الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قصة أهل نجران
67 -
عن حذيفة قال جاء العاقب والسيد صاحبا نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدان أن يلاعناه قال فقال أحدهما لصاحبه لا تفعل فوالله لئن كان نبيا فلاعنا لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا قالا إنا نعطيك ما سألتنا وابعث معنا رجلا أمينا ولا تبعث معنا إلا أمينا فقال لأبعثن معكم رجلا أمينا حق أمين فاستشرف له أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قم يا أبا عبيدة بن الجراح فلما قام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا أمين هذه الأمة
-[المعنى العام]-
نجران بلد كبير يتبعه قرى كثيرة فوق السبعين قرية وتقع بين مكة واليمن أرسل إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في مكة يدعوهم إلى الإسلام فخرج إليه وفد عاد ولم يسلم وفي المدينة وفي سنة تسع من الهجرة قدم
وفد نجران شأنهم شأن كثير من الوفود التي قدمت بعد أن ذاع أمر الإسلام وقويت شوكة المسلمين جاء عشرون رجلا على رأسهم رجلان رجل يلقب بالسيد واسمه الأيهم وكان رئيسهم في مجتمعاتهم ورجل يلقب بالعاقب واسمه عبد المسيح وكان صاحب الرأي والمشورة فيهم دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام فلم تلن له قلوبهم وانصرفوا من يومهم ونزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانون آية من أول سورة آل عمران إحداها تقول {فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين} فلما عادوا في اليوم الثاني قرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الآية وقال لهم إن أنكرتم ما أقول فهلم أباهلكم أي ألاعنكم أي يقول كل منا ألا لعنة الله على الظالمين فانصرفوا يتشاورون فلما أصبح الصباح خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد الحسن والحسين ليباهل الوفد وقال لأصحابه لقد أتاني البشير يبشرني بهلاك أهل نجران إن هم أقدموا على المباهلة وجاء الوفد ورئيساه العاقب والسيد فقال أحدهما لصاحبه والله لا نباهله أبدا لأنه لو كان نبيا ولاعناه لن نفلح أبدا نحن ولا أولادنا من بعدنا قال الآخر وهل نستجيب لما يطلبه منا إنه يطلب جزية في مقابل حمايته لنا مع بقائنا على ديننا إنه يطلب ألفي حلة في العام ألفا في رجب وألفا في صفر ومع كل حلة أوقية من ذهب إنها جزية كبيرة قال له صاحبه لكنها أهون علينا من المباهلة وأهون علينا من الدخول في دينه فذهبا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولان له لن نباهلك ولكنا سنعطيك ما طلبت من الجزية فابعث معنا رجلا أمينا
نسلمها له ولا تبعث معنا إلا أمينا فقال صلى الله عليه وسلم كل المسلمين أمين وسأبعث معكم رجلا أمينا حق أمين وأعظم أمين وبات المسلمون كل يتطلع لأن يكون هو المبعوث ليحظى بهذا الشرف الكبير أمين حق أمين فلما أصبحوا وانتظر الصحابة من يكون صاحب هذا الشرف قال صلى الله عليه وسلم قم يا أبا عبيدة بن الجراح فاذهب معهم والتفت إليهم وقال هذا أمين هذه الأمة
-[المباحث العربية]-
(جاء العاقب والسيد) العاقب اسمه عبد المسيح وكان صاحب الرأي والمشورة في أهل نجران والسيد واسمه الأيهم بياء ساكنة بعد الهمزة ويقال اسمه شرحبيل وكان رئيس مجتمعاتهم
(صاحبا نجران) أي المقيمان بها الملازمان لها من الصحبة ونجران بفتح النون وسكون الجيم بلدة كبيرة بين مكة واليمن يتبعها ثلاث وسبعون قرية
(يريدان أن يلاعناه) المراد من الملاعنة أن يقول كل من المختلفين على أمر لعنة الله على الكاذب وهي المباهلة الواردة في قوله تعالى {فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين} وإسناد الإرادة لهما مع أن أحدهما كان يعارض الآخر إما على سبيل تغليب المريد على غير المريد وإما لأن المعارض كان يريد ثم عدل
