المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب العتق العتق في اللغة القوة من عتق الطائر إذا قوي - المنهل الحديث في شرح الحديث - جـ ٣

[موسى شاهين لاشين]

الفصل: ‌ ‌كتاب العتق العتق في اللغة القوة من عتق الطائر إذا قوي

‌كتاب العتق

العتق في اللغة القوة من عتق الطائر إذا قوي على جناحيه وفي الشرع عبارة عن قوة شرعية في المملوك بإزالة الملك عنه والرق ضعف شرعي يثبت في المحل فيعجزه عن التصرفات الشرعية ويسلبه أهلية القضاء ونحوها والعتق من أرفع الأعمال عند الله حث الشارع وتشوف إليه فجعله كفارة الحنث في اليمين وكفارة للظهار وكفارة للجماع في نهار رمضان وحكم به في القتل الخطأ ثم حث عليه حيث لا موجب له قال صلى الله عليه وسلم أيما رجل أعتق امرءا مسلما استنقذ الله بكل عضو منه عضوا من النار بل أوجب على من أعتق بعض عبد وهو موسر أن يعتق كله ثم حث الشحيح الحريص على المال أن يكاتب عبده فقال {والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا} ولم يكتف بالحث على الكتابة بل حث على مساعدته لأداء ما كاتب عليه {وآتوهم من مال الله الذي آتاكم} وجعلهم مصرفا من مصاريف الزكاة {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب .... } وكان عمر بن الخطاب يضرب بالدرة السيد الغني الذي يرفض مكاتبة عبده الراغب في الكتاب ثم فوق هذا وذاك أمر بحسن معاملة العبيد إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم وإذا أتى أحدكم خادمه بطعامه فإن لم يجلسه معه فليناوله لقمة أو لقمتين أو أكلة أو أكلتين فإنه ولي علاجه بل في الخطاب والحديث لا يقل أحدكم عبدي أمتي كلكم عبد الله وكل نسائكم إماء الله وليقل فتاي وفتاتي.

ص: 13

3 -

عن أبي ذر رضي الله عنه قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أفضل قال إيمان بالله وجهاد في سبيله قلت فأي الرقاب أفضل قال أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها قلت فإن لم أفعل قال: تعين صانعا أو تصنع لأخرق قلت فإن لم أفعل قال تدع الناس من الشر فإنها صدقة تصدق بها على نفسك

-[المعنى العام]-

سأل أبو ذر الغفاري رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال التي تقربه إلى الله تعالى فقال الرسول صلى الله عليه وسلم أفضل الأعمال الإيمان بالله والجهاد ثم قال فأي العبيد أعتق؟ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: أغلاهم ثمنا وأحبهم إلى أسيادهم قال أبو ذر فإن لم أستطع الجهاد ولا العتق فأي الأعمال الصالحة أقدم؟ قال الرسول صلى الله عليه وسلم تساعد الصانع الضعيف على صنعته بالنفس والمال أو تشغل عاطلا قال أبو ذر: فإن لم أستطع قال تكف أذاك عن الناس فإن كف أذى اللسان والجوارح عن الناس صدقة

-[المباحث العربية]-

(إيمان بالله) خبر مبتدأ محذوف أي أفضل الأعمال إيمان بالله

(أي الرقاب أفضل) أي للعتق وعبر عن العتق بفك الرقبة لأن حكم السيد عليه وملكه كحبل في رقبة العبد وكالغل المانع له من الخروج فإذا أعتق أطلقت رقبته من ذلك

(أغلاها ثمنا) أغلى خبر مبتدأ محذوف وثمنا تمييز وفي رواية أعلاها بالعين وفي رواية أكثرها

(وأنفسها) أي أكثرها رغبة عند أهلها لمحبتهم فيها

(فإن لم أفعل) أي إن لم أقدر على ذلك فأطلق الفعل وأراد القدرة

ص: 14

عليه وجاء في رواية فإن لم أستطع

(تعين صانعا) بالصاد والنون من الصنعة أي تعينه على صنعته بالنفس أو بالمال وفي رواية ضايعا بالضاد والياء أو بالضاد والهمزة أي تعين ذا ضياع من فقر أو عيال

(أو تصنع لأخرق) الأخرق بهمزة وراء مفتوحتين بينهما خاء ساكنة من لا يحسن صنعة ولا يهتدي إليها

(تدع الناس من الشر) أي تتركهم من الشر وتدع من الأفعال التي أمات العرب ماضيها كما يقول الصرفيون

(فإنها صدقة تصدق بها) الضمير في فإنها للمصدر الذي دل عليه الفعل وأنثه لتأنيث الخبر وتصدق بفتح الصاد وتشديد الدال أصله تتصدق فحذفت إحدى التاءين

-[فقه الحديث]-

قرن الرسول صلى الله عليه وسلم الجهاد بالإيمان لأن الجهاد أفضل الأعمال إذ ذاك كان عليهم أن يجاهدوا في سبيل الله حتى تكون كلمة الله هي العليا على أن الجهاد ليس قاصرا على مجاهدة الكفار في ميادين القتال بل يشمل جهاد النفس الأمارة بالسوء وقهرها على طاعة الله وهذا ما عبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم بالجهاد الأكبر حين عاد من الغزو فقال رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر هذه هي الدرجة الأولى في الأعمال الفاضلة إيمان بالله وجهاد في سبيله أما أفضل الرقاب عند العتق فأغلاها ثمنا وأحبها إلى صاحبها إن العتق على هذه الصفة لا يقع غالبا إلا خالصا لوجه الله وإليه الإشارة بقول الله تعالى {لن تناولوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} وكان لابن عمر رضي الله عنه جارية يحبها فأعتقها لهذه الآية وفي تطبيق هذا الوصف وعدم تطبيقه قال النووي محله والله أعلم فيمن أراد أن يعتق رقبة واحدة أما إذا كان معه ألف درهم وأمكن أن يشتري بها رقبة نفيسة أو رقبتين مفضولتين فالرقبتان أفضل وهذا بخلاف الأضحية فإن

ص: 15

الواحدة السمينة أفضل كما اختلف فيما إذا كان النصراني أو اليهودي أكثر ثمنا من المسلم فقال مالك عتق الأغلى أفضل وإن كان غير مسلم وقيل عتق المسلم أفضل قال صاحب الفتح والذي يظهر أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص والضابط أن أيهما كان أكثر نفعا كان أفضل سواء قل أو كثر وإنما أمره بإعانة الصانع قبل الأخرق لأن إعانته أفضل من إعانة غير الصانع لأن غير الصانع مظنة الإعانة فكل أحد يعينه غالبا بخلاف الصانع فإنه لشهرته بصنعته يغفل عن إعانته فهو من جنس الصدقة على المستور وهذه الرواية أولى من رواية ضائعا بالضاد لأنها هي التي تقابل بإعانة الأخرق

وقد اختلفت الروايات في أفضل الأعمال وللجمع بينها قيل: إن الاختلاف وقع بحسب اختلاف السائلين والجواب لهم بحسب ما يليق بالمقام

-[ويؤخذ من الحديث]-

1 -

أن الجهاد أفضل الأعمال بعد الإيمان

2 -

حسن المراجعة في السؤال

3 -

صبر المفتي والمعلم على التلميذ والرفق به

4 -

فيه إشارة إلى أن إعانة الصانع أفضل من إعانة غير الصانع

5 -

فيه دليل على أن الكف عن الشر داخل في فعل الإنسان وكسبه فيؤجر عليه عند النية والقصد لا مع الغفلة والذهول

ص: 16

4 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه فإن لم يجلسه معه فليناوله لقمة أو لقمتين أو أكلة أو أكلتين فإنه ولي علاجه

-[المعنى العام]-

يأمر الرسول صلى الله عليه وسلم السادة بأن يحسنوا معاملة الخدم بأن يجلسوهم معهم على مائدة الطعام ليأكلوا مما يأكلون ففي هذا هضم لنفس السيد واعتراف منه بالمساواة في الخلق والأخوة في الإنسانية وشكر لنعمة الله عليه وفيه الإحسان إلى خادمه الذي تحت يده وتطييب لنفسه وتعليمه لآداب المائدة وإعفافه عن السرقة والحقد. فيقول عليه الصلاة والسلام إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه فليجلسه معه ليأكل إن لم تكن ريبة بأن كان الخادم جميلا والمخدوم سيدة أو الخادمة جميلة والمخدوم رجلا أو كان هناك ضيف يشمئز من وجود الخادم فإن وجد ما يمنع إجلاسه فليناوله مما يأكله قبل أن يأكل ولا ينتظر حتى يقذف إليه بالفضلات ولا يجعل له طعاما خاصا أقل جودة مما يأكل فإن نفس الخادم تتعلق بما يقدم فإن لم يفعل لم يزك الطعام ولم ينتفع به آكله بل قد يعود عليه بالضرر والأمراض

ص: 17

-[المباحث العربية]-

(إذا أتى أحدكم خادمه) بنصب أحد على أنه مفعول مقدم ورفع خادم على الفاعلية والمراد بالخادم من يخدم سواء كان عبدا أو حرا ذكرا أو أنثى

(فإن لم يجلسه معه) معطوف على محذوف تقديره فليجلسه معه وهو جواب إذا وقد ثبت ذلك عند أحمد وفي رواية فليقعده معه ليأكل وفي أخرى فليدعه فليأكل معه فإن لم يفعل فليناوله

(لقمة أو لقمتين أو أكلة أو أكلتين) رواه الترمذي بلفظ لقمة أو لقمتين بدون الأكلة والأكلة بضم الهمزة هي اللقمة وأو للشك من الراوي هل قال الرسول صلى الله عليه وسلم لقمة أو لقمتين؟ أو أكلة أو أكلتين؟ فجمع بينهما وأتى بالشك ليحتاط في تأدية المقالة كما سمعها ويحتمل أن يكون من عطف أحد المترادفين على الآخر بكلمة أو وقد صرح بعضهم بجوازه وأما أو التي في قوله لقمة أو لقمتين وقوله أكلة أو أكلتين فهي للتقسيم بحسب حال الطعام وحال الخادم

(فإنه ولي علاجه) الفاء للتعليل والفعل ولي إما من الولاية أي تولى ذلك وإما من الولي وهو القرب والعلاج مصدر عالج يعالج أي تولى صنع الطعام أو قرب من مكان صنعه وتحمل مشقة حره ودخانه وحمله وشم ريحه وعلقت به نفسه

-[فقه الحديث]-

محل إطعام الخادم لقمة أو لقمتين إذا كان الطعام قليلا أما إذا كان كثيرا فيلزمه أن يشبعه ويسن أن يقلب اللقمة في الدسم وأن تكون بحيث تسد مسدا ليست صغيرة تثير الشهوة ولا تقضي وطرا والأمر بالإجلاس والمناولة للندب على الراجح وليس قاصرا على من ولي علاج الطعام بل شمل كل خادم وهذا الوصف أشمل

ص: 18

-[ويؤخذ من الحديث]-

1 -

الحث على حسن معاملة الخادم

2 -

الحث على مكارم الأخلاق والمواساة والتواضع وعدم الترفع على عباد الله ولو كانوا خدما

3 -

استحباب إعطاء الأجير شيئا من الذي يجنيه

ص: 19