن
68 -
عن أبي موسى رضي الله عنه قال إنا أتينا النبي صلى الله عليه وسلم نفر من الأشعريين فاستحملناه فأبى أن يحملنا فاستحملناه فحلف أن لا يحملنا ثم لم يلبث النبي صلى الله عليه وسلم أن أتي بنهب إبل فأمر لنا بخمس ذود فلما قبضناها قلنا تغف لنا النبي صلى الله عليه وسلم يمينه لا نفلح بعدها أبدا فأتيته فقلت يا رسول الله إنك حلفت أن لا تحملنا وقد حملتنا قال أجل ولكن لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير منها
-[المعنى العام]-
في سنة تسع من الهجرة عام الوفود قدم وفد الأشعريين ضمن وفد يمني وكانت الوفود تأتي إلى المدينة بعد أن شاع الإسلام وأمن على نفسه من آمن جاءوا يرغبون في الاستزادة من الإسلام برؤية النبي صلى الله عليه وسلم جاءت رءوس القبائل تعلن طاعتها وإسلامها وجاء الفقراء منهم للتفقه في الدين وابتغاء فضل الله حيث كانت الغنائم تتوالى رأى الأشعريون وهم الفقراء سماحة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوده وكثرة عطائه فتعرضوا للعطاء مرة ومرتين فلم يصبهم لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقدم البعض على البعض لاعتبارات فقد
يقدم ضعيف الإيمان يستأنفه وإن كان غنيا وقد يقدم وفد قبيلة غليظة الفؤاد على وفد قبيلة رقيقة القلوب يستلينهم نعم وقد يعطي الرجل وغيره أحب إليه ممن أعطاه ولم يصبر الأشعريون وللفقر أنياب موجعة لقد صرحوا بالطلب فأعرض صلى الله عليه وسلم صرحوا مرة أخرى أن يعطيهم نوقا تحملهم فاعتذر لهم برفق ألحوا وألحفوا فغضب صلى الله عليه وسلم وحلف أن لا يعطيهم وبدا عليهم الانكسار والتأسف وأقاموا بين عذاب الضمير لإغضابهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الحرمان فلا هم أخذوا ولا هم استبقوا رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يأتون مجلسه خائفين وجلين يغضون الطرف ويخفضون الصوت لكن الكريم السمح الذي يعز عليه مشقة أمته الرءوف الرحيم لا يفوته جبر خاطر من عنفه وأغلظ له مؤدبا لقد جاءه صلى الله عليه وسلم قطيع من إبل ساقها الله غنيمة للمسلمين فأمر أن يعطي الأشعريون منها خمسا فلما أخذوها قال بعضهم لبعض لقد كان صلى الله عليه وسلم قد حلف أنه لن يعطينا لعله نسي يمينه وأعطانا في غفلة عنها ولئن أخذناها والحالة هذه لا يبارك لنا فيها ولا نفلح بعدها أبدا في أبداننا وأموالنا وأولادنا فلنرجع إليه بالنوق نذكره يمينه فرجعوا وتكلم أبو موسى الأشعري نيابة عنهم فقال يا رسول الله إنك حلفت لا تعطينا وقد أعطيتنا أنسيت يمينك قال صلى
الله عليه وسلم ما نسيت وما أعطيتكم ولكن الله الذي أعطاكم فالعطاء كله من الله إنما أنا قاسم والله هو المعطي وما حلفت على شيء ورأيت غيره خيرا منه إلا فعلت ما هو خير وحنثت وكفرت عن يميني
-[المباحث العربية]-
(أتينا النبي صلى الله عليه وسلم نفر من الأشعريين) نفر بالرفع بدل من الضمير الفاعل في أتينا وقد استدل به ابن مالك على جواز الإبدال من ضمير الحاضر بدل كل من كل
والأشعريون قوم أبي موسى سكناهم اليمن قيل سموا بذلك نسبة إلى الأشعر جد لهم ولدته أمه كثير الشعر على جميع أعضاء جسمه
(فاستحملناه فأبى) السين والتاء للطلب أي طلبنا منه أن يحملنا على إبل أي طلبنا منه إبلا تحملنا ونركب عليها فأبى أن يعطينا مقدما غيرنا علينا
(فاستحملناه فحلف) أي فطلبنا منه مرة ثانية وفي رواية عن أبي موسى أرسلني أصحابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أسأله الحملان فوافقته وهو غضبان فقال والله لا أحملكم
(ثم لم يلبث) أي ثم لم تمض مدة طويلة على حلفه حتى عاد في حلفه
(أن أتي بنهب إبل) نهب بفتح النون وسكون الهاء بعدها باء أصله ما يؤخذ اختطافا بحسب السبق إليه من غير تسوية بين الآخذين والمراد هنا غنيمة وأطلق عليها لفظ نهب مجازا وإضافته إلى إبل إضافة بمعنى من أي بغنيمة من إبل
(بخمس ذود) بإضافته خمس إلى ذود وروي بالتنوين فذود إما بدل مجرور أو مرفوع خبر لمبتدأ محذوف والذود بفتح الذال وسكون الواو بعدها دال من الثلاث إلى العشرة من النوق وقيل إلى السبع وهو مؤنث ولا واحد له من لفظه والتكسير له أذواد وفي رواية بثلاث ذود وفي رواية ستة أبعرة قال بعضهم في الجمع بين الروايات يحتمل أنه أمر لهم أولا بثلاث ثم زادهم
(تغفلنا النبي صلى الله عليه وسلم يمينه) أي أخذنا منه ما أعطانا في حال غفلته عن يمينه ولم نذكره به
(فلما قبضناها قلنا) في رواية فاندفعنا أي سرنا مسرعين وفي رواية ثم انطلقنا فقلت لأصحابي
…
فالقائل أبو موسى وأسند القول للجمع لرضاهم به
(لا أحلف على يمين) أي على محلوف يمين فأطلق عليه لفظ يمين للملابسة وفي رواية على أمر
(فأرى غيرها خيرا منها) ظاهر الكلام عود الضمير على اليمين ولا يصح عوده على اليمين بمعناها الحقيقي فالمعنى فأرى غير المحلوف عليه خيرا من المحلوف عليه والرؤية هنا اعتقادية لا بصرية
(وتحللتها) أي فعلت ونقلت المنع إلى الإذن فيصير حلالا ويحصل ذلك بالكفارة
-[فقه الحديث]-
ظاهر قوله إلا أتيت الذي هو خير منها وتحللتها تقديم الحنث على الكفارة ولا خلاف في جواز ذلك لكن الخلاف في جواز تقديم الكفارة على الحنث أخذا من رواية فكفر عن يمينك وائت الذي هو خير ورواية إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير
فالحنفية وأشهب من المالكية وداود الظاهري يرون أن الكفارة لا تجزئ قبل الحنث وقالوا في قوله تعالى {ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم} أي إذا حلفتم فحنثتم وقالوا أيضا إن الكفارة تجب بالحنث لا بنفس اليمين إذ لو كانت بنفس اليمين لم تسقط عمن لم يحنث، وقالوا أيضا إن الكفارة بعد الحنث فرض وإخراجها قبل الحنث تطوع ولا يقوم التطوع مقام الفرض
وذهب ربيعة والأوزاعي والليث والشافعي وسائر فقهاء الأمصار إلى أن الكفارة تجزئ قبل الحنث وإن استحبوا تأخيرها لما بعد الحنث واحتجوا بأن اختلاف ألفاظ الحديث لا يدل على تعيين أحد الأمرين وإنما أمر الحالف بأمرين فإذا أتى بهما جميعا فقد فعل ما أمر به وقد اختلف لفظ الحديث فقدم الكفارة مرة وأخرها مرة لكن بحرف الواو الذي لا يوجب ترتيبا قال الباجي وابن التين وجماعة الروايتان دالتان على الجواز لأن الواو لا ترتب وقال الجمهور في قوله تعالى {ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم} أي إذا حلفتم فأردتم الحنث وللإمام مالك في المسألة روايتان قال عياض ومنع بعض المالكية تقديم كفارة المعصية لأن فيه إعانة على المعصية والله أعلم
واختلف العلماء في هل كفر صلى الله عليه وسلم عن يمينه المذكورة فقيل لم يكفر أصلا لأنه مغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر إنما نزلت الكفارة تعليما للأمة والظاهر من الحديث أنه كفر وهو الأصح لقوله في رواية الصحيح وكفرت عن يميني
-[ويؤخذ من الحديث: ]-
1 -
ترجيح الحنث في اليمين إذا كان خيرا من التمادي في التمسك به وخص ذلك بعضهم بما كان طاعة مستأنسا برواية مسلم فرأى غيرها أتقى لله فليأت التقوى
2 -
وأن تعمد الحنث في مثل ذلك يكون طاعة لا معصية
3 -
وجواز الحلف من غير استحلاف لتأكيد الخبر ولو كان مستقبلا
4 -
وفيه جواز اليمين عند المنع
5 -
ورد السائل الملحف عند تعذر الإسعاف
6 -
وتأديبه بنوع من الإغلاظ بالقول
7 -
واستحباب استدراك جبر خاطر السائل الذي يؤدب على الحاجة إذا تيسر
8 -
وأن من أخذ شيئا يعلم أن المعطي لم يكن راضيا بإعطائه لا يبارك له فيه
69 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدة وألين قلوبا الإيمان يمان والحكمة يمانية والفخر والخيلاء في أصحاب الإبل والسكينة والوقار في أهل الغنم
-[المعنى العام]-
القلوب كالمعادن تصفو وترق وتشع وتجلو ثم هي تصدأ وتغلظ وتجمد وتسود نعم وللقلوب طلاء كطلاء المعادن وطلاؤها الذكر والتدبر والنظر في مخلوقات الله واتخاذ أسباب التواضع والرفق والحلم والرحمة والخوف والوجل
نعم للقلوب صدأ كصدأ الحديد وسواد ودخان يتكاثف عليها كتكاثفه على النحاس بفعل النار يجلبه الغرور وكثرة المال والتكالب على الدنيا
وقد وصف الله تعالى الصنف الأول في آيات كثيرة فقال {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب} {والذين يؤتون ما
آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون} {الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله} {وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة} ووصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدة وألين قلوبا
…
السكينة والوقار في أهل الغنم
كما وصف القرآن الكريم الصنف الثاني في آيات كثيرة فقال {ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا} {لهم قلوب لا يفقهون بها} {فإنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور} {ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة}
وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بقوله والفخر والخيلاء في أهل الإبل وفي رواية غلظ القلوب والجفاء في المشرق
ويهدف الرسول صلى الله عليه وسلم بعد بيان اختلاف القلوب إلى إعطاء كل ذي حق حقه من المدح أو الذم إلى إعطاء اليمنيين الذين سارعوا إلى الإسلام وقبول الإيمان حقهم من الثناء أتاكم معشر المهاجرين والأنصار
…
أتاكم أهل اليمن أضعف قلوبا وأرق أفئدة الإيمان يمان والحكمة يمانية
…
والسكينة والوقار في أهل الغنم وإلى إعطاء ربيعة ومضر الذين قست قلوبهم وأعرضوا عن الإيمان حقهم من الذم والفخر والخيلاء في أهل الإبل جعلنا الله ممن رقت قلوبهم و {الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب}
-[المباحث العربية]-
(أتاكم أهل اليمن) الخطاب للصحابة والمهاجرين والأنصار وقال لهم هذا القول وهو بتبوك
(هم أرق أفئدة وألين قلوبا) المفضل عليه محذوف أي هم أرق أفئدة ممن سواهم أو من أهل المشرق وهو الأولى والمشهور أن الفؤاد هو القلب وعليه يكون الوصفان الرقة واللين لموصوف واحد وقيل الفؤاد
غير القلب فإنه عين القلب أو باطن القلب أو غشاء القلب وأما الوصف باللين والرقة والضعف فالمراد منه أنها ذات خشية واستكانة وأنها سريعة الاستجابة والتأثر لأن الغشاء إذا رق سهل نفوذ الشيء إلى ما وراءه
(الإيمان يمان) أي الإيمان في أهل اليمن أي أنهم لصفات فيهم أسرع قبولا له وأصل يمان يمني نسبة إلى اليمن فحذفت الياء تخفيفا وعوض عنها الألف
(والحكمة يمانية) بتخفيف ياء يمانية لأن الألف فيه عوض عن ياء النسب كما قلنا في يمان ولا يجمع بين العوض والمعوض والياء هنا مزيدة للتوصل إلى تاء التأنيث والحكمة هي كل كلام موافق للحق
وفي القاموس الحكمة العدل والعلم والحلم أهـ وقال بعضهم كل كلمة وعظتك وزجرتك أو دعتك إلى مكرمة أو نهتك عن قبيح فهي حكمة والمراد من الحكمة هنا في الحديث العلم المشتمل على معرفة الله تعالى
(والفخر والخيلاء) قد يفرق بينهما بأن الفخر إظهار الكبر وإعلانه سواء كان موجودا بالفعل أو غير موجود والخيلاء إعجاب نفسي وقد يظهر ببعض المظاهر وفي رواية والجفاء وغلظ القلوب وقيل الفخر هو الافتخار وعد المآثر القديمة تعظيما ومنه الإعجاب بالنفس والخيلاء الكبر واحتقار الناس
(في أهل الإبل) في رواية أهل الوبر والوبر شعر الإبل وفي رواية أهل الخيل والإبل وفي رواية في الفدادين عند أصول أذناب الإبل والفداد بتشديد الدال هو شديد الصوت والمعنى أن القسوة وغلظ القلوب والكبر في المكثرين من الإبل الذين تعلو أصواتهم خلفها عند سوقهم لها وفي رواية في أهل المشرق وفي رواية في ربيعة ومضر لأن ربيعة ومضر كانوا يمثلون أغلبية سكان أهل المشرق وقد اشتهروا بتربية الإبل والخيل
(في أهل الغنم) أي في اليمن لأن معظم تربيتهم الغنم وفي رواية في أصحاب الشاء
-[فقه الحديث]-
حاول بعض العلماء صرف نسبة الإيمان إلى أهل اليمن عن ظاهرها حيث أن مبدأ الإيمان من مكة ثم من المدينة وقد تكلفوا لهذا الصرف تكلفات بعيدة منها
أن المراد من اليمن مكة فإنه يقال إن مكة تهامة وتهامة من أرض اليمن ومنها أن المراد من اليمن مكة والمدينة فإنه يروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا الكلام وهو في تبوك ومكة والمدينة حينئذ بينه وبين اليمن فأشار إلى ناحية اليمن وهو يريد مكة والمدينة كما قالوا الركن اليماني وهو بمكة لكونه ناحية اليمن
ومنها أن المراد بذلك الأنصار لأنهم يمنيون في الأصل فنسب الإيمان إليهم لكونهم أنصاره
والحق أن هذا التكلف بعيد عن الصواب وبعيد عن ألفاظ الحديث في مجموع طرقه ورواياته إذ من ألفاظه كما هنا أتاكم أهل اليمن والكلام لأهل مكة المهاجرين ولأهل المدينة الأنصار فالآتي إذن غيرهم ثم إنه ليس هناك مانع أصلا من إجراء الكلام على ظاهره وحمله على أهل اليمن حقيقة فأهل اليمن سارعوا إلى قبول الإيمان
ثم إن نسبة الإيمان إليهم وإن كان فيها إشعار بكمال إيمانهم لا تنفي الإيمان عن غيرهم بل جاء في رواية صحيحة والإيمان في أهل الحجاز
ثم إن هذا الحكم لا ينسحب على أهل اليمن فردا فردا ولا في جميع العصور فإن اللفظ لا يقتضيه
-[ويؤخذ من الحديث: ]-
1 -
منقبة عظيمة للمؤمنين من أهل اليمن