(فقال أحدهما لصاحبه لا تفعل) الملاعنة قيل إن القائل هو السيد وقيل هو العاقب وهو الأقرب لأنه صاحب الرأي والمشورة
(فوالله لو كان نبيا فلاعنا) في رواية فلاعننا بإظهار النون والمراد على الروايتين فلاعننا هو وليس المراد فلاعناه نحن أي دعا علينا باللعنة
(لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا) المراد من العقب الذرية التي تأتي عقب الآباء فالمراد من البعدية التأكيد أو المراد بعد أن نذهب نحن وتستقل الذرية بأمرها
(قالا إنا نعطيك ما سألتنا) ولا نلاعن القائل أحدهما وأسند القول إليهما لموافقة الآخر وكان قد سألهم أن يصالحهم ويحميهم على ألفي حلة وألفي أوقية من الذهب كجزية ما داموا لم يسلموا وكانوا نصارى
(وابعث معنا رجلا أمينا) ليتسلم مال الصلح وطلبا الأمانة في الرجل
لئلا يتهما في حالة عدم وصول المتفق عليه كاملا
(ولا تبعث معنا إلا أمينا) تصريح بلازم الجملة الأولى للتأكيد
(أمينا حق أمين) حق أمين من إضافة الصفة إلى الموصوف أي أمينا حقا
(فاستشرف له أصحاب رسول الله) أي فتطلع لرسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه واشرأبت له أعناقهم كل يحرص أن يكون هو الموصوف بهذا الوصف حتى روي عن عمر أنه قال ما أحببت الإمارة قط إلا مرة واحدة ثم ذكر القصة وقال فتعرضت أن تصيبني
(فقال قم يا أبا عبيدة بن الجراح) أي قف وأبو عبيدة اسمه عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في فهر بن مالك مات أبو عبيدة بالطاعون وهو أمير على الشام من قبل عمر سنة ثمان عشرة
-[فقه الحديث]-
قال الحافظ ابن حجر ذكر ابن إسحاق أنهم وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة وهم حينئذ عشرون رجلا لكن أعاد ذكرهم في الوفود بالمدينة فكأنهم قدموا مرتين أهـ
-[ويؤخذ من الحديث: ]-
1 -
أن إقرار الكافر بالنبوة لا يدخله في الإسلام حتى يلتزم أحكام الإسلام ذكر ذلك الحافظ ابن حجر وفيه نظر لأن ما حصل من صاحبي نجران الخوف والخشية من أن يكون نبيا ثم التسليم بغلبته عليهم ودفع الجزية له وليس بلازم أن يكونا مقرين في أنفسهما له بالنبوة
2 -
جواز مجادلة أهل الكتاب وقد تجب إذا تعينت طريقا للمصلحة قال تعالى {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن}
3 -
مشروعية مباهلة المخالف إذا أصر بعد ظهور الحجة قال الحافظ
ابن حجر وقد دعا ابن عباس إلى ذلك ثم الأوزاعي ووقع ذلك لجماعة من العلماء ومما عرف بالتجربة أن من باهل وكان مبطلا لا تمضي عليه سنة من يوم المباهلة ووقع لي ذلك مع شخص كان يتعصب لبعض الملاحدة فلم يقم بعدها غير شهرين أهـ
4 -
وفيه مصالحة أهل الذمة على ما يراه الإمام من أصناف المال ويجري ذلك مجرى ضرب الجزية عليهم فإن كلا منهما مال يؤخذ من الكفار على وجه الصغار وفي كل عام
5 -
وفيه بعث الإمام العالم الأمين إلى أهل الهدنة في مصلحة الإسلام قال الحافظ ابن حجر وذكر ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عليا إلى أهل نجران ليأتي بصدقاتهم وجزيتهم قال وهذه قصة غير قصة أبي عبيدة لأن أبا عبيدة توجه معهم فقبض مال الصلح ورجع وعلي أرسل بعد ذلك لقبض الجزية ممن لم يسلم والصدقة ممن أسلم
6 -
وفيه منقبة عظيمة لأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه وأنه أمين وهذه الصفة وإن كانت مشتركة بينه وبين كثير غيره لكن السياق يشعر بأن له مزيدا فيها وقد خص النبي صلى الله عليه وسلم بعض كبار الصحابة بفضيلة ووصفه بها وقد أخرج الترمذي وابن حبان أرحم أمتي بأمتي أبو بكر وأشدهم في أمر الله عمر وأصدقهم حياء عثمان وأقرؤهم لكتاب الله أبي وأفرضهم زيد وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ ألا وإن لكل أمة أمينا وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح